Skip to main content

Full text of "‫أوراق فلسفية 13 - ملف العدد (جاك دريدا)"

See other formats


ار مممتسامم كاد الدع 
فاللاقا ال ا ا - له ده 0 


جاك دريدا 
استراتيجيه الفراءة ونقد التمركز الغربى 
لبوق قرنمما المشاعب أحمد أبو زيد 
مشوار الحياة والتفكيك مجدى عبدالحافظ 
هذه المسمى بالتفكيك سامى محمد عبدالعال 
اخلاشيات التفكيك كريستوفر نوريس - حسام نايل 
جاك دريدا وأوستن ماهر شفيق فريد 


حول ترجمة الجراماتولوجى 


تجربة شخصية مع دريدا منى طلبة - أنور مغيث 


دريدا فى العربية 
دريدا والفكر العربى المعاصر أحمد عبدالحليم عطية 
ألهع181-1 0ع تسمططاوة3ة8 اع ممع هانطط ع0 أتنة .]1 
لكدة! .5 ععطلوا3 ععاع “101112 لتنه لامتاعن أكروءع12 :ول “ع1 


شهادات حية حول فيلسوف 
صلاح قنصوه والنقد الفلسفى ماهر عبدالقادر 
رحلة إلى عالم صلاح قنصوه حسن حماد 
صلاح قنصوه ليبرالى فى ضيافة اليسار ياسر قنصوة 
العلم فى سياقه الإنسانى خالد قطب 
منه.. وإليه صلاح قنصوه مفكرا.. مثقفا هانى المرعشلى 





1 
“يي ||ه 7 
شدى سورالازباة 
0 


١1105 ع111//ا//:‎ 1. 1/5 0223/23 


١.2600 1543|]. +‏ 500ع362]. نا نانا نان / / :5م اما 








العدد الثالث عشر 2005 


رئيس التحرير نانب رئيس التحرير 
احمد عبد الحلدم عطية محمد النركي 


الهيئة العلمية 


أميرة مطر حسن حنفي هشام شرابي 
ضنحي النريكي رضوان السيد تاصييف تصيسار 
حسام الألوسي سالم يائوت | محيدمهران 
عبدالرحمن بوقاف عصادل ساهو ماهر عبد القادر 
فوزية عصار 
هيئة الدحرير 
إسماعيل الزروخي على حمية الحسين الزاوي 
أنور مفيث خالد قطب بوزيد بومدين 
عبد السلام محمد طويل ماهر شفيق فريد ميل قاسم 
مديرا الدحرير 
محمد سيد عيد أحمد حمدي 


مراسلات التحرير : أحمد عبد اليم عطية عمارة 18 مدينة أعضاء هيئة تدريس جامعة القاهرة . بجوار 
مدينة البعوثين , جيزة , جمهورية مصر العربية تليفاكسن 7346918 
البريد الإليكتروي: 2[141.54171114©0!4[100.6071 ع1هرمة4 
موقعنا على الإنترنت 
0 0 ا 





القسم الرابع : دريدا في العربية 0 


دريدا و القاهرة 
دريدا ونظرية التفكيكية 

















5 ا 
صلاع ققصوه واتكد ) اماه عبدااتر 2 ٠0|‏ 
أحمد عبد 


استراتيجية القراءة ونقد التمركز الغربي. 

لقد عرفت الثقافه العربيه دريدا » وترجمت عدد من نصوصه. ووضعت 
الكثير من الدراسات حوله » وشروحا عليه للتعريف بفلسفته؛ وتطبيق منهجه أو 
استراتجيته في القراءة » سواء في الفلسفة أو النقد الادبي أو السوسيولوجيا . وقد 
نهض بهذا الجهد أسماء لامعة من الباحثين وأساتذة الجامعات والمفكرين العرب 
من اقطار عربية شتى . بحيث يمكننا القول ان صاحب هوامش الفلسفة قد أصبح 
جزءا من متن النص الفلسفي العربي المعاصر .٠‏ أو كاد وانتقلت فلسفته من الغياب 
الي الحضور وتحولت أفكاره من المسكوت الي المعلن عنه؛ ومن اللامفكر فيه الي 
المنقول منه. فهل نحن نسير في اتجاه لا دريدي أو ان هناك ما يسمي باللحظه 
الدريدية في الفكر العربي المعاصر؟ 

لقاء الرباط ولقاء القاهرة؛ تأويلات وتفكيكات, التعدد والاختلاف » نقبد 
التمركز الغربي , إنها لحظة دريدا فيلسوف الغياب الذي غاب وفيلسوف الاشر 
المرجا الذي اعلن اختلافه واعلن البعض منا اتفاقنا معه . هو "فيلسوف فرنسا 
المشاغب" كما كتب البعض وصاحب "السفسطائية الجديدة" كما كتبب أخرون » 
"واليهودى اللايهودي" . الذي يراجع التراث الانطولوجي الغربي عودة للتراث 
العبراني كما يري أخرون ٠‏ ويرجع البعض أسمه إلى اصل عربي جاهلي . ويرى 
فيه جوناثان كلر وجوه ثلاثة فهو فيلسوف وقارئ نصوص فلسفية, اثبت ان التراث 
الفلسفي الغربي ظل متشبعا بمركزية الكلمة أو ميتافيزيقا الحضورء وهو قارئ 
ومفسر غدت قراءاته للعديد من النتصوص مغامرات العقل ٠‏ تحليلات مثالية 
وهرمينوطيقا جديدة. وهو ينتمي إلى مفكري ما بعد البنيوية الذين ركزوا علي 
مشكلات اللغة والبنية . 

بعد كتابه(مقدمته وترجمته)أصل الهندسة؟457 افرض نفسه علي المسرح 
الفلسفي بثلاثة كتب عام ١471‏ هي في الجراماتولوجي»الكتابة والاختلاف و'"الكلام 
والظواهر". وهناك في الطريق ترجمة عربية لأشهر هذه الكتب وأكثرها تعبيرا عن 
فلسفته وهو في علم الكتابة(الجرماتولوجي).وقد جعلت هذه الكتب منه شخصية 
كبري في المناقشات النظرية التي سادت الحياة الفكريه الفرنسية في اواخر عقد 


الستينيات.ونشر عام ١5"‏ ثلاثة كدب مرة ثانية وهي 'هوامشس الفلسفة" 
و"الانتشار"'و"مواقف" وكتاب1574021,45١.,‏ بالإضافة إلي مقالات أخرى 
عديدة. 


ويهمنا هنا بيان التفاعل بين الفكر العربي المعاصر وكتابات دريدا » خاصه 
فيما يتعلق بالاختلاف والتعدد حيث يعرض عبد الكبير الخطيبي في كتابه النقد 
المزدوج لفلسفة الأختلاف ويدعو في دراسته "سوسيولوجيا العالم العربي" الى 
نقد تمركز السوسيولوجيا الغربية حول الذات والتفكيك للمشاكل العربية والفكر 
العالمي.ويتابع الاساتذة عبد السلام بنعبد العالي في "التراث والهوية" ونور الدين 
أفايه في "الهويه والاختلاف" إلى مفاهيم التفكيك في ترجمتهما وكتاباتهما عن 
الجطيبي . ويعرض علي أومليل في "شرعية الأختلاف" وفتحي التريكي في 
"قراءات في فلسفة التنوع" لمفاهيم التعدد والاختلاف في حياتنا الثقافية 
والسياسية ٠‏ باعتبارها مدخلا للديمقراطية وحقوق الانسان. واسهم محمد أركون 
من خلال توظيف مفاهيم دريدا في تفكيك العقل والميتافيزيقا الاسلامية. ومطاع 
صفدي في نقد وتفكيك العقل الغربي وعلي حرب في نقد النصوص العربية 
المعاصرة . 

والحديث عن دريدا لا ينتمي فقط للفلسفة بل أيضا للنقد الادبي وهناك كتابات 
اساتذة النقد الذي اسهموا في ترجمة التفكيكية والتعريف بها والحقيقة أن هذا العدد 
ما كان له أن يظهر ء إلا بفضل ثلاثة أساتذة لهم جهدهم الكبير في مجال الدراسات 
الحضارية والفكرية الفرنسية هم : محمد على الكردي وكاميليا صبحي ومنى طلبة 
وهم بحق محرري هذا العدد , بالاضافة لكل الزملاء الذين أمدونا بإسهاماتهم في 
الفترة القصيرة الماضية. ولا يزال الفكر العربي مشغولا بمقولات دريدا للتعرف 
علي أسس الفكر الفلسفي المعاصر وتجاوز الميتافيزيقا من اجل ترسيخ هذه اللحظة 
الديريدية في الفكر العربي الذي استضاف الفيلسوف الفرنسي الجزائري اليهودي 
اللايهودي في عواصمه وفكر مثقفيه. حوار مع "أثره" من أجل فكر نتطلع إليه 
وساعيا للمشترك بين الثقافات . لعلنا نناقش الأختلاف بالإنساني وللإنساني . 

وهنا نشير للملف الثاني الذي يشكل مع ملف جاك دريدا محورا هذا العدد , 
والذي يتعلق بالنزعة الإنسانية عند صلاح قنصوه المفكر المصري .الذي أسهم 


4 


بجهود متعددة في الترسيخ للقيم والحرية والالتزام والفاعلية الإنسانية والتأكيد على 
أهمية الحوار والموقف الفلسفي الملتزم وضرورة النقد الثقافي في العصر الحالي 
مماقد أشرنا إليه بالتفصيل في المدخل الخاص في مقدمة الملف المخصص له قفي 
هذا العدد. 

وبدئا من هذا العدد الحادي عشر ء, الذي نكمل به العام الخامس من إصدارئا 
"أوراق فلسفية" ٠‏ إصدار علمي غير دورى محكم , فنحن وأن كنا في السنوات 
الفائتة نحرص على المستوى الراقي من الفكر الفلسفي موضوعا ومنهجا » عرييا 
متوسطيا . فنحن منذ هذا العدد نوسع اللغات التي تصدر بها المجلة لتشمل ممع 
العربية » الإنجليزية والفرنسية والألمانية ونضيف إلى المحكمين من أعضاء الهينسة 
العلمية وهينة التحرير وهم :- أحمد عبد الحليم عطية (القاهرة) ومحمد التركي 
(تونس) وعبد الرحمن بوقاف والحسين الزاوي (الجزائر) أعضاء جدد هم :- 
صلاح قنصوه . محمد مجدي الجزيري ٠‏ محمد محمد مدين (القاهرة) عبد القادر 
بشته » ومقداد منسية (تونس) وهم جميعا أساتذة بالجامعات العربية.. كما نضيف 
أسماء جديدة أعضاء في الهيئة العلمية وهيئة التحرير بالإضافة مديرين جديدين 
للتحرير سيجد القارئ أسمائهم في صدر هذا العدد. ظ 

ونحن نواصل تدعيم علاقاتنا بالجمعيات والمجلات والاقسام الفلسفية 
المختلفة في الجامعات العربية وغير العربية ٠‏ نخص بالذكر الجامعة التونسية 
والجمعية التونسية للدراسات الفلسفية ومجلتها . والجمعية الفلسفية المغربية 
ومجلتها "مدارات فلسفية" التي تفضل محررها بالموافقة على النشر المشترك 
لبعض الأبحاث. وكذلك الجمعية الفلسفية المصرية , التي تعاون المجلة وهيئتها 
تعاونا كبيرا في سعيها لإشهار الجمعية الخاصة بهاء "جمعية الفكر العربسي 
المعاصر" وساعدت في النشر المشترك لبعض الإصدارات مثل "طريق الاستقلال 
الفلسفي : باب الحرية" كتاب جماعي عن المفكر العربي اللبناني ناصيف نصار . 
كذلك التعاون بيننا وبين بعض أساتذة الجامعات الأمريكية والألمانية الذين أمدونا 
بكتابات خاصة لعددي كانط » وسارتر » الجامعة الأمريكية بالقاهرة؛ وجامعة أموري 
بالولايات المتحدة وجامعة برلين بالمانيا . والتعاون بيننا وبين الدوريات الثقافية 
مستمر », فبالاضافة لمجلة الجمعية الفلسفية التونسية ومجلة مدارات فلسفية » 


5 


هناك الاتفاق بيننا وبين مجلة"ألف" التي يصدرها قسم الدراسات المقارنة 
بالجامعة الأمريكية» ومجلة دراسات التي تصدر عن قسم الفلسفة بجامعة وهران. 
وكذلك أخبار الأدب القاهرية التي نعيد نشر بعض الترجمات المتعلقة بفلسفة سارتر 
عن الملف الذي أصدرته عنه. كما نتوجه بشكر خاص إلى عدد من الهيئات التي 
تدعم المجلة باقتناء نسخ من أعددها خاصة صندوق التنمية الثقافية» والهيئة 
العامة لقصور الثقافة والقائمين عليها. . 
وفي الطريق وفي نفس الفترة يتصدر عددين خاصين الأول حول كاتط. 
بمناسبة مائتى عام على وفاته والثاني حول فويرباخ الفيلسوف الألماني وإمانويل 
ليفيناس الفرنسي وعبد الوهاب بوحديبة التونسيء كما ننوه عن العدد الخاص عن 
سارتر في الذاكرة العربية في الذكرى المئوية الأولى لميلاده. 
ومما يسعدنا الإشارة إليه هنا هو بث موقعنا على شبكة الإنترنت » وظهوز 
إصدارنا الإلكتروني "أوراق فلسفية" سواء للأعداد السابقة أو القادمة . والذي 
يمكن أن يتابعه القارئ علىء وعنوانينا على هذا الموقع هو 
سا0 (رف 4 ١4‏ 
0011 ع1 1 1171700 


1 01141.54 ©139الة_ذ 


كرونولوجيا عأع لو صوعط © 
(تسلسل تاريخئ بأهم الاحداث في حياة دريدا)29) 
:2 مولد جاكي دريدا4 219111312 38616411 (وهو الاسم الأصلى 
لدريدا) فى ١5‏ يوليو تموز بالبيار 11-8141 قرب مدينة الجزائر. 


١447-0١‏ التحاق دريدا بالسنة الأولى للمدرسة الثانوية فى بن أكنون: 
قرب البيارء وخروجه منها والعودة إليها ثانية (؟514١-/4).‏ 

1548-17 : انتظام دريدا بشعبة الفلسفة فى المدرسمة الثانوية 
4111128 فيمدينة الجزائرء حيث توفر خلال هذه السنة على قراءة 
برجسون وسارتر وكان في تلك الفترة منشغلاً بالأبداع الأدبى ومارس مهنة 
التدريس كمدرس للأدب أيضأ. وعقب اجتيازه السنة الثانية تعرف على البير كامى 
وتتلمذ على يديه بعد أن اصبح كامى مدرسا شهيرا. وقام بتسجيل نفسه فى فصل 
دراسى خاص بالأدب للفنة العليا من الدارسين خلال السنة الثالثة من المرحلة 


الثانوية فى مدينة الجزائر. 
١944-4‏ ,: تشكلت ميوله القوية تجاه الفلسفة. حيث قرأ كيركيجارد 
وهيدجر قراءة عميقة. 


6- .156 : قام بأول زيارة على الأطلاق إلى فرنسا. وهناك انتظم 
كطالب داخلى فى مدرسة لوى- لى- جران 612473179©- 1,01715-1.5 في باريس. 
ويذكر دريدا قراءاته المكثفة في تلك الأثناء لسيمون فيل ,71:11 511/1017 
(بخاصة دراساته الكاشفة للعناصر العاطفية في التصوف المسيحى وفى التجارب 
الروحية الغامضة). وأيضا قراءاته للفلاسفة الوجوديين (المسيحيين وغيرهم) 
وكتب مجموعة من المقالات وصفها اتين بورن 8010/7 21711101015 بأنها 
"افلوطينية" الطابع؛ على الرغم من دراسته الالزامية لعدد من الفلاسفة (مثل: 


(] ترجمة سامي محمد عبد العال » عن :- 
لإط 12051360 6)0103 5عنان36ل ,106103 065ا360ل 300 لمأو مأصمع8 بإع امع 6 
,1993 ,000ممأ 300 موق أط© ,6855م 0و63أ6 أ0 لأأوع/زون هط ,ممتأومامدمع8. 6 
325-56مم 


سارترء جابرييل مارسيل » ميرلو- بونتى ) 
301١-0‏ :: بقى في السنة الثانية 6105 113144 في مدرسة لوي 
لوجران ونظرا للظروف الحياتية الصعبة في باريس عاد ثانية إلى البيار. 
5-- 15087 : أكمل السنة الثانية لل6:171 12114 في مدرسة لوي 
لوجران وقابل مجموعة من الشخصيات المؤئرة في حياته كأصدقاء مثل : 
متسدءلاء8.ل - معسداظ.را - باعلل ه80 -لعطع م تطم .1 1ن نامع تالخ .11 
اع10 


1905-5 : التحق بمدرسة المعلمين العليا 71010141 15:201:15 
1115 وجمعته والتوسير +411111155151 فى تلك السنة معرفة 
وصداقة قويتان. 

6 --1464: قام بالاطلاع على الارشيفات الخاصة بهوسرل وكتب بحثه 
"مشكلة النكوين فى فلسفة هوسرل كبحث لطلاب فى مرحلة الدراسات العليا. وفى 
نفس العام ارتبط بعلاقة صداقة مع ميشل فوكو , الذى كان يهتم بمحاضراته اهتماما 
كبيرا. 

107-26 :: فشل فى اجتياز الامتحان الشفوى للإجرجاسيون ثم 
اجتازه )١15655(‏ وتلقى منحه كمستمع خاص +41772175012 5710141 فسى 
جامعة هارفارد. واطلع على ميكروفيلم باحد اعمال هوسرل غير المنشورة ألا 
وهو: "أصل الهندسة" ثم قام بترجمته وتقديمه. تزامن ذلك مع قراءاته المكرسة 
لجيمس جويس. 

1904-7 : عاد إلى الجزائر لأداء الخدمة العسكرية: ثم سرعان ما 
طلب ارساله لتعليم ابناء الجنود فى مدرسة خاصة اللغة الفرنسية والانجليزية 
والتقى ببير بورديو في نفس الوقت. 

115١-4‏ العودة إلى فرنسا وتقديم الورقة البحثية الأولى فى مؤتمر 
517 قام بالتدريس لأول مرة بمدرسة خاصة للدراسات العليا فى 5م7812 ©.1 
مع صديقه جيرار جينت. 


-14954: قام بالتدريس فى السربون "الفلسفة العامة والمنطق"'. 
كان مساعدأ لباشلار. » كانجيليم». ٠‏ بول ريكور » جان فال . أيضا حاضر لاول مرة 
فى كلية الفلسفة وكانت المحاضرة عن فوكو فى أثناء حضوره. ارتبط بصداقة قوية 

فيليب سولرز حصل على جائزة جان كافاليس (الأبستمولوجيا الحديئة) عن 
مقدمته لأصل الهندسة. 

5 بناء على دعوة رينه جيرار » شارك دريدا فى مؤتمر ضخم بالتيمور 
(جامعة جون هوبكنز) تحت عنوان "لغات النقد وعلوم الإنسان ": وكان بحثه 
المقدم تحت عنوان "البنية؛ العلامة واللعب فى خطاب العلوم الإنسانية" ومنذ ذلك 
الحين- على قدر ما لاقى من اصداء ‏ اصبح مشهورأ فى افق المدارس النقدية 
المعاصرة. والتقى بول دى مان وجاك لاكان وآخرين ورأى كذلك رولان بارت » 
هيبولت جان فيرنان » جولدمان مرة ثانية. 

7 القى محاضراته الشهيرة فى الجمعية الفلسفية تحت عنوان "الاخف 
ت لاف" والتحق بجماعة "نقد". واصدر على الفور الكتب الثلاثة الأولى: الصوت 
والظاهرة و: الكتابة والاختلاف و: عن الجراماتولوجيا ومنذ هذا الحين » نال تقديرأً 
عالميأ فى اوربا وخارج أورباء واختير لعضوية كثير من الأكاديميات (اكاديمية 
الانسانيات والعلوم بنيويوركء الاكاديمية الامريكية للفنون والعلوم... الخ) ونال 
جائزة نيتشه. ومنح العديد من القاب الدكتوراه الفخرية من جامعات (كولومبياء 
اسكس 12551532 لوفان1.01[171473: كلية وليم» المدرسة الجديدة.....) 

١‏ العودة الأولى للجزائر منذ عام 457 ١‏ حيث قام بالتدريس والقاء 
المحاضرات فى جامعة الجزائر وكتابة نص "توقيع .. سياق .. الحدث " حين 
حاضر به مؤتمر جمعية فلسفة اللغة الفرنسية فى مونتريال ر710717121:41 بكندا. 

©, اشتراكه فى مؤتمر عن نيتشه فى 11150 ©)(مع دولون » 
كلوسوفكى . كوفمان , لاكو لابارت ٠‏ ليوتار » نانسى . باوترا)أصدر كتبه الثلاشة 
الأخرى المهمة: هوامش الفلسفة» مواقع 20511101015 التشتيت 
15511111411011 

4 : تأسيس جماعة مهتمة بمشكلات الفلسفة وقضاياها الفعلية 1.5 


9 


517157 52133 2111105021311 مع سارة كوفمان: لأكو لابارت وجان لوك 
نانسى. 

اشتراكه فى مؤتمر حول الشاعر بونج:2017121مع آخرين مثل 
جان جينيه » كلوسوفكىء بولى ...) وبعد ارتباطه بجامعة جون هوبكنزء بدا فى 
الندريس لمدة اسابيع قليلة على مدار العام فى بيل مع بول دى مان وهيلز ميلر : 
بادئا ما يسمى- إلى حد ينطوى على التضليل- مدرسة ييل (هارولد بلوم بول دى 
مان: جاك دريداء جيفرى هارتمان؛ هيلز ميلر) 

:١78-‏ نظم مع آخرين ما يسمى برلمان الفلسفة » ولأول مرة يزور 
افريقيا السوداء حيث مؤتمر فى مدينة [01737107101© ببنين حول "الفلسفة 
وتطور العلوم فى افريقيا". 

افتتح مؤتمر فلسفة اللغة فمى ستراسبورج ومؤتمر حول "اساس 
عمل جاك دريدا" الذى نظمه لاكو لابارت ولوك- نانسى. 

0١‏ ,2:اسس مع جان- بيير فيرنان وبعض الاصدقاء رابطة جان هيس لى 
لمساعدة المفكرين المنشقين والمضطهدين؛ وهى الرابطة التى شغل منصب النائب 
لرئيسها. 

5 , اسس مع غيره أيضا الكلية الدولية للفلسفة. وفى نفس العام قام 
بزيارته الأولى لكل من اليابان» المكسيك والمغرب بدعوة من صديقه عبد الكبير 

7 : افتتاح الكلية الدولية للفلسفة بالفعل واختيار دريدا المدير الأول 
المنتخب لها. وشارك فى فعاليات كثيرة مثل "الفن ضد سياسة التمييز العنصري » 
وكان من الداعين لتاسيس ثفافى ضد التمييز العنصريء وكتب عن إمكائية إنشاء 
جماعة للدفاع عن نيلسون ماتدلاً. وفى نفس العام توفى صديقه بول دى مان الذى 
اسفرت صداقته عن مؤلفه: ذكريات لبول دى مان. 

4 ©: زيارته لليابان ثم فرانكفورت باألمانيا والقاء محاضرة فى سيمينار 
هابرماس: كذلك محاضرته الافتتاحية لمؤتمر جيمس جويس. 


10 


65 لقاء دريدا الثانى مع الروائى بورخيس بعد زيارته لامريكا اللاتيئية. 


65 تعاونه مع المعمارى بيتر ازنمان لتدشين مشروعات معمارية. 


وتصميم تخطيطات فنية فى هذا المجال. 
ززيارته لمدينة القدس ولقائه مع المفكرين الفلسطينيين فى الاراضى 
المحتلة. 


6 القى الخطبة الافتتاحية لمؤتمر ضخم فى مدرسة كاردوزو للقانون 
بنيويورك (حيث قام بالتدريس فى جامعة المدينة) حول التفكيك وامكانية العدل 
وكانت نتيجة هذا المؤتمر تحقق درجة بعيدة فى التطور المتسارع للبحث 
"التفكيكى" فى الفلسفة أو النظرية القانونية داخل الولايات المتحدة. 

: حضور سمينارات عديدة فى اكاديمية العلوم +1551 وجامعة 
موسكو والقاء المحاضرة الأفتتاحية للمؤتمر الدولى الذى نظمه س فريدلاندر 
+51110141211 فى جامعة كاليفورنيا (لوس انجلوس) حول الحلول النهائية 
وحدود التمثيل 

٠‏ ززيارته الشهيرة للقاهرة فيما بين ١4-١1‏ فبراير حيث القسى 
محاضرات وعقد حلقات دراسية فى المجلس الاعلى للثقافة والمركز التقافى 
الفرنسى حول "التفكيك والعلوم الإنسانية فى الغد" وعن "التفكيك فى النقد 
الأدبى". 


11 


مات دريدا فيلسوف التفكيك 
صبحى حديدى 
توفى اشهر فلاسفة فرنسا المعاصرين جاك دريدا عن عمر يناهز 74 عاما 
بعد صراع مع مرض سرطان ٠‏ البنكرياس ١»‏ وتتحدث نظرية دريدا " تفكيك البناء" 
والتى لاقت روجا واصداء واسعة في الولايات المتحدة واستندت الى نصوص 
فلسفية كلاسيكية عن استقلالية المحتوى النص الذى - حسب النظرية ‏ قد لا 
يفهمه كاتب النص نفسه ! واعتبرت النظرية التى اثارت جدلا واسعا ان الاحتمالات 
التاويلية للنصوص والتى قد يفهمها كل شخص بمفرده تدخل ضمن سياق المقاصد 
الاخرى للنص اللغوى » بمعنى تفكيك المعنى الواحد الى المتعدد المتفكك مع توضيح 
أن نوايا المؤلف في الكلام لا يمكن قبولها بلا شسرط ومن هنا جاءت اضافة دريدا 
للفكر الفلسفى الغربى ففتح امكانات تاويلية جديدة للنصوص . 
وقد بين بمصطلحات تفكيكية ان هناك شرائح عديدة للمعنى لها دور عملى 
في اللغة وقد اعتبر عددا من النقاد فكر دريدا تدميرا للفلسفة , ففى بريطانيا لقت 
النظرية معارضة شديدة حيث قامت هيئة التدريس في جامعة كامبردج عام ١4517‏ 
بمظاهرة احتجاج ضد قرار رئاسة الجامعة منح دريدا الدكتوراة الفخرية كما اعتبره 
الماركسيون حد اعدائهم لمواقفه المناهضة لهم وكانت السلطات التشيكوس لوفاكية 
قد وضعته رهن الاحتجاز عام ١18٠١‏ . بعد إلقائه محاضرة عن نظريته اللغوية في 
براغ . | 
وتميز دريدا بادانته المتواصلة لسياسية فرنسا الاستعمارية في الجزائرء» كما 
حصل على العديد من الجوائز: غير انه كان يعتز بشكل خاص بجائزة الفيلسوف 
الالمانى ثيودور ادرنو والتى حصل عليها عام ٠٠١١‏ وقدم دريدا للمكتبة العالمية 
جوت لحا رخات الدر اجات فت الاق وا ابابو اللاميلة مها : الكتابة 
والاختلاف والانتشار » هوامش الفلسفة الحقيقة بالرسم . ' 
لو كان ادوار سعيد على قيد الحياة هذه الايام فالارجح ان النص الذى كان 
سيكتبه في مناسبة رحيل جاك دريدا )3٠١4-1١57(‏ كان سيبدو بين افضل 
المراثى وارفعها رصانة في الجانب النقدى واشدها توغلا في فكر وفلسفة ومحاسن 
ومساوى الفيلسوف الفرنسى الشهير. كان بين الرجلين خلاف عميق ؛ لم يتسن له 


12 


ان يظهر على السطح للاسف والا كنا كسبنا واحدة من اعمق مناظرات النصف 
الثانى من القرن العشرين . وكان بين الرجلين غنى عن القول ٠‏ احترام متبادل 
وصداقة وعلاقات شخصية وحتى عائلية واذكر اننى قبل عشر سنوات تقريبا 
استوضحت سعيد عن هذه المسالة مشددا على انه شخصيا وفى مطلع مساره 
الفكرى كان واحدا من قلة من النقاد ابناء جيله في امريكا ممن قدموا الفلسفة 
الاوروبية ودراسات النظم المختلطة والفينومينولوجيا وسواها . لماذا كنت قاسيا 
على دريدا بصفة محددة سألت انذاك وهل تغير موقفك بعض الشئ ؟ الراحل الذى 
كان يعرف اننا لم نكن في حديث مجالس واننى كنت احاوره لكى ينشر كلامه على 
الملا اجابنى هكذا: اولا : اعتقد ان دريدا رجل لامع تماما لقد احببته وقامت بيننا 
صلات شخصية وطيدة . ولكنى مع ذلك شعرت بتلك الحالة الطفيفة من انعدام 
التوازن بين منهج التفكيك ذى الطابع التشكيكى وربما الفوضى العالى من جهة 
وبين اجتهادات التفكيك المنهجية من جهة ثانية ولقد بدا لى على نحو محترم ربماء 
ان ما يلوح كنزعة تشكيك تاملية ونيتشوية هى حالة يسهل تطويعها لملائمة مختلف 
المؤسسات : حقيقة ان دريدا اصبح دريدائيا » وان مدرسة كاملة في امريكا تعرف 
اليوم باسم الدرايدانيين وبالمناسبة اخبرنى دريدا نفسه ان شهرته في امريكا تختلف 
عن شهرته في فرنسا ؛ حيث لا ييدون به اهتماما واسعا ولقّد بدا لى ان حالة 
المؤسسة هذه اخذت تفقده حريته في الاستكشاف الدائم. 

وتابع سعيد : لقد شعرت واذكر اننى ناقشت هذه المسالة مع تشومسكى » 
ان اعمال دريدا تنطوى على الكشير مما يثير البلبلة واطلاق العنان للاهواء بدل 
المحاولة الجادة للانخراط سياسيا في بعض قضايا الساعة الكبرى مثل فيتنام او 
فلسطين او الامبريالية . لقد شعرت على الدوام بوجود نوع من المراوغة.فاقلقنى 
ذلك . وحين كنت التقى به كنا نتبادل حوارات مفيدة . لقد زارنى في بيتى ودعوته 
لالقاء محاضرات في كولومبيا في اواخر السبعينات. وحين جنت الى باريس لالقاء 
بعض المحاضرات في السوربون ٠‏ دعانى وعرفنى على زوجته . في المستوى 
الشخصى كانت الامور على ما يرام ولكنى شعرت انه ابدا يطور حس الدفاع عن 
منطقة وعقيدة جامدة . وكنت اقول في نفسى : ما معنى ذلك ؟ اضف الى اننى 
ازددت انغماسا في السياسة وخيل الى انه يزداد ابتعادا عن السياسة . 


13 


الحال للانصاف تبدلت جذريا في ما بعد لان دريدا اخذ يقترب اكثر فشاكثر من 
موضوعات الساعة لكى لا نقول موضوعات السياسة بالمعنى الحرفى للمفردة لقد 
اصدر ععددا من الاعمال الهامة في سياسة الابارتيد وسياسة الصداقة وسياسة 
الضيافة وسياسة ماركس الى جانب كراسة في تحليل هزة .4/١١‏ وهذا في الواقع 
ينسجم تماما مع روحية منهج التفكيك التى اطلقها دريدا مطلع الستينات معتيرا ان 
جميع النظريات الغربية الخاصة باللغة والاستخدام اللغوى (اى في عبارة اخرى 
النطاق الذى يشمل الثقافة الغربية باسرها) قائمة على مركزية كلامية وبين ابرز 
اجراءاته في كشف ( وبالتالى : تفكيك ) الفرضيات الراسخة كان قلب الهرمية 
التقليدية التى تقول باسبقية الكلام على الكتابة ) ومن هنا الاهمية الفائقة للدراسة 
الشهيرة صيدلية افلاطون(التى ترجمها الصديق الشاعر العراقى كاظم جهاد ). 
الاجراء التالى كان استبدال هذه الهرمية المقلوبة عن طريق ادخال كتابة بدئية 
ليست سوى تكوبن مختلف لكنه مع ذلك يمكن ان يدل على الكلام والكتابة في ان . ' 

غير ان انقلاب فكر دريدا الى فكر دريدا ئى ٠‏ لكى نعيد التذكير بالتعبير الشاقب 
الذى ساقه سعيد كان العتبة الاولى لانزلاق منهج التفكيك الى حيث لم يكن يليق 
بالمنهج ابدا » ولم يكن دريدا نفسه سعيدا به لقد اعرب مرارا عن سخطه من اللهو 
بالمصطلح واستخدامه كيفما اتفق ٠‏ وبالتالى رواجه في صيغة موضة فلسفية لم تعد 
تمتلك من ادوات التفكيك سوى المعنى المباشر للمفردة ذاتها ! والمفارقة ان شكوى 
دريدا كانت تنطبق على حال التفكيكية في الولايات المتحدة البلد الذى احتضن فلسفة 
التفكيك ورفعها الى مصاف عليا (واحيانا مقدسة لاتمس !) في جامعات اساسية 
مثل ييل وجون هوبكنز . 

وذات يوم غير بعيد اشتكى دريدا علانية من ان صحيفة نيوريورك تايمز 
استخدمت مصطلح التفكيك للحديث عن تحضير طبق يخنة الارانب ! وليس مصادفة 
بحتة ان الصحيفة ذاتها نشرت في يوم رحيل دريدا والى جانب مقالة في رثائنه 
تحليلا مطولا بعنوان.. تفكيك ابو مصعب الزرقاوى ! 


جاك دريدا : وفلسفة التفكيك 
محمد على الكردي7”) 
ربما يشكل "جاك دريدا" ظاهرة فريدة بالنسبة للفكر الغربي؛ وإن كانت 
ظاهرة التفكيك الملازمة لمنحاه الفلسفي قد أصبحت في عداد الأفكار الشائعة سواء 
أطبقت عن دراية بأبعادها الإبستمولوجية والأيديولوجية؛ أم عن مجرد محاكاة 
لموجة رائجة في الغرب وبوحه خاص في أمريكا؟ إذ أنه من العجيب حقا أن يلقى 
فكر دريدا من الرواج في الولايات المتحدة الأمريكية ما لا يلاقى إلا أقل القليل منه 
في فرنسا. فماذا تعنى إذن ظاهرة التفكيك التي يدعو إليها هذا الفيلسوفء والتي 
يشغف بها بعض من أصحابه مثل "فيليب لاكو ‏ لابارت " و"جان- لوك نانسى" 
و"جوفريه بنينجتون"؟ 
إن التفكيك لا يعدء في الواقع مذهبا ولايشكل نسقا متكاملا أو رؤية عامة 
تقوم على ثوابت محددة ؟ وهو وإن كانت تنسب أبوته إلى "هيدجر" بفعل التماثل 
بين مفهوم "النقض" (165)2021105) ولفظة التفكيك (دو1اع4:1وصمء36)» 
فإنه» في نظرناء بعيد كل البعد عن تشكيل رؤية فكرية عميقة أو شق طريق فلسفي 
جديد؛ كما تاق إلى ذلك "هيدجر" أكبر فلاسفة الوجود قاطبة. 
وإذا كان "هيدجر" من عمالقة الفكر على شاكلة أر سطوء فذلك لأنه اسس 
عالما فكريا خرجت منه معظم إشكالات الفكر الغربي المعاصر: قضية التاسيس 
وماهية الوجود التي ردها إلى الزمن المصدري الذي يختلف اختلافا حذريا عن 
صورة التتابع التي نقع عليها عند آر سطو وعن صورته القبلية الخاضعة للمكان 
عند كانط» وكذلك قضية موت الفن وصعود التكنولوجيا وما يصاحبها من "صمت" 
العلم, وأخيرا وليمس آخرا قضية التفكير الأصيل في قدرته على تجاوز الفكر 
وأاطروحات الوجود الزائف وما يعتوره من أشكال الاحتجاب. 
ماذا يبقى إذن من أمر "دريدا"؟ إن هذا المفكر, في الواقع؛ مثله في ذلك مثل 
جيل دولوز. ينتمى إلى طائفة فلاسفة "الاختلاف ". والاختلاف المطروح هاهنا 


90 أستاذ في قسم اللغة الفرتسية بآداب الإسكندرية . 


محاولة يائسة للخروج من دالرة النسق الذي شكله وبناه أعظم الفلاسفة المثاليين 
الألمان» وهو "'هيجل". ويشهد لهذا الأخير بأنه "خاتم " الميتافيزيقا الغربية بحيث 
لا مجال بعده إلا اكتشاف وارتياد دروب جديدة؛ حتى ولو أصبح هذا الارتياد غاية 
في نفسه؛ تماما كما تصبح الرحلة غاية في نفسها طالما أن الوصول هو نهاية لكل 
مافجرته من تساؤلات وحققته من اكتشافات. 

إن مصطلح "التفكيك", الذي صكه "دريدا" لترجمة عبارة "'هيدجر"' في 
كتابه "الوجود والزمان- :.)١571(‏ لا يقصد به كما يقول "ديكومب " الهدم و 
التخريب, وإنما إعادة ترتيب عناصر الخطاب على طريقة اهل النحو؟ ذلك أن مقطع 
النفى (ع1) يراد به هنا خلخلة تركيب الجملة لبيان الطابع الاتفاقى البحت للعلاقة 
بين التركيب اللغوي ومرجعيته؟ ففى قصيدة الشعر أو في الخطاب الفلسفى- مثلا- لا 
تخضع الجملة لمنطق المرجع الخارجى وإنما لضرورات الصياغة الشعرية أو 
الفلسفية. وتبرز عملية التفكيك بوضوح في حالة ترجمة الشعر من لغة إلى لغة أو 
عندما نحاول نقل معانيه إلى لغة النثر(". 


وفى الحقيقة إن "هيدجر" لم يستخدم عبارة "النقض" التي أشرنا إليها 
بهذا المعنى الأخيرء ولعل "ديكومب" يقصد ما آل إليه هذا المفهوم على 
أيدى "دريدا" من معانى نقض "اللوجوس" وإبراز التناقضات الخفية التي يقوم 
عليها خطاب الأنطولوجيا الغربية, وفى الواقع كل أنطولوجياء بين المعلشن 
والمسكوت عنه. ولماذا نذهب بعيدا و"هيدجر" يقول لناا تحت عنوان صريح: 
"نقض تاريخ الأنطولوجيا" ما نصه: "هذا النقض لا يجب أن يفهم بمعنى السلب. 
أى في صورة نبذ للتراث الأنطولوجى. بل على العكس إننا بصدد كشف الإمكانات 
الإيجابية لهذا التراث» وهو ما يعنى دوما تبين حدوده. وفى الواقع تنتج هذه الحدود 
من طريقة طرح السؤال ومن التحديد الذي يفرضه هذا الطرح علئ حقل البحث. 
وليس من شك في أن النقض لا يشكل هنا منحى سلبيا تجاه الماضيء وإنما يتوجه 
أساسا إلى الحاضر والى المعالجة الحالية لتاريخ الأنطولوجيا سواء في صورتها 
كعرض للمعتقدات أو علم للمبادئ أو تاريخ للقضايا. إن النقض لا يرمى إلى دفن 
الماضي في العدم إذ الغرض منه إيجابى» وتظل وظيفته النقدية مضمرة وغير 
معلنة220., 


من ثم إذا كان "هيدجر" يسعى إلى إعادة طرح قضية الوجود بطريقة صادقة 
وأصيلة بعد طول احتجاب عبر الفلسفة المدرسية واختلاط الميتافيزيقا بالأنطرلوجيا 
وحتى عبر قضايا مثل الذات والعقل والكوجيتو. فإن مسعى "دريدا" جد مخالقه. 
وذلك لعدة أسباب: منها أن فيلسوف التفكيك لا يبغى- كما قلنا التوصل إلى 
مجموعة من النتائج أو الرؤى البناءة ؟ فهو لا يعمل فكره التقويضي إلامن خلال 
بعض القراءات التفكيكية لنتصوص الغير: لنتصوص "" فلا طون" و "روسو" و 
"هيجل" و "'هوسرل" و"سومبير" و"فرويد" و"مارسيل موس " وغيرهم » 
كما أنه لا يترك مجالا معرفيا أو فنيا إلا ويحاول أن يبث فيه روح التناقض بين 
المقدمات والنتائج أو بين المصدر المفترض والفروع المنبثقة مئه. 

أضف إلى ذلك أننا نراه يؤكد لناء بالرغم من كل التناقضات والمفارقات التي 
يبرزهاء والتي يستحيل معها قيام أى خطاب منطقي متسقء بأنه عاجز عن تجاوز 
لغة الفلسفة كما أسسها العقل اليوناني» وعن الخروج من إطار "اللوجوس " طالما 
أن كل تأكيد وكل نفى ليساء في نهاية الأمرء إلا عمليتين مؤكدتين لحقيقة واحدةء 
وهى حقيقة استحالة الكلام أو التفكير من الخارج. من ثم إذا كان كل تفكير مطابق 
أو مناقض لمسلمات العقل الغربي الموروث لايتم إلا بواسطة آليات الخطاب 
الفلسفى الغربي نفسه. فماذا يستطع "دريدا" أن يقدم لنا من جديد؟ هذا ما نود 
اكتشافه. 

إن الجديد الذي يطمح إليه "دريدا" لايمكن أن يكون بحكم منطق التفكيك 
نفسه؛ وذلك بقدر ما يتوافق هذا المنطق» بشكل ماء مع نظام الفوضى الذي تسعى 
إلى إثباته بعض نظريات العلم المعاصر(" حيث لا فوضى من غير نوع من النظامء 
إلااجزءا من نظام تخضع له عمليات التقويض و التفكيك عن طريق السلبء إذ لا 
سلب يقوم إلا على أساس من الإيجاب السابق عليه. وذلك أيضا بقدر ما مهد 
"دريدا" نفسه لهذه الفكرة خلال نقده لمفهوم "الجنون" عند فوكو"2, إذ بيئما 
يرى هذا الأخير في ظاهرة الجنون. السلب الذي قامت على نفيه إيجابية العقل. 
الغربي بحيث يترادف الجنون مع كل أشكال الآخر وتجلياته؛ يؤكد فيلسوف التفكيك 
أن "الجنون" لا وجود له إلا في إطار نظام العقل نفسه؛ طالما أنه ليس إلااحاصل 
عمليات النفى التي لا دلالة لها ولا معنى خارج علاقات التمايز والاختلاف التي 


17 


تشكل لغة العقل أو"اللوجوس" نفسه. بعبارة أخرى إن كل ما يقع خارج القواعد 
المنظمة للغة العقل ليس كلاما بالمرة ولا إنجازا يعتد به طالما هو لاايخضع لشروط 
الخطاب الفلسفي. مما يعتمد عليه من نظام مفاهيمي وإحرائيات ضابطة لعمليات 
التفكير نفسه. 

ومن ثم إذا كانت الإشكاليات التي يطرحها "دريدا" هى بطبيعتها واقعة داخل 
الخطاب الفلسفىء: ولا تستطيع أن تفلت منه بتخطيه؛ و تجاوزه نحو العالم الخارجي» 
فهى لا تخرج عن كونهاء وفقا لعبارة فتجنشتاين» ضربا من الاعيب اللغة. ومع ذدك 
يكابر "دريدا" ويرفض أن تكون تفكيكيته ضربا من فلسفة اللغة؟ كما يحاول الزعم 
بان ما يسعى إليه من كشف لمناطق المغايرة والاختلاف أو لوجوه الآخر محاولة 
جذرية للخروج من حدود السلب الذي يجبه أو ينسخه الجدل الصاعد 
(ع21:48112) في حركته نحو التركيب حيث تتلاشى الصور السلبية للآخر 
وتتاكد. على أنقاضه؛ هوية المماثل في مطابقته لذاته. 

كيف يمكن إذن إدراك "الآخر" إن هذا الإدراك لايتم إلامن خلال الخطاب 
الفلسفي الذي لا وجود له خارج مقولات "اللوجوس" اليونانيء الذي يقر "دريدا" 
بأنه لا يمكن الالتفاف من حوله. وبأنه لا يمكن العبث به وبما صار إليه من نسق 
شمولى على أيدي "هيجل" إلا باصطناع الحيلة والمراوغة؛ وإلا بإضمار الغدر به 
من داخله على طريقة "العبد" في الإيقاع ب"'سيده". أليس من الأجدىء إذا كان 
الأمر على هذا النحو من الاستحالة» الخروج من مستوى الأنطولوحيا إلى مستوى 
الأخلاق: كما فعل "لفيناس" مع "هيدجر*"؟ أو قبول الآخر في واقعه أو في 
غربته الجذرية التي يستحيل على خطاب المماثل أن يدخلها في شبكته الدلالية من 
غير تعديل أو تطويع ؟ 

غير أنه يبدو أن "الآخر" الذي يسعى إلى اكتشافه "دريدا" ليس "الآخر" 
أو "المغاير" المقا بل للفكر الغربي؛ وإنما "الآخر" الداخلي الذي يفلت دوماء بفعل 
"الاختلاف المرجأ"», من قبضة النظام الدلالى في حال تحققه في شكل من أشكال 
الإبداع. ذلك أن أى تحقق أو تعين للإيداع هر ضياع له. طالما أن الإبداع لا يكون؛ 
في ماهيته؛ إلا المرة الأولى التي لا تتكرر؟ وهو لا يكاد يصل إلى مرحلة الإعتراف 
به حتى يتحول إلى نظام مقنن أو مشروع قابل للتطبيق والتكرارء ويفقد من ثم 


18 


ماهيته الإبداعية. ولكن هل يصبح الإبداع» على هذا النحوء مستحيلا ؟ 

إن "دريدا" يرىء لحسم هذه المفارقة إعادة فحص مفهوم الابتكار في 
التراث الغربي وتعيين حدوده حتى يتمكن من تجاوزها. ويصل الكاتب إلى أن الإبداع 
في معناه الأصلى هو العثور لاول مرة على شىء أو موضوع أو فكرة على غير 
مثال سابق؟ وكذلك العثور على تقنية أو جهاز أو تنظيم فنى غير مسبوقء. وهو ما 
يسمى بالاختراع, ويفيد كذلك فعل العشور نفسه:. أى قعل الكشف أو 
الاكتشاف(ع4:ء07امعع4)إلا أن ذلك كله لا يعنى أى نوع من التطابق بين مفهوم 
الابتكارء سواء أكان منصبا على الموضوع نفسه أو على فعل الابتكار والاكتشاف» 
وبين مفهوم الخلق. بمعناه الديني المحض؟ أي الخلق من عدم (10نطذه 2ء). 

إن الإبداع في المنظور الكلاسيكي اكتشاف لشىء موج ود أو لتنظيم فنى أو 
لغوى يقوم المبدع بإعادة ترتيب عناصره بعد سلخها من تنظيمات كلية سابقة» و قفد 
تكون هذه التنظيمات رؤى للوج ود أو نظرية علمية أو ضروبا من النماذج 
الإرشادية. إلا أن هذا الإبداع يظل متفردا كحدث يتم لأول مرة. وإلا فقد سمة الابتكار 
والاكتشاف. ومن ثمء لا يخص هذا التفرد النظام المعرفى نفسه من حيث الموضوعء 
وذلك بقدر ما يفاجنه هذا الابتكار ويحول بينه وبين استيعابه ودمجه في آلياته» 
وإنما يخص الفاعل الإنساني. و هكذا يظل الإبداع فعلاً بشريا محضا ولا يكون 
ابتكارا إلا في إطار صياغة الحكم أو الجملة التي تربط ربطا غير مالوف ولا مسبوق 
بين عناصر- موجودة. وإذا كان هذا الابتكار يظل مرتبطا باكتشاف حقائق جديدة: إلا 
أنها لاتخرج عن نطاق إنجاز (عع2صصطم10رعم) جمل جديدة وإعادة توزيعها 
بالنسبة لوظيفتها أو علاقتها بالجمل الوصفية (0554201©9©). ١‏ 

بيد أنه منذ نهايات القرن السابع عشرء وفى إطار فكر كل من "ديكارت" 
و"ليبنتز" يغلب على موضوع الابتكار مفهوم "الإنتاج " , إنتاج لتقنية معرفية 
جديدة وليس مجرد كشف لشىء موجود أو لحقيقة موجودة ولكن غير معروفة. 

ومع ذلك. كما يذهب دريداء فتقنية الإنتاج المعرفى الجديدة لم تقطع كل 
عراها بقضية الكشف أو مبدأ الحقيقة التقليدية» ومصداق ذلك أن المنطق الكلاسيكى 
(منطق بول ريال 20:1-120921) يميز بين المنهج التحليلى ١‏ الذي يناط به كشف 


19 


حقائق الأشياء وبين نظام العرض التركيبى الذي يحدد علاقتنا نحن بالأشياء من 
خلال لغة جيدة يحسن فيها الربط يين "الحامل " و"المحمول ؛ وهو مايربط بين 
الحقيقة وبين الخطاب المنطقي كتقنية كشفية وتنظيمية للمعرفة؟ ولعل ذلك يمشل 
متصلا فكريا من " ديكارت " و "ليبنتز" حتى "هيد جر" القائل بأن "اللوجوس 
هو بيت الكينونة". 

ولكى تكون التقنية الجديدة ذات فعالية وتأثرء حيث أنه لا يمكن الاكتفاء بفعل 
الابتكار الذي لا يحدث إلا مرة واحدة وبطريقة متفردة: يعمل الفكر الكلاسيكى على 
تعميمهاء أى ربطها بالموضوعية المثالية؛ وليكن ذلك في صورة نظام مشالى قابل ‏ 
على شاكلة اللغة- للتكرار والاستمرار ونقل المعارف المكتشفة سواء كانت هذه 
الأخيرة إجراءات فنية أو نظريات علمية أو أنواعا أدبية وأساليب فنية يمكن إعادة 
صياغتها في صورة مقاطع سردية قابلة للتنويع والتوزيع والتبديل. 

وإنه لعجيب حقا أمر هذا الابتكارء فهو التفرد عينه؛ وهو المرة الأؤلى التي لا 

ثانى لها؟ ومع ذلك فتكراره ممكن, إلا أنه لا يستطع ذلك؛ سواء عبر مقهوم الكشف 
التقليدى أو عبر التقنية المعرفية المستحدثة: إلامن خلال نظام اللغة ونسق 
علاماتها ورموزها: هذا النسق الذي عليه أن يقوم أولا بخلخلته كفعل طبيعسي 
ومصدري متصل بالخيال الإبداعىء وثانيا أن ينخرط فيه» على الأغلب, في صورة 
تنظيمية جديدة حتى يمكنه أن يتحول بدوره إلى نظام منتج وقابل للاستخدام كفعل 
ثقافى مندمج ومستقر. إن الإبداع؛ كما نرىء وليد "الصدفة" صدفة الكشف أو قفزة 
الخيال المبدع؛ غير أنه لا يصبح منتجا أو مثمرا إلا بانخراطه في عالم الضرورات 
الذي تفرضه سياسات الدول الحديثة في تنظيمها لإصدار براءات الاختراع وبرمجة 
البحث العلمى وتخطيط العمليات الثقافية. وهكذا يبدأ الابتكار طبيعيا وفرديا وثورياء 
وينتهى بالاندماج في النظام العام الذي يعمل جاهدا على تحويل الصدفة الخلاقة 
والطفرة الشاردة إلى احتمالية محسوبة والى هامش قابل للتعايش في إطار 
المتجانس. ْ 

وإذا كان الابتكار يحفظء على هذا النحو. ويلغي في الوقت نفسه؛ فماذا يتبقى 
منه كإبداع للمغاير وكانبثاق للاختلاف في قلب المماثل؟ ليس من شك في أن إفساح 
المجال للآخر ليس مجرد عملية سلبية محضة:؛ فالآخر أي المختلف -. فيما يرى 


20 


دريد!- ليس ملحقا بذات مغايرة ولا مجرد موضوع آخر أو شعور أو لا شعور. 
ولربما يقصد فيلسوف التفكيك بذلك .أن الآخر ليس مجرد صورة معكوسة في مرآأة 
(اعلإوم) الأناء وإلاالن يستطع الخروج من دائرة الجدل الهيجلى حيث يتلاثشسى 
النقيض على مستوى التركيب. ولكن مهما يكن من سطوة قانون المماتل الذي يحكم 
كل نظام» سواء أكان هذا الأخير خطة بحثية أو برمجة علمية أو تخطيطا عسكرياء 
فإن الرغبة في إفساح المجال للآخر تحققء على الأقل منذ "كانط" وحتى" شلينج" 
و" هيجل" , فرجة في عا لم الخيال حينما يتحرر هذا الأخير من وظيفته 
الاستنساخية التقليدية (767217001101976) ويرتفع إلى مستوى الخيال القبلسى 
المنتج. ومع ذلكء فإن هذا الانعتاق» الذي يرفع الخيال إلسمى مستوى قبليات المعرقفة 
وشروط تأسيسهاء ليس بكاف - في نظر" دريدا" ‏ للإفلات تماما من قبضة 
الحقائق الدوجماطيقية القانمة. ذلك لأن الخيال القبلى لا يتيح للآخر التحقق إلا بقدر 
ما يمثل رغبة الكائن المحدود في سعيه نحو التحقق في إطار اللانهائية المثالية؛ 
وهو ما يجعل إبداع الآخر مجرد نقص أو فجوة تسعى إلى الاندماج في مرآة الطبيعة 
الكلية» وهو ما يردنا من جديد إلى منظور الأنا المتماثل ومنطق النظام. المرفوعين 
إلى مستوى اللامحدود. 
إن العقبة الكئودء التي تقف حجر عثرة أمام دفعة الابتكار وبكارته الأولية» تقر في 
عودته الحتمية إلى منطق المماثل لنفسه؛ وذلك منذ أول تكريس له من قبل النظام 
أو القانون الذي يضفى عليه شرعيته. ومن ثمء لا يتجاوز الابتكار حدود الممكن ولا 
يخرج عن قبضة المنتظم الذي يحكم تجلياته ويبقيها في إطار الحقائق المقبولة 
والمسموح بها. ومن ثم أيضا ‏ يرد الجديد إلى عالم الممكنات التي يحددها النظشام 
بالقوة» كما ينضم إلى قائمة الأشياء المتوقعة. ولكن اليس ذلك معناه الحكم على كل 
ابتكار بحرمانه من طبيعته الابتكارية؛ تماما كما نستنكر الإبداع ونحوله إلى بدعة» 
وهو ما يقودنا إلى إلغاء هوية الابتكار نفسها ! 
إن الابتكار الوحيد الممكن يبقىء في الوافع؛ ابتكار المستحيل وإبداع اللا 
ممكنء وهنا نقع في إشكالية الإبداع كما يتخيلها الفكر التفكيكى: وهى إشكالية إعادة 
إبداع الإبداع لأنناء في نهاية المطافء لا. نبتكر الآخر. ولا نبدع المغاير- كما يدول 
"دريداء- وإنما نفسح له المجال ونشق له فرجة في النظام حتى نفتح له طريقا 


21 


للعبورء فالآخر ليس؛ في واقع الأمرء إلا "النحن " وابتكار الآخر ليس في نهاية 
الأمرء إلا إعادة ‏ اكتشاف النحن وإعادة ابتكار عالمه في تجاوز لا ينتهي0". 

ولكن ألا يقودنا اكتشاف النحن عبر الآخر إلى مبدأ "الدائرة" ويطرح من 
جديد قضية الخروج منها؟ أما زلنا في إطار فلسفة "التكرار" التي لا تتيح لناء على 
طريقة اللغة/ الكلام؛ إلا ضروبا من التنويعات الجديدة ولكن في إطار القواعد 
الملزمة؟ حتى و إن كان الجديد هو الذي لم يتحقق بعد أو المجهول عينه. وكيف 
يكون المجهول مجهولا إلا بالرجوع إلى ضروب من "الأولانيات" التأسيسية.. حتى 
ولو كان "الأول" لاايقومء على طريقة "دريدا". إلا بفضل"الثاني" 
و"الأنطولوجى" لا يعتمد إلا بفضل "الأونطيقى" في لغة؛ هيدجر"؟ 

وتبرز "لعبة الدائرة من خلال مفهوم "الهبة" الذي يسعى "دريدا" إلى 
تفكيكه انطلاقا من أعمال عالم الاجتماع الشهير "مارسيل موس " وعلى رأسها 
كتابه "مبحث عن الهبة"7". فالهبة» كما يحللها "موس" عند الشعوب البدائية» 
تدخل في إطار التبادل» وإن كانت تتجاوزء من منظور الظاهرة الاجتماعية الكلية» 
عمليات التبادل الاقتصادى نفسها بحيث تشمل كل مظاهر التنافس في إقامة الولائم 
والمجاملات والاحتفالات الشعائرية وعمليات تبادل الخدمات الحربية وإهداء الأطفال 
والنساء. ومن شمء تكتسب الهبة. في صورة "البوتلاش" التي يعنى بدراستها 
"موس ". مجموعة من الدلالات الاجتماعية والدينية والرمزية والجمالية؟ كما تبرز 
بهذا المعنى الشمولى وظائف الإنفاق الترفى والنزوع إلى التنافس المجنون في 
تبديد الثروات: وهو ما يخرجها عن مجال التبادل الاقتصادي النفعى الذي تألفه 
المجتمعات الحديثة. إلا أن الهبة بما هى هبة تعد, من المنظور التفكيكىء نوعا من 
الاستحالة المنطقية؟ فهى كهبة لا تخضع للرد وإلا فقدت ماهيتها كهبة؟ وهى؛ من 
ثمء خارج الدائرة وخارج الزمن؛ وذلك بقدر ما ترتبط الدائرة بحقل التبادل الذي 
يقوم عليه اقتصاد المنفعة؟ وبقدر ما يرسم الزمن حدود الإقراض ومواعيد السداد 
والاستحقاق وبقدر ما ترتبط ارتباطا جوهريا بدورة رأس المال وحركة 
الاستثمارات. وإذا كان لابد من رد الهدية أو الهبة كما تفرضها عادات وتقاليد 
المجتمعات قاطبة؛ فان ردها لا يخضع للزمن الدورى المحدد والمحدودء بل إن الهبة 
لاتخضع للزمن؛ وإنما تهبه لنا إذ ان الرد ليس إجبارا وإن كان ملزماء وذلك بقدر 


22 


ما تخضع عمليات المنح والرد لنوع من الزمان المقترح الذي يتجلى فني بعض 
المناسبات غير الدورية مثل حالات الزواج والميلاد والاحتفالات؟ ولعل أغرب أنواع 
الإلزام بالرد هو ما توصل إلى اكتشافه "موس" وهو إلزام تتميز به.العقلية 
السحرية. وإن كنا نتفهمه ونعقله؛ ويعنى به إلزاما محايثا للشىء نفسه وليس 
منوطا بالعوامل الذاتية إذ أن الهدية أو الهبة تحمل في نفسها قوة داعية إلى 
الرد0*)» أى إلى وصل ما انقطع من قانون التبادل والاتصال. 

ومن الطريف حقا أن يربط "دريدا" بين هذه القوة المنوطة بالأشياء 
الممنوحة وبين الشروط ءالقبلية لعملية التبادل التي تتيح الجمع بين الهية 
والقرض. تماما كما تتيح عملية الأختلاف المؤسس (6ع411161722) قيام نظام 
الاختلافات البينية والمرجأة. ذلك أن الهبة والقرض يتمايزان داخل نظام التبادل 
بقدر ما لاا تخضع الهبة لما يخضع له القرض من شروط سعر الفائدة ومواعيد 
السداد. ويتماثئلان فيما يجمعهما من علاقة تأسيسية بالزمن: الزمن المحدد والملزم 
للقرضء والزمن الذي تمنحه الهبة في صورة إرجاء وشوق وتوقع. الأمر الذي 
يحول الهبة إلى نموذج مصدرى للقرضء. كما يضفى عليها طابع القيمة مقابل 
الطابع النفعى للقرض. غير أن ارتباط الهبة» من منظور"البوتلاش" بجنون الإنفاق 
المدمرء لما يصاحبها من نوازع المباهاة والتنافسء, سرعان ما يقلقل وضعها 
ويؤدىء في منظور التفكيكء إلى بلبلة معناها وتبدي(152)01011ناء1155) دلالاتها 
اللغوية(؟). 

على هذا النحو ينطلق" دريدا" في سعيه نحو تفكيك معنى الهبة المصدري 
ومحاولة نقله من دائرة التبادل الاقتصادى والاجتماعي إلى دائرة اللغة منتهيا 
بتفكيك المعاني والدلالات المتولدة عن عبارات المنح والعطاء والردء وهو الأمر 
الذي لايكل عن ممارسته في قراءاته اللامتناهية لنصوص كبار إلمفكرين 
والمبدعين. وقراءات "دريدا". في الواقعء ليست قراءات مباشرة للنتصوص ولا 
تطمع في احترام خصوصيتها. بل على العكس إنها تحاول فض بكارتها وإنطاقها 
بما تخفيه بين ثناياها الظاهرة والباطنة» وهى لذلك تقع على تخوم عالم من الكتابة 
تحاول طيه؛ وتتزامن مع عالم أخر من الكتابة تحاول شق طريقها عبره وتحديد 
مجال عملها وممارساتها من خلاله. إنها تتجاوز كل ضروب الكتابات الميتافيزيقية 


23 


والأنطولوجية المحايثة لخطاب العقلانية الغربية» وفى الواقع لكل عقلانية تأسيسية؛ 
وتتعايش مع كل أنواع الكتابات التي تعطى الأولوية لمادية النص وقدرته على إنتاج 
المعاني الجديدة وابتكارها لا عن طريق إظهارها من حالة الكمونا إلى حالة الوجود: 
وإنما عن طريق إعادة التركيب أو "البناء"؛ وفقا لعبارة "فاليرى" الشهيرة: وذلك 
بعد التفكيك وبث الفرقة والاختلاف بين عناصرها التكوينية. ولقد أدت القراءة 
التفكيكية » التي يمارسها" دريدا" عبر إنتاجه المتدفق؟ منذ بدء حياته الفكرية 
والعلمية في عام ١56٠١‏ تقريبا وحتى ألان» إلى التمفصل حول بعض المحاور 
الرئيسية ألتى تشكل مجموعة من العلامات البارزة الدالة على طريقته الفلسفية التي 
تميره عن بقية أقرانه من رواد الكتابة الجديدة مثل : "فوكو" ( أركيولوجيا الفكر) 
و "دولوز" (الكتابة السيكيزوفرينية والريزوماتية) و " لاكان " (البحث عن لغة 
اللاشعور) و"ليوتار" (الميتاحكايات) وغيرهم. وتتراوح المحاور الرئيسية في 
كتابات فيلسوف التفكيك بين مفاهيم العلامة والأثر والكتابة والترجمة والصوت 
والعقار والاسم العلم والتوقيع والسياق والهامش والزمن والاستعارة والهبة 
والأنوثة والبكارة والابتكار والسياسة والقانون والمؤسسات وشبه الترنسندنتالى 
والاختلاف والانغلاق والأنا والآخر والآلة ونقد الميتافيزيقا والفينومينولوجيا و 
اللاشعور .)١(‏ 

وترمى العملية التفكيكية عند" دريدا" إلى كشف التناقض المبدئى بين 
مسلمات الترأث الغربي المسكوت عنهاء وهو الأمر الذي ينطبق على أى تراث. 
وبين الواقع الفعلى للممارسات الخطابية في شتى مجالات المعرفة فكما رأينا 
التناقض الجذري الذي يقوم بين عملية الابتكار وضرورات التكرار التي لا مفر منها 
لإضفاء الشرعية عليه» وبين الهبة وضرورات التبادل التي لا يفلت منها آي 
مجتمع. بما هو مجتمع فإنه يمكننا الإشارة إلى ضروب عديدة من التناقضات التى 
يبرزها "دريدا" بصدد المفاهيم التى أشرنا إليهاء إلا أننا سنكتفى ببعض الأمثلة 
املين فى استكمالها فيما بعد. 

على هذا النحوء يبرز لنا "دريدا" التناقض الغريب القائم بصدد العلامة 
اللغوية التى تعرف بأنها إشارة الى معنى غائب وتنسب اليهاء فى الوقت نفسه؛ 
وظيفة ثانوية بالنسبة لما لا يوحد إلا بها. الايدل ذلك على أنها البداية الحقيقية 


24 


وليس المعنى الذى تشير إليه؟ كما أن ارتباطها بالمدلول الذى يرد بدوره إلى 
المرجع الخارجي لا يقوم على أى أساس من المنطق أو التبرير ؛ ومن ثم لا يمكن 
اعتبار تمثيلها للأشياء عملا طبيعياء وإنما مجرد عملية اعتباطية أو اتفافيةٍ بحتة. 
ومع ذلك. يذهب الفكر الميتافيزيقى إلى أن المفهوم أو المشال يلعب دور المصدر 
المؤسسى غير مدرك لمفارقة إسناد عملية تمثيل الفكرة أو الحقيقة المجردة إلى 
مادية العلامة؛ وذلك فى الوقت الذى تزعم فيه المادية. وهذه مفارقة أخرىء أن 
الأفكار مجرد انعكاس للأشياء وللعالم الخارجي. ومن ثم يتبين لنا أن موقاف 
"دريدا" لا هو بمثالى ولا هو بمادي ٠‏ فهو لايفصل كما يفعل "سوسير" بين 
الدال والمدلول؛ لأن كل مدلول. فى رأيه؛ ليس إلا دالا في علاقة مع دوالي أخر. 
ليس هناك إذن أسبقية فى اللغة للمعنى أو الفكرة على العلامة؛ ولا للصوت الحى 
على مادية الكتابة إذ ليس هناك إلا علاقات تمايز واختلاف داخل اللغة. 

معنى ذلك أن الكتابة ليست ملحقة بالمعانى لا تابعة لهاء فهى لا تحفظها من 
الضياع " أكثر أو أقل مما تعرضها لمخاطر التحريف وسوء الفهم وزيف التفسير 
والتأويل؛ الأمر الذي يؤدى إلى تقويض المذاهب الإنسانوية (1:11132121521) وما 
تعتمده من مبادئ الحدس بالحقائق الأولية ومفاهيم القصدية والغائية وإلى تفكيك 
العلاقة القائمة بين المصدرية التاسسية وبين الوقائع الإمبريقية. كما أن تحرير 
الكتابة من هيمنة الصوت الحي يعنى بالضرورة موت المعلم والمؤسس واخيرا 
المؤلفء إذ أن الموت؛ حقيقيا كان أم رمزياء شرط من شروط حياة الكتاببة ونموها. 
إلا أن ذلك يخلخل العلاقة بين المرسل والمرسل إليه إذ سرعان ما يحتل الثانى محل 
الأول ويفرض على ما تركه أو خلفه من "أثر" معانى ودلالات غير متوقعة: وففا 
لضرورات العصر , ومتطلبات التطور والتغير: وهو الأمر الذى يربط عملية الكتابة 
بحركة الصيرورة والمستقبل أكثر من تقييدها بالماضيء وهو ما يجعل أيضا من 
عملية "تكرار" علامات الكتابة عودة للمماثل وخيانة له؛ إذ أن كل عودة للنصوص 
السابقة ليست عودة حقيقية وإنما إعادة قراءة لها. ومن شمء نفهم لماذا يقيم 
"دريدا" عملية الكتابة فى قلب ظاهرة الاختلاف: الاختلاف البيني والاختلاف 
المرجاء وذلك بقدر ما يكتسب كل نص دلالاته الحالية داخل سياق بعينه: وبقدر منا 
يكون كل سياق قابلا لإعادة توزيع عناصره. وفقا لاختلاف الموقف والظروف 


25 


التاريخية لعمليات القراءة. ومن هناء لا نقع قط على سياق ثابت ولا على نص 
مغلق» وإنما على عمليات مستمرة من الانغلاق والانفتاح. وكذلك الأمر بالنسبة 
"للترجمة". فهي لا يمكن أن تشكل صورة مطابقة للأصلء وإنما إعادة تشكيل 
وصياغة له وكل إعادة خيانة وتحويل وتبديل» كما تصيب المفارقة "الأدب " نفسه 
الذى يود أن يكون عمل إبداعيا متفردا ويحمل اسم صاحبه وتوقيعه؛ إلا أن احترام 
هذه الفردية يشكل "دينا" باهظا على كل قارئ مستقبلى إذ أن إعجاب القارئ بهذا 
العمل المتفرد يدفعه إلى؛ محاكاته بقدر ما يدعو كل عمل إبداعى إلى الانتشار 
والتعميم؛ ومن ثم تضيع خصوصيته الفردية ويصبح "الأسم العلم" مجرد 
اسم أو علامة شائعة على طريقة فى الكتابة أو الأسلوب 1"). 

ويطال التفكيك أيضا لغة الفلسفة نفسها التى هى- كما يقول "دولوز" علم 
المفاهيم» فاذا بصاحبنا يقحم فيها لعبة "الاستعارة",. التى تفيد فى أصلها اليونانى 
القديم معنى النقل والتحويل من مجال إلى مجال. ويهدف "دريدا" بذلك إلى تجاوز 
الحدود بين الفكر والفن أى بين التعبير العقلاني المجرد وبين التعبير الحسي أو 
اللاعقلى أو بين "اللوجوس " و"الميشوس " بقدر ما يرجع الفكر, فى منظور 
التطورء إلى الأسطورة. وليس من شك فى أن هذا هو ما يمارسه الكاتب في كثير 
من كتاباته الإبداعية البحتة على شاكلة "البطاقة البريدية" و النصوص المزدوجة:. 
التى يشترك فيها مع كاتب أخرء والمكونة من متن وهامش. وتتجلى أيضا الظاهرة 
التفكيكية فى البحث عن الثنانيات» كما نرى فى ثنائية الدال والمدلول فى "لغة" 
اللاشعور (فكرة منسوبة إلى "لاكان") المتراوحة بين مبدا اللذة ومبدا الواقع. ذلك 
أنه حينما تزيد دفعة الحياة عن الحد فى بحثها عن اللذة فإنها تعرض الإنسان لخطر 
الموت؛ ومن هنا احتياجها لتأكيد مبدأ الحياة إلى بدائل (استعارات) لتتجنب 
الاصطدام. بمبدا الواقع وقيوده أو عقباته الكابتة للرغبة. ولعل هذا يقودنا إلى 
فكرة"الرباط المزدوج" (120ط 1016) الذى يشكل السمة الرئيسية للطريقة 
الإجرائية التى تقوم عليها تفكيكية "دريدا", فهو ينشئ خطابا لايمكنه التواجد إلا 
فى قلب التراث الفلسفي السابق عليه» وإن كان عن طريق المراوغة والاختلاس؛ 
وهو من ثم. لا يقطع تماما كل صلة به بالرغم من معارضته ومناقضته كما لايقف 
منه في مستوى " ما بعد الميتافيزيقا". كما هو معروف في تيار ما بعد الحداثة. 


26 


إنه. في الواقع» يحاول تعطل وصول الرسالة التى يريد تبليغها . هذا الموروث عبر 
الخطاب الميتافيزيقى السائد. ومن ثم؛ تتضوع لعبة الثنائيات المتعارضة في مجمل 
النصوص "الدريدية" سواء بين الهبة والقرض أو بين الصوت والكتابة أو بين 
القبلي والإمبيريقى أو بين القانون والفوضى التي تسبقه أو بين العقل وما يقوم في 
خلفيته من"جنون" مقموع أو مكبوت7". وهكذا نظلء مع فيلسوف التفكيك؛ 
معلقين في الفضاء, لا انعرف على أي قدم نرقصء وفقا للتعبير الفرنسي المألوف؟ 
كما نظل في مجال "ألاعيب اللغة" التي وإن كانت تقوم بشحذ الذهن ومضاعفة 
القدرات النقدية للعقل؛ لا تهديئاء في الواقع, إلى خطة عمل واضحة:؛ ولا تفتح لنا 
مجالا للبناء وكأنئنا مع "دريدا" أمام بعث جديد لحركة الفكر السفسطائي: فكر 
التذبذب والتردد وعدم الحسم. 


الهوامش 
عل .60 عناتنة'[ أء علمعط ع1 :وعم سرمعوع 10‏ أمععمكك12(1) 
.98 .م1986 باتأناصلك3 
1155350لة0 عألذمطمة) ع1 أء عناء*1 ,رعوعء10ه112 للأتد ك1( 2) 
9 .م ,1964 
2 2011171164 آنا 7615 023205 تال 5601516 18 بعاءعاءه1 6 3([3:0265) 
(الطبعة الأمريكية عام 4417 89)1 19 ,74110161 لتطآام 
بختص علم الفوضى بدراسة مظاهر الأضطراب في الطبيعة فيما يخص الأحوال الجوية واضطرايات 
القلب وذبذبات المخ وغير ذلك كما يعين بقياس الأشكال الكلية للأنساق لا بأحزائها المكونة للحاء 
ومن ثم ينصرف أهتمام العالم إلى ملاحظة الصدف والقفزات غير المتوقعة والأشكال المهمشة أو غيير 
المنتظمة ال ترسمها الأنساق المتشكلة أكثر من اهتمامه بالعناصر مثل النيترونات والكواركس أو 
الروموزمومات الي تتكون منها الأنساق أنظر ص ١؟.‏ 
(4)عالحنا هذا الموضوع في كتابنا "نظرية المعرفة والسلطة عند ميشيل فوكو” دار المعرفة الجامعيةء 
الإسكندرية » 154957 ص .14١‏ 
(©)يعد عمنانويل ليفيناس من أهم معارضي المنظور الانطولوحي للأخر عند هيدجر وذلك باسم 
المنظور الألاقي الذي يجعل من الأر في خنصوصيته غير القابلة للرد صورة "للوحه" أي المطلق . 
أنظر كتابه » الذي عارضه "دريدا" نفه الشمولية واللامتناهي وعنوانه بالفرنسية : 
ءالالرآ عا زرمععنيزء'! كلاد تلوق تمتكصا أء عاألل1012 ممسزودعر1 أعلامقستصرظ 
(1971 يعلقستهوتءه 1994)60 ,وتوووء منتاطتط عطعوط عل 


27 


20 ,2215 .عتاتتة'[ ع0 1207211025 .عطعنزوظ ,هل1سء1]0 كعنباوءة[(6) 
11-1 .مم ,1987 رعة11له0 

ع8 قاع '*1 0 121502 اء عطده 1١‏ .002 ع1 اناد 125531 ,35031055 أعع7(1131) 
, 3215 .أع010ممتطاصم أء أع5061010 12[ ر65 35121010 501665 165 325ل 
.145-279 . نرم ,1966 ,. 2.10.1 


(8)يقول ”موس” بأن الأشياء الموهوبة عند شعوب "الماوري" تحمل جزءا من القوة الروحية لما نحياهها 
ويسوق لنا لتفسير هذه الفكرة قول أحد مشرعيهم "الأشياء ا" لتاونجا" وكل الممتلكات الش_خصية 
بالمعى الدقيق ممتلك قدره (هو) روحية فإن أنت منحتئٍ شيئا ومنحته لشخص غيري » فإن هذا الأخير 
يعطيينٍ مقابلا له مدفوعا بالقدرة الروحية لهدييٍ وأنا ملزم برد هديتك لأنه من واجبي أن أرد إليك ما 
يشكل ف الواقع نتاج قدرة (هو) ما منحتئ إياه» المصدر نفسه » ص ١68‏ 
ع02111) ققد . 5مطيع1 164 تعصدهآ ,102203 . 5عناوع9([3) 
.58-4 م 1991 
أ 085ا285أاقصع8 06015 31م ,122103 كعناوء10(13) 
1 ,[تناء5 ع1 , 80 ,هل1دك12آ 5عناوع3ل 
(1١1١)المرجع‏ نفسه ء ص .17١-75‏ راحع مقالينا : "الكتابة والتفكيك" و "الوظيفة الأيديولوحية 
للصوت" عند دريدا في كتابنا "دراسات في الفكر الفلس_ في المعاصر" ؛ دار المعرفة الجامعية » 
الإإسكندرية .م1554. 
(011المرجع نفسه ص .1619/-117١‏ وكتاب: 


5 ,6111101م 76‏ أ ع1لالرع8 ,[أأعع2قصة0107) [أعتصدر[ 
.9 ,(11.0.8)10-18 


28 


تفكيك الميتافيزيقا(» 
1 . عبد السلام بنعبد العالي2”) 

"يتعلق الام ربشئ غهالف اي الاختلاف النفى الجدلى ٠‏ فما ينبخى ان نكر نيه هو العلاقة بهن 
ا حتيقة وا حاضر. وذلك عن طريق فك رلن ييكون حفيقيا ولا حاضرا . فك ريضع المعنى وقيمة الحقيقة 
موضع سؤاك . وذلك ببكينية لورتت مداخل الفلسنة حتى عند الشكاك ومن دار فى تلكهر* ان النقى 
الجدلى . الذى ممكن الفنكر الميجلى من الاسهام فى 'كثير من التجديدات العميقة . قد ظل سجين 
ميتا فيزيقا ا حضور والكوين والاستمرار سجين ال مفهوم العادى عن الزبان " 

جاك دديرا ٠‏ 

مهما قيل عن علاقة التفكيك بكل من الجنيالوجيا والتقويض . ومهما كتب عن 
علاقة دريدا بكل من نيتشه وهايدجر » وكيفما فهمنا تصريحات دريدا نفسه بصدد 
هذه العلاقة (') فاننا نستطيع ان نؤكد ان افق التفكير لا يختلف هنا وهناك » وان 
دريدا لا ياخذ على المفكرين معا " انعدام التماسك المنطقى " () لافكارهما » بقدر 
ما يعتبر " ان تردد افكارهما وحيرتهما " هما بالاولى من قبيل " الرجة التى تسيز 
كل المساعى التى اعقبت الهيجيلية والتى تطبع الانتقال من عصر الى عصر 
آخر"20, 1 

ذلك ان الامر لا يتعلق بصدد نصوص نيتشه او هايدجر بنقد " خارجى ". 
وهذا يطبع استراتيجية التفكيك ازاء جميع النصوص فهناك فى كل نص . حتى فى 
اكثر النصوص الميتافيزيقية تقليدا » هناك قوى عمل »؛ هى فى الوقت نفسه قوى 
تفكيك للنص. وما يهم التفكيك هو الاقامة فى البنية غير المتجانسة للنص . والعشور 
على توترات او تناقضات داخلية يقرأ النص من خلالها نفسه ويفكك ذاته ©ع 
0607-5414 فى النص نفسه قوى متنافرة تاتى لتقويضه ويكون على 
استراتيجية التفكيك ان تعمل على ابرازها . 





() نقلا عن الفصل الرابع من كناب اسس الفكر الفلسفى المعاصر محاوزرة الميتافيزيقا . ونشكر الزملاء ال اللدمعية الفلسفية المغريية 
وبحلتها المتميرة مدارات فلسفية على تعاوفم معنا لي نشر الدراسات الفلسفية في مصر والمغرب. 
استاذ الفلسقة تمامعة محمد الخامس ء الرياط . 


29 


ذلك ان النص لا يكون نصا الا اذا اخفى عن النظرة الاولى " قانون تركيبنه 
وقاعدته لعبته » وهو يظل لا مدركا على الدوام "(') ولا يعنى ذلك انه يحفظ معناه 
ويحجبه "فالقانون والقاعدة لا تحتميان وراء سر لن يفضح , كل ما فى الامر انهما 
لايمثلان فى الحاضر"0. 

لا يتجاوز التفكيك الميتافيزيقا بمهاجمتها وانما يسعى الى ان يبين انها لم 
تتوفر قط على ما تدعيه من اكتفاء ويقين وحضور امام الذات . يتعلق الامر بتوسيع 
شرخ لازم الميتافيزيقا وشق هوة لم تنفك عن الوجود . ذلك ان الميتافيزيقا رغم 
ادعاءاتها لم تحقق هذا الحضور الا كوهم0". فمثلما ان الحلم يحقق رمزيا رغبة ما 
تسد نقص عدم الاشباع الفعلى للرغبة , فان ميتافيزيقا الحضور تحاول ان تكمل 
نقص رغبة الحضور بالتعلق واعادة النظر فى مفهوم الحضور هذا ٠‏ مفهوم الوجود 
كحضور . ومفهوم الزمان كحاضر . يستعيد دريدا " النقد" الهايدجرى للمفهوم 
الميتافيزيقى عن الزمان( . الا انه يبين قصوره وحدوده . " فاذا كان هايدجر قد 
فكك بصفة جذرية سيادة الحاضر على الميتافيزيقاء فلكى يقودنا الى التفكير فى 
حضور الحاضر بيد ان فكر هذا الحضور يقتصر على مجرد الاستعمال المجازى للغة 
التى يزعم تفكيكهاء وذلك نتيجة ضرورة عميقة لا ننفلت منها بمجرد ان نتخذ قرارا 
من اجل ذلك"7. يبين دريدا ان التفكيك ينبغى ان يذهب ابعد من ذلكء؛ ويمتد الى 
مفهوم الحضور ذاته » كما يؤكد ان المفهومات الميتافيزيقية عن التاريخ والمعنى 
والوعى والذات والهوية » ما كان لها ان تكون ؛ لولا ان نمط الحاضر هو الذى حدد 
المفهوم الميتافيزيقى عن الزمان والكائن7». لذا فهو يقف عند المعنى الذى ترد اليه 
كلمة اختلاف عحمء2ء014. ويلاحظ اننا عندما نقحمها فى الهوية فهى لا تفيد 
خلخلة لمفهوم الحضور. ذلك ان ع»م,ع]01 تحيل الى الاختلاف بمعنى التمايز لا الى 
الاختلاف بمعنى الارجاء. انها تحيل الى الفعل ١وعاعء‏ مء:ع014لا الى الفعل 01116 
لذا يقترح دريدا تعديلا فى كتابة تلك الكلمة بحيث تفيد فى الوقت ذاته الخلاف 
والارجاء وهو يضع حرف « بدل حرفء فيكتبها على هذا النحو لتعنىا'') 

-١‏ الارجاء الذى ياخذ بعين الاعتبار " الزمن والقوى فى عملية تقتضى 
حسابا اقتصاديا ولفا ودورانا وتاخرا . 


30 


"- الخلاف واللاتطابق الذى " يقتضى مسافة وبونا وابتعادا ". ولعل اللفظ 
العربى مباينة يفصح عن هذين المعنيين بحيث يدل فى الوقت ذاته على الاختلاف 
والتمايز كما يدل على البون والابتعاد والمسافة والتاجيل . 

المباينة اذن عع5ه,ء41 د.1هى حركة توليد الفوارق . انها ما يجعل حركة 
الدلالة غير ممكنة اللهم اذا كان كل عنصر " حاضر " متعلقا بشئ اخر غيره » 
محتفظا بهذا العنصر المعنى داخل الهوية " تكون هناك مسافة تفصل الحاضر عما 
ليس هو لكى يكون هو ذاته"7'') ويدخل الزمان فى "تحديد" الكائن لالحصره 
وضمه ء وانما لجعله معلقا فى حركة ارجاء دائم » بحيث "يدخر نفسه" ولكن الامر 
في الجدل الهيجلى حيث فهم الادخار داخل اقتصاد ضيق 9'') وانما " يدخرها بمعنى 
انه يحفظها ويرجؤها الى حين"7"). 

للدلالة على هذا الحاضر المدخر المتصدع يستعير دريدا من ليفيناس مفهوم 
الاثر ععوم72*') الذى لا تنفعنا فى تحديده انماط الزمان الميتافيزيقية " فلا مفهوم 
الحاضر ولا مفهوم الماضى ولا مفهوم المستقبل » ان المفهومات الميتافيزيقية عن 
الزمان بصفة عامة ليس باستطاعتها الوصف المطابق لبنية الاثر"١),‏ 

ان الاثر لا يحضر انه ليس حضورا وانما هو سيمولاكر”"') الحضور . انه 
"حضور ممزق متصدع متحرك مرجأ ء حضور لا يكون حضور يشكل الامحاء 
بنيته" "') وهو يتنافى مع انماط الزمان التقليدية يتنافى مع مفهوم الزمان 
الميتافيزيقى بما فيه المفهوم الجدلى . ذلك ان بنية التأجيل والتاخير " تمنعنا من ان 
نجعل من الزمن مجرد تعقيد وتركيب جدليين للحاضر الحى"*". 

لمجاوزة الميتافيزيقا ينبغى ان يكون هناك اثر موشوم على النصض 
الميتافيزيقى ٠‏ يحيلنا لا الى حضور اخر » او اى شكل من اشكال الحضور وانما الى 
نص اخر . وان وشمة هذا الاثر على النص الميتافيزيقى لايمكن ان تدرك الا كمحو 
للاثر نفسه . وبالرغم من ذلك فان هذا المحو يخلف اثره فى النص وحينئذ " فان 
الحضور بدل ان يكون كما يعتقد عادة ما يدل عليه الدليل . وما يحيل اليه الاثر » 
فانه يصبح اثر محو الاثر . ذلك بالنسبة الينا هو النص الميتافيزيقى , وتلك هى اللغة 


31 


التى نتكلمها . وذلك هو الشرط الذى ينبغى توفره لكى تحيلنا الميتافيزيقا واللغة التى 
نتكلمها الى مجاوزتها "0"). 

ذلك ان الحد بين ما للميتافيزيقا وما ليس لها يمر عبر كل نص .فلا يتعلق 
الامر بالتمييز بين داخل وخارج ٠‏ والاقامة فى خارج مطلق ٠‏ وانما ب " استراتيجية 
شاملة للتفكيك "7 ') تتفادى الوقوع في فخ الثنائيات الميتافيزيقية وتقيم " داخل" 
الافق المغلق لهذه الثنائيات عاملة على خلخلته :"فان تفكك الفلسفة معناه.ان تقيم 
جنيالوجيا مفاهيمها وفق اكثر الطرق امانة ٠‏ واقربها الى الداخل » ولكن في الوقت 
ذاته انطلاقا من خارج لا تستطيع هى ان تصفه او تسميه "07'') ومع ذلك فان هذا 
"الخارج" ليس خارجا مطلقا . فلا يتعلق الامر باقامة حقيقة ضد الحقيقة . كان 
نواجه الحقيقة الميتافيزيقية بالحقيقة العلمية . ان الخارج المقصود مقيم داخل 
الامتلاء الميتافيزيقى . ذلك ان هذا الامتلاء . كما سبق ان قلنا امتلاء وهمى وهو 
ينطوى على فراغات وتباعد وخارج . فأن كان التفكيك يضع نفسه فى الخارج , فان 
هذا الخارج مرتبط على الدوام بداخل متعدد متنوع , يقول دريدا :"لايمكن للخلخلة 
الجذرية ان تاتى الا من خارج (...) هذه الخلخلة تكمن فى العلاقة العنيفة بين الكل 
وخارجه . سواء اتعلق الامر بالعلاقة العرقية او الاقتصادية , السياسية او العسكرية 
(...) بناء على ذلك لن يكون الاختيار الابين استراتيجيتين : 

-١‏ ان نحاول الخروج وفك البناء دون ان نغير من موقعنا . وذلك بالفحص 
عما تنطوى عليه المفاهيم الاساسية لاشكاليتنا مستعملين ضد البناء الادوات 
والاحجار التى نتوفر عليها داخل البيت اى داخل اللغة كذلك ... 

"- ان نغير من موقعنا منفصلين عنه بغتة مقيمين توا فى الخارج مؤكدين 
الانفصال والاختلاف (...). 

ومن الواضح ان الاختيار بين هاتين الصيغتين من التفكيك وفك البناء لا يمكن 
ان يكون بسيطا ولا واحدا . ان الكتابة الجديدة ينبغى ان تلعب اللعبتين معا : وهذا 
يعنى اننا ينبغى ان نتكلم عدة لغات . وان ننتج نصوصا متعددة فى الوقت ذاته """, 
هذا التعدد هو ما يجعل دريدا يقف عند بعض الكلمات التى تنطوى على معان متعددة 
بل ومعان مضادة . انها كلمات يحكمها الاختلاف ولا تخضع لمنطق الحصر والحد . 


32 


وهى تشكل بذلك فضيحة بالنسبة لمنطلق الميتافيزيقا , انها كلمات مزدوجة المعانى 
تحمل فى "داخلها" خارجها وتنطوى على قوة للخلخلة والتفكيك عملت الميتافيزيقا 
على الدوام على الحط من احد معانيها ٠‏ وتقوم استراتيجية التفكيك على بعث طاقة 
التعبير الحية فى المعنى المهمش لكل هذه الكلمات . 

ذلك هو شان لفظط الاثر الذى مر معنا والذى يعنى النسخ بالمعنى العربى 
المزدوج لهذه الكلمة : "النسخ ابطال الشئ واقامة اخر مقامه » تبديل الشئ من 
الشئ وهو غيره " ثم "النسخ :نقل الشئ من مكان الى مكان وهو هو " كما يقول 
نلسان العرب . النسخ هو الابطال والالغاء والازالة ثم هو الاحتفاظ والابقاء . 

ذلك ايضا هو شأن الفارماكون الذى يعنى السم والترياق » والملحق اذى 
يضاف لسد نقص فيبين عن النقص . انه الزيادة والنقصان اللذان يصدعان كل 
مقابلة مطلقة بين الايجاب والسلب . شم الهامش الذى يشير فى الوقت ذاته الى 
الامتلاء والنقصان الايجاب والسلب . 

كل هذه "الالفاظ" ليست هى هذا الطرف ولا ذاك ولكنها هما معا . وكل هذه 
"الالفاظ" تعكس بعضها ء كلها تحيل الى السلب والايجاب الزيادة والنقصان . الحياة 
والموت والهوية والاختلاف . فمن ورائها توجد حركة توليد الاختلافات , توجد 
المباينة ععمه<ء0115هإوبالرغم من ذلك فلا نستطيع ان نقول ان المباينة والاختلاف 
هو مبدأها واصلها . ليست المباينة هى الاصل الميتافيزيقى . فرغم ان المباينة هى 
ما تتولد عنه الفوارق » وما تتمخض عنه مفعولات الاختلاف "'فهذا لايعنى انها 
حاضرة حضورا بسيطا فى ذاتها لا تتبدل ولا تتغير ولاتختلدف عن ذاتها . ان 
المباينة هى الاصل اللاممتلئ واللابسيط . لذا فان اسم "الاصل" لا ينطبق 
عليها"0”". 

تصدع الحضور يطال مفهوم الاصل ذاته » ويقحم العود الابدى داخل الكائن 
فيجعل من التفكيك استراتيجية شاملة تلتقى مع الجنيالوجيا فى "هدمها" للاوثان 
الميتافيزيقية . الا ان التفكيك يختلف عن الهدم النيتشوى فى الصبغة الاكاديمية التسى 
يتخذها . فهو اساسا تفكيك للنص الفلسفى . انه نقش على النصوص . وهذا ما يبرز 
ولع دريدا بتاريخ الفلسفة واهتمامه الدقيق بنصوصها . وهو اهتمام يبدو فى بعض 


33 


الاحيان امرا مبالغا فيه كما قال فوكو/'' وبالرغم من ذلك فنحن لن نذهب حتى 
القول مع استاذ دريدا ومعلمه » بان التفكيك هو المسؤول عن "اعادة صياغة النص 
الى ما لا نهاية له". اليست هذه "طبيعة" النص بما هو كذلك حتى عند فوكو نفسه؟ 
اليست هى حياة الدليل كما يدعى كل المواليين لنيتشه والقائلين بالعود الابدى 
وسيادة التكرار؟ الا يتعلق الامر بمتابعة حياة الحقيقة ونظام الخطاب وسياسية 
المعرفة؟ 

لقد سبق ان اكدنا ان مجاوزة الميتافيزيقا لاتعنى عند فوكو نفسه مواجهة 
حقيقية باخرى . ويبدو ان الامر لا يختلف عن ذلك حتى عند دريدا نفسه فليس 
التفكيك نقدا للنصوص الفلسفية ولا تحليلا لها . وانما هو استراتيجية *'). وهو لا 
يخرج بذلك عن السمة التى طبعت الفلسفة بعد هيجل حيث لم يعد لها موضوع , 
وحيث اصبحت تنشغل بنفسها وتعيد قراءة تاريخها بغية تجاوزه . 

الهوامش : 
-١‏ تقرأ على سبيل المثال فى مواقف :" ان نص هايدجر هو نص بالغ الاهمية فى نظرى . انه يشكل خطوة 
الى الامام لم يسبق لها مثيل , خطوة لا بمكن ان ترتد الى الوراء , خخطوة مازلنا حتى الان ايعد ما نكون عن 
الاستفادة من ثرائها النقدى " .19722.73 ,2104 ]1 رقص610أو20 .12221089 
كما نقرأ فى الجراماتولوجيا , " ان جميع التحديدات المتافيزيقة للحقيقة بما ذلك التحديد الذى يذكرنا به 
هايدجر . فى ما وراء الانتو-تيولوجيا الميتافيزيقية » ليست قابلة لان تفصل عن مقام اللوغوس او . على 
الاقل عن عقل يستمد اصوله من اللوغ وس » ايا كان المعنى الذى نفهمه به ". 138 126 
.2 11111011 رعاع 2010 تمتسمع 
كما نقرأ فى ص.”7 من الكتاب نفسه . " ينبغى اذن ان نسلك مسلك هايدجر وتتبعه فى السؤال الذى 
طرحه عن الوجود , وطرحه وحده : وذلك من اجل النفاذ الى الفكر الصارم لهذا الاخصسلاف الغريب 
وتحديده تحديدا دفيقا ". نم فى ص."” . . 
" لانقاذ نيتشه من قراءة من النمط افايدجرى ...". وى الصفحة نفسها : " ربما كان لا يجب اذن انعشلل 
نيتشه من القراءة الهايدجرية » وانما على العكس من ذلك , فتحه لها كليا , والوقوف بلا تحفظ الى جلنب 
ذلك التأويل ". 

8 عأ .جره رعأع 3010 تتصدئع 13 126 .12102 -2 


34 


1 -3 
1 ,1972 ,[أناع5 ,هأ ةسصتدمع12155 هآ .12622102 -4 


5- 

5- نقرأ فى الجراماتولوجيا:يتعلق الامر بفقدان ما لم يوجد فط . بحضور امام الذات لم يعط ابدا , وافها 
حلم به 

22.1645 


/ا- انظر بهذا الصدد مقالة :. '' 02121131216 4© 011518)''وقد نشرت ف البداية ضمن كتاب : 
( أءأدوء8.ل ععنالدد عنامم ,كناءلامء اتتاعءء») ععدوعم 13 عل ععموستلمء1 
2 ماأناطت8 ,عنطم111050م 13 0 10235865م اعيد نشرها ضمن : .28102,1968 
7 رطرع .م0 ,74258635 ها ,"ع طتامتمط] عل مص وعنآ" . 12622103 -8 
يقول دريدا : " كل ما اقوم به يمثل فى اننى اضع سؤال تعيين معنى الوجود كحضور وهو التعيين الذى 
راى هايدجر قدر الفلسفة ". .2.15 ,00.6116 و205101085 
4- نقرأ على سبيل المثال فى هوامش الفلسفة : " ان اى معنى لم يكن له ان يدل ويعنى فى تاريخ اليتافيزيقا 
الا انطلاقا من الحضور ء والا باعتباره حضورا ". 116,6.58© .م0 .وعع :11317 
ثم فى ص.17١."‏ وما يصدق على الوعى ينطبق علئ ما يسمى الوجود الذاتى بصفة عامة. فمئلماان 
مقولة الذات لا يمككن ان يفكر فيها , ولم يفكر فيها دون الرجوع الى الحضور كجوهر فان الذات كوعى 
م تدرك الا كمثول امام نفسها . ان الامتياز الذى يعطى للوعى هو امتياز للحضور ". واخيرا لقرأ فى صن 
4 من الكتاب نفسه :" ان تحويل الحضور الى مثول امام الذات وللموجود الاعلسى الى ذات تفكر فى 
نفسها وتنعكف على ذاهها ف المعرفة لا يخرج عن المفهوم التقليدى عن الزمان كما حدد مند ارسطو ". . 
1.8 ا 0111 آ". 01 -10 
13 .5ع11358 .1262103 -11 
أء عتنطادعع ل[ صر "علممعمعع ع تتطمدمعع'! 2 عأ ضأعتاوعع عزتورمصموععة'! عل01."0 -12 
رع11ع.هه0 بع ص عع ذل 12 
0١1‏ 18 -13 
4 يقول : " وهذا يسمح لنا ان نطلق لفظ الاثر على ما يمتنع عن التحديد فى مفهوم الحاضر". 
7 مرغ ذج2312113324010ع 13 1(6ثم يقرل فى هوامش الفلسفة : " الماضى الذى مم 
يحضر قط . هذه العبارة التى يصف با ايمانوئيل ليفيناس الاثر والغيرية المطلقة اى الاخو ... ومن جهة 


35 


النظر هذه فان فكر الاختلاف يلتقفسى مع نقد الانطولوجية التقليدية كما مسنه لفيناس ". 
١-75‏ .1/1365 
7-.5731111221010816 13 106 -15 
5- حول مفهوم السيمولاكو ؛ انظر الفصل الثائ من القسم الثاننى من كتابنا اسس الفكر الفلس فى 
المعاصر, دار توبقال للنضر , الدار البيضاء » ١561١‏ . ْ 
11 .1135865 -17 
18-1 
767 .رم.وعععدك/ة -19 
6 -20 
-21 
وعم -22 
23-2 
15- كتب فوكو ردا على دريدا : " لن اكتفى بالقول انها ميتافيزيقا الميتافيزيقااو انغلاقها اللسذان 
يوجدان من وراء نصية الممارسات الخطابية , وائما اذهب حتى القول ان الامر يتعلق ببيداغوجيا مشووطة 
تاريخيا اعت تظهر انها بيداغوجيا تعلم التلميذ ان لا شئ خارج النص(...) وان لا داعى للبحث بعيدا 
عنه , وان معتى الوجود يتجلى فى النصوص . انها بيداغوجيا تمبح لصوت لمعلمين سيادة بلا حدود 
فتنخوها ان تعيد صياغة النص ما لا هاية له " ش 
عه لمعحردبق, 1972 ,تقسطاللة© يعنلا ها عل عرزه)د ك1 بااتهعياه8 .24 
معرواف ان دربدا كان قد رد على هذا الماخذ بانه ياخذ مفهوم النص فى معناه الضيق . وائما فى معنى اوسع 
كذلك الدى يقبله بلانشو يقول" بان العالم نص وانه ححركة الكتابة ذاتا ". والظاهر ان كل اتباع نييشه 
من فيهم فوكو , ملزمون مبدئيا بقبول هذا التعيين للنص . فالجنيالوجيا , ترى ان الوجود كله حركسة 
تاويل . لذا فان انتقاد فوكو يبدو موجها لنيتشه نقسه . 
6- كتب دريدا: اننا نتسلل الى فكر الاختلاف عن طريق موضوعة الاستراتيجية".08 ,1131865 


07 


36 


جاك دريدا فيلسوف فرنسا المشاغب”) 
أحمد أبو زيد9) 
يقف جاك دريدا كحالة فريدة متميزة بين المفكرين البنائيين الفرنسيين 
المعاصرين . فقد حقق شهرته الواسعة في سنوات قليلة نسبيا وبأعمال هي في معظمها 
مقالات أو مقابلات تدور في الأغلب حول كتابات واراء غيره من المفكرين والفلاسفة 
والأدباء » وإن كانت هذه المقالات تكشف من دون شك عن درجة عالية من العمق 
والأصالة وذلك إلى جانب ثلاثئة أو أربعة كتب ظهرت له ويعالج فيها بعض الموضوعات 
الفريدة الشائقة كما هو الشأن في كتابه الأخير حول "البطاقات المصورة " . على أي 
حال فإن المقال يعتبر أحد معالم الحياة الفكرية في فرنسا وجانب كبير من اعمال 
البنائيين الفرنسيين أنفسهم ظهر في أول الأمر في شكل مقالات متفرقة في المجلات 
العلمية المتخصصة . ثم عكف اصحابها على مراجعتها وإعادة صياغتها لتظهر في شكل 
كتب متكاملة . ظ 
يضاف إلى ذلك أن جاك دريدا هو الوحيد من بين المفكرين البنائيين الذي تعرض 
بالنقد والتحليل وأحيانا التجريح لكتابات زملائه . فلم يسلم من نقده الأربعة الكبار 
الآخرون : جاك لاكان وميشيل فوكو ورولان بارت . بل وزعيمهم وكبيرهم جميعا كلود 
ليفي ستروس . فهو يمثل بذلك اتجاها جديدا ومهما داخل المدرسة البنائية اصبح يطلق 
عليه اسم "مابعد البنائية" ؛ كما أصبح هو نفسه يمثل "الولد الشقي" في الفكر 
الفرنسي المعاصر. 


(أمن كتاب الطريق الى المعرفة » كتاب العرى ؛ الكويت 0 5001. 
( أاستاذ الانثربولوحيا بجامعة الاسكندريه ورئيس +حنة الاحتماع بالمحلس الاعلى للثقافة بالقاهرة . 


37 


ولقد كان للظروف التي مرت بها فرنسا في أواخر الستينات دخل كبير في ظهور 
اسم دريدا واكتسابه لتلك الشهرة . فحين قامت ثورة الطلاب عام ١558‏ وانضم كثير 
من الكتاب والمفكرين والمثقفين الفرنسيين إليها » رفض لوي التوسير وكلود ليفي 
ستروس ‏ وهما من كبار قادة الفكر البنائي ‏ الانضمام إلى الحركة "والنزول إلى 
الشارع" وأثار ذلك سخط الكثيرين من المثقفين الذين رأو في ذلك الموقف علامة على 
تراجع البنائية وانحسار دور المفكرين البنائيين في الحياة العامة » والتف الشباب 
المثقف حول دريدا وآرائه التي تمثل موقفا نقديا ومعارضا للبنائية التقليدية أن صحت 
هذه التسمية واعتبره ممثلا لاتجاه فكري جديد يتجاوز تلك البنائنية ويتخطاها. 

وكان ذلك الموقف الثائر الذي وقفه دريدا أثناء حركة الطلاب أثر سلبي غلى 
حياته فيما بعد . فحين تقدم لشغل وظيفة استاذ الفلسفة في جامعة نانتير التي شهدت 
مولد الحركة الطلابية رفضت الجامعة ترشيحه للمنصب وبذلك استمر في إمكانه وعمله 
الأصليين : مدرسا لتاريخ الفلسفة بمدرسة المعلمين العليا بباريس. 

وقد تظاهر دريدا بعدم الاهتمام بالامر ورد فشله في الحصول علي الاستاذية الي 
(المناورات السياسية الاكاديمية).ولكن موقف الجامعه منه اثار موجه استياء شديدة في 
الاوساط الثقافيه في باريسءكما تعاطف معه الكثيرون حتي من بين الذين يختلفون معه 
في الراي لانهم يعتبرونه - رغم كل شي -أحد معالم الفكر الفرنسي الاساسية.وكتبت 
كاترين كليمان الناقدة الثقافية لمجلة لوماتان تهاجم الجامعه لموقفها المخزي من 
(مفكر) يمثل علامة بارزه في تاريخ الافكارخلال السنوات العشر الماضية . 

ومهما يكن من شئ فلا تزال أمام جاك دريدا الفرصه سائحة لشغل منصب 
الأستاذية في احدي الجامعات الفرنسي الكبري .وقد افلح حتي الان في ان يفرض اسمه 
علي الحياه الفكريه والثقافية في فرنسا وان يمد تأثيره الي امريكا حيمث يقوم بالتدريس 


38 


شهرا كل سنه في جامعة ييل . ينتمي جاك دريدا الي ذلك الرعيل من المفكرين والكتاب 
الفرنسين الذين نشأوا أصلا في الجزائر .فقد ولد عام ١47٠‏ في الابيار بالغرب من 
الجزائر العاصمة وعاش هناك حتي انتقل الي باريس لاداء الخدمه العسكرية؛ ثم التحق 
بمدرسه المعلمين العليا حيث تتلمذ علي جان ايبوليت أحد كبار الأساتذة المتخصصين في 
فلسفة هيجل. ومع انه امضي سنه في جامعه هارفارد وقام بالتدريس في السوربون بين 
عامي ١5541١5٠‏ فانه ارتبط منذ عام 455 ١وحتي‏ الان بمدرسه المعلمين العليا: 

وقد لفت دريدا اليه الأنظار عام577١حيث‏ نشر ترجمة لدراسه الفيلسوف 
الالماني هوسرل (عن أصل الهندسة) وقدم لهذه الدراسة القصيرة بمقدمه طويلة تتعصدي 
المانة والخمسين صفحة:؛ وحاز الكتاب علي جانئزه كافاييه . وقد حددت هذه المقدمة 
المعالم الرئيسية لخط التفكير الذي اتبعه دريدا بعد ذلك في كل كتاباقه.وكان هوسرل ققد 
تعرض في دراسته لمشكلة العلاقه بين الموضوعية المقالية للهندسة (من حيث إن 
قوانين الهندسة لا تعتمد علي اي أحداث أو وقائع تاريخية أو تجريبية) ووجودها 
التاريخي التجريبي (من حيث ان افرادا معينين بالذات هم الذين يضعون القواعد 
والبراهين الهندسية »وذهب هوسرل الي ان اللغة وبخاصة الكتابه يكل ما تتميز به من 
"لاشخصانيه" هي التي تحقق تحول الهندسه من فكرة في ذهن عالم الهندسة الي 
موضوع مثالي. والمهم هو أن تحليل دريدا لفنومنولوجيه هوسرل كان نقطه البدء لنقده 
للفلسفة الغربية .وهو نقد عمل علي ابرازه وتطويره في ثلاثة من كتبه المهمة التي 
ظهرت كلها في عام واحد وهو عام ١451‏ وساعدت توطيد قواعد شهرته. 

الكتاب الاول هو كتاب "الكلام والظاهرة" وهو عباره عن دراسة نقدية لنظرية 
هوسرل عن "العلامات" وبالذات دور فكرتي "الصوت" و"الحضور" في فلسفته 
الفينومنولوجية وهو من الكتب القليلة التي يعالج دريدا موضوعا محوريا واحدا.اما 


39 


الكتابان الاخران فهما عبارة عن مجموعتين من المقالات ظهرت احدهما تحت عنوان 
"الكتابة والاختلاف" ويعرض فيها العمال عدد كبير من المفكرين المعاصرين 
واتجاهاتهم الفكرية.وتتردد في صفحات الكتاب أسماء جان روسيه في مجال النقد الادبي 
البناني» وميشيل فوكو ودادمون جابيه وليفي ستروس وجورج باتاي وفرويد وهوسرل 
نفسه في مجال البنائيه في العلوم الانسانية وغير هؤلاء كثيرون .والمجموعة الاخري 
من المقالات ظهرت تحت عنوان "الجراماتولوجيا" ويقصد بها "علم الكتابة" . ويعتبر 
هذا الكتاب أشهر كتبه علي الاطلاق » وفيه يعارض النظرة العامة السائدة من علاقة 
الكلام بالكتابة التي تعطي الكلام أفضلية مطلقه علي الكتابة. 

ا عي ع ا ا و ا 1 
جلت من دريدا شخصية أساسية في المناقشات النظرية التي سادت الحياة الفكريه 
الفرنسيه في الستينيات . ومع أن اسم دريدا يرتبط بالبنائية والبنائيين فانه يحرص علي 
اظهار ما تضمنته أراء البنائين الاخرين من تناقضات ومفارقات من ناحية ». كما أن هذة 
الكتب الثلاثه تعبر بوضوح عن تشككه وعدم ثقته في كل اشكال التفكير الميتافيزيقي. 

ولقد ظهرت الحركه البنائية في الفكر الفرنسي في الخمسينيات من هذا القرن 
علي ايدي عالم النثربولوجيا الشهير كلود ليفي ستروس ., وافلحت الي حد كبير في مل 
الفراغ الذي نشا عن انحسار الفلسفة الوجودية وانصراف الكثيرين من المثقفين عنها . 
وتقوم نظرية ليفي ستروس في أساسها علي فكره بسيطة في ظاهرا » ومؤداها أن هناك 
أبنية عقلية لا شعورية عامه تشترك فيها كل الثقافات الانسانية رغم ما بينها من اختلاف 
وتباين »وان الوسيلة الوحيدة للكشف عن هذه الابنية اللا شعورية وفهمها هي اللغة.وقد 
تلقف الفكرة عدد من المفكرين الفرنسيين وبخاصة من اساتذه الجامعات واخذو 
يطبقونها في مجالات تخصصهم.فاستعن بها رولان بارت في مجال النقد الادبئ؛ وطبقها 


40 


جاك لاكان في ميدان التحليل النفسي , واستخدمها لوي التوسير في تحليله النققدئ 
للماركسية , كما طبقها ميشل فوكو علي الانساق الاجتماعية وتاريخ الافكار, وكانت 
اداتهم جميعا في ذلك هي دراسة ((النص)) واخضاعه للتحليل اللغوي في ضوء نظرية 
فردينان دو سوسير . أما دريدا فانه لم يتقيد في كتاباته ومقالاته بمييدان واحداوائما 
يتنقل بين مختلف ميادين المعرفة مع توجيه اهتمام خاص إلي ((النص))الاديسي 
والفلسفي. 

وتكفي نظره واحده الي مقالاته التي جمعها في كتابه ((عن الجراماتولوجيا)) 
مثلا لنتبين مدي اتصاع أفقه واحاطته » فهو ينتقل من افلاطون الي روسو الي فرويد الي 
سوسير الي الاديب الفرنسي جان جينيه الي هيجل الي مالارميه الي هوسرل وكانت 
وهكذا.وهو في هذا كله يدرس النسق الفكري الذي يكمن وراء النص عن طريق تحليل 
النص ذاته أو ((تفكيكيه)). 

. وعلى العموم فإن العنصر الاساسبى الذى يمكن وراء دراساته البنائيه لهؤلاء 
التىتعلم بها "العلامات "او الرموز اللغوية وفى هذا يتفق دريدا مع بقية البنائيين 
الفرنسيين فاذاكان الاتجاه التقليدى يعتبر الوظيفة الاساسية للغة هى نقل المعلومات 
وتوصيلها . ويدرس العمل الادبى او الفلسفى من هذة الزاوية فان المدرسة البنانية 
الفرنسية وبوجه اخص حركة ما بعد البنائية تذهب الى ان المهم فى الندس هو العلاقة 
بين الكلمة او الدال والمفهوم او الفكرة المتعلة بهذة الكلمة اى المدلول وان مهمة 
المفكر البنائى الرئيسية هى الكشف عن هذة العلاقة وتحديد "التقليدى "لعمل ادبى مثشل 
رواية تولستوى الشهيرة "الحرب والسلام "قد يهدف الى اعطاء فكرة عن نظرة 
تولستوى الى التاريخ او الى وصف نظام الطبقات الاجتماعية فى روسيا او الى الكشف 


41 


عن الدوافع الكامنة وراء سلوك اشخاص الرواية وتبرير تصرفاتهم وهكذا اما التحليل 
الدلالى فانه يهدف الى تبيين الطريقة التىمترتبط بها كلمات جملة معينة فى النص بعضها 
ببعض وكيف ان ذلك يعطى ذلك معنى معينا بالذات . 

وفى ضوء هذا الموقف توصل دريداالى اسلوبه الخاص فى تحليل النص ونقدة 
وهو اسلوب يطلق عليه اسم "استراتيجية التفكيك اى تفكيك النص لاظهار انه عبارة 
عن "مركب"يتالف من عدد من النصوص الاخرى ولكن هذا التفكيك خليق بانه يكشف 
فى الوقت ذاته عن الطريقة التى امكن بها تركيب النص فى اول الامر فتفكيك روايه 
توماس مان "حالة وفاة فى فينسيا "مثلا قد يكشف عن ان هذه الرواية هى من فهم 
المؤلف لفلسفة شوبنها ورونيتشه. وتمثله اللاواعى لاراء افلاطون وهكذا وكما سيق 
ان ذكرنا فان دريدا طبيق هذة الاشتراتيجية على كتابات عدد كبير جدا من الفلاسفة 
والادباء والمفكرين لكى يتعرف على طبيعة الاتصال اللفظى عن طريق الكتاية والكلام 
وكان غى ذلك كله يقوم بدرور القارىء المفسر للنصوص. ولكن استراتيجية التفكيك 
التى يتبعها تجعل هذة التفسيرات والتحليلات تبدو اقرب الى المغامرات الذهنية لأنها 
تقدم نماذج لنوع جديد من ممارسة التفسير والتاويل فدريدا ينظر الى النص كما لو كان 
يتالف من "الخيوط "المختلفة التى تتداخل بعضها مع بعض ليس مثلما تتداخل خيوط 
قطعة من القماش اثناء عملية النسج ولكن مثلما تلتف الخيوط بعضها ببعض اثناء عملية 
الجدل لصنعى حبل او جديلة ففى عملية الجدل تتبادل الخيوط مواضعها باستمرار لكى 
تتخذ فى اخر الامر شكل الحبل . 

وكتابات دريدا بوجة عام وتفكيكه لاعمال غيره من المفكرين بوجه خاص امثلة 
طيبة لعملية "جدل" الكلمات فهى تمتلئ بالالفاظ وبدائل الالفاظ التتى يصعب نقلها الى 
العربية . وربما كان خير مثال لذلك هو كتابه "'رنه حزن "الذى نشر عام ١5174‏ وهو 


42 


- 


كتاب غريب ومثير وفيه كشير من الجهد ولكنه يدفع فى بعض الاحيان الى الضيق 
والحنق والملل ولكننا نشير اليه هنا من اجل الطريقة التى اتبعها دريدا فى تأليفه ولكى 
نبين "استراتيجيته فى تفكيك النصوص للكشف عما بها من مفارقات لايمكن الوصول 
اليها الا بالقراءة المتأنية ومقارنة الكلمات واستبدال بعضها ببعض ففى العمود الايسر 
من كل صفحة من صفحات الكتاب يقدم دريدا تحليلا لراى هيجل عن العائلة ويعرض 
بذلك لموضوعات مهمة مثل السلطة الابوية والعائلة المقدسة وما اليها اما العمود 
الايمن من الصفحة ذاتها فيشتمل على نصوص مختلفة من اعمال الرونى الفرنسى جان 
جينيه ثم يردف ذلك كله بتفسرات وتعليقات على النصوص السابقة ويحاول أثناء ذلك ان 
يربط بين افكار الكاتب وان يبدل بعض كلمات النصين ببعض وان يصل الى معان جديدة 
من كلمات عادية واضحة ولكن ما الذى يهدف اليه دريدا من كل ذلك ؟هل المسأله هى 
مجرد أظهار القدرة على تخريج المعانى عن طريق التلاعب بالالفاظ او اعادة ترتييها ام 
ان هناك "'مشروعا "اخر يهدف اليه ويحاول تحقيقه عن طريق هذة الاستراتيجية؟ - 

الواقع ان قراءات دريدا في نصوص الاخرين وكذلك تركيبات "نصوصه "'هى 
نفسها تصدر عن موقف نقدى للاتجاه الغالب على الفكر الفلسفى الغربى منذ ايام 
افلاطون والذى يطلق عليه عموما اسم "ميتافيزيقا الحضور "وهذا الاتجاة يفترض 
استمرار الشىء على ما هو علية وكما يقول دريدا فى مؤلفه "الكتابة والاختلاف "ان 
كل تاريخ الميتافيزيقا يقوم على توكيد فكرة "الكينونه " على انها حضور بكل ما فى 
هذة الكلمة من معنى ويدور حول مبادىء عامة ومفاهيم وتصورات تفيد هذا الحضور 
مثل الماهية والوحود والجوهر والهوية والذات والحق بل وايضا الوعى والضمير 
والانسان وما اليها بيد ان تفكيك النص خليق بان يكشف عن كثير من المفارقات التى 
تتمثل فى حضور وعدم حضور الشىء .من 


043 


اجل ذلك كان ينادى دريدا بضرورة "مقاومة"الميتافيزيقا عن طريق تطؤير 
اساليب قراءة النص الفلسفىاو تفكيكه وهذا ‏ على أى حال موضوع معتقد متشابك 
ويحتاج الى ان نفرد له مقالا خاصا لاهميته القصوى والأن فان الكثير من الكتاب يرون 
أن موقف دريدا من دراسة النص وما يؤدى اليه من الكشف عن المفارقات وهدم 
الميتافيزيقا هى امور جديرة بكل اهتمام فى حد ذاتها .ولكن كثيرين اخرين يرون أن 
تفكيك النص بهذه الطريقة مع اغفال المضمون على ما يفعل دريدا فى كتاباته هو نوع 
من العبث لأنه يجعل من "علم العلامات "فى دراسة النص اشبه شىء بلعبة الشطرنج 
وغيرها من الالعاب كلها لها نفس البناء.وهذا هو ما يجعل أستاذا مثل سيلفير لوترانجية 
يقول ان دريدا والبنائيين الجدداوأنصارمابعدالبنائية هجروا كل فكرة طموح عن امكان 
فهم اى شيىء.فاستراتيجية التفكيك ليست فى أخر الأمرمبرر اللاتجاه الذى ينكر وجود 
علاقة بين الادب والواقع »ومن هنا كان البنائيون "التقليديون"يرون أن ما بعد البنائية 
موجة عابرة واتجاه عقيم وغير مثمر ومجموعة من الدعاوى اللاانسانية الخاوية من 
المعنى ..أنها نوع من العدمية وفكر يحمل بين ثناياه عوامل هدمه ولكن هل هذا يعن أنه 
قد قضى تماما على هذه الحركة بالافلاس على الفكر الفرنسى المعاصر الذى وقع فى 
شرك التحليلات اللغوية العقيمة ؟ الاجابة عن هذا السؤال تتطلب الرجوع الى اسس 
البنائية كما وضعها ليفى سترؤس ومن قبله دوسوسير لمعرفة مدى ما طرأعليها من 


تغييرات. 


جاك دريدا: بين مشوار الحياة والتفكيك 
مجدي عيد الحافظ7”) 


يعد تقديم جاك دريدا كفيلسوف غربى معاصر إلى القارئ العربى الذى لا 
يعرفه عمل فى غاية الصعوبة: ليس لأن شهرته العالمية اليوم قد تعدت قارات 
العالم» أو لأنه أضحى مثار اهتمام وسائل الإعلام والميديا ليس فى أوروبا فقط أو 
فى فرنسا موطنه؛ ولكن ايضا فى الولايات المتحدة التى اهتمت بأعماله أكثر مما 
اهتم بهافى اوروبا وليس أيضا لأن اعماله تخطت الفلسفة إلى مجال الأدب 
ومجالات العلوم الإنسانية المختلفة وأصبح وجهه كزعيم لحركة التفكيك فى الفلسفة 
والأدب يطبع الحقبة الحالية» حقبة ما بعد البنيوية؛ أولما يثيره من خلخلة وزعزعة 
للأسس التي يقوم عليها الفكر الغربى بحيث أضحى الحديث عنه يغرى ويجذب 
الباحث والقارئء إلا أنه فى الوقت نفسه يثير القلق؛ ويضفى الغموض والالتبامن 
تماما كما تفعله فلسفات ما بعد الحداثة يرفض بناء نظام فلسفى ويهتم بالخبرة 
والاطلاعء؛ إلا انه بكتاباته يقع فيما يرفضه. إذا اعتبرنا نظريته فى "التفكيك" يمكن 
ان تشكل هذا البناء الفلسفى الذى يرفضه! كما تلعب خلفيته الدينية (اليهودية) دورا 
فى تشكل أفكاره. خاصة فيما يتعلق منها ببعض الممارسات كالختان مثلا الذى يقول 
عنه "تحت مسمى الختان أتساءل غالبا (والعقيدة أيضا هي مسار هذا السؤال أو 
هذا الطلب) إذا ما كان ثمة حدث "فعلى" يمكننى اجتراره؟ ليس لأتذكره؛ ولكن 
لإعادة تمثله» واعادة إعطانه الفاعلية على شكل ذاكرة دون تمثيل (...) يعنى 
الختان من بين ما يعنى نوعا من العلامة (التى) تبقى في الجسد. واضحة غير قابلة 
للانفصال (..)إنها أيضا وقت للتوقيع (من الآخر أكثر منه آخر) الذى تتركه يتسجل 
فى طائفة أو فى تحالف لا يمكن محوه.. ". عشرات الأسئلة تتدافع حينما نهم 
بالحديث عن هذا الفيلسوف. إلا أن أهمها فى نظرى- لماذا انتشرت فلسفته بهذا 
القدر من الاتساع فى الولايات المتحدة أولاء ولماذا لم تحظ بنفس الاهتمام أولا فى 
أورربا؟ هل هناك علاقة ما فى صلب هذا المشروع الدريدى وبين المناخ الفكرى 
والسياسى فى الولايات المتحدة والذى يهدف ايضا إلى "تفكيك " الوحدات 


أحامعة حلوان قسم الفلسفة . 


45 


السياسية فى العالم لفتح الباب على مصراعيه لنجاح العولمة؟! مجرد تساؤل. 


إن صعوبة تقديم جاك دريدا تنحصر فى الأساس إلى صعوبة مصطلحاته 
وتعبيراته اللغوية التى ينحتها نحتاء وفى كثيرمن الأحيان يخترعها على نحو غير 
مسبوق. مع هذا سوف تحاول أن نركز فى تقديمنا هذا على مشوار حياة الرجل 
إضافة إلى مصطلح التفكيك. 

مشوار الحياة: 


ولد فى سنة 6 تحت اسم جاكى دريدا فى الخامس عشر من يوليو فى 
البيار أحد ضواحى العاصمة الجزائرية. وفى الفترة من سنة ١447‏ وحتى سنة 
7 يقضى فترة دراسة غير منتظمة ملؤها الشغب والرياضة وكما يقول 
هو"صايع ". كان يمضى أكثر وقته فى تلك الفترة فى الاستاد أكثر مما يقضيه فى 
المدرسة؛ وكانت كرة القدم والمباريات مع السجناء الإيطاليين» وسباقات الجرى 
وأى نوع من تلك المسابقات كانت تمثل مصدر الاهتمام الأول فى حياة تلك الشاب. 
كان يود أن يصبح لاعبا محترفا فى كرة القدم. وانعكس كل هذا على حياته الدراسية 
إذ لم تكن بدرجة النجاح نفسها ومن هنا فشل فى الثانوية العامة فى يونيو سنة 
,١541/‏ 

وبدأ قلقه وعدم تكيفه؛ وانسحابه "مذكراته الشخصية". وفى الفترة نفسها 
بدأت قراءاته المكثفة حيث قرأ: روسوء واندريه جيدء ونيتشه. وفاليرى» وكامى. 
وفى الفترة من سنة ١545‏ وحتى سنة 155٠‏ أمضى تجربة مريرة فى مدرسة 
لوى ليى جران الداخلية. ويصبح طالبا فى مدرسة المعلمين العليا بداية من العام 
الجامعي؛. 1١557‏ ”145ء١‏ حيث تعزف منذ اليوم الأول على الطالب لوى ألتوسير 
(الفيلسوف الكبير فيما بعد) المولود أيضا بالعاصمة الجزائرية» وتتعمق صداقتهما 
التى استمرت لأكثر من تسعة عشر عاما. ْ 

يسافر فى سنة ١557”‏ لمدة عام إلى لوفان حيث أرشيف الفيلسوف الألمانى 
هوسرلء فيطلع عليه؛: وتاتى ثمرة هذا الاطلاع فى صورة بحث للحصول على 
"دبلوم الدراسات العليا '"' وكان البحث تحت عنوان "مشكلة التكوين فى فلسفة 
هوسرل". وهى الدراسة التى نشرت فى سنة ١515١‏ بالمطبوعات الجامعية 


46 


الفرنسية. وفى هذه الفترة بالذات سنة ١56537‏ يرتبط بصداقة مع ميشيل فوكوء 
وكان دريدا يتابع محاضراته. وفى العام الجامعى ١551-1١55‏ يحصل الطالبي 
جاك دريدا على الأجرجاسيون (شهادة الأهلية للتدريس بالمدارس الثانوية للسنوات 
النهائية) فى الوقت الذى يحصل فيه أيضا على منحة خاصة كمستمع بجامعتى 
هارفارد وكمبردج بغرض الاطلاع على الميكروفيلم للاعمال غير المنشورة 
لهوسرل؛ وفى صيف سنة ١5517‏ فى بوسطن يقرر الزواج من مرجريت 
أوكوتيرييه» وهو ما سيثمر عن ابنيه بيير فى سنة 555 'ء وجان 51517 ,١‏ 

وفى الفترة من سنة ١551‏ إلى سنة ١5554‏ كان عليه قضاه فترة خدمته 
العسكرية؛ وهى فترة عصيبة فى حرب التحرير الجزائرية؛ ويطلب أن يقضى فترته 
تلك كمدرس لمدرسة أطفال الجنود وكانت بضاحية كوليا القريبة من العاصمة 
الجزائرية. 

ويقوم بعد ذلك بالتدريس فى جامعة السوربون لمادتى الفلسفة العامة 
والمنطق فى الفترة من سنة ١5٠‏ وحتى سنة 155154١ء‏ وهى فترة ثرية فى حياته 
حيث عمل مساعدا لأربعة من كبار الفلاسفة: باشلارء وكاتجيليم؛ وبول ريكورء 
وجان فال. وفى نهاية تلك الفترة يقبل بالمركز القومى للبحوث العلمية ٠:©7115‏ 
وما يليث حتى يستقيل ليقوم بالتدريس فى مدرسة المعلمين العليا بناء على دعوة 
هيبوليت وصديقه ألتوسير وظل يعمل بالتدريس كمساعد حتى سنة .١585‏ 

وفى عام ١451‏ ينشر دريدا ثلاثة أعمال مرة واحدة: الكتابة والاختلاف. 
والجراماتولوجياء والصوت والظاهرة. ووضح فى هذه الأعمال أسلوبه الخاص الذى 
خرج عن المألوف وأخذ يشد الانتباه. إذ بدأ معلقا على فلسفة هوسرل 
الفنومنولوجية فى الأبحاث المنطقية وبين كيف أن هذه الفلسفة رغم أنها تفسر إلا 
أنها فى الوقت نفسه تعمل على إخفاء نظام تراتبى يسم بطابعه مجمل الثقافة 
الغربية. ويقرر دريدا بأنه للخروج من هذا "الحصار الميتافيزيقى": أو بمعنى أخر 
من تلك الحبكة التى أحكمها العالم لتبرر بالتدليس بعضا من أوجه النظام القانم 
(سلطة الأب المطلقة؛ سلطة الدولة» وسلطة الحقء وسلطة الجميل.. الخ). ولعل هذا 
نفسه ما أصبح فيما بعد مشروع جاك دريدا الفلسفيء حيث أصبح كتابه 
"الجراماتولوجيا " أو علم الكتابة يشكل الخيط الموجه لنقد فلسفى يتصف 


47 


بالجذرية؛ والنفاذ إلى عمق هذه "الميتافيزيقا" المفترضة.., لحسن الطالع يقوم 
الزميلان د. أنور مغيث؛ ود. منى طلبة بعمل المراجعة النهائية لترجمتهما لهذا 
الكتاب هذه الأيام. 

وفى اثناه حركة الطلاب فى مايو ١557‏ نجد جاك دريدا لحد ما منسحبا بل 
ومتحفظا على بعض أوجه الحركة؛ ذلك كله على الرغم من مشاركته فسى 
التظاهرات؛ وفى تنظيم الاجتماع العام الأول بمدرسة المعلمين العليا التى كان يعمل 
بها. 

وفى عام ١571‏ ينشر كتابيه " التشتت ". وهوامش الفلسفة". ويعقبهما 
فى سنة57١‏ بكتابه "أركيولوجيا الباطل" مقدمة فى دراسة أصل المعارف 
الإنسانية لدى الفيلسوف كوندياك. وفى سنة ١574‏ يفتتح مجموعة "الفلسفة 
بالفعل" لدار نشر جاليليو التى تأسست فى تلك الفترة» وذلك بالاشتراك مع كوفمان: 
ولاكو لابازت ونانسى ويعتبر ١53754‏ عاما ملينا بالنشاط لفيلسوفنا فإلى جانب ما 
سبق يقوم بتحرير مسودة مشروع لتأاسيس فريق للأبحاث حول التعليم الفلسفئ, 
ويؤسس بالفعل هذا الفريق مع أصدقائه وزملائه وبعض الطلبة. كما نشر فى العام 
نفسه كتابه مسحة حزن 6125© 

وفى عام ١917©‏ كان قد ارتبط بجامعة جون هوبكينس. مما أتاح له أن يقوم 
بالتدريس لعدة أسابيع فى العام فى جامعة يال الشهيرة بالولايات المتحدة حيث بول 
دى مان وهيليس ميلرء وبانضمام دريدا وبلوم وهارتمان يبدأ ما نسمى "بمدرسة 
يال " حيث تبدأ النقاشات والحرب الفكرية حول غزو مصطلح "التفكيك " للقارة 
الأمريكية. 

وفى عام ١5177‏ ينشر "'مناخس أساليب نيتشه", كما ينشر "الحقيقة فى 
الفن التشكيلى". وفى سنة ١98٠0‏ تناقش رسالته للحصول على دكتوراه الدولة 
بالسوربون ويؤسس مع بعض إالأصدقاء فى سنة ١181١‏ جمعية "جان هيس " 
وذلك لمساعدة المثقفين التشيكيين المنشقين والمضطهدين؛ وعمل نائبا لرئيمس 
الجمعية؛ ويسافر فى العام نفسه إلى براغ ليقوم بتنشيط احد السيمنارات السرية. 
ويتابعه البوليس السرى لعدة أيام؛ ويقبض عليه ويستجوب فى نهاية السيمئار» 


48 


خاصة أثناه مغادرته لمطار براغ حيث يفتشه البوليس ويدعى وجود ممنوعات 
بامتعته. ويسجن على ذمة التحقيق معه بتهمة تهريب المخدرات. وتثار حملة 
توقيعات من أجل إطلاق سراحه. ويفرج عنه ويطرد من تشيكوس لوفاكيا بعد تدخل 
الرئيس الفرنسي انذاك فرانسوا ميتران والحكومة الفرنسية 

يطالب دريدا مشتركا مع فرانسوا شاتليه. ودومينيك ليكور. وجان بيير فاى 
فى سنة ١9489‏ »ء وزير البحث العلمى والرأى العام بضرورة إنشاء الكوليح الدولية 
للفاسفة حتى تقدم الفلسفة بطريقة مختلفة عن الجامعات التى تهتم بتاريخ الفلسفة 
وحتى تعمل الكوليج على الدفع بتشجيع مساحات الإبداع بين المترددين عليها. 
وبالفعل تؤسس الكوليح وينتخب فيلسوفنا كأول مدير للكوليج الدولية للفلسفة كما 
يشارك فى تنظيم معرض "الفن ضد التمييز العنصرى", وفى المبادرات التسى 
اسهمت فى تأسيس المؤسسة الثقافية ضد التمييز العنصرى والتى عمل فيها عضوا 
بمجلس الأوصياء وأيضا فى لجنة الكتاب من أجل نيلسون مانديلا. وينتخب في العام 
نفسه أيضا مديرا للدراسات فى المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية. فى سنة ١585‏ 
ليلقى المحاضرة الافتتاحية للندوة الكبرى التى نظمتها "كاردوذو سكول للقانون" 
بنيويورك حيث كان دريدا يقوم بالتدريس فى المدينة الجامعية؛ وتنصب محاضرته 
حول "'التفكيك وفلسفة العدل". 

وفى عام ينظم سيمنارات فى أكاديمية العلوم بالاتحاد السوفيتى 
السابق: وبجامعة موسكوء كما يلقى المحاضرة الافتتاحية للمؤتمر الدولى الذى 
نظمه فريد لندر بجامعة كاليفورنيا بلوس انجلوس حول "الحل النهانى- وحدود 
التمثيل". كما ينظم معرضا للرسوم بمتحف اللوفر. وفى العام نفسه ينشر كتابيه 
"هيدجر والسؤال " و "من القانون إلى الفلسفة". وينشر فى سنة ١954‏ 
"سياسات الصداقة". و"أشباح ماركس". 

٠ التفكيك‎ 


على النقيض من كل التراث الغريى الذى يفهم " التفكيك '' عترزيمغويرمعءء25: 
يؤكد جاك دريدا أن الكتابة ليست افتراض الأسواأء أو أنها حيلة؛ يل وينفى أن تكون 
حتى شينئا زائداء أو حادثة بالنسبة للكلام الحى. على العكس فهو يرى الكلمتين 


49 


المزدوجتين كلام/ كتابة- كما سنرى تفصيلا يتجذرتا فى ظاهرة أصيلة ويعتريها 
اللغزء "الاختلاف"' ع,ع7:4 أو " الأثر" م1:26 يدركا كمنتج. كلعبة لا تدرك إلا 
من خلال الاختلافات التى تنتجها- بعبارة أخرى ثمة غيرية أ)زمءع)1!ج مؤسسة 
(غياب؛ تأخر, غرابة) تمنح كل تخصيص يمنحه الفكر لذاته: "ليس فقط أنه ليس 
ثمة مملكة للاختلاف ‏ كما يقول فى هوامش الفلسفة- ولكن هذه تعمل على هدم كل 
مملكة". يظهر التفكيك إذن كما لو كان الطلب المستحيل لمعطيات الحس منقولة بلا 
حدود من نص إلى نص أخر دون أمل فى الوصول إلى نتيجة ما. ْ 


- يحاول دريدا خلال عمل هيدجر إعادة إيجاد المركز الحقيقي للفكر. فيصيغ 
مفهوم "الاختلاف". ويبين بشكل جديد الية "التفكيك", وهو مصطلح سبق لهيدجر 
من قبل ان قام بتحليله» ولكن بمعنى مختلف. ويهتم دريدا بالكلمتين المزدوجتين 
كتابة/ كلام؛ مخلصا فى ذلك للتاأمل المعاصر الذي يجعل من اللغة واحجدة من 
المجالات الأساسية للبحث الفلسفي. 

بنيت الميتافيزيقا الغربية- حسبما يرى دريدا على معارضات المفاهيم 
(عقلى/ حسى؛ داخل- خارج:؛ داخلي/ خارجيء فا عل/ مفعول. كلام/ كتابه... الخ) 
حيث نميز فى الغالب أحد هذه المصطلحات عن الأخرى. ومن هناياتي عمل دريدا 
الذى ينصب هنا على تجاوز هذه المعارضات ب ("تفكيك " الميتافيزيقا) للوصول 
إلى الاختلاف أصل وحركة لإبداع الاختلافات ويعتقد دريدا هنا ان فى قدرته إعادة 
الوحدة الأصلية المفقودة أو التى نسيها الفكر الغربى. يهدف إذن إلى تجاوز 
المعارضات المفاهيمية الجامدة بتجذير مزدوجات المفاهيم فى الاختلاف. واذا 
تساءعلنا عما يقصد بالاختلاف فإن الإجابة تتحدد فى عمل الفكر الذى يخلى لنفسه 
طريقا من وهم الحضور . والذى هو وجود ولعبة الاختلافات المنتظمة وحركتها 
المنتجة. عمل دريدا على إبراز السيولة الأصلية للاختلاف فى ذات المزدوجتين 
كلام/ كتابة. إذ يعود إلى عمقه الديناميكى المتصف بالسيولة ويتصف أيضا بصعوبة 
الوصول إليه: إذ أنه ليس بحسى ولا هو بعقلى. إنه عندما نعثر على هذا العمق 
المتحرك وعندما نتجاوز كل المعارضات المفاهيمية فى هذه اللحظة يدرك دريدا 
تفكيك الميتافيزيقا الغربية التى قمعت هذه السيولة الأصلية. 

ومصطلح التفكيك ماخوذ عن رجال النحو. وهو لدى دريدا يعبرعن فعل 


30 


الفك, وفك بنية؛ وزعزعة أسسها بيهدف العودة إلى الحركة الأصلية للاختلاف» 
فالميتافيزيقا تختلق على حساب محو الكتابة (متهمة بتجميد الفكر) ولصالح الكلام. 
من هنا فهى تسهم فى أن تجعل من الكلام حجة فرعية قاطعة. 

ذلك هو التميز الذى يتاكد فى 011515 إذْ تنمحى الكتابة أمام الكلام 
الحى- إنه أفلاطون الذى أدان المكتوب فى محاورة فيدروس ولكنه أيضا درس 
الكتابة لدى ليفى شتراوس فى كتابه " المدارات الحزينة" الذى يحلل ويقدم الكتابة 
كوظيفة للعنف. هكذا حاول دريدا من خلال كتبه "الكتابة والاختلاف " و'عن 
الجراماتولوجيا " او علم الكتابة» و"التشتت ": و"مسحة حزن " أن يقدم للقارئ 
فكرته عن هيمنة الميتافيزيقا كبديهية؛ وأن ما تعمل الميتافيزيقا على إخفائه هو 
سيولة العمق الذى يظل فى حالة حركة. وتظل رهانات الكتابة- فى نظره- غير قابلة 
للتحديدء موضحا أن الكتابة لا تترك نفسها لتخضع للكلام؛ وأنه يمكننا فتح وتعميم 
مفهوم الكتابة ونشره حتى فى الصوت؛ وفى كل أشار الاختلاف؛ وكل علاقاتنا مع 
الاخر. ويفهم جاك دريدا الفلسفة على أنها قراءة نقدية للنصوصء ولم يقتصر فى 
قراءته على هوسرل والفنومنولوجياء بل توجه أيضا لهيجل ولليونان؛ ولكل 
الخطابات المناقضة للميتافيزيقا بصرف النظر عما إذا كانت فلسفية أو غير فلسفية 
حيث اهتم بليفيناس» وجورج باتاى» وأنطوان أوتو وغيرهم.. ولعل هجومه على 
أسبقية الكلام كأساس مشترك للدين وللميتافيزيقا ا 





51 


يأتى فى هذا السياق؛ كما ركزفى أعماله على نقد "العلامة'"' أعمعزك. وهى 
مفهوم يستخدمه التراث الفلسفى دون مناقشة. واهتم دريدا أيضا بالعلوم الإنسانية» 
خاصة فيما اتصل بالأسس اللغوية لعلم النتصوص أفع0م0غ«ع4: ولعل كتابه 5داع. 
يوضح هذا عندما عرض جنبا إلى جنب بشكل تخطيطى نصين نقدى وأدبى في 
الوقت نفسه لكل من هيجل وجان جينيه. 


كما يدافع دريدا عن النزعة الإنسانية 1523م 2 :دداط إذ يرى أن أية قطيعة 
مع النزعة الإنسانية لايمكن تصورها على أنها قطيعة نهائية؛ وكما رأينا من قبل 
فإن مفهومه للنشاط الفلسفى يتحدد فى اعتباره "تفكيكا", وقد كرس نفسه فى 
إعادة قراءة تتسم بالدقة لخطاب حول النزعة الإنسانية لهيدجر » حيث حاول أن 
يوضح أنه رغم شجاعته يظل مهموما بشكل كبير بسنوستالجى الإنسانية» بالقرب 
وبالحضورء. وتكشف هذه المصطلحات من خلال دريدا عن إشارة على عدم قّدرة 
على الالتزام الكامل فى طلب الاختلاف والغيرية؛ أى لفكر يظل منغلقا على ذاته؛ 
بمعنى داخل منطق الهوية الذى لا يعرف أن يتيح مكانا للانفتاح على الاخر. وهو 
يتساءل إذا ما كان هيدجر نفسه يظل مأخوذا فى هذا الانغلاق من إذن الذى سيعمل 
على التحرر منه؟ 

يقول دريدا فى "الهوامش " "فى فكر ولغة الكائن؛ نجد نهاية الإنسان 
مقررة منذ الأزلء ولم يفعل هذا القدر أبدا إلا تعديل غموض النهاية فى لعبة الموت. 
فى قراءة هذه اللعبة نستطيع أن نفهم السلسلة الآتية فى كل اتجاهاتها: نهاية 
الإنسان هى التفكير فى الكائن؛ والإنسأن هو نهاية فكر الكائن» ونهاية الإنسان هى 
نهاية تفكير الكانن. الإنسان منذ الأزل هو نهايته الخاصة؛ بمعنى نهاية ذاته. الكائن 
منذ الأزل هو نهايته الخاصة؛ بمعنى نهاية ذاته ". 


32 


هذا المسمى بال"تفكيك"20) 
سامي محمد عبد العال**) 


بما أن النص هو القراءة؛ فهذا النظام القرائي ٠‏ هذا المستنبت فى نص 
"الحضور",. هذا المشحون بالحضور حيث لا ينطلق إلامنه؛ هذا الإحالى إلى غير 
المحددء غير القايل للتسمية» اقول هذا كله غير المسمى إلا بغيرهء المغروف بآخره. 
هذا هو التفكيك. فإذا كان لظ حضورء فلابد أن يظهر داخل الحضورء إن كان قراءة 
الغياب» فإنه ينتفش فى صلب الإمتلاء؛ ولئن اعتبر احياء المقموع والمكبوت فإنه 
ليتغلغل ضمن العنف وأفعال القمع؛ وعلى الرغم من أنه بحث عن الآخر إلا أنه 
ينتزعه انتزاعا من الأناء الهوية الذاتية: المطلق. المكتمل» وسواء أكان قراءة القوة 
أو قوة القراءة فإنه ليتم تفعيله في جوف الانغلاقء البنية. اساس ذلك ليس طفرة 
مضافة إنما يأخذ صيغة أولية كالآتي: كذا هو لا كذا | هو لا أء أى أن كذا (أ) كما 
هية. أو علة مطلقة؛ أو جوهر يعد مكونا من لا كذا (أ)؛ وإذا كانت (لا) هسى 
الخارجء النقيضء, المغايرء الآخرء أو "الحد" بالنسبة للتحديد المطلق والكلى؛ فإنها 
التى تعنى عدم الانفغلاقء وأن النقيض موجود فى الكل المتوحدء وأن السلب هو 
الشرط الضرورى لامكانية التقرير الايجابى للماهية أو للمعنى ). 

وعلى مستوى الخطاب فإن صيغة! هولا ‏ !أ (كذا هو لا كذا) تتبعها القراءة 
بالتزامن والتماكن عن طريق أثير اللغة الضام للخطاب؛ بالتالى وعقب مفهوم النص 
الدريدى فالحضور مكون من (هو) اللاحضورء الامتلاء متلو بالغياب؛ العنف مشبع 
بمثبطات العنفء الأنا مسكون بالآخرء إذن صيغة كذا هو لا كذا إنما لاتبطل 
التناقض ببساطة لأنها تعمل تفكيكيا على نحو استراتيجى حيث لا يبقى الا أثير اللغة 
وتنشا القراءات» طالما يدمر كل مدلول متعال هو لها بالمعنى الميتافيزيقى وطالما 
نخطط فى هذا الأثير ساحة اللعب والاختلاف ذلك يؤدى بى إلى إبراز عدة تعليقات ' 

(أ) تختلف صيغة التفكيك تلك أ هولإ-أء عن الصيغة الهيجيلية | ولا أ- 
المركب منهماء القضية ونقيضها والمركب منهماء بما يعنى نتيجة جديدة تبحث عن 


(أهذه الدراسة حزء من دراسة أكبر تحمل عنوان تفكيك سيميولوجيا اللغة عند دريدا 
(**)مدرس الفلسفة المعاصرة بآداب الزقازيق 


533 


نقيضها تمهيدا لمركب آخر.. وهكذاء فإن المركب هنا يرفع التاقض على ما يؤدى 
الإتلاف أو الأختلاف وغالبا ما يكون الأول. وعليه تتكون سلسلة متصلة تحت هيمنة 
مدلول متعال؛ كما أن ذلك يعنى سيرورة غائية. غير أن الأمر دون ذلك بالنسبة 
لدريداء فلا يوجد أى مفهوم للتكوين, أو للهوية أو للمركب من أولا-أ وان حدث 
" رفع " فإنه ليدل على الحذف والأستبقاء معا مؤديين إلى الارجاء والاختلاف 
أيضا ويظل السلب فى الايجابء كما أنه بالتفكيك لا يشرئب النص إلى تقديم " أى 
جديد ". بالتالى رهان القراءة أن تظل لا- | فى أ وتمثل إمكانية (أ) ذاتها فهى تقف 
وسط أصل )١(‏ فتكون الصيغة هى: لا | (إمكانية أ لا | أثناء التكوين) وكلما 
طرحت قراءة تفكيكية كانت لا أ هى إمكانية أ - لا أء لأنها هنا تطرح أيضا السؤال 
التاريخى- اللغوى الذى يتموضع فيه سؤال للأصلء المفهومء البنية حسب كل 

(ب) إن الحضور بطرائق تكوينه ووجوده وتكراره إنما هو محتوى إعادة 
القراءة» تحت صيغة أ هو لا أ انطلاقا من مسميات مختلفة وتوزيعات مغايرة: ولا 
مفاهيم (تكملة-أثر-! خ ت ل اف) دريدية توجد وتنتشر بنفس الصيغة السابقة. 

(ج) معنى ما سبق أن الطريق إلى ١‏ | هو لا أ) ينشق عن نفسه وفق بنية 
مكتشفة في النصوص المقروءة: بالطبع " فالكاتب يكتب بلغة وبمنطق إنما نسقها 
وقوانينهما وحياتهما الخاصة أشياء لا يستطيع خطابه بالتحديد أن يهيمن عليها 
بشكل مطلق. بل هو يستخدمها فقط بالسماح لنفسه؛ تبعا لطريقة بعينها وحتى نقطة 
محددة» أن يكون محكوما بالنسق. ويجب على القراءة أن تهدف دائما إلسى علاقة 
معينة» غير مدركة من قبل الكاتب؛ بين ما يسيطر عليه وما لا يتحكم فيه من نماذج 
اللغة التى يستخدمها. وليست هذه العلاقة توزيعا كميا معينا1+5:201271711010 
175 للظلال والأضواء. لمواطن الضعف أو لعوامل القوةء لكنها 
بنية دالة لا بد أن تنتجها قراءة نقدية "7 وقد حرصت على التنويه إلى إنتاج تلك 
القراءة بأنحاء عديدة تخطط اجمالا لمعانى التفكيك فى كل فصل من الفصول 
السابقة؛ وتلك المعانى عبارة عن تنويع متغاير المعالم والسياقات للصيغة ١أهو‏ لا 
أ) وإن لم ينص عليها دريدا مباشرة بكامل التفاصيل؛ لأنها غير متناهية؛ لذلك 
فالتعريفات التالية لاتخرج عن كونها تعريفات "إجراتية" حاولت أن أجعل دريدا 


54 


يؤيدها سواء بممارستها فيما سلف أو عن طريق تفسير معين لنصوصه ومن ثم 
ليست تعريفات بقدر ما هى مقاربات لما ندعوه بالنقكيك» هى نتاتج وليست مقدمات, 
إنها آثار نصية لا مفترضات جامعة. 


التفكيك )ثر إعادة كتابة المعجم (جراماتولوجيا المعجم): 


ففى هذا الفصل (ميتافيزيقا الحرف) هناك قراءة حسب تفريد وتقطيع 
الحروف واحداث تفضيه فيما بين مقاطع الكلماتء: وباعتباره فصلا موسسا نتجت 
بنية الحرف اعتمادا على أحد معانية فى المعجم بوصفة " رسالة " حملت معها 
تكوينات الفكر الغربى وأظهرت علاقة الكاتب (هيلمسلف) بالنص وبتاريخ 
الميتافيزيقاء إذزن صيغة: (كذا هو لا كذا) هي ممارسة رسم الحروف واختراق 
وحدة الكلمة؛ وعلى الرغم من أن الحرف "علامة" خاملة:» إلا أن التفكيك ككتابة- 
هنا يعاين ما بين الحروف وينثرها في فضاء الخطاب الميتافيزيقي » كي يأتى بما 
هو لصيق بالاتيمولوجيا الحاملة لتاريخ معين؛ ويعد المعجم بالنسبة لقراءة من هذا 
النوع حقلا لتفكيكات موجهة داخل التراثء التقاليد اللغوية» أبنية الخطاب, والتعامل 
معها بغاية الحذر لاكتشاف الأشياء المطورة والاشتقاقات المعجمية وعلة ايرادها 
بناء على السياق الخطابي- التاريخي حتى وأن كان المنوط به هذه الاكتشاف وحدة 
سلبية كالحرفء فهذا الحرف سيظهر خاصية مهمة للحضورء إذ يتقدم عبر التعبير 
عن المعنى أثناء الممارسة الخطابية» بيد أنه يخفى ويحجب مساحة واسعة من 
المنظورات وهو بهذا الذى سياتى بالتناقضات وسيفتح المنافذ لاختراق ما يبطل 
الرسالة التي يحملها باستبيان ضمانها العنيف والقهرىء وتذويب ما بين السطور 
(ما بين الحروف) وتعريته. ولإبراز أهمية الحروف بالنسبة للتفكيك؛ فهناك أقرب 
مثال على ذات الاهمية بالنسبة لقراءة هيدجر لكلمة اليثيا دف»ط)»21 وإذا كانت 
الأليثيا فى الفلسفة الهيدجرية تعنى التكشف والاإتحجب بما هى حقيقة: فانما لاتأتى 
هكذا بسهولة بل يضعها معجميا كى يصل إلى معنى مفهومى هو يونانى بالقصد, .. 


وتكتب كالتالى: 4(16)8618): ويمثل الحرف (4) علامة النفى لفعل التحجب. وبذلك 
تكون الحقيقة هى نفى الاخفاء والتحجب فى طريق التجلى وتفتق الغموضء 


55 


والوجود بالتالى هو طريقة الحضورء هو المسيرة المتواصلة لسلب الاخفاء حسب 
الحرف (4)... ذلك وجد اصداءه القرائية فى فلسفة دريدا: إذ أن الحضور بما هو 
مثقل بمدلولأت تظهر عبر اللا حضور ومعجميا يندفع الحرف؛ كحرف خاملء فإذا 
هو الحرف النشط المعبر عن هذا الحضورء وتلك مفارقة ميتافيزيقية فى اللغة التى 
هى متورطة فى التراث المفهومى والفلسفى, وبنفس منطق هزعط)»1 (4) 

فى حقبة تاريخية أو فى خطاب معينء وذلك يعنى إمكانية إعادة صياغة 
الاصطلاحات المعجمية وفق عمليات استراتيجية لكشف المعجم الخفى- اللاخفى 
(عبر الحروف) وتحميلها رساتل قرائية جديدة كما هو الحال لدى كلمة التفكيك ذاته 
01 ---210 التى تحمل فكرة " البناء ونقضه " والتفكيك بالتالى هو 
إعادة كتابة المعجم وإعادة احياء المقاطع المختفية فيه أثناء قراءة النص وارتباطا 
باستخدامه لها. وإعادة استخدام المفارقات المعجمية بصيغة ١أهو‏ لاأ) لنسج 
تفسير. أسسه موجودة فى النصوص ولتدمير امتيازاتها واللعب عليها. على الجانب 
الأول. 


وعلى الجانب الثانيء إذا كان الحرف "4 " فى 415111114 رجع 
بهيدجر إلى دلالته المعجمية فى الفلسفة اليونانية. منشطا بذلك الأصل المفهومى 
للكلمة؛. فإن دريدا بوضع حرف (4) فى كلمة 27117177:141738©15 يبطل الأصل 
المفهومى للاختلاف بكافة معانية الملحقة بدذات المعجم (وهذا هو لب تفسيرى لتلك 
الكلمة لاحقا), لكن ما أريد التأكيد عليه أن دريدا بهذا بعشثا الاختلاف فى الأصل 
المعجمي ولا يمكن لحرف (4)» فى 711717131471015 أن يخضع لفهرس ته 
الميتافيزيقية فضلا عن أنه يمشل اللا اصل فى الأصلء بحيث يتم تشتيت الأخير 
وتدمير حضوره والممانعة على أن يجىء إلا مفلوقا ومنقسما بحرف برانى يضاعف 
الاختلاف أكثر من مرة» وينفى أى أصل له أبعد مما يحضره. 

على الجانب الثالث: مع دخول كلمات جديدة وهى المفاهيم المزدوجة 
(كالتكملة-/11/11151 141101+4) يزيح دريدا شيئا فشيئا فكرة "معجم الحضور" 


وقد أخضعت مفرداته إلى إعادة توظيفات نصية فى الخطاب الميتافيزيقى على ضوء 
هذا الارزدواج. ش 


56 


علي الجانب الرابع: إن نزع المدلولات المهيمنة من المعجحم (الذى هو التراث 
المفاهيمى فى تلك اللحظة) يحول الكلمات إلى حروف ومقاطع واصطلاحات قابلة 
للتركيبات الغريبة» وللتخليط بين المقاطع؛ ولاخراج كلمات مهجنة دون نموذج أو 
اختزال معجمى. بل مع ذلك الانتزاع ترتد الحروف إلى كونها وحدات بسيطة؛ سالبة 
وطافية على سطح اللغة وتبقى مجرد آثار ونقوش بلا مضمون ولا مرجع ثابت. 

على الجانب الخامس: نتيجة ما سلف (ينشد) التفكيك تقديم معجم (بديل): 

فإذا كان معجم الحضوز بين وفى كتاب كحجم 70111781 وهذه الكلمة تعنى 
الإشارة الفيزيائية والأخرى الكتابية» فإن المعجم البديل ينطرح مع النص. كقراءة 
لتذويب الرواسب والعوالق الميتافيزيقية حول الكلمات» هو معجم نصى إذ يمارس 
دلالاته أثناء التجربة النصية التفكيكية؛ فى مقابل وعبر المعجم المفهرس بناء على 
ثوابث حضور. 
والمثال الأبرز كلمة " الفارماكون " كما أوضحت فى فقرة (صوت الاب الرمزى) 
حيث تتسع دلالاتها تفكيكيا بدلاله فضاء اللغة عموماء ليعيد دريدا عن طريقها إعادة 
كتابة معجم اليونانية بعد أن يقرأه فى النص الافلاطونى بطريقة ممعينة؛ هى إعادة 
كتابة بحركة الفيض عما يتوطن تلك الكلمة من ميتافيزيقها- انماط ثقافية: 
حضارية؛ اجتماعية ولعله قر في وعينا بعد قراءة متأنية لهذه الفقرة (صوت الأب 
الرمزى) طفو وامكانية أصل كلمة الفارماكون فى معجم النص الدريدى هذه المرة. 
اى زحزحة المعجم الأصلى وجعله اثرا لمعجمية الفارماكون. 


التفكيك كل ممارسة أركيولوجية ٠‏ وجينالوجية في إطار قراة 

إذا كانت الحروف هكذا تنحسر عن معجم ميتافيزيقى له بناءاته ومواده: 
فإن دريدا فضلا عن إعادة كتابته ببناءات اختلافية وبمواد مزدوجة قد انتظم قراءة 
لتاريخيته؛ هى التاريخية المؤلفة من ترسبات اللغة (فصل: بلاغة الكلمة فى معجم 
الحضور). الأهم دلالة أن تلك القراءة تتخطط نتيجة ممارسات ارتدادية تكتسب 
طابعا أركيولوجيا وجينالوجياء اسلوب التفكيك هو هذا الطابع ذاته. هو هذه 
الممارسات؛ ففى نص"قوة القانون" يميز دريدا بين أسلوبين للتفكيك.. " يتبنى 
الأول الاغراء الإشاري واللا تاريخى ظاهريا للمفارقات المنطقية الصورية 


537 


أع25800:25-10م 1وتع80 أما الآخر وهو الأكتز تاريخية أو الأكئز تذكيرا 
بالاحداث الماضية عزوعم مرومى (') فيبدو أنه يتواصل من خلال قراءات النصوص. 
التأويلات والجينالوجيات شديدة التدقيق فى التوافة والتفاصيل وب10به20"1316+1. 
ينبهنا الشطب الموجود فى التعريف إلى نفى " العودة " إلى ميتافيزيقا الحضور 
ولعل هذا ينفى أيضا كون تلك الممارسات التفكيكية اركيولوجيه أو جينالوجيسة 
بالمعنى المتعارف عليه لدى ميشل فوكو أو نيتشه؛ يؤكد دريدا على هذا النفى 
الأخير بصدد التفكير فى البنية» فالانطلاق من أية حركة اركيولوجية تجاههاء لهى 
مثل حركة الاخرويات (اسكاتولوجيا) إنما تعد متورطه فى اختزل بنائية البنية وتقع 
فى الحضور الكامل بمنأى عن اللعب والاختلات ف . ()هى ممارسات بدون أصل أو 
غاية أو البحث عنهما للوصول إلى ما يبنى تاريخا أو حقبة بعينهاء أما اخضاع 
الأصل للقراءة الاستراتيجية؛ فهذا شئ خارج المركز أو إحيائه؛ إنه لإظهار 
المفارقات بصيغة 1١(‏ هو لاأ), ولفتح آفاق الانقطاعات والثغرات التى ترسنم 
توزيعات اختلافيه لهذا الأصل فى سياق خطابى. ْ 
ها هو دريدا لمناقشة موقف التفكيك من النقد يوضح هذا الجائب مع جوائب 
أخرى ستظهر تباعا.. "إذا كانت فكرة النقد قابلة للتفكيك. فذلك لا يعنى التقليل من 
أهمية عمل نقد النقد» سواء كان سلبه, انكارهة, أو تجاوزه؛ لكن يعنى التفكير فى 
امكانيته من جانب آخرء من خلال جينالوجيا الحكم: الارادة» الوعى ,الفعالية» 
والبنية الثنائية» وهلم جرا""" إن امكانية نقد النقد هى أصولة الموضوعة أمام 
احكامه؛ لكنه يحتكم إليها كأصول مستقرة فى تاريخيته؛ لا يسعى التفكيك إلى كشف 
هذا الأصلء إنما مساعلة الأمكانية بمثابة إثبات اختلافه عن نفسه. ولأ يتم ذلك إلأ 
بممارسة الأسلوبين التفكيكيين معا("© فكلما كانت هناك صيغة ١أهى‏ لا أء تتقهقر 
امكانية الاصل لتسمى أصل الأصل وهكذا يتفتح الأصل عن نقيضه؛ عن ازدواجه؛ ثم 
تلتقط الممارسة الجينالوجيا هذا الخيط لتحول الفضاء إلى كتابة نصية خلال نقاط 
الأضطراب وعدم الحسم نتيجة معضلات منطقية عصية على الحل وونوهم7.4) 
وحيثما تتموقع دلألأات هذه المعضلة أو تلك وتنتشر وتشبع هذا التاريخ 
الجينالوجى تصدعا وانهيار يكون التفكيك بدون مدلولات إلا من انقسامات تلك 
التمفصلات وتحلل الاحكامات المطمورة؛ بدون تاريخ إلا من الألتواءات والانحناءات 


538 


المتقطعة؛. دون اتساق أو تخطيط إلا من فعالية تقليب الترسبات المتنافرة 
والمتخالفة. 

من هنا فإن "التفكيكات" التى يتحدث عنها دريدا "' لأتحدث داخل ما 
سيسمى " تاريخا" بشكل ممكن إدراكه أومعرفته؛ تاريخ ممكن توجيهه 
0:1 حسب العصور أو الشورات.التحولات,المهمة22014301005 ١‏ الظواهر 
الطارنة:؛ الانقطاعات, التغيراتء الابستيمات؛ النماذج الارشاديه؛ الموضوعاتية 
8 (تلك الاشياء المقررة وفقا للشفرات الكتابية التاريخية المتنوعة 
والمألوفة). فكل قراءة " تفكيكية " تفترض قراءة أخرى لهذه " المعالم " المتعددة 
''25 3316 عاذ انام لكن لأ تعرف حول أى محور كبير تكون موجهه. ") 

يشير علينا هذا الاقتباس بتحول تفكيكى لما يعنيه مفهوم " التاريخ " قيد 
القراءة» فهو ليس تاريخا موضوعيا تنفذ إليه الاركيولوجيا أو الجينالوجيا بفضل 
تفسير أو نماذج قابلة للمعرفة بئناء على تحديدات جزئية تستشرف تلك التمزقات 
المتوزعة بإتفاق (ثورات؛ أبستيمات. عصور...)؛ ذلك يصب منردودة فى تحفيز 
القراءة للإفلات من نقاط الاتفاق الموضوعية:؛ أو ليس هو بالتاريخ الوصفىء أو 
المقنن فى أبنية.. إذن ليست ممارسة اركيولوجية أو جينالوجية كما تمارسها 
فلسفات الحضورء ولا يصل اليها هذا التاريخ إلا عبر قراءة أخرىء بل قراءات 
أخرى تطبيقا لمبادىء اللعبء التناصء التكملة.... إن التفكيك " ينشأ " حيث تسبقه 
قراءلت وتفسيرات. لذلك لا يؤرخ ولأ يتأرخ مهما كان لا يبنى ولا ينبئىء لاايؤفوصل 
ولأ يتاصل.. " إن الخطاباث التفكيكية تساءل بما فيه الكفاية» من بين أشياء أخرى؛. 
التوكيدات وعع :5:ج الكلاسيكية للتاريخ؛ السرد الجينالوجى 1هءنع2810-ءم8 
23 زو» والتقسيمات أو التحقيبات 5م10012260<ءعم من كل الأنواع, وإننا لا 
نستطيع بعد افتراض ببراءة لوحة (صورة) ددوءطع7 أو تاريخ للتفكيك"7". 


كيف لا يتارخ التفكيك وهو يمارس الأركيولوجيا والجينالوجيا؟ إنه الممارسة 
ذاتها لا يتقدمها ولايستبقها ولا يتأخر عنهاء ربما يضع دريدا القراءة في قلب تلك 
الممارسة أثتاء قراءته لكوندياك في نصه "اركيولوجيا العابث". فالسؤال الذى 
يضعه دريدا ثم يأخذنا إلى ذلك الوضع:... تحت آيه شروط يكون العبسث بض1مب1ع:17 
ممكنا؟ إنه لكى يكون كذلك لا بد أن يباطنه التفكيك عبر العلامة» عبر الحضور. 


59 


بالفعل يعتبر مقبولا بواسطة العلامات» فتلك الأخيرة توجد بالدلألة الطافية غير 
المؤرخة وبالتالى غير المترسبة. إن العبث يتاأصل مع العلامة» إلى حدما مع الدال» 
الذى إن لم يكن دلاليا فليس دالأء أى هو دال فارغ؛: خال من المحتوى 70104؟؛ سهل 
التفقتت 71216 » تافه وعدم الجدوى ووع115»1 إن العلامة هي القابلية 
للاستعمال زنط وومووذل 0" 

وإذا كانت العلامة بدون إدراك حسىء وفى حالة غياب الشئ (أو الزمن) تؤكد 
هيمنة مثالية , فإنها كعلامه هشه ء!زع2م*8: وفارغة؛ ضعيفه. وتافه +11)ن1؛ 
تسطيع أيضا ومباشرة أن تتفلت و تتحرر من الفكرة؛ من هذا الزمن؛ وليس فقط من 
الشئ , من المعنى وليس فقط من المرجعء وعليه تبقى العلامة لااشئء وففمرة 
مفرطةءع02 ه076 مستبدلة يدون قول أى شئ , كبدل مفرط ؟(زووء»:<:1 
نناانة لخلل معين.!0') 17 

هكذا فالعبث بهذا المعنى القرائى يتوحد بالتفكيك كحدث فى العلامة المؤرخة؛, 
ومع الوصول إليه كممارسة يجر معه كل اركيولوجيا: " هذا العبث لايحدث عرضا 
للعلامة: إنه صدعها الخلقى المتأصل فيهاطءوء:ط 81)زهءععد0ء باكورتها 
»تموغنءء أصلهاء بدؤهاءوصيتهاء وضعها فى حالة حركة وفى نظام وإن كان 
انحرافا عن ذاته» على الاقل: فإن العبث؛ قابليه العلامة للاستعمال فى المتناولء لا 
يمكن أن يوجد أو يكون حاضرا لذاته. ونظرا لان بنيه الانحراف06+121055 تحظر 
على العبث التموضع فى وجود بعينه؛ أو أن يمثل أصلاء فإن هذا العبث يتحدى كل 
اركيولوجياء ونستطيع القول إنه يحكم عليها بالعيث.!"") ْ 

وبذلك يغدو التفكيك ممكنا (عبث هو اركيولوجيا) حيث تحرف الفلسفة عن 
ذاتها وتؤدى إلى توليدا لضربات 8105 التي ستضربها من الخارجء بل من الداخل 
والخارج معا"7'') وفد تاخذ هذه الممارسه شكلا آخر إذ تكون كاشفة عن رواسب 
اللغة المستخدمة فى نفس الوقت الذى تصفى فيه اثقالها الحضورية؛: وبخاصة 
راسب اللغة البلاغية المستخدمة التى يلجأ إليها لتحصيل تاريخ معين للخطاب؛. 
تاريخ مطلق يرسمه الفيلسوف بكامل نسق 1 ؛ على الرغم من أن مظهره يتبدى فى 
جزء من الأجزاءء أو عبر وحده من الوحدات الفلسفية كما هو الحال لدى مفهوم 
الاستعارة (فقرة الاستعارة المزدوجة: بلاغة الكلمة فى معجم الحضور).؛ فالأستعارة 


60 


تبدو هكذا ترسبا تحويليا يصب فى مدلول الخطاب. واركيولوجيا تظهر تلك 
الاستعارة كطباق متصاعدة ومتدرجة»؛ وقد استخدم دريدا شكل الممارسة 
الأركيولوجية بتلك الطريقة فى قراءته للبنيوية (فقرة دلالة استعارية» فصل العلامة 
والبنية) لاسيما بصدد الأستعارات الهندسية والمكانئية؛ هنا ينتظم الجينالوجيا 
لإرجاع تلك الاستعارات إلى أصولها ثم سبر غور القوى التى أضافتها إلى الخطاب 
البنيوى. وهى القوى التى سيحرص دريدا بناء علمى اسلوب " المفارقة المنطقية- 
الصورية " على توجيهها. ضد ذاتها. المهمة التى تقتضيها تلك الممارسة ذات 
الأسلوبين على التفكيك: " دراسة النص الفلسفى فى بنيته الصورية؛ فى تنظيمه 
البلاغى؛ فى خصوصية وتنوع انماطه النصية؛ فى نماذج عرضه وإنتاجه - فيما 
وراء ما يسمى سلفا الأنواع ووعوءع وأيضا فى فضاء إخراجهءمءع5 مء وؤذدم"' 
فى تركيبه النحوي الذي لن يكون فقط تمفصلا لمدلولاته.إحالاته إلى الوجود أو إن 
الحقيقة,. لكن أيضا معالجة دعاوادوع م01ءءع0::م ومعالجة كل شئ 
مستثمر لع ووع نووز فيه" 
التفكيك خطاب تكراري بصيغة الاختلاف فى الهوية (وبتتبع الأثر): 


بمعنى أن التكرار يسلم زمام أمره إلى وضعية المفارقات المنطقية الصورية 
وإلى التنوع المتغاير لدلالات (أ هو لا أ). ثم لمعانى الآخر الموجود فى الشئ نفسبه 
(فى الأناء المثال» المؤسسة: الماهية.. معانى خطاب ليفيناس). وأخيرا.. قد ينتهى 
التكرار إلى أسلوب انقلابى قوامه الحيلة؛ الدهاءء البراعة» كل ذلك كجزء لا يتجزأ 
من الاستراتيجية. إن وقاتع هذا التكرار قد وجدت شروحات عديدة فى الجزء الشانى 
(اللغة والخطاب: فضاء الأصل والتكرارء فصول: لاهوت المفاهيم؛ أساطير الصوت 
والأذن» العلامة والبنية). - 

والذى أثبتناه. فى ضوء تحليل دريدا ان هذا التكرار لاياتى من 
الخارج أو هو محكوم بفعل قوه حفية» إنما الخطاب الفلسفى ذاته هو تكرار(ات) 
لأصول ذات هيمنة:؛ توالى بعضها بعضاء وتجتر مقدمتها ونتاتجهاء ذلك عن طريق 
توسطات مفاهيميه عديدة (الثناتيات المشهورة فى تاريخ الفلسفة؛, مفهوم الأبوة 
حالة سقراط وأفلاطون؛ مفهوم العلامة سوسيرء هوسيرل. هيجل؛ روسوء مفهوم 
البنية شتراوس»؛ جان روسيه). وبينما تترسم معالم التوسط مع تبنى هذا المفهوم أو 


61 


ذاك. فلا يتم ذلك إلأ فى اللغة» هذه اللغة التى يعتبرها التفكيك ‏ ضمنا هى الشرط 
الوحيد للحضور والتكرار وأيضا الشرط نفسه لاختلاف والقراءة. وإذ يكرر الخطاب 
الفلسفي أصوله (تحت حيل بلاغية» صياغات. أساليب كتابية»....) ينشا (يقع) 
التفكيك: يقع التمزق؛ الانحراف. الانحسار (دون أن يصيب هذا التكرار غاياته؛: أو 
مراميه الأخروية) وعلى نفس المنوال يكرره دريدا ويستكشفه ويعيد كتابته. 

اذا يقول: اما إن تستدير الداكرة؛, ما إن يراكم الكتاب ذاته؛ ما أن يعاود 
الكتاب التكرارء حتي يكتسب تطابقه مع ذاته اختلافا غير مدرك. ذلك الذى يسمح لنا 
بالخروج على نحو فعال ٠‏ صارمء أى على نحو حذرء من حدود الانغلاق. بل بتكرار 
انغلاق الكتاب» يشطره إلى نصفين. إنه يتفلت منه بشكل ماكر فيما بين مقطعين 
خلال الكتاب نفسه؛ بل خلال نفس السطرء وحسب نفس الانعطافة التى تأخذها 
"يقظة الكتابة فى الفاصل الواقع بين الحدود"... هذا الخروج عن المتطابق مع 
نفسة يبقى تافها جدا ولايمثل أيه أهمية فى ذاته إنه يتأمل الكتاب لكن؛ يفوقه 
أهمية بما هو كذلك. إن العودة إلى الكتاب هى إذن تخلى عن الكتابء إنها تنسرب 
بين إله وإله؛ بين كتاب وكتاب؛ عبر الفضاء الحيادى للتعاقب؛ وضمن إرجاء 
الفضاء الفاصل وتوتره. إن العودة عند هذه النقطة لا تعنى تملك شئ ما ثانية أو 
استرداده ولا تعيد مواعمة الأصل. فهذا الأخير لم يعد هو ذاته.7') 

السؤال الذى يطرح نفسه: ماذا يعنى التفكيك كتكرار؟ ينبغى هنا الانتباه إلى: 
أن اللغة ذاتها المصوغ بها التساؤل تفرق بين التفكيك والتكرارء لكنه (يل) سكن هذا 
التكرار عينه. ففعل (ي) سكن يشير تقطيعه إلى الماضى سكن. ويسكن بفحوى 
المضارع الذى يفيد الإستمرارية والتجدد. بمعنى أن دريدا مشلافى فصل أساطير 
الصوت والأذن قد أفسح المجال لتكرارات التمركز حول الصوت انطلاقا من التراث 
اللاهوتى- الميتافيزيقى مرورا حتى بعلم اللغة الحديث (امتياز الدال الصوتى فى: 
العلامة والبنية) وانتهاء بتأسس السيميولوجيا (فقرة السيمولوجيا والسيكولوجيا: 
أيضا فصل العلامة والبنية)؛ لكن فى ذروة هذه التكرار كانت الاختلافات (فقرات 
العين تسمع والأذن الثالثة- استراتيجية الإلتواءء؛ أنا أفكر إذن أنت موجود- " ١‏ لاخ 
ت لاف " فى الهوية, قتل الاب: الكتابة القاتلة للحياة الابوية كإمتياز للصوت الحى» 
كذلك فقرة حين ينكتب الكلام؛ فالكتابة تسبق الكلام وتمفصله, بل هو لون من ألوان 


62 


الكتابة فى صلب امتيازه وحضوره وتكرار وتردد ارساله المباشر).؛ والتكرار بهذا 
المضمون يعنى اظهار كيف يتكون الحضورا الغياب لمدلول النص فى النص؟ شم 
ضمن تلك الكيفيات ينفلت التساؤل... كيف ترتد إلى نفسهاء وبأى منطق تختلف عن 
الحضورء وعن التأسيس والتموضع المشار إليهأ كيف تتاسس نصية النص حامئة 
للاختلاف؟ كيف تموضع علاقة النض باللغة؟ وهو الانفلات التساؤلى الذى جعل 
كرستوفر نوريس يقول " تفكيك نص هو مواصلة التعارض أو الصراع لمنطق 
المعنى والتضمين مع موضوع توضيح أن النص لا بعنى بدفة ما يقوله أو لاايقول 
ما يعنيه("') لايقول ما يعنيه- الانحرافات التى لأ تستطيع اللغة- نتيجة عيوبها 
الخلقية- إن تعبر بإمتلاء كامل الامتلاك سكن أى مدلول أو معنى: وهى الانحرافات 
التى يكشفها التفكيك ويدير صراعها مع جسد النص (امتدادهء تأريخه؛ تراكمه» 
تصاعدء روا سبه ...): التكرار ضد التكرار. 

بالمثل: لا يعنى ما يقولهح اكراهات اللغة التى تتلقف قوله فى حضور(اتها) 
وتمركز(اتها): ليس التكرار تكرارا داخليا فهناك علاقته المضطربة بالفضاء 
اللغوىء الامر المؤدى إلى انحرافه واختلافه أيضا.. ومن ثم فالتكرار يبوصفه خطابا 
تفكيكيا هو أن النص لأ يعنى ما يقوله ويقول ما لا يعنيه. ولأ يتم هذا إلا وفق تحليل 
شاق ومجهد وحسب نظام قرائى للتوافه والتفاصيل (الفقرتان البارزتان: اللغة نقمة 
فى فصل اللغة أخطر النقم إذ وجدنا هيدجر يقول ما لا يعنيه؛ يقول إن اللغة نقمة 
بينما كان يعنى كونها. نعمة» واحسب أننى وضعت ما لا يقوله فى فضاء النص 
الهيدجرى حيث أخذته اللغة على غير ما قصد. أما الفقرة الأخرىء. لغة بدون أفعال: 
هل يختفى العنف؟ ففى ذات الفصلء عندما أراد ليفيناس تصفية انطولوجيا الفعل فى 
خطاب المقول الميتافيزيقى فانه لجا إلى لغة صامتة كان مصيرها الاحتواء فى 
تجربة الآخر بدلالات لاهوتية معينة: لسرعان ما استيدلت عنف الأفعال بعنف 
الحضور.. التوجه والدعوة, والابتهال إلى الآخر فى مغزاه المطلق» وكان إدعاء 
دريدا آنئذ أنه ينبغى كشف اللاعنف فى العنف وليس خارجه لأن عكس ذلك يعنى 
العودة إليه» وهو ما فعله ليفيناس حين "لم يعن ما قال وقال ما لم يعنه "..). 

أما الفقرة الأبرز فهى " صوت الأب الرمزي " التى مارس خلالها دريدا دفع 
أفلاطون لارتكاب ما لا يقصده؛ وأن يقول ما لا يعنيه» لقد قتل سقراط (أباه) على 


63 


إثر كتابته فى " المحاورات "؛ ومع تكرار كلام أفلاطون عبر الكتابة فى نص " 
صيدلية افلاطون " فقد قتل هذا التكرار المؤلفء التكرار الذي أطساح بمركزية 
صاحبه. وأطاح بنفسه عبر توليد دلالات لا متناهية فى تاريخ الفلسفة الغربية» 
وعبر تبيان وفضح نواياه الخفيه مع اسماء الأب الرمزى فى متاهة النصوص 
الأفلاطونية. يقول هيلزميلرممء11.84111 " يجرى التفكيك كصيغة من صيغ التفسير 
بواسطة دخول حريص وحذر لكل متاهة نصيةءأء حيث يعرف الناقد طريقة المؤدى 
من شكل إلى شكل؛ ومن مفهوم إلى مفهومء من فكرة اسطورية إلى فكرة اسطورية 
أخرى من خلال التكرارء الذي لايعد بأى معنى من المعانى محاكاة ساخرةو2<9:00. 
لأنه يستخدم القوة المدمرة عمؤو:ء7ن58 الحاضرة حتى فى الازدواج الأكثر صرامة 
وسخرية) [18هم15. إن الناقد التفكيكى يبحث عن اكتشافء. بواسطة هذه العملية 
لاستعادة الاحداث وتتبع أثره عمء )»12 ٠‏ العنصر الكامن فى النسق المدروس 
والذى يعتبر غير منطقىء الخيط الموجود فى النص موضوع النقاش والذى 
سيحله!ء20:م1] كلية» أو الحجر المفقود الذى سيدمر البناء الكلى"."') 

تاسيسا على ذلك ينظر التفكيك إلى كافة الخطابات من تلك الزاوية:» إذ أن ما 
ينتجه هو المفارقة المطلقة للهوية والاختلاف7*') وإذا حاولت أن أعم هذا 
التعريف, فإنه ينطبق على قضايا كشيرة؛ كما يتحدث دريدا مثلا ‏ فس كتابه رأس 
الآخر عن مسألة الهوية الاوروبية حين ينظر إلى أن الهوية ليست هوية ذاتية لشسئ 
معين كانها مرآه عاكسة لنواه ثابتة؛ إنها تتضمن اختلافا تكوينيا» معنى ذلك ان 
هوية ثقافية معينة لها طريقها نحو اختلافها عن ذاتهاء ثقافة مختلفة عن ذاتهاء 
بالضبط كما أن هوية الشخص هى مجموع اختلافاته عن ذاته؛ وما إن نأخذ فى 
الاعتبار هذا الاختلاف الداخلى والآخرء حتى نعطى اهتماما إلى الآخر وأن الدفاع 
عن الهوية الخاصة ليس مانعا لهوية أخرى بل هو مفتوح- وفى عمق بنافه- على 
الهويه الأخرى وهذا يحول دون الديكتاتوريةالقومية , التمركز حول الأنا ء وهكذا 
فى حالة الثقافة» الشخص, الدولة و اللغة تعد الهوية مختلفة عن ذاتهاء دوما هى 
هوية تفتح أو تفلق أو تحدث صدعا داخل ذاتها ‏ (1') 
إن التفكيك خطاب طفيلي فى حيله. واوضاعه واهتماماته وصياغاته: 

ينص دريدا " إن " التفكيك يقظ دانما إلى المنطق غير القابل للتدمير 


64 


للطفيلية (التطفل) 5«5خف)1و2:هم 01 عذع0! ءاطنغءدم)و06ج1. وكخطاب يعد التفكيك 
دائما خطابا حول الطفيلى بل هو ذاته حيله طفيلية حول موضوع الطفيلي؛ هو 
خطاب "الطفيلى", ومغروس داخل منطق ال"فوق- طفيلى" - لاع7 نك 116 


000000 


لعلنا لو نظرنا إلى الفصول السابقة» لوجدنا أن ما ينتمى إلى التفكيك يعتير 
نوعا ما من التطفلء» حتى على المساحة الكتابية التى يحتلها وفى تكوينه يصاغ على 
حواف كتاب الحضور أو معجم الميتافيزيقاء مصاحبا لما يقرأه وينفذ إليه» فقى 
واجهة المشاهد دائما تقع التمركزات الميتافيزيقية بينما يسرى التفكيك فى خفاء هنا 
أو هناك وبشكل غير منسق أو موحد.ء إلا أنه وفى تلك اللحظة- يكشف ويستجلى 
كامل البناء ويعرف تفاصيله مناحيه؛ أكثر مما يعرف هو عن ذاته؛ وهذا أيضامن 
دلائل حياة الطفيل؛ فهو يعيش وينتقل حسب قوانين الجسم الموجود فيه ويتأقلم 
معهاء لكن لا يستطيع هذا الجسم القضاء عليه إنه يستوطن دون المحاء حتى 
يخترق جميع أعضاء الجسم بل بعدما يعن مركز الخلية يلغى الأوامر الحيوية 
الخاصة بهاء ويعيد برمجتها حسب البيئة التى يمكن أن يتكاثر ويتوالد فيها. كان هذا 
التطفل فى فصل ميتافيزيقا الحرف عبارة عن تفريد لحروف الكلمات, إحداث تفضيه 
فى وحدة الكلمات؛ فالكلمات هى حسب المعجم غير أن ذلك التفريد جعل أثقالها- ممع 
التحريك والتنقل المتقافز- تدمر اتساق السطح الصلد للكلمات ومعها لغة تاريخية 
مغطاة بما هى كذلك؛ نفس الشئ مع تطفلات أخرى فى فصول مختلفة كفقرات: 
"حين ينكتب الكلام":"الحدث والقوة" فى فصل العلامة والبنية» و"العين تسمع 
الأذن الثالشة "و" أنا أفكر إذنء. أنت موجود " كذلك " قتل الأب " فى فصل 
اساطير الصوت والأذن.. الخ وقد اضاءت تلك الفقرات الأبنية الموجودة فيها وجسد 
الخطابات المصوغة بها. ش 

بيد أن ما استهدف تأكيده أن الطفيليات تنشا وتستغلط بما هو متاح فى 
الخطاب الفلسفى, فحسب حركة المفاهيم- الفيروسات (فصل لا هوت المفاهيم) 
تتكون الطفيلية» إلا أن انماط الحضور تخفيهاء وتغطى عليها بألوان الإتساق (كما 
هو حال الجسم القوى الذى تتغلب بنيته على الميكروبات والطفيليات دون أن تقتلها 
تماما)؛ أى أن المفارقة أنه غير قابل للتذويب ويتعامل مع النسيج وفق طبيعته 


65 


المزدوجة ضد ‏ مع الجسم. وفى حالة الاتساق تكون المفاهيم (ذات التاريخ المحتذى 
فى إطار الفلسفة كخطاب واحد) فيروسات ضد/ مع عمليات تأسيسه فلسفيا. هذا هو 
منطق " الطفيلية ". فالتطفل عرضى وجوهرى. كمثل الفارماكون الردئ الذى 
يتطفل على الفارماكون الجيد, وكالتكرار الردئ الذى يستطيع أن يتطفل على التكرار 
الجيد فى نفس الوقت. وبذلك فهو منطق الازدواج نفسه. إن الطفيل داخل وخارج 
الجسم الخارج الذى يتغذى على الداخلء وإمكانية خارجانيته هو تغذيته فى الداخل» 
أما شرط وجوده بالداخل فان يتخلق ويتواصل فى وضع الخارج .!'') 

إذا كان هذا هو منطق الطفيليه غير القابل للتدميرء فإن دريدا يممارس التطفل 
بالفعل» فأن يفكك نصا معناه أن يتطفل وينسج خطابا طفيليا اقرب مشال كان التعامل 
مع أحد هوامش بنفينست فى وضعه الطفيلى وقد أعاد قراءته داخل الخطاب اللغوى 
لبنفينست تاركا بذالك فضاء لتكرار التمركز حول النزعة السيكولوجية ومبينا 
اختلافه فى عمق فروضه. والملاحظ أنه استخدم هذا الهامش عبر جسد خطاب 
بنفينسث كطفيل يخترق ويتوغل ويحرص باستمرار على منطقة المزدوج» وكم من 
دلالة فى موضعها (فقرة: الوعاء والمحتوى- استعارة الهوامش: فصل بلاغة الكلمة 
فى معجم الحضور) كانت مبينة لأن يبقى هذا الطفيل خارجا معناه أن يتوصل إلى 
تناسل الثنايات فى ذات.الخطاب ومع التوصل إلى ذلك الداخل كانت العلاقة 
المتارجحة باللغة حيث لم يستطع الخطاب القبض على يقينه ومبرراته الذاتية. فى 
قضية مقولات اللغة ومقولات الفكر. 
التفكيك قراءة للقوى الكامنة فى النص: 

. لكلمة قراءة هنا أكثر من معنى وأكثر من تحول بالتضامن مع كلمة " كامنة 
" وتمشيا مع» خصوصية كل نص, قد تكون عبارة عن رسم خريطة للمواضع 
المحتمل أن تتفاعل فيها خلف العبارات والمفاهيم» ولربما تعنى المعرفة بالقيود 
والمحددات التى تحكم قبضتها على دلاله القوةّة المجهولة. وذلك تم التتويه به فى 
مفهوم الأستعارة. سواء كان فى فقرة " الأستعارة المزدوجة": بلاغة الكلمة فى 
معجم الحضورء أو فى "دلالة استعارية": العلامة والبنية؛ نفس الأمر فى مفهوم 
الشكل. وعن طريق احياء الأزدواج لبعض الكلمات التى هى بدائل وتقلبات دلالية 
يمكن توصيل شبكة من الازدواجيات لتفجير القيود الحصينة فى النص حيث ينشط 


66 


اللعب الحر بالدلالات؛ وحيث تعرف القوة بغيرها و تنطلق بغيرها ومن خلال فقرة: 
" المفهوم طاقة لأ تفنى ولا تستحدث " يمكن تبطين القوة فى حالة استطراقها 
وتمددها كى تظل محافظة على صيغة '١‏ هو لا )على الدوام؛ أقول تبطينها داخل ما 
هو موجود بالفعل ليس ذلك بإثبات أن هناك قوة فى كل الأحوال بل بالتدليل على 
عدم وجود تلك القوةء وجود اللا قوة بهذه المفارقة أيضا (وهذا نوع من التحول 
لمفهوم القوة تفكيكيا) يمكن تسميتها بالتوتر الحادث داخل النص او قوة 
القراءة."') 

هى قوة وليست قوة, أليست القوة الذرية- مثلا ‏ ناتجة عن انشطار الذرة؟» 
وإنها لكذلك أثناء قراءة تفكيكية بعينهاء فالقوة نتيجة الأنهيار والقابلية للتغير: أى 
نتيجة:"أن التفكيك يبطلء إلى حد ماء القاعدة التى يقف عليها البناء بتوضيح أن 
النص قد أبطل سلفا هذه القاعدة على نحو معروف أو غير معروف. فالتفكيك لا 
يفكك بنية النصء بل هو اثبات مؤداه: أنه قد فكك نفسه بنفسه من ذى قبل. وأن 
قاعدته الصلدة ظاهريا ليست دعامة قوية بل هى مظهر واة. إن اللحظة العجيبة في 
نقد دريداء الموضع الفارغ الذى يتم انتظام كل عمله حوله؛ هى صياغة وإعادة 
صياغة هذا اللا وجودءعمء)1515-م770 للقاعدة التى يبدو أن البنية النصية الكلية 
في تلك الأ ثناء تنهض بدونها””") وإذا كان ثمة تحول هنا فهو تولد القوة من اللا- 
قوة. هذا الموضع الفارغ حسب رَأى هيلز ميلرء وبه يمكن القول " أن هناك دائما- 
برأى دريدا هذه المرةء تفكيكيا فعالا في التاريخ» ضمن الثقافة؛ خلال الأدب. وعير 
الفلسفة؛ إختصارا في الذاكرة الغربية؛ في قاريتها... وإنه ليمكننا رؤيته في كل 
خطابء كل عمل؛ كل نسقء كل لحظة.؟") 

وفى سياق بنيوى بعينه له تعارضاته وثتائياته؛ يصح أن يلخص هناما 
يعنيه دريدا بقراءة القوة:" ليس هدفنا إجراء مقابلة» من خلال حركة بسيطة 
لرقاص متارجح:ءفع5 2212 سواء بالتوازن أو بالاسقاط أول)7ء تت و جمعج1 ٠‏ 
بين المدة الزمنية وبين الفضاءء الكيفية والكمية» القوة والشكل؛ عمق المعنى أو 
القيمة وسطح الصور. فالامر على النقيض تماماء ضذ التبادل البسيط» ضد الأختياو 
البسيط لأحد الطرفيين أو لإحدى السلسلتين؛ فنحن نصر على أنه من الضرورى 
البحث عن مفهومات جديدة ونماذج جديدة؛ عن اقتصاد يفلت من هذا النظام الخاص 


67 


بالتعارضات الميتافيزيقية؛ ولن يكون هذا الاقتصاد علم طاقة للقوة المحض وغير 
المتشكلة. )ع عتريام عع02؟ 18 06 عداونغ)ءعمء م8 فالاختلافات موضوع النظر 
ستكون بالتزامن اختلافات الموضع واختلافات القوة..... إن خطابنا ينتمى بما لا 
يمكن اختزاله إلى نظام التعارضات الميتافيزيقية. وبالأمكان الاعلان عن الانقطاع 
عن بنية الانتماء هذه فقط من خلال تنظيم معين: وعبر ترتيب استراتيجى محدد 
الذى يستخدم داخل مجال التعارض الميتافيزيقى قوى المجال من أجل تحويل مسار 
حيلة الاستراتيجية الخاصةو1زع 52262 وع-رءمو:< ضده: بحيث يولد قوة خلخلة 
وتفكيك تلك التى تنشر ذاتها عبر النسق بكامله ثم نتهمك فى تصديعه فى كل اتجاه 
وتحديده من جميع انحائه.2") 
التفكيك سؤال حول النسق, التأسيس وقراءة للحواف: 

بجارة فى دريدا:" ليس التفكيك ببساطة عملية فك بنية 
معمارية21«دن6عع)1 اع إنه أيضا سؤال عن التأسيس؛, سؤال حول العلاقة بين 
التاسيس وما هو مؤسس: هو سؤال حول انغلاق البنية» عن المعمار الكلى 
للفلسفة؛ لا فيما يتعلق فقط بهذا البناء أو ذاك؛ لكنه سؤال جار حول الفكرة 
المعمارية للنسق وإذا كنت قد قلت معماريا: فإننى لأشير هنا إلى تعريف كانط الذى 
لا يستنفذ كل معانى " المعمارى" على الرغم من أنه تعريفها يهمنى على وجه 
الخصوصص. فالمعمار هو فن النسقءع1 01 غ:4م عط :2 عتصماءء اتطء رم ع1 
ع "2 

ويكتسب السؤال التفكيكى عنء المعمار شرعيته فى مضمار الفلسفة؛ لأن 
التأسيس لحظة تفكيكية تجرى مع ما يجرى فى اللغة والمعرفة من ثقافة» زمن؛ 
حضارة؛ وما يترامى فى تلك الفضاءات من تواصلء تاريخ انقطاعء؛ قيم انسانية:... 
وبذلك التوصيف- هذه اللحظة الحدود ويمكن استدعاؤها فى أى نطاق من النطاقان» 
وبالإمكان بلورة قراءة معينة حولهاء وبالمثل تتجدد شرعية سؤال كهذا ‏ فيما يقول 
دريدا ‏ لأن "كل الفلسفه عموماء كل الفلسفة الغربية»ء إذا كان المرء بإمكانه التحدث 
بتلك الطريقة الكلية عن ميتافيزيقا غريبة» منقوشة فى بناء معمارىء الذى ليبس 
بالضبط معلما أثريا 710050654 فى حجرء لكنه البناء المعمارى الذى يجمع فى 
جسده كل التفسيرات السياسية؛ والدينية؛ والتقافية للمجتمع."") 


68 


والسؤال: كيف يخلخل دريدا نلك اللحظه التأسيسية_التفكيكيه؟ هل 
يقرأ هذا المعمار بمنطق التدمير وتنكيس البناء؟ أعتقد أننى فى فصل لاهوت 
المفاهيم وبخاصة فقرة: المفهوم؛ الوعى, الكل. قد أوضحت ماهية المفهوم وتكوين 
النسق؛ وكيفية اتساع تاسيسه. لكننى هنا أركز على تلك اللحظة التأسيسية؛ وما إدًا 
كان التفكيك يناقضها أم له تاسيس خاص. وبالتالى معمار ما ايضا تستمر صيغة !١(‏ 
هو لا- أ) بما يعنى مفارقة فى اللحظة التاسيسية (لمؤسسة أو لمعمار ما معين) 
خلاصتها أنه فى نفس الوقت الذى تبتدئ فيه شيئا جديداء فإنها تواصل الانخراط 
أيضا فى شئ ماء وهذا حقيقى بالنسبة إلى ذاكرة الماضى, إلى التراث؛ إلى شئ ما 
نستقبله من الماضىء من الأسلافء من الثقافة عموما. و إذا كانت مؤسسة ما تعد 
بما هي كذلك مؤسسمة: فلا بد إلى مدى معين أن تنقطع عن الماضىء تحفظ دائرة 
الماضى؛ على الرغم من ضمان شئ ما جديد بشكل مطلق .0" هكذا تكون أبعاد 
المفارفة أن اللحظة التاسيسية عنيفة بطريقة معينة» نظرا لعدم إلمتلاكها اأى ضمان» 
هذا وعلى الرغم من أنها تتبع مقدمات الماضىء إلا أنها تبدأ شيتا جديداء لكن هذا 
الجديد» وتلك الجدة عبارة عن مخاطرة؛ شئ ما لا بد ان يكون فى وضع المخاطرة» 
وهو عنيف لأنه مضمون بلا أية قواعد سابقة؛ ومع ضرورة تتبع قاعدة ماء ينبغى 
فى نفس الغضون إبداع قاعدة جديدة؛ معيار جديدء مقياس جديد. وقانون جديد. 
وهذا ايفسر لماذا كل لحظه تاسيسية لحظة خطيرة: فا؟ يمكن للانسان امتلاك 
الضمان المطلق ولا المعيار المطلق ومع ذلك هو ملزم بإبداع القواعد أيضا. 

إنه لاتوجد أية مسئولية؛ أى قرار بدون هذا التفكك؛ فليس مزيجاء, لكنه التوتر 
بين الذاكرة»الاخلاص :710611 والابقاء على شئ ما معطى لناء وفى نفس الوقت 
التغاير فى الخواص والمعالم غزءعوءج0<ع)116: شئ ما جديد مطلقاء انطلاقه معينه. 
وشرط هذا النجاح الأدائى الذى ليس مضمونا هنا هو اتحاد هذه الأشياء بالجديد؟؟) 

من قبل تلك اللحظة التأسيسية المتوترة» يصوغ التفكيك خطابه التساؤلي عن 
(النسق- البناء المعماري- المؤسسة)» معنى هذا أنه لا يسقط تلك الانظمة:؛ بل ينفتح 
على امكانيات التنظيم أو التركيب؛» إمكانيات الوجود معا.. التى ليست نسقيه 
بالضرورة بالمعنى الدقيق الذي تعطيه الفلسفة لما هو نسقىء إن التفكيك بهذا 
المنحنى تفكير معين حول النسق؛ حول انغلاق وانفتاح النسق.!'") 


69 


التساوؤل: الذي يقوده حينئذ: ألا توجد طرائق أخرى لإعادة التنظيم غير تلك 
الموجودة بالفعل؟ وبطرح إمكانية وجود طرائق (استراتيجية) لا متناهية لقراءة آي 
نسق وإعادة تأسيسه؛ بتعامل در يدا مع ممارساته التفكيكية بوصفها خطابات لها 
أنظمتها الخاصة وتوزيعاتهاء دون أن تكون فوضوية أو. تشكيكية كما يقال. ولتأكيد 
تلك النقطة يدعم رأيه السالف بالتحدث عن التفكيك في الفن المعماريء قاصدا 
التشديد على أهمية ما يفعله هؤلاء المعماريون من مشروعات تسمى مشروعات 
تفكيكية ليؤفسس مردوده في المجال الفلسفي. يعبر در يدا عن ذلك:"إن ما 
يمارسونه نحت اسم فن المعمار التفكيكمىءعن)ءء)1طء:4, 26025000196 هو 
الإثبات الأكثر حرفية والأكثر كثافة وقوة للتفكيك. ليس التفكيك. ولا يجب أن يكون 
فقط تحليلا للخطابات؛ للقضايا أو المفاهيم الفلسفية؛ تحليلا للسيمانطيقا: بل يجب 
عليه أن يساعل ويتشكك في المؤسسات. الأبنية الاجتماعية؛ التقاليد الأكثر جمودا. 
من هذا الجانب, نظرا لأنه ما من قرار معمارى دروؤوقء176 [وداغءء)1ط7م. ممكن 
دون أن يتورط في سياسة معينة؛ ودون أن يضع في حالة لعب ما هو اقتصادى 
وتقنى وثقافى واستثمارات أخرى.. فعاله» فإسمحوا لنا بالقول إن التفكيك راد يكاليا 
لا بد له أن يمر من خلال فن معمارى, وبواسطة الاجراءات الصعبة جدا التى ينبغى 
أن يخضع لها المعماري مع القوى السياسية» القوى التقافية؛ مع تعلم الفن 
المعماري نفسه" وإذا رفعت ما يجذب نظر القارىء نحو دلالات بسيطة (واقول 
ساذجة) للمعمار واعطيته منظورا أكتر تركيبا ما بين الاحلال والتبديل للنظسام 
المعماري وللتاسيس الفلسفي النسقىء, فإن ما فعله دريدا من تفكيكات نصية في 
تاريخ الميتافيزيقا إنما يحتفظ بزحم التجربة الفلسفية البنائية. إما إن حاول البعض 
القبض عليها في لغة وإطار محددين؛ وتكوين راسخ فهذا شئ أخر يستحيل أن 
يتحقق, لأنه خارج نطاق أبجديات التفكيك. وتمشيا مع هذا المنظور المركب (دون 
حدود معمارية أو فلسفية) واستنادا إلى التجربة في حد ذاتهاء يمكن أن يكون 
التفكيك تفكيكا معمارياء الذى لا يعنى بحال من الاحوال تدمير «0ف)1011م»0 القيم 
المعمارية (واضيف قيم الخطاب الفلسفي) وذلك ببينات ثلاثة: البنية الأولى؛ ينبغى 
على الانسان اعتبار ان هذا الفن المعماري (الخطاب التجريبي) المسمى بالتفكيك 
يبدأ بدقة بوضع كل شئ يتم إخضاع الفن المعماري (الخطاب الفلسفي حسب 


0 


اضافتى) له موضع التساؤلء أى يساعل قيم المسكن 1121014105 المنفعة, 
الاغراض التقنية, والتوظيفات الدينية» والتقديس 5267211286108 (أيضا جميع 
أنماط الحضور) كل هذه القيم الى ليست فى ذاتها معمارية., البينة الثانية» أن 
اقتلاع الفن المعمارى من هذه الاغراض أو الغايات الجوهرية يمكن للانسان القول 
إنه ليس فقط لم يدمروا الفن المعمارى؛ بل اعادوا بناء هذا الفن المعمارى ذاته. 
بمعنى البناء بفعالية وعن طريق التموقع ضمن علاقات مع الفضاءات الأخرى 
للنقوش و الكتابة» كالكتابة التصويرية السينمائية السردية» وأخيرا بالعمليات 
التجريبية فى سياق الارتباطات الصورية. 

البنية الثالثة؛ أن كل ذلك شئ مختلف عن تجديد (ترميم) الخلوص المعماري 
حتى على الرغم من كونه أيضا تفكيرا في إطار الفن المعماري بما هو كذلك. آي أنه 
معمار ليس ببساطة في خدمة غاية جوهرية:؛ من ثم تعد تلك التجربة المعمارية 
(أضيف التجربة النصية)» محض جراءة وفعالية "تفكيكية" أكثر إثارة للإعجاب 
على حد قول دريدا." © لكن: تجميدا للحظة التأسيسية التى تكشف عمق التجربة؛» 
فإن أى " حد " يمثل حافة لنسق مكتف بذاته » وعلى أن تلك الحافة تجد تصديقات 
كأنها محتوية على تلك اللحظة؛ بل على التجربة بكليتهاء فإنها ليست نقطة يقين 
فارقة: إذ يبقى التقكيك عليها في محيط التوتر الواقع أثناء تحولهاء لأن التجربة 
تجاوزها وبذلك تكتسب أهمية تساؤليه لاتعترف بالحواف القاطعة. هنا يجتاز 
التفكيك الحدود مبقيا عليها للقراءة ومبديا عدم الثبات في تلك النقطة أو غيرهاء 
مدعوما في هذا دائما بتجربة (ال) لغة بوصفها شعرية أو أدبية كما أنها فلسفية. 
7" إن الابقاء على الحافة للقراءة وهو التتقل وإعادة التوزيع لمركز التاسيس لما 
يمثل أصلا في النسقء وبالتالى ينبثق منطق آخر هو ضرورى (غير منطق النسق 
نفسه) لتفسير ما لابد أن يحدث في الحقيقة بين نسق وأخرء وبين نص وآخر»:!*) 
بين حافة واخرى, بل بين نصوص مجتمعة وأخرى متبعثرة ونتيجة لذلك تحدث 
الاختلافات آلتي لا يمكن أن تكون متجانسة ولا موضوعا لاتفاق. هى الأختلافات 
التى تسمح بتوليد القراءات التفكبكية في ضوء ما يحدث وإزاحتها لبعضها البعض. 
والسؤال: هل تستطيع التعبير باللغة عما يحدث؟ ولماذا يعبر عنه در يدا بالسلب (لا 
هذا ولاذاك) وأى معنى لخطاب لأ ولا؟ 


71 


مامعمنا ,55عام قاوقءطعلة ؟ه-أمنا ,3ل0ممع0 0م30 لأعأكمعو ]ألا ,بمعمود ,مم )جه )١‏ 
7 ,1984 ,نضهول5ضه! 300 

.227/58 ,لققء6 ولمرة0 3) 

لإط-كمق؟؟ باومطانم أه مضأأقلدلاه؟ أقع نأك يزا/ة" 156 :يلاها أن معروع" ,قل ررة0 3١‏ 
06 ..1990(:959-ونام)/لاانال) 5-6 !| باعزبع] ناوا 030020 ,ع306أمأقن 9 شنولا 
5 !| 300 0675703 :30100 60765 3010570 0085 أقطللا ,أممع5ق ماع85 أمطو ,مأ 
971 عط أه عأوه! 15 مز ,لإومادهعمع6 أ0 أي عطا 300 11أ ع7[ أه لإاصمممءع عطا مه 
لدعلا مولع اناه ,اأأمطء5 .0 مولام لاط 501160 /زأأوه/606 أه عأطاع مق لعقللاه 1 
6 1997 600607 011لا 

9 ,550 ,3ل ع0 2 

.7 .ااانا ,0ممع0 3 

6 مه 35لأباع ا 300 260203 :00ناه3 607565 00نا3]0 9065 أ3للانا ,أممعكقمرع8 57 
6 .م ,لإوه|6603 05 611 عط أه بالرمممهء6 

7 .آالاااما ,ع0 7 

.258 .نط | 9) 

15 ,./اتالة ,بولامةم © 

8 م بولعره0 19) 

8 .ل نط| (11) 

1118-9 ,ل نط 012 

2 .ل ذط| (13) 

3483 ,./01 ,ولمعع0 014 

5 430 ,.ااع روللررة0 19) 

. 5ا53/30آ/ا عطا 0مة لمؤأمرع1/100 اده ,موتأءباءأكوممعه0 ,رعلامم أو وطن بوتررولم ©09) 
هعم ,لألموزمع8 باعلمم 3050 5أمره]ة ., 007أأعناأ5ممء06 1/0/3115 

7م .1988 مه0مه ا ,كقم2 5ق زأرقا/آ .1005/51 ]أل 

أعمولا ؟أقعند أتعطلائا بعدعيم3قل ,معطا لمق ولط بممعط .5زاازن.ل ععزانقة ”0 

1 6 25 .1991 .620 1وم ممع 

3 ١9ذأأة:للأعناأ5)عما5‏ ل0لملزع8 ,8 ,لمواء 5ن 19) 

4 .. 13 ,لأم بوللعةم 19 

.4 ولا ,ع5 30 

4 .زط (21) 

00 11 

6.م معط لمع امم معطا .بط زمعااتص 233 

234 الصا ع0 20 

20/ 505,34 مل مرة0 0259 

25 01١112 

4 .زط 27 

6 ,ه06 29 

.6.لنط| 029 

00 ١112 

2113-4 ,.لنط!| 0017 

4 .لونط!| 02 

72م مون اننا 

88,11-2 ولمع 39 


72 


حول أخلاقيات التفكيك 

كريستوفر نوريس - ترجمة : حسام نايل!*) 
فى مقال السير الذاتية 1165م 2وع10ط00 :)١584(‏ يتساعل دريدا عن ما 
يراهن عليه المؤلف عندما يضع اسمه على قطعة من الكتابة. وقد كان هذا السؤالء» 
عن الأسماء وعن التوقيعات المزودة بسلطة وعن حق النشر أو التاليف الفكرى. 
محور المراسلات التى دارت بين دريدا وجون سيرل بخصوص موضوع فلسفة 
فعل- الكلام ؛ع8-اعععمو. وكما سئرى, ستنشا أفكار هزلية؛ ولكنها وثيقة الصلة 
بالموضوع.ء. فيما يخص طريقة هذه الكتابة؛ فما أن تدخل في الملك العام حتى 
تتعرض. دانماء لإساءات الفهم الممكنة:؛ التى لا يفقدها الاحتكام المباشر إلى السياق 
أو مقاصد التأليف شرعيتها. ومؤكد أن دريدا سيقر- في هذه الحالة- أن نصوصه ‏ 
تعرضت لنوع من التفسير الجامح نمارسه عليها. ونادرا ما يكون دريدا في وضع 
يسمح له بانتقاد سيرل بقسوة- كما يفعل في مواضع كثيرة من هذا المقال- بسبب 
تجاهله لطبيعة نصه (نص دريدا) وتفسيرهء خطأا وكيفما اتفقء وفقا لمثاليات 
مستقرة عن اللغة والمعنى والإبلاغ. إنه اعتراض بسيط يقوم به سيرل أؤ شكل من 
ال عنانوودن 10 يؤخذ بعين الاعتبار؛ مصرا على أن دريدا يتحمل نتائج الشكل 
المتطرف لنزعته الشكية المعرفية. وعلاوة على ذلك؛ فلن يكون هناك حكم فى 
صميم الأمانة أو الدقة الفكرية- بين الطرائق المختلفة التى تتبناها نصوص دريدا 
التطبيقية أو التفسيرية. ولا يزال ممكنا أن نناقش- كما أفعل هنا أن التفكيك فهم 
خطا من قبل هؤلاء الذين ينظرون إليه بوصفه ضربا من حرية تأويلية يساء 

استعمالها تماماء وبوصفه مسوغا لإطلاق عنان كل أنواع الألعاب التفسيرية؛ 
إن مقال" السير الذاتية " يمثل محاولة واضحة جدا من دريدا لمعالجة 
المشاكل التى نشأت فى اعقاب ما يسمى ب "التفكيك الأمريكى". وبعبارة أخرى, 
يعد هذا المقال محاولة موجهة؛ على نحو خاص جداء إلى سؤال كيف :تترسخ 
المثاليات فى سياق تأسيسى, وكيف يمكن لمشروع ما أن يصبح كارت لعبء أو 
يستغل من أجل أغراض سياسية وثقافية مختلفة. لقد خصص دريدا هذا المقال 


'أباحث أكادمى ومترحم مصرى 


ل- 
رم 


لإلقائه فى مؤتمر أعد بمناسبة الذكرى المنوية الثانية لإعلان الاستقلال الأمريكى- 
بجامعة فيرجينياء شارلوتسيفل. وقد بدأ محاضرته بالتنازل عن أية أهلية لعنونة هذه 
الموضوعة 06مع8؛ التاريخية الخطيرة " إنه اعتذارء بمصطلحات" فعل- الكلام": 
يمثل حيلة اختارها دريدا لتكون مدخله إلى هذا الميدان البلاغى والإيديولوجى 
المعقد. لكن ما جعله يواصل الكلام أن المناسبة وثيقة الصلة بسياسات التفكيك 
ووثيقة الصلة بسؤال لماذا يمارس التفكيك هذا التاثير على النقد الأدبى الأمريكى. 
ويستطيع المرء أن يكتشف فى هذا النقد. كنوع من نص- تحتى متدفقء انشغالا 
بأسماء خاصة (على سبيل المثال؛ اسم "جاك دريدا") وانشغالا بطريقة التعلق 
بجسد الكتابة وأثره القدري على القراء والمؤولين؛ وهو أشر لا يمكن التنبؤ به أو 
إبقاؤه داخل حدود سيطرة المؤلف. 

ومع ذلك؛ يتساعل دريدا: ماذا يكون؛ على وجه الضبط؛ أو ماذا كان» الوضع 
الشرعى لهذه الوثيقة بإيماءتها الى تؤشر- تقليديا على انبثاق كينونة سياسية 
وقومية جديدة هى الولايات المتحدة الأمريكية؟ من كان هؤلاء الناطقون الرسميون 
"الوكلاء", من هؤلاء المواطنون والنواب الذين وضعوا توقيعهم على هذه الوثيقة 
الخطيرة؟ وعلى نحو أكثر دقة: ما الذى أمد توقيعاتهم بسلطة مرجعية؛ حيث من 
المفترض أن المصدر الدستورى الوحيد لهذه السلطة كان هم أنفسهم الذين كانوا 
قيد التخلق بوصفهم موقعى الوثيقة؟ وهذا السؤال يؤدى إلى سؤال أبعد عن كيف 
نشات الديمقراطية النيابية» بما أن هؤلاء الذين لعبوا دورا في لحظتها التدشينية لم 
يفوضهم. على نحو واضح وحاسم. أى جهاز قائم من القوانين أو الإجراءات. 
وليست هذه مجرد إشكاليات تافهة يحلم بها تفكيكى مراوغ بحثا عن انعطاف جديد 
يتمتع بمفارقة؛ فقد تم النقاش بتوسع في أدب القانون الدستورىء وتم تقديم 
مقترحات متعددة من أجل التهرب من النتائج المحرجة جدا التى تترتب على إثارة 
مثل هذه الإشكاليات. ويؤيد بعض منظرى فلسفة التشريع- وأشهرهم هارت 11.1.4 
+1- نسخة فلسفة أوستن عن فعل- الكلام التى تجادل بان القانون هوء اساساء 
ضرب من النطق الإنجازى عع ددىء؛)نا 20106 :210عم وأن قواعده تضطلع 
بمفعولها عن طريق العرف الضمنى الملزم مثلما الحال فى الوعود ومراسم الزواج 
وهلم جرا”'). وعندئذء سنتساعل عن ما يجعل السلطة المرجعية ملازمة؛: على آية 


14 


حال؛ لقانون ما أو لنصوص مثل الدستور الأمريكى أو إعلان الاستقلال- لم يكن 
موقعوه الأوائل؛ لحظة التوقيعء مزودينء ديمقراطياء بسلطة تؤهلهم للعب هذا 
الدور. ويعتقد هارت أن إثارة هذه الأسئلة تعتبر إساءة فهم لطبيعة اللغة الحقوقية؛ 
وهى إثارة تنطوى على تشويش لخقول الخطاب " التقريرية" 2025121106 
و"الإنجازية''24021321176عم ١‏ واخفاق فى فهم أن اللغة تدل- وتحمل معانى و 
إلزامات محددة تماما- دونما استدلال منطقى. إن سلطتهم مستمدة من الفهم نفسه 
للإحساسات والسياقات نافذة المفعول التى تحكم ممارسة إحاثة فعل- الكلام كل يوم.. 

إحدى الطرق لفهم نقطة دريدا القول بأنه يرفض هذا "الحل " الساذج 
لتناقضات القانون والتمثيل السياسى. وهكذاء يتساءل دريدا مرة أخرى: ما الذى 
أهل هؤلاء النواب الأوائل للتحدث نيابة عن شعب أمريكى وافق عليهم» شعب 
مفترض فقط بأمر إداري ؛ بما أنه لم يكن ثمة بعد دستور مكتوب يحفظ هذا الأمر؟ 
"ولهذا السبب فقد اجتمعنا نحن الممثلين للولايات المتحدة الأمريكية فى الكونجرس 
العام... نعلن باسمء وبواسطة؛ سلطة شعب الجاليات المخلص؛ نعلن» ونصرح, 
على نحو مستوف الشروط القانونية» أن هذه الجاليات المتحدة تكون: وينبغى أن 
تكونء ولايات حرة ومستقلة" (مستشهد به في السير الذاتية» ص .)١1١‏ وكما 
يلاحظ دريداء فثمة سلسلة من التأثيرات الإنجازية الفعالة في هذا الشاهد. تتضمن 
تحولا من ما "يكون " إلى ما "'ينبغي أن يكون " أساسا لمجتمع حر وعادل. ويكل 
تأكيد. يمكن للمرء أن ياخذ الكلمات بقيمتها السطحية بوصفها مشرعة بذاتها لولاء 
ديمقراطى ليبرالى. وعندنذء فلن يكون هناك مجال للتساؤل مثلا عن كيف يحدث 
التحول من حالة مفترضة للأمور (حالة ما قبل دستورية) إلى نظام سياسي جديد 
يوفر مصطلحات مشرعة لدستوريته. وها هو ذا زعم هارت الأساسى تبعا لنظرية 
فعل- الكلام بوصفها نظرية صالحة للتطبيق على فلسفة القانون: إنها نظرية تساعد 
على حل كل المشكلات التى تشار لو أن المرء فسر الخطاب الحقوقى بمصطلحات 
تقريريةع0:548)10» محضة. وكثيرا ما تناول لوستن النقطة نفسها عندما افترض 
أن إشكاليات عديدة ومهمة في الفلسفة- أشهرها تمييز الواقع/ القيمة. واستحالة 
النقاش البينى منطقيا يمكن أن تفهم بوصفها مجرد إشكاليات مساءة الفهم؛ لو 
التمس العذرء بسبب تنوع الوظائف إإنجازية 0617011320186 فى اللغة. ومن 


5 


وجهة النظر هذه يغدو إعلان الاستقلال وثيقة تستمد قوتها المهيمنة ذاتيا من 
افتراضات ضمنية عن المعنى والسياق اللذين يمكنانا من الإقرار ب "فعل- الكلام !! 
المصاغ ببراعة ("اللبق")؛ حيث يمثل التحول من "يكون" إلى "ينبغى" نقلة 
بلاغية مألوفة تماما لا تقتضي شرعيتها سوى تصديق رسمى من ذوات مصطفاة 
تلقائيا قبل أي قانون. وبالتالي ٠‏ يصبح دفع التحليل إلى ما وراء ذلك- مشلا 
بالتساؤل عن ما يجعل هؤلاء الذين وقعوا أولا على الإعلان مستحقين للسلطة مهما 
حدث- مجرد تشويش للحقول اللغوية- الحقوقية. 

سيرفض دريدا- بقوة- أننا نتصرف تبعا لهذه الفكرة الساذجة فى معظم 
الحالات العملية بدءا من الوعد أو العهد الذى يقطعه المرء على نفسه وانتهاء 
بقبول القيم المحفوظة في قانون دستورىء ولا يزال دريدا مصرا على أن هذا القبول 
يتوقف على الاخفاق في او عدم الرغبة الطبيعية في التسليم بالعنصر القاطع 
ل"اللاحسم" :0610211109 رن المصاحب لافعال - الكلام بوجه عام ."يمكن 
للمرء ان يفهم هذا الإعلان بوصفه فعلا من افعال الولاء الرنان » وبوصفه تظاهرا 
كاذبا بالفضيلة لا غنى عنه لأية قوة سياسية او عسكرية او اقتصادية ضاربة » او 
يمكن ان يفهم على نحو اكثر وضوحا واكثر اقتصادية؛ بوصفه انتشارا عسكريا 
لفضالة بج8014010؛ : وبقدر ما لهذا الاعلان من معنى وتاثير فلابد له من شاهد 
حاسم ذى شرعية "(السير الذاتية ص 4). والشاهد في هذه الحالة هو الله 01© ٠»‏ 
على اعتبار ان الاعلان يحتكم الى "قاضى العام الالى" بما انه الضمان المطلق 
ل"صحة مقاصدنا". ذلكم هو الالتجاء الى "مدلول متعال" والى قوة تضمن هذه 
التوقيعات وتمنحها قوة "الكلمة" المزودة بسلطة مرجعية تعفيها من تقلبات 
الملابسات التاريخية . ان باطنية الاصول تستبعد اسئلة الشرعية ؛ باطنية الاصول 
التى جعلت من هذه الوثيقة شيئا ما اخر ابعد من مجرد تسجيل لاحداث زمن محدد . 
ان الوضع الشرعى "التمثيلى" للموقعين لحظة ان وقعوا باسمائهم ليس سؤالا عن 
الشأن الاعظم عع0:2022م1227 571101056 ١»‏ فقد اصبح فعلهم جزءا من القضاء 
والقدر القومى الذى يديره اله غرضه ان يطيعه الموقعون على نحو مطلق . 

ان هذا التحليل يتصل -. على نحو واضح - بكل ما يكتبه دريدا عن الانحياز 
"المركز يعقلى" في الثقافة والفكر الغربيين بدءا من افلاطون وانتهاء بالعلوم 


6 


الانسانية الحديثة ؛ الا ان التحليل يضطلع بقوة تدشينية نوعية جدا - في سياق 
خطابه في شارلوتسيفل- وثيقة الصلة بمسألة سياسات ذلك التمثيل ومعرفة الذات 
في الديمقراطية الليبرالية الأمريكية التي يهتم بها دريدا كثيرا ء ذلك التقليد 
11 الذي يرتكز ‏ أو هكذا يجعلنا دريدا نعتقد . على تعام - ولو أنه بمعنى 
ماتعام ضروري ء. عن مشاكل في دستوره (المكتوب) . وبالمثل , تنشا أسنئلة 
مشابهة في قراءة دريدا لروسو . وبصفة خاصة قراءته لفقرات من "العقد 
الاجتماعي" . تلك الفقرات التي تصوغ مثاليات سياسية بلغة طبيعة وأصول ما قبل 
اجتماعيين . وما يريد دريدا أن يوضحه هو لحظة الاحتكام الفاشستي - الرجوع إلى 
قوة مطلقة ومشرعة ‏ التي تنطوي عليها كل الأساطير الخرافية عن الأصبل . مما 
يعني في النهاية التسليم بالسمة التشويشية - 12266 4500 جذر التناقض ‏ في 
الديمقراطية الليبرالية المؤسسة على الوضع الشرعي "التمثيلى" لمواطنين 
يفترضون هذا الحق: فقطء عبر ضرب من الخدعة البلاغية. إن هذا الإبهام: وبعبارة 
أخرى هذا اللاحسم بين البنية الإنجازية والبنية التقريرية شرطان ضروريان من 
أجل إنتاج تاثير تعوزه الأمانة أو مبهم بالضرورة" (ص١1).‏ ويجادل دريدا يأنهما 
شرطان أساسيان للمحافظة على أى نظام اجتماعى مؤسس على افتراض حقوق 
جمعية أو شخصية. وربما يقود هذا التحليل إلى تصويرهما (أى الإبهام واللاحسم- 
م) بوصفهما نتاجين ل"نفاق أو مواربة أو لا حسم أو خيال". وعلى الرغم من ذلك 
فانهما يظلان أساسيين لوجود متحضرء كما يسلم دريداء وليس لوجؤود" مفكك" 
50و20 بمرح لو فهم المرء- خطا- بواسطة ذلك مجرد ممارسة لتمزيق 
النصوص والإيديولوجيات. فما يكون موضع تساؤل هنا هو الفهم الأفضل للوسائل 
التى يكون بها المجتمع المتحضر محفوظا من تهديد الشك المتواصلم فى شرعية 
بنوده المؤسسة. 
إن لهذا الفهم نتائجه السياسية الواقعية جداء وربما بصفة خاصة فى السياق 
الأمريكى. حيث يحفظ الدستور المكتوب قيما ومبادئ محددة و"واضحة بذاتها ". 
افتراضاء يفسرها قضاة المحكمة العليا بطرق مختلفة مع صلاحية إسقاط قرارات 
الهيئة التشريعية الحكومية المحصنة تماماء كما أنه ضد الخلفية التى نحتاج إليها 
لتقدير أهمية قراءة دريدا التفكيكية للنتصوص السياسية. وما يرفضه دريدا فى 


77 


نسخة الإجماع المعيارى لنظرية"فعل- الكلام " تلك النسخة التى يعتمدها جون 
سيرل- هو فكرة أن المعاني يقرؤها المفسر المزود بسلطة مرجعية؛ مفسر يعرف 
تماما ما يلزم عن الفهم الصحيح. بوصفه واسطة الحق الطبيعي؛ ويتوافق هذا 
الافتراض مع وجهة نظر الخطاب الحقوقى الذى يتبناه ليجسد الحكمة:51: 13/1500 
المتراكمة التى تستقر"قوانينها" فيما يتعلق بمعظم الحالات ‏ فى شكل (تقريري) 
صريح.: سلطته حاضرة في الأعراف الضمنية المتعددة الأشكال 
والملزمة على نحو مطلق. ويسود هذا الرأى فيما بين منظري فلسفة التشريع (مثل 
هارت) الذين يؤسسون أفكلرهم على لظام البريطانى حيث كثيرا ما يتحدد بقانون 
عام مسبقاء ويتم الوصول 1 عن طريق مقارنة حالة بحالة بدلامن 
الاحتكام إلى مبادئ "واضحة بذاتها". وربما يساعدنا هذا الفرق على توضيح لماذا 
يحقق التفكيك هذا النفوذ الكبير جدا فى أمريكاء سواء على مستوى المعلقين 
المروجين له أو المعادين؛ فامتلاك دستور مكتوب تكون مبادئه عرضة لكل أنواع 
المراجعة القضائية بعيدة المدى- على سبيل المثال فيما يخص مسائل المساواة 
العرقية والحقوق المدنية والإجهاض... إلخ- يخضع الحد السياسى لأسئلة النظرية 
النصية والتفسيرية التى لا يعتد بها فى السياق الثقافى البريطانى .)١‏ 

. ويواصل دريدا ليتامل علام يكون الرهان فى الخلاف بين القراءات القانونية 
واللاقانونية للنتصوصء إن العنوان الفرعى لمقال "السير الذاتية" هو (درس نيتشه 
وسياسيو الاسم الخاص). وما يلمح إليه دريدا- هنا هو حقيقة أن التوقيعات لا تكفل 
إقرار مقاصد المؤلف "الفعلية" لهؤلاء الذين يقراون وينصبون أنفسهم ورثئة 
ومفسرين مزودين بسلطة مرجعية. وتقديم حالة نيتشه؛ بصفة خاصة:؛ مثالا مناسبا؛ 
حيث تعرضت كتاباته لسلسلة عنيفة جدا من الدعاوى والدعاوى المضسادة 
للمراجعين. ويتساءل دريدا: إلى أى مدى يمكن أن نستبعد هذه القراءات على أساس 
إساءة تفسيرها أو تحريفها لما كتبه نيتشه فعليا؟ ثمة قراءة فاضحة جدا تجند نيتشه 
بوصفه أول إيديولوجى نازىء وبوصفه مفكرا طعمت تعاليمه ععن الإنسان- الفائق» 
(أمن احل فهم نوريس لفكرة دريدا من اول المقال حين هذا الموضع ينبغى الرحوع الى نظرية اقعال الكلام عند اوسعن اولا ثم الى 
تلمبحات دريدا الرائعة في مقالة المعنون ب "(النسحة العربية ) ثم الى بعض تلميحات بول دى مان "السميولوحيا والبلاغة” (الاصل 
الانليزى )- المترحم . 


8 


ومذهبه عن "العود الأبدى", أسطورة التفوق الآرى والرايخ الثالث الأبدى. ويتقبل 
دريدا الحجج الواردة في الدفاع عن نيتشه: أن كتاباته كانت عرضة لإساءة قراءة 
فجة وغير متبصرة؛ وقد ساعدت حماسة اخته المضللة التى انتمت؛ فيما بعدء إلى 
النازية على ذلك. ولكن يظل السؤال: لماذا قدمت نصوص نيتشه نفسها لتعامل بتذك 
الطريقة؟ وهل يستطيع المؤلف أن يقدم بياتا عنء كتاباته إذا خالف تفسيرها 
المستقبلى مقصده الحالى؟ وإذا كانت هذه هى الحال؛ فما الأسس الداعية إلى الإيمان 
بتلك القيم السياسية والأخلاقية المحفوظة فى الوثائق» مثل الدستور الأمريكى: التى 
تدعى حقائق لا زمنية وواضحة بذاتها؟ إن هذه الأسئلة تنطوى على قضية تثيرها 
قراءة دريدا لنصوص التقليد 7301410 الثقافى الغربىء ثم ألا تكون ثمرة هذا 
المشروع الدريدى (كما يجادل كشير من خصومه) أن نتخلى عبن أية فكرة تخصن 
الحقيقة وعن كل وسائل الحكم الخاصة بمسالة المسئولية الأخلاقية» فى حالة مثل 
كتابات نيتشه؟ 

. يرفض دريدا تماما- هذا الاستنتاج» ويصر على أنه ليبس من قبيل 
المصادفة-أو ليس بسبب حادث تاريخى عرضى وغير متوقع تماما أن يتم تصعيد 
نصوص نيتشه؛ على نحو سيئ, في المرحلة النازية" حيث يجب أن يضع المرء أية 
عبارات تملصية من قبيل"إن نيتشه لم يفكر في ذلك " ولم يقصد ذلك " موضع 
التساؤل. لقد كيف نيتشه نفسه تماما تبعا لفكرة أن "تأملاته لم يحن وقتها". وأن 
العالم ليس مستعدا بعد لحكمته؛ وأن الأرواح المصطفاة في عصر أكثر تطورا سوف 
تدرك تماما مغزى تأملاته وحكمته. وبصرف النظر عن التنصل الواضح من أية 
مسئولية فإن هذه الفكرة تضع نيتشه بقوة في وضع إحراز سمعة حسنة جدا (أو 
لوم) بسبب ما كان معمولا به من ترائه المنذر بسوء. وحقيقة» فقد اقتضت فكرته 
عن "العود الأبدى" أن الروح 5011 القوية ستتقبل ارتدادات القضاء والقدر 
الغريبة والمفروضة مهما يكن؛ وستقرها دون أدنى شعور بهاجس أخلاقى. وعلى 
هذا النحو تستلزم كتابات نيتشه فعلياء بلجونها إلى ما يسميه دريدا "التامل 
المستقبلى النوعى 4111:1نا1 315:ء5عع 2260112415 أن تقرأ بهدف إساءة استعمالها. 
وعندنذء يصبح ضروريا أن نتساءل : " لماذا كان برنامج المبادئ الحزبى الوحيد 
الذى استطاع الاحتيال على تعاليم نيتشه هو برنامج النازية؟. " (ص 48). ليس 


79 


هناك إمكان لتبرئة نيتشه بالفصل الصارم بين مقاصد المؤلف والتأثيرات البعدية 
للكتابة؛ فكون كتاباته قد خدمت هذا الغرض الإيديولوجى فذلك إشارة كافية إلى أن 
الأمر أكثر من مجرد انطوائه على إساءة قراءة غبية وفظة لنصوص نيتشه. 
ويذكر دريدا افتراضا لافتاعن ""الآلة المبرمجة" عمأطء2 2 
1211 [ نزوحيث يتمكن المرء من أن يضع. على الأقل» حدودا للعبة 
التفسيرات الشاذة. وهى فكرة ترجع إلى استعارة دريدا الخاصة ب رؤوس القراءة 
المتعددة ول عط 8 1م1141 التى تسهدف (قياسا على رؤوس الكاسيت 
التى تسجل وتمحو فى ال1121186 4806 إلى افتراض عادة أننا نقرا تزامنيا ما 
يكون هناك أمامنا وفى الوقت نفسه نقرا السلسلة اللا متناهية من المعاني 
والإشارات الضمنية المتناصة احتمالاً ردهي أو يطمس بعضها المعنسى المباشسر 
ل"الكلمات على الصفحة”(". ويوفر لنا دريدا بعض الأمثلة الموضحة لهذه العملية 
في نصوص مثل " نواقيس" 1258© و"مواصلة الحياة'"02 ع117318 و"جلسنة 
مزدوجة'"' «وؤذوو»56 2520116 إلا أن التوكيد يتغيرء مع مقال "السير الذاتية, إلى 
فكرة مختلفة عن "الجهاز" النصى. إنه يتغير إلى ما هو أعمق في طبيعة النظام 
المنضبط؟ حيث يبرمج المرء. سلفاء بطريقة ماء إمكانات القراءة الشاذة. وهناء 
يثار سؤال عن محاولة تحديد ما يتعلق بالنص النيتشوى مما يقدم سندا لهذه 
التفسيرات المتعددة. وليس هذا معناه أن هناك احتياطيا عميقا من معاني كامنة أو 
احتمالية (ربما لاوعيه..) تقبع هناك منتظرة فقط أن ينشطها النقاش مع أنواع معينة 
من التحيز الإيديولوجى؟ بل إننا بالأحرى نفكر (كما يفترض دريدا) بلغة إساءة 
الاستعمال التقليدية» وعلى طريقة قراءة تضع يدها على حيل النص المتباينة (حيل 
السياق والمجاز والاقتصاد البنيوي) ثم تخضعها لغرضها. ولا ينطبق هذا علي 
نيتشه فقط بل على هيجل وهيدجر وآخرين كانت كتاباتهم باعثا على كل انواع 
التفسيرات المتضاربة. 
وهذا ما يحدث فى حالة نيتشه؟ فالنطق ("نفسه " يدل على الضد.ء ويتماثل 
مع معناه المعكوس ومع القلب المعكوس لذلك الذي يحاكيه). إنها مسألة حيل 
مفاهيمية موظفة للنص. مثلما في قراءة دريدا لأفلاطون وروسو وهيجل؛ حيل 
ينبغي قراءتها بانتباه يدقق في التفاصيل؟ وذلك من أجل التشكيك فيء أو تخريب», 


530 


الرصيد (المفاهيمى) المعترف بصحته. وبالفعلء ففى "محفزات ورنرمه 
)١15174(‏ يوضح دريدا كيف أن هذه القراءة ممكنة عن طريق البدء بمساءلة موقف 
نيتشه المشهور والقاسى ضد الأنوثة. فما يقوله نيتشه- ويكرره بإصرار هستيرى- 
أن المرأة مصدر كل الحمق والجنون» وهى رمز سيرانى (“يغوى الفيلسوف الذكر 
مبتعدا به عن طريقه المؤدى إلى الحقيقة. ويكتب نيتشه عن تطور المثال: " لقد 
أصبح أكثر خبثا ومكرا وإبهاما لقد أصبح أنثويا" (155امه ص 86). لكن هناك 
نوعا من المفارقة المورطة بذاتها هناء يشير إليها دريدا بسرعة: إذا كان نيتشه قند 
انشغل هو نفسه تماما بهذا التدمير "الماكر" للفلسفة فك أنظمتها ومفاهيمها 
الفخيمة والإتلاف البلاغى لمزاعمها عن الحقيقة وهو انشغال يبدو رذيلة امرأة 
غريبة الأطوارء واذا كانت المرأة بالفعل نقيضة للحقيقة ومبدأ للجنون» فإنها عندغدٌ 
تعد حليفة لنيتشه فى حملته ضد البناء النظامى العظيم الذى قام به الفلاسفة 
الذكوريون بدءا من افلاطون وانتهاء بكانط وهيجل؟ مما يعنى في النهاية أن كل 
الانتقادات العنيفة المضادة للأنوثة التى يعلنها نيتشه الساخر لها سمة ذات حدين 
مما يجعلها تنقلب دائما ضد قصد نيتشه المعلن. وبمفردات دريداء فثمة "'عمى 
منتظم ومتواتر في النص يسنم هذه المواضع حيثما ينفذ المعنى (بواسطة قوى 
النص التى تثير التشويش -م) ليعبر عن هذا العمى أو يمسك به. "على نحو واع. * 
وهكذاء تصبح المرأة هدفا لاحتقار نيتشه الكاره للنساء كما تصبح صورة 
رمزية بهذا المنطق الغريب للقلب- تؤدى به إلى مخاصمة سلطة العقل العلياء على 
حد سواء. ولأن المرأة مرتبطة فى كل موضع عنده بتيمات المجاز و لأسلوب 
والكتابة فإن هذه الحيل يعممها نيتشه ضد مزاعم الفلسفة السائدة عن الحقيقة». 
وبذلك يستثمر الارتياب القديم فى اللغة الشعرية" أو الرمزية؟ وهو ارتياب يعاملها 
بوصفها مجرد انحراف عن القاعدة وبوصفها حرية يساء استعمالهاء لااموضع لهاء 
في خطاب العقل "الوقور.. أو الموضوعى أو الباحث عن الحقيقة. وهكذاء يشرع 
نيتشه (مثل دريدا) في الكشف عن بعض الحيل التى تحمى الفلسفة من اختبار 


(السيرانة: واحدة من ججموعة كائنات أسطورية (عند الإغريق) ها رؤس نسوة وأحساد طيور: كانت تسحر الملاحون بغنائها 


فتوردهم موإرد الخلاك- المترحم. 


51 


رموزها ومجازاتها التاسيسية. إنه شروع بدأ به دريدا جداله- أو على الأقل عند 
مرحلة أولى من جداله- في - الميثولوجيا البيضاء. فمنذ أرسطوء حتى الآن؛ يسعى 
الفلاسفة إلى تعريف المجاز :10م 72:62 وفقا لمصطلحاتهم, بوصفه صورة تتضح 
اشتغالاتها دائما بإحالة بعضها إلى البعض وبوصفه نوعا من اللغة ذات امتياز 
وموشوق بها إبستيمولوجيا حيث تعرف الفلسفة المجاز بوصفه فقدا مشروطا 
للمعنى واقتصادا للخاص «,عم0,م دون تلف يتعذر ترميمه؛» وبوصفه انعطافا يتعذر 
اجتنابه» وأيضا بوصفه تاريخا تحث معالمه على إعادة الاستحواذ الدائرية على 
المعنى الحرفى 116221 عبر أفق المعنى الخاص " (هوامش! الفلسفة. ص .)57١‏ 
إن ما يفعله نيتشه هو دفع هذا النقد إلى موضع يبدو معه أى تمييز بين 
المفهوم 14معع02» والمجاز :110م2:643 مجرد نوع من التخييل يهدف إلى أن 
تعمل الفلسفة وفقا له. 


وعندما ربط نيتشه المجاز بالمرأة على هذا النحو- وربطه بكل شئ يخدع أو 
يغوى أو يفسد هيمنة المفاهيم الفلسفية- فإن تاكيداته تلك نادرا ما تم تناولها فى 
مواجهة القيمةع17811. ويجادل دريدا بأنه ليس كافيا أن نقلب حدي التعارض 
الأساسى فحسب ونعلن أن المجاز سيمثل؛ من الآن فصاعداء حقيقة الفلسفة؛ أو أنه 
اسم أنثوي لمبدأ ما متعالي "فيما وراء" استراتيجيات العقل الذكورى المختزلة. 
وعند هذا المستوى من نص نيتشه يظهر اللاحسم 11)7زط06102دن بين كل 
الاقتراضات المتعلقة بالمجاز والمرأة.. "فمن المستحيل أن نفصل أسنلة الفن 
والأسلوب والحقيقة عن سؤال المرأة وعلى الرغم من ذلك فإن السؤال "ماذا تكون 
المرأة؟" هو نفسه مرجأ بواسطة الصيغة البسيطة لإشكاليتها العامة... مؤكد أن 
المرأة ليست موجودة في أية أشكال مألوفة من المفهوم أو المعرفة؛ إضافة إلى أنه 
من المستحيل أن نقاوم رغبه البحث عنها"'(5:دامة ص١١).‏ ومن تم يزعم دريدا- 
قد يفكر المرء "على نحو مشاكس ". نتيجة تأويل ضيق- أن نيتشه لمم يكن 
متضاربا فقط فى موقفه تجاه المرأة بل يمكن أيضا أن يقرأ بوصفه مقاوما نسويا 
خفيا لكل تجاوز أو إعلاء لسؤال الاختلاف الجنسي. وعندما يصف هيدجر نيتشه- 
مثلا- بأنه ٠"‏ آخر الميتافيزيقيين " فإنه لم يكن قادرا على التفكير فى "الاختلاف 
الأنطولوجى" وأولية الوجود اللذين يتخاصمان,» فى النهاية» مع هذا التقليد؟ كما 


52 


تتجاهل حجج هيدجرء على حد سواءء طاقات أسلوب نيتشه وتلميحاته الفاضحة عن 
الاختلاف الجنسي اللذين يفلتان من المقولات التأويلية لدى هيدجر”). ولذلك تعد 
قراءة هيدجر مجرد "تفاهات لا قيمة لها » نظرا لأنه يبحث عن حقيقة نص نيتشه 
بطريقة لا تبالى بقوى النص التى تثير التشويش. 

وعلى هذا النحو المشار إليه فإن سؤال المرأة "ليس بأية حال سوالاً خاصا 
بمنطقة من مناطق الجسم فى نظام أكبر سيخضعه أولا لحقل الأنطولوجيا الشاملة» 
ثم لميدان الأنطولوجيا الجوهرية: وفى النهاية لسؤال حقيقة الوجود نفسه (5:نامه 
ص ؟5١٠).‏ ذلك كان مشروع هيدجر من أجل "هرمنيوطيقا وجودية". أصيلة. 
عندما فكر فى الرجوع إلى ما وراء هذا الانحراف الفاجع عن الحقيقة الموثوق بهاء 
ذلك الانحراف الذى يسم تاريخ الفكر "الميتافيزيقى" من أفلاطون إلى اليوم 
الحاضر. وما يجعل هيدجر يبقي على هذه القراءة لنيتشه- حيث يعامله فقط بوصفه 
مبشرا محدود الأثر فى المشروع التاويلى- إصراره على التعامى عن أسئلة 
الأسلوب والسياسات الجنسية. فكل ما يلصقه نيتشه بالمرأة- "تحفظها المغوى 
ووعدها الفاتن الذى يتعذر تحقيقه والحاجب دوما لتعاليها المشير" ‏ يشير إلى 
اضطرار هيدجر أن يتجاهل كل ذلك من أجل مصلحة موقفه الهرمنيوطيقى المحدد. 
وفى نهاية تفسيره مجال للتلاعب بأسلوب وبلاغة الاختلاف الجنسي مما يربك تماما 
المشروع الهيدجرى. " وهناء وبطريقة تشبه طريقة الكتابة؛ تظهر المرأة؛ بثقة 
واطمئنان» مواهب قوتها المغوية التى تسيطر بها على الدوجمائية» فتضل وتوجه 
هؤلاء الرجال السذج- الفلاسفة" (ونامو ص50). 

وهكذاء فثمة نسخ عديدة من قراءة نيتشه لاتحوز إحداها أى ادعاء مطلق 
بتوضيح "حقيقة" نصه؟ بل كلها- وهذه نقطة دريدا- ممكنة عن طريق شئ ما في 
منطق كتابته أو في سياقها أو في حيلها البنيوية. ولم تكن إساءة الاستعمال النازية 
للتيمات النيتشوية مجرد مصادفة تاريخية وحادثة عرضية مجهزة ومكتوبة سلفا. 
ويعتقد دريدا أن هذه "التبسيطات المخلة الشائعة" تخضع لقانونٌ محدد يمكن 
ملاحظة تاثيراته؛ على أحسن وجه: في البرامج الإيديولوجية المتعددة التى.تؤوسس 
نفسها باسم نيتشه. فمن الخطا أن نفترض أن معنى الكتابات "خالد" (كتابات بخط 
اليد دائمة 22226512 142م5221) ٠‏ أن معناها قابع هناك ينتظر الفحصص في حالات 


53 


الشك؛ وأن معناها محفوظ من عصر إلى عصر بواسطة جماعة المفسرين المزودين 
بسلطة مرجعية ذاتية؟ مثلما الحال مع نيتشه أو مع نص مثل "لعقد الاجتماعى" 
لروسوء أو مع وثيقة ذات مغزى زمنى مثل إعلان الاستقلال الأمريكى . فهناك دانما 
إمكان لقراءة جذرية جديدة تغير تماما- إلى الأحسن أو إلى الأسوأا الطريقة التى 
تتماس بها هذه الكتابات مع ممارساتنا إلاجتماعية والسياسية. وليس ذلك إذنآ 
بالمرح النسبى في القراءة؛ وليس إذنا لكل أحد بعمل مقاربة حرة دون تقييدات على 
"اللعب الحر"- 2123 -7266 الذى يقوم به الخطاب التفسيرى. فمازال ممكنا أن 
نعى وأن نفكك الأشكال المتنوعة من إساءة القراءة المغرضة التى تجمل المزاعم 
الإيديولوجية عن القوة. 

يبين دريدا فى مقالة من مقالاته عن هيجل ("من الاقتصاد المقيد إلى 
الاقتصاد العام", فى كتاب "الكتابة والاختلاف") كيف أن هذه التفسيرات المختلفة 
يمكن أن تقبض على عناصر معينة فى النص وتنميها باتجاه غايات متباعدة جذريا. 
ويطال هذا الدرس , فى مقال "السير الذاتية", المفكرين ما بعد الهيجليين الذين 
يرثون كلأ من قوى العقل الديالكتيكى وسقطاته اللامبنية. ويكتب دريدا أنه ليس 
بالمصادفة » بل بنوع من "القضاء والقدر البنيوى": أن يحدث هذا الخلاف فى 
القراءات بخصوص اسم هيجل أو نيتشه أو هيدجر؟ مما يعنى أنه ليس ثمة قراءة 
بريئة إيديولوجيا بل إن كل القراءات تتحمل مسنولية التأثيرات- الأخلاقية أو 
السوسيو سياسية- التى تعقبها. إن المخاطرة بوضع اسم المرء على هذه الكتابات 
ليس نوعا من المخاطرة التى تعفي الموقع من تقديم تبرير لما قد كتب؛ بل هى؛ 
بالأحرى» مخاطرة من النوع الذى تناوله فرويد» على سبيل المثال؛ عندما استهل 
الخطة التحليلينفسية بوصفها مشروعا وسم منذ البدء بالنزاعات والخلافات 
والصراعات من أجل بسط النفوذ على متن النصوص التي حفرت اسمه والتى لم 
تصل به إلى حالة القانون الأبوى الخاص بأصول وحضور مطلقين. يصف دريدا في 
مقال الدخول إلى خاصة المرع" 085 0865 1840 ع«1ؤد0ع النتيجة اللافتنة 
للتأثيرات البعدية؛ ويؤجل التكرارات التى تشكل حادثة واحدة في هذا التاريخ) . 
وهى حادثة ذات علاقة بتثمير فرويد في انتظام معين من الفكر التأملي » وذإت 
علاقة بما يمس حياة عابلته وعلاقاته بأطفاله وأحفاده؛ وذات علاقبة بمستقبل 


04 


الحركة التحليلينفسية» وذات علاقة برغبة فرويد في المناورة بهذا المستقبل عبر 
ضروب مختلفة من ١‏ لاستراتيجية الوقائية. ونقطة دريداء ببساطة» هى أن الربط 
ممكن بين هذه المظاهر المتنوعة لتاريخ الحالة ©36ء الفرويدية " ومايكوت 
موضع تساول هو المغامرة" التاملية" بكلا مستوييها: المشروع النظرى الذى 
ينطوى على المخاطرة باسم المرء؛ اسم كل من فرويد رب الأسرة الغيور وفرويند 
مخترع التحليل النفسى؛ ويرتيط هذان البعدان المركبان فى الطابع السردي لنص 
"ماوراء مبدأ اللذة". فلا هو تاريخ من ناحية ولا هو "سيرة ذاتية" من ناحية 
أخرى. 

إن نصوص دريدا المختلفة عن فرويد تقتفى- مثل قراءاته المتعددة لنيتشسه- 
أثر هذا النموذج من المغامرة الإبدالية ومحاولات السيادة التأويلية؛ فقضية دريدا 
فى فرويد ومشهد الكتابة هى سلسلة الأشكال الكتابية والمجازات التى يلجأ إليها 
فرويد فى الاقتصاد الذى يصف الدوافع والرغبات النفسية') . لم يتخل فرويد كلية» 
عن فكرة أن نظرية التحليل النفسي قد تصالح؛ ذات يوم؛ نوعا من العلم التطبيقي» 
وأن المظاهر الهيرمنيوطيقية للتفسير قد تفسح.؛ فى النهاية؛ مجالا للحساب 
العصابيفسيولوجي الخاص بالعقل واتشغالاته. وتؤدى مساعيه فى هذا الاتجأه (ومن 
أشهرها مشروع من أجلى سيكولوجيا علمية؛ الذى لم يكتمل) إلى تصوير العقل 
بوصفه مجالاً من طاقات وقوى متنافسة تصفهاء على أحسن وجه. مصطلحات 
ميكانيكية؟ ولكن لأن هذا المشروع غير عملى تماما فإن فرويد يلجا إلى مخططه 
البديل: مخطط الحقل اللاواعى بوصفه نوعا من نص مكتوب دون الوعى؛ وبوصفه 
عملية تؤخذ تأثيراتها بعين الاعتبار فقط عن طريق المجازات المتحققة والمنتشرة 
في الكتابة. تلك كانت فكرة فرويد- وإن كانت نزوة عرضية- عندما شبه العقل 
اللاواعى؟. بسطح لبادة ذات كتابة مطمورة 290 7810108 149:51 وتلك حيلة 
بلاغية تنطوى على قلم ولوح شمعي يحفظ النقوش (لو جاز التعبير) بشكل مستتر 
أو غير منظور لفترة طويلة بعد محوها من على سطحه. وبمناورة جدلية نموذجية» 
يزعم دريدا أن استخدام هذه الصورة البلاغة بعيد عن كونه مجرد لعبة مرحة داعال 
4 من جانب فرريد. حيث تقدم هذه الصورة, إذا جاز التعبير؛ تقريره 
الموحى جدا والمكتوب بحذر عن العقل اللاواعى بوصفه نوعا من "آلة كتابة" 


55 


ع دأطء742 عم" لاولن يتنازل فرويد آبدأ عما يسميه دريدا خرافته الأعصابية 
1ط" اق زع010:ناء[8 وعن نسخته العلمية المخطوطة الخاصة بالتحليل النفسى 
التى ستضع نهاية لتلك الأنماط والمجاز ات التأملية» إلا أن هذه النسخة المخطوطة 
لن تكتمل أبداء وستبرز إخفاقاتها بالرجوع إلى تصور جراماتولوجى مختلف. 
ويفترض دريداء في هذه الحالة» أن السؤال الوثيق الصلة بالموضوع ليس ما إذا 
كانت النفسء بالفعل» " نوعا من نص ؟ بل يكون السؤال الأكثر جذرية: ماذا يكون 
نص ماء وما يجب أن تكونه النفس لو أن نصا ما يمثلها؟ " (الكتابة وإلاختلاف ص 
0), 


بنهاية هذا المقال يبين دريدا كيف أن كليات الوجود هى مجازات كتابة عند 
فرويدء ويبين كيف أن الدور الحاسم الذى تلعبه تلك المجازات فى تقريراته العديدة 
عن النشاط اللاواعى واضح فى اللغة والحلم. وتلك هى الكتابة بوصفها كتابة أصلية 
]41161 كتابة تتجاوز التعارض الكلاسيكي بين الكلام الحاضر بذاته 
ومجرد العلامات المكتوبة. ومادفع فرويد إلى اعتقاده هذا عند المستوى اللاواعى 
وما شابهه- هو ضرورة أسبقية الكتابة على الكلام» والاقتصاد النفسى الذى يمكن 
أن يشرح. فقطء بواسطة | لآثار وعع772 والاختلافات 7141:8665 والنقوش 
صونام نم وم1 والإشارات اللاواعية 22:15 [2دذأددزامنه وهلم جرا. إن فرويد 
يصف النظام النفسىء كما يكتب دريداء "' مستخدما وحدات كتابة لازالت تبدأء بدلا 
من لغويات مهيمنة بواسطة نزعة فونولوجية قديمة؛ تلك التى يراها التحليل النفسى 
دخيلة بقضاء وقدر" (ص .)22١‏ وذلك لأن فرويد يفكرء آخر الأمرء فى العقل 
اللاواعى بمصطلحات اختلافية» يفكر فيه بوصفه اسما لكل ما يهرب. ويروغ من 
ويشوشء. منطق الفكر اليقظ والحاضر بذاته. وينطوي هذا التفكير علي أنتقالة 
"ربما ليست معروفة للفلسفة الكلاسيكية"؟ ذلك التقليد- من أفلاطون إلى من بعده- 
الذى يحافظ؛ بكل معنى الكلمة؛ على السلطة المرجعية العليا للعقل المركزيصوتى 
بالإصرار على وسم ما هو مكتوب بأنه إكمالى وشانوى. وإذا كان الإنجاز العظيم 
لفرويد- ثورته الكوبرنيكية هو قلب نظام الأسبقية المعترف به بين الوعى 
واللاوعى فإنه يفعل ذلك؛ فقط؛ باللجوء المستمر إلى مجازات كتابية معممة وبدون 
ذلك لكان غير قادر على الوصول إلى أى تقرير عملى عن الرغبة والوعى والإدراك 


56 


وطريقة كل منها فى الاحتفاظ باقتصاد (فرويدى على نحو مميز) يخص النشاطات 
النفسية. 
الأكثر أهمية هنا هو السمة "الاختلافية للكتابة» وقوتها فى كبح أو تأجيل أو 
حفظ (فى شكل مستتر) ما يكون مفقودا بطريقة ما أو مستنفدا فى لحظة الإدراك 
الفوري وإذا كانت لحظة الإدراك الفورى عارضة فعندئذ ستسقط خارج أية وسائل 
تفسير ممكنة أو أية كتابة أو نظرية مهما كانت. لكنء كما يقول دريدا: "الإدراك 
الخالص لا يوجد: نحن مكتوبون فقط بقدر ما نكتب, وبواسطة قوة بداخلنا تبقى 
حارسا دائما على الإدراك.." (الكتابة والاختلاف ص .)١١٠١‏ وهذه القوة هى قوة 
الكبت والرقابة المتولدة عن هذين الميكانيزمين اللذين وصفهما فرويد فى كتاباته 
عن طوبولوجيا العقل»ء إنها قوة تعمل داخل النفس المستقرة وخارجها على حد 
سواءء بوصفها ولا نظاما للمراجعات والتصديقات ذات الصفة الذاتية يقوم بها 
الأنا الأعلى وبوصفها- ثانيا قذفا للرغبات نفسها غير المتحققة إلى الحياة الدفينة, 
هناك دائما هذه الحاجة عند فرويد- فى "تفسير الأحلام": وفى الأفكار الكنيبة عن 
الحضارة ومنغصاتها- إلى مفهمة العقل اللاواعى عبر المجازات والقياسات التمثيلية 
المؤسسة على الكتابة" ف "ذات الكتابة [ الذات التى تكتب] نظام من العلاقات بين 
طبقات 542248 باطنية السطح والنفس والمجتمع والعالم" (ص 'اء ص 5؟١).‏ 
ومرة أخرى: "ليس مصادفة أن مجاز الرقابة رذط6250:25© جاء من مجال 
السياسات المتعلقة بشطبات وفراغات وخداعات الكتابة... وترجع الخارجية 
الواضحة للرقابة السياسية إلى الرقابة الأساسية التى يتعهد بها الكاتب نفسه 
بخصوص كتابته"'(ص .)52١‏ وبالتالى فإن النقطة التى تربط التحليل النفسى بشكل 
معين من النقد الإيديولوجى هى أيضا نقطة تثميره القصوى فى كل مجازات الكتابة 
والتمثيل 265611436101:مءج1. وهناء ثمة إجابة للرد على خصوم التفكيك 
(الماركسيين فى المقام الأول) الذيمن يستنكرون التفكيك بوضفه هاجسا 
2510 نصيا ولامبالاة بالوقائع السياسية. وكما مع نيتشه؛ وكذلك مع 
فرويد كما يقرأه دريدا: ليس هناك سؤال عن مملكة إثباتية وخادعة فى نصية " 
نقية" تقبع وراء ادعاءات الخياة السياسية أو الأخلاقية: ومناقشة أن هذه 
المسائل- كما يفعل دريدا ‏ تنشأ في » وعبرء إشكاليات الكتابة ليس معناه رفض ان 


57 


الكتابة تضطلع بالتاثير البعدى فى مجالات الحياة العملية. 

وتتناول مقالة "الدخول إلى خاصة المرء" هذه التأثيرات البعدية المتعلقة 
بالحياة والناس فى النص الفرويدى. إنها تتساءلء أولأء عما يحقق العلاقة بين 
تأسيس فرع من فروع العلم (التحليل النفسى) والأحداث المختلفة ٠‏ تتساعل عن 
العلاقة بين الشخصى والغيرىء مما يشكل تاريخ التحليل النفسى اللاحق. وربما 
يكون فرويد قد مضى إلى هذه الحدود ليؤكد رهانه الشخصى فى المشروع- الذى 
كثيرا ما سعى فرويد إلى أن يمسك اسمه ذا السلطة المرجعية عن مدارس واتجاهات 
منحرفة فيه- وهو رهان يصبح علامة على أن التحليل النفسى كان ثمرة نزوة 
استحواذية لدى رجل واحد ٠‏ نزوة ليس لها حق المطالبة بمنزلة "علمية" أصيلة؛ 
وعلى نحو كلاسيكىء فإن "تأسيس علم ما سيكون قادرا على الاستغناء عن اسبم 
فرويد العانلى؛ أو قادراء على الأقل؛ على نسيان اسم الوضع الاجتماعى الضرورى» 
والدليل أن العلم نفسه انحدار وتوريث (الدخول إلى خاصة المرء ص ”7 .)١4‏ وعلى 
العكس فقد كان انحدار وتوريث الحكمة الفرويدية عملا محفوفا بمنافسات خاصة 
وعامة؛ كما أن هذه الحكمة نفسها عبارة عن سلسلة من محاضر جلسات هى نفسها 
غير خاضعة للتحليل بمصطلحات فرويدية؛ وتسلط قنراءة دريدا الضوء على فقرة 
معروفة جدا من كتاب "ما وراء مبدأ اللذة", يصف فيها فرويد كيف أن حفيده يلهو 
بقذف بكرة موصولة بخيط؟ حيث يقذفها بعيدا عن سريره شم يستردها في لذة 
وارتياح واضحين7) والأصوات التى يتفوه بها أثناء هذه اللعبة يفسرها فرويد على 
أنهاجه0-::م6 (الذاهب... هناك)؛ ويفترض أن هناك احتياجا لازما عند حفيده إلى 
إعادة تمثيل صدمة غياب الأم الدورى لكى يطمئن نفسه أن الأم؛ مثل البكرة» 
سترجع دانما في النهاية. ويقدم فرويد هذه الفرضية في سياق تأملاته؛ بعيدة المدى 
نوعا ماء الخاصة بالتوازن بين دوافع البحث عن اللذة ودوافع نكران الذات في 
النفس البشرية؛ وغريزة الموت وميل الحضارة المتزايد إلى أشكال قامعة مسن 
التحكم المؤسسى. إن فرويدء بإطلاقه العنان لأفكاره التاملية» يتورط - كما يقرأه 
دريدا- في النوع نفسه من المغامرة المحسوبة التى يستهلها حفيده بلعبة فورت- دا. 
وبعبارة أخرى؛ يعجل فرويد بنمو فرضية مشيرة؟ فرضية تتجاوز أية "وقائع 
للحالة" ممكنة؛ لكنها لاتزال تسعى إلى التأكيد بإيماءة أو حركة استعادية معينة. 


58 


ومثل إرنست الصغيرء يريد فرويد أن يغامر على أرضية خطرة, أرضية تجربة فقد 
السيطرة المؤقتء طالما أنه يستطيع استخدام نفوذه بطريقة سرية ويستعيد قوى 
سيطرته النظرية. 1 

إن هذا النموذج متكرر فى تعقد الصلات التى تطال عائلة فرويد وزملائه 
وأتباعه الكثشيرين (الأشد أو الأقل أرثوذكسية). فمن ناحية أولىء يريد فرويد أن 
يمارس قوة أبوية باستخدامه لاسم هو اسمه فقط ليبقى على التحليل النفسى فى 
حيازة كلمة مزودة بسلطة مرجعية. ومن ناحية ثانية» يخضغ فرويد لمغامرة هذا 
الاسم فى كل أنواع المشروع التأملى؛ء وبعضها يتركه رهين الحظ على يد المفسرين 
المزودين بسلطة مرجعية. 

ومبدأ اللذة هو نقطة انطلاق رحلة فرويد فى بحور عجيبة من الفكر التى 
يكمن وراء أى شئ مرسوم بتفصيل فى تقريراته المتعددة عن العقل اللاواعسى 
واقتصاده الليبيدى ويحيط مبدأ اللذة بفرويد فى لعبة التكرارات غير الحذرة الى 
تبدو معها الرغبة غريزة السعى إلى اللذة ومطلبا مباشرا للإشباع؛» كما تبدو مجدلة 
على نحو غريب بالموت ونكرات الذات وكل شئ يعيق مطلب الإشباع. وحتى هناء 
تشير قراءة دريدا إلى الاعتماد على مصادر اوتوبيوجرافية": يبخصوص واقعة 
مرض فرويد الأخيرة التى سبقت تخطيط "مراجعة هذا المقال» وبخصوص موت 
ابنته المفضلة صوفيا أم حفيده إرنست: وبخصوص مشاعره المتضاربة تجاه والد 
إرنست؛ صهر فرويد وزوج ابنته صوفيا؟ الذى دخل معه فرويد في صراع غيور 
من أجل "أمتلاك نعل" ابنتة الميتة. ومرة أخرىء هناك كارثة حفيده الآخر هينرل؛ 
شقيق إرنست الأصغرء الذى مات بعد عملية جراحية» وفى الوقت نفسه تقريبا عانى 
فرويد من عملية جراحية بسبب حالته الصحية المتدنية» وبموت؛ هينرل - وهو 
رسالة دالة إلى حد بعيد رأى فرويد النهاية التنبونية لكل ذريته؛ وأيضا وصل إلى 
سبب لا مبالاته الرواقية- التى يسميها الناس بسالة- تجاه حقيقة موتة الوشيك. 
وهذه الآلام المتكررة في المجال الخاص كانت تسلط الضوء على شك فرويد 
المتنامى فيما يتعلق بالقوة التى يحوزها للإبقاء على التحليل النفسى في العائلة” 
ممايحول دون أن يتلاعب به المفسرون المنقحون من خارج دائرته المسزودة 
بسلطة مرجعية. ومن ثم اتجه فرويد إلى مارى بونابرت؛ ممثلة "القرابة القديصسة" 


89 


الموثوق بهاء وقد صرح فرويد بإخلاصها غير مرة من قبل (7). وقد كانت الوسائل 
الوحيدة, لتفادى هذه التهديدات الواقعة على سلطته؛ تقليده سلطة مرجعية فى 
مستقبل التحليل النفسى الذى يدخل فى اعتباره النفقة المميتة101)21/ 

0ع م<2 "وراء مبدأ اللذة". ويجادل فى دريدا بأننا لن نستطيع؛ فسى 
النهاية» رسم حد بين النظريات المقدمة فى هذا النص وبين تعققد الموتيفات 
الأوتوبيوجرافية التى تسهم فى كتابته. ففى كل تفصيلة سنرى الوضع الفائق 
للوصف التالى ل 70:4/49 (فيما يخص حفيد أسرة فرويد) مع وصف اللعبة 
التاملى: الوصف نفسه يكرره الخد في كتابة" ما وراء مبدا اللذة"(الدخول إلى 
خاصة المرء ص40 .)١‏ 


إن هذا المقال لدريدا يسلط الضوء على إساءتي فهم شائعتين جدا عما يقوم 
به "التفكيك". من قراءة مغلقة للنصوص. فليس التفكيك ضربا من نظرية تعليلية 
حديدية تختزل؛» على نحو مطلق. الكتابة كلها إلى إعادة لبعض التيماث 
المركزيعقلية" أو إلى تيمات تسبب الإرباك بذاتها شم يسلط التفكيك عليها الضوء 
بنجاعة" بل هو على العكس مشروع تأملى؛ مثل مشروع فرويدء ينطوى على كل 
المغامرات التى تنتج حتما عن فرضيات متقدمة وأبعد كثيرا عن حدود التعليل الآأمن. 
وليس التفكيك معارضا بعناد لاستخدام دليل معمء010» بيوجوافى في تعزيز 
تاريخ حالة ماء تستلزم قراءتها نوعا من مصدر مصادى "إكمالى" . وعلى خلاف 
النقاد الجدد الأمريكيين يرفض دريدا أى تقسيم ع1112ع©:02 خارج الحقول اللغوية 
المنفصلة؛ تقسيمات تجعل الشعر(علىسبيل المثال) يمتع بوضع أنطولوجى ذى 
امتياز معين؛ لاتشوشه أية أنواع أخرى من الكتابة (التاريخ؛ والبيوجرافيا... إلخ) 
التى يتتبعها- خطا- المفسرون من أجل" دليل" يدعم هذه القراءة أو تلك. وهذه 
التحريمات الأرسثوذكسية هى نفسها ضرب من التفكير المركزيعقلىء وهو تفكير 
يسعى إلى إقرار قيمة رفيعة للغة الشعرية من خلال بلاغة الأشكال (الغموض؛ 
المفارقة: السخرية... إلخ)» وهى أشكال تشير في النهاية إلى حضور مطلق وسلطة 
مرجعية منوطة بعقل الشعرو)0م 01 10805 نفسه (8). إن مقال " الدخول إلى 
خاصة المرء" قراءة تناصية تماماء قراءة تعتمد على حوادث عرضية كثيرة من 
الحياة كى تفسر أو توضح أو تلقى ضوءا على العمل إلا أنها تفعل ذلك بواسطة 


90 


تفكيك هذه المقؤلات, رافضة التسليم باى تمييز بين الحياة و العمل " من ناحية: 
ومن ناحية أخرى بين الفاعليات المتعددة التى تخص النظرية والتأمل والحدس 
البيوجرأفى " ذلك التمييز الذى ينشغل به فرويد و نقاده وشراحه المعاصرون على 
حد سواءع. 1 

إن التحليل النفسى هو هذه الأمور معا : إنه اسم للتراث وللارشيف النصىء 
وقراءته كما كانت النسبة إلى فرويد نفسه- عرضة لادعاءات المنهج "العلمى" 
المتنافسة والمختلفة» وعرضة لطريقة المقاربة الهومنيوطيقية بشكل واسعء وكلا 
المشروعين متضمنان فى خطة فرويد الكبيرة ليؤكد نظريته الخاصة بوصفه 
مؤسسا لحركة الأرثوذكسية وسرمدية بذاتها. ذلك ما يسميه الجد "لعبة" عندما 
تكون كل الخيوط حاضرة معا وممسوكة فى يد واحدة؛ مع والدين لا يحتاجان إلى 
كونهما عاملين ولا إلى كونهما لاعبين (الدخول إلى خاصة المرء ص5١١).‏ لكن 
هذا يعد تجاهلأ لطابع تأملات فرويد المتسمة بالإفراط وتجاهلا لانشغاله بتاريخ 
العائلة وعلاقات القرابة الواسعة (التاسيسية) والمنافسات التى لاتعلن بوضوح عن 
ضرورة قراءة نصوصه المزودة بسلطة مرجعية. ؛. ويتساعل دريدا: لمن تكون هذه 
الفورت- دا المتكررة لانهانياء لمن تكون هذه الحركة التأملية التى تسم استهلال 
التحليل النفسي المحتوم والتى تخاطر بفقد السيطرة على مستقبل المشروع الكامل 
المحفوف بالمخاطر؟ هل لإرنست؟ أم لأم إرنست المرتبطة بجده فى قراءة فورت- 
دا؟ أم لأبي التحليل النفسى؟ أم لمؤلف" ما وراء مبدأ اللذة"؟ لكن كيف تقوم 
بمقاربة فرويد دون تحليل لكل أطياف هؤلاء الآخرين؟ (ص .)1١1‏ وعلى هذا 
النحو الحاسم ترتبط هذه اللعبة ببنية كاملة ومعقدة فى جدل فرويد بطريقة يصبح 
من المستحيل معها تقرير إلى أى مدى ترتبط هذه البنية بتاريخ حالتنه "الخاص" 
وإلى أى مدى ترتبط بتاريخ التحليل النفسى بوصفه علما وحركة وميراثا مسن 
المفاهيم. ففى كتابته.. هناك على الأقل ثلاث قوى أو تشخصات ل "الذات" نفسها: 
السارد- المتأمل: والملاحظ؛ والجد"(ص58١١).‏ 

وليس هذا معناه أن نتفق مع نقاد التحليل النفسى العنيدين الذين يرفضون 
مزاعمه عن الحقيقة على أساس أن كل "دليل" أدلى به فرويد هو نتاج لأى هاجس 
من هواجسه 005655100 أو لأى من هواجسه التى تتمتع بامتياز فيما بين مرضاه 


91 


وزملائه وضحايا الحصر النفسى المراهن عليهم فى مجتمع فيينا أواخر القرن 
التاسع عشر" بل إن قراءة دريدا بالأحرى اتجاه نحو طريق مختلف تماما للعلاقة 
المتصورة بين المعرفة والخبرة؛ طريق يسائل هذه المحاولات الفجة التى تشوه 
"مجرد" الأتوبيوجرافية. والحقيقة أن مؤلفا يكتب تفاصيل معينة عن تاريخ حياته 
فى نص "علمى" معترف به ليس سببا لاستنتاج أن الوثيقة موضع الفحص بلا 
قيمة حقيقية» ويلا قيمة بوصفها علما أو بوصفها فلسفة". وعلى العكسء ربما 
تكمن قيمتهاء على وجه الضبطء فى قدرتها على إرجاء هذا التعارض الخادع 
وتدشين قراءة يقظة لمواضع المبادلة العديدة ولمواضع الشطب والتشويش 
التناصيين؛ بين الحياة 11 والعمل غ01 إن هذا النص سيريذاتى -11140© 
11 طمة«عوزط لكن بطريقة مختلفة تماما عما كان سائدا..؛ إنه مجال ينكشفء. 
تكون كتابة الذات فيه شرطا ضروريا لوئاقة الصلة ولكفاءة نص ماء وشرطا 
ضروريا لقيمته فيما وراء ما يسمى بالذاتية الإمبريقية... وفكرة قيمة الحقيقة غير 
مؤهلة؛ بكل ما فى الكلمة من معنىء لتعيين هذه الكفاءة" (ص .)١75‏ إن" ما 
وراء مبدأ اللذة" يحبط ه065 هذه القراءات المختزلة؛ لأنه يضع مزاعمه عن 
. الحقيقة موضع المخاطرة بلعبة يوفر لها حفيد فرويد نموذجا تأمليا. وتشمل هذه 
المخاطرة مستقبل التحليل النفسى وهيمئة فرويد بوصفه الأب المؤسسء. كما تشمل 
وضع النظريات التفسيرية بوجه عام. تلك النظريات التى ترحل فى بلأغة تأملينة 
وتخلى مكانها ‏ فى حالات معينة لربحيات 010106805 ضخمة ولاتضمن أآية 
عودة آمنة من أجل تثمير أصلي "أين تكون الحقيقة عندما نتحدث عن تعقيد فورت 
- داء ينشأ منها كل شئ حتى مفهوم الحقيقة ؟ (ص .)١4١‏ 

فوكوه وديكارت و"أزمة العقل " 

فى كتابات دريدا عن نيتشه وفرويد يستطيع المرء أن يتتبع نموذجا 
مشابها من الأوليات المتغيرة والنتيجة هى تخفيف ؛ و ليس التنازل عن تأكيد 
دريدا على لا حسم الكتابة وحيقية أنه ليس هناك خارج للنص وأيضا التاكيد على 
عدم اللجوء المطلق إلى خبرة "معيشة " وقد قدمت سابقا أسبابا لرفض الإجابة 
الجدلية المبسطة عن هذا الموقف,تلك الإجابة التى تعامل (الكتابة ‏ م ) بوصفها 
ضربا من أنانة د«وذوم5011 (ناقدم) "نصى "يتبع الموضة فحسب .وحجتى أنه 


062 


يجب أنه نتعامل مع مسائل الحقيقة والمعرفة والتفسير الموروثة عن الفلسفة 
الحديئة فى أعقاب "الثورة الكوبرنيكية"لكانط,لكن هناك سؤالا ربما أشد إلحاحا 
خيما يتعلق بما تكون التأثيرات الأخلاقية للتفكيك لو ان مزاعمه عن القانون 
والمبادىء الأخلاقية والممارسة الاجتماعية غزت تفكيرنا وقد نقارب هذا السؤال 
»على احسن وجه من خلال قراءة مقالة "الكوجيتو وتاريخ الجنون" لدريدا ". 
وهى نقد لكتاب ميشيل فوكوه "الجنون والحضارة " .وهدف دريدا أن يبرهن على 
الاستحالة الكاملة »بتعبيرات نصية أو استطرادية منطقية ٠‏ لما أنجزه فوكوه فعلا 
:وما يجعله جدل فوكوه يبدو كما لو كان منجزا وبكلمة أخرى يمثل هذا المقال قراءة 
مفكك كلاسيكى «يلفت النظر إلى نقاط العمى (أو لحظات السقطة )المنتشرة فى 
ثنايا شرح فوكوه لكن هناك رهانا (لدى دريدا م ) أكثر من الرغبة فى التفوق على 
فوكوه »رهان يكمن فى الدافع ألى تعرية المثاليات الموروثة فى انظمة المعرفة 
والحقيقة إن رأى دريدا أن هذا المشروع كما يصوره فوكوه ‏ ينطوى على 
تناقضات تساوى ,بالفعل .شكلا من سوء النية الفكرى .وعند هذه النقطة 
«تستشرف مقالته الكتابات الأخيرة (مثل مبدا العقل ) :حيث يشدد دريدا فيها على 
ضرورة الوفاء نص مهم لفهم تضمينات فكر دريدا الأخلاقية ما يشغل دريدا هنا .في 
المقام الأول ادعاء فوكوه بأنه يكتب »ليس "تاريخ الطب العقلى " ٠وصف‏ من داخل 
انتظام الفكر الطبيعقلى "المنسوب إلى العقل ")وإنما يكتب "تاريخ الجنون نفسه 
في حالته الأشد دويا »قبل أن تستولى علية المعرفة (الكتابة والاختلاف ص 4" ). 
ونقطة دريدا أن يوضح (من خلال قراءة فوكوه لديكارت )أن الفكر يخادع ذاته إذا 
حاول أن يبلغ نقطة الاستشراف "'خارج "أوفوق "الخطاب الفعلى للعقل الفلسفى 
.ويقبض فوكوه على هذه اللحظة عندما يدمر ديكارت في تأمله الأول فريضة 
الجنون بوصفها وسيلة كاشفة استراتيجيا عن الشك في يقينياتنا المالوفة بخصوص 
المعرفة والخبرة والواقع اليقظ .وبالطبع فقد كان الغرض الكامل من هذه المغامرة 
المحسوبة وهذا التجريب بشك مغرق تعزيز السلطة العليا للعقل بتأسيسا على واقعة 
فريدة ولاسبيل إلى الشك فبها " :أنا أفكر إذن أنا موجود " 12180 ,140ع08© 

دم نركويقرأ فوكوه هذه الحادثة بوصفها قصة رمزية عن الفكر الحديث (ما بعد 
الديكارتى )فى علاقته بالجنون بوصفه "آخر "الخطاب العقلى "أخر مخيف 


63 


ومستبعد إن ما يتصل بكلامنا هنا بتعبيرات اجتماعية عملية .هو العزل (أو الاعتقال 
)المتعاظم للجنون الذى يقرأ فوكوه تاريخه فى مؤسسات متنوعة السجون 
والمستشفيات والعيادات الطبيعقلية - وهى مؤسسات تدعى كبح أو دراسة مظاهره 
.ويتم تعريف الجنون على وجه الضبط بمصطلحات يضعها عقل جازم وواثق من 
نفسه تماما الجنون هو الجانب المظلم والمكبوت من التحدار التنويرى .ذلك التحدار 
الذى يحتاج إلى تعزيز جانبه السوى (اى العقل م )بواسطة طقوس الإبعاد المتكررة 
دوما (الجنون م )وعلى هذا النحو يقرافوكوه التامل الأول بوصفه قصة رمزية عن 
العقل فى لحظة تأسيس إرادة قوته فوق الحقيقة ومنذ هذه اللحظة سيكون هناك 
دائما خطاب عن الجنون لكنه خطاب يدعم ويعزز دوما قوانين الفكر العقلى والكلام 
او حدود النظام المنطقيشرعى 15176داء311210100-015 إلا إذا أقر المرء موقف 
فوكوه التناقضى ذلك التاريخ الذى يتخاصم تماما مع النموذج «ترع3:201م 
التنويرى . ْ 
تصل حجة دريدا المضادة الى شكل من الاعتراض 100106 700 المتعالى 
“حيث ينكر دريدا انه من الممكن لفوكوه أن يقدم افتراضا واستراتيجياته المنطقية 
.وليس ذلك مجرد تشويش موضعى أو ضعف قابل الإصلاح فى نقاش فوكوه »بل هو 
بوضوح تام شرط "متأصل فى جوهر المشروع الفعلى لكل لغة بوجه عام »وايضا 
فى لغة هؤلاء الذين يكونون أشد جنونا “وأيضا وقبل كل شىء فى لغة هؤلاء الذين 
بتمجيدهم للجنون وبتورطهم فيه يضبطون مقدرتهم ضد الاقتراب الأعظم إمكانا من 
الجنون (الكتابة والأختلاف ص ؛ ٠.5‏ ) يدعى فوكوه أنه يتخذ موفقا ضد العقل 
بمظهره التشريعى.موحيا بلحظة جنون ديكارتية بوصفها عملية باطنية ضابطة 
تمهيدا للاعتقال لحظة تخضع دائما للسيطرة على نحو أمن بواسطة قوى التفكير 
وعلى العكس يقول دريدا :يقوم فوكوه ب "إيماءة القرن العشرين الديكارتية " 
ايماءة أشد خداعا بكل ما فى الكلمة من معنى من اجل رفض (على عكس ديكارت 
)واقعة تثميرها فى خطاب العقل بما أن فوكوه ينجز معنى:بشكل لا ينكر »لهذاالتاريخ 
ويسبكه فى شكل سردى واضح تماما ويرسم استنتاجاته المبرهن عليها على اساس 
دليل موثق . بتمييز الحوادث المعزولة مثل لحظة الشك المتسمة بالغلو عند ديكارت 
وبتجاهل موضعها فى استراتيجية مناقشة »يزعم فوكوه الحديث باسم الجنون 


04 


55 أو اللاعقل 12262501 

ويتبنى فوكوه هذا النقد بوصفه فرصة مناسبة من أجل رفض مشروع دريدا 
الكلى حيث يشن هجوما على التفكيك باعتباره مجرد حقيبة خدع بلاغية 
"بيداجوجية" تماما وتافهة واثقة من معرفتها بأن لاشىء يوجد خارج النص 
وجدله بان هناك فى النهاية خيارا معتبرا بين هذين السبيلين المختلفين للفكر ما بعد 
البنيوى يبدو مقنعا لأخرين وبصفة خاصة إدوار سعيد فمن ناحية أولى هناك 
استراتيجية (استراتيجية فوكوه ) تستلزم ارتباطا نشطا بسياسات المعرفة وترفض 
رسم أى حد فاصل بين النصوص وخطابات القوة المتعددة ذات الشرعية والحقيقة 
والتمثيل :2)210ع5معخ1 ومن ناحية أخرى هناك نمط من القراءة البلاغية 
المغلقة (قراءة دريدا ) يعلن أن هذه الاهتمامات لا مجال للبحث فيها بداية 
باعتبارها نوعا من الخداع المرجعى الساذج »لكن ذلك يمثل تجاهلا لمطالب دريدا 
المتكررة التى تلح على أننا نحاول أن نفكر أبعد من هذه الفرضيات فاقدة الأهلية 
التى تعامل العالم 013+ والنص ع7 بثنائية وبمصطلحات تميز بينهما .وليس 
انسحاب التفكيك إلى عالم من اللعب النصى الحر والمرح .متجاهلا بذلك الوقائع 
السياسية.هو محل الخلاف فى نزاع دريدا مع فوكوه , ذلك أننا نرى كيف أن 
قراءات دريدا لنيتشه وفرويد ترد بفعالية هذه التهمة بالاصرار على النتائج 
والتاثيرات "الخبيرة بالحياة والناس التى تنتج عن فعل الكتابة . وهذا واضح من 
غير ريب فى سياق مناقشته مع فوكوه حيث يكون الرهان عند كلا الجانبين هو 
موقع العلاقات المؤسسسية بين القوة والمعرفة وخطاب العقل . إن نزعة الشك 
المعرفية المتطرفة عند فوكوه تقوده إلى ان يساوى المعرفة بالقوة ومن ثم اعتبار 
كل أشكال التقدم "التنويرى "(فى الطب العقلى أو المواقف الجنسية أو إعادة 
التشكيل الجزائى )علامات على تعقد متزايد فى التكنولوجيا المطبقة فى الضبط 
الاجتماعى ويصردريدا بالمقابل على أنه ليس هناك خيار بعيدا عن التقليد التنويرى 
ما بعد الكانطى وبلا ريب فلا مجال لدخولنا الأن فى عصر ما بعد الحديث -120514 
حيث تفتقر مفاهيمه ومقولاته إلى أية قوة نقدية وفقط عن طريق العمل 
بمثابرة داخل هذا التقليد لكن ضد مثالياته السائدة فإن الفكر يستطيع أن يحشد 
المقاومة اللازمة من اجل نقد فعال للمؤسسات القائمة , 


95 


وعلى هذا النحو يتناولدريدا نقطة خلافه مع فوكوه وفقا لاعتراضين 
أساسيين الأول ليس هناك هذا التخم الواضح فى نص ديكارت بين خطاب العقل 
والشك البالغ الذى يهدد -يهدد بالفعل ‏ المشروع الفلسفى وإذا كان فوكوه قد اخفق 
فى التعبير عن القوة المحضة المشوشغ:؛اى "التهور المجنون"'7130 
33021097 الذى يمارسة ديكارت مع شيطانه؛ فربما لأننا هذه الأيام متاكدون من 
انفسنا تماما ومعتادون بثقة على بنية الكوجيتو »بدلا من الخبرة النقدية به (الكتابة 
والاختلاف ص 5 5) وهذه الخبرة تمضى أبعد إلى ما وراء الحدود الآمنة والممارسسة 
الواقية بذاتها للعقل الذى يقرؤه فوكوه فى التأمل الأول ٠‏ وقد تم التقليل من شان 
مغامرة ديكارت من خلال رغبة فوكوه فى وضعه داخل تاريخ سردى تيمته كبت 
الجنون واللاعقل على أيدى التنوير والتقدم . وقد اطر فوكوه »بذلك إلى تجاهل 
اللحظات "النقدية "فى الشك الديكارتى التى يصبح فيها سند اليقين العقلى محل 
تساؤل بشكل حقيقى وعلى هذا النحو يتفادى فوكوه تهديد اللاعقل بواسطة هذا 
النوع من الإيماءة المجاملة جدا التى اعتقد انه كشف عنها عند ديكارت اضطرار 
غريب يمارس تأثيره هنا ويكون العقل بواسطته ملزسا دوما بمجابهة إمكان 
الجنون ١‏ لكن فقط عن طريق إعادة تعزيز قوته التفسيرية .وبالتالى يكون 
الاعتراض الثانى على تقرير فوكوه أنه اخفق فى إدراك التكرار المتذبذب والحوار 
اللانهائى كما يصفه دريدا بين البئية اللامتناهية والبنية المتناهية بين ما يجاوز 
الكلية :)704211 والكلية المغلقة ل ص ٠١‏ . إن قراءة وافية لنص ديكارت ستسجل 
عنف شكه الفائق الذى يعلق (لحظيا على الاقل )التعارض المحسوم بين العقل 
واللاعقل ولن تعلن تلك القراءة مثلما فعل فوكوه هذا التعارض المسهب من الان 
فصاعد أو تزعم أنه يتبدى على الجانب البعيد من الخطاب العقلى التنويرى » إنه 
العقل الذى يعتقله (فوكوه ) فى كل التبديات» لكنه مثل ديكارت يختار عقل الامعس 
بوصفه هدفا للسخرية وليس بوصفه إمكانا للمعنى بوجه عام (ص 5 0)وليس من 
المستبعد أن يسيىء فوكوه تفسير ديكارت طالما أنه اخفق فى أن يعى كيف أن 
استراتيجية قراءته تكررالنموذج نفسه من البصيرة والعمى المتلاحمين . 

ثمة بعد أخلاقى وايضا سياسى فى خلاف دريدا مع فوكوه وهو خلاف له 
علاقة بالتوتر المضاد للنزعة الآنسانية النظرية التى وسمت بزوغ الفكر ما بعد 


96 


الينيوى فى اواخر الستينيات .فمثلا نجد عند فوكوه شاهدا مقتسبا يتكرر كثيرا قى 
كتاب "نظام الأشياء" يصف الإنسان ‏ أو الذات الخيالية الهاشة فى الخطابي 
الإنسانى ‏ بأنه شكل مرسوم على شاطىء رملى عند حافة بحر يمحوه فورا المد 
الآتى وتفهم هذه التصفية النهائية على أنها ثمرة تحول ثقافى واسع المدى انتهت 
العلوم الانسانية من خلاله إلى التسليم بأن الانسان لاشىء سوى شكل مركب من 
خطابات معرفة معينة (وخاصة خطابات القرن )١4‏ وهذه الاوهام ليس من .الممكن 
الدفاع عنها من اجل عصر شهد ‏ فيما بين أشياء أخرى صعود الأنثروبولوجيا 
البنيوية والانعطاف اللغوى نحو مدى واسع من فروع المعرفة كما شهد فقد أى 
إيمان عزائى بالتاريخ بوصفه اساسا شاملا وغاية للفهم الانسانى لقد كان نيتشه 
وسوسير محرضين اساسيين على هذا الاذن بالمرور إلى ما وراء اليقينيات 
الميتافيزيقية الساذجة فى الفكر الاسبق حيث يوجه سوسير الطريق نحو نظرية 
شاملة عن اللغة والتشكيلات المنطقية التى لا تترك متسعا للذات الشخصية بوصفها 
اصلا او محلا للمعنى ويوضع نيتشه مصطلحات من أجل نقد شكى فى هؤلاء 
الفلاسفة من افلاطون إلى هيجل الذين يعينون - على نحو مميز عد هوية الحقيقة 
بالحضور فى إشراق المعرفة الذاتية الإنسانية.. 

إن هذه النزعة الضد إنسانية تأخذ اشكالا مختلفة فى تشعبات الفكر ما بعد 
البنيوى وفروعه المتعددة وحسب التوسير فإنها توسع نشوء الماركسية العلمية 
باصالة وقد كفرت عن هذه الفضلات الإنسانية (او الايديولوجية ) التى تبدو 
بوضوح فى نصوص مفكرين أقل دقة وقد ظهرت عند فوكوه وبارت بوصفها موت 
المؤلف الوشيك ونهاية للعصور الماضية وللطريقة القمعية التى تعين هوية المعنى 
الحقيقى لنص ما بالحضور الحى لقصد المؤلف فمثلا يتصور فوكوه" جينيالوجية 
"نيتشوية للخطابات تدرس الأوضاع المتغيرة للمعرفة والقوة دون الرجوع إلى 
مؤلفين شخصيين ويكشف بارت فى ,5/2 (1570 ) وفى نصوص تالية حدود هذه 
الحريات المتاحة بواسطة عزل المؤلف عن الوقع السابق لسلطته المرجعية وقوته 
المطلقتين وغالبا ما يفهم التفكيك .حتى الآن بوصفه نتاجا أخر لهذه الروح الضد 
إنسانية برغبته فى تقويض كل اصول المعرفة والمعنى المتعاليين تلك الاصول 
الراسخة فى لغة الميتافيزيقا الغربية » ومن بين هذه الاصول دون ريب صورة 


07 


المؤلف بما لها من حضور مستمر فى النص صورة تستحضر (مثلما يستحضر 
سيرل اوستن )لكى تعلن أن القراءات الخاطنة او غير المقبولة ليست واردة . 

من المؤكد أن دريدا فعل الكثيز ليستحث هذه الرؤية للتفكيك التقى تراه 
مشاركا على نحو مرح فى تدمير الإنسان وكل أعماله .إلا أن دريدا يرى مشكلات ‏ 
مشكلات حقيقية جدا وبعيدة المدى في ادعاء بان الفكر يتبدى للعيان في النهاية 
على الجانب الأقصى من الإيديولوجية الإنسانية (أو المركزية عرقية ) ففى مقال 
نهايات الإنسان 01318 1:05 (من كتب هوامش الفلسفة )يفحص دريدا سلسلة 
من المنطوقات من نيتشة وهيدجير وسارتر وأخرين » تفترض على الأقل أن. السؤال 
انمثار - المثار بوضوح - يتعلق بما إذاكانت هذه النهاية قريبة من الأنظار » وعلى 
العكس تماما يجادل دريدا إن هذة المنطوقات موسومة بإفلاس فيما يتعلق باستنطاق 
ادعاءات جذورها كما أنها متورطه فى لغة ملونه فى كل ثنياتها بتيمات وموتيفات 
إنسانية ولا يستطيع المرء ببساطة أن يقرر تغيير الحقل المعرفى بطريقة متقطعة 
ومتميزة بتحول مفاجىء بوضع النفس على نحو قاس خارجا ء وبإثبات انقطاع 
واختلاف مطلقين (هوامش الفلسفة ص ١"5‏ ) وهذه التأكيدات المبتسرة عن نهاية 
الإنسن متأثرة دائما بالنوع نفسه من المفارقة اللامفهومة او السقطة 0112 م4 
على الرغم من انها تتجاوز خطاب فوكوه عن الجنون والعقل , والافتراض يصاغ ‏ 
مهما كان قصده الراديكالى ‏ دون اللجوء إلى الحيل المفاهيمية الراسخة فى اللغة 
المألوفة وأن اللغة متخللة على التعاقب »ومن البدايةإلى النهاية بكل المعانى 
المركزيعرقية"والميتافيزيقية" التى تحدد منطقها ووضوحها الفعلين وأئ ادعاء 
بالتخاصم مرة واحدة وإلى الابد مع "العلوم الإنسانية "ذات النزعة الإنسانية هو 
ادعاء خادع بذاته فى نهاية الأمر وبلا أية قوة نقدية ذلك أن الممارسة البسيطة للفة 
تعيد الحقل المعرفى الجديد على نحو دائم إلى الأساس الأقدم الذى يسكن بشكل 
ساذج ومحدد أكثر من أى وقت مضى الداخل الذى يعلن المرء أنه قد هجره ١78(‏ 
. : 

إن البلاغة فوكو الضد إنسانية تتوافق مع موضوعه المعلن عن اكتشاف 
حقل معرفى منطقى جديد. وهو حقل يجعله قادرا على اتخاذ وقفة خارج وضد 
مزاعم الحقيقة المسيطرة التى ينطوى عليها العقل » وهذا يعنى التخلى عن التقليد 


598 


الحديث فى الفكر الاخلاقى التنويرى ٠‏ ذلك التقليد الذى يحاول - على الاقل منذ كاتط 
أن يبرر المبادىء الأخلاقية في ممازسة الفكر التنويرى ٠‏ لقد كان هم كانط الطاععى 
عليه أن يؤسس مجالا عاما لقوانين وتقيييدات (عقلية )مقبولة طالما أن الذاتِ 
الشخصية تبتهج بقواعد موضوعة من أجل النفع العام وقد قصد كانط بهذه الوسائل 
أنيتجاوز الطبيعة الاساسية للتناقض الهوبزى دزوء 710 المتطرف الذى يعامل 
الممارسة الاجتماعية بوصفها مجرد مجموع إرادات معزولة تسعى إلى مصالحها 
الشخصية على حساب الاخرين » وتخضع للمراجعة فقط بواسطة سلطة مرجعية 
راسخة ذات قوة استبدادية مهيمنة ومن هنا كان إصرار كاتط على ان الحكم 
الاخلاقى تتم ممارسته تحت رعاية الوجود العقلى وأن خياراته تمليها قوانين 
طبيعته المدركة بالعقل فقط ولا تمليها علة خارجية ملزمة (مضيعة للحرية ) كما 
يكتب جيل ديلوزملخصا كانط عندما يشترع العقل في منفعة عملية إنه يشترع 
بواسطة الموجودالعاقل هو الذى يمنح نفسه قانونا بواسطة عقله ومقلوب ذلك هو 
الجدل الكانطى بأن التصرف ضد أوامر العقل الآخلاقى سيكون بمثابة عزل العقل 
نفسه عن المشرك العقلى أو مملكة الغايات المكيفة اجتماعيا التى تعطى دون 
غيرها معنى الافعال والبواعث الانسانية ويوضح ديلوز انناعندما نختار ضد القانون 
فإننا نكف عن أن يكون لنا وجود واضح ونفقد فحسب الشرط الذى به يشكل هذا 
الوجود جزءا من طبيعة » ويصوغ مع اشياء اخرى كلا نظاميا اننا نكف عن ان 
نكون ذواتاءلأننا فى المقام الاول كففنا عن ان نكون مشرعين وهذا لان الفرد بهدًا 
الاختيار يتنازل عن استقلاله الاخلاقى ويقبل ان يتبنى قانونا من الشروط المحددة 
للمصلحة الذاتية المادية او الضيقة 

إن ما بعد البنيوية تتخلى عن الموقف الكانطى باشكالياته وتعقيداته الكشيرة 
التى يثيرها :فمن ناحية تنطوى ما بعد البنيوية على لا مركزية الذات فى اللغة وهو 
ما ينادى به فوكوه ولاكان وبارت »كما تنطوى على معرفة يستحدثها إدراك جديد 
(مابعد نيتشوى وما بعد سوسيرى ) بأن الذاتية متشكلة فى وعبر اللغة بدلا من 
نهوضها بمصدر اللغة واساسها المطلقين »ومن ناحية أخرى .تومى ما بعد البنيوية 
بالتخاصم الحاسم مع الطبيعة الأساسية للمشكلات التى ينتجها .على نحو نموذجى 
خطاب العقل الكانطى التنويرى الليبرالى » وتؤخذ هذه المشكلات بجدية من الآن 


09 


فصاعد ليس بوصفها قضايا حاسمة فى العمل بعيدا عن أخلاق مترابطة أو عقيدة 
سياسية ولكن بوصفها أعراضا على مرحلة موضعية ومؤقتة فحسب من الإنتاج 
النطقى إنها مشكلات تتصل بتلك الحادثة العرضية 006وزمء لفكر أنتج الإنسان. 
الذات المتعالية ‏ بوصفه شيئا ملفقا من اختراعه اللغوى اللاواعى » وعلى هذا 
النحو فإن التناقضات الكانطية لاتساوى شياء أكثر من طية خاطفة (بمجاز فوكوه ) 
فى بناء المعرفة وحادثة عرضية أحدثها التنوير تحتاج إلى فكر الإنسان بوصفه 
وعاء عقلانيا ومستقلا بذاته لقوانينه الأخلاقية . 

لقد جادلت بان دريدا لا يمكن أن يفهم بوصفه مجرد منحاز إلى النزعة ضد 
التنويرية فى خطاب ما بعد البنيوية ومقارنته بنتاجات ديلوز منذ كتابه المبكر عن 
كانط (المطبوع فى ١5571‏ ) دليل على ذلك لقد كان موضوع ديلوز الرئيسى أن 
يوضح بعض المشكلات التى تنشأ بسبب أن كانط يجهد نفسه ليحكم دعاوى الملكات 
العقلية المتنافسة التى تمثل مشهدا متخيلا لقاعة محكمة قاعة محكمة تعمل وفقا 
لديلوز - على طريقة منصب رئيس جلسة دائرى معينء لكى يمنع أى صوت سلطة 
مفرد (مضيع للحرية ) من ممارسة قَوةَ مطلقة , وبالتالى يحول دون تقويض 
تشاركية الخطاب الحر والعادل "قبل أى قانون "وهكذا بفهم الصرح المفاهيمى 
الكامل فى النقد الكانطى ابستيمولوجياه وأخلاقياته على السواء بوصفه نسخة 
باطنية او عاكسة ل"برلمان ملكات عقلية ديمقراطى ليبرالى يشيد لضمان سيادة 
العقل » ويطور دريدا هذه الفكرة .على نحو واضح تماما فى نصوصه الحديثة عن 
سياسات المعرفة ومكان الفلسفة فى ترسيخ خلافات التخم المشاكسة والمتعددة ٠‏ 
والمهم فى هذه النصوص هو إصرارها على أن هذه الأسئلة لا تزال موضع تفكير 
فيما يتعلق بتاثيراتها الاجتماعية والإيديولوجية فى اليوم الحاضر مثلما الحال مع 
ديلوز عندما ألف كتابه عن كانط » وحتى يكون ديلوز مقنعا فقد عرض تعليقا كانطيا 
بامانة بخصوص المشكلات والتناقضات الموجودة فى عملية تأسيس برلمان 
المعرفة.الاأنه فى كتاباته الأخيرة (وعلى الأخص "ضد أوديب "المؤلف بالتعاون 
مع فيليكس جوتارى) يتخاصم تماما مع نماذج 22172018125 العقل التنويرى 
ويتبنى اأسلوب الخطاب ما بعد البنيوى الرؤيوى العنيف .إنه يتخلى باختصار عن 
النقد الداخلى للمفاهيم والمقولات الكانطية من أجل لغة تحتفى بانبثاقها فى عصر 


100 


يفهم فيه العقل نفسه بوصفه قوة كبت احتماعى .ومثل فوكوه يساوى ديلوز 
المعرفة بالقوة »ويرفض أى نوع من النقد الفلسفى الذى يستقى أنسابه من وجهة 
نظر العقل التنويرى . 

وبالطبع فإن وضعه على هذا النحو يعد تجاهلا لاختلافات الرؤية الدالة فلم 
يكن ديلوز ما بعد بنيوى نموذجا أكثر منه كانطيا جديدا أرتوذكسيا فى كتابه المبكر 
لقد تبنى ضد اوديب موقفا عقليا محصنا ضد كل تنوع ممكن فى الفكز 
النقدى "المقدم هذه الايام »الذى يتضمن - على نحو أشد إلحاحا ‏ التحليل النفسى 
اللاكانى وهو موقف يعامل(هذا التنوع مم) بوصفه مجرد تعزيزات لنظام بواسطة 
المفاهيم والمقولات المكملة ع131م-ما التى تفهم بواسطته وهكذا يدعم التحليل 
النفسى مؤسسات الدولة والقوة العائلية تماما :طالماانه يضفى دورا تفسيريا ذا 
امتياز على أفكار من مثل عقدة أوديب ٠‏ وهذة النظريات أنها تفضحه ولكى يتم 
تفادى هذه التاثيرات غير المتوقعة . فان كتاب ضد أوديب يتبنى بشكل جذرى 
أسلوبا من اللغة اللانظرية ٠‏ كما يتبنى بلاغة رغبة فصامية (متعددة الاشكال )ليست 
فى متناول المفاهيم التفسيرية على المستوى الافتراضى ؛ وعلى هذا النحو يتخذ 
الكتاب موقفا معارضا على نحو قاطع لإصرار لاكان على القوة الاجتماعية للغة 
وعلى تخليق الذات فى نظام من القوة والسلطة المؤسسين بغية المرور بنجاح عبر 
الطور الأوديبى . ' 

وعل الرغم من ذلك فمن الواضح أن ديلوز وجوتارى يمشلان كسرا مشاكسا 
داخل المشروع ما بعد البنيوى :بدلا من الانشغال كلية بحقل معرفى مستقل » 
وبلاغتهما عن "الرغبة الفصامية "متعددة الانحراف ©5:ء77ءم:(01م تتصور 
انهيار فى نظام الذاتية "العقلى" الهادى ؛ مما يعد تاليا بنهاية نظام الإكراهات 
الاجتماعية القاعمة ولا يزال ديلوز في دراسته لكانط يقدم تناقضات العقل المحض 
والعملى بطريقة تدرك المراد (الكانطى ) المنطقى منها حتى أثناء الكشف عن 
سقطاتها المتعلقة بالبنية » وبكلمة أخرى فإن حجته ناشئة عن افتراض ثنانى 
١©‏ )ان العقلين (المحض والعملى )أتاحا لكانط متابعة هذه السلسلة من 
الاستخبار:(1) أن الذات المستقلة بنفسها والذاتية الفعل فى الخطاب الكانطى كانت 
على الاقل فكرة عامة مدركة بالعقل فقط .وبالتالى يوضح ديلوز .بتعابير لاليبس 


101 


فيها الوصية ذات الطبيعة المفارقة :هذا هو ماتعنيه الذات فى حالة العقل العملى 

.... الموجودات نفسها هى ذوات ومشرعون وهكذا فإن المشروع هو هنا جزء من 

الطبيعة التى يشرع لها كانط »لكن عندما يصل ديلوز إلى ضد اوديب فإنه يصل إلى 

موقف تبدو معه هذه الأفكار ضربا من الخدعة الجائزة من أجل خدمة العقلانية 

القامعة ليست هناك أية ميزة فى التورط مع التحدار التنويرى للأساس- الذى دائما ما 

دعم سلفا بواسطة فكر بوليسى انتجه نظام فلسفى وسوسيو ‏ سياسى محصن . 
المعرفة والأخلاق : هوسرل وليفيئناس 


ها هو ذا ما يميز التقكيك عن المشروع ما بعد البنيوى الأوسع فتبعا لدريدا 
يكون عالم الخطاب الأخلاقى هو ذلك العالم الذى يتخطى كل البنيات المفاهيمية 
المعطاة لكنه يتخطاها من خلال استنطاق متأن لحدودهاء وليس بوثبة ما إلى الوراء 
المجهول الذى لا يمنح أية فعالية للفكر النقدى » وتلدك هى الموضوعية التى تدور 
حولها من زوايا مختلفة المقالت المتنوعة التى يضمها كتاب "الكتابة والاختلاف 
"اثنتان منها (القوة والدلالة والتكوين والبنية ) على علاقة بثأثيرات التفكير 
البنيوى فى النقد والفلسفة والعلوم الإنسانية » ويكتب دريدا أنه ثمة معنى ما تمتلك 
به دائما بنيوية ما إيماءة فلسفية تلقائية جدا(ص ١55‏ ) . وبكلمة أخرى تسعى 
الفلسفة إلى مفهمة المعرفة والخبرة بتشييد أطر نظامية متعددة تتضمن »وتقيم 
مزاعمها المتنافسة وبهذا المعنى تكون البنيوية وريثة كل المشاريع الإبستيمولوجية 
من افلاطون إلى كانط وهوسرل. وهى مشاريع تحاول أن ترسخ حدودا لخطاب 
المعرفة ومزاعم الحقيقة الخاصة بالعقل الكلى. ويضطلع النقد الأدبى تماما على 
الأقل منذ أرسطو بهذ المطامح » بما أنه يعمل وفق مجموعة من المفاهيم (المحاكاة 
» والشكل , والمعنى , المجازى مقابل المعنى "الحرفى ") بما لها من خط نسب 
فلسفى بكل ما فى الكلمة من معنى .ومن ثم فإن المقاربة البنيوية للنصوص الأدبية 
تمثل نقطة ‏ تخم للنقد التقليدى .وهى مقاربة تكشف بوضوح استثنائى عن 
توتراتها وسقطاتها المتعلقة بالبنية . 

وبتشبيه لافت يقارن دريدا ثمرة القراءات البنيوية ب "عمارة مدينة غير 
ماهولة أو مهجورة حولتها كارثة طبيعية أو فنية إلى مجرد هيكل" (الكتابة 
والأختلاف صه ) إن مزية هذه القراءات أنها تلقى ضوءا النظر الطبيعى وبالتالى 


102 


المستلهم .ويظهر ارتياح ومقصد البنيات على نحو أشد وضوحا عندما يكقون 
المحتّوى الذى هو الطاقة الحية للمعنى محيدا(ص20) . وما يسقط البنيوية من 
الاعتبار هو اسراف المعنى على حساب الشكل وحقيقة أن عناصر معينة (عنصر 
القوة أو الدلالة ) تفلت من مراقبتها المتسمة بسلامة العقل ٠‏ ومن ثم تخطط البنيوية 
بالفعط مشروعها ‏ ومشروع الفلسفة بصورة عامة إلا أنها تخفق فى تسجيل هذه 
الحقبقة .واستنادا ألى قصدها الأعمق ومثل كل الأسئلة عن اللغة تهرب البنيوية من 
التاريخ الكلاسيكى الافكار : ذلك التاريخ الذى يفترض بالفعل إمكان البنيوية:طالما 
أن إمكان البنيوية يرجع على نحو ساذج إلى دائرة اختصاص اللغة ويقترح نفسه 
داخل هذه الدائرة (ص؛) . وهذا ما يجعل دريدا يواصل الحوار بين البنيوية 
والظاهراتية »وهو حوار يستعير دريدا مصطلحاته من هوسرل ويستنطقها ٠‏ على 
نحو أشد إحكاما » فى مقال التكون والبنية »بما أن هوسرل يمثل النقطة الأيعد 
الممتدة فى تضارب التفسيرات بين البنيوية (بهذا الأستخدام الموسع ) واى شىء 
يكمن وراء إدراك الشروحات البنيوية ومعنى هذا أن ال"وّراء " مختلف جدا عن 
أى شىء يقترحه فوكوه أو ديلوز أو خبراء الخطاب ما بعد البنيوى الرؤيوى إنه 
ينطوى على ما يسمية دريدا - بعبارة من عباراته المعلبة الأشد إفراطا ‏ الاستحالة 
المبدنية والجوهرية والبنيوية لظاهراتية بنيوية مغلقة (ص >؟5١‏ ) وإذا كان هناك 
طريق بعيدا عن هذا الوضع المسدود فلن يكون الاتجاه إلى إبستيمولوجيا جديدة أو 
إلى نظرية للمعرفة تسوى .أوتوفق . بين جهازين من المزاعم.ولم يفشل هوسرل 
تماما عبر سهو ما أو خطأ مقصود. فى أخذ مثل هذة الخطوة » بل أوضح .بالأحرى 
٠‏ وبصرامة نموذجية أن الخطوة لا يمكن أن تتخذ وأن الظاهراتية والبنيوية 
مقاطعتان بعملية لا نهاية من التساؤلات المتبادلة التى لا تسمح بتركيب نهائى 
منهما . ويمكن للفلسفة أن تبدأ فى ملاحظة ما يكمن فى الوراء فقط بدفع هذه 
السقطة 400:12 إلى حدود الشرح المفاهيمى . وسيقودنا ذلك كما يجادل دريدا إلى 
حقل الأخلاق بدلا من الإيستيمولوجيا . ش 


يصف دريدا مشروع هوسرل بأنه مشروع يدفعه إلى اجتياز طريق بين 
بديلين هما البنيوية ذات الطابع المنطقى والتاريخية النفسية ؛ وكلاهما خطر 
(ص08١‏ )ومن وجهة النظر هذه .يريد هوسرل ترسيخ أن حقائق علم مامثل. 


103 


الهندسة هى حقائق قبلية 400:12 وثابتة »على نحو غير قابل للتفسير. فى طبيعة 
العقل الإنسانى , ولذلك فإنه يشرع فى إعادة التفكير فى افتراضاتها المؤوسسة على 
اعتبار ان تاريخها وتكونها -مدونة "الاكتشاف الهندسى من إقليدس 10010114 حتى 
الأن ‏ يمكن التفكير فيهما بوصفهما ممثلين قبلا فى أصولها بطريقة ما .وينتظران 
مجرد دورتها التاريخية ومن الضرورى بالنسبة إلى هوسرل أن نحفظ هذه البديهات 
الاساسية بتوضيح )١(‏ كيف ينشط منطقها فى كل انعكاس لا حق على هذه اللحظة 
المؤسسة .و(١)‏ وكيف يكون للهندسة فى النهاية تاريخ بما أنها تنطوى على فكرة 
العودة إلى نقطة اصل نقية و(”)كيف تكون السمة القبلية 0112م للحقيقة 
الهندسية غير متأثرة »مثاليا .باخطاء وتحريفات ملازمة لعملية الانتقال التاريخى. و 
باختصار يفكر هوسرل فى الهندسة بوصفها نموذجا إرشاديا أوحالة معياريه لمنهج 
- منهج الظاهراتية المتعالية ‏ يصون العلم (وكل أشكال المعرفة )من تهديد النسبية 
مطلقة العنان »وإذا تم تاسيس ذلك فعندئذ يكون الطريق مفتوحا تماما للفلسفة كى 
تسترد مهمتها (ما بعد الكانطية )الموثشوق بها وسوف تتجه الفلسفة بذلك نحو 
التأسيس المطلق للابستيمولوجيا بإدراك هذه البنيات المؤسسة للمعرفة والإدراك 
الحسى » ولن تكون هذه البئيات موضع شك بما أن الخبرة نفسها لااتتصور تماما 
بدوتها . 

ولهذه السبب يقدم مشروع هوسرل »فى "اصل الهندسة " مثالا لافتا جدا 
بخصوص العقل المركزى يعقلى إنها الفلسفة التى تعود »فى الحال »إلى الأصول ٠‏ 
والتى تسعى إلى تسييج كل تاريخ الفكر فى لحظة من الفهم النقى والجحاضر ذاتيا » 
ولن الخص كل الحجج المفصلة التى يحشدها دريدا فى قراءته لهذا النض وهى 
حجج تكشف أن هوسرل لن يستطيع مفهمة الهندسة أو مصدر" بديهياتها 
الأساسية"دون توسيع لفة من النقش أو الكتابة أو التمثيل الخطى ولن يوشر ذلك 
فقط على الموضوعات المثالية للحقيقة الهندسية ؛ بل سيؤوثر أيضا فى مفهوم 
المدخل ووعع40 اللازمنى إلى هذه الحقائق عبر التفاعل الممكن تكراره » على نحو 
كامل ,للبديهة الحاضرة والاكتشاف السابق . ووفقا لهوسرل فإن "التحدارية 
(التقاليدية - م  )‏ 71201-10221105 هى ما ينتقل من بديهة إلى أخرى » مضاءة 
واحدة فاخرى . بحركة يكتشف الوعى خلالها طريقة »والحقيقة أنه فقط. كما يجادل 


104 


دريدا » بواسطة كتابه - على طريقة نقش مفصول عن أى مصدر بديهى أو حاضز 
بذاته . يقوم هوسرل بتفسير الهندسة بوصفها شكلا من المعرفة الشاملة .إن 
إمكان الكتابة سيؤكد تقاليدية الموضوع . وموضوعيته المثالية المطلقة وستفعل 
الكتابة ذلك بحس متحرر من دليلها الحاضر فعلا لحساب ذات واقعية وبحس متحرر 
من دورانها الحاضر داخل تشاركية محددة ؛ وذلك لأن الكتابة دون غيرها مؤهلة 
لمنح هذا "المثال " صفة الدوام نازعة إياه من حوادث التاريخ والتغير »وهوسرل 
مصمم جدا على تأسيس ذلك »وبدون هذا اللجوء الفى لغة كتابية فلن يكون هناك 
تصور للهندسة بوصفها مملكة حقيقة مطلقة وقبلية .. يتتبع دريدا بمثابرة فى مقالة 
"التكون والبنية " الحركة المتذبذبة للفكر التى يحاول بها هوسرل أن يتخذ سبيلا 
بين هاتين الضرورتين المزدوجين ف"البنية تتصل بكل شىء بالإضافة إلى المثالية 
والدوام والمعرفة الموضوعية .؛ وأن تتصل بكل شىء معنله باختصار أن تحتاج 
إلى الكتابة لضمان وضعها الخاص .ويدل "التكون " على البعد الآخر في المطلب 
الهوسرلى المتعلق بشرح كيف أن هذه المعرفة ممكنة بواسطة الدخول البديهى إلى 
الحقيقة التى يكون منطقها بالفعل نتاج استنتاج قبلى .وإذا كانت موتيفات التضارب . 
11 أو التوتر تظهر وافرة في نص هوسرل فإن ذلك ليس من خلال غلط 
متكرر في الحكم »بل وفقا لنظام من الضرورة متزمت جدا منقوش في الطبيعة 
الفعلية لمشروعه . إن مشروع هوسرل هو فلسفة الماهيات وعع75562 المتاملة . 
دوما في موضوعيتها ولا ملموسيتها وأوليتها , لكنها للسبب نفسه فلسفة للخبرة 
والتدفق المؤقت لما يكون معيشا ذلك الذى يكون مرجعا مطلقا (الكتابة والاختلاف 
ص" ١5‏ ) وفى هذا الصدد يكون هوسرل هو المفكر الاخير (كما يزعم دريدا) الأشد 
صرامة من بين هؤلاء المفكرين الذين قد ورثوا التعارضات الرئيسية المؤسسة 
للتاريخ الفكرى الغربى واية محاولة لتجاوز الفينومينولوجيا يمكن أن تحدث فقط 
بواسطة النقد البنيوي الذى يصطدم تباعا بالحدود المترسخة في ميراثه المفاهيمى 
٠‏ والبعض مثل هيجل كان يأمل مجاوزة تناقضات العقل الكانطى باللجوء إلى التاريخ 
والديالكتيك والتغير بوصفها وسائل يتغلب التفكير بواسطتها على السقطات التى 
تميز لحظة تأسيس هذه التناقضات . لكن فلسفة هيجل هى نفسها سلسلة من 
التكتيكات المفاهيمية المدروسة من أجل اختزال كل ما يتجاوز إدراكها إلى نظام من 


105 


الضرورة البنيوية تعبر عنه مصطلحات تاريخية تخص العالم ويمكن للمرء أن يقرأ 
هيجل بطريقة اخرى . يقرؤه ضد مزاجه أو ميله "إذا جاز التعبير كما يفعل دريدا 
في مقاله من الاقتصاد المقيد إلى الاقتصاد العام (من كتاب "الكتابة والاختلاف 
)و عندنذ سيبدو أن النص الهيجلى يحوز منطقارمزيا واقتصادا متقلبا للمعنسى 
يجاوزان في كل موضع القوانين الموضوعة للانتقال الديالكتيكى من مرحلة إلى 
أخرى وهذه القوانين كامنة فى فكرة هيجل عن النفى ع2ناط41111 بما هو حركة 
تأملية للفكر تحفظ الفلسفة بواسطتها وتتجاوز فى أن التناقضات التى تواجهها فى 
رحلتها الى الحقيقة وتظهر قراءة دريدا الامتداد الذى يكون به ذلك حركة اعتباطية 
قراءة ولخدة من بين قراءات عديدة » ولو أنها قراءة تصدق عليها كل حيل 
الديالكتيك الهيجلى "وربما أنه لا منطق يهيمن من ألان فصاعدا .على وسائل 
التفسير لان المنطق تفسير .فإن تفسير هيجل يمكن أن يعاد تفسيره ‏ ضده ( الكتابة 
والاختلاف صاة؟ ) 

لهذا افترضت ‏ وهذا وقت إثيات الفرض -اأن هناك بعدا أخلاقيا فى كتابات 
دريدا أدركه معظم معلقيه ومن وجهة النظر هذه يعتبر دريدا كبديهة »ان الفلسفة فى 
التحدار الغربى قد انشغلت لوقت طويل جدا بمشكلات المعرفة والحقيقة 
والعقل(مشكلات إبستيمولوجية اساسا ) وهى مشكلات لا مناص من ارتباطها فعليا 
بهذا التحدار بالاستمرار فى التفكير فيها عبره » إن نوعى الخطاب عند كانط كما 
راينا - العقل "المحض و"العملى " متشابكان في مقايضة تبادلية خاضعة لقوانين 
العقل التنويرى , لكن هذه المناقشة ولو أنها اساسية بالنسبة إلى اهتمامات 
الفلسفة؛ لا تزال تستبعد أصواتا أخرى معينه؛ تلك الاصوات التى تأتى من خارج 
التحدار الكلى للفكر الإبستيمولوجى من أفلاطون إلى هوسرل . وبالنسبة إلى دريدا 
.خصوصا في الكتابات اليهودية - ومن بينهما كتابات إيمانول ليفيناس ‏ فان ذلك 
يستدعى حديثا أشد وضوحا فثمة إشارات عديدة فى عمله بخصوص تعيين هوية 
دريدا بإحكام بميراث الفكر اليهودىء. وبصفة خاصة ممارسة التعليق الشامل 
والمضاعف على نصوص الدين اليهودى المقدسة وما يميز هذا التعليق عن نظيره 
المسيحى الأرثوذكسى هو على وجه الضبط وضعية الكتابة بوصفها ممارسة مثمرة 
ودالة على الدوام يتعذر اختزالها الى حقيقة ما مطلقة وواضحة بذاتها . 


106 


لقد تشكلت العقيدة المسيحية فى مرحلة مبكرة بواسطة تعرضها للتأثيرات 
اليونانية الفلسفية التى تفضى الى مساواة كلمة الله 004ع 014 0250+” بالميدا 
العقلانى الكلى 10505 الخاص بالهدف الالهى الموحى به » اما فى التقليد اليبهودى 
فثمة نمو لعادة معاملة التعليقات المتنوعه بوصفها نصوصا مقدسة بحكم حقها 
الشخصى ؛ حيث يضيف كل منها إلى مخزون الحكمة المتسلمة» مما يستلزم عنايبة 
النساخ والشراح لقد ولدت المسيحية موقف ارتياب مبدنى تجاه الكلمة المكتوبه 
ونظرت اليها بوصفها شرا ضروريا وسببا في طبيعة الإنسان غير المتخلص من 
الخطينة وسببا في إدراكه اللامعصوم من الخطا . ,لإرادة الله. ولاش فافية 
16 م0 الكتابة ‏ تجسنيدها الفيزيقى بوصفها علامات جامدة على ضفحة فحسب 
دالة إذن على ضعف الفهم الإنسانى ودالة على ضرورة اللجوء إلى مصادر معرفة 
من صنع الانسان لقد كانت الكتابة وسيطا مساعدا وخطا ميتا يدعى بتواضع 
الوصول الى حقيقة كامنة باستعدادها (أى الكتابة ‏ م ) لمحو ذاتها حتى تخلى 
مكانها لمعان مكتوبة في الروح تمليها قوة ما أعلى؛ فائقة الوصف. ومن هنا يكون 
أفلاظون منقذا للتقليد المسيحى بتأكيد هذه النقاط العامة في العقيدة التى تدور حول 
فكرة الحقيقة الروحية بوصفها شينئا ماوراء .العالم الفيزيقى ‏ وللسبب نفسه ‏ 
ورائ متناول الكتابة بمظهرها الحرفى .والعلاقة بين التعليق والنص المقدس يعاد 
انتاجها بين النص نفسه وكلمة الله المطلقة والمهيمنة. إنهاعلاقة اعتماد وحيدة 
الاتجاه تماما , بكتابة تقوم دائما بدور ثانوى وإكمالى. ومن شم ترفع المسيحية من 
شان هدفها الأعلىالخاص بالأساس المركزى يعقلى ؛ ذلك الذى يتتبعه دريدا عبر 
تاريخ الفكر الغربى . 

إن مقابلة اليهودية بالتقليد المسيحى ‏ اليونانى هوء ضمنا تصدير لمسألة 
الكتابة وتصدير لمكانها في اقتصاد المعرفة والحقيقة . ويتبنى دريدا تكتيكات عديدة 
لينبه القارى إلى تورطه السرىمع مصادر وتقاليد كهنوتية .وهى تاخذ شكل 
توقيعات بخط اليد محيرة 7261:1558 1265 .او شكل تلميحات إلى مناهج 
الشروحات التملودية .أو شكل مدرجات 1256)5 مضاعفة وحيل كتابية أخرى 
ترفض أى تحديد واضح بين النصوص "الأولية"و الثانوية لقد قدمت سوزان 
هاندلمان في كتابها "قتلة موسى "تقريرا مفصلا »على نحو رائع »عن كيف أن هذه 


107 


الخاصية اليهودية في التأويلات النصية تغلف السطح في كتابات فرويد ودريدا 
وعدد أخر من المفكرين في العرف التاويلى الحديث . وتاثيرها الرنيسى هو حل 
ساطة هذا العرف (أو المركزية العقلية) المسيحى الخاص بفكر يخضع الكتابة 
لخدمة حقيقة 1041 مساوية للكلام وللحضور وللأصول .ومن ثم تعمل الدقة 
البالغة للتفكيك عند دريدا متعاونة مع عنصر "لعبة " نصية محسوبة »غرضها 
على وجه الضبط زعزعة وتشويش أفكارناالموروثة فيما يتعلق بالقراءة . ْ 

لكن هناك وجها أخر للتاثير اليهودى على كتابة دريدا .إنه وجه يجعلنا أقرب 
إلى الطبيعة الأخلاقية لمشروعه اساسا فمقالته عن ليفيناس ("عنف وميتافيزيقا 
") تتناول عبارة مقتبسة من كتاب "الثقافة والفوضى" لماثيوارنولد هى العبرية 
والهيالينية ‏ بين هاتين المرحلتين من النفوذ يتحرك عالمنا؛ ففى وقت ما أمن 
عالمنا بقوة »بفتنة واحدة منهما »وفى وقت أخر أمن بفتنه الأخرىء وكان ينبغى 
عليه :برغم أنه لم يفعل" أن يوازن بينهما بلباقة ودون تحيز (مستشهد به في 
الكتابة والاختلاف ص 5/ ) ويتفق المقال مع عبارة من جويس .أشد الرواأئيين 
المحدثين هيجلية " الذى يكتب فى عوليس:" يهودى يونانى هو يونانى يهودى 
فالاطراف تتقابل ".(ص )١5‏ وما يكون هيجليا هنا وفى الشاهد من أرنولد ‏ هو 
أيضا , ما يسم النزعة الهيللينية التى توحد ميراثهما الفكرى إنها الرغبة فى تسوية 
التعارضات والاختلافات عبر حركة الفكرء تلك الحركة التى تختزل التعارضات 
والاختلافات إلى مظهرين لرؤية وديدة وشاملة وقد كانت هذه رسالة أرنولد 
التبشيرية ألى انجلترا الفيكتورية إزاء الإضراب الاجتماعى واسع الانتشار .ولقد 
عرضت الطبقات الوسطى نفسها لهذا التهديد. بملاحقة أخلاق المصلحة الشخصية 
الدينيةوالدنيوية من أجل استبعاد أى شىء أخر ,لقد كرسوا الفضائل "العبرية "( أو 
اليهودي مسيحية  )‏ العمل الشاق والنمو القوى والاستقلال الأخلاقى وتجاهلوا 
التقليد "الهيللينى "الذى يرمز إلى السعى النزيةنحو المعرفة والجمال والحقيقة 
»فبواسطة غرس" العذوبة والنور "الهيللينيين »يمكن للبرجوازية الفيكتورية أن 
تحقيق نوعا من السيطرة الثقافية التى ستقهر قوى التخريب الملوحة . 

إن كلام أرنولد الغامض عن "توازن " هذين الادعانين المتنافسين يخفى 
حقيقة أن هذه النتيجة يمكن تصورها «فقط .من خلال نوع من الفكر التصوفى 


108 


المنفصل الذى ينتمى برمته إلى هيللينى من المثل .وإعلاء معرفة الصراعات 
الاجتماعية الواقعية باللجوء إلى مملكة "الثقافة" المحضة والنزيهة هو نفسه مشال 
رائع على المنطق الهيجلى التاملى. وقد بينت الحادثة اللاحقة وقصيرة الأجل 
للهيجلية البريطانية - المتأثرة بالمثلى الأوكسفوردى بردالى ‏ على نحو دقبق هذه 
التوافقية الخاصة بالعقيدة الأخلاقية سامية المبادىء ؛ المرتبطة بديالكتيك المعرفة 
والخبرة المعتنق بكامله . وعلى هذا النحو تحمل عبارة دريدا التصديرية المقتبسة 
من أرنولد ثقلا ضخما من الإيديولوجيا المضمنة .إنها ترمز إلى أن قَوة الفكر 
المركز يعقلى تمتص كل الاختلافات بواسطة رؤية هذه الاختلافات بوصفها مجرد 
مراحل أو معالم على الطريق إلى تركيب هيجلى 59115515 مفاهيمى حاسم . لقد 
طورت الفلسفة تكنيكات وافرة لتتغلب على كل ما يكون مدركا بوصفه خارجا عن 
ميدانها المهيمنء وشعار هذه العملية هو الصدام مع ما يسمى ب ع1)دء11 
في محاورة السوفسطائى لأفلاطون صدام (كما يقرؤه دزيدا ) لا يزال 
يصر على "أثار آخر يرفض أن يكون مهيمنا عليه تماما لكن حركةٍ العقل 
الديالكتيكى »من سقراط إلى هيجل تمثل محاولة لفهم كل شىء باصطلاحات ستضعها 
دائما الفلسقة سلفا وهذا ينطبق حتى على المقولات التى تبدو أشد مقاومة »مثل تلك 
المقولات الإمبريقية أو المادية .فبمجرد أن تدخل هذه المقولات خطاب الفلسفة ‏ 
سواء أكان كانطيا أم هيجليا أم ماركسيا ‏ تخضع لتغير كبير يجعلها ضمفلسفة 
(هأطمه1105طم 10422 . وما يكشف عنه دريدا عند ليفيئاس هو محاولة التفكير 
فى حدود هذا التقليد ( 402016105 )واكتشاف المواضع التى بصطدم فيها مع 
عنف النموذج (الأخلاقى )المغاير للفكر . 

ووفقا لليفيناس »يتحدد سير التحدار الغربى الفلسفى »منذ البدء :بميراشه 
اليونانى القديم "إن الفلسفة توظف سلسلة من المصطلحات والمفاهيم ‏ مثشل 
(الشكل «دوه"1) عطامءره71 أو (الجوهر عع5)430ا5) 0115198 أو (السبب 
222 7105 أو (الفكر )طاعنددهط)) أو (الغاية [02ع) 21105 إلخ وهسى 
مصطلحات تشكل .بصورة دقيقة المعجم اليونانى الخاص بالوضوح ومثل دريدا 
يرى ليفيناس علاقات أو تشاركية تصنيفية بين هذه المصطلحات بما انها تتجه 
كلها نحو لحظة حقيقة مطلقة وحاضرة بذاتها حالما يدرك العقل المنطق الشامل فى 


109 


طبيعتها وتاريخها فما يكون واضحا للمفكرين فى هذا التحدار اليونانى هو كل ما 
يوجه نفسه إلى مناهج واستراتيجيات شاملة يرثها الفكر ليحفظ قدرته على الإمساك 
بعالم متمرد إن الفلسفة سلسلة من الانعطافات المعقدة التى تفضى كلها إلى نقطة 
أصل أمنه وحتى عندما تنوى الفلسفة أن تعيد تقديم بعد تاريخى كأساس لكل معرفة 
كما فعل هيجل عند مقاومة اللازمنية. ومزاعم الحقيقة القبلية في العقل الكانطى - 
فأنها تمفهم التاريخ وفقا لنموذج رجوع دائرى »على نحو لانهائى إلى مبادنها 
الأولى ومساواة الحقيقة بالحضور الذاتى معناها دائما أن نعرف سلفا وما كانت 
عليه التوقعات عند أيه مرحلة معطاه على الطريق إلى الفهم التنويرى فليس هناك 
شىء يحدث بوصفه صدمة صحية من خارج ميدان العقل التأملى ؛ لإن النوع 
الوحيد من المعرفة الذى يؤخذ بعين الاعتبار,فلسفياء هو ما كان له مكان في 
المخطط الديالكتيكى الكبير » وعندئذ يطالب بمنزلة تاريخية عالمية ومع ذلك يبدو 
طرفا العلاقة المختلفان أو المنفصلان فوق الزمن إنهما يرجعان : على نحو مطلق 
»إلى المتساوى والمتزمن ء بالطريقة نفسها .في تاريخ يجمل الزمن في بداية أو 
نهاية أو في كليهما ‏ وذلكم هو الحضور(؟ ؟) .وعندئذ فإن مرحلة هيجل في 
التاريخ - التي تشمل تاريخ الثقافات منعزلا عن أي تأثير هيلليني سائد ل تزال 
تمهد السبيل إلى تأليه العقل المطلق الذي دائما ما يعرف مقدما , كل حادثة على 
طول الطريق. 

وهكذا حدث ‏ وفقا لليفيناس ‏ أن تطورت الفلسفة الغربية بوصفها شكلا من 
التحقيق :إوزنن2ء الابستيمولوجي , الذي ينقب عن معرفة دقيقة بالعالم . 
باعتباره مفهوما من قبل ذات معزولة 7"'. وهكذا التاكيد الأولي على العلاقة بين 
العارف والمعروف (أو العقل والموضوع) يهمش نوعا أخر من خطاب يفهم التحقق 
منه , فقط . من خلال الصدام بين الذات والآخر الإنساني . وليس الأمر أن الفلسفة 
تتجاهل تماما هذه الأسئلة أو تعجز عن إيجاد حيز للأخلاق داخل مشروعاتها 
الابستيمولوجية المتعددة . وبالفعل » كما رأينا » تعد الأخلاق مطلبا ساميا من مطالب 
التحدر 728014102 من أفلاطون إلى كانط ومن بعده ‏ وقد جعلتها النظرية 
الأخلاقية منسجمة مع مزاعم الحقيقة لدى عقل لا يعترف بحدود لميدانه الخاص . 
لكن ذلك يفترض . على وجه الضبط نظاما من الأسبقيات التي يسائلها ليفيناس 


110 


بالنيابة عن الأخلاق التي لن تخضع بالتالي للأهتمامات التي تحكم السؤال 
الابستيمولوجي ٠‏ ويجادل ليفيناس بأن هذا المشروع يستحق التمحيص فعلا عند 
نقطة الصدام مع الأخرية » والآخر المتاصل اللذين يجاوزان كل المفاهيم والمقولات 
المستنبطة لإبقاء التفكير على طريق الرجوع الأمن إلى منطق أسبقيات ذاتية" 
الهوية . وبالتالي يمثل "البين إنساني 1153023ط12142:7 مسألة حدود مشتركة : 
محور مزدوج حيث ما يكون في العالم بوصفه وضوحا ظاهرياتيا موضوع إلى 
جانب ما يكون ليس في العالم بوصفه مسألة أخلاقية *') وتمثل الفينومينولوجيا ‏ 
وفقا لليفيناس كما وفقا لدريدا ‏ المرحلة السوفسطائية جدا والأكثر تطورا : مرحلة 
تصل إلى السعي نحو توقير أسس , لا مجال للشك فيها » من أجل ممارسة الفهم 
الإنساني . لكن هذا الموقف متحقق فقط على حساب فلسفة متاكدة من طريقتها 
الضيقة والابستيمولوجية في السؤال . وهي تأاخذ عند هوسرل شكل الإنعكاس 
الصارم على قوى وحدود الأنا المتعالية التي يتوجه نشاطها نحو موضوعات في 
مجال الخبرة الإدراكيحسية المستقاة من المصدر الأول . وقد حاول هيدجر وسارتر 
أن يمدا هذا النشاط إلى ميدان الإنعكاس الأخلاقي حيث تلب مسالة الإنهمام 
الإنساني بالأخرين دورا مركزيا جدا . لكنهما » كما يجادل ليفيناس . فشلا في هذا 
المسعى؛ لأنهما ذهبا إلى فهم الآخر المؤسس على الخبرة البدائية [2:151:0:012 
بالذات. ومن ثم لاتزال ‏ عند سارتر ‏ ظاهرة الآخر ماخوذة بعين الاعتبار : كما عند 
كل الوجوديين الغربيين لتكون شرطا للوحدة والاندماج اللذين هما اختزال للآخو. 
إلى مقولات الشخص نفسه.!'"') 

إن دريدا ٠‏ على أية حال شارح غير نقدي لنصوص ليفيناس . ذلك أنه يفهم 
استحالة هذا النقد الجذري ما دام هناك استمرار ٠‏ بحكم الاضطرارء في استعمال لغة 
التقليد الغربي ومفاهيمه ومقولاته الفكرية المترسبة . وبفعل أصل اللغة والمعنى 
واختلاف العلاقة بالآخر : على نحو لانهاني ٠‏ يستسلم ليفيناس لخيانة أهدافه في 
خطابه الفلسفي (الكتابة والاختلاف ص 1١١‏ ) . وبطريقة مماثلة ‏ يسائل دريدا 
مطالبة ليفيناس بتحديد الظاهرياتية الهوسرلية بوصفها صيغة من الفكر الذي تتم 
مجاوزته بأي سؤال موثوق به في القيم الأخلاقية . لقد سعى ليفيناس إلى تعيين 
هوية هذه النقاط التي يردها هوسرل بذارائعية إلى مجال انعكاس" أناوي" 


111 


121 حيث يتم تصور الأخلاق بوصفها » فقط » نوعا من المعرفة ‏ الذاتيبة 
المتبادلة . وكثيرا ما يقول ليفيناس بان جعل الأخر أنا متبدلة يمثل تحييدا لآخرهنا 
المتأصل (الكتابة والاختلاف ص 77 )١‏ ويجادل دريدا بأنه لاسبيل إلى إثارة هذه 
الأسئلة دون انتقال أولى عبر الصرامات 5:دووع1: الضرورية في الفكر النواميسي 
لوءذع2010ع 20 ف" لا يستطيع المرء أن يتحدث ولا أن يكون لديه أي حس 
بالآخر كلية إذا لم يكن هناك ظهور للآخر بالكلية أو دليل على الآخر بالكلية ؛ بما 
هو عليه . وليس هناك أحد سوى هوسرل لديه حساسية بالأسلوب الفريد ‏ والمتعذر 
اختزاله ‏ لهذا الدليل واللاتظهير 6520111612112211011امده71 المؤشر عليه 
داخله "(ص7١١)‏ . وذلك ينسجم مع ما قالته عن تأكيد دريدا على الرغبة في إبقاء 
الثقة بالعقل التنويري ٠‏ والتفكير من خلال مشكلات التحدر الإبستيمولوجي » حتى 
في أثناء اختيار حدود هذا التحدر . ونصوص دريدا المبكرة عن هوسرل دليل كاف 
على انشغال دريدا المثمر والحميم بالفكر الظاهراتي . وحجته المضادة لليفيناس - 
مثل حالته ضد فوكوه في "الكوجيتو وتاريخ الجنون" ‏ تطالب بهذه النقطة 
الجوهرية . ولن يملك التفكيك اية قوة نقدية بخصوص نصوص العقل الغربسى 
المركز يعقلى اذا ظن انه يتحرك بحسم "وراء" التحدار الغربى بالقفز عليه الى 
ارض مختلفة . 

. وعلى الرغم من ذلك فمن الواضح ان ليفيناس يمارس تائيرا ثابتا وعميقا 
على فكر دريدا . يكتب دريدا ان كل المفاهيم الخاصة بالفلسفة الغربية عند لفيناس 
"تتجه ببطء نحو فضاء 8:معخ, ١‏ ومستدعاة لتبرر نفسها بلغة اخلاقية ‏ سياسية 
؛ لاتسعى المفاهيم الى الحديث عنها - ويعتقد انها تسعى - ولنقل مستدعية نقل 
نفسها الى هذه اللغة باقرار اغراضهم العنيفة "' (ص 1,7) . ان عمل دريدا المعترف 
به على الرغم من الحرب المفتوحة - وبصفة خاصة من فلاسفة في خط الهجوم 
الانجلو امريكى - علامة على هذا العنف الذى يثير اى تحد لبروتوكولات النقاشن 
العقلى . وهنا يتذكر المرء هجوم كانط على معلمى اسرار الدين وهؤلاء الذين تبنوا 
"نغمة رؤيوية " ليعطلوا برلمان العقل . وجريمتهم الاسوا من وجهة نظر كانط هى 
التشويش الحادث بالتالى بين حقائق قابلة للسؤال المتعقل وحقائق قانون اخلاقى 
موحى به . ان معلمى الاسرار الدينية يأثمون في حق العقل والاخلاق والدين على 


112 


السواء عندما يتسببون في انهيار مصطلحات هذا التمييز الحاسم » كما يضعه دريدا 
»ملخصا كائط "١‏ انهم لا يميزون بين العقل التاملى المحض والعقل العملى المحض 
٠‏ ويعتقدون انهم يعرفون ما يكون قابلا للتفكير فيه كلية ٠‏ ويصلون عبر الوجدان 
وحده الى قوانين شاملة تخص العقل العملى " ( عن النغمة الرؤيوية ص ؟١)‏ ومن 
ثم فان الاتهام الفعلى هو ان هذه الطبقة المستنيرة المزيفة تنتصب بوصفها متعهدة 
الحقيقة الممنوحة اليهم وحدهم . وتنكر الفلاسفة الحقيقيين الذين مهمتهم تحديد 
حدود العقل الانسانى وقدراته الخاصة . ان هذا يساعد على بيان علام يكون الرهان 
عندما يرفض الفلاسفة - وخصوصا اير 4.3.8392 دريدا بوصفه شخص "أدبى 
" وبلاغى مزعج افكاره غير جديرة باهتمام مفكرين جادين 7" وبطريقة ممائلة 
بالنسبة الى كانط . فان " كل الفلسفة هى حقا غير ممتعة ع21ومرمءواى 
افتراض بان التفكير يرتد الى اصوله "الشعرية"( ما قبل السقراطية) هو مجرد 
اهانة للوقار العقلى واهانة للحقيقة . والمتعصبون للحدس غير المساعد يكشفون 
انفسهم بوضوح جدا عند اللجوء الى المجاز بوصفه بديلا للبرهان العقلى " وهذه 
السياسات. الخفية هى ايضا شعريات خفية وافساد شعرى للفلسفة "(ص 4 )١‏ وذلك 
لان المجاز -. او اللغة الشعرية " بوجه عام - يدعى الوصول الى عالم من الحقيقة 
الحدسية غير ممكن تفسيره وفقا لعقل عادى بسيط . انه مرة اخرى . برلمان 
الملكات العقلية عند كانط - خطاب اصوات حرة ومتساوية وخاضعة لقانون العقل - 
الذى يظهر نفسه بسرعة لتسجيل هذا التهديد . وما يكرهه كانط جدا بخصوص 
الفلاسفة الشعراء 5 طمرهدهاأطم 4 هو عادتهم في اطلاق العنان للاسلوب 
العاطفى الذى يتجاهل قواعد التبادل البرلمانى المتحضر . ومتعهدو الرؤيا النبونية 
" يسخرون من العمل والمفهوم والمدرسة ... وما يمنح لهم يجعلهم يثقون في 
الاقتراب على نحو عفوى والهى وحدسى من او عبر العبقرية , بعيدا عن 
المدرسة" (ص ؛) . وورقة الابرشية )5866-©6ع:99ء الكانطية هذه . يكررها 
بانتظام فلاسفة من مثل اير 4967وسيرل ع11هء5 عندما يعتبرون ان اسلوب 
دريدا " الادبى " مجهد الى حد رفض الانشغال به بجدية من خلال نقاش متعقل . . 

واجادل انا » على العكس تماما : ان التفكيك ينطوى على عناء فكر ‏ سعى 
نحو نقض حاسم للباطنية - يرصفه بطرق عديدة مع الكانطية اكثر مما يرصفه مع 


113 


معارضيه المتعجرفين . ويكتب دريدا » بوضوح تام » انه لاامفر من " القانون 
والقضاء والقدر" لدى الفكر التنويرى في الايام الحالية . وتلك تيمة كتاباته 
المتاخره عن سياسات المعرفةو "مبدأ العقل " ودور التعليم والبحث الجامعى . 
انها مفارقة ظاهرية الى حد بعيد ان يكرس دريدا نفسه ليدافع عن مكان الفلسفة في 
المناهج الجامعية والمدرسية ٠‏ بينما يواصل "تفكيك" البراهين التقليدية ومزاعم 
الحقيقة . ويتساءل دريدا :" من يكون اكثر ايمانا بنداء العقل » من يسمعه بلان 
حادة ... الشخص الذى يطرح اسئلة بالمقابل ام الشخص الذى لايريد ان يسمع اى 
سؤال بخصوص مبدأ العقل ؟" ( " مبدأ العقل" ص ؛ ) ويمكن ان يقرأ هذا السؤال 
بوصفه مهمة مضاعفة من ناحية اولى للفلسفة : طالما انها متعامية اساسا عن 
اهتماماتها وبواعثها الحاكمة لكن من ناحية اخرى - واشد حدة - يمكن ان يقرأ 
بصدد هذه الاشكال من البراجماتية الجدية او " ما بعد الحدائة " التى تتبرا من 
العقل نفسه. وحسب دريدا كما حسب ليفيناس » هناك وصية اخلاقية تطالب الفلسفة 
بتوفير مصطلحات تمنح مقاومة قصوى لقوى سيطرتها المستعادة ٠‏ لكن هذه 
المطالبة يدعمها الانشغال الحميمى والمتعقل بالنصوص حيث تخاطر الفلسفة 
بمزاعمها عن الحقيقة . 1 

. مؤكد ان دريدا يمضى ابعد يمضى باتجاه تعرية المثال الكانطى للفلسفة الذى 
يعاملها بوصفها موضعا للسؤال النزيه والمحض ٠‏ والمتحرر من ضغوط التصادم 
الحكومى استنادا الى لا مشاركتها المكفولة في الشئون العملية . ويوضح كيف ان 
بلاغة اللامبالاة تخدم رفع صورة الفلسفة ذاتها » كما تساعد بحسم شديد » على 
ابعاد الاهتمام عن رهاناتها وانشغالاتها المضاعفة بالعالم "خارج" الجامعة لكن 
ايراد هذه الحجج ضد المثالية الكانطية - وربط هذه المثالية بابستيمولوجيا معينة 
تخص المعرفة والعقل والحقيقة - لن يكون افتراضا باننا نتخلى من الان فصاعدا ١‏ 
عن المشروع الكامل للنقد التنويرى : قهذا العمل يتضمن , دائما كما يكتب دريذا :" 
ايماءة مزدوجة ودعوى مزدوجة : ضمان كفاءة مهنية ( احترافية م ) وضمان 
تقليد اشد جدية للجامعة حتى اثناء الانطلاق بقدر ما يمكن ظاهريا وعمليا في عمق 
الفكر الاشد مباشرة بخصوص الهاوية 4:55 غير الجديرة بالجامعة ... ففى هذه 
الفقرة من " مبدأ العقل" (ص )١١‏ يلمح دريدا من ناحية الى المعالم الطوبوغرافية 


114 


المميزة لحرم جامعة كورنل !0261 ومن ناحية اخرى يلمح الى هذا التحدار 
الطويل للفلسفة من افلاطون الى- هيدجرء ذلك التحدار الذى يسعى الى تأسيس 
ارضيات او قواعد للعقل نفسه. وتصبح هذه الاسس غير المتاحة تماما - اى 
نتاجات ارادة الحقيقة داخل اللغة والمجازات المتنكرة في صورة مفاهيم - رسالة 
نيتشوية مستخلصة . غالبا من نصوص دريدا » الا ان تناول هذه الرسالة في 
مواجهة القيمة ع9111؟ يمثل موافقة على هؤلاء الذين يرفضون قراءة دريدا بسبب 
لا عقلانيته المفترضة . قد يكون موضع شك العقل نفسه ‏ شك متان ومبرهن عليه 
بدقة متناهية - ان الفلسفة تنهض ٠‏ على احسن وجه بمسئولياتها الحالية  .‏ 
الهوامش 


2 :0:10) لإطمهدم1لط 300 ععمع0نارم15ا[ 15 5/إ8552 1و1[ 1.4 1[ 0» 
(1983رووع+]2 
”وعمارل-ععلعهظ8 نم0 عملائنا نزهدوء كتلط مز عومطمهاعم كتطا مه 5غ)2رمطواء ولتععط 22 
75-76 .00 ,1 بره بملكأء 011 300 تلمأأعناأوومعع7 زرو 
(1961 ,عاوعا! نعود ةالبط8) عطععماءنل! ررعوعءلأء1] منروزح اث 
. (260) نز0601 صل , ”ماه 0265 16لأ 000038 ,ولتجعع )4١‏ 
114-18 .مم با مه راكع 9 0 0ه 5ع نال) عط 2200 ذأكلزأ وموم روط 
رنألء مه ,ععوعىع0111آ ل0هة عم امد ما 7 انين 015 ع7قع56 عط لمق انعم رول زجع« 23 
6 عط 0ل لعلااع ع3 و5ع6 26161227 1761أزنة اا ,196-231 2 

5010م 1/112 00 نأ ,عام تعماءط مدعا عط لومزءع8 رلنععط كك 
لء ,لمقعطارا لنءء؟ مقعتاعم عط 04 21 .أه6/ ,وتكلز له مومع نزوط 0 لومع!1 ع5 
56 .275-337 .مم (1984 ,رلأنومء5 نطاعءه053 ممصم ة11) دلقطءزه واعومم 
3-7 .مم لاا اهاءءمدع 
نل" 000011 1) عكناة© 186) 300 صول! عط ا لناعء 1 رعلة[© .قا لأودمجط عع 7) 
8 5 *لناءر] مأ 5عع53كقم أطئنات] ععطأه لقة كلط) 2ه ذا تقاعل :10 (1980,عم2© 
لإأم3ء كلط ننه 20ق 10 كعاعنا ع1 .5عامتء15ل 0صه8 كأمعء5)10 ردعناوقء|أمء ذزط ططغزب 
8 أقط©ط) ع070206م5ع029ء لإمقهر علا مممتة ععة ذوع! !"1 دماأعطات/قلا ع)وزعمووع 
205121 غ31 قل مآ وممن وجرورل 
0 .م0 رهمع! ادم /ا ع1 ,تدكط ا /لا. عا /لا براأوأاءعموع عمك 99) 
دع ل0) لعوده11 لمقطء 11 .كمقن) رصم لم2 ]1ن 220 كد5ع«71120 ,اأناقعناه [عج ]ليح 03 
ذه بدمغواط عط 00هة مأأعه© عمد رعباوتاى 35ل 1221 عه" (1965 ,لمعطاموط لومي 
1-3 3.مم ,1 .مه ,ععوعمع10111آ لمة عمتأمه مز رووعملدم 
لدوءعه؟ ع5 5غ عاتلمعمم8 قد 35 لععقعمم3 10221023 10 ع025م5ه2.: 5*]أناوعن5نس 219 
583-313 .مم ,(1972 ,30ت أأأون : كأمةظ) المذلهك10آ أء أ زأه؟ 4و ومل6زلءع 
,20511085 لوقام صعءاط 16 بز ألقناعء 1 له تعءاطمءط عط1 ,ل1ة5 لموجلع عمم؟ )01١‏ 
673-4.مم ,(1978) /11 .801 ,لماناوما أوءلاتى 
ركع غ516 ققتن11 عط 2ه نجعمامعوطاععة مد : كعصتط1 2ه عع0,0 ع1 ,اأسوع5مع 312 


115 


,67167 وللومكء ,(1970 رعكناه1!]! تانمل تق : عأرولا بجعل1) مدل أمعط5 مداخ .23355 
مارج82 وع8 .كمقر) , عدرول8 روط ,عدووناطالخ كتناما بععمواكوا رغنك (13) 
لقع ونبرعواء8 عع طاو .(1969,كئامه8 مأنومعط نمه -5لممصمج 1[) 
القعمآ ,رتع5دنا كاذ 01 ا7انامعء3 لأعنا! 3 5رع11ه (1980: ,العناطااء564 :هلهم ا) عءتأعووط 
.15]! أقعناععمعط) أوتمقط ناطتاصة كلط) 01 كامعدمممعم ععطاه 24 
أن .مه رأناعء! -مأول!ا-2296 1 مأ كمطالاخ عط أه لاقع 156 ,وعطنمة8 مواة مم6 (14) 
طوناكا .5 ,85/أأنهء28 856 أه عقأماعه00 ع5 الإحامهذهائظام أقئ 001 ؤامق؟! ,عدنمزع0 عازه (15) 
.32 م,(6)6551984 عمماطامْ :0ه0000ما) لمقزعططقط 836328 300 اي 

.32-3.مم ا 

مة !0 لإقك5ع 5لط 8150:.)© .مه ,'م862350] أ0 عأمإعواءط 116 ,103مع2 ,عنم5)3مأ 10 566 7 


000 الإعلاقع 1 .© ململ .كمقم! ,'لإامه5م!أكام مأ 60أم00م8 بالأمعمعع ممه مسكة 
3-7 .26 ,(1984) 210.2 .الا .اميا ,بسوانع 5 بمعجانع) ] 


بع لا) تأمعلام20اطع5 300 1هذذ[ة1ام3© :5نام الع 0-أأقم ,0131130 »ذاع؟ ممه عدنعاءع0 دمازز (15) 
.(09,1977كاتلا اا 

تاعارم ال 5 لالاموؤوائطم اقعناقين كخامقا ,داهم 9١‏ 

لإعبلقع ) .2 ململ .كمضقع) ,بممتاءعن هاما مق الماع صممع6 أو وزوأ:0 5 أرعوونلا لمناصرلع ,03ممرع6 
.(5,1978وعم2 لإاأ5اع/اأملا عموعنوناط ا ( 


-© | أ16 5273 أ0 ألأونامط1 1156 00 /[قذ5ع 30 :كن أ5لإدام1/)3 300 ععمعاوالا , 006503 همه ١١‏ 
79-3 .مم .]١ت‏ .م0 .ععمععء]01 مدق ونناقلالا ما ا 

ناماع )م ,غاى| عتوتططق8 أه عممعومقمع عطا: 5ع405/) أو ك5معلإهقا5 116 ,ممقدماع0مق31ا موولة ! 
.(1982,ووع257 علرو/ ببعلا أن راأأكاع امنا 6)ةا5 :لالذ ,لإمهطاق) بجمعط؟ بمهم6 1ن 1 

0 م١0‏ للؤ5أاهع0 قروأع8,301 04 عوترعباللما عط لإاطقهامقكت- موناععممم ؤ5تطأ.ما عتمم عه 


3 06 5لاد255 :و83 مقلعاعم512165 1531 ,130165!! ععمع/16 ععو - 5عألن)5 2030عمو8/))6ق59 
.(1986,معناطاع1ا ٠05000:‏ ) ووعوورط اقع امه 


6 .م61 .مه لإممرموع>| ثيب بمرعأبمعام1 ع0 ( 4 


45-63مم 61 .مه الإعموع)1 مز كهماناع ] اأعنامقصصع طاتينا برعالمعاما ,لإعمردع>ا لرقطءاكا 5 
| 55م 


55 م نط (26) 


6 :لاواناطقكاأز5) 5أومنا .لل .1305 بلاألصقما 200 017+ ,1685لا | اعنام ةصصع 227 
١‏ .(5655,1979 بإأأومع يرزملا 


6 .م 8 0600 ,ألا ا طايه يبع ابرع ما الإعموع > ١‏ 0 
56 .م ,وز 209 


9 8 .(1984,مهذامةنل! ممه لاعأمع0/! :موده ا) «أعتفمعولاالالا ,عيرم .ل بم (0نا 


220١ 


116 


حول جدل دريدا و أوستن و سيرل 
ماهر شفيق فريد0) 
ترمى هذه المقالة القصيرة ‏ كما هو واضح من عنوانها ‏ الى استكشاف جانب او 
جانبين من فلسفة اللغة وذلك من خلال المناظرة التى جرت على الورق بين جاك دريد(') 
وجون أوستن'') وهى المناظرة التى دخلها جون سيرل2 للدفاع عن الشاني واعتمد 
بصورة اساسية على فصلين :احدهما يحمل عنوان "المواضعة والمعنى" : دريدا و 
أوستن "بقلم جوناثان كلرا'» من كتابه المسمى في التفكيك : "نظرية الادب في 
سبعينيات القن العشرين" (587 ١مطبعة‏ جامعة كورنيل ) وقد اعيد طبعه مع تقديم من 
جانب المحررين ‏ في كتاب "النظرية الادبية المعاصرة: الدراسات الادبية والثقافية " 
بتحرير روبرت كون دافس ورونالد شليفر 4 55١ءالناشر:‏ لونجمان ٠‏ نيويورك ولندن) 
والفصل الثاني يحمل عنوان "رسائل إلى الوطن : دريدا و أوستن والرابطة بأكسفورد" 
وهو الفصل السابع من كتاب كريس توفر نوريس7 عن دريدا فى سلسة كتب فونتانا 
580 الندن ) ش 
نحن هنا بازاء ومنظر امريكى للافعال الكلامية سيرل ‏ وفيلسوف فرنسى - 
دريدا قرأعلى نحو مغاير كتاب عالم اللغة البريطاني اوستن المسمى كيف نصنع اشياء 
بالكلمات (410١كمبردج‏ : ماساشوستس ) وهو من علامات الطريق فى فلسفة اللغة . 
وينحاز كلر الى جانب دريدا مبينا كيف ان رد سيرل على الفيلسوف الفرنسى (وذلك فى 
مقالة عنوانها "اعادة الاختلافات : رد على دريدا بمجلة "جليف طم:و5177(©1١)‏ 
يخطىء ادراك مراميه . 
ويبدا كلر فصله بشرح محاولة اوستن تحديد معانى المنطوقات وعع5ه,»ء)) 
على اساس نسق من الافعال الكلامية » نسق يوفر قواعد تواضع الناس عليها تتضمن 


1 استاد الأدب الإنمليزي » حامعة القاهرة 


117 


الملامح السياقية للمنطوقات ان محاولة اوستن تصف المنطوق والمعنى على نحو 
مستقل عن نية المتكلم . بمعنى ماهو قائم فى ذهن المتكلم عن شروعه فى الكلام . 
ويفرق اوستن بين الافعال الكلامية الجادة وغير الجادة » بينما يرى دريدا ان هذا يدق 
اسفينا يعاد به ادخال نية المتكلم فى حدثينا عن المعنى وبذلك يحبط اوستن مشرؤعه 
الخاص » وهو مشروع يتعاطف معه دريدا الى حد ما. ودعوى سيرل المضادة ‏ دفاعا 
عن اوستن - هى ان دريدا قد اساء فهم استخدام اوستن المنهجى لكلمة "جاد " وانه 
يستخلص من الكلمه اكثر مما يسوغ له ان يفعل. ويرى كلر ان سيرل ققد اخفق فى 
مواجهة القضايا التى يثيرها دريدا فى نقده لاوستن كما يحتمل ان يكون سيرل قدسها 
عن مدى مشروع اوستن. 

ويولى كلر اهميه خاصة لمصطلحى "الاكمال 2262)2:16ء1[ مدنو وامكائنية 
التكرار 111ط72عغ1 وهما مفهومان مفتاحيان لفهم مناظرة سيرل/دريدا (صوص 
دريدا ذات الصلة هنا هى فصله المسمى "التوقيع الحدث السياق: من كتابه "هوامش 
الفلسفة" . باريس ١577‏ ومقالته المسماة 12 - [1:)6:د:.1 بالتيمور /1/ا5 ١‏ ان 
"الاكمال" مصطلح دريدى يعنى (فى الفرنسية ) تكملة او إضافة الى شىء ما كما يعنى 
استيدالا او احلال شىء محل شىء . اما امكانية تكرار الخطاب فتثير فكرة عدد لا متناه 
من السياقات للمنطوق بما يجعل من الممكن تقرير المعنى دون رجوع الى شفرة 
200 لمواصفات السياق. وما يقوله دريدا فى النهاية هو ان إمكانية عدد لا متناه من 
المواضعات تحبط مشروع تقديم شفرة منهجية لها . 


عاد جو عاو عقو عاو 


يقول كلر فى فصله "المواضعه والمعنى : دريدا واوستن" ان المعنى فى منظور 
دى سوسير » نتاج مواضعات لفويه » ثمرة نسق من الاختلافات . فلكى نفسر المعنى 
نحتاح الى ان نطرح علاقات تضاد وامكانات تضام تشكل اللغة ولكن المشكلة هنا كما 
لاحظ كثرون هى ان نظرية تشتق المعنى من مواضعات لغوية لا تفسره كلية . فلو نظر 
المرء الى المعنى على انه نتاج علاقات لغويه متجلية فى منطوق فسيكون عليه ان 


118 


يواجه الحقيقة الماثلة فى ان المتكلم يمكن ان يعنى امورا مختلفه بنفس السلسلة اللغوية 
وذلك فى مناسبات مختلفة . ان قولنا "اتستطيع ان تحرك ذلك الصندوق؟" قد يكون 
طلبا او سؤالا عن مدى قوة المخاطب او حتى سؤالا بلاغيا يشير بتسليم ‏ الى 
استحاله تحريك الصندوق . 

ويفرق اوستن بين نوعين من الكلام :منطوقات خبرية ©+0750)801© تحتمل 
الصدق او الكذب اذ تصف حالة من الحالات ومنطوقات ادائية 4025:20106:ع7 ليست 
بالصادقة ولا الكاذبة وانما هى تؤدى فعليا » الفعل الذي تشير إليه (كقولنا "اعد بان 
اسدد لك الدين الذي على غدا" ففى هذا القول اداء لفعل الوعد ). 

ولو اننا قلنا "هذا الكرسي مكسور" لأمكن ان تكون لهذه العبارة معان عديدة : 
"احذرك من ان هذا الكرسى مكسور".ابلغك أن هذا الكرسي مكسور . "أسلم لك بان 
هذا الكرسي مكسور" ٠‏ "اعلن لك ان هذا الكرسى مكسور "2" أشكو إليك من ان هذا ” 
الكرسي مكسور" . | 

ويفرق اوستن ايضا بين الأفعال الكلامية و)ع2 :7ه ه1024 والأفعال الإنشائية 
5 +111024108531 فعندما اقول "هذا الكرسى مكسور" أؤدي الفعل الكلامي وهو 
نطق جملة (باللغة العربية هنا ) وفى الوقت ذاته أؤدي فعلا انشائيا هو التقرير او 
التحذير او الاعلان أو الشكوى . وثمة أيضا ما يدعوه أوستن الأفعال قبل الكلامية 
جدعدهة؛نهو1ءءطأي الأفعال التي قد أقوم بها بأدائي الأفعال الكلامية والإنشانية : فإذ 
أجادلك قد أقنعك , وإذ أعلن لك شيئا قد أجعلك على وعي به . وقواعد النظام اللغوي 
تفسر معنى الفعل الكلامي ٠‏ وهدف نظرية الفعل الكلامي هو تفسير معنى الفعل الإنشانئي 
أو كما يدعوه أوستن ‏ القوة الإنشائية لمنطوق ما. 

وينقلنا هذا إلى بعض المفاهيم الأساسية لعلم العلامات . ك1041ممء5. يقول 
أمبرتو إيكو في كتاب "نظرية في علم العلامات" : "العلامة هي كل شئ يمكن اعتباره 
بديلا » على نحو دال لشئ أخر .. فعلم العلامات من حيث المبدأ هو النسق الذي يدرس 
كل شئ يمكن استخدامه من أجل الكذب . فإذا كان هناك شئ لا يمكن استخدامه في قول 


119 


كذبة , فإنه ‏ عكسا ‏ لا يمكن استخدامه في قول ما هو صادق" . إن جملة مشل 
"الخفاش قد حط على قبعتي" ما كانت لتكون سلسلة دالة من الكلمات لو تعذر ان 
يقولها المرء كاذبا . وبالمثل نجد أن عبارة "الأن أعلنكما زوجا وزوجة" ‏ التي يقولها 
الكاهن عند إجراء مراسيم الزواج ‏ لا تكون أدائية إلا إذا كان من الممكن أن تخطئ 
هدفها . اي أن تستخدم في ظروف غير ملائمة ودون أن يترتب عليها توثيق عزوة 
الزواج. ' 

وفي رده على دريدا » يذهب جون سيرل إلى أن فكرة أوستن هي ببساطة , كما 
يلي : إذا أردنا أن نعرف ما معنى قطع عهدا أو التفوه بتقرير فمن الخير لنا ألا نبدأ 
حديثنا بعهود يقطعها ممثلون على خشبة المسرح فسي مسرحية أو تقريرات في رواية 
قدمها روانيون عن شخصيات في الرواية لأن مثل هذه المنطوقات ‏ كما هو واضح ‏ 
ليست حالات قياسية للعهود والتقريرات.. وقد ذهب أوستن مصيبا إلى أنه من 
الضروري أن نعلق مجموعة من الأسنلة عن الخطاب الطفيلي إلى أن يكون المرء قد رد 
على مجموعة سابقة » منطقيا » من الأسئلة عن خطاب جاد". 

ربما كانت هذه هي "فكرة أوستن".ولكن ملائمة مثل هذه الفكرة هي على وجه 
الدقة ‏ موضع السؤال . وهنا يقول دريدا : "إن ما هو في الميزان هنا هو قبل كل شسئ 
الاستحالة واللامشروعية البنائيان لمثل هذا الاضفاء للطابع المثالي أو التصوري 
15و حتى لو كان منهجيا ومؤقتا". 

ويقول سيرل : "لا يمكن , مثلا » أن تكون هناك عهود يقطعها الممثلون في 
مسرحية لو لم تكن هناك إمكانية قطع عهود في الحياة الحقيقية" . ومن المحقق أننا 
متعودون على التفكير بهذه الطريقة : فالعهد الذي أقطعه على نفسي حقيقي . والعهد 
في مسرحية محاكاة خيالية لعهد حقيقي , إعادة فارغة لصيغة تستخدم في قطع عهود 
حقيقية . ولكن من الممكن أن يحاج المرء قائلا إن علاقة الاعتماد هذه تتحرك أيضا في 
الاتجاه المقابل : فلو لم يكن من الممكن لشخصية في مسرحية أن تقطع على نفسها 
عهدا » لما كانت هناك عهودا في الحياة الحقيقية » لأن ما يجعل العهد ممكنا (في رأي 


120 


أوستن) هو وجود إجراء متواضع عليه؛ أو صيغ يمكن إعادتها. فلكي أتمكن من أن 
أقطع ل ل 
أو صيغ كتلك المستخدمة على خشبة المسرح. 

لايمكن لسلسلة من الكلمات أن تكون ذات دلالة إلا إذا كان من الممكن إعادتها . 
إلا إذا امكن تكرارها في سياقات وغير جدية جدية متنوعة . إلا إذا أمكن إيرادها 23ع114© 
أو محاكاتها محاكاة ساخرة 7001604:وم. ليست المحاكاة عارضا يقع لأصل . وإنما هي 
شرط إمكانه . لايمكن أن يكون هناك أسلوب اصلي مميز لهمنجواي إلا إذا تسنى 
إيراده» ومحاكاته محاكاة جادة » ومحاكاته محاكاة ساخرة . فلكي يوجد مثل هذا 
الأسلوب يتعين أن تكون هناك ملامح يمكن التعرف عليها تسمه . ويتعين أن يتمكن 
المرء من عزلها بوصفها عناصر يمكن تكرارها , وهكذا فإن إمكانية التكرار. المتجلية . 
فيما هو غير أصيل : واشتقاقي » ومحاك . ومجاك محاكاة ساخرة ٠‏ هئ ما يجعل 
الأصيل أو الأصلي ممكنا . 

ويورد أوستن مثال الزواج تدليلا على محاجته. فعندما يقول القس :"الأن 
أعلنكما زوجا وزوجة" فإن منطوقه يؤدي , بنجاح » فعل ربط أثنين برباط الزواج إذا 
استوفى السياق شروطا معينة : ينبغي أن يكون المتكلم شخصا رخص له بعقد الزيجات» 
ينبغي أن يكون الأثنان اللذان يخاطبهما رجلا وامرأة غير متزوجين ١‏ وقد حصلا على 
تصريح بالزواج » وأن يكونا قد تفوها بالعبارات المطلوبة في الاحتفال الذي سبق 
الكلمات (كان يقول كل من العروسين : إني أفعل" 40 1 ردا على سؤال الكاهن 
"أتقبل" أو "تقبلين" هذا الرجل أو "هذه المرأة "زوجا" أو "زوجة" لك؟ . ولكن 
هب أن متطلبات الموقف قد توافرت ولكن أحد طرفي الزواج كان واقعا تحت تأثير تنويمم 
مغناطيسي . أو أن كل جوانب الاحتفال كانت مستوفاة ولكنها دعيت "بروفة" أو تدريبا 
على عقد القران الحقيقي » أو أنه ٠‏ على حين كان المتكلم قسا رخص له بعقد الزيجات . 
والزوجان قد حصلا على الترخيص المطلوب . فإن ثلاثتهم كانو يمثلون في مسرحية 
تصادف أنها ضمت مشهد عقد زواج. 


121 


أو أنظر ماذا يحدث لوأنه . بعد إتمام مراسيم عقد الزواج ». قال أحد العروسين : 
إنه كان يمزح عندما قبل الاقتران بالطرف الأخر ‏ إنه كان يتظاهر بالقبول ٠‏ أو يجري 
مجرد بروفة» أو يتصرف تحت ضغط واقع عليه كان يكون أبو العروس ‏ طوال الاحتفال 
. يصوب إليه مسدسا على سبيل التهديد . سنضطر في هذه الحالة إلى أن نعيد النظر في 
القوة الإنشائية للمنطوق : إن المعنى محدود بالسياق ؛ ولكن السياق بلا حدود. 

ولناخذ مثلا آخر . أي فعل كلامي يمكن أن يكون أكثر جدا من فعل التوقيع على 
وثيقة وهو أداء قد تكون نتائجه القانونية أو المالية أو السياسية هائلة ؟ فبالتوقيع على 
وثيقة يغدو المرء ...في ثقافتنا الراهنة ‏ مسئولا مسئولية كاملة عما ورد فيها . إنه 
ينتوي ما تعنيه ويؤدي على نحو جاد الفعل الدال الذي تنجزه الوثيقة. 

التوقيع » شأنه في ذلك شان الأفعال الكلامية يتضمن )١(‏ اعتماد المعنى على 
عوامل مواضعاتية وسياقية » ولكنه يتضمن أيضا )١(‏ استحالة استنفاد الإمكانسات 
السياقية بحيث يمكن وضع حدود للقوة الإنشائية ومن ثم (؟) استحالة التحكم في أشار 
فعل الدلالة أو قوة الخطاب باصطناع نظرية سواء كانت تتوسل إلى نوايا الذوات أو إلى 
شفرات وسياقات. 


جلو علد جا جلو جو 


ننتقل الأن إلى ما يقوله كروستوفر نوريس في كتابه "دريدا" عن جدل دريدا 
وأوستن وسيرل . لقد شن الكثيرون من أتباع التيار الرئيسي في الفلسفة الأنجلى - 
أمريكية ‏ تيار التحليل المنطقي ‏ هجماتهم على دريدا لأن كتاباته تتخذ منعطفا "أدبيا" 
(شان كثير من الكتابات الفرنسية الحديثة) ولأنه يدفع بالاسلوب إلى مكان الصدارة على 
حين لا يولي مسائل الفلسفة "الجدية"العناية التي تستحقها . كذلك يتهمونه بأنه محا 
الخطوط الفاصلة بين "الفلسفة" و "الأدب" معالجا الأولى على أنها مجرد ظاهرة 
نصية ومن ثم فإنه يخضع "العقل" ل "البلاغة" . 


122 


ويتخذ سيرل موقفا قريبا من ذلك عندما يحاسب دريدا قائلا إنه أساء قراءة 
أوستن إساءة صارخة وذلك في صدد نظرية الفعل الكلامي وعلى أحد المستويات يمكن 
النظر إلى هذا الجدل على أنه مثل من أمثلة كثيرة (وإن يكن مشلا متطرفا) للسجال بين 
المنطق الأنجلو ‏ سكسوني القائم على حسن الإبراك المشترك 0556556 مره ©> 
والتدويمات العالية للنظرية الفرنسية بعد البنيوية . ودريدا ذاته يعبر عن شكه فيما إذا 
كان من الممكن لمثل هذه المساجلة بين موروثين فلسفيين أن تقع أساسا لولا فجوات 
الفهم الهائلة المتبادلة » على طول الطريق » بين الطرفين , فليس ثمة شك في أن هناك 
انقطاعا خطيرا للاتصالات بينهما . 

ولنلخص القضية فيما يلي : يرى سيرل ٠‏ ومعه أنصاره في المعسكر "التحليلي" 
أن دريدا قد أساء قراءة نص أوستن بمعنى أنه صمم على ألا يصدق أن هذا الأخير نجح 
في أن يقول ما يعنيه » أو أن يعني ما يقول . ويفترض دريدا »على العكس , أن أكثر 
المواضع كشفا في نص اوستن هي تلك التي نجد فيها أن أختياره لاستعارته وأمثولاته 
الرمزية وتعبيراته يخلق مشكلات حقيقية لأي امرئ يريد أن يقرأ نصه قراءة فاحصة . 
وعند سيرل أنه لا وجود لمثل هذه المشكلات وإنما هي نتاج لتصميم دريدا الملتوي على 
تجاهل المعنى الواضح لكلمات أوستن ٠‏ واتجاه نواياه ٠‏ بينما يتمسك دريدا بتفاصيل 
ثانوية يمكن للفلسفة ‏ الفلسفة الجادة ‏ أن تغض الطرف عنها. أيمكن أن ينون دريدا 
جادا عندما يضع موضع المساءلة الفكرة القائلة إن اللغة » أساسا » وسيلة للتوصيل 
وأن التوصيل وظيفتها المثلى ؟ أوعندما يوحي فعليا بأن الأفعال الكلامية الملفقة أو 
الخيالية (هي التي يستبعدها أوستن من مجال الاعتبار"الجاد") قد تكون في الحقيقة 
هي النموذج للمنطوق الأداني بعامة؟ أو عندما يضفي طابعا إشكاليا على فكرة 
"السياق" إلى الحد الذي ينكر معه إنها يمكن أن تكون أساسا لتقرير ما تعنيه الأفعال 
الكلامية في أي موقف معطى ؟ إن قول دريدا بهذا كله لايمكن أن يعني (في نظر سيزل) 
غير أنه ليس منغمسا في حجاج فلسفي "جدي". 


123 


هكذا ينظر سيرل إلى ما يعده إهمالا بالجملة ‏ من جانب دريدا ‏ للبروتوكولات 
الأولية للحجاج الفلسفي . وعنده أن التفكير خليق أن يتنكب جادة الصواب إذا هو عنى » 
أكثر مما ينبغي بمسائل الأسلوب "الأدبي" , أو إذا تركنا البلاغة تقف في طريق 
الاتساق المنطقي المباشر . ولكن الحقيقة ‏ في رأي كرستوفر نوريس ‏ هي أن نص 
دريدا يمتلك صرامة خاصة به ١‏ وهو ما قد نغفل عن ملاحظته إذا تركز اهتمامنا على 
الألعاب اللغوية التي يلعبها على حساب سيرل . إن دريدا لا يقول باستحالة كل اتصال » 
وإنما هو يضع موضع المساءلة حق الفلسفة في أن تقيم ‏ بالجملة ‏ نظرية في العقل 
واللغة على أساس. من أفكار الحس المشترك التي تعمل بكفاءة في مجالات الحياة 
العملية » ولكنها تتخذ طابعا آخر عندما تعد مبدأ فلسفيا . ولهذا يمضي دريدا شوطا بعيدا 
في محاولته إثباث أن نص سيرل يمكن أن يرد عجزه على صدره بما يناقض افتراضاته 
الخاصة الحاكمة . إن دريدا لا ينكر أن اللغة ذات جانب "دولي" يسمح لنا ‏ مرة أخرى » 
في مجالات الحياة العملية ‏ بأن نفسر ألوانا متنوعة من المنطوقات الأدائية بما يتمشى 
مع الموضوعات ذات الصلة , ولكنه ‏ بالتأكيد ‏ يرفض الفكرة القائلة إن الفلسفة 
تستطيع أن ترسي قواعد هذا الإجراء بأن تشرح كيف يجمل باللغة أو ينبغي عليها أن 
تعمل إذا أريد لعملها أن يكون ذا معنى . 
وظاهريا يبدو أن سيرل يقف في جانب العقل المشترك بينما دريدا يسلك الدرب 
الفرنسي المألوف : درب التجِريد الميتافيزيقي . ولكن الواقع أن جدلهما يكشف عن 
انعكاس غريب لهذه الأدوار التقليدية . فإنما سيرل هو الذي يترجم مطلب ديكارت - 
مطلب "الأفكار الواضحة المتميزة ‏ إلى نظرية في الفعل الكلامي قائمة على فكرة اتصال 
ذي امتيازات خاصة به بالمعاني والنوايا . بل أن دريدا يذهب إلى حد القول بأن مقدمات 
سيرل ومناهجه مشتقة من "فلسفة القارة (أوربا) وهمي بشكل أو بأخر بالغة الحضور 
في فرنسا" بمعنى أنها مشتقة من موروث تفكير هرمينوطيقي أوربي . 
وقد نشات الهرمينوطيقا ‏ من حيث هي نسق فلسفي واع بذاته ‏ مع الانعطافة 
التأملية التي حدثت في القرن التاسع عشر في صدد كتابه التعليقات والشروح على. 


124 


الكتاب المقدس ودراسة اللغة ثم هذب من حواشيها وطورها ‏ لغايات كثيرا ما كانت 
بالغة الاختلاف عما كانت تتغياه عند نشأتها ‏ مفكرون من طراز هيدجر وججادامر 
وريكور. وهكذا تنطوي كتابات أوستن وسيرل في رأي دريدا على ميتافيزيقا مخبوءة 
ويكون من حق دريدا(في راي نوريس)أن يدعي أنه قرأ اأوستن على نحو أدق ‏ وأشد 
صرامة ‏ مما فعله أنصار أوستن المخلصون مثل سيرل . 

من الخطا إذن أن ننظر إلى الجدل بين هؤلاء الثلاثة على أنه تبادل طقسي 
للطلقات بين ثقافتين مختلفتين . إنه خطا (أولا) لأن القضايا التي يتضمنها هذا الجدل 
أكبر من أن تكون محدودة بحدود ثقافتين » وإنما هي في رأي دريدا ‏ تشمل كل ما هو 
في الميزان في مغامرة الفلسفة . وهو (ثانيا) خطا لأن استراتيجيات دريدا التفكيكية 
ليست مجرد نوع من التلاعب اللامسئول بالكلمات » وإنما هي تأمل صارم متسق في 
المشكلات التي نجمت عن نسيان الفلسفة طابعها المكتوب أو النصي . و (ثالثا) نجد أن 
الأدوار في هذه المواجهة الثلاثية تنعكس أحيانا على نحو غريب حتى ليستطيع دريدا أن 
يتساءل : "أليس سيرل في النهاية أكثر قارية (أوربية) وباريسية مني ؟ 

والواقع أن دريدا لايتماهى مع الموروث الفلسفي "الفرنسي" باعتباره نقيضا 
للموروث "البريطاني" وإنما تكشف نصوصه المتأخرة ‏ مثل كتابه المسمى "البطاقة 
البريدية" من سقراط إلى فرويد وما بعده" (باريس -)١18٠‏ عن تنامي أهتمامه 
ببعض فلاسفة أكسفورد واستخدامه التفكيكي لبعض أفكار مفكرين من طراز أوستن 
وجلبرت رايل”. إن ما يجذب دريدا إلى هذا المناخ الفكري الأكسفوردي. هو اختلافه عن 
المناخ الأمريكي ذي الطابع الاحترافي » وانفتاحه على المجازات المعنوية والانعطافات 
الخيلية في الحجاجء واهتمامه بموضوعات تهمه هو شخصيا مثل الفرق بين استخدام 
عدزوتآ الكلمات ومجرد إيرادها عم)1ة© أو ذكرها عدنوه])مء71 إن أكسفورد في 
نظره يوتوبيا جذابة بقدر ما تمثل نمطا من التفلسف يقوض على نحو حاذق كل الأنساق 
الفكرية الأصولية أو السنية :0248000 الراسخة (بما في ذلك "الفلسفة اللغوية" 
التي يعتنقها (سيرل وأضرابه) . لا غرابة إذن في أن تكون أكسفورد هي مسرح 


125 


"الفصل" الأول من كتابه "البطاقة البريدية" وهو يتضمن سلسلة بطاقات بريدية 
موجهة من دريدا إلى مراسلين (حقيقيين أو خياليين) . وكانت مناسبة ذلك هي زيارة 
قام بها دريدا لبريطانيا في عام ١51717‏ حيث قضى عدة أسابيع في أكسفورد يحضر 
قاعات بحث أو يقرا بطريقة اعتباطية ‏ في المكتبة البولدية (إحدى مكتبات جامعة 
أكسفورد) . 

ويختم نوريس فصله بقوله إن كتاب "البطاقة البريدية" هو أكثر اعمال دريدا 
إمعانا في المغامرة بهدف انتزاع التفسير من قبضة نماذجه واستعاراته القائمة على 
مركزية الكلمة «موام)دءءعمع1.0. ولكن بديهي أنه لا يعني بذلك أن علينا أن نستغني 
عن نظام البريد » أو أن نشطب قواعد الفلسفة التقليدية ومواضعاتها أو أن نعامل 
النصوص على أنها مفتوحة لأي نوع من القراءات الجامحة القائمة على مفارقات 
تاريخية . وإنما هو بالاحرى يرمي إلى التخفف من عبء القاعدة التي تمنع الفلسفة من 
أن تولي اهتماما ‏ اهتماما فلسفيا "جادا" ‏ لتلاعب الظلروف والصدفة والضرورة » 
وكلها عوامل تحكم خلق الفلسفة. 

الهوامش ” : 
''' حاك دريدا فيلسوف فرنسي ولد في البهار ككدينة المزائر في 14٠‏ - تلقى فراسته في كلية المعلمين العليا بباريس وجامعة هارفرد 
بكاميردج ؛ ماشاشو سئس 1487-1985 : أشتفل بالتدريس في السوريون 193514-1970. منذ ١438‏ وهو أستاذ لتاريخ الفلسفة 
بكلية المعلمون العليا ف باريس. كان يعيش في باريس . أهم أعماله الفلسفية المدشورة : "أصل الهندسة" لأدموند هوسرل . ترجمة ومقلمة 
5 الصوت والظاهرة : مدعل إلى”مشكلة العلامة إل فينومينولوحيا هوسرل" 214717 "الكتابة والاعتلاف" 115717 ء "في علم 
الكتابة” 145717 “الانتشار (التشتت”01477 "هوامش الفلسفة" 215177 "مواقع" 19177ء "أركيولوحيا المفرغ من المع : قراءة 
كو ندياك”7ة 1 ”ناقوس" 5174 ١‏ "همزات: أساليب نيتشه”9478 01 "الصدق ف فن التصوير" 134378 "البطاقة البريدية؛من سقراط إلى ٠‏ 
فرويد وما بعده"٠154ء‏ ”أذن الأحر”؟1548ء ذكريات لول دي مان(محاضرات)19814١.‏ وأكثر كتابات دريدا توضيحا لبرناحه (فيما 
يقول حوزيف آدمس ل "موسوعة المصطلحات الأدبية المماصرة" هو كتابه "في علم الكتابة" 195197 الذي عرف به أككثر من غيره في 
أمريكا الثمالية.» ويستأنف كثيرا من اهتماماته المركزية . يعادله بذرية حفنة من المقالات الباكرة مثل :”صيدلية أفلاطون” ١9724‏ 
الأسطورة البيضاء 141/1 فضلا عن مقالته المكرسة للاصطلاح الذي ربا كان قد عرف أكثر ما عرف به:الاختلاف/الإرجاءه” 15. 
كانت أكبر تأثير لدريدا في الولايات المتحدة الأمريكية حيث ألهم عمله شكية نقدية حديدة ارتبطت في البداية .مما عرف بمدرسة يبل 
للتفكيك . وهذا التأئير » خعاصة فيما يتعلق باستراتيحية القراءة الي طورها من أحل تفكيك التصوص , واضح في عمل بول دي مان » و 
ج . هيليس ميلر ؛ وباربارا حونون وغيرهم. لقد أثبت عمل دريدا ‏ رغم اللنلاف الكبير الذي أحاط به أنه في آن واحد . متسل 
على نمو ملحوظ ل تطويره لمعتقداته الأصلية ومتنوع على تحو مدهش ف تطبيقاته. ويوكد دريدا (أنظر كتاب “نظرية الأدب في القرن 


116 





العشرين” بتحرير نيوئن) مركزية الكلمة في الفكر الغري .معن أن المعين يتصور على أنه يوحد مستفلا عن اللغة الي يرصل هما ومن ثم قهور 
ليس خخاضعا للعب العلاقة . ويدمر دريدا أي إندماج بين الدال والمدلول . وعنده أن الاستقلال السيموطيقي للكتابة يستبع أن المعين مر حا 
دائما حيث إن من شأن الكتابة أن تنتج المعن في عدد غير محدود من السياقات الممكنة البن قد نوحد في المستقبل. 9 

و يذكر حون بك ومارتن كويل في كتاهما "المسطلحات الأدية والنقد" أن دريدا أدحل مفهرم ال 01116761066 : ممع أن الكلماهت 
تتحدد باختلافهما عن سائر الكلمات ؛ وأي معن يوحل إلى ما لا ففاية إذ تفضي بنا كل كلمة إلى كلمة أخرى ف نسق الدلالة . إن القضة 
لا يكون لها معن إلا إذا فرض القارئ معئ ثابتا على الكلماث » والقراء ييحثون عن مثل هذا المعى لأنهم ملتزمون بفكرة الحضور : فكسرة 
أنه تجمل أن يكون هناك جمال إلبه 76125606 وأنه همل بالكلمات أن يكون لما معن من حيث علاتتها بحضور ما خارج النص ‏ 

''" حون لانحشو أوسعن(5411١-570١)فيلسوف‏ بربطاني حاضر في أكسفورد وهارفرد وكمبردج(ماساشوستس) وكاليفورينيا (بركقي). 
من أهم أعماله : أوراق فلسفية 154577 / كيف تصنع أشياء بالكلنات .١5377‏ 

“' حون روحرز سيرل (ولد في )١487‏ فيلسوف أمريكي من أهم أعماله : الأفعال الكلامية1419/4 , القصدية: مقالة ني فلسفة العتقل 
*15428١ء‏ العقول والأعفاخ والعلم (حاضرات) .١152814‏ ش : 

''' حرنائان كلر (ولد ني )١15414‏ باحث أمريكي معاصر من أهم كتبه : البويطيقا البنبوية (16176 له ترجمة عربية) » فلوبير:استخدامات 
اللايقين 1510/4 » سوسير 14175 ء رولان بارت ١85‏ في النفكيك 1587 ء تأطير العلامة : النقد وموسساته 1948 واشترك فل 
ترجمة كتاب دريدا المهدى إلى ذكرى بول دي مان من الفرئسية إلى الإتعليزية 

''' كريستوفر نوريس (ولد ف )١411‏ باحث بريطان وأستاذ للأدب الإإعليزي ف حامعة ويلز بكارديف منذ عام 15177. حصل على 
الليسانس والد كتوراة من حامعة لندن . من مولفاته دراسته للشاعر الناقد الإبخليزي وليم إمبسون و :التفكيك 1587ء الانعطافة التفكيكية 
*148. صراع الملكات 542١.حرر‏ عددا من الكتب منها كتاب عن موسيقى شوستاكوفيش ترجمت أعماله إلى عبدة لغات وحاضر 
نعتراث قصيرة ؛ في جامعات أمريكا والحند وبولندا وغيرها. . 1 

© حليرت رايل (1573-150) فيلسوف بريطان كان أستاذ تمامعة أكسفورد وحررا مملة 7/11110 الفلسفية. من أهم كتبه: حو 
لوك عن الفهم الإنساني ١455‏ , مناقشات فلسفية 1446 » مفهوم العقل (وهو أهم أعماله) ١8144‏ مقالات في المنطق واللغة 08581» 
حيوان عاقل 1517: رحلة أفلاطون 1473: درامات في فلسفة الفكر والعقل 1574: عن التفكير .١51009‏ 


127 


جاك دريدا: ثقافة "التفكيك" تختلف من بلد الى اخر 
منى طلبة 
من هو دريدا صاحب نظرية التفكيك هو الفيلسوف ذو الأصل الجزائرى أم المنظر 
الاوربى الفرنسى ؟ أم الاستاذ المحاضر فى الجامعات الاميريكية ؟ ماذا نعنى بالتفكيك ؟ اهى 
فلسفة ؟ ام منهج للنقد الادبى ؟ ام موقف سياسي ؟ وما الذى يعنينا نحن فى وطننا العربى - من 
الرجل وفلسفته . هذه اسئلة نطرحها بالكاد بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما استطاع خلالها رائد 
التفكيك جاك دريدا أن يكون واحدا من أكبر مفكرى القرن العشرين فى العالم نطرحها بالكاد بعد 
حضور المفكر الفيلسوف الى مصر بدعوة الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة » ولمدة ثلاثة 
أيام وقد القى فى اليوم الأول محاضرة عن مستقبل التفكيكية والعلوم الإنسانية فى جامعة الغد 
وترجمت المحاضرة إلى العربية وعرض بعدها فيلم تسجيلى عن دريدا وفى اليوم التالى والثالث 
على التوالى حاوره من خلال موائد مستديرة - بعض المفكرين والنقاد المصريين فى قضايا 
التفكيك والفلسفة والتفكيك والنقد الادبى ولاشك أن ثمة توجسنا وشغفا اعتبرنا المثقفيمن 
المصريين فى الخفية ام الظاهر خلال لقائهم دريدا 
اولا: لأن موعد الزيارة واكب تأجج المشاعر الوطنية الغاضبة من جراء القصف 
الاسرانيلى الغاشم للبنان ٠‏ ثانيا : لأن كل مواقفه السياسية بدت غير ذات صلة واضحة بفلسفته 
التفكيكية » ثالثا : لأن ما انتهى إلينا فى عالمنا الثقافى العربى - من معرفة للتفكيك ضئيل . اذ 
لم يترجم من اعمال الكاتب إلا كتاب " اشباح ماركس ". وبضعة اجزاء من " الكتابة 
والاختلاف " او بعض مقالاته فى حين أن مؤلفاته بلغت العشرات . رابعا : لان بعض الأدبيات 
الوسيطة التى قدمت لنا او قرأت لنا التفكيكية لم تكن بذاتها للتعرف عليه . إن لم تكن شوهدت 
الصورة أكثر مما اجلتها علاوة على أن مؤلفات دريدا فى لغاتها الأصلية يكتنفها الغموض 
والصعوبة اساسا . وقد قال لى احد الباحثين الفرنسيين المرموقين حين علم اننا نترجم كتاب "' 
علم اصول الكتابة ' من الفرنسية الى العربية " عليكم ان تترجموه لنا الى الفرنسية اولا ! 


128 


ولاشك ايضا ان زيارة دريدا الى مصر كانت حدثا ثقافيا مهما اذ اكتنظت قاعات 
المجلس وباحاته بالجمهور على غير توقع وطالت المناقشات مع المثقفين المصريين الى حد 
خرج بها فى معظم الاحيان عن المواعيد المقررة لانتهائها . وتنوعت . 
نبرات الخطأ ما بين الهجوم والتعاطف والإستفهام لدى المحاورين وما بين الغضب 
حينا والرغبة القديرة والمسبهة احيانا من قبل الفيلسوف - فى التعرف بفلسسفته وكانث حلقات 
النقاش ‏ فى تقديرى - خصبة ومفيدة . وتطرقت الى موضوعات مهمة وقد مثلت اجيالا 
متفاوتة وعددا من التيارت الثقافية والإتجاهات السياسية المعادية للتفكيك » أو العارفة به أو 
المتسائلة عن جدواه أو المدققة فى تفاصيله والحق أن جل هذه التحاورات دارت فى اطار 
ثرى وجدى ولم يحتد النقاش الا ازاء رأى او اثنين من مجمل الآراء المطروحه . 


واراد دريدا فى رده على هذه الآراء او حتى الاتهامات ان يحيل اصحابها الى قراءة 
اعماله قبل الاعتراض والمناقشة وعلى الوجه الآخر كان يقارع المعارضات الموضوعية 
بالحجة وبدا حريصا على محاورة حقيقية مع اصحابها . 

وفى تقديرى ان هذه الزيارة عرفت نجاحا لا نظير له فى التاريخ النشط للمجلئس 
الأعلى للثقافة . فكانت تتوجا لجهود حقيقية بذلها العاملون فى المجلس والمثقفون المصريون 
وقد اثارت قضايا واسئلة ما كان لها أن تنهض لولا هذا اللقاء المفتوح بين مختلف الأطراف . 
وحفزت الرأى الثقافى العام الى مزيد من التعرف - لا التبنى - على تيار فكرى مؤقر فى الفكر 
العالمى فى القرن العشرين . واخيرا اترك الرجل البلاد يملأه الإعجاب ببلد احب ان يراه طيلة 
حياته ووصف لقاءه به فى الجلسة الافتتاحية بمن يلتقى ذاكرته السحيقة ويراها رؤية العين 
ورحل عنه وهو على يقين بان الصورة النمطية التى يكرسها الغرب عن هذا العالم مخالفة 
لواقعه الحيوى . ونظرا الى الاقبال الشديد على الجلسات شاب اللقاء بعض القصور اذ لم تكن 
القاعات كافية لاستيعاب الحضور وادى إلى غياب الترجمة الفورية إلى استغراق وقت طويل 
مما قاد إلى اختزال المدخلات المقررة على جدول الاعمال والى شكوى اخرين من عدم الترجمة 
الكاملة لكل ما قيل . واعتقد ان من المفيد من عدم الترجمة الكاملة لكل ما قيل . واعتقد ان من 
المفيد من انتهاء زيارة دريدا ان تعقد جلسة خاصة بالمشاركين فى هذه الندوة المهمة لمراجعة 


129 


أهم ما اثرته من قضايا فى مجال التعليم الجامعى الحر . والنقد الأدبى المبدع والفلسفة القارنة 
للنصوص بغية الوقوف على ما يمكن الافادة منه او طرحه أو اعادة تقويمه حتى لا تمر بنا 
الاحداث كهادتها مثل زوبعة فى فنجان من دون تحريك عام لما ان له ان يتحرك وبقوة فى 
عالمنا الثقافى العربى . 
ولد جاك دريدا عام ١57١‏ فى الجزائر ومكث فيها حتى عام 65 ومع ذلك فهو لا 
يعرف العربية » وقد غادر دريدا الجزائر للدراسة فى فرنسا وهناك حصل على الدكتوراه فى 
الفلسفة عام .١1571‏ ويعمل الآن استاذا للفلسفة فى كلية الدراسات العليا فى باريس . ولكنه 
حاضر كاستاذ زائر فى جامعات عالمية منها على سبيل المثال جامعة بيل وجامعة تورنتو فى 
كندا وجامعة كاليفورنيا فى اميركا وجامعة تورنتو فى كنداء وجامعة الجزائر وجامعة اكسفورد 
فى بريطانيا » وجامعة زيورخ فى سويسرا وجامعة برلين الغربية وحصل على الدكتوراه 
الفخرية من بعض الجامعات فى مختلف انحاء العالم وعلى الكشير من الاوسمة فى الفنئون 
والادار وزار دريدا المغرب عام 1551١.؛‏ ثم مصر التى يراها للمرة الاولى في حياته وان كان 
كتب عنها كثيرا ولاسيما فى كتابه '' فى علم اصول الكتابة " 26 أأج7226010نده © ' 19 
والمجلس الاعلى للثقافة فى صدد اصدار الترجمة العربية لهذا الكّاب المؤسس للنظرية 
ولدريدا عشرات المؤلفات والمقالات أهمها :" فى علم الكتاية" ؛ "الكتابة. 
والإختلاف"."الصوت والظغاهرة" 2»"'حواشى الفلسفة":"الانتشسار 
'"'مواقّف"':"اجراس".'عصر هيغل":" البطاقة البريدية":"'لاهوت الترجمة"."الاعجاب 
بمنديلا":"'عن العقل":"الحق فى الفلفة"."'ما هو الشعر؟"2"اعترافبات 
مبتورة"2"'عواطف"."'اشباح ماركس":"'سياسيت اللصداقة"."'موس كو ذهابا 
وايابا'':"الايمان والمعرفة"':"'احادية اللغة لدى الاخر"'."'عن الضيافة"."الامر بالاعدام". 
لاشك ان الفكر والنقد والفلسفة تزداد التحاما بالمشاكل السياسية وهذا ما نجده لدى 
كثير من المفكرين مثل بول ريكور وميشيل فوكو وبورديؤ وليوشار ودريدا . غير أن الكتاية 
الفلسفية التفكيكية لدى دريدا لاتنم عن صلة واضحة بمواقفه السياسية الحاسمة :فهو على 


130 


الرغم من عدم تنكره انتمانه اليهودى الضوفى لا يمل من ادانة الصهيونية وتأييد المقاومة 
الفلسطينية وقد وقف ضد سياسية التمييز العنصرى ودافع عن منديلا . وكتب اخيرا مقدمة 
الترجمة الفرئسية للمناضل الزنجى المسلم الاميركى موميا ابو جمال . وطالب بمساندة الكتّاب 
المهددين بالموت فى بلادهم وفى فرنسا كان من أكبر المناصرين لحقوق المتعطلين عن اتعمل 
والمهاجرين العرب . 

كل هذه المؤلفات والمواقف تجعل من الصعب الإلمام التام بفكر الفيلسوف وبآرقفه 
التى تعصى على الاختزال . ومع ذلك فقد حرصت الا اكرر عليه اسئلة طرحت فى الجلسات وان 
اركز حديثى معه على امور ثلاثة اولها خاص بالسياسية وثانيها يتطرق الى الجامعة وثالئها فى 
النقد الادبى . 

* لقد تحدثت عما اسميته كرم الضيافة المطلق بوصفه مطلبا انسانيا يجب الا تحده 
الحدود اذ ان انتظار المقابل يسلب الضيافة معناها ونحن هنا فى مصر يطرأ على ذهننا فورا ان 
نتسائل هل يجوز حيال الكيان الاسرائيلى ومماراساته العدوانية التى كان ومازال يقوم بها ضد 
الفلسطينين والعرب واخيرا الاعتداءات الغاشمة على لبنان هل يجب على العرب ان يتحلوا بهذّه 
الضيافة المطلقة للإسرائليين الذين يسلبونهم الأرض وينفونهم او يرون تربتها بدمائهم . تحن 
هنا لسنا امام حالة ضيافة وإنما حالة عدوان وضغينة لاشك ان هناك دائما خطرا كامنا فى ان 
يستعمر الضيف مضيفه فى هذه الحالة التى تذكرتها فانا لست مع الضيافة المطلقة . انامع 
المقاومة المطلقة لهذا الشكل من الاحتلال ولكن هنا يجب تحديد افضل طريقة لمقاومة الاحتلال 
ومن الطبيعى الا اقبل الاحتلال لقد عارضت دائما وبصورة علمية كل الممارسات الاسرائيلية 
ضد الشعب الفلسطيتى . وذلك منذ زمن مبكر منذ نشأة دولة اسرائهل بل اننى عبرت عن رليى 
هذا فى اسرائيل نفسها . ولن اغير رأيى هذا وانا احدثك هنا والان فى مصر لكننى ايضا لمست 
مع النزعات المضادة لليهودية . يجب ان ينتظر فى الأمر لكن موقفى المناصر للمقاومة واضح 
جدا ولا لبس فيه منذ البداية . ٠‏ 

* لقد كنت احد الداعين الى القرار الذى اتخذته ثلاشون دولة اوروبية فى شان منح 
حق اللجوء للمثقفين والكتاب المضطهدين فى بلاد العالم النامى . الاترى ان فى مثل هذا القرار 


131 


تيسيرا لحل سهل بيحد من رغبة هؤلاء المفكرين فى الكفاح من اجل تغيير الاوضاع فى بلادهم 
وان مثل هذا القرار قد يؤدى الى تفريغ هذه البلدان من المفكرين والمثقفين المناط بهم النضال 
من اجل الاصلاح فى هذه البلدان .؟ 

انا لم اكن متحمسا لهجرة الكتاب المثقفين من بلادهم الى فرنسا لكننا اردنا ببساطة فى 
البرلمان الدولى للكتاب ان نعين الكتاب المهددين بالموت او باستحالة العيش والعمل فى بلادهم 
على الحياة مثلما هو الحال فى الجزائر مثلا او غيرها . ويتمثل العرض الذى تمنحه هذه البلاد 
للكتاب فى منحهم حق اللجوء السياسي اليها فترة ما لانقاذ حياتهم وانقاذ عملهم . اننا نساعدهم 
فحسب على مواصلة العمل والكتابة حتى نسمع اصواتهم والحقيقة ان ثلاثين بلدا قابلة لحق 
اللجوء السياسي لا تجد امامها سوى مئة طلب لكتاب مهددين بالموت فى بلادهم ومثل هذا العدد 
بعيد عن تفريغ هذه البلاد من مفكريها وكاتبها . ولعل هؤلاء الكتاب انفسهم ليسوا سعداء 
بالمكوث فى بلاد غير العودة الى مواطنهم بمجرد ان يصلح الوضع . ْ 

تحدثت عن جامعة جديدة للعلوم الانسانية تتخذ من وثيقة الاعلان حقوق الإنسان ومن 
وثيقة الجيمة ضد الإنسانية عمادا لها الاترى فى ذلك دعما للمركزية الاوروبية التى تكافح 
ضدها خاصة وان هاتين الوثيقتين افتقدما الكثذير من مصداقيتهما ثم الاترى ان مثل هذه 
الجامعة الحرة وغير المشروطة ربما لا يمكنها ان تكون نمطا مثل بلدنا لا تعانى جامعاته من 
انعدام الحرية فحسب . وانما من الفوضى اساسا 

لعل الانسانية التى دعوا اليها بصرف للجامعة والاستاذ الجامعى الذى عليه وفى 
مقابل الكيان الحر وغير المشروط للجامعة - ان يلتزم بشهادة ايمان بالعمل الجامعى والابداع 
العلمى فالجامعة هنا تجعل مهنتها الحقيقية الالتزام بلا حدود تجاه الحقيقة وعلى الجامعة فى 
هذا السبيل ان تواجه كل السلطات : سلطة الدولة والسلطة الاقتصادية وسلطة الإعلام وسلطات 
الدين والايديولوجيا . ومثل هذه الجامعة » واطمئنى فهى ليس لها وجود فى اى مكان فئ العالم 
ولكن مثل هذه الجامعة الافتراضية هى ما يمكن ان تعمل وكانها سوف تحدث ولكل ثقافة ان 
تبدع تصورها - وفق صيغة الجامعة ووفقا للتحديات التى تجابهها . 


132 


اما قولك أننى ادعم المركزية الاوروبية فهذا يؤلمنى لاننى علمت دائما على زعزعة 
هذه المركزية واولها وليس بآخرها محاولتى زعزعة مركزية الكلام فى الثقافة الاورويية 
بوصفها مركزية اوروبية فى الأساس منتقلا منها الى اهمية الكتابة واحتوانها على الكثذير من 
الخصائص التى كانت من قبل مقصورة على امتياز الكلام وحين ذكرت النصين السالفى الذكر لم 
اقل انهما النصان الوحيدان اللذين يرجع اليهما بل اننى دعوت الى تفيكيكها هما ايضا وابراز ما 
ينطوان عليه من تناقضات . 

* الاحظ ان ثمة تقاربا بين التفكيك والهرمنوطيقا » فهما لا يقدمان نظرية نقدية واقما 
اصول فى تفسير اللاهوت والتفكيك يعثر على التناقض والاختلاف ولكنه لايعدم غاية تكور 
حول الانسان وحياة الانسان وكذلك تبحث الهرمنيوطيقا عن القيم الانسانية فى النص وان كنت 
الاحظ ان المعنى فى حين يجتهد التفكيك فى ابراز تشتت المعنى هل هذا فى رايك الاختلاف 
بينهما ؟ 

- هناك على الاقل طريقتان للنظر الى الهرمنوطيقا الاولى : انها هرمنوطيقا تقليدية 
تمتد من شلايرماخر وحتى جادامار ويتمثل جهدها فى تفسير النص وملاحقة تعدد المعانى 
لردها الى معنى مركزى فى النص وهناك طريقة اخرى وهى ما اسميه بالهرمنوطيقا النشطة 
التى تدخل شيئا جديدا الى النص على نحو ما نجد عند نيتشه . ومثل هذا التفسير ليس مجرد 
قراءة تفك شفرة النص وانما هى تفكير فى النص وابتداع لمعناه وهى بذلك تصبح اشبه بانتاج 
القصيدة . 

من خلال هذا التمييز يبدو التفكيك بعيدا عن الهرمنوطيقا فى المعنى الأول وإنما 
التفكيك فى رايى اقرب الى المعنى الثانى وهو بذلك هرمنوطيقا جذرية فهو يئتج نصا ثانها » 
ويتفكر المعنى من صميم الاختلاف . 

* ما هى علاقة التفكيك تحديدا بالعمل الادبى ؟ 


- ليس هناك تفكيك للعمل الادبى فى ذاته وانما هناك فى كل نص ادبى طبقات فلسفية 
هى التى تكون مادة صالحة للتحليل التفكيكى . ان التفكيك لا يهتم بالتفرد الشعرى لقصيدة ماء 


1133 


ولكن هناك اشياء اخرى كثيرة فى القضيدة . هناك ما يمكن ان نسميه وحدات فلسفية ---- تتيح 
للنص تفرده او حدوثه وهذا هو ما تهتم به التفكيكية وتحاول الكشف عنه .؟ ان التفكيك يعمل 
على النصوص التى تمتاز بقوة على النصوص التى تمتاز بقوة احتوانها على طاقة فلسفية ربما 
تكون اكبر واعمق من الخطاب الفلسفئ الاكاديمى . ولهذا اهتممث: بشعر نلارميه . 

*اذا لم يكن المفكك تابعا او خاضعا لنظرية بعينها فمن المفكك وكيف يمكن تكوينه ؟ 

- نعم يجب إن يكون هناك تكوين خاص للمفكك حتى يستطيع ان يمارس تفكيكا فغالا 
واكيدا فالمفكك لا يستطيع ان يفكك اى شئ وباية طريقة يجب ان يتزود المفكك بتكوين فلسفى 
وبكل كفاءة ممكنة ٠‏ وليست هناك كفاءة شاملة » وائما تخصصات وكفاءات خاصة ومع ذلك 
فالفلسفة امتيازها فى الخطاب التفكيكى لأنه خطاب لا يريد ان يكون مخصصا والفلسفة هى 
التى تسمح له بطريقة الحرية شرط ان يكون التفكيك تفكيكا للاسلوب الفلسفى نفسه ولتراتبية 
الفلسفة التى تقع على قمة هرم المعرفة فى الثقافة الغربية . هكذا تمتد المعرفة الى مجالات 
اخرى كالمعرفة العلمية والتقنية ومعرفة اللغة . 

وباختصار لابد ان يلم المفكك بمعارف عدة ونشاطات مختلفة ومع ذلك فليس المفكك 
مثلا فى مصر مثله مثل المفكك فى ايطاليا او الولايات المتحدة الاميركية . فالمفكك فى مصر 
مثلا لابد ان يكون بصيرا وعارفا بالنص وبالتاريخ التفسير وكوناته واشكالياته وباللغة علاوة 
على المام او معرفة واسعة بالثقافة العلمية والتقنية الفاسفية والطاقة الافتراضية للمعلومات 
وربما لا يقوى على ذلك رجل واحدا وانما فريق كامل من الباحثين . 

. واعتقد ان المقال لم يصل الى اجابات شافية لكل ما طرح فى مقدمته من اسئلة ولكنه 
حاول على الاقل ان يشتق اسئلة اخرى وان يفتح منفذ للاطلال على التفكيكية منفذ لاتغنى عن 
مطالعة الاصول ومعاناة مشقة القراءة واستحداث الاسئلة . فاذا كان لنا ان نفيد من التفكيكية 
فى ثقافتنا العربية فان هذه الافادة لن تغنى بدورها عن مسار طويل ضرورى لمراجعة تراثنا 
وحضارتنا واحلام مستقبلنا فالمصادرة حيال دريدا او المحاكاة التامة تخالف ما اراده نفه 
بنظريته من مصير ٠‏ المسؤولية مازالت للآخر وتدارس الوعى للنفس وهذا على الاقل ما يمكن 
ان نستدركه من خلال تفاعل دريدا معنا وتفاعلنا معه فى زيارته القصيرة للقاهرة . 


134 


تجربة شخصية مع دريدا 
منى طلبة(*) 
معرفة جاك دريدا 
أن تتجاهل الكتاب وصاحيه محبة في الجهل هذا أمر . الاتقرأ الكتاب ولا 


تعرف صاحبه إلا عبر رؤية الآخرين له هذا أمر ثان , إن تقرا الكتاب وتجتتهد 
لفهمه لتتصور مقدارا من الحقيقة هذا امر ثالث ؛ وأن تقرا الكتاب وتتعرف علي 
صاحبه هذا أمر رابع أهم. 

هذه أوجه تصح عل كل محاولة لمقاربة الآخر بصفة عامة ومقاربة دريدا 
في وطننا العربي بصفة خاصة هذا الفيلسوف الفرنسي المعاصر الذي احتل مكانه 

وقد مررت أنا نفسي بالمراحل الثلاثه الاخيره لهذه المقاربه لدريدا دون 
الاولي منها فقد دفعني أنحيازي للمنهج الهيرمينوطيقي كرؤية موحدة للعالم الي 
مواجهة التفكيك كرؤية مشتتة له وفي مرحلة أخرى كان علي ان أتعامل مباشرة 
مع النصوص الأصلية للفيلسوف مستبعدة في ان ما قد حصلته في المرحلة الأولى ٠‏ 
اي مستبعده وساط عرض الآخرين له وافكاري المسبقة عنه حتى أتيح لنفسي تلقيا 
حرا لأفكاره وربما تفشل المحاولة فاستبقي بعضا من الافكار الوسيطة و أصادر علي 
بعضها ولكن من المؤكد أنني كلما أخلصت القراءة تكون لدي فكرة جديدة يري 
الحق علي نحو اخر أما أما وقد أتيج لي ان أقابل دريدا بشخصه من خلال زيارته 
لمصر هذا الأسبوع وكان لهذا التفاعل الحيوي بحضوره أن يتمم لي معرفة اخري 
بالرجل وفلسفته وان يزج بي -بالفعل _الي بحر أوسع من الإشكاليات و الأسئلة التي 
صادرت بداية حقيقية للمعرفة لانهاية لها. 

لقد كانت معرفتي له عبر الوسائط ضرورية في مقام أول اذ سمحت لي 
باستعاب لتنوعات القراءة وترا فكر الفيلسوف وإشكالياته وتناقضاته وكانت معرفتي 
له عبر القراءة المباشرة لبعض نصوصه وليس كلها بالطبع وسيله لتتميم عملية 


(أستاذ النقد الأدي ؛ حامعة عين همس ., ومترجمة حاك دريدا إلى العريية 


135 


أدراك يقوم علي تهذيب القراءات السابقة وتنقيتها والاقتطاع منها والإضافة اليها - 
اما التفاعل الحسي معه من خلال المحاورات والمشاهدة فكان جديرال بتلقائنيه 
المعرفة وعفويتها وتعميقها الي حد بعيد. 

التناقض المرفوع والغموض المستمر 

أتخذ تفاعلي الحي بشخص دريدا مستويين: المستوي الاول حميم وتمشل في 
جولاتي معه وهو والسيدة الكريمة زوجته. ومجموعة الأصدقاء انور مغييث وإيسان 
السعيد وفاطمة قنديل وصفاء فتحي وبشير السباعي وهاشم فودة بين معالم مصر 
العريقة ما بين الأهرام وسقاره ومساجد السلطان حسن والرفاعي والحسين والحاكم 
بامر الله . 

ويمثل المستوي الثاني في حضوري للمناقشات الحية من قبل المفكرين 
المضرين للكاتب. الفيلسوف في أعقاب محاضراته: التفكيكية والعلوم الإنسانية في 
الغد » وفي غضون الموائد المستديرة الأدبية والفلسفية التي ضمت كبار وشباب 
المشتغلين بالثقافة والفكر في مصر. 

في جولاتنا الحميمة أدهشني تعفف الرجل عن كثير الكلام والتزامه بتأمل 
بليغ. يقتطعه من حين. لاخر بنكته ذكيه وعبارات أدب ودود يتابي علي فرض رايه أو 
تحديد اتجاه للجولة الحرة التي أرادها صحبه لاهل مصر ومعالمها كما يشاءون وكما 
تشاء ,تعروه رغبة عارمة في المشاهد والاستمتاع الي كل واحد مناء وابداء 
الاهتمام الودود بكل شخص علي حدة في تواضغ لا يتظاهر وانما يقدر الآخر 
كالمبهور بكل مايري وقال لنا هذه ليست مصر واحدة وانما عدة أمصار. ' 

أما في حلقات النقاش الرسمية فوجدنا ينتقل من قله الكلام الي التعبيز الحر 

والمطنب عن محبة بالغة لمصر التي يزورها للمرة الأولى »ولكنه قد تاق إليها 
طويلا عبر ذكريات زوجته الفاضلة التي عاشت حقبه من طفولتها في مصر , وعبر 
شخصيات تلاميذه من المصريين المقيمين في فرنسا وعب قراءاته الطويلة 
والمتتالية عن مصر فكان لقاؤه بها كما يقول- كمن يلتقي بذكرياته ومشاعره 
السحيقة ويراها رأي العين . 


156 


ووجدته ينتقل من حد البساطة إلى طلاقه اللسان ٠‏ ومهارات المحاورة 
وبلاغة العرض لمعرفة_ فلسفية وثيقة قلقة متسعة في هدوء مطعم بحيوية فكريه 
تتحدي عفوية التلقي لكلماته وحرص مهموم علي إيضاح كل أبعاد فلسفته التفكيكية 
. وإنصات نبيه للاسئله والإيحاءات لا يصادر وانما يستلهم وانفعال غاضب من 
الاسئله المستخفة بافكار عن جهل به او عن رغبه في التجريح ٠‏ أنفعال لا يخرج 
عن حد التحكم في النفس . و آداب العالم وصلابة الموقف الذي يرغب في المزيد من 
التحاور أو التفاهم . 

ولكنه كل هذا لم يزد الآمر الا التباسا ومراوغة وبدا تخديد فلسفه الفيلسوف 
وغايتها الحقيقية أماني بعيدة . ذلك لان أسئلة المفكرين المصريين تراوحت بين 
هموم شباب الباحثين وكبارهم كما تراوحت بين التعبير عن آليات التلقي العربي 
لفلسفه دريدا من خلال همومنا ومشاكلنا الوطنية وبين الاستفهام عن مدي انتماء 
هذه الفلسفة الي رحم إشكاليات الفكر الغربي أو تجاوزها له .وزاد الامر غموضا هذا 
التنوع الهائل للأسئلة التي طال الاستفهام عن مدي إمكان تطبيق القراءات التفكيكية 
علي النص الادبي او النص الديني أو النص الهامشي والاستفهام عن مغزى 
غموض النص الفلسفي عند دريدا وطابعه الشعري والتساؤل عن مادة هذا التفكيك ' 
وعن مصطلحات التفكيك علاوة علي التساؤل عن الغايات السياسية والأخلاقية 
والإنسانية لهذه الفلسفة ومدي أهميتها وعلاقتها بقضايا العالم الثالث في مواجهنه 
الهيمنه الغربيه وتطرقت لمواقفه من الامبرياليه الغربية ولعلاقاته بها برماس 
والفلسفة الغربية السابقة عليه عند هيرسرد هوسرل وديكارت وبالتفافه العربية 
ونصوصها العربيه ونصوصها الأدبية والصوفية والأخلاقية هذا بالإضافة المي 
تساؤل ملح عن ماهية التفكيك واليات وأدوات مقاربته للنصوص. 

كان تنوع الموضوعات وتراوحها بين متضادات وتغطيتها السريعة -بفعل 
ضيق الوقت -لكل من فلسفه التفكيك في ذاتها وللتلقي العربي لفلسفه التفكيك علي 
قصوره أو علي تعبيره عن مخاوف حقيقية. كل ذلك جديرا بوسم جلسات الحوار 
بالإثارة والتشويق حتي كانت التيارات المعادية لشخص دريدا أو فلسفته هي أيضا 
منتظمه ضمن تمثيل أرحب لجميع التيارات في مصر مما زاد الحوار حيوية وإشكالا. 


137 


وجاءت مقولات دريدا لتتجاوب وهذا التناقض وهذا التنوع فتراوحت بين 
تنوير الغامض وبين تبديد الوضوح في أن منتصرة لأبعد مدى لفكر نخبوي معقد 
طامح الي المستحيل ولكنه أيضا فكر لا يستبعد أحدا ولا شيئا مهما هان أمره من 
دائرة اهتمامه ولا يرتضي لنفسه ابدا أن يكون فكرا مثاليا اخيرا ونهائيا . 

قراءة لفلسفة دريدا 


يداء الآمر في النهاية عسيرا علي الحسم فانت لا توافق الفيلسوف ولا تخالفه 
ولكنك لن تشكك بعد في أن جهده العقلي جديرا بالاحترام والمعرفة علي اقل 
تقدير.كل هذه المعاني في مطلقها اللانهائي الذي لاتقوي علي تحديده أية فلسفة 
مثالية أو أي برنامج شمولي صارم . و إنما تنهض به قراءة بصيرة بواقع التضاد 
والاختلاف بما يسببه هذا الواقع من إشكاليات ذلك اننا لا ندرك الأشياء الامن خلال 
اختلافها ولكن هذا المعني المدرك لا يمكن تاما وانما هو مؤجل دائما وافتراضي 
دائما . 

فهناك علاقة وفجوة بين المعاني المتناقضة هي تحد لاقتناص معنى واحد 
وهي أيضا أشبه بالسر الذي علينا اكتشافه وتامله فلسفيا. 

التفكيكية هي علي هذا النحو تفكير في المنقسم وقراءه مفسرة للنصوص 
وهي تعي بأن النص أثر . وان من يترك أثرا يغيب عنه وينبغي للذات المفككه 
للكشف عما ينطوي عليه هذا الغياب أن تكون حره بلا شرط ولا قيد من أي نوع وأن 
تذهب الي ما هو خارق وبعيد وان تتجاوز التحليل البلاغي أو النحوي التقليدي .وان 
تكشف عن واقع تشتت المعني في النص وعن تفرد النص ومثل هذا الكشف هو 
أيضا دليل علي عدم القدره علي التحكم النهائي في المعني وبذلك لا يمكن ابدا أن 
يستعصي التحليل التفكيكي علي التلخيص فالتفكيك ليس تحقيقا للامعني ولا معني 
الأحادي و إنما للمعني في تعقيده في قيامه علي الاختلاف وفي تضمنه لأثار من 
الماضي والمستقبل ومما هو ليس الآن التفكيك إذن لا يجتهد من اجل نفي المعني 
ولامن أجل تسطيحه في اتجاه أحادي و إنما يبرز ما تنطوي عليه اللغه من مفارقات 
وتعقيدات وساورني العثور علي ما هو مؤكد في فلسفة دريدا الذي كان يصر هو من 
جانبه انها ليست بنظرية وليست بمنهج و إنما هي طريقه في التفكير ومن ثم فهو لا 


138 


يريد فرضها علي احد وانما هو مؤمن بها كسبيل للتفكير في النص في العالم » ما 
هو مؤكد في فلسفه دريدا ومما سمح لها بهذا الانتشار المكين في تقديري -هو 
التفاتها لاهم ما يخصص الفكر الانساني في القرن العشرين الا وهو تحرك هذا الفكر 
في اطار الوعي بالتعقيد وضرورية الكفاح المعرفي من أجل الابداع وأن الحريئة 
الحقيقية لإنسان العصر القادم تقترن اقترانا وثيقا بقدرته علي اتخاذ القرار بناء على 
وعي أساسي بتناقضات المعرفة وتنوعها وضرورة شحذ العقل والقلب البشري معا 
لا قصي مدى بما يجعل قرارها مبدعا لا مقلدا أو تابعا أو ناشنا عن خيارات سهله أو 
تعاليم مملاة سلفا. 

ومن ثم ففلسفة دريدا لا تقدم برنامجا فلسفيا أو سياسيا او نقديا وهي أيضا 
تقاوم في صرامه العدمية والعبثية وهذا لاايعني تناقضا وانما يعني ان التفكيك غانية 
لاانهاية لها ولا حدود يعبر عنها دريدا بألفاظ الضيافة والعفو والسر وشهادة الأيمان 
بالعمل والمعرفة والعطاء . ْ 

جديره باعمال العقل والروح والانساني واجتهادها لملاحقة المعني المرجا 
دأئما. 1 

مثل هذه الفلسفه التي تضع قدما في واقع معقد وقدما أخري في الطموح الي : 
المستحيل ليست تخليا عن الموقف: 

فدريدا لايتنكر ليهود يته وصوفيته ولا يمل من معاداة الصهيونية ودول 
إسرائيل ولا يكف عن مناصرة المقاومة الفلسطيئية وهو أيضا لا يتنكر لمرجعيته 
الأوروبية ولكنه أيضا مناضل ضد المركزية الأوروبية ورافض لهوية أوروبيه 
تقتصر علي ثقلفتها المسيحية اليهوديه دون ثقافتها الإسلامية وهو داع للتقدم 
الإنساني ولكنه رافض لتقدم قائم علي هيمنه ثقافية بعين ما تريد لنفسها أن تكون 
شمولية؛ وهو يري ضرورة التنوير ويرفض الظن بان تقتصر هذه العملية علي بلاد 
العالم الثالث دون البلاد الاوروبيه التي هي بحاجه بدورها الي تنوير جديد وهو ير 
أن تحرر البلاد الناميه من الاستعمار لا يعني توقف مقاومه الاستعمار فالاستعمار 
مستمر ياشكال أخر وليست هناك ثقافه بلا استعمار ويري دريدا أنه لايسعي الي 


139 


تفكيك العمل الادبي في ذاته وانما يفكك الافكار الفلسفيه لهذا العمل وبذلك لا يبدو 
التفكيك تناقضا ساخرا للهرمينوطيقا وانما هي هريمنوطيقا جذرية. 

لا يقدم دريدا لنا حلولا وانما سيلا للقراءة والتفكير وعلي هذا النحو تصبح 
المسئوليه ملقاه علي عاتق كل ثقافته علي حدي لتبتعدع حريتها وقرائتها لماصيها 
وحاضرها ومستقبلها بلاشروط ء وعليّ هذا النحو تقدم لنا التفكيكية اجراءات 
وليس حلولا. وعلي الرغم من غائيتها اللانهائيه فانها لا تشدد علي الجانب التكويني 
الذي يتضمنه كما انها ليست فلسفه تحريضية . في كل الاحوال لايرضي دريدا أن 
يفرض نظريه من داخل التفكيك نفسه واجرات التفكيك ذاتها وبهذا المعني لاشك 
انها تثري ابداعانا للحلول. ولكن مسنوليه الحل تقع علي عاتقنا نحن .فكل أمانينا في 
مجتمع عفي لا تختلف عن حلم دريدا في جامعه المستقبل ولكن علينا أن نسارع 
بتحقيق هذا الحلم وفق حاجاتنا ووفق استفادة عميقه من كل معرفة والتفكيك معرفة 
جديرة بهذا الاسم. 


140 


حوار حول " الجراماتولوجى " 
منى طلبة وانور مغيث مع محمد شعير 


لو ان الواقع الثقافى العربى بعافية , لترجم هذا الكتاب منذ اكثر من ثلاثين عاما . 
ولان ذلك لم يحدث فان ترجمته الان تعد حدثا ثقافيا هاما . الكتاب هو " فمى علم الكتابة 
" او الجراماتولوجى للناقد الفرنسى الشهير جاك دريدا . ولصعوبة ترجمة الكتاب فقد 
تصدى له ناقدان هما الدكتور انور مغيث استاذ الفلسفة بجامعة حلوان ٠‏ والدكتورة منسى 
طلبة استاذ النقد الادبى بجامعة عين شمس , وقد اشتركا من قبل فى ترجمة محاضرة 
لدريدا هى " الجامعة غير المشروطة " والتى القاها دريدا فى زيارته للقاهرة منذ ثلاث 
سنوات ولم تصدر بعد كتاب بالعربية رغم ان دريدا نفسه اصدرها بالفرنسية مؤخرا 
واشتركا كذلك فى ترجمة كتاب جارودى ( كيف نصشع الممستقبل) . كما ترجم مغيث 
منفردا كتاب بيير بورديو ( اسبايا عملية). و الآن تورين ( نقد الحداثة ). اما منى طلبة 
فترجمت ( الادب المهمش فى مصر ) لريشار جاكمون و (ارتباك حول اسرائيل ) لبول 
ريكور . 
استغرقت ترجمة الجراماتولوجى - كما يوضح لنا المترجمان ما يقرب من اربع 
سنوات ومازال الكتاب فى طور المراجعة النهائية ليصدر قريبا . فى هذه الندوة يتحدشان 
عن الترجمة والصعوبات التى لاقياها وعن دريدا وفلسفته التفكيكية . 

اوان : المتلقى فى المشهد الثقافى لايكاد يعرف لكما جهدا سابقا متعاطفا مع 
التفكيك بقدر ما هناك تصور عن اقتراب منى طلبة من التاويل وانكباب د . انور مغيث 
على الفلسفة بترجيعاتها اليسارية المقاومة ... كيف كانت بداية التفكير فى تقديم دريدا 
بالعربية ؟ | 

منى طلبة : التفكيك ليس بعيدا عن التاويل . نحن نعمل وفق استراتيجيات 
القراءة» فالتاويل أو التفكيك هما فرعان لنهر واحد يصب في النهاية في الحركات النقدية 
ما بعد البنيوية والتى تتمثل في عدم وضع نظريات باجراءات محددة لنقد النصوص .ء بل 


141 


فيها نوع من التمرد على الشكل البنيوى الجامد او نوع من التمرد على الفهم الماركسى 
للنص حتى وان كان قد تطور بشكل ما مع لوسيان جولدمان في رؤية العالم او في 
غيرها . اى ان هناك توجها لتبنى استراتيجيات القراءة التى يبقى فيها القارئ بتاملاته 
ورصيده الثقافى ومنطلقاته الفكرية والتى على اساسها يتعامل مع الكاتب . اى ان 
اغلعلاقة لم تعد فى اطار بنية مسبقة ٠‏ ولكن فى اطار علاقة بين القارئ والنص ... وهذا 
ينطبق على التفكيك كما ينطبق على التاويل . 

فالتاويل يحاول ان يبحث عن المعنى الكلى . اما التفكيك فيحاول ان يولد معانى 
اخرى غير ظاهر النص وفى الحالتين هما لا يتعاملان مع ظاهر النص وانما هو كامن 
فى النص. وما هو مامن في النص بالنسبة للتاويليين - مثل ريكور - يتمحور او يدور 
حول معنى كلى . اما بالنسبة لدجريدا فهناك مناقض للظاهر . وولذلك فالتفكيك ليبس 
بعيدا عن اهتماماتى . ولذلك عندما ادليت بملاحظة لدريدا مفادها انه لايقوم بعمل شئ 
مختلف عن الهرمنيوطيقا قال لى : انا اقوم بعمل هرمينوطيقا ولكنها هرمينوطيقا 
جذرية! اى انه يقوم بعمل نفس الاجراءات لانه ينتمى لنفس المدرسة ( استراتيجيات 
القراءة). ش 0 

انور مغيث ٠:‏ كل الطرق كانت تدفعنى للقيام بترجمة هذا الكتاب . فقد قضيت 
فترة طويلة فى فرنسا وميولى متجهة نحو الماركسية . ولما كان للماركسية اهتماماتها 
بالنقد الأدبى وقراءة النصوص ونقد الميتافيزيقا . فان كل المجالات التى تهتم بهذه 
الاشياء اكون معنيا بها بالضرورة اما بهدف ان اكتشف انها لم تات بجديد او بهدف ان 
احدد التقاطعات بينها وبين ما سبقها . فكونك مهتما بالفلسفة الماركسية لا يعنى ان 
تكون لامباليا بالبنيوية او الوجودية . ونفس الامر بالنسبة للتفكيك تجد نفسك مهتما به 
.... وخصوصا وان الماركسية تدفع المنتمى اليها الى دراسة الفكر النقدى وتطوره 
وعندما ياتى درديا ليقدم فلسفته على انها نقد جذرى بل واكثر جذرية من الماركسية ٠‏ 
فانك تجد نفسك مدفوعا لترى وتبحث عن الجذرية التى تجاوز بها الماركسية وكان هذا 
احد مداخلى الى دراسة دريدا . كما اننى اثناء اقامتى فى فرنسا كنت اتابع . اولا باول ١‏ 
محاضرات دريدا وكتبه , وفى ذلك الوقت كان يتحدث عن عودة الدين وفكرة سيطرة 


142 


العقل الراسمالى العسكرى التكنيكى على العالم ووجدت ان هذه تاويلات لها خلفية 
ماركسية . فهو يفسر التغيرات ما بعد الحداثية من منطلق ان هناك منظومة راسمالية 
عسكرية تحكم العالم وهذا جعلنى اهتم بما يكتبه . والمدخل الثالث كان عن طريق 
هايدجر ومعرفتى بتاثيره على كثير من التيارات الفلسفية المعاصرة وعندما اسمع بعض 
مصطلحات دريدا مثل (ميتافيزيقا الحضور ) كنت اعرف ان هذه مصطلحات نحتها 
هايدجر ... واهتمامى بهايدجر اوصلنى لان اهتم بدريدا وهذا طريق طويل دفعنبسى 
للاهتمام بالتفكيك . ش 

اما بالنسبة لكتاب الجراماتولوجى تحديدا ... فقد كنت ارى ومازلت ان مشكلة 
الفلسفة فى الوطن العربى انك قد تجد فيلسوفا هاما ترجم له اما نص هامشى من 
نصوصه او ترجم خطا فيتحول هذا الفيلسوف الى هامشى فى ثقافته .. وهناك فيلسوف 
اخر ترجم له نص اساسى ترجمة جيدة فتجد لهذا الفيلسوف حضورا كبيرا ربما كان 
مجاوزا لقامته الفلسفية فى الصعيد العالمى . فالترجمة فى هذه الحالة تلعب دورا هاما 
فى تقديم الفيلسوف فى ثقافة اخرى . وهو نفس الامر بالنسبة للجرامباتولوجى فنهو 
الكتاب المركزى لدريدا وترجمته فيما ارى ضرورة كبرى لفهم فلسفة دريدا . 

منى طلبة ٠:‏ كان كتاب الجراماتولوجى موجودا فى مكتبتى عندما فكرنا فى 
ترجمته , اى اننى لم اذهب لاقتنائه . فهو من الكتب التى اشرت على الفكر المعاصر ٠‏ 
ولذلك فان من الطبيعى ان يكون مشبوكا باى تيار فكرى سابق عليه . ولا يكون مناهضا 
له تماما . وازمتنا فى الثقافة العربية - وهذا شئ مؤسف تماما - انا نظن ان هذه 
التيارات الفكرية منفصلة تماما عن بعضها البعض ؛ ونكون بناء على هذا التصور 
جماعات ( مناصرى التفكيك ) فى مقابل جماعات ( مناصرى التاويل )... وهكذا كل هذه 
التيارات تكمل بعضهاالبعض . وتبنى على بعضها البعض .. هايدجر يكمل هوسرل ... 
فجادامر , ففوكو فدريدا .. نحن ثقافة مختلفة تؤمن بالتخصص والانفصال عما سبق . 
على سبيل المثال رغم ان افكار هابرماس مناقضة لليوتار الا انك ستجده يبنى عليه ففسى 
الغرب لا وجود لفكرة الثقافة منفصلة التيارات . الكل يعمل ليصب فى نهر واحد فى 
النهاية . 


143 


اوان : اظن ان الرافد الاساسى للحداثة الاوروبية ياتى من منبع واحد هو : 
نيتشه وماركس وفرويد ؟ 

منى طلبة : بالتاكيد ‏ الكل يبنى على ما سبقه وفكرة ان ياتى فيلسوفا 
ليقول انى ساكتشف نظرية بدون الاعتماد على ما سبق فكرة غير علمية اصلا . هناك 
تراكم معرفى وتواصل ... ولا يمكن فصل دريدا عن ريكور عن ماركس عن دولوز .2 
فالتفكيك استكمال او وجهة نظر مختلفة فى المعنى عما سبق . ونفس الامر لكل التيارات 
الاخرى . مثلا كتبت مقالا عن ( مفهوم الحكاية عند ليوتار وريكور )... وهذان تماران 
يبدوان منفصلين تماما ١‏ احدهما تيار ما بعد الحداثة والاخر الهرمنيوطيقا واكتشفت ان 
المنطلقات واحدة ولكن كل واحد يعالج الأمر بطريقة .. وفي هذه الحالة لا يوجد تناقض 
وإنما إثراء .. الفكر الديمقراطي لديهم ليس منحدرا في السياسة فقط وإنما تجد نفس. 
الإنصباب في الثقافة والعلم.. وهذا يعني : التعدد في إطار مقتضيات العصر ٠‏ والتغيير 
يكون في إطار مقتضيات واقعية وليس أفكار مثالية والحال إنهم يحددون المشاكل التي 
تواجههم ثم يحاولون الرد على هذه المشكلات فكريا .. وكل شخص يجتهد في محاولة 
للرد وهذا كله يصب في معالجة المشكلة المطروحة ويغذي بعضه بعضا في النهاية. 

أون: الدكتور انور أشار إلى ترجمة بعض نصوص الفلاسفة ترجمة غير 
بعيدة الغور أو الاستعاضة عن ترجمة المؤلفات الأصلية والكتب الأم والاكتفاء بترجمة 
كتبهم الشارحة يؤدي إلى أن يتحول هذا الفيلسوف إلى مؤثر هامشي في الثقافة المترجم 
إليها .. ولكننا مع ذلك نلاحظ حضورا قويا للتفكيك في الوطن العربي .. رغم أن الكتاب 
الأم لدريدا أو نصه الأساسي (الجراماتولوجي) لم يعرف طريقه إلى يد القارئ العربي 
بعد . كما أن ما ترجم لدريدا من كتبه الشارحة قليل نسبيا مقارنة بفلاسفة آخرين .. 
والسؤال مشروع في هذه الحالة» ما أسباب هذا الحضور إذن في تقدير كما؟ 

أنور مغيث: مساللة أن التفكيك في الوطن العربي له حضور أمر جيذ ولكن 
سنجد في هذا الحضور الضخم جزءا منتجا وفاعلا وهناك جزء أخر فيه نوع من الخلط. 
فكثير من الألفاظ المستخدمة فيه غير دقيقة المعنى . بل أننا كثيرا ما نجد ناقدا يكتب أية 
ملاحظات على عنوان الكتاب ويسمى ما يكتب تفكيكا .. بالتأكيد ليس دوري أن أتحول 


1144 


إلى باحث معياري لأحدد أن كان ما يكتبه هذا الناقد أو ذاك يدخل في إطار التفكيك أم لا » 
وكل مافي الأمر أننا نحاول أن نوفر للناقد من خلال ترجمة (الجراماتولوجي) المصدر 
الأساسي أو الكتاب الأم ليكون تعامله مع هذا المنهج أكثر إحكاما وأكثر علمية وهذا هو 
الهدف الأساسي من الترجمة. 

ولا شك أن هناك عوامل كثيرة ساهمت في انتشار التفكيك في الوطن العربي. ولا 
أحب أن أرجع مسألة إزدهار أي اتجاه فكري أو نقدي إلى (الموضة) لأن في ذلك 
استهانة بالاسباب الحقيقية كما أن كلمة (موضة) ليست تفسيراللأمر. لماذا انتشر ولماذا 
كان هناك احتياج له ولماذا يشعر الناقد عند استخدامه للتفكيك كمنهج أن ذلك يضيف إلى 
كتابته رصيدا رمزيا يجعل الكثيرين يتعاملون مع كتاباته على أنها أكثر تقديرا.. كل ذلك 
لا تفسره كلمة الموضة؟ 

أعتقد أن أهم أسباب انتشار التفكيك كمنهج يرجع إلى تأثيره الكبير في التيارات 
النقدية. الحديثة المتنوعة التي تلته مثل (ما بعد الكولونيالية) أو النسوية كما ساهم أيضا 
في خلق صلة جديدة بين النقد الأدبي والسياسة خلاف الصلة القديمة بينهما غن طريق 
الماركسية . لأنه في مواجهة الماركسية لم يكن للنقد الأدبي أية صلة بالماركسية.. لكن 
من خلال التفكيك عادت الصلة مرة أخرى لأن التفكيك فتح مجالات جديدة لنقدالهيمنة 
والاستعمار وباتت عمليات النقد محملة بطموحات وآمال سياسية عند الناقد. كل هذا 
ساهم في انتشار التفكيك وأتمنى أن تسهم في انتشار التفكيك وأتمنى أن تسهم ترجمة 
الجراماتولوجي وغيره من الكتب لإعلام هذه الاتجاه النقدي مثل بول دي مان في أن 
تصبح العدة المنهجية للناقد العربي أكثر ثراء 1 

منى طلبة 2٠‏ أسئلتك تصب جميعها في محاولة لتشخيص ازمة الثقافة 
العربية . ففي الماضي كان هناك حركة متابعة مستمرة لكل التيارات النقدية والفكرية 
وليس بهدف التبعية وإنما بهدف المعرفة غير المحدودة » ما يحدث الآن ليس كذلك لا 
يوجد تيارات متابعة جيدة بشكل منتظم أو مؤسسي . وحتى في الجامعات لا يوجد متابغة 
منهجية لكل ما يقدم فى الخارج شرقا وغربا . ولو كان هناك متابعة لتمت ترجمة 
الجراماتولوجى منذ زمن مبكر ... ولأصبحت ترجمته شيئا متمشلا ومستوعبا وطبيعيا . 


145 


ولكن عملية الترجمة لاتتم فى إطار مؤسسة تحدد ما إذا كانت هذه الترجمة مفبدة للثقافة 
ونافعة لها » وإنما تتم على أساس اختيارات المترجمين . وفى ظل الاختيارات الفردية 
سيختار المترجم الأسهل وهو النص الشارح وليس النص الأصلى . وهذا بالتأكيد لا يقلل 
من قيمة الكتب الشارحة وخاصة عندما تكون النصوص صعبة . والتفكيك مثله مثل 
التأؤيل والبنيوية وكل هذه التيارات ثم الاستفادة منها فى الثقافة العربية باشكال مختلفة 
. وكان لمجلة (فصول) دور كبير للتعريف بهذه النصوص . ولكن الهرمينوطيقا والتفكيك 
لم يتم التعامل معهما كما يجب مع أنهما تياران قديمان » ويرجع ذلك لعدم وجود خطة أو 
مشروع لكيفية الاستفادة من مفعولات كل منهما . وترجمتنا للجراماتولوجى هى الشىء 
الطبيعى لأنك عندما تترجم النص الأم أو الأساس فانت تخلق حركة علمية فى المجتمع 
المستهدف . 

أوان : المسافة الزمنية بين صدور (الجراماتولوجى) فى ١51517‏ وبين 
ترجمته الآن تدفع التساؤل عن ما يمكن أنم يردم الفجوة التى يمكن أن تحدث طوال كل 
هذه السنوات ليس فقط على مستوئ التطورات الحاصلة للتفكيك كنظرية متشعبة لها 
نقادها الذين ساهموا فى تطويرها ... ولكن أيضا على مستوى دريدا نفسه الذى قد يكون 
بدل وطور الكثير من أفكاره أو التراجع عن البعض الآخر طوال هذه السنوات ؟ 

أنور مغيث : بالتاكيد راجع دريدا الكثير من أفكاره في الكتاب . ولكن هذا لا 
يقلل من قيمة النص » لأن من طبيعة النصوص الفلسفية الكبرى أن تكون مولودة لمعانى 
كبيرة باستمرار . وتتجدد على عكس النصوص الشارحة التى تكون مفيدة في وقت ما 
ويأتى آخر ليقدم شرحا جديدا . ومن هنا فإن ترجمة الأصول مسألة مهمة جدا . وهناك 
فجوة حادثة على مستوى الترجمة كلها , لأن جزءا كبيرا من الأعمال القديمة لم يترجم 
بعد .. وهذا الأمر يطرح علينا كمترجمين سؤالا هاما : هل الأجدى أن نترجم القديم أم 
الحديث حتى نكون متابعين للجديد؟ وإذا حدث وإنحزنا إلى أولوية التعامل مع الجديد 
فكيف يمكن أن يتم ذلك دون هضم الأصول الفلسفية أولا ؟ هذه مفارقة تستدعى جهدا 
مضاعفا تكون محصلته أن نعمل بالثوازى فى ترجمة الأمرين معا . لانستطيع أن نعود 
للقديم فقط لنجد أنفسنا فى غزلة عن مشهد النقد العالمى . وفى نفس الوقت لا نكتفى بكل 


146 


ما يصدر حديثا لأن هناك أصول كثيرة لم تترجم . أما بالنسبة للجراماتولوجى فمازال هو 
الكتاب العمدة فى فهم التفكيك وانطلاقا منه نستطيع أن نعرف ما تم تجاوزه وتجديده . 
ويمكن ايضا من خلاله أن نفهم تطور مفهوم التفكيك . فى هذا الكتاب يتضح متلا أن 
دريدا يؤكد أن التفكيك يمتلك نجاعته فى التطبيق على النضوص ذات البعد الفلسفى فقط. 
وإن كانت قصائد أو قصضا ينبغى للمفكك أن يشعر أن فيها دلالات فلسفية . فى المدرسة 
الأمريكية- ليس مهما أن يكون للنص دلالات فلسفية أى كان نص قابل للتفكيك .. فهذا 
تجديد ولكنه إضافة تستئد على البنية الأساسية للنص الأصلى (الجراماتولوجى) . 

منى طلبة ٠:‏ بالتاكيد لدى كل فيلسوف كتاب عمدة واظن ان كل المؤلفات 
الجيدة لدريدا ما هى الا استثمار للكتاب العمدة » وهذه ميزة " استراتيجية القراءة " 
التى يعمل عليها بها مرونة بحيث يصبح اى موضوع قابلا للتفكيك فيمكن ان يطبق هذه 
الاستراتيجية على نص سياسي مثل حدث ١١‏ سبتمبر كما يمكن ان يطبقه على نص 
ادبى .وقد حضرت له ندوة فى اليونسكو عن ( المعرفة الحديثة عبر الكومبيوتر 
والانترنت ) وقدم خلالها قراءة تفكيكية عميقة وفق نفس الاستراتيجية . سنجده ملترّما 
مع نفسه حتى لو تعددت المجالات التى يقدم فيها قراءته .. لان كثيرا من الناس ترى ان 
دريدا يكتب فى كل شئ من السياسة الى الادب والجامعة والاديان والاخلاق . وله كتاب 
عنوانه ( الايمان والمعرفة ) يتحدث فيه عن فكرة الدين هكذا فانك تجد ان الموضوعات 
مختلفة ولكن الاستراتيجية التى يستخدمها واحدة » وبالتالى فمن المهم ان نترجم كتابه 
العمدة لكل المقدمات الانفة . 

اوان ٠:‏ هل تعتقد ان الاكتفاء بترجمة النصوص الشارحة فقط ادى الى ما يمكن 
تسميته بسوء التلقى لافكار دريدا ؟ .. بصيغة اخرى هل فهم النقاد العرب دريدا بالشكل 
الكافى؟ 

منى طلبة ع ليس سوء فهم لانه من الممكن ان يكون مترجمو النصوص 
الشارحة لدريدا قد قراعوا النص الام في لغته الاصيلة . ولكن المهم في تقديرى هو الى 
اى مدى خلق التفكيك في الثقافة العربية تيارا علميا معرفيا مناهضا او مس تَخِيبا 
للاستراتيجيات المطروحه , اذ ليس بالضرورة ان يكون متبنيا للتفكيك فقط والى اى 


147 


مدى يمكن ان تفيد النصوص الشارحة في خلق تيار علمى حقيقى في الثقافة العربية ؟ 
واعتقد ان هذه هو السؤال المعرفى الاساسى المطروح علينا بقوة . من وجهة نظرى 
نحن نترجم لنخلق تيارا فكريا معيناء لانه لايمكن ان تنهض دولة معتمدة فقط على 
تراثها حتى الثقافة الغربية نفسها لم تنهض الا بانفتاح على كافة التيارات الفكرية ومن 
ضمنها الثقافة والفلسفة العربية . وخلق تيار فكرى جديد لا يمكن ان يقوم ببالنصوص 
الشارحة وحدها ولا تغنى ترجمة النصوص الاصلية عن ترجمة النصوص الشارحة 
وخاصة اذا كانت نصوصا صعبة لتيارات فلسفية فى منتهى التعقيد مثل التيارات 
المعاصرة . 

انور مغيث ٠:‏ اعتقد ان جزءا من مهمتنا كاساتذة جامعة ان نقوم بترجمة 
نصوص لها صلة قوية بالموضوعات التى ندرسها » وعندما نرى كتب الفلسفة الكبرى 
سنجد ان الذى قام بترجمتها فلاسفة ٠‏ ليوا فقط مترجمين؛ على سبيل المثال ان الدكتدتور 
فؤاد زكريا ترجم افلاطون » وعبد الغفار مكاوى ترجم كانط وهايدجر » زكى نجيب 
محمود ترجم محاورة افلاطون؛» وحسن حنفى ترجم اسبينوزا .. وطبعا هناك عبد الحمن 
بدوى ترجم نصوصا عديدة. من هنا اشعر ان جزءا هاما من عملى كاستاذ فلسفة هو 
ترجمة الكتب الاصلية » او ختى ترجمة كتاب يمكن- ان يقدم منظوزا جديدا للفكر 
الفلسفىء او يتناول تاريخ الفكر الفلسفى من زاوية جديدة . 

اوان : كيف اتفقتما سويا على العمل المشترك لترجمة كتاب بمثل هذه 
الصعوبة ؟ ظ 

منى طلبة: اشتركنا سويا ء انا والدكتور انور فى ترجمة العديد من الكتب . 
ودائما مع كل كتاب نعمل فيه سويا نمسك بالفهرست ونحدد الجزء الادبى والجزء 
الفلسفى . ونقسم الكتاب على هذا الاساس . انا اتولى ترجمة الجزء الادبى ويقوم 
الدكتور انور بترجمة الجزء الفلسفى . وبالطبع هناك علاقة واضحة بين اللغة والفلسنفة 
وخصوصا فى التيارات الفلسفية الحديثة . 

اوان : هل الترجمة المشتركة تخلق مشاكل من اية نوع ؟ 


148 


منى طلبة : نحن نقسم الكتاب الى نصفين , وكل منا يترجم منفردا ثم نقنوم 
باعطاء النص لاحد الاصدقاء ليقوم بكتابته على الكومبيوتر . ثم نص ححه . وبعد كن 
يستقر كل واحد فينا على ترجمته نقوم بتيادل الاجزاء كل يبدى ملاحظاته على ترجمة 
الاخر . ثم-.نبدأ فى توحيد المصطلحات ... وهذه الطريقة التى نعمل عليها . 

انور مغيث ٠:‏ لاتوجد مشاكل فى الترجمة المشتركة ولكقن 
(الجراماتولوجى) من النصوص الصعبة ؛ كما ان دريدا يكتب لغة فرنسية بالالمانية ٠‏ 
بمعنى ان من الاليات الطبيعية للغة الالمانية ان تقسم الكلمة الى نصفين او تدمج كلمتين 
لتخلق كلمة واحدة . هذا يتم فى الالمانية بشكل طبيعى ولكن فى الفرنسية يبدو غرييا . 
ومن هنا نواجهه مشكلة فى عملية الترجمة . ولذلك نحن نترجم ترجمة اولى : ثم نقرا 
النص العربى فنجد كثيرا جدا من الفقرات مستغلقة فنبدأ فى صياغتها انطلاقا من فهمقا 
للنص فنعيد تركيب الجملة . وقد نضيف بعض الالفاظ التوضيحية . ونضيف عمليافت 
ربط لم.تكن موجودة من قبل حتى نصل لاكبر قدر من السلاسة فى الاسلوب . فعذشى 
عكس نصوص اخرى يمكن ان تترجم مباشرة ٠‏ لابد ان يترجم دريدا على مرحلتينن . 
الاولى ان يكون النص مرأة للنص الفرنسى كما هو . المرحلة الثانية نسال هل يمكن هم 
الكلام بالعربية ام لا ... لو لم يكن مفهوما ما الذى يمكن ان نفعله حتى نحول النص الى 
نص اكثر وضوحا لقراءة العربية . 

منى طلبة 22٠‏ هذه العملية ليست بسيطة فقد قمنا بترجمة النص كاملا قى 
عام ثم قضينا عاما اخر فى محاولة لاعادة الصياغة حتى يصبح النص مفهوما للقازئ 
العربى . نعيد الصياغة ولا نقوم بتحريف النص او الخروج عليه . وانما هناك اضاقفات 
اسلوبية ... حيث يبدأ دريدا احيانا بفعل فى اول الصفحة وياتى الفاعل فى منتصف 
الصفحة الثانية » ففى الترجمة الاولى انت تترجم ( اوتوماتيكيا )» اما فى الثانية فعليك 
ان تاتى بالفاعل من الصفحة الثانية حتى تضعه خلف الفعل مباشرة وتعيد صياغة الجملة 
كاملة » وكل ذلك ليصبح النص مفهوما للقارئ العربى ولعنا لا ننسى فى البداية عندما 
تحدثنا اما احد اصدقائنا الفرنسيين وهو باحث مرموق . طرحنا امامه فكرة ترجمة 
الكتاب ضحك وقال :" يجب ان تترجموه للفرنسية أولا "!. 


149 


ضحكنا مما قال ولم نكن نعلم ما الذى ينتظرنا والذى حدث انه طوال قيامى 
بالترجمة لم أستطيع ان انسى هذه الجملة التى قالها لنا لانك فعلا تشعر ان الكتاب فى 
حاجة الى ترجمة للفرنسية وطول الوقت كان همنا الاساسى: كيف نجعل الترجمة 
مفهومه للقارئ العربى ... وكان حكمنا فى ذلك الصديق الدكتور محمد فتحي الذى قام 
بكتابة النص على الكومبيوتر وذلك عندما نعرف انه لم يفهم اى كلمة من النص بعد 
الترجمة الاولى ٠‏ ولكن بعد اعادة الصياغة شعرنا بالطمانينة لانه قال لنا ان دائرة قهم 
مستغلق النص قد اتعت امامه . لقد اعتبرناه نموذجا للقارئ الذى سنذهب اليه ٠‏ وللاسف 
هناك ترجمات تصدر فى مصر وفى العديد من البلدان العربية تنطلق من ان المترجم 
يقوم بعمله بشكل الى ثم يتخفف من اى تبعة باعتبار انه قد ترجم المطلوب دون ان 
يتساءعل عن مبلغ فهم القارئ . 

اوان : ولكن الايعد خيانة للنص ... هل تؤمنا بالمقولة الايطالية الشهيرة ( 
المترجم يجب ان يكون دائما خائنا للنص )؟ 

انور مغيث : 2 فكرة الخيانة ستحول الترجمة الى فكرة عبثية وانا لاااراها 
"خيانة" لاننا فى اى ترجمة سنواجهه مشكلتين . اولا المصطلحات التى يستخدمها 
الانسان تكون مرتبطة بالدلالات المعطاة لهذه المصطلحات فى عصره . وهذا ما يقتضى 
اعادة ترجمة الكتب الكلاسيكية من وقت لاخر مثلا كتاب "راس المال" لماركس ترجم 
الى الفرنسية حوالى خمس ترجمات » وهناك ايضا ( القران الكريم ) الذى ترجم اكثر من 
سبعين ترجمة فى الفرنسية . المشكلة الثانية تتولد مما قاله دريدا نفسه حين ذكر التالى 
ذات مرة "( استحالة الترجمة هى الشرط الاساسى لقيام الترجمة ) .. ومعنى كلامه ان 
النص لو كان يمكن نقله بسهولة فإننا لن نحتاج فى هذه الحالة الى ترجمته . ولذلك من 
الصعب بل من المستحيل ان انقل نفس المعانى المصاغة بحسب ذائقة وحساسية القارزئ 
الفرنسى على مستوى الدلالة وهذه الاستحالة هى ما يجعل الترجمة امرا ضروريا 
وواجبا وهذه الفجوة هى منبع تجدد عملية الترجمة . 

منى طلبة ٠‏ انا احيانا وبدون دعاية لترجمتنا اشعر ان دريدا سيفمم نفسه 
من خلال الترجمة العربية » لاننى اشعر ان كل ترجمة تضيف معنى للنص الاصلى . 


1530 


وهناك ندوة اقيمت فى المغرب عن الترجمة وصدرت ابحاثها فى كتاب يحمل عنوان ( 
الترجمة والتاويل )... معظم الابحاث تؤكد ان الترجمة هى نوع من الاشراء للنفشص 
الاصلى وليس خيانة له لانك ستنقل هذا النص للغة ثانية وتدخله فى ثقافة جديدة بكل 
رصيدها الثقافى . وكل الافكار الموجودة فيهاء اى انك بالتالى تشحنه بمعنى جديد » 
ولهذا كلما تعددت الترجمات كلما تعددت المعانى المولدة من هذا النص . الترجمة 
الرشيدة ( كما اسميها ) هى اثراء لهذا النص . ومستحيل ان تدخل نص ما الى ثقافة 
اخرى بنفس الافكار والمعانى لانك تخاطب قارنا اخر . 

اوان : اظن هنا ان المسألة تتجاوز فى هذه الحالة الترجمة فقط » لان ذلك 
يتطلب وعيا بكل الافكار والمدارس الفلسفية السابقة . 

منى طلبة ٠:‏ بالتاكيد » خلال السنوات اللاث الماضية . استعرنا كل كتب 
دريدا لدى الاصدقاء . وقمنا بقراءتها وبقراءة كل ماكتب عنه , كل ذلك من اجل ان 
50 
الثقافية التى كتب فيها كتابه . 

اوان : من خلال لقاءاتكم المتعددة مع دريدا . ل يا 
هل واجهتكما صعوبات فى الترجمة قام هو بتقديم حلول لها ... مشلا المصطلحسات 
الموجودة فى كتابه سنجد للمصطلح الواحد ترجمات متعددة المترجمون المغاربة 
يقدمون اقتراحات والمصريون واللبنانيون فضلا عن العراقيين.... وقد نجد هذه الصعوبة 
بداية من عنوان الكتاب الذى ترجمه البعض (علم الكتابة) وترجمه اخرون ب ( النحوية) 
او ( فى علم النحو ) بل ان ذلك اجج معركة بين الدكتورين جابر عصفور وميجان 
الرويلى حول ترجمة العنوان ... هل لقاءتكم بدريدا حسمت ترددكم تجاه ترجمة مصطلح 
مامثلا ؟ 

انور مغيث ٠:‏ باللنسبة لدريدا نادرا ما كنا نتكلم في النص ؛ وعندما تاتى 
سيرته كان يسمع لنا ولكنه لا يحسم شيئا » ولكن من خلال مناقشاتنا معه كان يطمئن اننا 
قادرون ٠‏ تقريبا على الاحاطة بالمشاكل اللغوية التى يثيرها او يطرحها الكتاب . مثلا 
اثرت امامه ملاحظة مفادها ان كلمة '5251151411/7 فى الكتاب تاتى احيانا بمعنى 


151 


(شئ زائد ) واحيانا تاتى وكانها ( مكمل ضرورى ) لشئ موجود لا يمكن الاستغناء عنه 
واحيانا تاتى وكانها بديل للشئ نفسه . وقد اكد لى ان للكلمة فعلا كل هذه الاستخدامات 
المختلفة » والجدير بالتامل هنا هو ان هناك كلمات عربية كثيرة يمكن اقثراحها كمقابلات 
للكلمة » ولكن المشكلة اننا لو اردنا ان نختار من اللغة العربية الدلالة المناسبة للسياق 
الذى كتبت فيه الكلمة الاصل حسب النص فسيكون لدينا خمس أو ست ألفاظ مستخدمة 
لكلمة واحدة بالفرنسية . وعلى الرغم من ان هذا سيكون انسب لتحديد المعنى فى 
السياق الا انه سيطيح بفكرة المصطلح الذى ينبغى ان يستخدم كمفهوم فى عمليات 
التحليل . ولو حافظنا على كلمة واحدة فسنقتصر على دلالة معينة . والدلالات الاخرى 
ستكون غائبة . ووجدنا الحل ان نقتصر على كلمة واحدة وننوه فى هوامش الترجمة الى 
المستويات الاخرى للمصطلح ونطلب فى الهامش من القارئ ان يستحضرها فى ذهنه 
عندما يقرأ النص . اما فيما يتعلق بترجمة العنوان فقد اخترت الترجمة ( علم الكتابة ) 
انطلاقا من تعريف الكلمة فى القواميس الفرنسية ٠‏ وعندما وجدت اختلافات كثيرة حولها 
عند المثقفين العرب : هل هى " النحوية " او " نحو الكتابة " ... وجدت ان 
1 كلمة لم يخترعها دريدا : وانما كلمة موجودة وتطلق على 
جميع الابحاث التى تبحث فى تاريخ الكتابة ونشاتها وعلاقاتها بالثقافات المختلفة ٠‏ وهى 
علم خاص يسمى ( الجراماتولوجى ) وعندما التقيت بدريدا قلت اننى اخترت لترجمة 
العنوان كلمة تعنى بالفرنسية 5521115 1511© 1.45 فقال لى 
ان هذا بالضبط مايعنيهواماالربط بين كلمة 141111112© وى 
:115 ه:فليس له اساس لانه فى القرن التاسع عشر كان يقال ( كتاب 
جامع للجراماتولوجى ) ولم يكن الامر يتعلق بالنخو من قريب او من بعيد والما يتععرض 
للغات الشعوب وتطورها . 

منى طلبة :ع بالاضافة الى ذلك ايضا مضمون الكتاب نفسه وهو يدور حول 
فكرة الشفاهة والكتابة ولا يوجد اى تعرض او اشارة من قريب او من بعيد الى النحو . 
فمضمون الكتاب نفسه مناهض لهذا النوع من الترجمات . 


152 


انور مغيث ٠:‏ كان يمكن ان نتصور مثلا ان هناك فرقا بين علم الكتابة وعلم 
اصول الكتابة » مثلما نميز بين " علم الفقه " و " علم اصول الفقه " فالفقه هو الاحكام 
اما علم الاصول فهو المنطلقات الاصولية التى ينطلق منها الفقه ليصوغ احكامه . كنت 
اتصور ان هذا العلم هو بحث فى اصول الكتابة , ولكن مع مضمون الكتاب ومع 
التعريفات المختلفة لكلمة (جراماتولوجى) فى القواميس المختلفة وجدت انه لا يوجد 
تمييز بين الاصول وبين الكتابة نفسها فالجراماتولوجى بحث علمى فى الكتابة : طريقتها 
ورموزها وتطورها . 

منى طلبة 2٠:‏ هناك داخل صفحات الكتاب مثلا مصطلح :7211711:124101 
وهى الكلمة التى كتبها دريدا بطريقة مختلفة عن الكتابة الفرنسية بغرض اعطانها معنى 
مختلفا . هناك ترجمات كثيرة لهذا المصطلح فالبعض يترجمها " الاختلاف المرجا " لان 
الكلمة تتضمن معنى الاختلاف ومعنى الارجاء » اما نحن ففضلنا ان نستخدم مصطلخًا. 
واحد هو ( الارجاء ) مع الاشارة الى ان الارجاء يكون دائما لشئ مختلف فأنت تر 
شيئا لا تحققه الان بشكل او باخر او انه غير موجود اساسا . دريدا يتحدث عن المعنى - 
حيث يشبه الكتابة بانها اثر ومعناها "مرجأ"... اى ان الاختلاف يتضمن معنى الارجاء . 
فما معنى ان اترجم المصطلح ( الاختلاف المرجا) . الشئ الآخر الذى اود الإشارة إليه 
هو اننا نريد ان نتجاوز فى عملية الترجمة مسالة انم يكون لكل لفظ اجنبى مناظر عربسى 
مطابق له .. هذه مسالة غير جائزة لغويا , لانه من المستحيل ان تجعل لكل لفظ مترجم 
مقابلا له فى الدلالة . فى هذه الحالة ستدمر اللغة واللغة العربية تتحمل اكثر من معنى . 
فحتى عندما ترجمنا ( الارجاء) اشرنا الى انه مصطلح خاص بدريدا استخدمه فى كتايه . 
ويمكن ان تجد له فى النص معانى اخرى لانه ( اختلاف مرجأ ومكمل ). ومع القراءة 
نكتشف ان الاكمال هنا ليس هامشيا . فالاصح ان نترجم الكلمة المفتاحية هكذا : ( 
اختلاقة مرجا متتل زتيسى غير هلمقيق ). ل ا ا بر 

نضع المصطلح ونترك اللغة لتغتنى بالدلالات . 

انور مغيث ٠:‏ امام مازق المصطلح ب ل ا 
نتجاوزها ولذلك انطلقنا فى الترجمة من خلال مجموعة من الاسس : منها ان الكلمة 


153 


الواحدة يستحسن ان تترجم بكلمة واحدة لان ذلك يسهل نحت صفات منها , فعندما 
نترجمها الى كلمتين يصعب فى هذه الحالة ان تستخدم كصفة . ثانيا : : انا اعول على ما 
يعرف ب ( العرف) في الترجمة وهو ان يتفق مجموعة من المترجمون على ان هذه 
الكلمة ستترجم كذا وفيما بعد يصار المى اعتبار ان الدلالات والمعانى المختلفة تكون 
موجودة ضمنا مثلا كلمة 4111:1/8717101778 ترجمت (الينة) ثم ترجمت ب : استغراب 
واغتراب » وبعد حوالى ٠‏ "عاما اتفق الجميع على اغتراب كمقابل اصطلاحى شبه قار . 
رغم ان الذين اقترحوا الترجمات الاخرى كانت لديهم وجهات نظر جديرة بالاعتبار 
بوصف ان الأغراب ليس كافيا للدلالة على المعنى المراد » ولكن اصطلح الجميع على 
المعنى . من هذا القبيل ايضا كلمة ( اشتراكية ) فى بداية ظهور كلمة 5061411511 
ترجمها البعض ب: (اشتراكية) لاكسابها معنى سيئا حتى يرفضها الناس من منطلق 
الايحاء بان الفقراء سيشاركون الاغنياء اموالهم » ولكن شبلى شميل وسلامة موسى 
ترجماها ب:(الاجتماعية ) غير انه بمرور الزمن استقر الجميع على الكلمة سيئة السمعة 
التى اصبحت ايجابية بعد فترة على هذا الاساس يجب على المترجم ان يختار الترجمة 
التى يستريح لها ومع مرور الزمن قد يستقر العرف السائد على ترجمته . 

منى طلبة 2-٠:‏ هذهالحيرة فى ترجمة المصطلح لن تساعدك على ان تستثمر 
المصطلح بل ستجعلك فى حالة (تيه) ولعل الافضل هو الشروع فى اخذ المصطلح ” 
واستنباله فى اللغة الجديدة ثم تعريضه للتداول ٠‏ ولذلك اعود مرة اخرى الى غرضى 
الاساسى من الترجمة وهو : ان انقل العمل الى سياق ثقافتى العربية مثلما فعل الفلاسفة 
المسلمون من قبل » فهم عندما ترجموا ( ميتافيزيقا) ارسطو ... ترجموا كلمة ميتافيزيقا 
كما هى ثم فيما بعد ترجموها ب (ما وراء الطبيعة ) ودخل المصطلح الى الثقافة العربية 
واصبح جزءا منها ولذلك فالترجمة ليست فقط اضافة عملية بل هى ايضا اضافة لغوية . 

اوان : هل ازمة المصطلح هذه خاصة باللغة العربية فقط اعنى هل ان 
اشكالات مشابهة بدرت عندما ترجم دريدا الى اللغات الاخرى هل حدث نفس الانقسام 
حول مصطلحاته ؟ 


154 


انور مغيث :2 عندما اشتغلت على نصوص ماركس الشاب . وجدت ان كلمة 
الألمانية التى استخدمها ماركس وهيجل لتعنى ( تجاوز الفلسفة ) 
لها فى الفرنسية ست ترجمات مختلفة مرة بمعنى رفع » واخرى بمعنى نفى وثالثشة 
بمعنى تحقيق وغيرها بمعنى تجاوز » هذا رغم انها مفردة واحدة فى الالمانية ومعناها 
بسيط ( شخص وقع منه شئ على الارض فالتقته ) اى ان هذه الازمة موجودة فى 
الثقافات المختلفة . فالترددات والتوترات الاولى تجاه المصطلح ضرورية ولازمة . 
تختلف عن العائلة السامية وهكذا . ولكن ماذا نعنى بكلمة مصطلح ؟ المتبادر الى الذهن 
هو ان المقصود هو ان تختار مجموعة معينة من العلماء مفهوما معينا محددا لكلمة. 
محددة من اجل دفع العملية العلمية . ولكن ان يتحول المصطلح الى مثار خلاف طويل 
بين العلماء , فهذا لن يساهم فى تقدم العلم , اى ان الغرض الاساسئْمْن الاصطلاج (7 
منفى ).. فى هذه الحالة قد تكون هناك فترة تررد ولكنها لا تطول او لا ينبغى لها ذلك . 

اوان : كلمة 286071511217101 نفسها ترجمدت فى البداية بل 
(التشريحية ) ثم جاءت : ( التقويضية ) الى ان تم الاستقرار فى النهاية على كلمة ( 
تفكيك )؟ . 

منى طلبة ٠:‏ ولكن حتى استخدام كلمة تفكيك خلق مشكلة . احيانا ارى 
النقاد لديهم الخق فى الاحتفاظ بالمصطلح بمعناه الغربى ‏ كان نقول ( هرمنيوطيقا ) بدلا 
من ( تاويل) ... وعلى الرغم من الخطر الماثل فى ان يسهم ذلك فى تغريب اللغة ؛ الا 
ان مشكلتنا انه ليس لدينا مجتمع علمى معروفة حدوده . كلمة (تفكيك) على سبيل المثال 
استخدمها الدكتور عبد الوهاب المسيرى فى كتابه ( العلمانية الجزئية والشاملة ) بدلالة 
تصرفها الى معنى يفهم منه الاسهام فى تفكك المجتمعات » وجعل الشئ يتدهور . وهذا 
ليس معناها المقصود هنا على الاطلاق . ان سبب المشكلة هو انك عندما تنقل كلمة من 
لغتها فانك ترجع الى المعانى الموجودة فى معجمك فعندما تفكك شينا تخلخله هذا معنى 
الموجود فى معجمك , ولكنه ليس المعنى الموجود فى النظرية الفلسفية وهو نفس الامر 
مع مصطلح مثل ( التاويل) اذ انه لو تم نقله الى العربية بكلمة ( هرمنيوطيقا ) فانه سيتم 


155 


التمييز بينه وبين الدلالة التى تنصرف الى اى تفسير او شرح يدلى به اى فرد فى اى 
موضوع من المواضيع فالمعنى الذى يستخدمه رجل الشارع العادى اضيف الكلمة 
فاصبحت الكلمة فى الاوساط العلمية تعنى ان اى شخص يقول رايه فى اى قضية يتحبول 
الى مؤول ان الذى حدث فئ هذه الحالة هو تسطيح للمصطلح وخروج عن اطاره 
الصحيح . لان الهرمنيوطيقا هى فلسفة خاصة لها مبادئ ياتى على راسها : ان تتعامل 
مع لغة النص وليس مع ما هو خارجه » وان تبحث ذلك فى ضوء المعنى الكلى للنص . 
وتستبصر التناقضات والاشكالات ... بحيث ان المعنى المستخلص الذى يبحث عنه كل 
هرمنيوطيقى يكون معنى معقدا لا يمكن ان تختزله فى عبارة . كل ذلك يدخل فى اطار 
الهرمنيوطيقا وعندما تم ترجمة هذا المصطلح الى " تاويل " فانه قد دخل فى اللغة 
العربية واصبح مستثمرا فيها . ولكن من ناحية ثانية فانه قد تم تسطيح الكلمة واس تبعاد 
المعنى الفلسفى المعاصر لها . والبقاء على المعنى السطحى المتعارف عليه . وهذا 
جانب سلبى لابد من تدراكه وذلك بان تكون هناك جماعة علمية يتم التعريف بالمصطلح 
من خلالها . بعد ان تضعه فى اطاره الفلسفى الصحيح حتى يمكن اثراء اللغة . 

اوان ٠:‏ هذا فيما يتعلق بالمشكلة الاولى الخاصة بالمصطلحات ولكن تظفل 
العديد من المشكلات الاخرى منها ان مترجمى درديا السابقين يتحدثون دائما عن 
الطبيعة الشعرية لنصوصه و ( الشكل الذى لا يجب ان يشوه ) للاسلوب كما درج درهدا 
على استخدام كلمات لغات مختلفة منها الالمانية والاتينية القديمة وحتى العربية وهناك 
ايضا ( اللعب بالكلمات ) فقد يستخدم دريدا كلمة واحدة بمعانى مختلفة ... كل هذه 

انور مغيث: في الحقيقة ان جزءا من فلسفة دريدا نفسه يتصل باسلوبه في 
الكتابة وعندما قررنا ان نترجمه كان لابد ان نبقى اثار من هذا الاسلوب رغم سعينا 
للوضوح لانك ستفاجأ بانه يستخدم عشرات المترادفات المتتالية بدون حرف عطف ٠»‏ 
ويغير حرف في الكلمة لاكسابها دلالات جديدة. ومن هنا كان سؤالنا هو: هل نخلص 
لاسلوب دريدا في الكتابة حتى لو جاءت الترجمة العربية مستغفلقة وغير مفهومة الا 


156 


لاولى العزم وليست للقارئ العادى؟ والذى انتهينا اليه بعد كثير تدير محاولات هو ان 
نلتمس حلولا وسطا من اجل ضمان تداولية اكبر للمصطلح . 

منى طلبة ٠‏ لىان اضيف انه حتى بعد كل هذا الجهد المبذول لجعل النص 
اكثر سهولة . الا انه لا مناص امام القارئ من اعادة قراءة الصفحة الواحدة مرات 
عديدة . لان الأفكار الموجودة فى النص كثيرة ومتشابكة وتحتاج الى تامل » او كما يقول 
الفرنسيون ( ان تقرأ يعنى انه لابد ان ترفع عينيك عن الكتاب )... اى ان الكتاب يحتناج 
الى قارئ لا يتابع ببصره الكلمات وانما يمهل نفسه لحظات لتامل ما يقراء فالنص على 
الرغم من الجهد المبذول لجعله مفهوما يحتاج الى قراءة متانية ومتدفقة متأملة ولا 
تغنى القراءة المتعجلة من ذلك شيئا . 

انور مغيث :2 ولابد كذلك لفهم النص من خلفية فلسفية للقارئ . واتذكر ان 
هيجل كان مشهورا باختراعه مصطلحات صعبة جدا فى الفلسفة وعندما كان يدرس فى 
الجامعة كان الطلبة يستوقفونه ليفهموا ما يعنيه فاصابه الملل وقال لطلبته " لو ان 
هناك طالبا اراد ان يدرس الكمياء فهل سيوقف مدرسه كل فترة ليساله ماذا تعنى بهذا 
الرمز او ذاك ء ام انه لابد له مادام اختار الرمز او ذاك ام انه لابد له مادام اختار دراسة 
الكمياء ان يعرف رموزها ؟" كذلك الامر بالنسبة لمن اراد ان يدرس الفلسفة لابد له ان 
يعرف مصطلحاتها حتى لا يتوقف كل دقيقة ليحول المصطلحات الى جمل عادية . فقراء 
النصوص الفلسفية تحتاج الى دراية بالمصطلحات الفلسفية . اما فيما يتعلق ان تكون 
ترجمتى للجراماتولوجى نصا غربيا وغير مفهوم للقارئ العربى بدعوى الحفاظ على 
شعرية دريدا فهذا بلا جدوى لاننى فى هذه الحالة ساضحى باتساق النص . فدريدا يقدم 
خطابا متكاملا له اصول يبنى عليها » وهذا يجب ان يكون واضحا فى خلفية الترجمة 
حل لب خض للفو بل لحار لوقك و الوق . وبشاء عليه يمكن ان ابسط فقرة 
معينة على اعتبار انها ست ستبقى اكثر دلالة فى المفهوم العام للكتاب مما لو قمت بنقلها 
حرفيا وبشكل كامل . 

منى طلبة : يحلو لى عند هذه العطفة ان اطرح سؤالا وهو :ماهو 
التفكيك ؟ وساقول فى الرد على هذا التساؤل : هو توالد معان متضادة وكل معنى ليس 


157 


كاملا فى حد ذاته بمعنى انه يتم ارجاء جزء من المعنى باستمرار . وهذا المرجا ليس 
هامشيا وعند العثور على الجزء المكمل او المرجا يظهر ان هناك معنى مرجا اخر وهكذا 
فى عملية لانهائية ... هى التى تكسب نص دريدا شعريته هذه العملية اللانهائية تحتاج 
الى امعان فكر وتحتاج الى جهد عقلى جبار لتوليد المعانى ولاثبات أن كل معنى يتم 
إرجاؤه تتولد منه معانى قد تكون مدهشة او تكون غامضة على اساس ان الغمؤض هو 
جزء ايضا من ارجاء المعنى ويمكننى الاشارة فى نهاية المطاف الى المتعة وتنوع 
الخبرة التى وفرتها الترجمة لى اذ ان هناك اجزاء من الكتاب كنت اقرؤها وانا مستمتعة 
بالجهد العقلى الجبار لدريدا سواء اكنت متفقة معه او مختلفة . اما بشان الصعوبات التى 
واجهتنى فقد بت معها ادرك ان الصعوبة توجد فى فلسفة دريدا نفسه وليست مستولدة 
من خلال الترجمة . 

اوان : لقد استغرق انجاز ترجمة ( الجراماتولوجى ) وقتا ليس بالقصير منذ 
الاعلان عن هذا المشروع . ولعل الكتاب فى طبعته العربية لم يصافح يد القارئ بعد : 
خلال هذه السنوات ... كيف كان النص يهبكم نفسه فى كل مرة ؟ كيف تعاملتم مع ما 
ينكشف من فجواته واسراره وعلاماته ؟ هل وجدتم انفسكم مضطرون لتغيير او نبف 
او تحريف محاولات ترجمية سبق ان اجريتموها فى مراحل من هذا الغمل ؟ بصيغة 
اخرى : ما هى تحولات الاستقبال التى تولدت لدى كل منكا مع كل تورط فى عطايا . 
النص؟ 

انور مغيث ٠:‏ ساستدعى مثالا مسعفا لاضاءة ما تتحدث عنه وهو مثال 
استقيه من محاولاتى لترجمة مدلولات مصطلح )1065م م5 ان من يطالع كتاب دريدا 
المشار اليه سيجد ان دريدا كان يستخدم هذا المصطلح على مدى عشرين صفحة بمعنى 
شئ زائذ . خاصة عندما يستخدم اراء افلاطون بشان الكتابة والتهوين من شانها . ولكن 
فى تحول ضمن الاداء الاسلوبى بعد ذلك يحاول دريدا ان يثبت ان ( الزائد ) على العكس 
من ذلك هو الشئ الذى مسن دونه ما كان ليكتمل الوجود » وبدونه لا يمكن ان يكتمل 
المعنى . ومن هنا يكتشف القارئ ان تحديد ال 54ءدمء1مم5 بالمعنى الاول . اى الشسئ 


158 


الزائد يفوت افساح المجال امام النقلة الفجائية التى يريد دريدا ان ينقنها اليها فما كان ( 
زائد ) اصبح هو الاساس .وما كنا نتصور انه (المركز) تحول او اصبح ملحقا بالزائد. 

وهناك ايضا تنام فى الاستقبال يتدخل فى ادراك مرامى دريدا من خارج النص . 
من خلال قراءة المشهد الفلسفي كله » او من خلال قراءة أعمال دريدا مجتمعة او بعض 
الاعمال التفكيكية التطبيقية . فنحن من خلال هذه السياقات بدأنا فى اعادة النظر قى 
ترجمة بعض الفقرات انطلاقا من عملية الاحاطة التى يدات تخرج من إطار النص. وهدا 
ما ساهم فيه كتب مترجمة عن البنيوية او بعض الفصول عن التفكيكية فى مجالات 
تطبيقية مختلفة مثل النقد الثقافى ... كل هذه القراءات اعطتنا شحنات دلالية للنص 
تجعلنا نعيد النظر فيه مرة اخرى ١‏ ولا ينزعك الظن الى تصور اننا فى هذه الحالة نقتصر 
على تغيير لفظة وانما قد تؤدى اعادىة النظر الى تغيير فقرات . بمعنى انك عندما تترجم 
الفقرة يمكن ان تتصور ان المركز الذى يحاول دريدا الاشارة اليه هو هذه العبارة » ولكن 
تكتشف ان هناك عبارة اخرى هى المركز لتبدأ اعادة صياغة من جديد لتوجيه انتهاه 
القارئ الى شئ جديد . 

منى طلبة :٠2ح‏ ترجمنا الكتاب وفى ذهننا شينان . الاول هو الاخلاص لفكر 
دريدا . والثانى هو الاخلاص للقارئ العربى فلم يكن لدين! استعداد ان نضحى باى من 
هذين الاعتبارين. ولو انك سألتني اليوم عن ما انصح به قارئا على اعتاب المغامرة فى 
التكرس على دريدا لتمنيت لهذا القارئ ان يكرر نفس الخبرة القرائية التى مررت بلهاء 
اى ان يقرأ دريدا متورطا فى كل الاشكالات والاستغلاق فى المرة الأولى . ثم مستوعبا 
لبعض من مستويات الدلالة فى عبارته فى المرة التالية » حتى ينتهى به الامر فى المرة 
السادسة او العاشرة الى التالف مع دريدا والقراءة الابداعية لاستراتيجياته ! . 

اوان : تقدم جياترى سبيفاك نموذجا متفردا فى علاقات القراءة ومفعولاتها 
داخل دوائر الاهتمام العلمى بالنظرية فمقدمتها لترجمة الجراماتولوجى عدت صياغة لا 
يستغنى عنها فى الاثار الانجلوسكسونية حول التفكيك » ولقد كان لها تاثير جذرى فى 
اسهاماتها ضمن " فى عوالم اخرى " و " الناقد ما بعد الكولونيالى " وغيرها ... هل 


159 


ستقوم مقدمتكم للكتاب بمساءلة ٠.‏ على خط مواز لمحاولات قراءة دريدا او تقديمه 2 
عربيا ؟ واين هى من التأثير فى مشهد اهتمامات الخطاب الثقافي العربى ؟ 

أنور مغيث :ع في البداية كان هناك اقتراح ان نترجم مقدمة سبيفاك كمدخل 
للكتاب » وعندما طرحنا هذا الأمر على دريدا رفض و أصر على رفضه وقال :" ان 
مترجم الكتاب هو اقدر شخص يعرف نقطة الالتقاء بين النص الذي يقوم بترجمته وبين 
ثقافته ولهذا فانتم اقدر من يقدم الكتاب لأنكم تعرفون ما هو المهم فى كتابي بالنسبة 
لسياقكم ". وقد اتفقت مع الدكتورة منى ان نكتب مقدمتين منفصلتين للكتاب » مقدمتي 
ستتعامل مع الجانب الفلسفي لفكر دريدا وموقع فلسفته فى الفكر الفلسفي العالمي ؛ أما 
مقدمة الدكتورة منى فتتناول التفكيك كاستراتيجية فى قراءة النصوص وهى ستناقش من 
هذه الزاوية علاقته بمناهج التحليل المحتلفة . البنيوية والهرمنيوطيقا وغير ها . 

منى طلبة ٠:‏ وهناك نقطة اخرى اود الاشارة اليها فى هذا المقام فقد اقترح 
الدكتور جابر عصفور ان يكتب دريدا نفسه مقدمة للترجمة العربية للكتاب . ولكن دريدا 
رفض الامر معللا لرفضه بالقول انه لو قام بكتابة مقدمة لكل ترجمة الى لغة من اللغات 
لكتاب الغراماتولوجى لكتب عشرين مقدمة لان الكتاب مترجم لاكثر من لغة وقال لنا : 
انتم اجدر من يستطيع ان يقدمنى للقارئ العربى » ولهذا ستكون مقدماتنا للكتاب بقدر 
الامكان اضاءة للنص ولفكر دريدا بصفة عامة . 


160 


في علم الكتابة (الجراماتولوجي) 
الفصل الأول : الباب الثالث 
موقع " الرسالة *) 
جاك دريدا .. ترجمة: منى طلبة””» 


ماذا نقول عن الصوت في اطار منطق (المكمل) او بالاحرى ماذا نقول عما 
ينبغى علينا ان نسميه "بكتابة الصوت"؟ 7 ) 

من العسير عند تقصيئنا لسلسلة المكملات » ان نفصل بين الكتابة والاستمناء. 
فهذان المكملان يشتركان على الاقل في سمة الخطورة . فهما يخترقان المحظور 
وتتم معايشتهما في اطار الشعور بالذنب . ولكنهما - في ذات الوقت ووفقا لقاعدة 
الارجاء يؤكدان على.المحظور الذى ينتهكانه ويتفاديان خطرا ويدخران جهدا . 
ويتاح لنا على الرغم منهما وبفضلهما في الوقت نفسه أن نرى الشمس وان نكونت 
جديرين بالنور الذى يلوح لنا عند باب كهفنا المظلم . 

ما هو الذنب الاساسى الذى يرتبط بهاتين التجربتين ؟ ما هو الذنب الاساسى 
المثبت فيهما او المنفى عنهما ؟ هذه الاسئلة لا يمكن صياغتها بدقة الا اذا وصفنا ب 
بشكل مسبق- السطح البنيوى او "الظاهرياتى" لهاتين التجربتين . واذا بدانا 
بالتعرف على حيزهما المشترك . 

في حالتى الكتابة والاستمناء.تتجلى امكانية حب الذات.كما يلى انها تترك 
اثرا للذات في العالم فالكتابة - بوصفها مقرا اجتماعيا للدال - تصبح حصنا منيعا . 
ويبقى المكتوب في العالم . اما خبرة الاستمناء - ممثلة في تجربة 
اللامس/الملموس- 20116196 40111124 فهى تتضمن العالم بوصفه طرفا ثالثا . 
ولا يمكن اختزال هذا العالم الخارجى الذى تتضمنه الكتابة او الاستمناء . وتستدعى 


' هذه هى الترجمة الكاملة لفل الاول من الباب الثالث “رسالة في اصل اللغاث " لروسو التكوين والبية " من كتاب 3001065 


17لا .20 .وأمدط عأع73]010تتطتقعع 13 10 قل1ءرع2 

' 'استاذة لكية الأداب , حامعة عين مس . معسر 

5-3 راحع عن اصلاح "المكمل” وغيره الحوار المنشور مع المترجمة ف مجلة آوان العدد ؟-1 ال تصسدرها كلية الآداب حامعة البحرين 
والذي نعيد نشره في هذا العدد لأهمينه في إلقاء الضوء على فلغة دريدا 


161 


تجربة اللامس / الملموس - في اطار البنية العامة لحب الذات . واطار رغبة الذات 
في ان تمنح لنفسها حضورا او نشوة ما -- تستدعى الاخر من خلال المسافة الدقيقة 
التى تفصل فعل الاستمناء معاناته . ويشير العالم الخارجى او المساحة المكشوفة 
من الجسد الى ذلك الانقسام الذى يعتمل حب الذات ويعد حب الذات بنية عالمية 
للخبرة . وكل كائن حى هو حب للذات بالقوة . والكانن القادر على صياغة هذه 
التجربة رمزيا - اى القادر على ان يحب ذاته - هو وحده الذى يستطيع ان يستسلم 
لتائير الاخر عليه. ان حب الذات هو شرط الخبرة بصفة عامة . وامكانية حب الذات 
هى اسم اخر للحياة . وهى ايضا بنية عامة قد حدد تاريخ الحياة ملامحها . ونتجت 
عنها تجارب معقدة وتراتبية . غير ان حب الذات او ما يخص الذات او ما هو من 
اجل الذات . او الذاتية تكتسب نفوذها وتحكمها في الاخر بفعل التكرار الذى يتحول 
الى مثال . والمقصود بالمثالية هنا تلك الحركة التى اسيطر بموجبها على العالم 
الخارجى - الذى يؤثر في - واستخدمه كدال على قدرتى على التكرار ؛ او كدال 
على ما يبدو لى انه تلقانيتى التى تخرج شيئا فشيئا عن نطاق سيطرتى . 
يجب ان ننصت الى الصوت 701 انطلاقا من تصور حب الذات هذا . اذ 
نضى نظام الصوت الانصات المباشر للشخص الذى يتفوه به . والصوت ينتج دالا. 
ز يبدو هذا الدال وكأنه لا يقع في العالم منفصلا عن مثالية المدلول » بل يظل مرتبطا 
به كامنا فيه . وحتى في اللحظة التى يناهز فيها هذا الدال الجهاز السمعئى / الصوتى 
للمستمع ١‏ يظل الصوت تحقيقا لهذه الحميمية الخالصة لحب الذات . وذلك لان 
الصوت لا يذهب في الفضاء الخارجى او فيما نسميه بالعالم . فهذا العالم ليس سوى 
البعد الخارجى للصوت . وقد يبدو هذا البعد الخارجى للصوت . في اطار الكلام - 
الذى يقال عنه انه كلام "حى" مختزلا تماما'2 غير اننا انطلاقا من هذه الامكانية 
ينبغى علينا ان نطرح مشكلة الصراخ في تاريخ الحياة . خاصة وان مشكلة الصراخ 
كانت قد استبعدت من الدرس على اعتبار انها تنتمى الى المجال الحيوانى او المى 
مجال الجنون. وتكونت بالتالى اسطورة الصراخ المختلف عن النطق . اما الحوار 
فهو تواصل بين مصدرين مطلقين ٠‏ يحب كل منهما ذاته بالتبادل , ان جاز لنا هذا 
التعبير . اذ يكرر كل منهما - بشكل مباشر - صدى حب الاخر لذاقه . وتمثل 
المباشرة هنا اسطورة الوعى . لدينا اذن الصوت والوعى بالصوت . ونقصد بالاخير 


162 


الوعى بوصفه حضورا امام الذات . ويشكل العنصران معا ظاهرة حب الذات التى 
تتم معايشتها بوصفها الغاء للارجناء . والظاهرة - التى تتمثل في الغاء فترض 
للارجاء ومعايشة تختزل كثقافة الدال - هى بمثابة اصل لما نطلق عليه لفظ " 
الحضور" حاضر هو كل ما لم يتقيد بمسار الارجاء . والحاضر هو ما نظن انثا 
نستطيع ان نفكر في الزمن انطلاقا منه . ونحن لا نستطيع ذلك الاامن خلال ازاحتنا 
للضرورة المقابلة الا وهى التفكير في الحاضر انطلاقا من الزمن بوصفه ارجاء . 

هذه البنية الشكلية تماما نجدها بشكل ضمنى في كل التحليلات الخاصة 
باستخدام نظام الشفاهة بل في النظام السمعى / الصوتى بصفة عامة , مع ثراء هذا 
المجال وتنوعه . 

وما ان يتم الشعور باللاحضور من داخل الصوت ذاته - وهو شعور نحس به 
على الاقل عند بدء النطق او التشكيل 4121141014 - حتى تصبح الكتابة متصدعة 
القيمة . فمن ناحية ٠‏ كما راينا من قبل كانت الكتابة هى الجهد المبذول من اجل 
الامتلاك الرمزى للحضور. ومن ناحية ثانية » كانت الكتابة تكريسا لتبدد هذه الملكية 
مما تسبب في تشتت الكلام . وفى الحالين . نستطيع ان نقول بطريقة او باخرى ٠‏ ان 
الكتابة قد بدات اشتغالها بالكلام الى حين عرّضئه للموت في العلامة الكتابية . ولكن 
هذه العلامة المكملة لا تعرض الكلام للموت لمجرد انها اصابت حضورا كان ممكنا 
في ذاته . فمثلها في ذلك مثل حب الذات 107)ع140-24 الذى يشكل الذات 
نفسها من خلال تقسيمها الى منطقتين : منطقة الحضور ومنطقة اللاحضور . 
فالحرمان من الحضور هو شرط الخبرة اى الحضور. 

وبما ان حركة اللغة تعرض حضور الحاضر وحياة الحيوى للخطر » فانها لا 
تتطابق وحب الذات الجنسى فحسب . انما تمتزج به امتزاجا كليا حتى وان كانت هذه 
الكلية مميزة ومتفاوتة . وارادة التمييز بينهما هى المسعى الاصلى لمركزية 
اللوجوس . ويتمثل مسعاها الاخير في تحلل الرغبة الجنسية في تعميم يتعالى ببنية 
"اللامس/الملموس". وهذه هى الطريقة التى تصف بها الفينومنولوجيا الرغبة 
الجنسية . وهذا التمييز او الفصل بين حركة اللغة وحب الذات هو نفسه التمييز 
الذى نستخدمه للتفرقة بين الكلام والكتابة . وبما ان "الخاصية المهلكة " لحب 
الذات اقدم بكشير مما استطعنا ان نطلق عليه "استمناء" ( وهو ما تم تعريفه 


163 


بوصفه منظومة من الحركات يقال عنها انها مرضية او مذنبة تخص الاطفال 
والمراهقين ) فان التهديد المكمل للكتابة اقدم بكثير مما استطعنا ان نطلق عليه 

على هذا النحو نرى كيف قامت الميتافيزيقا باستبعاد الللعضور من خلال 
تعريفها للمكمل بانه مجرد عنصر خارجى بسيط اى اضافة خالصة او غياب خالص. 
وبذلك تتم عملية الاستبعاد من داخل بنية الاكمال نفسها . ويبدو التناقض هنا في 
اننا نلغى الاضافة في اللحظة ذاتها التى نعتبرها محض اضافة . فما يضاف ليس 
بشئ بما انه يضاف الى حضور ممتلئ . ومن ثم يكون المضاف مجرد شئ خارجى . 
وعليه ياتى الكلام ليضاف الى الحضور الحدسى ( الئ الموجود . الى الجوهر . الى 
8--1005») كما تاتى الكتابة لتضاف الى الكلام الحى الحاضر لذاته » ويأتى 
الاستمناء ليضاف الى التجربة الجنسية المسماة بالطبيعية . وتاتى الثقافة لتضاف 
الى الطبيعة » كما يضاف الشر الى البراءة » ويضاف التاريخ الى الاصل .... الخ . 

ليس مفهوم الاصل او الطبيعة؛ اذن ءالا اسطورة الاضافة او الاكمال التي يتم 
الغاؤها لانها محض زيادة . انها اسطورة محو الاثر اي اسطورة الغاء الارجاء 
الاصلى . والحضور الاصلى ليس بحضور ولا غياب . ولا هو بسلب ولا ايجاب . 
الحضور الاصلى هو اكمال بوصفه بنية )401 . والمقصود بكلمة بنية هنا هو 
التعقيد الغير قابل للاختزال. وهو التعقيد الذى يمكننا من خلاله ومن داخله فقط ان 
نغير مواضع لعبة الحضور والغياب . وهى العملية التى يتم في غمارها انتاج 
الميتافيزيقا . بيد ان هذه الميتافيزيقا ليس بوسعها ان تخضع مثل. هذه العملية 

ان تمتد عملية محو الاثر هذه من افلاطون الى روسو ثم هيجل من بعدهما » 
مستهدفة الكتابة بمعناها الضيق . فهذا يعنى ان هناك تغييرا للمواضع . نرى الان 
مدى اهميته . فالكتابة ليست الاثر نفسه وانما هى تمثيل للاثر بصفة عامة . والاثر 
نفسه لا وجود له , فان توجد معناه ان تكون ؛ اى ان تكون موجودا ء اى موجودا 
حاضرا 08 0) وقد يوارى هذا التغيير للمواضع -- بطريقة ما - الموضع الذى قد 
تقرر تغييره ولكنه يؤمى اليه بكل تاكيد . 


164 


الكتابة : داء سياسى وداء لغوى : تتطلع الرغبة الى ما هو خارجى للحضوو 
واللاحضور . فهذا البعد الخارجى هو رحم الرغبة . ومن ضمن عناصر عديدة تمثل 
هذا البعد الخارجى مثل : الخاصية الخارجية للطبيعة » والخاصية الخارجية للخيو 
والشر . البراءة والشذوذ الوعى واللاوعى » الحياة والموت ... الخ هناك عنصر 
واحد فقط من ضمن هذه العناصر العديدة هو الجدير بان يلفت انتباهنا بصفة خاصةء 
ذلك لانه يلج بنا إلى كتاب "رسالة في أصل اللغات" لجان جاك روسو . هذا العنتصر 
يتمثل في البعد الخارجى للتحكم والعبودية » والبعد الخارجى للحرية وعدم الحرئة 
وان كان لهذا الاخير امتياز خاص », اذ انه يجمع بشكل اكثر وضوحا من كل العناصر 
الاخرى » بين ما هو تاريخى وما هو ميتافيزيقى . لقد لخص هيدجر تاريخ 
الميتافيزيقا مشددا على ما يجعل الحرية شرطا للحضور اى شرطا للحقية (') ويقدم 
الصوت نفسه دائما بوصفه افضل تعبير عن الحرية . فالصوت في ذاته هو اللغة في 
حرية وهو حرية اللغة » انه الكلام الصريح الذى لا يستعير دواله من عالم خارجى:» 
وعلى هذا فمن غير الممكن - كما يبدو - انتزاع ملكيته لهذه الدوال . ولكن الا 
تمتلك الكائنات الاكثر فقرا وعبودية منا - هى ايضا - هذه التلقائية الداخلية التى 
يجسدها الصوت ؟ وما قد يصح بالنسبة للمواطن البالغ قد يصح بالاحرى بالنسية 
لتلك الكاننات العارية المعرضة لهيمنة الاخرين عليها . ونقصد هنا الاطفال الحديثئى 
الولادة ا ب د بلدا . واول ما يتكبدونه 
من معاملات هو العذاب المحض . إن ازاءه من شم: تت 
وي 0 15 1116ظ. 
وتضع "الرسالة في اصل اللغات " الصوت في مقابل الكتابة »كما تضع 
الحضور في مقابل الغياب » والحرية في مقابل العبودية وهذه هى تقريبا الكلمات 
الاخيرة في "الرسالة" ٠‏ حيث يقول روسو: "ان كل لغة لا نستطيع من خلالها ان 
نصل بصوتنا الى جموع الشعب - هى لغة مستبعدة . ومن المستحيل ان يظل شعب 
ما حرا وهو يتحدث مثل هذه اللغة ".(الفصل العشرين من الرسالة ). هذه هى 
العبارة التى تعيدنا مرة اخرى الى جوهر رسالة روسو التى كنا قد تركناها . عند 
حديثنا عن ايديولوجيا ليفى شترواس الخاصة بمفهوم الجيرة والجيران 
4 طمن . والجماعات الصغيرة التى يعرف الناس فيها يعضهم 


165 


البعضء بما لايجعل احدا منهم بمنأى عن نطاق الصوت . انها الايديولوجية 
التقليدية التى اتخذت الكتابة - انطلاقا منها - وضع القدر التعيس الذى حجب 
البراءة الطبيعية ووضع حدا للعصر الذهببى للكلام الحاضر الممتلئ . 

لقد اختتم روسو الرسالة على النحو التالى " سوف انتهى الان من هذه 





التاملات السطحية؛ ان تولد ة ثر عمقا ةَ 
د تثى , أبأها , و ال ف تكون مادة اكثر مما د 
ملاحظات قانَع.ا د استدلال بالامثلة ان شخصية وعلدات 


ومصالح شعب تؤثر على لفقته 12[ “اناد 12122312010065 و 1111005 
2 2215021166 أء 16وزععع8 اع في الواقع يبدو ان كلا من كتاب 
"التعليق'"' . ( ©012121610211© ©,1) لدوكلو 9) "رسالة في اصل المعارف 
الانسانية '"' 731265لللط 01211255311665 065 ©25أ01215'آ "اناد 155316 
لكوندياك » كان من ضمن قائمة المصادر الرئيسية لرسالة روسو في اصل اللغات . 
بل ربما نجد ما يسوغ لنا ان نعتبر رسالة روسو تتمة للبرنامج الفلسفى الذى 
اوصى به دوكلو وهو الذى كان ياسف على :" ما لدينا من نزوع للتحول بلغتنا الى 
لغة رخوة ومخنثة ورتيبة . لقد كنا على حق اذ تجنبنا فظاظة النطق . ولكنى اعتقد 
اننا قد تورطنا كثيرا في الاتجاه المعاكس . كنا في الماضى ننطق ( مصوتات 
مزدوجة وعناعم0غطم:0 ) اكثر بكشير مما نصنع اليوم . وكنا نستخدم هذه 
المصوتات لتحديد ازمنة الفعل مثل قولنا في الماضى 8080156/ؤ وفى المستقبل 
5 وكذلك كان الحال عند نطقنا لبعض اسماء الاعلام مثل , 820102015 
وزمءهةع5. وزواعد هاما اليوم فانا نقول 5م2010 وع[عدلى وعءءم 12 وقد 
كانت المصوتات المزدوجة تكسب النطق قوة وتنوعا وتجنبه بعضا من الرتابة التى 
ترجع الى حد ما الى كثرة الاصوات الساكنة في منطوقنا الاحدث "20 . 
ان تدهور اللغة عرض دال على التدهور الاجتماعى والسياسي ( وهو 

موضوع قد شاع فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر ). اما اصل هذا التدهور 
فنجده فى العاصمة ولدى الطبقة الارسستقراطية . لقد طرح دوكلو بمنتهى الدقة 
الموضوعات التى تطرق اليها روسو من بعد . وذلك حين تابع حديثه السابق ذكره 
قائلا :" ان ما كان القدماء يسمونه (العصبة). ونسميه الان (مجتمعنا) هو الذى 


166 


يقرر اليوم مآل اللغة والعادات . فما من كلمة يشيع استخدامها لفترة ما بين عامة 
الشعب الا ويتدهور النطق بها ".0') ويرى دوكو ان النبر الذى يصيب الكلمات 
ولاسيما التغير والاختزال وتقطيع الكلمات بصفة خاصة , لا يمكن التسامح بصدده . 
اذ يقول :" يؤدى التراخى في النطق - الذى لا يتعارض مع العجلة في التعبير - 
الى تحريف لطبيعة الكلمات » وذلك عند تقطيعها بطريقة لا يمكن معها التعرف على 
المعنى . فعلى سبيل المثال يقال اليوم في المثل الشائع (على الرغم منه ومن اسنانه 
5 5ع5 ع0 أء أنال ع0 أأمءل و بدلا من على الرغم منه ومن معاونيه وو 
 . 5‏ من هذه الكلمات المختصرة او المحرفة بفعل الاستخدام اكثر ممانظن . 
لقد اصبحت لغتنا شيئا فشيئا - وعى منا -- اقرب الى لغة المحادثة اليومية منها الى 
لغة المنابر. وتصبغ لغة المحادثة اليومية بنبرتها هذه لغة المنابر ولغة المحكمة 
ولغة المسرح وهذا على عكس ما كان عليه الحال عند اليونان والرومان القدامى . 
الم تخضع منابرهم لهذه الطريقة في الحديث . ان الالتزام بالنطق الصدييح 
وايقاعاته الثابتة المتمايزة هو ما ينبغى الحفاظ عليه » خصوصا لدى الشعوب التى 
يتحتم عليها ان تتعامل بشكل علنى مع موضوعات تهم المستمعين جميعا . وذلك 
إل القاعاة كاذ تتبن را لمتحت الذي رتسدم اكلقية بإلتطيد الاو ينمتت 
اليه ويفهم اكثر من غيره ". 

لن يفصل التحريف في اللغة والنطق - إذن - عن الفساد السياسى ٠‏ 
فالنموذج السياسى الذى استلهمه دوكلو هنا هو الديمقراطية على الطريقة الاثنية او 
الرومانية . حين كانت اللغة ملك الشعب . وكانت وحدة اللغة من وحدة الشعب . كما 
كانت وحدة الشعب.من وحدة الشعب . وان كانت هناك مدونة للغة . ونظام للغة . 
فذلك لان هناك شعبا يجتمع ويتحد في "جسد" انه لشعب متلاحم في «بسد ذلك الذى 
يصنع لغة.ما . شعب له السيادة المطلقة على لغة الكلام . انها امبراطوريته التى 
يمارس من خلالها سيادته دون وعى منه بذلك ". (') ولا تنتزع ملكية الشعب للغته 
وسيادته على ذاته الا حين تتراجع اللغة - بوصفها كلاما - عن احتلال الصدارة . 
وتصبح الكتابة عبارة عن عملية تشتيت للشعب المتحد في جسد واحد ‏ فهى بداية 
خضوعه للاستعباد ."وللامة وحدها حق التحكم في لغة الكلام . ولكتابها حق التحكم 


167 


في اللغة المكتوبة : فالشعب - كما يقول فارون 722202 - ليس سيد الكتابة بقدر 
ماهو سيد الكلام " 0.420 . 

ويدعونا هذا الارتباط بين الداء السياسي والداء اللغوى "لاختبار فلسفى ". 
وقد لبى روسو هذه الدعوة التى دعا اليها دوكلو من خلال كتابه "رسالة في اصل 
اللغات ". لكننا سنتعرف .. فيما بعد وبشكل اكثر وضوحا - على المشكلة التى 
اثارها دوكلو . اما بالنسبة لقضية صعوبة تعليم اللغة بوجه عام » واللغات الاجنبية 
بوجه خاص , فرقول روسو في كتابه "اميل : 25:11 " اننا لا نستطيع فصل 
الدال عن المدلول . فنحن نغير الافكار حين نغير الكلمات » على نحو يجعل من تعليم 
لغة ما نقلا لثقافة قومية باكملها تعبر عنها هذه اللغة . وليس للمعلم القدرة على 
التحكم في هذا الامر . فهو يتحداه كما لو كان شيئا سابقا على التعليم . ان المؤسسة 
سابقة على التعليم :" وقد يندهش القارئ » لانى اعتبر دراسة اللغات مسألة عديمة 
الجدوى في مجال التعليم . ولكنى اعتقد انه اذا كانت دراسة اللغات هى مجرد دراسة 
للكلمات اىللصور والاصوات التى يتم التعبير بها عن هذه اللغة او تلك. فهى دراسة 
تليق بالاطفال. ولكن اللغات عندما تغير العلامات تغير ايضا الافكار التى تمثلها هذه 
العلامات . ومن ثم فان الاذهان تشكل وفق اللغات . وتتلون الافكار بالوان الصيغ 
المصطلح عليها في لغة ما . والعنصر الوحيد المشترك بين مختلف اللغات هو 
العقل. في حين ان لروح كل لغة شكلها الخاص . وربما يكون هذا الاختلاف ناتجا 
عن الخصائص القومية للغات . ومما يؤكد ذلك , ان اللغة في كل امم العالم تتبع 
تقلب العادات ٠‏ فتبقى او تتغير طبقا لها .'"' 105.م : 

وتقوم كل نظرية تعليم اللغات هذه على التمييز الدقيق بين الشئ والمعنى » 
او بين الفكرة والعلامة . وهو ما نصطلح عليه اليوم بالمرجع والدال والمدلول . 
واذا كان للقائم بالتمثيل - في بعض الاحوال - اشر ريما يكون سينا في بسض 
الاحيان على الشئ الذى يقوم بتمثيله » واذا كان الطفل لا ينبغى له ولا يستطيع ان 
يتعلم الكلام الا بلغة واحدة فذلك " لان كل شئ يمكن التعبير عنه بالف علامة 
مختلفة » ولكن كل فكرة ليس لها الاشكل واحد "' 1010 . 

ان دعوة الاختبار الفلسفى لهذه المسألة هى الدعوة التى اطلقها دوكلو 
وعرفت طريقها السى روسو . اذ تمت صياءتها في كتاب " التعليق ©.آ 

168 


16121 '"' عام ١754‏ ء كما نص عليها في خاتمة كتاب " رسالة في 
اصل اللغات " . ولكن هناك بعض الفقرات في كتاب " التعليق " كان قد ورد ذكرها 
في مواضع اخرى , ولاسيما في الفصل السابع من "الرسالة " فهل يمكن ان 
نستعين بهذه الفقرات حتى نستوثق من تاريخ كتابة "الرسالة " خاصة وانها لا 
يمكن ان تكون سابقة على تاريخ نشر " المقال الثانى " اى كتاب "مقال حول اصل 
واسس اللامساواة بين البشر " وهو الكتاب الذى نشر ايضا عام ١7655‏ ؟ شم الى 
اى مدى نستطيع ان نربط بين هذه المشكلة الخاصة بتاريخ كتابة "الرسالة" وبين 
المشكلة المنهجية التى نطلق عليها الحالة الفكرية للمؤلف ؟ ش 

واذا ما تطرقنا الى تاريخ تأليف هذا النص غير المشهور ء والذى نشر بعد 
وفاة روسو . فسوف نجد ان المفسرين والمؤرخين الموثشوق بهم نادرا ما اتفقوا 
على تحديد التاريخ التى نشر فيه ٠‏ وان الذين قد حددوا تاريخ نشره » قد فعلوا ذلك 
لاسباب مختلفة . والمحصلة النهائية لهذه المشكلة بينة : هل نستطيع ان نتجدث هنا 
عن عمل ينتمى الى مرحلة النضوج ؟ وهل يتوافق محتوى "الرسالة" مع محتوى 
" المقال الثانى " ومع محتوى سائر اعمال روسو اللاحقة ؟ حول هذه المسألة 
المثيرة للجدل تختلط الحجج الخارجية بالحجج الداخلية الخاصة بمتن النص . وقد 
استمر هذا السجال منذ اكثر من سبعين عاما . مارا بمرحلتين . فاذا بدأنا بذكر 
احدثهما . فذلك لسببين : السيب الاول ان هذه المرحلة مضت وكان المرحلة السابقة 
عليها لم تقل كلمة اخيرة ونهائية بالنسبة للجانب الخارجى للمشكلة . والسببٍ 
الثانى: هو ان هذه المرحلة الاحدث تعيد صياغة الجانب الداخلى للمشكلة باستمرار. 

السجال الحالى : اقتصاد الشفقة : 

لم تكن استشهادات روسو بدوكلو هى القرائن الوحيدة التى سمحت 
للشارحين المحدثين باستنتاج مؤداه ان "الرسالة" قد كتبت بعد "المقال الثانى". 
او انها على الاقل معاصرة ل "المقال " اذ يذكرنا كل من ريمون 001 
وجانيبان «ذطعمع8.22 في تعليقهما على "الاعترافات " () بان "الرسالة" 
كانت قد ظهرت للمرة الاولى ضمن كتاب "دراسات حول الموسيقى “زناد 1221145" 
115101 19 " الذى الفه روسو ونشره دى بيرو 26901 76 في جنيف عام 
0١‏ في طبعة مطابقة للمخطوط الذى كان يحتفظ به الاخير » واوصى بتوريثشه 


169 


لمكتبة نيوشاتل 7114011461 " مخطوط رقم 78785 " . وقد لفت ناشرا كتاب 
"الاعترافات" الانتباه الى "هذا الكتيب العظيم القيمة الذى لم يقرأ الا قليلا ". 
واستدلالا - بما رصداه فيه من استشهادات اوسع. بدوكلو - على انه قد كتب بعد 
"المقال الثانى " شم اضافا :" ان مادة "الرسالة" تفترض معارف ونضجا في 
التفكير لم يكن روسو قد حازهما بعد في عام ."١5٠‏ وهذا هو راى ديراتيه 
»)و 1.5 0" ايضا ء على الاقل فيما يخص كلا من الفصل التاسع والعاشر » 
وهى من اهم الفصول التى تشرح "تكوين لغات الجنوب " و"تكوين لغات الشمال" 
اذ تبدو موضوعات هذين الفصلين شديدة القرابة من الموضوعات التى تطرق اليها 
روسو في "المقال الثانى". ' 
اليس من المحتمل - ولنحاول ان نتخيل - ان يكون روسو قد امضى في 
كتابة هذا النص عدة سنوات ؟ الا يوحى لنا هذا النص بان تفكيره قد مر بمراحل 
مختلفة ؟ اليس من الوارد ان تكون اقتباساته من دوكلو قد ادخلت على النص في 
وقت لاحق؟ الا يمكن ان تكون بعض القصول الهامة قد الفت او استكملت او عدلت 
في ذات الوقت الذى كتب فيه روسو "المقال الثانى". او ربما بعده ؟ ربما نجد فني 
هذا الاحتمال توفيقا بين التفسيرات المختلفة » وقد نجد فيه مصداقية لما يفترضه 
البعض اليوم وهو ان مشروع الرسالة - ان لم تكن صياغتها الكاملة - قد تمت قبل 
عام 1764 . اذ يرى فوجان - «وطاع7720 مثلا - مستندا في ذلك على الجانب 
الخارجى للمشكلة - ان خطة الرسالة قد وضعت قبل كتابة "المقال الثانى " وان لم 
يكن قبل '" المقال الاول " ١176٠‏ )كما يرى ان "الرسالة " شديدة الصلة 
بكتابات روسو عن الموسيقى - وهذا ما يؤكده العنوان الكامل للرسالة - "رسالة 
في اصل اللغات : وتتضمن حديثا عن النغم والمحاكاة الموسيقية ". ونحن نعرف ان 
كتابات روسو عن الموسيقى جاءت استجابة لالهام مبكر جدا . ففى عان ١747‏ 
القى روسو في اكاديمية العلوم بحثا حول مشروعه الخاص بوضع علامات جديدة 
للموسيقى وفى عام ١754"‏ وضع كتابه " بحث حول الموسيقى الحديثة " ؛ وفى 
عام ١744‏ ء وهو العام الذى الف فيه روسو "المقال الاول " كتب - بناء على 
طلب دالمبيير +76مء2*41 المواد الخاصة بالموسيقى في "الموسوعة" . 
وانطلاقا من هذه المقالات؛» وضع روسو "قاموس الموسيقى " الذى الحقت به 


10 


"الرسالة" في طبعته الاولى. الا نستطيع بناء على ذلك ان نتخيل ان روسو كان قد 
شرع في كتابة "الرسالة" في هذه الحقبة حتى وان استمر في كتابتها لعدة سنواث 
بعد ذلك . وفى اثناء هذه الفترة الممتدة حتى عام 4 ١76‏ كان روسو قد غير بعض 
المقاصد والفصول . حتى انه قد خطر له ان يجعل من "الرسالة" - كما يذكر في 
"مقدمة "('')لها ‏ جزءا من "المقال الشانى"؟ ولكن مع رجحان هذا الاحتمال 
التوفيقى ٠‏ تظل هناك نقطة او اخرى يصعب - لاسباب منهجية وداخلية - تجاوز 
الاختلاف بشأنها . واذا حددنا المرحلة التاريخية الخاصة بكل فرضية ومنحناها 
بالتالى نصيبا من الصحة » فلن ننجح في تجاوز هذا الاختلاف . ينبغى علينا اذن ان 
نتخذ موقفا فننحاز لاحدى الفرضيات . 
يتعلق الامر هنا بالمحتوى الفلسفى للفصل التاسع " تكوين لغات الجنوب '"' . 
وقد اختلف كل من ديراتيه )17678 وستاروبينكسى 5142:70125124 حول 
مضمون هذا الفصل الاساسى ء وان لم يختلفا بشكل مباشر ٠‏ حول هذه النقطة . 
وانما خص كل منهما على حدة هذا الفصل بملاحظات في الهامش 9'') وتساعدنا 
المقابلة بين ملاحظات الاستاذين على توضيح المشكلة. 
يرى ديراتيه ان الفرضية الاقرب الى الصحة هى ان"الرسالة " قد 
كتيت بقصد اضافتها الى "المقال الثانى". وينطبق هذا الرأى بصفة خاصة على 
الفصل التاسع والعاشرء اذ انهما يعرضان لنفس الهموم التى نجدها في "مقال حول 
عدم المساواة .." اما ستاروبينسكى فهو يرى ان الفصل التاسع بالذات يؤكد على 
مقاصد - هى من وجهة نظره - مناقضة لمقاصد "المقال الشانى ". ويخلص من 
ذلك الى ان فكر روسو قد تطور من مرحلة الى اخرى . وان مسار التطور لا يمكن 
الا ان يكون من "الرسالة" الى "المقال". بما ان مذهب روسو لم يتغير ابدا حول 
هذه النقطة فيما بعد عام 1704"الرسالة". -اذن- سابقة منهجيا وتاريخيا على 
"المقال الثانى" ويتضح هذا الرأى من خلال فحصنا للاهمية التى يوليها روسو :- 
في مواقع عدة - لهذا الشعور الاساسى وهو - في رايه - الشعور بالشفقة محبة او 
فضيلة طبيعية سابقة على استخدام التفكير . في حين انه في "الرسالة" يبدو وكانه 
يقضى بضرورة ايقاظ هذه الشفقة سلفا بواسطة ملكة الحكم وسوف ندع الان جائبا 
عدم تحديده لمعنى كلمة "ايقاظ" هنا . 


171 


ولنبين اولا ما هو مذهب "المقال" بما ان هذا المذهب ليس محل اى خلاف 
وفيه يؤكد روسو . وبلا مواراة . ان شعور الشفقة اقدم من اعمال العقل والتفكير . 
وهذا شرط من شروط وضع الشفقة كمفهوم عالمى كلى . ولاشمك ان حجة روسو 
هذه تستهدف بالضرورة النيل من اراء هوبز . اذ يقول روسو :'" لا اعتقد انى 
اخشى اى معارضة حين اعزو الى الانسان الفضيلة الوحيدة الطبيعية . اذ يضطر 
الى الاعتراف بهذه الفضيلة اكثر الناس انكارا للفضائل البشرية "١95‏ انى 
اتحدث هنا عن الشفقة بوصفها استعدادا مناسبا لنا نحن الكائنات البشرية الضعيفة 
المعرضة للعديد من الشرور . والشفقة فضيلة هى من العمومية والفاندة للانسان 
بما يجعلها سابقة على كل تفكير . وهى طبيعية للدرجة التى تجعل الحيوانات نفسها 
تقدم - في بعض الاحيان - شواهد ملموسة عليها ". وبعد ان ضرب روسو امثلة 
على الشفقة من عالم الانسان والحيوان مرتدا بهذا الشعور دانما الى علاقة الام 
بابنها . اضاف يقول :" هذه هى الحركة الخالصة للطبيعة السابقة على كل تفكير ٠‏ 
تلك هى قوة الشفقة الطبيعية . وتجد اكثر الاخلاق انحطاطا صعوبة في تحطيم قوة 
هذه الشفقة . لقد شعر مانديفيل 71310691116 بانه لايمكن للبشر بكل ما اوتوا 
من خلق الا ان يكونوا وحوشا ابدا . لولا ان الطبيعة قد حبتهم الشفقة 'تدعيما للعقل 
من المؤكد - اذن - ان الشفقة شعور طبيعى وانها تخفف من حدة حب الذات لدى 
الفرد . وانها تؤدى الى الحفاظ المتبادل على النوع . فهى التى تدفعنا بلاترو الى 
نجدة من نراهم يعانون : فتحل مخل القانون والاخلاق والفضيلة ٠‏ في حالة الطبيعة. 
وليس بوسع احد ان يعصى صوت ندائها الرقيق " 9") 

ولنقف قليلا هنا قبل ان نعاود متابعتنا للسجال . ولندقق النظرة مرة اخرى 
في نظام الاستعارات الخاصة بشعور الشفقة , اذ نجد ان شعور الشفقة الذى يتضح 
بشكل نموذجى في علاقة الام بوليدها . وعلاقة الحياة بالموت بوجه عام » ياتيتا 
كصوت رقيق يامرنا . واستعارة الصوت الرقيق هذه تستدعى حضور الام وحضور 
الطبيعة في ان واحد » وبصفته تلك فاننا نتعرف عليه ونمتثل له بوصفه قانونا . 
وهو ما تشير اليه عبارة روسو عن الشفقة بوصفها صوتا رقيقا " ليس بوسع احد 
ان يعصيه ". .وذلك لانه رقيق ولانه اصلى بصورة مطلقة لكونه طبيعيا . انه ايضا 
قاس لا يرحم . القانون الامومى صوت . والشفقة صوت . والصوت في جوهره هو 


172 


دائما انتقال من الفضيلة الى العاطفة ويوجد الصوت هنا في تعارض مع الكتابة التسى 
لاتعرف الشفقة . وعلى هذا النحو "يحل نظام الشفقة محل القانون " وينوب عنه . 
ونقصد بذلك القانون المؤسسى . وبما ان قانون المؤسسة ياتى بوصفه (مكملا) 
للقانون الطبيعى حين يكون الاخير قاصرا . فاننا نرى بوضوح كيف يسمح لنا 
مفهوم "المكمل" هذا بالتفكير في العلاقة بين الطبيعة والقانون . فهذان اللفظان : 
الطبيعة والقانون » ليس لهما من معنى الا من داخل بنية "الاكمال" نفسها . وليس 
لسلطة القانون غير الامومى من معنى الاحين تحل محل سلطة القانون الطبيعى : 
وهو الصوت الرقيق الذى وجب الاجتراء على عصيانه . 

اننا نذعن لقانون بلا شفقة حين يكف الصوت الرقيق عن الوصول الى 
اسماعنا . فهل هذا هو ببساطة - كما اشرنا الى ذلك من قبل - قانون الكتابة ؟ 
الاجابة على هذا السؤال هى نعم ولا . نعم في حالة ما اذا فهمنا الكتابة بطريقة 
حرفية , او قيدناها بالحرف . ولافي حالة ما اذا فهمنا الكتابة بوصفها استعارة . 
نستطيع اذن . ان نقول ان القانون الطبيعى او الصوت الرقيق للشفقة ليس مجرد 
منطق لمرافعة امومية وانما هو صوت محفور في قلوبنا بامر من الله . ونعنى بذلك 
الكتابة الطبيعية : كتابة القلب الى يضعها روسو في مقابل كتابة العقل . وكتابة 
العقل - وحدها - تكون بلا شفقة . وحدها تنتهك المحظور . وهذا المحظور هو 
الذى - باسم المحبة الطبيعية - يصل الطفل بامه ويحافظ على الحياة في مواجهة 
الموت . وانتهاك القانون الطبيعى او عصيان صوت الشفقة معناه ان تحل العاطفة 
المنحرفة محل العاطفة الطبيعية . والاخيرة هى العاطفة الصبية لانها محفورة في 
قلوبنا بامر الله . هنا بالضبط نلقى هذه الكتابة الالهية او الطبيعية التى اشرنا من 
قبل الى مجالها الاستعارى . وفى كتاب "اميل" يصف روسو ما اسماه "بالميلاد 
الثانى " فيقول :" ان عواطفنا هى الوسيلة الاساسية لاستمرار وجودنا . والسعى 
الى تحطيم هذه العواطف هو مشروع عديم الجدوى بقدر ما هو مشير للسخرية . ان 
نتحكم في الطبيعة فهذا معناه إننا نعيد تشكيل صنع الخالق . وان يامر الله الانسان 
بالغاء العوطف التى منحه اياها فهذا يعنى ان الله يريد امرا ولايريده . وهو بذلك 
يناقض نفسه . ولكن الله لم يامرنا بهذا الامر الاحمق ابدا . ومامن شئ من هذا 
القبيل نجده في قلب الانسان . وان شاء الله ان يفعل الانسان شينئا ماء فانه لايدع 


173 


انسانا اخر يقوله له , وانما يقوله بنفسه حين يكتبه في اغوار قلب الانسان " 
0.246-7. 

ان العاطفة الفطرية الخالصة هى تلك العاطفة التى لا يمكن ان يامرنا الله 
بالغائها دون ان يبدو مناقضا لنفسه . انها عاطفة حب الذات . ونحن نعلم ان روسو 
يميز بين هذه العاطفة وبين الكرامة الشخصية . . والاخيرة هى الشكل الفاسد للاولى . 
فاذا كان منبع كل العواطف طبيعيا . فليست كل العواطف كذلك . فهناك الف رافد 
غريب يختلط بهذا النبع (1010 ) . 

ما يهمنا في هذا المقام . بالنسبة لحالة الشفقة بوصفها اساسا لحب الاخر . 
هو ان الشفقة ليست نبع العواطف ذاته ولا هى تدفق عاطفى صادر عنه . ولا هى 
حتى شبيهة باى عاطفة اخرى مكتسبة . انها اول ما يشتق من حب الذات . ومن ثم 
فهى تكاد ان تكون فطرية . وتكمن كل مشكلة الشفقة في الفرق بين حدها الاقصى 
وماهيتها المطلقة :" ان اول شعور عنده مشتق من الاول ويتمثل في حبه للمقربين 
اليه ". ويمكن لنا بعد ذلك ان نقدم دليلا على هذا الاشتقاق : بوصفه ابتعادا عن حب 
الذات وانقطاعا له الى حد ما . فاذا كانت الشفقة تخفف من عنفوان حب الذات »2 
فهذا لايتم خلال معارضتها لحب الذات ٠‏ بقدر ما يتم من خلال تعبيرها عنه بطريقة 
ملتوية اى بارجائه . اذ سوف يساهم تخفيف الشفقة لحدة حب الذات في الحفاظ 
المتبادل على النوع الانسانى ". (1014 ): ينبغى لنا ان نفهم ايضا كيف ولماذا يمكن 
الشفقة أن تلغب يورا تعويصييا ٠‏ مع انه قد تم الاستعاضة عنها بالقانون والمجتمع ؟ 

وينبغى ان نفهم - ايضا - لماذا تقوم الشفقة في لحظة ما - او منذ الازل - مقام 
الثقافة مع ان الشفقة في حالة الطبيعة تقو تقوم مقام القوانين والعادات والفضائل؟ مم 
تحمينا الشفقة ٠‏ اذن ؟هل تحمينا من معادل لها بنفس القدر . بحيث يمكن ان ينوب 
الواحد منهما عن الاخر ؟. 

هل هى مصادفة ان تحمينا الشفقة ل ا ل 
التفكير يساهم في حفظ النوع الانسانى - من مخاطر عدة من بينها خطر الموت 
والحب ؟ هل من المصادفة ان تحمى الشفقة الانسان من تدميره لذاته بسبب جنون 
الحب . وذلك حين تحمى الشفقة الرجل من ولهه المدمر بالمرأة . تقول لنا وصايا 
الرب ان الشفقة التى تربط الطفل بالام؛ وتربط الحياة بالطبيعة هى التى ينبغى ان 


14 


تحمينا من وله الحب الذى يصل بين الطفل- في صيرورته رجلا ( الميلاد الثانى ) - 
وبين الام في صيرورتها امرأة . هذه الصيرورة هى عبارة عن انابة كبرى ء اذ 
تحافظ الشفقة على انسانية الانسان وحياة الحى بقدر ما تنقذ ‏ كما سنرى رجوقة 
الرجل وذكورة الذكر . 5 
فى الواقع » اذا كانت الشفقة طبيعية » فثمة حركة فطرية تحملنا على فن 
نطابق بين انفسنا وبين الاخرين . اما الحب ( اى عاطفة الحب ) فهو على العكس 
من ذلك ليس به اى شئ طبيعى . وانما هو نتاج التاريخ والمجتمع :" ومن ضمت 
كل العواطف التى تحرك قلب الانسان . هناك عاطفة واحدة محتدمة مندفعة . تجعل 
جنسا ما ضروريا للجنس الاخر » انها عاطفة رهيبة تتصدى لكل الاخطار . وتجترئ 
على كل التحديات . وهى في ضرورتها مرشحة لفناء الجنس البشرى . وكان مقدار 
لها الحفاظ عليه . فما هو مضير هؤلاء الذين سيقعون - بلا احياء او تحفظ - 
فريسة لهذا الهوس المطلق العنان ؟ وما هو مال المتصارعين في سبيل ما 
يعشقون. الذين يبذلون دماءهم ثمنا لوجودهم ؟'' 152.م , 15نا21520 . 
ينبغى علينا ان نقرأ خلفية هذه اللوحة الدامية . فهناك مشهد يرينا .من 
خلال استخدامه للالوان نفسها ‏ خيولا تنفق وحيوانات مفترسة واطفالا تنتزع من 
على صدور امهاتها . 
عاطفة الحب اذن هى انحراف عن الشفقة الطبيعية ‏ وهى على عكس 
الشفقة - تجعلنا نتعلق بشخص واحد فقط . وهو ما نلقاه دائما عند روسو اذ يتخدذ 
الشر في عاطفة الحب عنده شكل التحديد الحاسم والمفاضلة والايثار اى شكل 
الاخلتلاف . ومثل هذا الاختراع منسوب للثقافة وهو ينزع عن الشفقة طبيعتها 
ويسلبها حركتها التلقائية التى تمد بها على سجيتها الى كل - كائن حى ايا كان 
نوعه او جنسه بلا تمييز . والغيرة هى التى تضع الحد الفارق بين الشفقة والحب . 
وليست الغيرة ابداعا ثقافيا في مجتمعنا فحسب . بل هى حيلة للمفاضلة ومناورة 
انثوية . انها ترويض المرأة للطبيعة . وهكذا يسخر ما هو ثقافى وتاريخى في الحب 
لخدمة الانوثة واستعبادها للرجل . الغيرة شعور اصطناعى مفتعل وليد العرف 
والعادات في المجتمع . وقد احتفت به المرأة احتفاء يتسم بالمهارة والعناية الفائقة 
حتى ترسى دعائم امبراطوريتها . وحتى تتحول بالجنس الذى كان ينبغى عليه ان 


175 


يطيع الى جنس مسيطر " 158 . يقول روسو في كتابه اميل :" من طبيعة الاشياء 
ان تطيع المرأة الرجل " (1510 ). 

ويصف روسو هنا الصراع بين الرجل والمرأة وفق التصور والالفاظ 
المستخدمة في الجدل الهيجلى عن '" السيد والعبد" » مما يلقى الضوء لا على 
الجدل الهيجلى فحسب وانما على كتاب "فينومنولوجيا الروح " لهيجل » ايضا . 
يقول روسو :" عندما ينزل الرجل المرأة منزلة ادنى منه . فان النظام الطبيعى 
والنظام المدنى يتواءمان , وكل شئ يسير على ما يرام . وعلى العكس . عندما 
تكون المرأة في منزلة اعلى من الرجل ٠‏ لا يجد الرجل امامه من حل وى ان 
يتنازل عن حقه وعن العرفان لقدره . ويصبح جاحدا لفضله ومحتقرا . اما المرأة 
التى تتوق للسيطرة على الرجل . فهى تطغى على قائدها . وحين يصبح سيدها 
عبداء يجد نفسه اكثر المخلوقات بؤسا وعرضة للسخرية . مثله مثشل هؤلاء 
المحاسيب التعساء الذين يقوم ملوك اسيا بتكريمهم وتعذيبهم في ذات الوقت حين 
يضمونهم الى الحاشية . اذ يقال ان هؤلاء المحاسيب لا يجرأون على معاشرة 
زوجاتهم الا خلسة "' (1510 ) . 1 

يتم الانحراف التاريخى "2 عن طريق استبدال مزدوج اى استبدال القيادة 
السياسية بالحكم العائلى » والحب الروحى بالحب الجسدى . ومن الطبيعى ان تحكم 
المرأة في بيتها » ويعترف روسو لها - من اجل ذلك - بموهبة طبيعية ولكن يجب 
عليها ان تفعل ذلك تحت امرة زوجها , مثلها في ذلك مثل الوزير في الدولة يؤتمر 
بما يريد ان يفعله ٠‏ يقول روسو: "وانا اتوقع ان الكثير من القراء الذين يذكرون 
اننى كنت قد اقررت للمرأة بموهبة طبيعية في التحكم في الرجل » سوف يتهموننى 
بالتناقض في هذا المقام » وهم مخطئون في ذلك . فشتان بين ان تستاثر بحق 
القيادة وان نتحكم فيمن تقود . ان نفوذ المرأة يكمن في رقتها وبراعتها وتلطفها . 
اوامرها مداعبات وتحذيراتها دموع . ينبغى عليها ان تسود في منزلها كوزير في 
الدولة . فتؤتمر بما تريد ان تفعله . ومن الشثابت ان افضل الزيجات هى تلك التى 
تتمتع فيها المرأة بالمزيد من النفوذ . ولكنها حين تتنكر لصوت القائد رغبة في 
اغتصاب حقوقه والتحكم في قدراته » فلن يترتب على هذه الفوضى الا البدبؤوس 
والفضيحة والعار " (1510 التشديد من عندنا ). 


16 


قلبت المرأة النظام في المجتمع الحديث . وهذا شكل من اشكال التعدى ومثل 
هذا الانقلاب ليس عملا تعسفيا ضمن تعسفات اخرى , وانما هو بمثابة نموذج 
ارشادى للعنف والشذوذ السياسي ٠‏ مثله في ذلك مثل الداء اللغوى الذى تحدثنا عناه 
منذ قليل . وسوف نرى توا » كيف ترتبط كل هذه العناصر بعضها ببعض مباشرة . 
هذا الانقلاب او الابدال هو داء سياسي . وهذا ما يفصح عنه خطاب روسو الى 
السيد دالمبير :" لم تعد النساء راغبات في فراقنا . ولانهن عاجزات عن ان يصبحن 
رجالا فقد حولننا الى نساء . وقد تفشى هذا السلوك السيئ الذى تدهور بحال الرجال 
في كل مكان . ولكن دولا مثل دولنا جدير بها ان تتفادى هذا العيب . ان يكون رعايا 
الملك من الرجال والنساء ٠‏ فهذا امر لا يشغل بال الملك كثيرا » لان ما يريده هو ان 
يطاع فحسب . ولكننا في اطار الجمهورية نحتاج الى الرجال » )١7‏ 1 

العبرة هنا » أن من مصلحة النساء أنفسهن أن تستعيد الجمهورية النظام 
الطبيعي . ففي المجتمع المنحرف . يحتقر الرجل المرأة الي تستوجب طاعته لها. 
لقد تعلمنا ‏ من خلال إذعاننا المهين لإرادة جنس كان ينبغي علينا حمايته لا خدمته - 
كيف نحتقر هذا الجنس ونحن نطيعه ٠‏ وكيف نهينه ونحن نحيطه بالرعاية المشوبة 
بالتذمر . أما مدينة باريس المسؤولة عن تدهور اللغة فهي مدانة أيضا بجرم آخر: 
"إذ أن كل امرأة في باريس تجمنع في بيتها قافلة من الرجال أكثر أنوثة منها . 
يعرفون كيف يحيطون الجمال بكل أنواع التبجيل ما عدا هذا النوع من الإجلال النابع 
من القلب والتي هي جديرة به (1510). 

هكذا تتضح لنا شيئا فشيئا الصورة الطبيعية التى يرسمها روسو للمرأة: 
إنها امراة يبجلها الرجل ولكنها خاضعة له. امرأة ينبغي لها ان تتحكم دون أن تكون 
هي المسيطرة. امرأة يجب علينا أن نحترمهاء أي أن نحبها من مسافة كافية. بحيث 
لا تخور قوانا وقوى البناء السياسى معاء وعندما نتقمص شخصية النساء (بدلا من 
أن نحتويهن في الحكومة العائلية) فإننا لانخاطر بتكويننا الذكوري فقط بل ننظم 
مجتمعنا وفقا لنظامهن. إن الرجال مثل النساء - بل ربما أكثر منهن- يشعرون 
بخصائهم الجنسية الحميمة»؛ لكن حين تسترجل النساء فإنهن لايفقدن إلا التقاليد 
الخاصة بهن, أما نحن الرجال فنخسر تقاليدنا وتكويننا دفعة واحدة (0.204). 
الأمر ليس متساويا في الحالين. من هنا نفهم الدلالة العميقة للعبة الإكمال ". 


177 


هذ ا يقودنا مباشرة إلى الوجه الآخر لهذا الالنحراف الاستبدالي . إنه الوجه 
الذي يضاف فيه الحب الروحي إلى الحب الجسدي. هناك شيء طبيعي في الحبٍ 
يساعد على النسل وحفظ النوع. ان ما يطلق عليه روسو"الحب الجسدي" - كما 
تبين العبارة- هو حب طبيعي ومن ثم فهو مرتبط بحركة الشفقة. والرغبة ليست 
شفقة بالتأكيد ٠‏ لكنها تشبهها بحسب روسو في كونها سابقة قة على التفكير. وعلى 
هذا ينبغي أن نمنيز هنا بين ماهو روحي وماهو جسدي في الحب 00مع56). 
(152 م و«ناوء121 فما هو روحي يحل محل ما هو طبيعي في المؤسسة والتاريخ 
والثقافة من خلال الممارسة الاجتماعية. وفي ظل ما هو روحي يستخدم كيد النساء 
لكبح جمح الرغبة الطبيعية وتوجيه طاقاتها إلى كائن وحيد. وهكذا يحقق هذا الكائن 
لنفسه سيادة مغتصبة:"أما ما هو جسدي في الحب فهو عبارة عن تلك الرغبة 
العامة التي تحمل جنسا ما على الاتحاد بجنس اخر. والجانب الروحي في الحب 
هوالذي يقوم بحد هذه الرغبة ليقصرها على موضوع واحد لا تتعداه. أو هو على 
الأقل الذي يمنحها أكبر قدر ممكن من الطاقة الموجهة إلى موضوعها الأثير' 
(158 م). هذه العملية الأنثوية أو هذه الأنوثة أو هذا المبدأ الأنثوي يمكن أن يكون 
فعالاً لدى هؤلاء الذين يطلق عليهم المجتمع اسم الرجال ولكنهم رجال قد حولتهم 
النساء ارو ا دا اوبكر الا ا 01711 
وتصرفها إلى موضوع واحد للحب. 
هذا هو تاريخ الحب الذي يعكس صورة التاريخ بأسره بوصفه تشويها لحالة 
الطبيعة. ان ما يضاف الى الطبيعة هو " المكمل الروحى " الذى يزيح قوى الطبيعة 
بوصفه بديلا لها . وبهذا المعنى لا ايكون "المكمل " شيئا على الاطلاق . او اى 
طاقة خاصة او اى حركة تلقائية . انه جسم طفيلى . انه خيال او تمثيل يحذ من قوى 
الرغبة ويوجهها ولن نستطيع ابدا ان نفسر - انطلاقا من الطبيعة والقوى الطبيعية 
- كيف يمكن لشئ مثل الاختلاف الناتج عن المفاضلة وهو لا يتمتع باية قوة خاصة 
- ان يطوع القوى الطبيعية وان يسخرها له؟ هذه الدهشة ازاء "المكمل"' هى 
التى تمنح فكر روسو صورته ودفعته الحيوية . 
لقد قدم روسو هذا التصور بوصفه تفسيرا ما للتاريخ . ولكن هذا التفسير 
يخضع بدوره لتفسير ثان يشوبه بعض الارتياب . اذ يبدو روسو مذبذبا بين 


18 


قراءتين للتاريخ . وينبغى علينا في هذا المقام ان نفهم معنى هذا التذبذب بما قد 
يلقى مزيدا من الضوء على تحليلنا . اذ يتم تعريف الاستبدال المنحرف تارة بانه 
اصل التاريخ . اى بوصفه التاريخية ذاتها كأول انحراف عن الرغبة الطبيعية _ 
وتارة اخرى بوصفه تشويها تاريخيا في التاريخ. فهو ليس مجرد فساد في شكل 
الاكمال . وانما هو فساد مكمل . وعلى هذا النحو نستطيع ان نقرأ عند روسو 
اوصافا لمجتمع تاريخى تتمتع فيه المرأة بمكانتتها. وان بقيت في مكانها , اذ انها 
تشغل موقعها الطبيعى بوصفها موضوعا لحب غير فاسد :" كان القدماء يقضوت 
معظم حياتهم في الهواء الطلق ٠‏ لينجزوا اعمالهم , او ليدبروا شنون الدولة في 
الساحات العامة , او ليتنزهوا في الريف والحدائق وشاطئ البحر تحت المطر 
والشمس وهم عار الرؤوس في اغلب الاحوال . وفى كل هذا لانجد نساء ؛ ولكننا 
نعرف جيدا اين نعثر عليهم عند الحاجة. ونحن لا نرى ابدا من خلال ما تبقى لنا من 
كتابات القدماء ومحاوراتهم ان الروح او الذوق او حتى الحب نفسه قد اصاباه 
الوهن بفعل هذا التحفظ "(204.م 1.2”4161356:4/ 12»1)26)(التشديد من 
عندنا). 

ولكن هل ثمة فرق بين الفساد في شكل الاكمال . وبين الفساد المكمل . ربمنا 
يسمح لنا مفهوم "المكمل" ان نفكر في هذين الامرين - اللذين يتعلقان بتفسير 
روسو للتاريخ - دفعة واحدة . فمنذ الخروج الاول عن حدود الطبيعة ٠‏ كانت اللعبة 
التاريخية - بوصفها اكمالا - تنطوى في ذاتها على مبدأ تدهورها اى على تدهور 
مكمل , او على تدهور للتدهور . ان الاسراع او التعجل بالانحراف عن الطبيعة في 
التاريخ متضمن منذ البدء في الانحراف التاريخى ذاته . 

ولكن مفهوم المكمل الذى اعتبرناه فيما سبق مفهوما اقتصاديا - قد يمسمح 
لنا بقول العكس دون ان نقع في تناقض ماء ذلك ان منطق المكمل - وهو ليبس 
منطق الهوية - يسمح بوجود التعجيل بالشر مع ما يعوض هذا الشر ويحد من دفعه 
في التاريخ ٠‏ في ذات الوقت. فالتاريخ يعجل بالتاريخ » والمجتمع يفسد المجتمع . 
والبشر الذى يفسد كلا من التاريخ والمجتمع يتمتع هو ايضا بمكمله "الطبيعى" .: 
اذ يفرز كل من التاريخ والمجتمع - بدورها - مقاومتها الخاصة للفساد . 


179 


وهكذا مثلا يبدو الروحى في الحب غير اخلاقى : فهو اغواء وهدم وكما 
نتمكن من الاحتفاظ بالحضور عن طريق ارجانئه » يمكن لنا ايضا ان نرجئ الاهدار 
اى "تقمصنا" المميت لشخصية الانشى من خلال قوة مميتة اخرى هى قوة 
الاستمناء . وبذلك يستطيع المجتمع - ووفق اقتصاد الموت هذا ان يضع كابحا 
اخلاقيا في وجه فساد الحسب الروحى. تستطيع اخلاق المجتمع ان ترجا او تضعفٍ 
اسر هذه الطاقة عندما تفرض على المرأة فضيلة الحياء . فالحياء الذى يترتب على 
التهذيب الاجتماعى هو - في الحقيقة - حكمة طبيعية ؛ وهو اقتصاد الحياة الذى 
يتحكم في الثقافة .( ولنشر - بالمناسبة -. الى ان كل خطاب روسو يجد هنا مجال 
فاعليته الخاصة ) ولما كانت النساء تفسد الاخلاق الطبيعية للرغبة الجسدية ٠‏ 
اخترع المجتمع - وهذه ايضا حيلة من الطبيعة - الامر الاخلاقى بالحياء الذى يكبح 
جماح النزعة اللااخلاقية اى النزعة الاخلاقية » وذلك لان الحب الروحى لم يكن ابدأ 
لا اخلاقيا الا عند تهديده لحياة الانسان . ويشغل موضوع الحياة اهمية اكبر مما 
نظن في خطاب روسو الى السيد دالمبير » وهو ايضا الموضوع الرئيسى لكتاب 
"اميل" وخصوصا في الكتاب الخامس - الذى يجب ان نتيعه هنا سطرا سطرا - 
حيث نجد تعريفا واضحا "للحياء" بوصفه "مكملا" للفضيلة الطبيعية يتعلق الامر 
هنا بالاستفهام عما اذا كان الرجال "سوف يسلمون انفسهم للموت"'( 447م) 
بسبب حسن النساء وشراهتهن . ففى الواقع » ليس لرغبات النساء اللامحدودة من 
كابح طبيعى مثل الذذ نجده عن اناث الحيوان . فعند الحيوانات :" حين تشبع الحاجة 
تكف الرغبة , ولا تتمتع اناث الحيوان على الذكور تصنعا وريا - وهى على عكس 
ما فعلته ابنه اغسطس - لا تستقبل ركابا ابدا وقد استوفت السفينة حمولتها . 
فالغريزة عند الحيوانات هى مثار الحركة والكبح. ولكن اين يوجد هذا المكمل 
للغريزة السلبية لدى النساء اذا ما نزع عنهن الحياء ؟ ان نتوقع الا تهتم النساء 
بالرجال البتة . فهذا يعنى ان هؤلاء الرجال لم يعودوا صالحين لاى شئ على 
الاطلاق (التشديد من عندنا ) . وهذا المكمل هو اقتصاد لحياة البشر فعلا . لان 
الشراهة الطبيعية للنساء سوف تجر الرجال الى الموت ٠‏ ولان الحياء يمكن له ان 
يحتوى رغباتهن هذه فهو الخلق الحق للنساء ". 


110 


من المؤكد انه لا يمكن التفكير في مفهوم الطبيعة , والنظام الذى يتحكم فيه 
الامن خلال مقولة لا تقبل الاختزال مثل مقولة "المكمل" . وعلى الرغم من ان 
الحياء ياتى ليعوض غياب الكابح الغريزى والطبيعى للرغبة » فهو نفسه ليس اقل 
طبيعية حتى وان كان مكملا واخلاقيا . فالحياء بوصفه منتجا ثقافيا له اصل وغاينة 
طبيعية قد غرسه الله في خلقه :"لقد اراد الموجود الاسمى ان يشرف النوع 
الانسانى حين وهب الانسان ميولا بلا حدود ومنحه في ذات الوقت القانون الذى 
يضبط هذا الميول حتى يكون الانسان حرا وحتى يتحكم بذاته في ذاته . وحين يدع 
الله الانسان نهب عواطفه الجامحة » يقرن هذه العواطف بالعقل ليتحكم فيها . وحين 
يسلم الله المرأة لشهواتها اللامحدودة يشفع هذه الشهوات بالحياء الذى يحتؤيها ". 
يمنحنا الله العقل كمكمل للميول الطبيعية . العقل - اذن - من الطبيعة ومكمل 
للطبيعة في ذات الوقت : انه عقل تكميلى . وهو ما يفترض ان الطبيعة يمكن لها ان 
تكون - احيانا - ناقصة بالنسبة لذاتها او ان تكون زائدة عن ذاتها . والامر سيان 
في الحالين . وسيزيد الله الطبيعة على سبيل المكافاة والتعويض مكملا على مكمل . 
وزيادة في الفضل سيثيب الله الانسان في الدنيا على حسن استخدامه لملكاته . وذلك 
لانه قد جعله يعرف كيف يستسيغ الاشياء الشريفة ويجعل منها قاعدة لافعاله . كل 
هذا يعادل - كما يبدو لى -- غريزة الحيوان . 

فاذا ما استسلمذا لهذا التصور , وجب علينا ان نعيد قراءة كل النصوص التى 
ترى الثقافة بوصفها تشويها للطبيعة . فالعلوم والفنون والعروض والاقنعة والائب 
والكتابة ينبغى ان يعاد النظر اليها جميعا في اطار بنية "الحب الروحي" هذه 
بوصفها حريا بين الجنسين وارتباطا بين الرغبة والمبدأ الانثوى . هذه الحرب حرب 
تاريخية لاتضع الرجال في مقابل النساء فحسب وانما تضع الرجال في مقابل 
الرجال ايضا . هذه الحرب ليست ظاهرة طبيعية او بيولوجية كما هو حالها عند 
هيجل . كما انها ليست حرب الحاجات او الرغبات الطبيعية وانما هى حرب الضمائر 
والرغبات . فكيف نستدل على ذلك ؟ نستدل على ذلك - بصفة خاصة - من خلال 
ملاحظتنا انها ليست حربا ناتجة عن ندرة الاناث وانما هى حرب طارئة في الفترات 
التى ترفض فيها الانشى مقاربة الذكر. وهى تعود كما يقول روسو:"الى العلة 
الاولى: فلو قيل مثلا ان كل انثى تعاشر الذكر شهرين فقط في العام » فهذا يعنى ان 


181 


عدد الاناث اقل من عدد الذكور وهذان الافتراضان لا ينطبقان على النوع البشرى. 
فعدد الاناث يتجاوز عدد الذكور عامة. ولم نلاحظ ابدا حتى في المجتمعات البدائية 
ان النساء ينتابهن شبق في فترات بعينها كما هو حادث بالنسبة لاناث 
الحيوانات7"") , 

وبما ان الحب الروحى لا يتمتّع باى اساس بيولوجى , فانه يولد من قو 
الخيال . ويرتبط الانحراف في الثقافة - بوصفه حركة اختلاف وايثار - بالرغبة في 
الاستحواذ على النساء . يتوقف الامر دائما على من سيفوز بالنساء » وايضا بمنا 
سوف يفزن به النساء » وما هو الثمن الذى يجب دفعه في حساب القوى هذا . 
ووفق مبدا الاستعجال او مبدأ الرسملة ( تحويل الاشياء الى راسمال ) " الذى 
اشرنا اليه للتو , فان من يفتح باب الشر هو نفسه الذى يعجل بالتوجه نحو الاسوا . 
كان يمكن لروسو ان يقول مثل مونتائى 71057131826 "ان تقاليدنا تميل ميلا 
بارعا نحو الاسوأ"' 115,82 ) ( 1055215 وهذا هو "ايضا حال الكتابة . وهكذا 
ينتظم الادبى مع "الحب الروحى " ويظهر بظهوره , غير ان الحب الروحى يؤدى 
ايضا الى تدهور الكتابة . فهو يزعجها كما يزعج الانسان اذ انه يؤدى الى :" هذه 
الجمهرة من الاعمال العابرة التى تظهر يوميا ولا هدف لها سوى تسلية النساء . 
فلاقوة لها ولا عمق , وهى كلها اعمال نجدها على طاولة الزينة او طاولة الشراب. 
انها وسيلة لاعادة كتابة الاشياء نفسها بشكل يجعلها تبدو جديدة باستمرار. وربما 
يشهر في وجهى عملين او ثلاثة من هذه الاعمال التى لا ينطبق عليها هذا الرأى . 
ولكنى استطيع ان اتى بمئة الف عمل يؤكد هذه القاعدة . من اجل ذلك . فان اغلب 
ما ننتجه في عصرنا يزول بزوال العصر . ولن تستبقى الاجيال القادمة الا القليل من 
الكثير الذى كتب في هذا القرن"*'" . 

هل بعد بنا هذا الاستطراد عن الهم الاساسى الذى يشغلنا ؟ وكيف يمكن لهذا 
الاستطراد ان يعنينا على تحديد وضع الرسالة ؟. ' 

لقد تحرينا للتو مفهوم الشفقة الطبيعية وما يحتوى نظامها الداخلى من 
المتعارضات. انه مفهوم اساسى » ومع ذلك - وبحسب ستاروبنكسى سيكون 
مفهوما غانبا بل ومستيعدا من "الرسالة في اصل اللغات " ولا يمكن لنا ان نغض 
الطرف عن هذا الامر حتى نضعه موضعه من تاريخ فكر روسو , ومن بنية هذا 


152 


الفكر . لقد اشار روسو منذ مقدمة "المقال" الى اهمية الاندفاعة التلقائية للشفقة 
بوصفها اساسا لا عقلانيا للاخلاق, وذلك منذ ان كتب مقدمة كتابه "المقال الاول''( 
انظر 2.1 12666.م01) ففى هذه المقدمة وفى غضون كتاب "اميل" ايضا لم يكف 
روسو عن التاكيد على ان الشفقة فضيلة "سابقة على اى تفكير". وهذه هسى 
المحصلة النهائية لفكر روسو حول هذا الموضوع . ولكن روسو يصوغ افكارا جد 
مختلفة حول الموضوع نفسه في كتايه "رسالة في اصل اللغات " ولااسيما الفصل 
التاسع منه . وهو ما يسمح بنسبة هذا الكتاب (او على الاقل الفصل التاسع منه) الى 
تاريخ سابق على تاريخ الصياغة النهانية لكتاب "مقال عن اصل عدم المساواة ". 
اذ لا يقبل روسو - في "الرسالة" امكانية وجود اندفاعة تعاطف عفوية . وبدا 
اكثر ميلا لتبنى فكرة هوبز عن حرب الجميع ضد الجميع :" لا ايربط البشر بعضهم 
ببعض اى فكرة عن الاخوة المشتركة . فهم لا يحتكمون الا للقوة لانهم كانوا يظنون 
انهم اعداء بعضهم البعض . ان يترك امرؤ وحيدا . ليهيم على وجه الارض تحت 
رحمة الجنس البشرى , فلن يكون في النهاية الا حيوانا مفترسا . ان المودة 
الاجتماعية لا تنمو بيننا الابما نملك من النور . وعلى الرغم ان الشفقة طبيعة في 
قلب الانسان فانها ستظل عاجزة ابدا ما لم يضعها الخيال موضوع الفاعلية . كيف 
تنفعل انفسنا بدافع من الشفقة ؟ اننا ننفعل حين نتجاوز انفسنا وحين نطابق بين 
انفسنا وبين الكائن المتالم . عندئذ لن نعانى الا بقدر ما نحكم بانه يعانى .. والانسان 
الذى لا يفكر ابدا » لاايمكن له ان يكون رحيما ولا عادلا ولا عطوفا » بل لايستطيع 
حتى ان يكون شريرا وحقودا " مثل هذا المفهوم الاكثر تعقلا للشفقة لدى روسو 
يقترب من فكر ولاستون 7701125408 ". والسؤال هنا: هل هذه الشواهد الدالة 
المقتبسة من الرسالة - والتى يحتج بها سترابونيسكى - لا تنسجم فعلا مع 
اطروحات روسو في "المقال" و "اميل" ؟ لا . ليس الامر كذلك . فهناك على الاقل 
ثلاثة انواع من الاسباب : اولا : لان روسو كان قد قدم في "الرسالة" رؤية مرئة 


طبيعية تكمن في قلب الانسان ". وهو بهذا يقر بانها فضيلة فطرية تلقائية سابقة 
على التفكير . وهذه هى اطروحته في كتابيه :" المقال" و"اميل". 


3ظ1 


ثانيا : لان الشفقة الطبيعية في قلب الانسان كان لها ان تظل كامنة و "غير 
فعالة ". لولا ان الخيال - وليس العقل - هو الذى اكسبها الفاعلية . ويوشك كل من 
العقل والتفكير - وفق ما جاء في المقال الثانى - ان يضعفا الشفقة وان يخمدا 
جذوتها . فالعقل المفكر ليس متزامنا مع الشفقة . ولا تقول "الرسالة" ما يناقض 
هذا الرأى .اذ لا تستيقظ الشفقة مع العقل وانما مع الخيال الذى ينتشلها من سباتها 
العميق . معنى هذا ان روسو لا يميز بين العقل والخيال فحسب , وانما يجعل من 
هذا التمييز عصب فكره كله . 

للخيال عند روسو ء بكل تأكيد وكما هو شائع . قيمة يشوبها الغموض . فان 
كان الخيال قادرا على ان يضللنا , فلانه يفتح امكانية للتقدم ويرهص للتاريخ . 
وبدون الخيال يصبح الكمال مستحيلا . الخيال في نظر روسو - كما نعرف - هو 
الملمح الوحيد الذى يميز الانسانية على الاطلاق . ورغم ان الاشياء تبدو شديدة 
التعقيد اذا ما تعلق الامر بالعقل عند روسو 7'' فاننا نستطيع القول بشكل ما ان 
العقل - بوصفه ادراكا وملكة لتشكيل الافكار - اقل شأنا من الخيال والتطلع للكمال 
فى تمييز الانسان . لقد ذكرنا من قبل باى معنى يمكن ان يقال ان العقل طبيعى . من 
وجهة نظر اخرى ١‏ نستطيع ان نلاحظ ان الحيوانات » رغم تمتعها بالذكاء لا تنشد 
الكمال » فهى محرومة من هذا الخيال وهذه القدرة على المبادرة التى تتجاوز 
المعطى الحسى الحاضر الى اللامرنى :" لكل حيوان افكار , بما انه يتمتع بجواس . 
بل انه يركب هذه الافكار الى حد ما . ولا يختلف الانسان عن الحيوان - من هذه 
الوجهة - الا بالزيادة او النقصان . بل يرى بعض الفلاسفة ان ما يوجد من فروق 
بين انسان واخر اكثر مما يوجد من فروق بين هذا الانسان وذلك الحيوان . لا يعول 
اذن فى تمييز الانسان عن بقية الحيوانات على ملكة الادراك؛ وانما على صفة 
الانسان كفاعل حر" .(144.م 20مع56) 5انامء1015 

الحرية هى نشدان الكمال ."وهناك صفة اخرى خاصة جدا - لاخلاق 
حولها- تميز الانسان عن الحيوان الاوهى ملكة ترقى الذات دانما نحو 
الاأفضل"(0142) . وعلى هذا النحو يصبح الخيال شرطا لنشدان الكمال فهو 
الحرية. وهو ايضا الشرط الذى بدونه لا توقظ الشفقة ولا تتحقق فى المجال 
الانسانى . فالخيال ينشط ويثير الطاقة الكامنة . 


154 


١‏ بالخيال تستفتح الحرية ويبدأ نشدان الكمال . لان الحس وكذلك العقل 
المفكر يمتلان ويتخمان بحضور المدرك . كما يستنفدها السعى الى مفهوم ثابت . 
فى حين ان الحيوانية لا تمتلك تاريخا . لان الحس والادراك الحسى همافى 
الاساس وظيفتان للتلقى السلبى . "وبما ان العقل قليل القوة . فالفائدة المرجوة منه 
وحده ليس لها كل هذه الاهمية التى نظنها . اما الخيال فهو وحده الفعال . ولا 
تستثار العواطف الا عن طريق الخيال".06 ع1286زم لاه ©126اع.آ) 

( 10.11.63 .عع طتمع)ءن ١77‏ والنتيجة المباشرة لذلك هى: ان العقل الذى يقوم 
بمهمة تلبية الحاجات والمصالح هو ملكة تقنية وحسابية . ومن ثم . فالعقل ليمس 
اصل اللغة . واللغة بدورها خصيصة مميزة للانسان ٠‏ وبدونها ليس ثمة نشدان 
للكمال . وهى تولد من الخيال الذى يحفز الشعور والعاطفة او يثيرها على اية حال . 
لقد استهل روسو "الرسالة" بهذا التأكيد الذى سوف يكرره بلا نهاية :" الكلام هو 
الذى يميز الانسان عن الحيوانات " واولى الكلمات التى تطالعنا فى الفصل الشانئى 
من الرسالة هى :" جدير بنا ان نعتقد ان الايماءات الاولى قد فرضتها الحاجة » وان 
الاصوات الاولى قد انطلقت من الانفعال ". 

هكذا تتضح امامن سلسلتان:١-‏ الحيوانية ‏ الحاجة . المصطلحة ؛ الايماءة'. 
الحس. الادراك, العقل ... الخ » -١‏ الانسانية , العاطفة؛ الخيالء؛ الكلام » الحرية ٠‏ 

وسوف يتضح لنا شيئا فشيئا من خلال تعقد الصلات التى تتشابك بموجبها 
هذه الكلمات فى نصوص روسو انها تطلب منا تحليلا اكثر دقة وحذار ذلك ان كلا 
من هاتين السلسلتين تتعلق الواحدة منها بالاخرى وفق بنية الاكمال دائما . وكل 
الاسماء الخاصة بالسلسلة الثانية.هى تحديات ميتافيزيقية . ومن ثم فهى موروئة 
ومهياة لانسجام يتسم بالمثابرة والنسبية . انها تحديدات للارجاء التكميلى لها شكل 
متماسك ومتقن . 

انه ارجاء خطير بلا شك لاننا اسقطنا الاسم الرئيسى من السلسلة المكملة 
وهو:"الموت" او بالاحرى اسقطنا العلاقة مع الموت والفزع فى انتظار الموت». 
وذلك لان الموت نفسه ليس بشئ , وتدل كل امكانيات السلسلة المكملة - والتى 
تتمتع فيما بعلاقات تسمح بان تحل الواحدة منها محل الاخرى على سبيل الكناية - 


155 


على ذات الخطر بشكل غير مباشرة ... اى على افق ومصدر اى خطر محدد وعلى 
الهاوية التى تصدر عنها نذر كل التهديدات , ينبغى الا نندهش اذن » اذا وجدنا ان 
مفهوم الحرية او نشدان الكمال يطرح نفسه علينا فى ذات الوقت الذى نتطرق فيه 
لمعرفة الموت فى "المقال" الثانى ٠‏ ويتجلى لنا اخص ما يميز الانسان هنا من 
خلال الامكانية المزدوجة للحرية وتوقع حلول الموت . ويكمن الفارق بين الرغبة 
البشرية والحاجة الحيوانية . او بين معاشرة المرأة ومعاشرة انثى الحيوان فى 
الخوف من الموت :" الخبرات الوحيدة التى يعرفها يعرفها الحيوان فى هذا العالم 
هى الخبرات التى تتعلق بالغذاء والانثى والراحة . والشرور الوحيدة التى يخشاهاه 
الجوع والالم » واقول هنا الالم وليس الموت . لان الحيوان لن يعرف ابدا ما هو 
الموت . ان معرفة الموت وجزع الموت هى اول ما اكتسبه الانسان من معارف 
ابتعدت به عن ظرفه الحيوانى ( 143.م 015260115 560080 ) وبالمثل يصير 
الطفل رجلا عندما تنتح مداركه على "الاحساس بالموت "'( 12116 20.م ) . 
ومن اى موضع نظرنا فيه الى السلسلة المكملة نجد ان الخيال ينتمى المى 
نفس سلسلة الدلالات التى ينتمى اليها توقع الموت. فالخيال هو في العمق علاقة 
بالموت والصورة هى الموت . ويمكن لنا ان نحدد هذه القضية او الانحددها على 
هذا النحو : الصورة موت او الموت صورة . والخيال بالنسبة للحياة هو القدرة على 
محبة الحياة لذاتها من خلال تمثلها لذاتها . ولا يمكن للصورة ان تتمثل او ان تصف 
ذاتها . ولايمكن للصورة ( وهى ما يمثل الشئ ) ان تضيف الى الشئ الذى يتم 
تمثيله حضورا الشئ الذى يتم تمثيله حضورا منطويا على ذاته اصلا فى العالم . 
والاافى الحدود التى تحيلنا فيها الحياة الى ذاتهاء كما لو كانت تحيلنا الى نقصها 
الخاص او الى احتياجها الخاص للمكمل . ويعزى حضور الشئ المراد تمثيله الى 
عملية اضافة هذا اللاشئ ( الذى هو الصورة ) الى ذاته . فهو بمثابة الاعلان عن 
موت الشئ المراد تمثيله من خلال ممثله الخاص . وعملبة نزع الملكية للشبئ الذى 
يتم تمثيله هى اخص ما يميز الذات . وبهذا المعنى نجد ان الخيال مثله مثل الموت 
تمثيل واكمال . وعلينا ان نتذكر هنا والا ننسى المزايا التى اقرها روسو للكتابة 
ينتمى الخيال والحرية والكلام الى ذات البنية التى تحكم العلاقة بالموت ٠‏ 
ولنقل بالاحرى انها علاقة بالموت اكثر مما هى توقع له , ولو افترضنا ان هناك 


156 


وجود امام الموت فهذا لا يعنى بالضرورة ان هذا الوجود يمثل علاقة بمستقيل 
سيحدث ان عاجلا او اجلا . فهذا الوجود ليس الابنية حضور . ولكن مادخل 
الشفقة او التوحيد بالام الغير بهذا الموضوع ؟ 

"- الخيال هو - كما ذكرنا من قبل - ما لا يمكن اثارة الشفقة بدونه . هذا منا 
قاله روسو بوضوح فى "الرسالة" وكرره بصيغ مختلفة فى مؤلفاته الاخرى . 
وياتى هذا على عكس ما تضمنته الصيغة الحذرة لستاروبينسكى فى هذا الشان . اذا 
لم يكف روسو عن النظر الى الشفقة بوصفها شعورا طبيعيا او فضيلة فطرية لا 
يوقظها ولا يبشر بها الا الخيال وحده . ولنذكر بالمناسبة ان كل نظرية روسو عن 
المسرح تقرن بين القدرة على التوحد بالآم الغير اى الشفقة وبين ملكة الخيال فى 
عملية التمثيل . واذا تذكرنا الان ان روسو قد استخدم لفظ الفزع للتعبير عن الخوفب 
من الموت (143.م) 8715600155 . فاننا بذلك نمسك اجمالا بكل النظام الذى يضم 
مفاهيم الفزع والشفقة من جهة . ومفاهيم المشهد التراجيدى والتمثيل والخيال 
والموت من جهة ثانية . وقد يجعلنا هذا المثال ندرك الغموض الذى يشوب القدرة 
على التخيل : فهذه القدرة لا تتجاوز رتبة الحيوانية » ولا تستثير العاطفة الانسانية 
الا حين تفتتح مشهدا او مجالا ما للتمثيل الدرامى . ان القدرة على التخيل هنى 
ارهاص بالانحراف الذى تكون امكانيته ذاتها ملازمة لمفهوم نشدان الكمال . 

ان التصور الذى لم يتغير فكر روسو البتة بشأنه هو التالى: الشفقة فطرية . 
ولكنها فى نقائها الفطرى ليست خاصة بالانسان وانما تنتمى الى الكائن الحى بصفة 
عامة ." انها طبيعة للدرجة التى تجعل الحيوانات نفسها تقدم فى بعض الاحيان 
شواهد ملموسة عليها". وهذه الشفقة لا تستيقظ من تلقاء نفسها فى عالم الانسان» 
ولا تقضى الى العاطفة او الى اللغة او الى التمثيل . ولا تؤدى الى حب الاخر كحبٍ 
النفس الا بفعل الخيال . فالخيال هو الصيرورة الانسانية للشفقة . 

هذه هى اطروحة "الرسالة" رغم ان الشفقة طبيعية فى قلب الانسان . فانها 
ستظل عاجزة ابدا مالم يضعها الخيال موضع الفاعلية ". هذا النداء لتفعيل الشفقة 
وتحقيقها عن طريق الخيال لا يتناقض كثيرا مع النتصوص التى يكن ان نتبعها فى 
اى من اعمال روسو . والتى ذكرت فيها نظريته عن الفطرة بوصفها امكانية » وعن 
الطبيعة بوصفها طاقة كامنة نائمة7"') . من المؤكد انها ليست نظرية فريدة تماما . 


157 


ولكن دورها المنسق لمختلف المفاهيم هنا يحظى باهمية كبرى . فهى نظرية تقتضى 
التفكير فى الطبيعة لا ياعتبارها معطى او حضورا انيا وانما باعتبارها مخزونا . 
وهذا مفهوم مراوغ فى ذاته : اذ يمكن لنا ان نعرفه بوصفه حالة راهنة خفيية 
ورصيدا مستورا . وايضا بوصفه مخزونا لطاقة لا نهائية » بحيث يكون الخيال الذى 
يفجر هذه الطاقة من مكمنها ء نافعا وضارا معا»"'واخيرا هذه هى امبراطورية 
الخيال الكائنة فينا » وهذه هى اثارها فى تولد من هذه القوة الرذائل والفضائل 
فحسب بل الخيرات والشرور ايضا ..." ( 815-816مم 5عناع271210 ) واذا كان 
"البعض يسيئون استخدام هذه الملكة المواسية " (1510) فان هذا ما يحدث ايضا 
بفعل قدرة الخيال . فالخيال بوصفه ملكة خاصة بالعلامات والتجليات يفلت من كل 
اثر واقعى وخارجى » لذا فهو يضلل ذاته . الخيال هو فاعل الضلال » فهو يوقظ 
القوى الكامنة الى النور . ولكنه حين يسبقها » ويدلها عما وراءها . تدله هى على 
قصوره . فالخيال يحيى ملكة الاستمتاع ولكنه يسجل اختلافا بين الرغبة والقدرة . 
فاذا ما رغبنا فيما هو ابعد من قدرتنا على الاشباع . فهذا يعنى ان اصل هذا الافراط 
او هذا الاختلاف بين الرغبة والقدرة هو ما نسميه الخيال . وفى هذا ما يسمح لتا 
بان نحدد وظيفة ما لمفهوم الطبيعة او البدائية. انه التوازن بين التحفظ والرغبة . 
توازن مستحيل بما ان الرغبة لا تقدر على الخروج من تحفظها الا بواسطة الخيال 
الذى بدوره يخل بالتوازن . اذن تبقى هذه الاستحالة - التى هى اسم اخر للطبيعة - 
حدا . وتتمثل الاخلاق و :"الحكمة الانسانية" و "الطريق الحق للسعادة". بحسب 
روسو فى ان يكون الانسان اقرب ما يمكن لهذا الحد "وان يخفف من تعدى 
الرغبات للملكات": هكذا قامت الطبيعة وهى التى تحسن كل شسئ صنعا بتاسيس 
الانسان . فهى لا تمنحه الا الرغمات الضرورية لبقائه بشكل مباشر . وتمنحه 
الملكات الكافية لاشباع هذه الرغبات وهى التى حفظت له الملكات الاخرى كمخزون 
فى اعماق روحه لتنميتها عند الحاجة . ولا يتم التوازن بين القدرة والرغبة الافى 
طار يذه العا البداقية لكر أكون الاتدنان اندها تخيقت . وفقطحين تشرع ملكنه 
الكامنة ذ قظ خباله الانشط من كل ملكة » . فالخيال 
هو الذى يوسع نطاق الممكن من الخير والشر امامنا . ومن ثم فهو يثير الرغبات 
ويغذيها بالامل فى اشباعها . ولكن الشئ الذى بدا فى البدء وكأنه ملك ايدينا 





158 


سرعان ما يفر منا ولا نتمكن من ملاحقته . وهكذا ننهك قبل ان نصل للنهاية . وكلما 
زادت حصيلتنا من المتعة كلما ابتعدت عنا السعادة . وعلى العكس من ذلك كلما ظل 
الانسان قريبا من الحالة الطبيعية كل ماتضاءلت المسافة بين ملكاته ورغباته 
واصبح اقرب الى السعادة . للعالم الواقع حدوده اما عالم الخيال فهو بلا حدود . 
ولما كنا عاجزين عن ان نمتد بالعالم الاول فلنضيق اذن من نطاق العالم الشانى » 
ذلك لان اختلافهما هى وحده سبب كل المشقات التى تجعلنا جد تعساء ...'" 0116 5) 
(64.م ( التشديد من عندنا ). 

نلاحظ اذن فى هذه الفقرة : 

١-ان‏ الخيال - وهو اصل الاختلاف بين القدرة والرغبة د 

بوصفه ارجاء للحضور او ارجاء للمتعة او ارجاء فيهما. 

'- انه يتم تعريف علاقتنا بالطبيعة من خلال ما بيننا وبينها من مسافة 
سلبية» اى انه لا ينبغى ان نخرج عن الطبيعة ولا ان نعود اليها . وانما ينبغى التقليل 
من مسافة "ابتعادها " عنا . 

"- ان يكون الخيال هو المثير لسائر الملكات الكامنة: فهذا لا يمنع ان يكون 
هو نفسه ملكة كامنة "انشط من كل الملكات". فالقدرة على تجاوز الطبيعة موجودة 
فى الطبيعة نفسها بل الاوقع انها - كما سوف نرى - تمسك بمخزون الطبيعة 
بوصفه مخزونا. وهكذا يتخذ الوجود في الطبيعة صيغة الوجود الغريب للمكمل. 
وهو ما يشير فى ان الى افراط للطبيعة فى الطبيعة والى نقص للطبيعة فى الطبيعة. 
ويدل "الوجود فى" 0225 1746" الذى حددناه هنا - بوصفه مثلا ضمن امثلة 
اخرى - على اضطراب المنطق التقليدى". 

وبما ان الخيال هو انشط الملكات : فلا يمكن ايقاظه بواسطة اية ملكة . 
وعندما يقول روسو ان الخيال "يستيقظ " فعلينا ان نفهمه باعتباره فعلا منعكسا 
اى ان الخيال يوقظ ذاته . فالخيال لا يدين فى قدرته على الخروج الى النور الا لذاته 
والخيال لا يخلق شيئا لانه خيال » ولكنه ايضا لا يتلقى شيئا غريبا او سابقا عليه . 
فهو غير متائر "بالواقع" انه حب خالق للذات انه بمثابة اسم اخر للارجاء بوصفه 
حبا للذات 5 (37/, 


159 


وانطلاقا من هذه الامكانية » يشير روسو للانسان : الخيال يدرج الحيوان 
ضمن المجتمع الانسانى ويجعله يناهز النوع الانسانى وتنتهى الفقرة الخاصة 
"'بالرسالة" والتى اشرنا اليها للدو -- على النحو التالى : " من لا يتخيل شيئا لا 
يشعر الا بنفسه "فهو وحيد وسط النوع الانسانى " وترجع هذه العزلة او عدم 
الانتماء للنوع الانسانى الى ان المعاناة تظل دائما بكماء او مغلقة على نفسها . وهو 
ما يعنى ان هذه المعاناة لاايمكنها:- من خلال اثارة الشفقة - ان تنتفح على معاناة 
الاخر بوصفه اخر ‏ هذا من جهة . ومن جهة اخرى لايمكن لهذه المعاناة ان تقضى 
من تلقاء نفسها الى الموت . فالحيوان يمتلك ملكة كامنة للشفقة . ولكنه لا يتخيل لا 
معاناة الاخرين نفسها ولا تحول المعاناة الى موت . هنا نجد حدا واحدا ووحيدا : 
العلاقة بالاخر والعلاقة بالموت يضمهما انفتاح واحد متطابق . ان ما يفتقر اليه منا 
يسميه روسو "بالحيوان " هو انه لا يعيش . معاناته بوصفها معاناة للاخر او 
بوصفها تهديدا بالموت . 

ولو نظرنا الى مفهوم الافتراضية (1/1508021:06 وكذلك مشكلة القوة 
والفعل فى مجملها ) من خلال علاقته الخفية بمنطق المكمل ٠‏ لوجدنا ان وظيفته - 
بالنسبة لروسو بصفة خاصة وبالنسبة للميتافيزيقا بصفة عامة ‏ هى التحديد 
المسبق والمتواصل للصيرورة بوصفها انتاجا ونموا » تطورا او تاريخا » وذلك من 
خلال الاستعاضة عن الاثر بالمنجز الحيوى الدينامى . والاستعاضة عن اللعب 
الخالص بالتاريخ الخالص » او كما ذكرنا من قبل الاستعاضة عن القطيعة بالوصل : 
غير ان حركة الاكمال تبدو وكاتها لا تخضع لهذا التعويض وان اتاحت التفكير فيه . 
لقد اشار روسو الى يقظة الشفقة بواسطة الخيال اى بواسطة التمثيل الانعكامسى 
بمعناه المزدوج الذى هو فى الحقيقة معنى واحد . وفى الفصل نفسه يمنعنا روسو 
من ان نتصور ان الانسان كان شريرا ومحبا للحرب قبل تفعيل الخيال للشفقة . 
ولنرى هنا تفسير ستاروبينيسكى لهذه الفقرة :" لا يقبل روسو - فى "الرسالة" - 
امكانية وجود دفعة تعاطف عفوية بل بدا اكثر ميلا لتبنى فكرة هوبز عن حرب 
الجميع ضد الجميع :" لا يربط البشر بعضهم ببعض اية فكرة عن الاخوة المشتركة. 
فهم لا يحتكمون الا للقوة لانهم كانوا يظنون ببعضهم البعض العداوة . ان امرا 
وحيدا هائما على وجه الارض تحت رحمة الجنس البشرى ليس الاحيوانا شرسا". 


110 


لم يقل روسو:"كانوا اعداء". بل قال "انهم يظنون ببعضهم البعض العداوة " 
ينبغى ان تلتفت هنا الى الفرق الدقيق بين العبارتين . ويبدو اننا مصيبين فى هذا 
الالتفات . فقد تول ويرتبط الرأى الخاص بالعداوة باعتقاد ضال ناشئ عن العزلة 
والضعف وشعور الانسان بالحرمان من كل عون ربانى . هل نحن هنا بازاء مجرد 
رأى ام اننا بالفعل ازاء وهم ؟ هذا ما يظهر بوضوح فى هذه العبارات الثلاث التى 
ينبغى علينا الانسقطها من حسابنا : " كانوا يظنون ببعضهم البعض العداوة. لقد 


ل رعذ ١5‏ الد أ ؛ ويما اتهم لا بعر فى .” سُبناه 02 
شئ . وهم يهاجمون ليدافعوا عن انفسهم . ان يترك امرء وحيدا."(التشديد من 
عندنا ) . 


ليست الشراسة حبا في الحرب وإنما بسبب الخوف خاصة ان الشراسة 
عاجزة عن اعلان الحرب . انها خاصية الحيوان "الحيوان الشرس" والانسان 
الحى المعزول الذى لم يحظ بايقاظ الخيال للشفقة . فلم يشارك بعد فى الاجتماع 
البشرى ولم يصبح بعد عضوا من اعضاء النوع الانسانى . لقد كان هذا الحيوان - 
ولنشدد هنا على هذه الفكرة - مهيئا لأن يقترف فى حق الاخرين كل الشر الذى كان 
يخشاه منهم »"الخوف والضعف هما مصدرا القسوة". والقسوة ليست شرا ايجابيا. 
وما من سبب للاستعداد لاقتراف الشر هنا الا الاخر والا التمثيل الواهم للشر الذى 
اظن ان الاخر سوف يقترفه بشأنى . 

اليس هذا سببا كافيا لاستبعاد الشبه بين نظرية روسو ونظرية هوبز عن 
الحرب الطبيعية والتى لن يقوم العقل والخيال الا بتنظيمها فيما يشبه اقتصاد 
للعدوان ؟ ولكن نص روسو اكثر وضوحا ء اذ تسوقفنا فى "الرسالة" تلك الفقرة 
التى تنطوى على طرح يمنعنا من اعتبار لحظة خمود الشفقة هى لحظة الشر 
الشغوف بالحرب على النحو الذى تصوره هوبز . فكيف يصف روسو - فى الحقيقة 
- تلك اللحظة البنيوية للشفقة النائمة ؟( ولا يهم - فى هذا المقام على الاقل - ما اذا 
كانت لحظة واقعية او اسطورية ) او ما الذى يراه روسو بشان اللحظة التى لم تزل 
النغة والخيال والعلاقة بالموت فيها في حالة كمون ؟ فى هذه اللحظة يقول روسو:" 
لا يمكن للانسان الذى لم يفكر ابدا ان يكون رحيما او عادلا او عطوفا " بالطبع. 
ولكن هذا لايعنى انه يكون ظالما وغير عطوف . وانما يعنى انه بمنزلة بين 


191 


منزلتين من تعارض القيم . اذ سرعان ما يتبع روسو هذه العبارة بقوله :" بل لا 
يستطيع ان يكون شريرا او حقودا . ومن لا يتخيل شيئا لا يشعر الا بنفسه , فهو 
وحيد فى وسط النوع الانسانى ". ش 

فى هذه "الحالة" لا يوجد للتعارضات السارية على نظرية هوبز قيمة او 
معنى . ولا يصبح لنسق التقديرات الذى تتحرك فيه الفلسفة السياسية اى حظ 
للفاعلية . وهكذا نرى بشكل افضل وفق اى عنصر ( محايد عار » ومجرد ) سيكون 
هذا النظام مؤثرا . نستطيع ان نتحدث بدون مفاضلة عن الطيبة او الشر » عن 
السلام او الحرب » وسيكون الكلام فى كل مرة صحيحا او خطأ ولكنه سيكون دائما 
كلاما للامحل له من الاعراب ء ان ما يكشفه لنا روسو هنا هو الاصل المحايد 
لمنظومة المفاهيم الاخلاقية . السياسية ومجال موضوعيتها ونسقها القيمى . 
وعلى هذا ينبغى تحييد كل انساق التعارضات التى تموج بها الفلسفة التقليدية 
للتاريخ والثقافة والمجتمع . قبل هذ! التحييد وهذا الاختزال ظلت الفلسفة السياسية 
تعمل فى اطار من سذاجة البديهات المكتسبة والطارئة وبالتالي كانت معرضة 
باستمرار للخطأ الذى يرتكبه هؤلاء الذين عندما يفكرون فى حالة الطبيعة ينقلون 
اليها الافكار التى استقوها من المجتمع ..'' 145.م 15نامء5ز1 56020 . 
وللاختزال الذى نجده فى "الرسالة" اسلوبه الخاص . اذ يسعى روسو الى تحييد 
التعارضات عن طريق شطبها » يشطبها وفى الوقت ذاته يؤكد عليها بوصفها قيما 
متعارضة . وهذه الطريقة مستخدمة بتماسك والحاح فى الفصل العاشر تحديدا ." 
من هنا جاءت التناقضات الظاهرة بين اجداد الامم : قدر من الطبيعة وقدر من اللا 
انسانية . اخلاق بالغة الشراسة وقلوب بالغة الرقة .. لقد كانت هذه الازمنة الهمجية 
هى العصر الذهبى لا لان البشر كانوا متحدين وائما لانهم كانوا متفرقين .. فالبشر 
اذا شئنا كان يهاجم بعضهم بعضا كلما التقوا . ونادرا ما كانوا يلتقون فسادت حالة 
الحرب كل مكان ٠‏ ونعمت كل الارض بالسلام " '') . 

ان نمنح امتيازا لاحد طرفى التناقض ؛ فنعتقد حقا ان حالة الحرب وحدها هى 
الحالة المهيمنة فهذا يجعلنا نقع فى نفس الخطا الذى وقع فيه هوبز . فقد تضخم 
لديه - بشكل غريب - "الرأى " الوهمى عن "البشر" "الاوائل" الذين يظن 
بعضهم ببعض العداوة ". هنا ايضا لا نجد اى اختلاف بين "الرسالة" و "المقال" 


102 


فالاختزال الذى سم اجراؤه فى "لرسالة" سوف يتم التأكيد عليه فى "المقال" 
ولاسيما عند نقد هوبز . ما ياخذه روسو على هوبز هو انه فى خلاصة سريعة جدا 
وصل الى ان البشر ليسوا ميالين الى يقظة الشفقة بشكل طبيعى , وانهم لا يرتبطون 
باية فكرة عن الاخوة المشتركة , وانهم حينئذ اشرار ومحبين للحرب . اما نحن ء 
فلا نستطيع ان نقرأ "الرسالة" كما لو كان هوبز هو الذى يقرأها ويفسرها فى 
عجلة من استنتاج للشر من مجرد غياب الطيبة . ما تقوله "الرسالة" ويؤكده 
"المقال" - على افتراض ان "الرسالة" سابقة على "المقال" - هو مايلى :" 
علينا الا نخلص مثل هوبز الى ان الانسان باعتباره لا يملك اية فكرة عن الطيبة فهو 
شرير بطبيعته » وانه اثم لانه لا يعرف الفضيلة .. اذ ير هوبز هنا ان السبب الذى 
منع البدائيين من استخدام عقولهم -. كما يزعم مشرعونا - هو السبب نفسه الى 
منع البدائيين من المغالاة فى استخدام ملكاتهم -- كما يزعم هوبز - حتى اننا 
نستطيع ان نقول ان البدائيين لم يكونوا اشرارا لانهم - على وجه التحديد -.لا 
يعرفون ماذا تعنى الطيبة . وما حال دون اقترافهم للشرور هو سكينة العواطف 
والجهل بالرذيلة وليس الاستنارة او ردع القانون . كان الامر اذن مرده الى الجهل 
بالرذيلة اكثر من معرفة الفضيلة "9" . 

ونستدل من خلال اشارات اخرى على ان اقتصاد الشفقة لم يتغير فى 
"الرسالة" عنه فى الاعمال الكبرى لروسو . وعندما تستيقظ الشفقة عن طريق 
الحضور والتفكير . وعندما يتم تجاوز الحضور المحسوس عن طريق صورته . 
نستطيع ان نتخيل ان الاخر يشعر ويعانى وان نحكم بذلك . ومع ذلك ؛ فنحن لا 
نستطيع ولا ينبغى لنا ببساطة ان نكابد معاناة الاخر نفسهاء اذ تستبعد الشفقة - 
بحسب روسو - ان يكون فعل توحدنا مع الألم بسيطا وكاملا . وذلك فيما يبدو 
لسببين » او فى الحقيقة لسبب واحد عميق ٠‏ هو نوع ما من الاقتصاد : 

١‏ فنحن لا نستطيع ولا ينبغى لنا ان نشعر بمعاناة الآخر مباشرة . وبصورة 
مطلقة لأن مثل هذا التقمص وهذه المعايشة الداخلية للآلم ستكون خطيرة ومهلكة . 
ولهذا فان ايقاظ كل من الخيال والفكر والحكم للشفقة هو ما يضع حدودا للقدرة 
ويمسك الاخر قيد مسافة منا فى ذات الوقت . فنحن نتعرف على هذه المعاناة بما هى 
عليه ونتبنى شكوى الاخر , ولكننا نصون انفسنا من العذاب ونحترمه فى ان . هذه 


103 


النظرية التى تتصل بنظرية التمثيل المسرحى عند روسو قد تحددت ملامحها فى 
"الرسالة" و "اميل" فقد عرض روسو بوضوح - فى هذين الكتابين - للمفارقة 
الموجودة فى علاقتنا بالآخر : فكلما تقمصنا شخص الآخر كلما شعرنا بالآمه 
بوصفها الآمه » وبالآمنا كانها الآمه » ولكن ينبغى لالآم الاخر بوصفها كذلك ان تظل 
الآما للآخر فما من تقمص اصيل الاوكان مصحوبا ببعض اللاتقمص .. الخ ؛ يقول 


خارج حدود انفسنا » ونتقمص شخص الكائن المعذب . عندئذ لن نعانى الابقدر ما 
نحكم بانه يعانى ٠‏ فنحن لا نتالم داخلنا وانما داخله ". ويقول في "اميل":" ان 
الإنسان يشارك أترابه ألامهم وهذه المشاركة تكون إرادية وهادئة » وهو يشعر 
بالشفقة إزاء الآم الأخرين زيشعر في ذات اللحظة بالسعادة لأنه معفي من هذا 
العذاب فهو يشعر في هذه الحالة بالقوة التي تمتد بنا إلى ما وراء ذواتنا » وتجعلنا 
نوجه الحيوية الزائدة لرفاهيتنا إلى مجال آخر ينبغي بلا شك حتى نشعر بالأمسي 
لألآم الأخر أن نتعرف عليها ولكن لا ينبغي أن نشعر بها (م072 )علينا إلانجعل 
تقمصنا للأخر يدمرنا وينبغي دائما احتواء الاقتصاد في الشفقة والأخلاق في أطار 
حب الذات ذلك أن حب الذات وحده هو الذى يستطيع أن يهدينا إلى خير من أجل ذلك 
ينبغى أن من حكمة الطيبة الطبيعية التي تقول " (( حب لأخيك ما تحبه لنفسك )) 
بحكمة أخري أقل كمالا وإن كانت أكثر فائدة من الأولي وهى "اصنع الخير لنفسك 
باقل اذى ممكن للأخر"' ( 0156) 0150001015 تحل الحكمة الأخيرة محل الحكمة 
الأولي . : 

علاوة على ذلك ليس التقمص عن طريق المعايشة الداخلية عملا أخلاقيا . 

أ فالتقمص لن يجعل المرء يتعرف على العذاب بوصفه عذابا الأخرذلك أن 
الأخلاق واحترام الأخر ريفترضان بعضا من عدم التقمص ويبرز روسو هذه 
المفارقة الخاصة بالشفقة في علاقتنا بالأخر على أنها مفارقة . ويقع هذا المفهوم 
الهام جدا بالنسبة لفكر روسو موقع القلب من الفصل التاسع "للرسالة " و يأتي في 
باب شرح الشقفة للخيال أهمية الضرورة في تجربة المعاناة كمعاناة الأخرء حيث 
أنه ينفتح بنا على نوع من اللا حضور في قلب الحضور التي تمكننا من معايشة 
معاناة الأخر بوصفها معاناتنا غير الحاضرة » التي كانت في الماضي أو قد تكون في 


104 


المستقبل وستكون الشقفة مستحيلة خارج إطار هذه البنية التي تربط الخيال 
بالزمن وبالأخر , والتي هي ذات المخرج الوحيد إلى اللاحضور الانفتاح الوحياد 
على اللاحضور ينبغي بلا شك حتى نشعر بالأسى لألام آخر أن نتعرف عليها ولكن لا 
ينبغي أن نشعر بها فعندما نكون قد عانينا ( في الماضي ) أو نخشي أن نعاني ( في 
المستقبل ) فنحن نرثي لهؤلاء الذين يعانون ولكن عندما نعاني (في الحاضر ) لا 
نرثي إلا لأنفسنا ( 1*:011) في فقرة ذكرناها من قبل كان روسو قد بين لنا هذه 
الوحدة التي تجمع الشفقة مع تجربة الزمن ممثلة في الذاكرة أو التنبوء » او ممثلة 
في الخيال ٠‏ أو مع عدم الإدراك الحسي بصفة عامة: (( يبدو الإحساس البدئي 
بالامنا محددا أكثر مما نظن . ولكن الذاكرة هي التي تشعرنا باستمرار الألم والخيال 
يمتد بالألم إلى المستقبل وهو ما يجعلنا حديرين بالرثاء فعلا . وهذا فيما اعتقد أحد 
الأسباب التي تجعلنا نتعاطف مع ألام الإنسان أكثر مما نتعاطف مع ألام الحيوان 
فحتى لو دعتنا الحساسية المشتركة بيننا وبين الحيوان لأن نطابق بيننا وبينه فنحن 
لانرثي كثيرا للحصان الذي يجر عربة النقل وهو في الأصطبل لأننا نعتقد أنه وهو 
ياكل العلف يفكر في الضربات التي تلقاها أو في المتاعب التي تنتظره (7264 ) 

ب سيكون التقمص التام والخالص غير أخلاقي لأنه سيظل تقمصا حسيا 
ولن يتحول إلى مفهوم معياري غام . إن شرط الصمت الأخلاقي هو أن تكون 
الإنسانية ‏ من خلال المعاناة الفريدة لكائن فريد ومن خلال حضوره ووجوده الحسي 
. موضوعا للشفقة وإذا لم يتم الوفاء بهذا الشرط تكاد الشفقة أن تكون ظلما هكذا 
يفتح الخيال والزمن المجال لسيادة المفهوم والقانون ٠‏ نستطيع إذن أن نقول أن 
المفهوم الذي كان روسو يسميه " مقارنة " إنما يوجد باعتباره زمنا وهذا هوما 
يطلق عليه هيجل الموجود 1725615 فالشفقة تتزامن مع الكلام ومع التمثيل وحتى 
نمنع تدهور الشفقة إلى حال من الضعف ينبغي علينا أن نعممها وأن نمّد بها 
لتشمل كل الجنس البشري وعلى هذا النحو لا نستسلم لها إلا بقدر ما توافق العدالة 
٠‏ فالعدالة من بين كل الفضائل هي الفضيلة الأكثر تدعيما للخير المشترك بين البشر 
جميعا ينبغي علينا إذن ‏ بمقتضى العقل وحبا لأنفسنا أن نشفق على نوعنا البشري 
بأكثر مما نشفق على أقاربنا » وإنه لمن القسوة تجاه البشرية أن نشعر بالشفقة 
على الأشرار (303-304م ). 


155 


ليس هناك تطور في فكر روسو فيما يخص هذه النقطة ولا نستطيع أن 
نستمد منها جحة داخلية خاصة بمتن النص لنحسم أسبقية " الرسالة " أو تاخرها 
فلسفيا في فكر روسو وكنا قد استبعدنا من تحليلاتنا حتى الأن مجال الأفتراضات 
الخارجة عن النص وهو ما سنناقشه الأن ؛ وأن احتفظنا بإمكانية مناقشة مشكلات 
أخرى داخلية خاصة بمتن النص اذا ما دعت الحاجة الى ذلك '") 

جدل اولى حول الرسالة وطريقة انشائها 

لدينا لعلاج المشكلات الخارجية الخاصة بالرسالة بعض الاقتباسات من 
دوكلو 27:105 بالاضافة الى بعض التصريحات لروسو . وقبل كل ذلك لدينا فقرة 
هامة فى كتاب "الاعترافات " ونستطيع ان نستنتج منها على الاقل أن:"الرسالة" 
التى كان روسو ينوى فى البدء ان يلحقها "بالمقال الثانى" كانت منقطعة الصلة - 
فى كل الاحوال - عن كتاباته الاولى عن الموسيقى . نحن الان فى عام١‏ 17"5: 
"علاوة على هذين الكتابين وعلى قاموس الموسيقى الذى كنت اعكف عليه بشكل 
مستمر من وقت لاخر كنت منشغلا بكتابات اخرى اقل اهمية كانت كلها قيد النشر . 
وكنت انوى اصدراها منفصلة او فى مجلد جامع لاعمالى ان امكننى ذلك . وكانت " 
الرسالة فى اصل اللغات " هى اهم هذه الاعمال التى كان معظمها مخطوطا بين يدى 
دى بيرو ددهلؤعم 7326 . وكنت قد عرضتها للقراءة على كل من ماليرب 
وء طنرء طو7131 والنبيل لورنزى و2درء:0.,آ. وقد امتدحها الاخير . وكنت احسب 
ان مجموع هذه الاعمال سوف يدر على بعد خصم النفقات مبلغا يقدر بثمانية او 
عشرة الاف فرنك . وهو المبلغ الذى كنت اريد ان استودعه باسمى او باسم تيريز 
بما يدر لنا ايراد مدى الحياة ا ا ا د 
فى قلب اى منطقة ريفية " (560.م) . 

لقد نصح ماليراب روسو بان ينشر "الرسالة" منفصلة *' وكان ذلك فى 
الوقت الذى نشر فيه روسو كتاب "اميل" فى عام 1751 . قد تبدو المشكلة من 
الخارج بسيطة , ويمكن ان نعتبرها منتهية منذ قرابة نصف قرن كما يقول ماسون 
1 فى مقال له فى عام 71517" ولكن اسبيناس- وووزم25"') هو 
الذى افتتح الجدل حول هذا الموضوع محتجا بما اعتبره تناقضا فى فكر روسو 
نفسه . اذ كان يصر على ابراز ما بداله فى المقال الثانى مناقضا لما جاء فى 

106 


"الرسالة" بل وللمقال الذى كتبه روسو عن الاقتصاد السياسي فى الموسوعة ( 
وهو مقال كان قد اثار هو ايضا مشكلات حول تاريخ كتابته "المقال" وحول علاقة 
افكاره بما جاء فى "المقال الثانى ") فعلى سبيل المثال بدا "المقال" - الذى ازاح 
كل الوقائع ليقيم بنية وتكوينا مثاليا - غير متسق مع " الرسالة " التى تستدعى 
ادم وقابيل ونوح لتصوغ مضمونا واقعيا يتسم بكونه تاريخيا واسطوريا فى ان . 
بالطبع ينبغى علينا ان ندرس بعناية استخدام روسو لهذا المضمون الؤاقعى وما ادًا 
كان يستخدم الوقائع كفارس للقراءة او كامثلة موضحة من اجل تحييد هذه الوقائع , 
وهو ما سمح لنفسه بان يصنعه ايضا فى المقال ولا سيما فى الهوامش التى كان من 
المقرر ان تكون الرسالة - كما نعرف - جزءا منها . وايا كان امر هذا التناقض 
المزعوم . فان اسبيناس لم يصل الى ما وصل اليه ستاروبنيسكى من قرار باسبقية 
"الرسالة " على "المقال" بل ان اسبيناس - فى اعتداده بالاقتباسات الماخوذة عن 
دوكلو - قد خلص الى نتيجة عكسية مؤداها ان "المقال" سابق على"الرسالة40") 

وقد اعترض لانسون 1,8025058 على هذا التفسير '') ولكن انطلاقا من 
المقدمات نفسها : اى من الاختلاف بين "الرسالة" وسائر اعمال روسو الكبرى . 
لقد اراد لانسون - لاسباب فلسفية تشكل الهدف الحقيقى لهذه المجادلات وتمنحها 
ما تتمتع به من حيوية - ان يحافظ على وحدة الفكر عند روسو كما اكتملت فى 
سنوات النضج"7'" فقام بوضع "الرسالة" ضمن اعمال الشباب :" لاشك فى ان 
"الرسالة فى اصل اللغات " تتناقض مع "المقال عن اللامساواة ". ولكن ما هى 
الحجج التى يحتج بها السيد اسبيناس ليضع هذه قبل تلك ؟ انها حجة تستند الى 
اقتباسات روسو لفقرات من عمل دوكلو الذى ظهر في عام ١764‏ . وما قيمة هذه 
الحجة اذا كنا نعرف ان روسو قد اعاد صياعة نص "الرسالة" مرة او مرتين على 
الاقل ؟ ومن المحتمل ان يكون روسو قد استعان بهذه الاقتباسات وقت اعادته 
لصياغة الرسالة في المرة الاولى او الثانية . وبالنسبة لى فلى الحق في الاعتقاد . 
ووفق قرائن ايجابية » ان كتابة "الرسالة في اصل اللغات " ترجع الى مرحلة لبم 
يكن المنظور المنهجى لروسو قد تبلور فيها بعد ؛ وان هذه الرسالة في عنوانها 
الاولى وهو "رسالة عن مبدا الميلودى" كانت عبارة عن رد على كتاب 
راموا نيهع2 وج الذى يحمل عنوان "البرهان على مبدأ الهارمونن"(1755١-‏ 


157 


) كما تصدر الرسالة - في مادتها وقوامها - عن نفس التيار الفكرى الذى 
نجده في رسالة كونديك ع20:01118) عن"اصل المعارف الانسانية"(745١)2‏ 
ورسالة ديدرو 04ع210 عن"الصم والبكم'(11761 17,76٠‏ ) إثن ساعزو - 
تاريخ تحرير"الرسالة" إلى عام ١176٠‏ على الأكثر أي إلى الفترة تقع بين تاريخ 
تحرير " المقال الأول " وتاريخ ذيوعه ونجاحه من الصعب أن نعتبر أقتباسات 
دوكلو قد أقحمت مؤخرا حتى وإن أمكن ذلك لأنها اقتباسات و الأرجح أن قراءة 
روسو لكتاب " تفسير النحو العام " لدوكلو قد أثر بعمق في روسو إن لم يكن قد 
الهمه مجمل أفكار " الرسالة . أما علاقة روسو بكوندياك وديدرو فلم تقف عند 
حدود هذا العمل فحسب . 


لهذا السبب فإنه فيما يتعلق بمشكلة التحديد التاريخي ‏ والتي يصعب 
الوقوف عند ظواهرها الخارجية يبدو لنا رد ماسون على لانسون في هذا الصدد 
مقئعا وحاسما تماما!'”) 

"ويجب علينا في هذا المقام أن نستشهد بهذه الفقرة الطويلة التي عرض 
فيها متسون لحجج لانسون فكتب يقول" هذه الحجج ماهرة جدا وتكاد تكون مقنعة 
وربما لم تتح هذه احجج للسيد لانسون لأنه راغب في ألا يكون روسو مناقضا 
لنفسه » فإذا بدت "الرسالة" غير مناقضة "للمقال الثاني فمن يعرف ربما يرتد 
السيد لانسون بزمن صياغتها المبدنية إلى ماهو أبعد من ذلك ولا أريد هنا أن 
أفحص العلاقات الداخلية بين " الرسالة " و"المقال عن اللامساواة " فأنا أرى أن 
التناقض هنا أيضا ليس أكيدا بالدرجة التي يراه عليها الأستاذ لانسون ولكني 
سألتزم هنا بملاخظتين خارجيتين » ولكنهما ‏ في تقديري حاسمتان : 

١‏ مازال مخطوط"الرسالة في أصل اللغات''موجودا حتى اليوم في مكتبة 
نيوشاتل؛ ومصنف برقم(875/ وهو عبارة عن خمس كراسات مذهبة 
بحجم؟7 ٠١‏ ١مم‏ مربوطة بشريط حريري أزرق) ومكتوبة بخط بديع ويبدو أنها 
كانت جاهزة للطباعة الصفحة الأولي مكتوب عليها: بقلم جان جاك روسو مواطن 
من جنيف ولا شك أن هذه هي النسخة الأولي التي دونها روسو عام١ ١75‏ عندما 
فكر في أن يرد بهذا الكتاب على رامو 1032:6214 الذى كلن يمعن في مضايقته 
بقسوة(61/ 9 /25 ذال , وعع 112316555 ه ع17اع.آ) 


108 


فيما بعد على الأرجح أخذ روسو هذه النسخة إلى موتييه . 75:ع710)16 كما 
سوف نرى ‏ ليرجعها ويجري بعض الإضافات أو التصويبات وهو ما نستدل عليه 
بسهوله لأن الحبر والخط المستخدم في هذه المراجعه مختلف تماما عن الحبر 
والخط المستخدم في النسخة الأصلية وتستحق هذه التغيرات الاهتمام إذا ما قمت 
يوما بدراسة مستقلة للرسالة!" "2 ولكني سأقتصر هنا على هذه التصحيحات التي 
تحمل لنا إشارات تاريخية في نسخة عام ١76١‏ نجد النص كلا مجملا إذ لم يتم 
تقسيمه إلى فصول إلا أثناء مراجعته في موتييه ومن ثم فالسطور الأخيرة للعمل لا 
تنطبق على الفصل العشرين وحده وإنما على مجمل "الرسالة". إذ يقول روسو: 
"سوف أنتهي الأن من هذه التاملات السطحية والتي يمكن أن تولد منها افكار أكثر 
عمقا بان أقتبس الفقرة التي ألهمتني إياها والتي سوف تكون مادة للفحص الفلسفي 
أكثر مما هي مجرد ملاحظات على الوقائع أو مجرد استدلال بالأمثلة على أن 
شخصية وعادات ومصالح شعب ما تؤثر على لغته(هذه الفقرة مقتبسة من كتاب 
دوكلو 11.م ع2هدوؤزة» أء ع[2272ع6 57221111132158 "لاد 1 ا 12 
والذى نشر في النصف الأول من عام ١84‏ ) 

" لدينا أيضا شاهد قطعي أخر من عند روسو نفسه . فعلى مشارف عام 
خطر له أن يجمع ثلاثة كتيبات مخطوطة في مجلد واحد ١‏ هذه الكتيبات هي 
"المحاكاة المسرحية" و"رسالة في أصل اللغات " و"كاهن إفراييم" ولم ير هذا 
المجلد النورء ولكن بقي لنا منه مخطط المقدمة في كراسة من مسودات روسو 
المحفوظة في مكتبة نيوشاتل مصنف رقم 4841/: 106- 104 1 سادع جانبا هنا 
ما يخص المحاكاة المسرحية و"الكاهن" في هذه المقدمة وسأنشر فقط الخاصة 
بالرسالة”"."لم يكن الكتيب الثاني سوى جزء من المقال حول اللامساواة" وقد 
عدت فاقتطعته منه لأنه بدا لي طويلا جدا وخارجا عن السياق ثم عدت إليه) وكان 
روسو قد قال قبل ذلك (ثم أتممته) بمناسبة الأخطاء التي وردت عند رامو حول 
الموسيقي وهو موضوع قد غطاه المقال الذى كتبته في الموسوعة والذى يحمل 
العنوان نفسه ومع ذلك فقد شعرت بالخجل لأني أولف كتيبا عن اللغات وأنا لا أعرف 
بالكاد ألا لغة واحدة , هذا علاوة على أنني لم أكن راضيا عن هذا الكتيب فقررت أن 
ألغيه إذ اعتبرته غير جدير باهتمام الجمهور ولكن (ماليرات وهو حكم بارز يرعى 


109 


الأدب ويحميها , كان قد أبدي رأيا بشان الكتيب أفضل من رأيي فيه » عندئنذ خضعت 
لرأيه بمنتهي السرور كما يمكن لكم أن تتوقعوا وهكذا حاولت أن أمرر هذا الكتاب ‏ 
الذى لم اكن أجرؤ على نشره منفصلا ضمن كتابات أخرى ومن غير الممكن لآي 
دليل نقدي داخلي أن يصمد أمام هذه الشهادة التي أدلي بها روسو نفسه لقد حررت 
الرسالة بشكل مبدني بوصفها هامشا طويلا في كتاب "المقال الثاني" في عام 
4 ثم صححت وأضيف أليها فقرات أخرى حتى أصبحت بحثا مستقلا صالحا 
للرد على رامو في عام١‏ 5 ١وأخيرا‏ روجع البحث للمرة الأخيرة وتم تقسيمه إلى 
فصول في عام ١1751‏ 
الهوامش 


“'؟انظر كتابى :الصرت والظاهرة ٠‏ 1620126116م 16 اع غاأه/ا هآ . 

'' ينبغي أن نذكر هنا من باب الاستفاضةكتابى عن: 

" أمع77ء1020 بال ععوعووء"| ع1 غازءء؟ | عل ععدعووء؟| ع1" 

ولاسيما ما يشير فيهما الى افكار المدينة 83]19011,50115 شرن الحقيقة 416111613. 

© نسهد الى طبعة:[|10[/3 -011جم 06 12150766 أ 262716536 013111112116 الى نشرها 1300م 04اع06ا3اوال 
كتاب : ش ١‏ 
ع5ل5322 عناعقةا ا عل 5عرعوممم ذ5ء| اء عمأولءن' ,ناد أدذدء ويئل ععلعععر] 
يعقبها تعلين 0000101[ والذى اضقفنا عليه بعض الحوامش 1-1803 8ق )26716 | 

'' 0.396 الصدى تمديدا هذا النص يوحد فيما هو خخارج المقال ‏ اى في الموامش المجموعة في طبعة 0161306 13 تت عنوان 
202071131108م ) . 1248.ص,1 ١‏ :ار رن طبعة نا0]!ن140 - لمعؤ5زععاءزع)5 نت عنران 1253872671 
عناع 2خ 5ع! ؟نا5 (5558 7لا'ل . بربط روسو " ف نقده بون تدهور الاعلاق وفاد النطق وتقدم الكتابة :. بل انه هذّكر 
بعض امثلة النشويه الى شاء حظه التعس ان يشهدها ؛ وال يقول عنها انما ترحع الى “فساد ف النطق , ف اللهحة او ف العادة "» 
انما كلمات عايثئت "نغ نطقها 1عأناع6©126م-61]لا06156/ 5616-5 / 5عأمعقطء-01015:قطء كل هذه 
الموضوعات تعليا ايضا الى 805 نا(آ ©1.'866] فى كتابه 12]676م 13[ رذالا١‏ ) . 65نالناأناقك 1085)ت11ع1 
اناك أ 6ز065م 13 ؟لا5 . 

06012 

للق 421 . ان الذى يصنع اللغة هو شعب موحد نٍ حسد . وذلك بواسطة مسا,ة عدد لا فائى من الحاحات والاقكار 
والاسباب المادية والمعنوية المنوعة . والمركبة . مع توالى القرون ان يكون في الامكان معرفة الحقبة ال تعدث التغيرات او الاأعرافات 
او اشكال التقدم . في الغالب التروة هى الى تمسم الامر واحيانا الميتافيزيفا الخفية ال تقلت من فكر ومن معرفة هولاء الذين قاموا 
بتاليفها . ان الكتابة ( وانا العدث هنا عن كتابة الاموات ) لم تولد مثل اللغة بطى وغير ممسوس . لقد ظلت قرونا طوال دون ان 
تولد : ثم ولدت فحأة مثل النور . : 
. 560,503.ص,1 .1 ( علداءام)7 


عل عناوأأأأمم نادءدكناه. عل 936ذأ|3008: عل”,7-18,1948 ا.مم, ععوععو ول اه باوعوونه28) 
“146.م,1950 5م00ة) 5011 


200 





١.10 .‏ ,كتإصتاك أهء0[111م راظر ابعا .ن5 7.1.8.66 ]2770:2115 نمقء5055 .ل( :اع لمع(" 
277م وام 

('' سق ان ذكرنا ملاحظة دير اب 20856رء9] رانظر ابضا أ[5120185 طبعة 2156005 566080 ني ع20ذامم 
4 ., غامش )١(‏ 
(' المقصرد هنا هر 842006171116 انظر ملاحظة [!5137061185 ف طبعته 065ا1150 ني ع30امم الب توحع البها ( 
التشديد من عندنا ) 1.,111,82.154 . 1 
(”') التشديد من عندنا . نحن لسنا لامبالين بالامثلة ال اختارها روسو :" دون الحديث عن حنان الامهات على اطقالها والاعطار 
ال يكابدونًا من احل ضمان هذا الحنان هم . نلاحظ اممنزاز الخيول من وطأ الاحساد تمت سنابكها . لا يمر حيوان عل حيوان 
ميت من جنسه دون ان يشعر بالقلق : هناك ححى من يقدمون لهم ما يشبه مراسم الدفن . والنعير الحزين للبهائم وهى تدخل الى 
الحزرة هو .مثابة اعلان عن الانطباع الذى يعتريها امام المشهد الرهيب الذى يصيبها . ونرى بكل سرور مؤلف حكاية التحل هآ 
261115 065 22616 . بميرا على الاعتراف بالانسان كائنا رحيما وحساما . يخرج في المثال الذى يقدمه لبيان ذلك . 
باسلوبه البارد والدقيق . ليقدم لنا صورة موئرة عن رحل سحين يلمح لي الخارج حيوانا مفترس ". ينتزع طفلا من على صدر امه » 
طاحنا تحت اسنانه الفتاكة الاعضاء الضعيغة . ممرقا باظافره احشاء هذا الطفل . اى اثارة نظيعة يشعر ها هذا المشاهد للحدث دون 
ان يكون له في هذا المشهد اى معلحة شخبعية ؟ واى قلق يعانيه بسبب هذه الرؤية وبسبب عدم استطاعته تقد اى عون للام . 
الغائبة عن الوعى و لا للطفل انحتضر ؟ هذه هى الحركة الخالمة للطيعة السابقة على كل تفكير ”". 
)١4(‏ نتساءل لو أمكننا بصدد هذه النقطة , كما يفعل ديراتيه ٠»‏ ©2111 في تعارض مع .1015601015 5600110 في 
©21111]تصبح الشفقة شعور "مشتق" من حب الناث . في حين أنه ف ..1015601015 56010 بعد هذين المبدأين متعارضين 
99-0 .مم نامقء0155]آ ع0 2)1002|15106: عآ 
(7) نحن نعرف ان روسو كان لديه مشروع ابحاز كنا عن دور النساء في التاريخ . كان الامر يعي بالنسبة له بفهما يدو استعادة 


حقيفية ناريفية ( اهمية دور النساء لي الناريخ والذى تعمد الرحال ححبه ) ول نضى الوقت التذكبر بالخاصية الضارة احيانا لهذا : 
الدور » حيث يقوم بتاملاات حول الرحال العظماء الذين تركوا انفسهم لتحكم النساء مثل يمستو كل وانطونيو » الم .اذ قامت 
فولفى زوحة انطونيو باثارة الحرب لانما لم تحظ بحب قيصر . انظر : 
اناق .5ع 7ااتلاع؟ كع أ 3[ عاء دعأ )0011 011815م111 6861615/ (1254-1257.م.!! ع0ذأعام) 
أعوععو 


7 ') طبعة .م 204 6350167 نقرأ كل الحامش ١‏ ؛ المولف يندهش من " مثل هذه المزحة » نرى حيدا تطبيقها , قد تم اعذها 
بالحرف من قبل ناس عقلاء في فرنسا ". 

“'' ,0.159 101501055 5600 حول العلاقة بين هذه الموضوعات وموضوعات متعارضة او متشاهة عند فولتير وبوقوت 
وبوفندروف ء انظر الموامش طبعة .158-159.م 2161306 . 

“'؟ 206-207.مم,11ع271.0'816726 3 ع15).] انظر ايضا هامش صفحة 7٠١5‏ وهو يدو هكنا :” النساء عامة لا يحبين. 
اى فن ولا تجدون واحدا منها ويفتقرن الى العبقرية ...” في احتماع المنسين اددهما ينبغى ان يكون فعالا قويا والاخر سلبيا ضعيقا 
6 21711 الى من الجدير بالانتباه ان نيتشه الذى يويد هذا المفهوم للانثوية وتدهور الثقافة وامل الاخلاق بوصفه 
خحضوعا للعبيد قد كره روسو ؟ اليس من الندير بالاتباه انه اعتيره الممثل البارز لاخلاق العبيد ؟ اليس من البدير بالانتباه انه رأى 
في الشفقة . تحديدا انقلابا . يمكن ان يقال الكثير على هنا المنوال . انه يدقع بنا الى ان نقارن بون النماذج الروسوية والنيتشوية 
للاننوية : السيطرة او الاغواء كلاهما رهيب سراء استخدمناها بالتبادل او بالاقتران . صورة النعومة المهدئة والملنة او صورة الغضب 
المدمر والملتهم . سوف نقع في الخطأ لو ( 0.361 ,]آنا لالط 126 .لع) 03501113 51,0 ,15 الوا روم * 
“انظ 1052]196 لاهع5كنا0آ ع0 3]10112115576 عيآ رخمرصا 0.30 وما بعدها . 


201 


' يرى ديراتيه ان “دو ركابم هو اول من اشار الى اهمية هذه الفكرة عن الاستعداد الافتراضي عند روسو " انظر 16 

13 8.8.175 , ناوء ودنام عل 1201008115516 انظر مزمواط أقا50 أع13 1ه عا ,تمتعططساط, 
32-1-8ز 110716 كال . اعلب التاقعات التواترة روسو سوف يتم الغاؤها من يلال هذا النداء للاستعداد الافتراضي 
الذى يقوم بعملية تراصل عند كل نقطة الفمال ويدأ "بالقاط البق يستفل فبها انمتمع عن الطبيعة وير تبط بها . انظر 
: .145.م عطأقمع0آ] ,كملع] م50 عل عناو11أ0م ععمعأء5 اء ئاق556نا0] ومن امثير للانتباء ان موضوع 
"الانتراضية هذا غير معروف ف الغالب عند اى مولف كان . وعدم المعرفة هذا الموضوع بده فى قلب مشكلة الافكار الفطرية , 
ون علاقة لوك بليعر وعلاقة يبتر بديكارت . 
''" بالطبع يتحدد المقام هنا من خلال تفكير يجمع بين كانط وروسو اق شان اخر بختلف عن موضوع الاخلاق . كل السلسلة الي 
تربط حركة التوقيث الزمين وشكلانية الخبال والحساسية والحب الذاتى للحاضر » وكل ما كررته بشدة قراءة هيدحر فى كتابه ‏ 
6201101 13 ع0 70616176م © 183000 . مكن ان يودى - من ععلال طريق معروف بعذر - الى ارض روسوية 
5 المقال لا يدفع الى الاعتقاد لا فى الحرب الاصلية و لا فى العصر الذههى . من هائين الوحهتين من النظر تتوافق الرسالة مع 
الاطروحات الروسوية الكبرى . ل مخطوط حنيف ( النسخة الاولى من العقد الاحتماعى وتاريفها 1767 ء يكتب روسو ان " 
العصر الذهبيى كان دائما حالة غريية عن الجنس البشرى ". 
”'" 154 -153 .صم انظر ايغا 0.152 وشذرة عن : [2]6] 0© 31 556110013 " طالما احتفظ الناس ببراءقم الاولى , 
لن يمتاحوا الى دليل سوى صوت الطبيعة طالما لم يصبحوا اشرارا يكونون لل غين عن ان يكونوا طييين ”. (0.476) . 
'' الوحدة الحرفية هذا المذهب عن الشفقة تتأكد بصررة اكير اذا ما وضعنا هذه الققرات الاربع الى حنب تطل الشفقة . رغم , 
كفا طبيعية ق قلب الانسان. ابديا غير فعالة بدون الخيال الذى بنشطها . كيف نترك انفمنا بعاطفة الشفقة ؟ عندما تدقع بانفسآ 
ارج انفسنا : وعندما نتوحد بالكائن المعذب . تحن لا نعاق الا بقدر حكمنا عليه يانه يعاق . أننا لا نعاق داخلنا ولكن داعله هو 
*(المقال) .: هكدا نولد الشفقة . اول شعور يمس قلب الانسان حسب نظام الطبيعة . كى يصير الطفل حماسا ورحيما عليه ان 
يعرف ان هناك كائنات متشاية له تعاق مما عاناه . وافها تشعر بالالام ال بشعر يما. وارون عليه ان يعى باهم يمكنهم ان يشعروا 
هاايضا . بالفعر. كيف نترك انفسنا لتفعل بعاطفة الشفقة . ان م يكن بان ندقع بانفسنا خعارج انفسنا وان نتوحد مع الحيوان 
المعذب . بان نتركاء اذ ححاز القول . وحودنا لنحل فل وحوده نحن لا نعانق الا بقدر حكما عليه يانه يعاق اننا لا نعاني داخلنا 
ولكن داخخله هو . وهكذا لا احد يصير حماسا الا ععدما نتعش خباله ويداً نقله خارج نفسه ". ( 261.م عالويط ) " ٠١‏ 
فتفكر كم يفترض هذا الانتقال من معارف مكتسبة . كيف يمكن لى ان اتغيل الاما لبس لدى اى فكرة عنها ؟ كيف بمكن ان اعان 
عدماارى شخصا اخر يمان اذا لم اكن اعرف انه يعاق . واذا كنت احها ما هو مثثرك بينه وبين ؟ ذلك الشخص الذى لم يفكر 
يوما لا بمكنه ان يكون رحيما ولا عادلا ولا شفوقا . ولا بمكنه ابضا ان يكرن شريرا او منتقما . ذلك الذى لا يتخيل شيئا لا بشعر 
الا بنفسه : انه وحيد ف قلب الجنس البشرى .( المقال) ." ان عرضا الوسائل الخاصة بالبقاء فى نظام الطبيعة معناه بيان كيفية 
روج منه ء طانا بقى احساسه محصورا داخعل فرديته . لن يكرن هناك اى شئ اخلاقى ف افعاله . فقط عندما تبدأ ف الامتداد 
خارج ذانه يبدأ هو ف تمميل المشاعر ثم بعد ذلك مفاهيم الخير والشر الي تكون منه بالفعل انسانا وحزها لا يتحزأ من النوع ". ) 
(257.م عانصوط 
'انظر هامشى “*-4 عند ناشرى الاعترافات قن 560 .م 2161806 18 . 

35ل .!. باقعذكنه ا 5عناوع32 ل-مقع ل دعأتامم ,عأذأناةء055ا0: عأع010دموداء عمو ع0 


.86.37 
. 1895 ,؟ناعلرعمناك الع تاعمع أعكدع'! عل عنابع 78 


“''هذوايضا هى الزلامة الى انتهى اليها بردان 163-8001065 06 5ع6/اناع0 و5ع! اء آلا هآ : وأملناة8 ) 
( 1891 ,35م ,180100556310 الصفحة الى :خصصها للمقال ثم عما يمكن ان تككون عليه قراءة روسو وخصوصا ق المقال 
وتسمح بقباس الطريق الذى ينبغى قطعه *” بين المقال ع: العلو م وَالمقال عن عدم المساواة ينبغى ان نضع المقال ف اصل اللغات . 


202 





وقد اعطاه روسو ايضا عنوان مقال حول مبدأ اللحن ويعاج فيه بالفعل اللعة والموسيقى سويا : وهو ما م يمنعه من الحديث عن 
امتمع وعن اصوله ... التاريخ الذي كتبت فيه ليس مغروها بالضبط . ولكن السباق يشير اليه مما فيه الكفاية . الفقرات ال يتحدث 
فيها روسو عن الدور الرئيسى للفنون والعلوم يبن ان رايه قد وقف حيتئذ عند هذه النقطة فى حين اننا نعرف انه كان مترددا ق 
.اللحظة الى كتب فيها خخطابه . وبالتالى لم يكتب الرسالة الا فيما بعد . ومن حائب اخخر . من السهل ان نرى انه لم يكن لديه هذه 
الافكار الردابكالية عن المتمع والى بنادى بها فى كتابه عدم المساواة ( الاستشهاد بالخطاب حول العروض الفنية ق هامش ف الفمل 
الاول . لا يعد احتحاحا حادا , فليس هاك اسهل من اضافة هامش بعد الانتهاء من كل شيئ الرسالة ما هى عليه تقدم خخليطا فريدًا 
م الحقيفى والزائف من التحفظ واجرأة . والمنهج فيها غرضى بشكل ملحوظ ء الادلة لا قيمة لها . العقائد عن المجتمع متدينة. 
احيانا براودنا احساس اتنا ل قلب كتاب عدم المساواة نفس الاسلوب نفس صياغة العبارة. نفس طريقة الفحص ونفس تسلسل 
التفكير والافكار.ولكن فق قلب كل هذا هناك تعفظات لا يستهان فا ف الاستخلاصات واحتاك كبير للكتابة المقدسة والتراث 
وابمان واضح بالعناية الاهية وشعور بالنفور من الفلاسفة الماديين. تمعلنا اذا حاز القول نشعر باننا منزوعى السلاح:اجمالا لقد كتب 
روسو هنا عملا انتقاليا. يستشرف الكبرف بدلا من ان ينتحه فى وضع النهار. والحير الذى وضعه فيه قاده الى.افكار صحية قد ممكن 
من الاستفادة منها ز وللاسف وضع حرثومة الاخطاء ال طورها فيما بعد ل اعماك التالية. مثال لا ينسى عن العناية اليْ ينبغى ان 
نشمل ها عملية التوحه السليم لموهية المرء وحياته وعن الطريق الذى يمكن ان يقطعه مبدأ مدفوع الى نتالحه المتطرنة منطق اعوج 
323-4.مم1.1. 
1 .م1912 111لا كأقققة مذ نتدعككناه. ل.ل عل ععكمعم 15 عل عالمن[تتة 
””" هكنا يدو لى عمل روسو :” متتوع مضطرب » تنازعه انعطافات فن كل نوع , وبالرغم من ذلك . وف لحظة معينة » مستمر 
وراسخ فى روحه وال توحهاته المتالية ... وبوضع الكاتب او الانان "حالم وححول " فى تعارض مع العمل الذى إحيا إعهاته 
المستقلة , موثرا بواسطة "حواصة الباطنية " و " حملا ممتفحرات ثورية " » تودى الى "الفوضى " أكما تؤودى الى "الاستبداد 
الاحتماعى ". وتمعل لانسون 12115019 قائلا :” هذا التعارض بين العمل والانسان , الذى يمكن تسمية تناقضا , ان اردنا ينبغى 
الا خاول ححبه لان هذا هو روسو نفسه , هل مازال من اللازم ان ثدد : ان ما يهمنا عند روسواء وهنا عند الانسون , هو هذا , 
الاصرار على ححب هذا الظهور . التقدى , لل "تناقض” بين الانان والعمل , ما الذى يخبدونه عنا تحت تعبير "روسو نقه" " 
موحين لنا بان هناك تقسيما ما باطنيا ؟ م واين ظهر الاطمنان بانه ينبغى ان يوحد شئ يبيب على القضية " هنا هو روسو 
نفهة؟. 

'''' كانت هذه ايضا هى وحهة نظر لانسون الذى انتهى بتبنيي رأى ماسون 81255011 . 

نلاحظ بوحه خاص ان الامش الكبير لى الفصل السابع قد اضيف وان الفصل السادس ( اذا كان من الحتمل ان هوميروس كان 
يعرف الكتابة) قد ثم تعديله بصورة كبيرةى الصباغة الاولى كان روسو يعتير ان من امحتمل حدا ان هوميروس ادلم يكن يعرف الكتابة 
(22.29-30) وعندما أعاد قراءة النص شطب هذه الفقرة وأضاف ( الحامشس:"ملاحظة : هذه حماقة ينبغي إسقاطها. بما ان قصة 
بيليرفون ف الالياذة نفسها توكد ان فز الكتابة كان مستعملا ف زمن المولف . ولكن هذا لا بمنع أن عمله كان يغ ولم يكن 
مكتوبا ". ( هامش لماسون . وبدا نا فحص المخطوط اقل خصوية ما كان يزعم ماسون ) . 

*”' سانشر هذا النص الاير الذى يدو ان روسو توقف عنده , لان المقدمة ظلت غير مكتملة ... هذه المقدمة قد سبق ونشرها 
"يانسنس 12256115 فى كابه 1844[ 6أأمء8 477-473.,مم , ءعء|أونالة 5أ 101055620 [.[ ولكن مع اففوات 


واحطاء القراءة العديدة الى عميز اغلب ما نشر من النصوص ( مأخوذ من هوامش ماسون ) . 


203 








جاك دريدا 
التفكيك والعلوم الإنسانية في الغد 
أنور مغيث - منى طلبة 

سيكون حديثى هذا بلا شك بمثاية شهادة إيمان 101 06 2:وؤووء2:201 
شهادة إيمان أستاذ يعمل وكأنه يطلب منكم الاثن بأن يكون خائنا أو غير وفى 
لعاداته. 
هاهي الخطوط العريضة للأطروحة التى اطرحها للنقاش معكم. انها ليست أطروحة 
ولاحتى فرضية:؛ وإنما بالأحرى التزام وتصرمح, ونداء فى شكل شهادة إيمان 
بالجامعة » وعبرهاء إيمان بالعلوم الإنسانية. فى الغدء ينبغي للجامعة الحديثة أن 
تتمتع بحرية غير مشروطة.. واعنى "بالجامعة الحديثة " تلك التى أصبح نموذجها 
الاوربى » بعد تاريخ وسيط ثرى ومعقد؛ مرجحا أى "كلاسيكيا" منذ قرنين من 
الزمان؛ فى البلاد ذات الطابع الديمقراطى. لقد أحرزت هذه الجامعة اعترافا ليس 
فقط بالحرية الاكاديمية ولكن أيضا بحرية غير مشروطة فى التساؤل والاقتراح: بل 
وفى الحق فى أن يقال بصورة علنية كل ما يقتضيه البحث والمعرفة والتفكير فنى 
الحقيقة. إن الجامعة تجعل مهنتها الحقيقة؛ والالتزام بلا حدود تجاه الحقيقة. 

بلا شك يمكن مناقشة صيرورة قيمة الحقيقة إلى مالا نهاية (حقيقة مطابقة, 
أو حقيقة وحى ء الحقيقة كموضوع لأنواع الخطاب النظضرى- التقريرى-»: 
117 601163 ]-او وقائع شعرية ‏ ادائية 7061160-061107113411 
الخ ) وهو ما يتم مناقشته بالفعل في الجامعة وفى أقسام تنتمى إلى مجال العلوم 
الإنسانية. 

وقد كان هذا السؤال الكبير عن الحقيقة وعن النور وعن التنويره 
0ط نا تامع ترء !ا تأاعصظ, ومسصةلكنر4 و5علء 1جرنا]1 ؛ مرتبطا دائما 
بالانسان ٠‏ وفى إطار مفهوم يتعلق بما يميز الإنسان؛ وهو ما أسس للنزعة 
الإنسانية 12111381526 والفكرة التاريخية عن العلوم الإنسانية فى نفس الوقت. 
واليوم ٠‏ أصبح كل من اعلان حقوق الإنسان )١544(‏ الذى يتجدد وتعاد صياغته 
دائما وتأسيس المفهوم القانونى "للجريمة ضد الإنسانية" )١545(‏ ؛ يشكلان 


205 


اليوم أفق العولمة والقانون الدولى الذى يفترض فيه أنه يرعاهما (استبقى هنا 
المصطلح الفرنسى عولمة 01080121154108 بدلا من كلمة كوكبة 
10 من أجل الحفاظ على الإحالة إلى العالم 2500206 و ,00ت 
5ل نا قط ,1+ والذى هو ليس كوكب الأرض ماع وليس الكون 200512105©. 
إن مفهوم الإنسان وما يميز الإنسان؛ وحقوق الإنسان ؛ والجريمة ضد إنسانية 
الإنسان . كل هذا نعرف أنه ينظم هذه العولمة. إذ أنها تود أن تكون اضفاء للطايع 
الإنساني :151252610! غير أن هذا المفهوم للإنسانية الذى يبدو إشكاليا ولا 
غنى عنه فى آن- والذى هو أحد الدوافع المحفزة لأطروحتى هذه. وهو أيضا أحد 
الأطروحات التى أنوى تقديمها فى شكل شهادة إيمان- لا يمكن أن تعاد صياغتها 
بوصفه كذلك ه وبلا شرط وبلا فرضية مسبقة إلافى مجال العلوم الإنسانية الجديدة. 
وسواء كانت هذه المناقشات نقدية أو تفكيكية» فإن ما يتعلق بمسألة تاريخ الحقيقة» 
وعلاقتها بقضية الإنسان؛ وبما يميز الإنسان وبحقوق الإنسان » وبالجريمة ضد 
الإنسانية.. إلخ كل هذا من حيث المبدأ ينبغي له أن يجد حيزا للمناقشة غير 
المشروطة ومجالا شرعيا للعمل وإعادة الصياغة؛ فى الجامعة وبصفة خاصة فى 
مجال العلوم الإنسانية داخل هذه الجامعة. وليس ذلك لكى ينغلق على نفسه فيهاء 
ولكن على العكسء لكى يجد مدخلا افضل إلى مجال عام ععومدء عناوذاطنام 
جديد ومتغير بواسطة التقنيات الجديدة فى الاتصال والمعلومات والأرشفة وانتاج 
المعرفة. (واحد اخطر الأسئلة التى تطرح نفسها هناء بين الجامعة والخارج 
السياسى- الاقتصادى بالنسبة لمجالها العام» هى مسألة سوق النشر ودوره فى 
عملية أرشفة وتقويم وشرعية الأعمال الأكاديمية). 

هذه الجامعة غير المشروطة لا وجود لها بالفعل. ولكن وعلى الرغم من ذلك» 
عليهاء من حيث المبداء ووفقا لرسالتها المعلن عنهاء ولجوهرها المعلن عنه؛ أن 
تبقى المعقل الأخير للمقاومة النقدية- وأكثر من نقدية فى مواجهة كل سلطات 
الاستحواذ الدوجماطيقية. وعندما أقول "أكثر من نقدية", فأنني أعنى ضمنا 
"تفكيكية" (ولما لا نقول ذلك مباشرة توفيرا للوقت) أنا أشير إلى الحق فى التفكيك 
كحق غير مشروط لوضع أسنلة نقدية » ليس فقط لتاريخ مفهوم الإنسان؛: ولكن 
أيضا لتاريخ فكرة النقدء ولتاريخ تشكل السؤال وسلطته؛ وتاريخ الشكل الاستفهامى 


206 


للفكر. لأن هذا الحق فى التفكيك يتضمن الحق فى القيام بكل ذلك بصورة أدائية؛ أي 
إنتاج أحداث بالكتابة مثلاء أو إصدار أعمال 0600٠8065‏ متفردة (وهو حتى الآن ما 
لم يكن من اختصاص العلوم الإنسانية الكلاسيكية أو الحديثة). 

يتعلق الأمر بان نعمل على حدوث شئ ما دون أن نخون بالضرورة؛ مفهوم 
الحقيقة؛ أو مفهوم الإنسانية الذي يشكل ميثاق كل جامعة وشهادة إيمانها. هذا 
المبدأ فى المقاومة غير المشروطة؛ هو حق ينبغى على الجامعة نفسها أن تتاملة 
وأن تخترعه وأن تفرضه. سواء قامت به أم لاء عبر كليات الحقوق أو كليات العلوم 
الإنسانية الجديدة القادرة على أن تشتغل بهذه القضايا الخاصة بالحق- أىء ولماذا لا 
نقول ذلك بلا مواربة» أى علوم إنسانية قادرة على أن تاخذ على عاتقها مهام 
التفكيك. بداية من تاريخها الخاص ومن مسلماتها. 

ويمكن لمثل هذه المقاومة غير المشروطة أن تضع الجامعة فى مواجهة مع 
عدد كبير من السلطات (: سلطات الدولة » وبالتالي سلطة الدولة القومية ووهمها 
في السيادة التى لا تقبل التجزئة): وبمثل هذه المواجهة يمكن للجامعة أن تكون 
عالمية أكثر من كونها كوزموبوليتانية أى أن تكون متجاوزة لمفهوم المواطنة 
العالمية والدولة القومية بشكل عام. كما أن هذه المقاومة تضع الجامعة فى مواجهة 
مع السلطات الاقتصادية (أى فى مواجهة الشركات العملاقة والقوى الرأسمالية 
الوطنية والعالمية) و فى مواجهة سلطات الأعلام والسلطات الدينية والأيديولوجية 
والثقافية... إلخ) باختصار في مواجهة كل السلطات التي تحد من ديمقراطية 
المستقبل. 

هذا هو إذن ما أطلق عليه جامعة بلا شروطا صاحبة الحق المبدئى . فى قول 
كل شئء بما في ذلك ما يدخل فى باب الخيال أو التجريب فى مجال المعرفة. والحق 
المبدئى فى قوله على الملأء أى فى نشره. وستظل هذه المرجعية إلى المجال العام 
هى رابطة النسب التى تربط العلوم الإنسانية الجديدة بعصر التنوير. وهذا مايميز 
المؤسسة الجامعية عن أية مؤسسة أخرى قائمة على الحق وعلى الواجب في قول 
كل شئ كالاعتراف الديني في المؤسسة الدينية مثلا. ولكن هذا أيضا هو مايربط 
الجامعة ولاسيما العلوم الإنسانية بصورة أساسية بما نسميه الأدب» بالمعنى 
الأوروبي والحديث للكلمة» باعتبار الأدب حقا فى قول كل شئ على الملأء علاوة 


207 


على الحق في كتمان السرء والذي قد يتخذ شكل الخيال الإبداعى»ء 6©6100. وأشير 
في ذلك إلى الاعتراف:011655102ع القريب جدا من شهادة الإيمان: لأنني أودء أن 
أربط بين ما أقول و بين التحليل لما يحدث اليوم؛ على الساحة العالمية» وهى أحداث 
تتبع مسارا كونيا للاعتراف؛ وللتوبة» وللتكفير عن الخطينة, وطلب العفو. ويمكن 
أن استشهد على ذلك بألف مثالء يتزايد يوما بعد يوم. ولكن حين يتعلق الأمر 
بجرائم قديمة جدا أو بجرائم الأمس القريب, وبالعبودية؛ وباضطهاد اليهود؛ 12 
10 وبالتمييز العنصريء أو حتى بطغيان محاكم التفتيش (التي لوح البايا 
مؤخرا أنه سوف يخضعها لمحاكمة الضمير) فإن التوبة تتم دائما بالرجوع إلى هذا 
المفهوم القانوني الحديث جدا عن " الجريمة ضد الإنسانية". 

بسبب هذه الحصانة المجردة والمبالغ فيهاء وبسبب استحالتها نفسهاء فإن 
عدم المشروطية هذه تكشف أيضا عن ضعف الجامعة ووهتهاء إنها تبين عن 
هشاشة دفاعها ضد كل السلطات التى تحاصرها وتحاول السيطرة عليها. ولأ 
الجامعة غريبة عن السلطة؛ فهى لا تتمتع بسلطة خاصة؛ ولهذا السبب أتحدث عن 
جامعة بلا شروطء وأقول تحديدا " الجامعة " لأنني أميز هناء بالمعنى الضيق» 
الجامعة عن كل مؤسسة للبحث تكون فى خدمة غايات ومصالح اقتصادية من كل 
نوع؛ دون أن تتمتع هذه المؤسسات بأي إقرار بالاستقلال مناظر لاستقلال الجامعة 
من حيث المبدا. 

وأقول "بلا شرط " كما أقول "غير مشروطة". ليفهم ضمنا بإنها بلاسلطة 
أو بلا قدرة دفاعية": هذه الجامعة باعتبارها مستقلة- هي أيضا قلعة معرضة. 
ومتاحة للاستيلاء عليها. وهى غالبا منذورة للاستسلام بدون شروط. ولأنها من 
جهة أخرى تبدو غير قابلة لأن يفرض عليها شروطء؛ فهي أحيانا تبدو مكرهة. 
مرغمة , وهزيلة , وعزلاء, فتستسلم بلا شرط. إنها تستسلم لأنها ؛ تبيع نفسها 
أحياناء بل تجازف أحيانا بأن تكون موضعا للاحتلال, للاستيلاء للشراءء وللتبعية 

واليوم في العالم أجمع » هناك مازق سياسي كبير, فإلى أي مدى ينبغي دعم 
نظام البحث والتعليم؟ وإلى أى مدىء يكون التعليم والبحث خاضعين بصورة مباشرة 
أو غير مباشرة للتحكم فيهما؟ ويقال تلميحا "خاضعين للرعاية'' 520115011565 


208 


من قبل بعض المصالح التجارية والصناعية؟ وفقا لهذا المنطق, كمانعرف » 
أصبحت العلوم الإنسانية في الغالب رهينة توجيهات العلوم البحتة أو التطبيقية 
والتي تستقطب الاستثمارات (والمفترض أن تكون مربحة للرأسمال الغريب عن 
المجال الأكاديمي). وهنا يطرح سؤالء وهو ليس سؤالا اقتصاديا قانونيا ؛ أخلاقياء 
سياسيا فحسبء إنما هو سؤال عن ماهية الجامعة: هل يمكن للجامعة أن تطالب 
بنوع من ! السيادة دون أن تجازف بما هو أسوا؟ أى أن يتوجب عليها؛ بسبب 
التجريد المستحيل لهذا الاستقلال السيادىء. أن تستسلم بللاشروط ء وأن تترك 
نفسها عرضة للسيطرة والشراء باي ثمن كان؟ 

إن ما تحتاجه الجامعة ليس فقط مبدأ للمقاومة؛ ولكن قوة للمقاومة 
وللإنشقاق المتمرد. إن تفكيك مفهوم السيادة غير المشروطة هو بلاشك أمر 
ضروري وجارى العمل به » وففا لمفهوم تراث لاهوتى , ولم يكد يصبح علمانيا 
تماما بعدا ء لقد أصبحت قيمة السيادة اليوم - فى مثلها الاكثر بروزا وهو السيادة 
المزعومة للدولة القومية- فى أوج تصدعهاء ولكن ينبغى الحرص على ألا يهدد هذا 
التفكيك الضرورى مطالبة الجامعة باستقلالهاء أى بمطالبتها بشكل خاص جدا من 
السيادةء» وهو ما سأحاول تحديده فيما بعد. هذا هو رهان القرارات والاستراتيجيات 
السياسية. ومثل هذا الرهان يبقى في أفق الافتراضات أو شهادات الإيمان التى 
أطرحها عليكم للتأمل: كيف يتم تفكيك تاريخ (وقبل كل شئ التاريخ الأكاديمي) مبدأ 
السيادة التي لا تقبل التجزئة» مع المطالبة بالحق غير المشروط في قول كل شسئ؛ 
وفى ألا يقال كل شئ؛ وفى طرح كل الأسئلة التفكيكية التى تفرض نفسها بخصوص 
الإنسان, وبخصوص السيادة؛ والحق فى قول كل شئ, وكذلك قول كل شئ فى الأدب 
والديمقراطية والعولمة الجارية ومظاهرها الاقتصادية التقنية والطائفية.. إلخ؟ إن 
هذه القدرة على مقاومة العاصفة التى تجتاح الجامعة وبعض تخصصاتهاء لا أزعم 
إنها تحتل مكانها الفريد فى ما نسميه بالعلوم الإنسانية وحدها- فهذا المفهوم الذى 
يليق بنا أن ننئقيه » وأن نفككه؛ و أن نضبط تعريفه وتعديله بما يتجاوز تراث ينبغى 
لنا أن نهذبه هو الآخر. 

ولكن مبدأ عدم المشروطية هذا يتمثل؛ فى الأصل وبالامتيازء فى العلوم 
الإنسانية» إذ أن له حيزا للتعريف , وللتجلى وللبقاء بشكل أصيل ومتميز فى إطار 


209 


العلوم الإنسانية. فلهذا المبدأ مجاله الخاص للنقاش ولإعادة الصياغة فى هده 
العلوم. وهذا يتحقق بقدر متساو- فىء الأدب وفى اللغة (أى العلوم المسماة بعلوم 
الإنسان والثقافة) وفى الفنون غير الخطابية؛ وفى القانون والفلسفة؛ وفى النقاد 
والتساؤل؛ ويتجاوز الفلسفة النقدية . ليصبح تفكيكاء حيث لا يتعلق الأمر سوى 
بإعادة التفكير في مفهوم الإنسانية وشكل الإنسانية بوجه عامء وفبى ذلك الشكل 
الذى يتضمن ما نسميه فى الجامعة مند قرون بالعلوم الإنسانية. من وجهة النظز 
هذه على الأقل» يكون للتفكيك (ولا أستحى أن أقول ذلك وأطالب به) موقعه المتميق 
فى الجامعة وفى العلوم الإنسانية كموقع للمقاومة التى تضم الجميع . كمبدا عام 
للعصيان المدني أو الانشقاق باسم قانون سامي أو باسم عدالة للفكر. فلنسمي هله 
فكرا كل ما يوجه- بحسب قانون يعلو على القوانين- عدالة هذه المقاومة أو هذا 
الانشقاق. أنه هو أيضا ما يلهم التفكيك بوصفه عدالة» ويضعه موضع التطبيق. 
وينبغى أن يكون هذا الحق بلا خحدود إن جاز لى القول مما يسمح بتفكيك كلل 
الأشكال المحددة التى اتخذتها هذه السيادة غير المشروطة عبر التاريخ. من اجل 
هذا كان علينا أن نوسع وأن نيد صياغة مفهوم العلوم الإنسانية. وفى تقديرى أن: 
الأمر لايتعلق فقط بالمفهوم المحافظ والإنساني الذى يرتبط فى الغالب بتراث 
العلوم الإنسانية ومقوماتها القديمة هو التى اعتقد أنه ينبغى حمايتها هى الأخرى 
بأى ثمن. فعلى هذا المفهوم الجديد للعلوم الإنسانية» مع بقائه مخلصا لتراثه؛ أنَ 
يتضمن ايضا الدراسات القانونيةء وما نسميه بالنظرية (التحديد الأصلي للنظرية 
الأدبية ٠‏ للفلسفة , اللغة ؛ للتحليل النفسي.. إلخ) وأن يتضمن أيضا وبالتأكيد 
الممارسات التفكيكية في كل هذه ١‏ لموا قع. 

فإذا كنت قد ربطت كل هذاء ليس فقط بمسالة الأدب أو بمؤسسة ديمقراطية 
معيئة نسميها الأدب أو الخيال الأدبىء أو بالإيهام؛ أو بكلمة " وكان ". وإنما 
ربطتها أيضا بسؤال المهنة :770155 وذكرياتها ومصيرهاء فذلك لأنها عبر 
تاريخ العمل الطويل 7:11جم) لم يكن العمل فيه مجرد حرفة ,ع:)2:, ولم تكن الحرفة 
هي دائما المهنة؛ والمهنة ليست قاصر على مهنة الأستاذ. لقد رغبت فى أن أربط 
هذه الإشكالية الخاصة بالجامعة بلا شروطء بعهدا وبالتزام؛ وبفعل إيمان» وباعلان 
للإيمان وبشهادة إيمان: تقرن الإيمان بالمعرفة فئ الجامعة للتعريف بمبدا عدم 


210 


المشروطية هذا والذى نسميه أيضا العلوم الإنسانية. إن الارتباط بطريقة ما بين 
الإيمان والمعرفة؛. يصل الحركات الادائية والحركات الوصفية والتقريرية أو النظرية 

ولا تستدعى شهادة الإيمان والالتزام والوعد والمسؤلية التى نضطلع بها 
خطابات للمعرفة؛ وإنما تستدعى خطابا أدائيا منتجا للحدث الذي نتحدث عنه. علينا 
حينئذ أن نتساعل عن معنى التعليم أو المجاهرة بالشهادة 2:01655»7:م ماذا نعمل 
عندما نعلم بشكل أدائىء ولكن أيضا عندما نمارس مهنة وتحديدا مهنة الأستاذ 
'اناء001655 " أعتمد إذن طويلا على التمييز التقليدى الذى وضعه أوستن 
)ىنح بين فعل الكلام الأدائسى 5اع2 طءعء6م5 10:2:12120115رءم وفعل الكلام 
التقريرى 055434115» وقد كان هذا التمييز حدث هام فى هذا القرن- إذ ظهر أول 
الأمر كحدث أكاديمي: فقد حدث فى الجامعة» وكانت العلوم الإنسانية هى التى سبرت 
أغواره. ومع اعترافى بقوة هذا التمييز بين التقريرى والأدانى وشرعيته 
وضرورتهء فقد كنت أجد نفسى فى كثير من الأحيان ١‏ لا أشك فى جدواه. وإنما أحلل 
افتراضاته المسبقة وأزيد من التعقيدات المترتبة عليه . واليوم أيضاء ولكن هذه 
المرة من وجهة نظر أخرىء ساتخلص من هذا الثنائى بان أعين نقطة يفشل فيها أو 
ينبغى له أن يفشل فيها. هذه النقطة ستكون تحديداء هو ما يحدث وما يمكن أن نصل 
إليه» أو الحدث أو موقع الحدوث. وهى تسخر من كل من فعل الكلام الأدانسى 


والتقرير. 
الآن أريد أن أبداء فى وقت واحد بالنهاية وبالبداية معا. لأننى بدأت بالنهاية وكانها 
البداية. 


)١[ 
." "وكان نهاية العمل كانت أصل العالم‎ 
نعم "أؤكد لها "وكان". وأقترح عليكم هنا فى الوقت نفسه تفكيرا حول تاريخ‎ 
العمل 427211 وأيضا بلا شك تاملأ حول "وكأن": وربما حول سياسة الافتراض‎ 
وهى ليست سياسة افتراضية ولكن سياسة لما هو افتراضى فى الفضاء‎ 11 
المعلوماتى-عع2م 5©:ءملزء أو العالم المعلوماتى ع01020ء:ءملإء للعولمة.‎ 


211 


واليوم نجد أن التحولات التى تؤثر فى موقع وطبيعة العمل الجامعى» هى فى مجملها 
نزعة لإضفاء الطابع الاأفتراضى الذى يزحزح مجال الاتصال والسجال والنشر 
والأرشفة. وليس الافتراض المعلوماتى جديدا بشكل مطلق. . فعندما يكون هناك 
أثرء تكون هناك إمكانات افتراضية وهذا هو ألف باء التفكيك. ولكن الجديد غير 
المسبوق هو تسارع الإيقاع ٠‏ ضخامة وسلطات تراكم مثل هذه "الافتراضية 
المعلوماتية ". ومن هنا تأتى ضرورة إعادة التفكير فى مفاهيم الممكن والمستحيل. 
هذه" المرحلة"الجديدة فى الافتراضية (التوسع المعلوماتئ؛ النظم الرقمية» 
والعولمة المباشرة وقابلية القراءة مباشرة والعمل عن بعد إلخ) تزعزع البيت 
الجامعى وتقلب مواقعه: أى تقلب إطار حقوله المعنية؛ والحدود بين تخصصاته 
بالإضافة إلى قلبها لأماكن النقاشء أى ساحة معاركها ,12)2م1م2:هء! 


4 النظرية:؛ وكذلك قلبها للبنية الاجتماعية "لحرمها الجامعئى". أين 
يوجد اليوم المكان المشترك والرابطة الاجتماعية "لحرم" جامعى فى عصر الفضاء 
المعلوماتى 36م 615ملإ© للكمبيوترء للعمل عن بعد. وشبكات الانترنيت؟ أين 
توجد ممارسة الديمقراطية؛ حتى وإن كانت ديمقراطية جامعية هل توجد فيما 
يسمى "بالديمقراطية- المعلوماتية "؟7' أننا نشعر أن الذى ينقلب بصورة جذرية 
من جراء ذلك هو موا قع الحدث؛ وخبرة الحدوث | لفريدة. ش 

ماذا نفعل إذن عندما نقول "وكأن"؟ وأنا لم أقل بعد "يبدو هذا الأمر وكان 
نهاية العمل كانت هى أصل العالم". لقد تركت هذه العبارة الثانوية الغريبة مقطعة 
الأوصال"وكان نهاية العمل كانت هى أصل العالم"؛ وكأننى أردت أن أتبرك نموذجا 
ل"وكان" يسعى وحده خارج السياق؛ لكى يجذب انتباهكم. ماذا نفعل عندما نكو 
"وكان"؟ ومَاذا تفعل "إن" الشرطية هنا أو 0111© 


١‏ هل عندما نقول؛ وهذا احتمال أول » "و ن" ننساق للإعتباطية وللحلم 
والخيال واليوتوييا وللافتراض؟ 

1 - أو هل؛ وهذا احتمال ثانى نقوم بواسطة "وكان " هذه بممارسة لأنماط 
من الحكمء مثل تلك هذه "الأحكام المتروية" والتى كان يقول عنها كانط بانتظام انها 
تعمل "وكأن " (019 16ه) الذهن يحتوى أو يتضمن وحدة تنوع القوانين 


212 


التجريبية. أو أن "وكان" هنا كانت صدفة سعيدة أتت لتحبذ مخططا ما. (') في هذه 
الحالة الأخيرة» حالة الخطاب الكانطى؛ نعرف الجاذبية والضرورة التى تقتضيها " 
وكأن '"" إذ لا يتحدث كانط إلا عن غائية الطبيعة أى الغائية التى يكون مفهومها. 
كما يقول لنا كانط» هو أكثر المفاهيم تفردا أو صعوبة في الامساك به لأنه؛ كما 
يقول» ليس مفهوما للطبيعة وليس مفهوما للحرية. منذ هذه اللحظة تكون "وكان " 
هذه قائمة بذاتهاء رغم أن كانط لا يقول ذلك في هذا السياق» ولكنها ولسبب بديهى؛ 
تصبح "وكان " خميرة للتفكيك لأنها تتجاوز بشكل:ما- وليس بعيدا عن زلزلتها 
للنظامين اللذين تميز بينهما- نظام الطبيعة ونظام الحرية. هذا التناول المربك بسبب 
"وكان" هو نفسه الذى ينظم كل مفاهيمنا الأساسية؛ كما ينظم كل التعارضات التى 
تتحدد من خلالهاء ويحدد أيضا" ما يميز الإنسان وإنسانية الإنسان (الطبيعة/ التقنية 
عسطعاء) / وزولؤطم الطبيعة/ القانون 7102105 / وزولإطم والطبيعية فى مقابل 
الإنسانية. وفى هذه الانسانية التى هى أيضا إنسانية العلوم الإنسانية: نجد الميل 
للاجتماع والقانون والتاريخ والسياسة والجماعة: إلخ. وهى كلها مفاهيم رهينة 
نفس التعارضات). ويشرح لنا كانط أيضا إجمالأء أن "وكان " تلعب دورأ حاسما 
فى التنظيم المتماسك لخبرتنا. إن كانط هو ذلك الشخص الذى قد حاول بصورة 
معقدة للغاية» أن يبرز ويحدد فى آن ٠‏ دور العلوم الإنسانية فى التعليم والثقافة 
ونقد الذوق 2. 

واحيلكم إلى التحليل الذى تم بواسطة اثنين من زملاشى وأصدقانى, واللذين 
أدين لهما بالكثيرسام فيبر 66 523 فى كتاب- أعتز به كثيرا- رائد فى الكثير 
من أطروحاته؛ هو كتاب: المؤسسة والتفسير '') 220 1048)دأن)قصظ 2 
12-1 والذي ألحق الكاتب به مؤخرآ مقالاً هاما حول " مستقبل العلوم 
الإنسانية '( ).011101212210165 ع "انان 186 ١‏ وبيجى كاموف 2110021 
81017 التى عالجت نفس النص لكا نط فى كتابه الرائع "انقسام الأدب؛أو 
الجامعة تحت التفكيك!'). وكلاهما يقول أشياء حاسمة أحيلكم إليها. أما فيما يخص 
ما حدث بين التفكيك 

وتاربخ الجامعة والعلوم الإنسانية» وهو ما أحاول أن أكشفه هنا .فسيكون 
دربا اخر فى نفس المشروع.وموقعا آخر فى نفس المنظر العام. وإذا بدا مساري هنا 


213 


مختلفاء فان خطواتي ستلتقي بخطواتهم فى أكثر من نقطة. منها على سبيل المثال 
الاستناد إلى كانط. 

ويتمتع هذا التكرار فى الرجوع إلى كانط بحساسية خاصه فى الولايات 
المتحدة لأسباب يجدر تحليلهاء حيث عرف مصطل جح العلوم الإنسانية 
365 تاريخا خاصاء وطرح نفسه فى نهاية القرن فى صورة مشكلة . 
ذات طاقة دلالية» وذات حضور وأصداء للصراع., لم تكن بلا_شك موجودة من قبل. 
أو فقدت فى أوروباء وأيضا وبلا شك فى باقى أنحاء العالم الذى لا تسد فيه الثقافة 
الأمريكية. 

نجد بالتأكيد هنا أسباب متشابكة أدت إلى ذلك؛ وخاصة تاثيرات العولمة 
الجارية الآن» التي وتحدث دائما بصورة مشهودة. ولا يمكن تفاديها بواسطة 
الولايات المتحدة الأمريكية وسلطتها السياسية؛ وسلطتها التقنية الاقتصادية 
والتقنية العلمية. 

"- وأخيراء احتمال ثالث؛ ألا تحدد "وكان نمط كل الموضوعات التى تنتمى 
للحقل الأكاديمي والتي نسميها العلوم الإنسانية سواء علوم الأمس أو اليوم أو 
الغد؟ لن أتعجل الآن فى اختزال هذه الموضوعات إلى خيال » أو إلى إيهامات 
5 أو إلى أعمال فنية» فنبدو وكأننا نمتلك من قبل مفاهيم للخيال والفن 
والعمل موثوق يها. لكن ألا يمكن أن نقول أن صيغة (وكان) تبدو مناسبة لما نسميه 
بالأعمال وع:زبانوعن. ولااسيما الأعمال الفنيية والفنون الجميلئة 
(التصويرء النحت, السينماء الموسيقى: الشعرء الأدب. الخ.)؛ أليست "وكأن مناسبة 
أيضاء ولكن بدرجات متفاوتة ووفق تصنيفات معقدد. لكل مثاليات الخطاب ولكل 
المنتجات الرمزية أو الثقافية» التى تحدد . فى الحقل العام للجامعة 
التخصصات المسماة بالعلوم الإنسانية» بل والتخصصات القانونية:؛ وإنتاج 
القوانين» وهى مناسبة أيضا لبنية معينة من الموضوعات العلمية بوجه عام؟ 
لقد استشهدت بحالتين ل"وكان عند كانط؛ وهناك على الأقل حالة ثالثة ولن أقرها 
دون تحفظ. فكانط يبدو لى واثقا أكثر من اللازم فى تعارض الطبيعة والفن في ذاث 
اللحظة التى تقوم فيها "وكأن " بخلخلة للتعارض كما راينا للتو مع حالة الطبيعة 


214 


والحرية. ولكننى استرجع بهذه الملاحظة لسببين. من جانب لكى اقترح شينئا ما 
يتعلق بالموضوع المطروح هناء شينا ربما يؤدى إلى تغيير معنى؛ 
وكيانورهان"وكان " الكانطية»إنه اقتراح بإزاحة ماكرة؛ ولكن نتائجها تبدو لى بلا 
حدود.من جانب آخر فانا أتهيا للاستشهاد ب"وكان" فى إطار وصفها لصيغة 
جوهرية من تجارب الأعمال الفنية؛ أى لما يحدد بشكل كبيرء حقّل العلوم الإنسانية 
التقليدية»تلك التى تهمنا هنا هذا المساء. إذ يقول كانط أنه أمام عمل فنى جميل علينا. 
أن نعى أن الأمر يتعلق بالفن وليس بالطبيعة.ولكن بالرغم من ذلك ينبغى أن تبدو 
غانية الفن متحررة من أى قيدٍ ناتج عن قواعد اعتباطية- بحيث يبدو الفن وكأنه 
من إنتاج الطبيعة الخالصة والبسيطة (". 

أريد أن أجذب انتباهكم إلى هذا التوتر الذى نثيره عندما نقول "وكان", 
وأجذب انتباهكم إلى ارتباط هذا التوتر- والذى يشبه إيهاما- بالأسئلة التى أتهيأ 
للتصدى لهاء وه ىالأسنئنة ا لمرتبطة بالمهنة:و1وو21:016 
وبالاعتراف وو1وو011» بالجامعة بشرط أو بلا شرط - وبإنسانية الإنسان 
وبالعلوم الإنسانية وبالعمل؛ وبالأدب. 

لأن ما أريد أن أسعى إليه معكما يبدو مستحيلاً: أريد أن أربط "وكان" هذه 
بالتفكير : 
فى حدث ماء أى بالتفكير فى هذا الشئ الذى ربما يأتى: والذى نفترض أنه قد يقعء 
وأنه قد يجد موقعه؛ وأنه قد يحدث مثلا لما نسميه هنا بالعمل. نحن نعتقد بوجه عام 
أن» لكى يحدث شئء ولكى يقع فى مكان هينبغى أن يكون هناك حدث ما يقطع وتيرة 
"وكانءوأن يكون "موقعه" وا قعيا بدرجة كافية» وأن يكون هذا الموقع فعليبا 
وملموسا. ولكن ماذا يحدث إذن عندما يصبح هذا الموقع نفسه افتراضياءمحزرا من 
جذوره الأرضية (وبالتالى الوطنية) وعندما يصبح خاضعا لصيغة "وكأن "'؟. ١‏ 

سأتكلم عن حدث. لن يقع بالضرورة غدا . بل يظل ربماء وأؤكد ربما يكون 
آتيا: آتيا من خلال الجامعةءإذ قد يمر ويحدث بواسطتها ٠‏ وبفضلهاء وفى حدود 
الجامعة, على إفتراض أنه يمكننا دائمأ ان نحددء على افتراض أننا قد استطعنا أن 
نميز جوهرا للجامعة؛ أى جوهر خاص للجامعةوأننا قد استطعنا أن نميز شينئا ما 


215 


فى هذه الجامعة تحت اسم "العلوم الانسانية". وأنا أصل هنا إلى جامعة تكون على 
ما كان ينبغى لها دانما أن تكونه؛ أو على ما كانت تزعم تمثيله» أى أننى إلى جامعة 
تكونء وانطلاقا من مبدئهاء مستقلة؛ حرة فى مؤسساتها وبدون شروط مملاة على 
القول والكتابة والتفكيرء أى ألا تقتصر هذه الحرية على مجرد تفكر وكتابة 
الأرشيفات أو منتجات المعرفة.ولكنها تشمل أيضا الأعمال الأدائية. ولماذا لا يكون 
مبدأ هذه الحرية غير المشروطة؛ واحترامها الفعال والمقاتل وتنفيذهاءهو مسؤلية 
"' العلوم الإنسانية " الجديدة- بامتياز- دون أى مجال علمى آخر؟ 

يبدو الأمر وكأنئى اتاهب لشهادة إيمان على افتراض أننا نعرف ما هى 
شهادة الإيمان. يمكننا حينئذ أن نتساعل من المسؤول عن مثل هذه :الشهادة؟ من 
يوقع عليها؟ ومن يشهد بها؟ ولا اجرؤ على أن أسال من هو الأستاذ ولكِن ربما 
يجدر بنا أن نحلل تراتا معيناء وعلى أى حالء يجدر بنا أن نصل بشكل ما بين 
مستقبل المهنة الأكاديمية»أى مهنة الأستاذء وبين مبدأ السلطة المستمد منهاء وبين 
شهادة الإيمان. 

ما معنى يشهد و يعلمء (:0:016556) إجمالا؟ وما هو المأزق المدمر خلف 
هذا السؤال»فيما يخص العمل ويخص الحرفة (أهى احترافاءام استاذية أم لا؟) 
بالنسبة لجامعة الغدا وللعلوم الإنسانية داخل الجامعة؟ يشهد ويعلم:ء701655م هذه 
الكلمة ذات الأصل اللاتينى 51013 5ناو5ء 1‏ 0201146707 أ 0زم طعبرع 
07 تعنى يتكلم .ومنها تشتق الحكاية الخرافية 18116 وبالتالى فهى مرتبطة 
بمعنى "وكأن ". كما أن الكلمة تعنى أيضا التصريح بشكل علنى:المجاهره على 
الملا. مجاهرة من يعلم إنها إعلان أدائى بوجه ما. هذا التصريح ملزم كفعل إيمانى 
نقسم عليه؛ كيمين وشهادة وبيان وإقرار أو وعد أو التزام. إن التعليم هو أن نعطى 
عهدا ضالعين فيه بمسئوليتنا. وإن الشهادة ب.. هى التعبير بصوت عال عن 
كينونتناء عما نعتقد.ءوعما نريد أن نكون عليه» وفى نفس الوقت نطالب الآخر بان 
يصدق على هذا الإعلان» وأن يثق بمجرد الكلام وهنا أشدد على هذه القيمة الأدائية 
لهذه المجاهرة التى تشهد وهى تتعهد. إن العبارات التقريرية وخطاب المعرفة 
الخالصة. لا ينتمى بوصفه كذلك- إلى مفهوم المهنة بمعناها الضيق, ولكنه قد ينتمى 
إلى مفهوم الحرفة-رء:)6:: (كفاءة.ومعرفة.ومهارة). ذلك لأن خطاب المهنة هو 


216 


دائماء بصورة أو بأخرىء؛ شهادة إيمان حرة, أنه يتجاوز المعرفة التقنية العلمية 
الخالصة عن طريق الالتزام بالمسنولية. التعليم والشهادة هو الالتزام مع الإعلان» 
مع التفانىء مع الوعد بأن نكون هذا وذاك؛ ليس بالضرورة أن نكون هذا أو ذاك 
فقط؛ ولا حتى أن نكون خبراء أكفاءء ولكننا نعد بأن نكون, ونلتزم بكلمتنا. 
وعبارة عمع50156وم تسقتطمهدوانطم اللاتينية تعنى الشهادة على تعليم 
الفلسقة.وهذا يعنى ألا يكون المرء فيلسوفا فقط أو ممارسا ومدرسا للفلسفة:وإنما 
عليه أن يلتزم بوعد بأن يتفانى أمام الجميع وأن يهب نفسه للفلسفة. وأن يشهد. بل 
حتى أن يقاتل من أجلها. هذا الالتزام بالمسئولية لا يقبل الاختزال لا إلى النظرية ولا 
إلى التطبيق. إن التعليم يتمثل دانما فى كلام أدانى حتى إذا بقيت 
المعرفة.والموضوع, والمحتوىء الذى نعلمه؛ وندرسه أو نمارسه على مستوى 
نظرى أو تقريرى. وبما أن فعل التعليم هو الكلام؛ وبما أن الحدث الذى يمثله أو 
ينتجه لا يقوم إلا على هذا الوعد اللغوي, فإن قرابته للحكاية وللخرافة وللخيال ول" 
وكان" ستكون دائما مهيبة. ش 
ما العلاقة بين الشهادة والعمل؟ فى الجامعة؟ وفى العلوم الإنسانية؟ 

منذ العبارة الأولى فى هذه المحاضرة بقولى "وكان نهاية العمل كانت فى 
أصل العالم "ولكن ما هو العمل7 متى وأين يحدث العمل؟ أين موقعه؟ فلنتذكر- فى 
هذا الصدد ‏ ملمحين على الأقل يرتبطان بالجامعة. العمل ليس هو فقط الفعل أو 
الممارسة. إذ يمكن لنا أن نفعل دون أن نعمل .وليس أكيدا أن الممارسةو1ه:م 
وعلى الأخص الممارسة النظرية؛ تمثل عملأ بالمعنى الدقيق ولاسيما أن أى 
شخص يعمل لا ينطبق عليه بالضرورة اسم الغامل ومكانته. فالعامل أو الذات الدتى 
تعملء والذى ينفذ العملية وداعغ+28:ع00 لا نسميه دائمآ عاملا (405هوط18). 
وهكذا يبدو أن المعنى يتم تعديله من خلال الانتقال من الفعل إلى الاسم: ولا يكون 
عمل من يعمل بشكل عام ودائما عمل كدح؛ وكذلك يكون الحال فى الجامعة. فمن 
بين من يفترض فيهما بصورة أو باخرى, انهم يعملون بالجامعة (مدرسينء أو 
إداريين“باحثين طلاب) فإن بعضهم ولا سيما الطلاب.بصفتهم هذه. ممن يطلق 
عليهم لقب "عمال " بما أنه لايوجد أجر (2267©5) يتقاضونه بصورة منتظمة 
فى مقابل عملهم؛ عملهم ليس كسلعة لها ثمن فى السوق بوصفها نشاط حرفى أو 


217 


مهنى. ولا تكفى منحة دراسية لإحراز ذلك. وقد يعمل الطالب كثيراءلكن ينظر إليه 
كعامل إلا بشرط أن يكون عمله هذ! سلعة فى السوق أو أن يقوم فضلا على ذلك 
بأداء مهمه ما على سبيل المثال. وبما أن الطالب يدرسء ولا شئ أكثر من ذلك فإنه 
حتى لو بذل جهدأ كبيراء فى هذا الاطار فلن ينظر إليه كعامل. فالعامل هو شخص 
نعترف بعمله كحرفة أو كمهنة لها ثمن فى السوق. ومثل هذه الدلالات الاجتماعية 
راسخة. كما تعرفون. فى تاريخ اجتماعى- ايديولوجى طويل يرجع على الأقل إلى 
العصور الوسطى المسيحية. يمكن إذن للمرء أن يعمل كشيرا دون أن يكون عاملا 
معترفا به بصفته هذه فى المجتمع. 

وهناك تمييز آخر مهم من تعريف العمل وهو أنه من الممكن أن نعمل كثيراء 
وحتى أن نعمل كشيرا بوصفنا عمالء دون أن يكون تاثير او ناتج العم ل(ذروة 
العملية) معترفأ به كعمل؛ وهذه المرة لاانجد العمل بمعنى النشاط المنتج: ولكن 
بمعنى المنتج أو العملع71٠داع0‏ أو الشئ الذى يبقى بعد إنتهاء زمن العمل. وغالبآ 
مانجد صعوبة فى تحديد وتعيين منتج أعمال شاقة جدا يقوم بها العاملون الذين لا 
غنى عنهما » والذين لاايلقون من المجتمع معاملة حسنة؛ وهم العمال الذي يعملون 
فى الخفاء أيضا (مثل من يعتنون بالنظافة فى المدنءأو الذين ينظمون حركة المرور 
الجوىء ويشكل عام هم العمال المسئولون عن أعمال الوساطة والانتقالات» هى 
أعمال لا يبقى منها أى أثر سوى أثر افتراضىء وهذا مجال شاسع وفى نمو متزايد). 
هناك إذن عمال لا يترتب على عملهم- وحتى وإن كان عملا منتجا- وجود منتجات 
مادية أو راهنة وإنما أشباح افتراضية فقط. ولكن إذا ما ترتب على العمل منتجات 
حاضرة فعلية أو قابلة لأن تكون كذلكء: فينبغى أن ندخل تمييزا جوهريآً بين التنوع 
الهائل للمنتجات وأنماطهاء ويين كل الأشكال المادية والمثالية التى يمكن نسخها 
وإعادة انتاجها او بين " القيم " الاستعمالية والتبادلية. لها. إلخ. فقد ينظر إلى 
بعض منتجات هذا التنوع فى العمل بوصفها قيم استعمالية أو تبادلية قابلة للتحول 
إلى موضوعات دون أن تستحق اسم الأعمالوع::ع 7ع و(ولا استطيع أن أقول هذه 
الكلمة إلا بالفرنسية) وأعتقد أنه يمكن أن نعزى لبعض الأعمال أسسم ونع اقاع0. 1 
حيث أن امتلاك هذه الأعمال وارتباطهاء بالعمل الحر أو المأجورء وبالتوقيع أو 
بسلطة المنتج او بالسوق؛ هى مسألة معقدة ج دآ ولن أقوم بتحليلها هنا. وأول ما 


218 


يخطر على البال كامثلة على هذه الأعمال هى الأعمال الفنية (المرنئية أو الموسيقية 
أو الخطابية؛ لوحة؛ كونشرتوء قصيدة؛ روا ية). ولكن علينا أن نوسع هذا الحقل؛ 
فى ذات اللحظة التى نستفهم فيها عن لغز مفهوم العمل والتى نحاول فيها أيضاً أن 
نبين النمط الخاص بالعمل الجامعى » ولاسيما فى مجال العلوم الإنسانية. إذ أننا فى 
هذه العلوم نتعامل مع أعمال هى بلا شك أعمال فنية.فن خطابى أم لا؟؛ شرعى أم لا. 
أدبى أم لاء ولكن من حيث المبدأ تتعلق معالجة الأعمال فى التقليد الأكاديمى بمعرفة 
لا تشكل بذاتها عملا ماوعمرع؟ ٠ناع0,‏ 

وتعتبر الشهادة بالتعليم ومن يقوم بها فى إطار هذا التراث التقليد الذى 
يتعرض بالفعل لتغيرات شتى فى الوقت الراهن:؛ انتاجا" وتدريسا للمعرفة مع 
الشهادة بذلك. أى تعهدا بتحمل مسؤولية لا يقتصر على فعل المعرفه أو التدريس. 
ولكنه يشمل أيضا القدرة على التعليم أو تعليم المعرفة أر حتى إنتاج معرفة. وفى 
إطار التراث الكلاسيكى والحديث لا تعتبر الشهادة بالتعليم انتاجآ لأعمال. فالاستاذ 
بصفته هذه لا يوقع عملا. إن سلطته فى التعليم ليست هى سلطة مؤلف عمل معين. 
وربما يكون هذا هو ما يتعرض للتغيير منذ بضعة عقود من حيث المبداء فإذ ما 
رجعنا إلى الحالة القانونية لبعض التمييزات؛ وإذا وثقّنا بالتمميز الضخم بين الأدانى 
والتقديرى فقد نستنتج الآتي: ش 

١ .‏ كل عمل أو كدح (العمل بشكل عام أو عمل العامل) ليس بالضرورة 
أدائياءأى أنه لا ينتج حدثاء إنه لا يصنع هذا الحدث» وهو ليس حدثا فى ذاتها أنه لا 
يتكون من الحدث الذى نتكلم عنه؛, حتى وإن كان منتجاءوحتى لو ترك منتجآ 
وراءهءسواء أكان عملا أم لا. 


"- كل ما هو أدائى ينتج- بلا شك- شينا ماءبلا شك ويؤدى حدث ماء ولكن ما 
يعمله؛ وما يعمل على حدوثه ليس بالضرورة عملا » وينبغى أن يكون هذا الكدح - 
ودائما إلى حدوث حدث حاصلا على تصريح ما من مجموعة من الأعراف أو 
الأعراف الخيالية والتى تخضع لسلطة. المتفق عليها "وكأن" التئ ترتكز عليها 
جماعة مؤسسية ما وتتفق حولها. ْ 


219 


"- يعزى إلى التعريف التقليدى للجامعة مهمة الحفاظ على حيز مطابق لهذا 
التعريف , أى لمكان لايحل محله شئء مكان راسخ على الأرض يضع حدا لقابلية 
الأماكن لأن يحل بعضها بعضاء ولأن تتبدل فى (الفضاء المعلوماتى). فى هذا الحين: 
الأوحدء لا تتاح مساحة إلا لإنتاج وتعليم المعرفة؛ أى للمعارف التى لاا يكون شكل 
منطوقها بصفة مبدنية - أدائيا" وإنما نظريا تقريرياء حتى وإن كانت. موضوعات 
" هذه المعارف فى بعض الأحيان ذات طبيعة فلسفية؛ أخلاقية» سياسية. توجيهية 
معيارية: قيمية» أو بديهية وحتى إذا كانت بنية موضوعات هذه المعرقة» ولو بشكل 
مربك بنية خيالية خاضعة لصيغة (وكان) (كالقصيدة؛ والرواية» والعمل الفنى بصفة 
عامة؛ أيضا كل ما تابع- بنية القول الأدائى- مثل النمط القانونى أو الدستورى ووفقا 
لتعريفها المتفق عليه لا ينتمى إلى الوصف الواقعى الراصد لما هو كائنا ولكنه ينتج 
عن الحدث انطلاقا من (وكأن) التى يمكن وصفها بأنها اتفاق يفترض أنه مبرم) فى 
الجامعة التقليدية. المطابقة لتعريفها الشائع؛ نمارس الدراسة ومعرفة الإمكانات 
المعيارية التوجيهية؛ والأدائية» والخيالية التى عددتها للتوء والتى أصبحت أكثر 
فأكثر موضوعا للعلوم الإنسانية. ولكن ينبغى لهذه الدراسة؛ ولهذه المعرفة ولهذا 
التعليم ولهذه العقيدة أن تنتمى إلى النظام النظرى والوصفى. ويمكن لفعل الشهادة 
بعقيدة ما أن يكون أدائياء ولكن العقيدة ذاتها ليست كذلك. من هنا نجد تحديدا اقول 
أنه يجب الاحتفاظ به وتغييره في آن» وباسلوب غير جدلي. 

عند هذه النقطة تتطرق إلينا بعض الأسئلة؛ التى لها صيغتان على الأقل حتى 


- 


الآن: 

أولا: إذا كان فى التقليد الاكاديمى الكلاسيكى والحديث؛ يعتبر الفعل الأدانى 
المعيارى والتوجيهى وبالأحرى إنتاج الأعمال 015:1[17/12125.» غريبآً عن حقل 
العمل الجامعى أو حتى غريبا عن العلوم الإنسانية» وعن تعليمهاء وعن نظراهما 
بالمعنى الدقيق للكلى لاء وعن عناصرها النظرية وتخصصتها ومذاهبها 
(1.511112)» إذون فماذا تعنى "لشهادة بالتعليم"'؟ وما هو الفارق بين الحرفبة 
والمهنة؟, ثم ما هو الفرق بين مهنة الأستاذ وأية مهنة أخرى؟ وما هو الفارق بين 
مختلف أنماط السلطة المعترف بها لكل من الحرفة والمهنة ومهنة الأستاذ؟. 

ثانيا: أثلمة شئ قد حدث لهذه الجامعة التقليدية والحديئة ولهذه العلسوم 


220 


الإنسانية؟ أيلوح فى الأفق شئ ما؟ وهل يحدث شىئ ما الآن »أو حتى يعد بالحدوث, 
ويمكن له أن يقلب هذه التعريفات؟ شم أيمكن أن يؤدى هذا القلب للتعريفات إلبى 
تحول من نوع ما لجوهر الجامعة؟ وبالتالى تحول في مستقبل العلوم الإنسانية؟ أم 
أن مثل هذا القلب والتغير يتمثل فى بيان أن جوهر الجامعة فى غمار الانقلابة 
الجارية يبدو غير متسق مع هذه التعريفات التقليدية اوالتى هى رغم كل شئئ تبدو 
بديهية غير قابلة للنقاش؟ ماذا يحدث عندما ناأخذ فى الحسبان القيمة الأدائية 
للمهنة؛ وبالتالى نقبل أيضا أن ينتج الأستاذ أعمالا وع:0056» وليس مجرد 
معارف. أو ما قبل معارف؟ ش 

وحتى نصل إلى تعريف لهذا النوع من الفعل الأدانى الخاص الذى هو فعل 
(الشهادة بالتعليم)؛ ومن بعد نصل إلى فعل الشهادة للأستاذءثم أخيراء نصل إلى فعل 
شهادة أستان العلوم الإنسانية.ينبغي لناء حتى نصل إلى كل ذلك أن ننضى قدما في 
تحليلنا للفروق بين الحركة: والفعل , والإنتاج؛ والعمل »بصفة عاسة وبين عمل 
العامل بصفة خاصة. 

ولنعد لبرهة إلى العبارة الملتبسة التى ذكرتها من قبل وهى نهاية العمل» 
فهى عبارة تعنى: التوقف والموت؛ وآخر النشاط الذى يسمى بالعمل. ويمكن لها 
أيضا أن تعنى الغاية» والهدف, والناتج أو العمل وكما قلنا من قبل فإن كل فعل. وكل 
نشاط ليس عملا. وأن العمل لا يختزل فى ممارسة الفعل؛ وبنفس القدر لا يختزل إلى 
مجرد إنتاج منتج ماء حتى لو ربطنا فى الأغلب- وعن خلطء هذه المفاهيم الثلاشة 
بعضها ببعض. فنحن نعرف اليوم أكثر من أى وقت مضى أن زيادة الانتاج يمكن أن 
ترتبط بنقص العملء إذ يمكن لطاقة العمل الافتراضية- وقد كانت كذلك منذ الآزل 
وصارت كذلك اليوم بشكل أكبر- أن تؤدى إلى تعقيد لا نهائى لهذا التناسب بين 
الإنتاج والعمل. 

غير أن خبرتنا بما نسميه العمل تشير أيضآ إلى سلبية مؤشر ما: يمكن أن 
يكون فى 
بعض الأحيان هو الألم أو حتى التعذيب من جراء عقاب ما. اليس العمل أداة 
للتعذيب؟ إذا ما شددت على هذه الصورة المؤلمة للعمل بوصفه عقابااو تكفيرا 


221 


واستغفاراآ. فليس ذلك للتصديق على الميراث التوراتى "سوف تأكل خبزا بعرق 
الجبين". ولكننى أشدد على هذه 
الصورة من أجل أن نتساعل معا عن ظاهرتين أرانى اليوم ميالا لأن أضمهما فى 
سؤال واحد, لماذا نشاهد فى كل مكان فى العالم مشاهد للتوبة والتكفيز (يوجد اليوم 
عولمة مسرحية للاعتراف. والتى يمكن أن نذكر أمثلة عديدة عليها) ومن ناحية 
أخرى لماذا نشهد تزايدا لأنواع الخطاب التى تدور حول نهاية العمل؟ 

إن العمل يستخدم جسدا حيا ويحدده؛ إنه يبخصص له حيزا معينا مستقراء 
حتى وإن 
قيل عن هذا العمل أنه "غير يدوى"أو"ذهنى"أو"افتراضى". يفترض العمل- إذن- 
حيزا من الانفعال» ويفترض عاطفة ما بقدر ما يفترض نشاطا منتجا. من ناحية 
أخرى يجب علينا أيضا أن نميز بين العمل الاجتماعى بصفة عامة؛ وبين الحرفة أو 
المهنة. فكل عمل لا ينتظم بحسب تجمع ما للحرف , أو بحسب كفاءة ما شرعية 
ومعترف بها. حتى وإن أطلق على "الحرف" التى تنتظم بشكل ماتحت اسم 
"الحرفة ",وفقا لمؤسسات شرعية ونقابات حرفية» اسم "المهنة" بسهولة. على 
الأقل فى إطار اللغات ذات الإرث اللاتينى. وحتى وإن لم يكن هذا مستحيلا ! فإننا لا 
نتحدث بسهولة عن مهنة عامل زراعى موسمى أو قسيس أو ملاكم بما أن درايتهم 
وكفاءتهم ونشاطهم لاايفرض عليهم الاستمرار ولا المسئولية الاجتماعية المعترف 
بها فى مجتمع- هو من حيث المبدأ علمانى- يقتضى من شخص ممارس "لمهنة" 
ماء أن يلتزم طواعية بإنجاز واجب ما. سوف نتحدث- إذن- في يسرء وبامتياز عن 
مهنة الطبيب.المحامى:المعلم كما لو كانت المهنة الأكثر ارتباطا بفنون النشاط الحر 
وليس الأعمال الماجورة التي تقتضى مسنولية معلنة في حرية:؛ أو مسنولية هي 
أشبه؛ ما تكون بعهدء باختصار مسئولية مشهود بها هي المهنة. 

فى المعجم الخاص "بالشهادة, التعليم ,و0105 م" سوف لا أشدد على 
السلطة والكفاءة المفترضة؛. وضمان المهنة:أو الأستاذ. بقدر ما أشدد على الالتزام 
الذى يتعهد بها وعلى الإعلان عن المسئولية. "وكأن:- التى قلتها فى بداية حديشى- 
نهاية العمل كانت فى أصل العالم ". أقول بالفعل " 


222 


وكان " العالم يبدأ حيث ينتهى العمل» وكأن عولمة العالم 25:0:206 014 وقد 
وجدت أفقها وأصلها معا فى اختفاء ما نسميه بالعمل: هذه الكلمة القديمة المحملة 
إلى حد الألم بالكثير من المعانى والتاريخ....الخ؛ كلها كلمات تعنى العمل الحقيقي 
والمؤثر وليس الافتراضي . ش ' 

إن تظاهرى بالبدء ب "وكان " فإنه لا يعنى أن نفسى فى إطار تخيل مستقبل 
ممكن ولافى إطار بعث تاريخى أو اسطورىءولا حتى فى إطار أصل أخبر به 
الوحى. ذلك أن بلاغة "'وكان" لا تتعلق لا بالخيال العلمى الخاص بمدينة فاضلة 
آتية (عالم بلا عمل). فى "نهاية بلانهاية" لراحة يوم سبت أبدية؛ أو نهار سبت لا 
يعقبه مساءه كما فى مدينة الله عند أغسطين. ولا إلى شعرية الحنين المغترب 
المتطلع صوب عصر ذهبى أو صوب فردوس أرضىءأو صوب هذه اللحظة من سفر 
التكوين التى هى سابقة على الخطيئة؛ والتى لم يكن عرق العمل فيها قد بدأ فى 
التدفق لا من جراء حرث الرجل أو مخاض المرأة. 

وبهذين التفسيرين ل"وكاأن": الخيال العلمىء: وتذكر مالا تعيه الذاكرة؛ 
سوف تصبح "وكان " بالفعل بداية للعالم» واستبعاد للعمل من الأصلء إذ لن يكون 
هناك عمل من قبل أو من بعد . سوف يبدو الأمر "وكأئه " لم يكن ثمة انسجام 
أصلى بين مفهوم العالم ومفهوم العملء وبالتالى لم يكن هناك ثمه اتفاق مسبق 
بينهماءأو تزامن ممكن. الخطيئة الأصلية قد أدخلت العمل إلى العالم؛ كذلك تعلن 
نهاية العمل عن المحصلة النهائية للتكفير ععن الخطينة. إن الهيكل المنطقى لهذه 
القضية المقترنة ب"وكأن" يتمثل فى أن العالم والعمل لا يمكن أن يتواجد معا. 
ينبغى الاختيار بين العالم والعمل. فى حين أنه بالنسبة للحس العام من الصعب 
تصور. عالم بدون عمل أو عمل لايكون من أجل العالم؛ أو فى العالم. إن العالم 
المسيحى؛ وتطويع القديس بولس لمفهوم الكون عند اليونان» شجعا ضمن العديد 
من المعانى المتداعية ‏ الدعوة للعمل كوسيلة للتكفير أو الاستغفار. إن 
مفهوم العمل زاخر بالمعنى والتاريخ والغموض . ومن الصعب أن نتفكره بعيدا عن 
الخير والشرء لأنه وإن كان دائما مرتبطا بالكرامة:؛ بالحياة؛ بالإنتاج, بالتاريخ 
بالخير. بالحرية؛ فإنه فى أغلب الأحيان قد يدل على الشر,الألم الشقاء 
الخطينة:العقاب العبودية. ولكن مفهوم العالم ليس أقل غموضا فى تاريخه 


223 


الأوروبىء اليونانى.اليهودى المسيحى .الإسلامى؛ إذ توزع مفهوم العالم بين العلم 
والفلسفة والإيمان » حتى أننا نطابق فى تعسف بين العالم والأرض. الأرص 
الإنسانية» سواء أكان هنا فى الدنياء أو هناك فى العالم السماوى »أو فى الكون 
باسره.. إلخ. من الصعب أن نثق فى كلمه "العالم" بدون أن نقدم تحليلات مسبقة 
وحذرة. خاصة إذا أرادنا أن نفكر فيه مع العمل؛ أو بدون العمل: عمل يتكوكب حول 
النشاطء واختراع التقنية من جهة»ء وحول السلبية» والشقاءء والعقاب والعاطفة من 
جهة ثانية. ومن هنا تنشا صعوبة إدراك معنى "وكان" التى بدأت بها حديفقى: 
"وكان" نهاية العمل كانت فى أصل العالم"؛ مرة أخرى, أفكر فى هذه الجملة باللغة 
الفرنسية . وأؤكد منذ هذه اللحظة أن كلمة "عولمة'' 220201211524102 فى اللغة 
الفرنسية تحدد مرجعية ما إلى هذا المفهوم للعالم المشحون بتاريخ دلالى كثيفا 
وبصفة خاصة التاريخ المسيحىء فالعالم كما ذكرنا للنتوء ليس الكونءولا الأرضن 
ولا الكرة الأرضية ولا الفضاء. ش 

فى اعتقادى أن "وكان " هذه لا ينبغى أن تشير لا إلى اليوتوبياء أو 
المستقبل. غير المحتمل للخيال العلمىءولا إلى الحلم بماضى سمحيق أو أسطورى. 
"وكان" هذه تاخذ فى اعتبارها موضوعين شائعين اليوم لتضعهما تحت الاختبار: 
فمن جانب, كثيرا ما نتحدث عن نهاية العمل ومن جانب آخرء فإننا كشيرأ ما نتحدث 
عن عولمة العالم» عن صيرورة عالمية للعالم. ونريط دائما الواحد بالآخر. 


سوف استعير عبارة " نهاية العمل " من عنوان الكتاب الصادر حديثا والذى 
ذاعت شهرته وهو كتاب "نهاية العمل . وزوال قوة العمل الكونية وميلاد عصر 
مابعد السوق ) للكاتب الأمريكى جيرمى ريفكينا والكتاب يضم نوعا" من الترنيمة 
الشانعة فيما يختص بالموضوع الذى يطلق عليه المفكرون "الثورة الصناعية 
الثالثة". هذه الثورة سوف تكون قادره كما يرى ريفكين علي ان يخدم الخير كما 
تخدم الشر". وذلك "عندما تصبح تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة قادرة- 
بدون اكتراث- على تحرير الحضارة وعلى زعزعة استقرارها "17). لا أعرف إذا 
كان حقيقأ ما يزعمه ريفكين من أننا داخلون فى "حقبة جديدة من تاريخ العالم " 
"تقل فيها مع مرور الزمن الحاجة إلى العمال من أجل إنتاج المنافع والخدمات 
الموجهة لسكان الكوكب ". ويضيف ريفيكن: إن نهاية العمل وهى عبارة يختارها 


224 


عنوانا لكتابه- تتوجه نحو التجديدات التكنولوجية وإلى النزعة الاقتصادية التى 
تدفعنا إلى مشارف عالم بلا عمال أو إلى شبه ذلك (0'". 

وحتى نعرف إذا ما كانت هذه العبارات "صادقة" حرفيا", ينبغى لنا أن نتفق 
على معنى كل من هذه الكلمات (نهاية.تاريخ»عالم,عملءإنتاج.منافع»الغ) سواء 
تبنينا المقدمات والنتائج التى يطرحها ريفكين أم لاء علينا أن نعترف على الأقل بأن 
ثمة شئ خطير يحدث الآن بالنسبة لما نسميه بالعمل. العمل الاتصال؛ والعمل 
الافتراضى وما نسميه "بالعالم ": ومن ثم الموجود فى العالم وهو ذلك الذى مازلنا 
نسميه بالإنسان. ينبغى علينا أيضا أن نقبل بان هذا يتوقف على تحول جذرى تقنى 
علمى- فى عالم التحكم الآلى ١وعالإع21006‏ وفى عالم شبكة الأنترنت والبريد 
الالكترونى 3211:-17والتليفون ا لمحمول- تحول يؤشر على العمل الاتصالى و على 
افتراضية العمل.وفى ذات الوقت يؤثر فى توصيل المعرفة وأيضا يؤثر فى كل ما 
يوضع موضع المشترك العام.وفى"جماعة" وخبرة المكان والحدوث؛ والناتج 
والحدث. وا لعمل 1726اع0: 

هذه الإشكالية المسماة"نهاية العمل"لم تكن غائبة تمامآ عن بععض نصوص 
ماركس أولينين» فهذا الأخيرء قد ربط التقليل التدريجى لساعات العمل اليومسى 
بعملية تؤدى إلى الزوال التام للدولة 7''". أما ريفكين فهو يرى أن الشورة 
التكنولوجية الثالثة الجارية الآن هى تحول مطلق. إن الثورتين الأولى والثانية2 
ثورة البخار والفحم» الصلب والنسيج (فى القرن التاسع عشر) شم شورة الكهرباء 
والبترول والسياراتء كلتاهما لم تؤثر بشكل جذرى تاريخ العمل. لأن كلتيهما كانت 
تهيأ فى كل مرة قطاعا لم تكن الآلة قد اخترقته بعد. وكان العمل الإنسانى غير 
الآلى؛ والذى لاايمكن تعويضه بالآلة؛ كان ما يزال متاحا. بعد هاتين الثورتين 
التقنينتين جاءت ثورتنا الثالثة: ثورة الفضاء المعلوماتى والمعلوماتية الدقيقة 
والخدمات الآلية هنا لا يوجد قطاع رابع لتشغيل العاطلين عن العمل. إن تشبع العالم 
بالآلأت يعلن نهاية العامل وبالتالي نهاية معينة للعمل. وكتاب ريفكين: يفسح 
موضعاآ خاصأ للمعلمين, وبشكل عام لما يسميه "بقطاع المعرفة" وسط التحولات 
الحاصلة. ففى الماضى. عندما كانت التكنولوجيا تحل محل العمال فى هذا القطاع أو 
ذاك؛ كانت هناك مجالات جديدة تظهر لاستيعاب هولاء الذين فقدوا عملهم. 


225 


ولكن اليوم وقطاعات الزراعة والصناعة والخدمات تدفع بملايين الأشخاص 
إلى البطالة بسبب التقدم التكنولوجى: تصبح الفئة الوحيدة من العمال التى أمنت 
سوء العاقبة هى الفنئة المرتبطة بالمعرفة » أى نخبة المبتكرين الصناعيين» من 
العلماءء الفنيين وخبراء المعلومات؛ والمعلمين إلخ '''2 ولكن هذه المساحة ستظل 
ضيقة» عاجزة عن استيعاب جمهور العاطلين: وهذا هو التفرد الخطير لعصرنا. 

لن أتناول الاعتراضات التى يمكن توجيهها إلى هذه الأنواع من الخطاب فى 
عموميتهاء وإذا كان على أن اتعرض لها ء فسوف أحاول أن أميز من ناحية 
الظواهر الضخمة والتى يندر أن تكون موضوعا للتشكك. والتى تسجلها هذه 
الكلمات ومن ناحية ثانية؛ ساميز الاستخدام الذى نمارسه لهذه الكلمات بدون مفهوم 
محدد. بالفعل يحدث شئ ما لواقع.العمل فى هذا القرن؛ العمل النشط أو الفعلى؛ ما 
يحدث هنا هو فى الواقع اثر العلم التكنولوجي مع الافتراضية والتصدع المعولم 
للعمل الاتصالى. إن ما يحدث يفاقم بالفعل النزوع لتقليل زمن العمل؛ كعمل فى زمن 
واقعى ومحدد فى نفس مكان جسد العامل. كل هذا يؤثر فى العمل وصيغه التقليدية 
التى ورثناهاء ويؤشر فى الخبرة الجديدة للحدود بين المجالات» فى الاتصال 
الافتراضى للسرعة وامتداد المعلومات. 

هذا التطور يسير فى نفس اتجاه العولمة» وهذا امر معروف. ولكن هذه 
المؤشراث تبقى جزئية ومتنافرة وغير متكافئة فى تطورها , إنها تستدعى تحليلاً 
دقيقأ كما تحتاج بالتأكيد لمفاهيم جديدة. كما أن هذه المؤشراتء والاستخدام 
الدوجماطيقى لها , أو كما يقول أخرون التضخم الايديولوجى لهاء أو المبالغة 
البلاغية والتى هى فى الغالب ضبابية» تجعلنا نستسلم لهذه الكلمات " نهاية العمل 
" و" العولمة ". 

هناك فجوة , هذه الفجوة لا أود ود الجسور بين قطبيهاء واعتقد أنه يجب نقد 
من يتناسونها. لأنهم يحاولون بذلك أن ينسوا مناطق من العالم والسكانء والأمم 
والجماعات والطبقات , والأفراد الذين هم ضحايا كثيرون مستبعدون من هذه 
الحركة المسماة " نهاية العمل " و "العولمة". هؤلاء الصحايا يعانونء إما لأنهم 
لا يجدون العمل الذى يحتاجون إليه؛ وإما لأنهم يعملون كثيرا » من أجل أجر زهيد 
يتقاضونه فى عملية التبادل داخل سوق عالمى يتسم بعدم التكافؤ البين. 

226 


هذا الوضع الرأسمالي1)21154106م2ع(حيث يلعب الرأسمال نور1 أساسيآ 
بين الواقعى والافتراضى) هو وضع مأساوى بالنظر إلى الأرقام المجردة؛ وضع لم 
يعرف تاريخ الإنسانية مثيلا له. هذه الإنسانية لم تكن يوما" بعيدة عن التجائس 
المعولم مثلما هو حالها الآنا بعيدة عن " العمل " وعن '" اللاعمل " اللذين ينسبان 
إلى هذه العولمة. إن قطاعا كبيرا من الإنسانية "بلا عمل "' فى حين أنه يريد 
"العمل ". بل مزيدآ من العمل وقطاع آخر يعمل اكثر من اللازم. ويرغب فى عمل 
أقل ٠١‏ إن لم يكن يرغب فى التخلص من عمل ذى أجر بخس فى السوق. 

هذا التاريخ كان قد بدأ منذ وقت طويل؛ وتشابك مع التاريخ الواقعى والدلالى 
"للحرفة" و "المهنة". ويعي ريفكين بالماساة التي يمكن أن تفتحها "نهاية 
العمل" هذه؛ التي لن يكون لها معنى "راحة السبت" أو "الأحد" الشى نجدها فى 
مدينة الله الأوغسطينية. ولكن ريفكين عندما أراد استخلاص النتائج الأخلاقية 
والسياسية , وعندما أراد تحديد المسئولية التى يجب القيام بها فى مواجهة " 
العواصف التكنولوجية التى تتراكم فى الأفق. وفى مواجهة "حقبة جديدة مسن 
العولمة والآلية". عاد بنا- وأنا أعتقد أن هذا ليس مجانيا ولا مقبولآ بدون فحص 
إلى لغة مسيحية عن "الأخوة " والفضائل "التى يصعب جعلها آلية ". وإلى " 
المعنى الجديد للحياة"'و"قيامة"قطاع الخدمات, و"بعث الروح الإنسانى". بل أن 
ريفكين يطمع إلى أشكال أخرى من الصدقة.مثل "دفع"مرتب افتراضى" 
للمتطوعين؛ وضرائب مبيعات على منتجات وخدمات عصر التكنولوجيا الرفيعة 
المترفة (وان تستخدم هذه الأموال فى تمويل رواتب على سبيل المساعدة 
الاجتماعية للفقراء العاملين فى قطاع الخدمات). الخ 9'). 

إذا كان لدى الوقت لأ تابع معكم هذا الموضوع لكنت- قد أعطت اهتماماء أكبر 
مستلهما أعمال زميلى جاك لو جوف - الموضوع زمن العمل. ففى الفصل الذى 
يحمل عنوان " زمن العمل " فى كتابه "عصور وسطى أخرى". بين لو جوف 
كيف أن القرن الرابع عشر قد عرف المطالبة بزيادة العمل و المطالبة بتقليل زمن 
العمل أيضا. 

إن واحدة من المهام الملقاة على عاتق العلوم الإنسانية فى المستقبل 
ستكون هى معرفة تاريخها الخاص والتفكير فيه باستمرارا أو على الأقل؛ التفكيز 


227 


فى الاتجاهات التى رأينا أنها قد فتحت أمامنا فعل الشهادة» اللاهوتء وتاريخ العمل» 
والمعرفة.والإيمان بالمعرفة:ومسإلة الإنسان والعالم والخيال؛ والأدائى؛ وتعبير 
"وكان". والأدب" والعمل الفنى " إلخ. ثم كل المفاهيم التى ربطناها بكل هذه 
القضايا. هذه المهمة التفكيكية للعلوم الإنسانية المقبلة لن تقتصر على الحدود 
التقليدية لأقسام العلوم الإنسانية الموجودة حاليا. فعلى العلوم الإنسانية المقبلة أن 
تتعدى الحدود بين المجالات بدون أن يؤدى ذلك إلى ذوبان الخصوصية التى يتمتع 
بها كل مجالء فيما نطلق عليه غالبا وبطريقة ملتبسة "ما بين النوعية"ولا إلى 
إغراقها فى مفهوم يسرى على كل شئ ١‏ "الدراسات الثقافية " ولكنى اتصور تماما 
أنه ينبغى على أقسام علوم الجينات والعلوم الطبيعية والطب. وأيضا الرياضيات؛ أن 
تتعامل بجدية؛ مع هذه الأسئلة التى قمت بإثارتها وطرحها. ١‏ 
يجب الآن أن أتطرق على عجل إلى خلاصة حديثى بطريقة جافة وتلغرافية ٠‏ 
واضعا أمامكم سبعه أطروحاتء سبعه اقتراحات؛ أو سبعة شهادات بالإيمان» على 
أن تظل كلها نقاط برنامجية. ستة منها تنحصر قيمتها فى التذكير واستحضار ما 
سبق. والسابعة والتى لن تكون "راحة السبت " سوف تحاول التقدم خطوة على 
الستة نقاط السابقة نحو معيار للحدثء أو الحدوث؛ والذى لم أتكلم عنه بعد. بين 
هذه الأطروحات الستة الأولى. أو شهادات الإيمان - وبين الأطروحة السابعة 
والأخيرة» سوف نعيد نداعنا بالحاجة الملحة إلى قفزة تحملنا إلى ما وراء " وكان 
" الأدانية وسلطتهاء وأيضا بضرورة التمييز بين التقرير والأدانى: والتى أدعيت 
حتى هذه اللحظة أننى أثق فيه. ينبغى على كل العلوم الإنسانية فى المستقبل؛ فى كل 
الأقسام أن تدرس تاريخهاء وتاريخ المفاهيم؛ التى صاغتها وتؤسس للتخصصات 
العلمية المرتبطة بها. 
إن عملية التأسيس التى ينبغى لنا أن نحللهاءمثلها مثل كل عملية تأسيس لها قوة 
أدائية وتقوم بتشغيل " وكان " ما. 
لقد قلت لدوى أنه ينبغى أن "'ندرس " أو أن "نحلل ".. هل هناك حاجة لأن 
أحدد أن مثل هذه " الدراسات " وهذه " التحليلات ": وللأسباب التى سبقت 
الإشارة إليها ٠‏ لن تكون " نظرية " خالصة؟ وإنها سوف تقضى بالتوجه صوب 


228 


تحولات عملية أدائية» وأنها لن تمنع إنتاج الأعمال المتفردة. وسوف أعطى لهذه 
الحقول إذن ستة » ثم سبعة عنا وين دون استبعاد ما بينها من تفاعل خصب. 

١‏ هذه العلوم الإنسانية الجديدة سوف تتناول تاريخ الإنسان.وتاريخ فكرته. 
وصورته؛: و"ماهو مميز له " (وستتناول سلسلة لا تنتهي من التناقضات التي تحدد 
ماهية الإنسان وخصوصا التناقض التقليدى بينه وبين الكائن الحى الذى يقال عنه 
أنه حيواني. وسوف أجرؤ على الزعم- دون ان أتمكن من التدليل هنا بان أى من 
المفاهيم التقليدية "لما يميز الإنسان'"'»؛ وبالتالى كل ما نضعه كنقيض له لا يمكن أن 
يصمد أمام تحليل علمي وتفكيكي مناسب. 

سوف يكون الخيط الموجه هنا هو تسليط الضوء على القوى الأدائية 
القانونية كمشكلة وليس تحطيم أسسها. تلك القوى التى حددت إيقاع التاريخ الحديث 
لإنسانية الإنسان. ويتبادر إلى ذهنى الآن التاريخ الثرى لاثنين من أنماط الخطاب 
الأدائى القانونى: الأول إعلان حقوق الإنسان وحقوق المرأة.(لأن قضية الفروق 
الجنسية ليست ثانوية أو عارضة هناء ونحن نعلم أن هذه الإعلانات المتعددة لحقوق 
الإنسان قد تم تطويرها وإثرائها دائما على مدى تاريخها من ١/89‏ وحتى 44/8 
.١‏ وبعد ذلك أيضأ: إن صورة الإنسان حيوانا واعداء حيوانا قادرا على الوعد , كما 
قال نيتشه؛ تبقى رهن المستقبل)» الثانى مفهوم "الجريمة ضد الإنسانية". والذى 
منذ ما بعد الحرب العالمية قد غير الحقل الجيو- بولتيكى (الجغرافى- السياسى) 
للقانون الدولىء وسوف يغيره أكثر فأكثرء موجهاء يبصفة خاصة:؛ فى ساحة 
الأعتراف الدولى" علاقتنا بالماضي التاريخي. إذا سوف تعالج العلوم الإنسانية 
الجديدة ٠‏ هذه المنتجات الأدائية للقانون (حقوق الإنسان» مفهوم الجريمة ضد 
الإنسان) هنا حيث تتضمن دائما الوعد. تخلق الوعد, والاتفاق حول.ء"وكان". 

١‏ - سوف تتناول هذه العلوم الإنسانية الجديدة تاريخ الديمقراطية وتاريخ 
فكرة السيادة.وهذا يعنى ايضاء وبالتاكيد تاريخ الشروط؛ أو بالأحرى حالة غياب 
الشرط؛ والتى نفترض (ها هى "وكان " تعود ثانية) أن الجامعة أو العلوم الإنسانية 
تحيا بمقتضاها. إن تفكيك مفهوم السيادة هذا لن يمس فقط القانون الدولي:وحدود 
الدولة القومية وسيادتها المزعومة.ولكنه سيمس أيضا استخدامنا لهذه العناصر فى 
مختلف أنواع الخطاب القانونى- السياسى والتى تتعلق بالعلاقات بين الرجل 


229 


والمرأة. هذا المفهوم للسيادة كان يحتل مؤخرا مركز السجالات التى تم التعرض لها 
ومعالجتها بشكل بالغ السوء فى بلادى فيما يتعلق بموضوع (مشاركة ) الرجال 
والنساء فى الوصول إلى الدورات الانتخابية. 

؟- سوف تتناول هذه العلوم الإنسانية الجديده تاريخ "التعليم والشهادة"' 
و "المهنة"0155105م وا لأستاذية7015510م »وهو تاريخ مرتبط بالمقدمات 
والافتراضات (ولاسيما الابراهيمية منها والتوارتية وقبل كل شئ المسيحية) بالعمل 
والاعتراف المعولم؛ هناك حيث يتجاوز هذا التاريخ سيادة رئيس الدولة؛ والدولة 
القومية» وحتى سيادة "الشعب" فى الديمقراطية. كيف نفصل الديمقراطية عن 
المواطنة وعن الدولة. 
القومية وعن الفكرة اللاهوتية فى السيادة وحتى سيادة الشعب؟ وهنا أيضا سواء 
تعلق الأمر بالمهنة أو بالاعتراف ٠‏ فالبنية الأدانية ل"وكان" هى التي تكون فى 
موقع العمل. 

؛- سوف تتناول هذه العلوم الإنسانية الجديدة تاريخ الأدب. ليس فقط ما 
نطلق عليه بشكل شائع تاريخ الأدب: أو الأدب فى حد ذاته بما فيه السؤال الكبير من 
مقوماته 022025(وهى الموضوعات التقليدية والمسلم بها من قبل العلوم 
الإنسانية الكلاسيكية)»ولكنها تعالج تاريخ مفهوم الأدب؛ والمؤسسة الحديثة التى 
يطلق عليها الأدب وروابطها مع الخيال والقوة الأدانية ل"وكأن". كما تعالج مفهوم 
الأدب عن العمل ع« ناعمو عن المؤلفء, والتوقيع واللغة القومية.وعن صلته بالحق 
فى قول كل شئ والحق فى كتمان السر الذى يؤسس كلا من الديمقراطية وفكرة 
السيادة غير المشروطة التى تطالب بها الجامعة؛ ومن خلالها ما نسميه بالعلوم 
الإنسانية داخل الأقسام المعنية وخارجها. 

5 سوف تتناول هذه العلوم الإنسانية الجديدة تاريخ المهنة؛ وشهادة 
الإيمان»ء والاحتراف 1:015510221152108م والأستاذية. والخيط الموجه لكل 
هذا يمكن أن يكون اليوم هو ما يترتب على شهادة الإيمان» شهادة إيمان الأستاذ؛ 
من وجود لأعمال متفردة واستراتيجيات أخرى ل"وكأن"» والتى هى أحداث تؤثر 
على حدود الحقل الأكاديمى أو العلوم الإنسائية. نحن نشهد نهاية صيغة ما للأستاذ 


230 


ولسلطته المفترضة:.ولكنني أؤمن بضرورة الأستاذية. 

١‏ وأخيرا سوف تتناول هذه العلوم الإنسانية.ولكن من خلال عملية قلبٍ 
متامل شديدة العواقب.هي نقدية وتفكيكية فى آن: تعالج تاريخ "'وكاأن". وفوق كل 
شئ تاريخ هذا التمييز بين الأفعال الأدائية والأفعال التقريرية التى بدت لا غنى عنها 
حتى الآن. ينبغى دراسة تاريخ وحدود هذا التمييز الحاسم الذى استندت عليه 
وكأننى أؤمن به بلا تحفظ حتى الآن» وكأننى اعتبره جديرا بأن يعول عليها. هذا 
الأعمال التفكيكية لا تتعلق فقط بالعمل ع872,,ء والمبتكر والعبقرى لأوستن 2105012 
ولكن تتعلق أيضا بإسهامها منذ ما يقرب من نصف قرن فى العلوم الإنسانية.. 
- فى النقطة السابعة والتى ليست هى اليوم السابع؛ أصل الأنء أو بالأحرى؛ أسمح 
ربما بوصول هذا الذى فى النهاية بوصوله وبحدوثه وباتخاذه موقعاء يحدث ثورة 
فى السلطة ولقلبها ويخرج بها عن طريقها. هذه السلطة التى نقرنها فى الجامعة 
وفى العلوم الإنسانية 
بالآتى: 

-١‏ بالمعرفة (أو على الأقل بنموذج اللغة التقريرية لديها). 
" - بالمهنة2:0155102:م أو بشهادة الإيمان 101 06 و5 01 »مرو على الأقل 

بنموذج اللغة الأدائية لديها). 
"'- بالتنفيذ؛ وعلى الأقل بالتنفيذ الأدائي ل"وكان". 

ما يحدث؛ مايقع ٠‏ مايطرأ بوجه عاما ما نسميه الحدث؛ ماهو؟ أيمكننا أن 
نطرح هذا السؤال؟ هذا ليس فقط جديرا بأن يفاجئ النمط التقريرى للغة المعرفة 
(س) هى (ب). ولكنه لم يعد يقبل أن يخضع للخطاب الأدانى لشخص ما. إذا كان فسى 
استطاعتى أن أنتج وأحدد حدثا بواسطة عمل أدائى يكون مثل كل ما هو أدائى, 
مقبول بواسطة أعراف. وخيالات مشروعة.وب'"وكأن" ماء فإن ذلك لايدفعنى 
مطلقا لأن أقول أنه ما من شئ يحدث أو يقع ولكن ما يقع وما يحدث أو ما يحدث لى 
يبقى قابلا للتحكم والبرمجة فى أفق من التوقع والفهم المسبقء؛ أى داخل أفق 
محددة. إنه يظل فى إطار الممكن القابل للتحكم؛ وتوظيف ما هو ممكن أصلا. 


231 


إذا إنعدمت المفاجأة, لا إنعدم الحدث بالمعنى التام. ولم لا نقول أنه:بهذا 
المعنى على الأقل؛ لااشئ يحدث. لأن إذا كان هناك مثل هذا الأمرء فإن الحدوث 
المتفرد لما يحدث أو ما يحدث لى (وهو ما أسميه بالفرنسية الأتسي 1.'3221028)6) 
يفترض انبثاقا يخترق الأفق؛ معطلا كل تنظيم أدائيءكل اتفاق؛: أو كل سياق يسوده 
الاتفاق. ولم لا نقول أن هذا الحدث لا يقع إلا حيث لا يسمح بأن يخضع لترويض أية 
"وكان". أو على الأقل أية "وكان" قابلة للقراءة» قابلة لفك شفراتها والنطق بها 
بوصفها كذلك. ٠‏ 

يقال فى الغالب أن الأدائي ينتج الحدت الذى يتحدث عنه. ينبغى أيضا أن 
نعرف أنه. ٠‏ 
بالعكس. حيث يوجد الأدائي؛ فإن الحدث الجدير بهذه التسمية لا يمكنه أن يحدث. إذا 
كان ما يحدث ينتمى لأفق الممكنء أو حتى لأفق أدائى ممكنء فإن هذا لاا يحدث 
بالمعنى الكامل للكلمة. وكما حاولت أن بين المستحيل فقط هو الذى يمكن أن يحدث. 
وعندما كنت أذكر دائما بأن التفكيك كان مستحيلا أو هو المستحيلء وأنه لم يكن 
منهجا أو مذهباءأو تأملات فوق فلسفية؛ ولكن هو ما يحدث »كنت أعول على نفمن 
الفكرة. 

والأمثلة التى حاولت من خلالها أن أبين جدارة هذا الفكر (الاختراع 
الهبة.العفوء الضيافة:العدالة الصداقة.. إلخ.) تؤكد كلها هذا التصور عن الممكن 
المستحيل عن الممكن كمستحيل؛ عن الممكن- المستحيل؛ الذى لا يقبل الخضوع 
للتحديد من قبل التفسيرات الميتافيزيقية للإمكانية والافتراضية. لن أقول أن هذا 
الفكر عن الممكن المستحيل أى هذا الفكر الآخر للممكن هو فكر عن الضرورة. 
ولكنء كما حاولت أن أبين فى مكان آخر هو فكر"لربما". لهذه الصيغة الخطيرة 
"ربما" التى يتحدث عنها نيتشه والتى حاولت الفلسفة دائما إخضاعها. 

ليس هناك مستقبل ولا علاقة بقدوم الحدث بدون خبرة "بربما". إن ما يقع 
لا ينبغى أن يعلن كممكن أو ضروري.والا فإن انبثاقه كحدث سيتم تحييده مسبقا. 
الحدث ينبع من "ربما" التى تتوافق لامع الممكن ولكن مع المستحيل. وقوته حينئة 
لا يمكن اختزالها إلى قوة ما هو أدائى؛ حتى وإن أعطت هذه القوة فى النهاية 


232 


الفرصة والفاعلية للأدانى.ولما نسميه قوة الأدائى. أمام ما يحدت لى وحتى فيمنا 
أقرره أمام الآخر الذى يصل ويقع لىء: فإن كل قوة أدائية تكون معرضة للتجاوز 
والتعدى. 

هذه القوة المعزاة لخبرة"ربما", وتحتفظ بتلاقى وحميميه مع" !ذا" 
ومع"وكأن" وبالتالى مع صيغة نحوية معينة لما هو شرطى: وإذا حدت هذا؟ فإن 
ذلك الذى هو مختلف تماماء يمكنه أن يحدث. ذلك قد يحدث. التفكير فسى"ربما"' هو 
التفكير فى"إذا" وفى"ماذا لو"؟.. ولكن ها أنتّم تلاحظون أن "إذا" هذه و" ماذا 
لو" هذه و"وكأن"هذه. لا يمكن إطلاقا أن تختزل ضمن نظام لكل استخدامات 
"وكان " الذى تحدثنا عنه حتى هذه اللحظة. وإذا ما تغير إعرابها وفق صيغة الفعل 
أو صيغة الشرط؛ فذلك ليعلن أيضا عن اللاشرطي ؛ الطاري او الحدث الممكن اللا 
شرطي المستحيل وعن ذلك المختلف تماما الذي ينبغي في النهاية (وهذا أيضا ما لم 
اتحدث عنه أو افعله اليوم)أن نفصله عن الفكره اللاهوتية للسياده.في العمق ربما 
تكون هذه هي فرضيتي: 

يجب الفصل بين الاستقلال غير المشرط للفكر والتفكيك والعداله والعلوم 
الانسانية والجامعه وبين كل وهم في السياده.والتحكم السيادي. : 

وبالتالي أن يتم انجاز هذه الفكره للصيغه الاخري ل((اذا )) في العلوم 
الانسانية هذا الشي الذي هو اكثر من عسير , مستحيل .متعدد ومتجاوز للادائي 
وللتناقض الاداني التقريري عندما نفكر داخل اطار العلوم الانسانية في هذا الحد 
للتحكم وللاتفاق الادائي هذا الحد لسلطه الادائي » ماذا نصنع ؟ ننتقل الي هذا الحيز 
الذي يكون فيه السياق الضروري للعمليه الادائيه (سياق يكون مثله مثل كل اتفاق 
هو سياق مؤسسي لا يجعل نفسه يمتلئ أو يتقيد أو يتحدد بشكل تام . في العمق » 
ان التمييز العبقري والمبتكر بين الادائي والتقريري يبحث في الجامعة عما يكفل لها 
السيطره السيادية علي داخلها. 

وفيما يتعلق بسلطه الادائيه يمكننا أذن أن نتلمس حدودها بين الخارج 
والداخل.ولاسيما في حدود الجامعة نفسها »وحدود العلوم الانسانية وداخل العلوم 
الانسانية نقوم بالتفكير في عدم قابلية خارجها أو مستقبليها للاختزال .وداخل العلوم 


233 


الانسانية نعتقد أنه لا يمكننا أن ندع أنفسنا سجناء في داخلها.لكي تكون هذه الفكرة 
قوية زمناسبة فانها تنشد العلوم الانسانيه .التفكير في ذلك ليس عملية اكاديمية 
تاملية أو نظريه » وليس يوتوبيا محايدة كما أن القول بذلك ليس مجرد منطوق 
ولهذا الحد القابل للانقسام دائما يحدث دائما ما يحدث فهذا الحد هو ما يقبل التاثير 
والتعبير وهذا الحد هو الذي يمتلك تاريخا. هذا الحد المستحيلء((لربما))و((لاذًا)) 
هو الحيز الذي تكون فيه الجامعة معروضه أمام الواقعء؛ وأمام القوي الخاصة 
بالخارج(سواء أن كانت هذه القوي ثقافية» ايديولوجية. سياسية اقتصادية أو أي 
شي اخر) هنا بالضبط تكون الجامعة في العالم الذي تحاول أن تخضعه للتفكير في 
هذا الحد الفاصل ينبغي عليها أن تتفاوض وان تنظم سبل المقاوسة وأن تتحمل 
مسنولياتها ليس من اجل ان تنغلق وان تعيد تشكيل هذا الوهم المجرد وهو سيادتها 
والذي ربما نبدأ فى تفكيك ثرائه اللاهوتى أو الإنسانىء)12111112115 تكون على 
الأقل قد بدات فى فعل ذلك.ولكن من أجل المقاومة الفعالة» بالتحالف مع القوى- 
الخارجة عن حدود الأكاديمية من خلال أعمالها وع,/امع0: من أجل تنظيم مقاومة 
مبتكرة مبدعة:؛ لكل محاولة لإعادة السيطرة(السياسى القانونى؛ الاقتصادى..إلخ) 
ولكل الصور الأخرى للسيادة. ْ 

ولا أعرف إذ كان ما أقوله هنا قابلا للفهم أو إذا كان له معنى. ولا أعرنا 
بالأخص ماهو وضع أو نوع أو شرعية الخطاب الذى أتوجه به إليكما هل هو 
أكاديمى؟ هل هو خطاب عن المعرفة فى العلوم الإنسانية»أم هو عن موضوع العلوم 
الإنسانية؟ هل هو خطاب عن المعرفة فحسب؟ أم عن المهنة وشهادة الإيمان 
الأدائية؟ هذا الخطاب الجامعة؟ أم إلى الفلسفة أو الأدب أو المسرح؟ أهو بحث ام 
درس أم ندوة؟ 

سيكون الأمر لكم فى الختام؛ ولكم أن تقرروا ذلك أنتم وآخرون. فالموقعون 
هم أيضا المخاطبون. وإن كان الذى أتحدث عنه هو المستحيلء فربما يأتى يوم. 
وأترككم كى تتخيلوا نتائجه. خذوا وقتكم؛ ولكن أسرعواء لأنكم لاتعرفون ما 
ينتظركم. 


234 


دريدا يتحدث: كتابات وحوارات 
- إعداد وترجمة كاميليا صبحي (") 
[1] 
الايمان والمعرفه مصدرا الدين 

جاك دريدا وجياني فانتيمو””*) 
بدأت "الحروب الدينية"- مثل- تلك التي شهدتها البشرية منذ زمن بعيد- 
تندلع مجددا على أرض البشر (وهى لست العالم). وهى تسعى اليوم للسيطرة على 
السماء بالأصابع والعيون من خلال النظم الرقمية والرؤية المباشرة الشاملة 
والمجال الجوى والأقمار الصناعية ووسائل الاتصال المرئية والمسموعة وشبكات 
المعلومات وتمركز السلطات الرأسمالية الإعلامية. ونستطيع أن نلخص هذا فى 
كلمات ثلاث هي: "الثقافة الرقمية والطباعة والشاشات التليفزيونية". فبدونها لن 
يسمع أحد اليوم عن اية تظاهرات دينية» ولا عن تنقلات وخطب الباباء ولا عن 
النفوذ المنظم للديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية سواء كانت أصولية أم لا. 
ومن هنا يتضح كيف تسعى هذه الحروب الدينية الممتدة فى أنحاء الكرة الأرضية 
إلى تحديد شكل العالم والتاريخ واليوم والحاضر. وربما ظل هذا الهدف ضمنيا غير 
معلن ولا يفصح عنه بوضوح. وربما تخفت وراءه أهداف أخرى كثيرة تم كبتها. بيد 
أن كل هذا لا يمر أبدا دون أعراض ودون أن يشد خيالات وأطيافا وأشباحا ويحملها 

إلى السطح لتثير تساؤلاتنا. 
ولايتسع المكان هنا لإعطاء المزيد من صور وعلاماتء بل لنسميها أيقونات: 
هذا الزمن مثل المنظمات- والقوى المحركة والأبنية ورؤوس الأموال- وعرض 
الظواهر الثقافية أو الاجتماعية والدينية على الشاشات. فى هذا العالم الذى يتم 
التحكم فيه بالنظم الرقمية وبلقطات متتابعة وبنظرة متسعة هائلة غير آدمية أو 
كانها نظرة الآلهة... شئ أشبه بعين شبكة ال سى أن أن؛ مفتوحة بصفة دائما 
وساهرة ترقب القدس بدياناتها التوحيدية الثلاث» وتتابع تنقلات البابا السريعة غير 
المسبوقة: وتذيع خطبته الأخيرة التى تناول فيها الإجهاض وموت الرحمة وقدسية 


() أستاذ الحضارة الفرنسية » حامعة عين شّس 


امن كتاب "الايمان والمعرفة" لماك دريدا وحباني فانتيمو صدر عام ١457‏ بباريس عن دار نشر "سوى” 


235 


الحياة السليمة الفاضلة والتناسل فى ظل حب يجمع بين الأزواج؛ والذي يعد- إضافة 
لعزوبية القساوسة- خير وقاية ضد فيروس نقص المناعة المكتسب. لقد اذيعت هذه 
الخطبة على الهواء مباشرة وتم تسويقها بصورة مكثفة و إتاحتها على أقراص 
مدمجة. مثلما تعبأ الأن جميع الشعائر على الأقراص المدمجة. هذه العين هى ايضا 
التى ترقب حجاج مكة ثم تذيع بعدها مباشرة برنامج ياأتي من ستوديو تليفزيوني 
أمريكى ويراه الاف البشر عن الدلاى لاما ودبلوماسيته الدولية والتليفزيونية... 

هذه القدرة على أن نشهد كل هذه الظواهر, تتواءم بشدة ومستوى وحجم 
الزيادة السكانية عالميا كما تتوافق والتطورات التقنية والعلمية والاقتصادية 
والإعلامية لزمننا هذا. هذه القدرات الهائلة للأنظمة الرقمية نجدها ممثلة بصورة 
مكثفة في الطائرات الأسرع من الصوت او من خلال القنوات المسموعة والمرئية. 
أما الدين الذى لم يكن ينتقل إلا من خلال أطياف ما فقد أصبح اليوم يعبأ فى أقراض 
مدمجة يراه العالم اجمع مثل جلال سماء مرشوقة بالنجوم » وفى هذا إحياء . متزايد 
وسريع للأطياف التى أسسته. 

فبفضل الأقراص المدمجة ومدارات الأقمار الصناعية وألات الطباعة 

والشاشات التليفزيونية والبريد الألكترونى وشبكات المعلومات أصبح بالإمكان اليوم 
نشر الدين بفاعلية فى العالم اجمع بل بصورة فائته العالمية من خلال "جماعات 
طائفية" جديدة؛ تعمل بعيدا عن سلطات الدول (سواء كانت ديمقراطية أم لا» وليس 
لهذا فى الواقع أهمية). 

لابد من إعادة النظر فى كل هذاء مثلما يتعين إعادة النظر فى عولمة القانون 
الدولى على حالته الراهنة ونحن على اعتاب عملية تحول متسارعة غير متوقعة. 


236 


كا 
دريدا وجدليه الموت 
روبير ماجيورى 
نعل المالة التى حرط بهذه اللكلمة . وللكن التفكير فى اموت "'كموت " 
محتاج إلى توازن فاص ٠‏ هى لعبة شائكة . أل ردديدا نفسه إليها فى'كتابه " 
5 " الذى بقع فى ١4١‏ صفحة والصادر عن دار نش رجاليليه عام 


للطططد 


من المستحيل أن نتحدث عن محتوى كتاب لجاك دريدا ؛ ليس لأنه يكتب كلام 
مبهم أو مشوشء ولكن لأنه يقدم من خلاله عمل فلسفى أصيل لا يتحول بالفعل إلى 
سؤال إلا أثناء طرحه.. أثناء إعمال المطرقة والإزميل والمنشار لرأب أجزاءه ٠‏ 
فينجلى ويبرز ويزداد بهاء. لهذا يبدو اسم هذا الكتاب محمل بكل القضايا . فلأن 
كانت القضية فلسفية؛ فهى تنطوى بالضرورة على متناقضات لكل منها حجتها 
القوية. ولأن تعلق الأمر بالموت؛ فسيسهل علينا التسليم بأنها متاهمة من 
المتناقضات وبأن الطريق وعر مسدود يستحيل السير فيه قدما. ولكن كيف نكتشسف 
وعورة الطريق إن لم نعانى عذاباته ونشعر بخطورته وصعوبة المضى فيه ؟: 

على الفيلسوف أن يكابد محنة " الحدود " ٠‏ محنة الوصول إلى ما لاايمكن 
تجاوزه؛ و تجريب عدم القدرة على تجاوز حدود ربما كانت حاجزا أ بابا ‏ حدا أو 
معبرا صوب "مكان" يصبح فيه مجرد طرح السؤال درب من المستحيل . 

ولكنه ليس بمكان . وبلوغه (أى تجريب المستحيل) يقتضى التعرج فوق 
الذرى وتفادى أقل انحراف وتجنب الوقوع فى دائرة الممكن , دائرة ما طرح سابقا 
ومازال مطروحا .. فدون هذا لن نظفر بمعنى الصداقة والهبة والضيافة أو نصل 
إلى الآخر كما هوء وإنما سنحظى بمجرد وصف لصداقة نشعر بها وهبة نتلقاها 
وضيافة نمنحها وآخر نلقاه. فأى فضائل وأى توازن لابد أن يتحلى بهما من يتجرأ 
على التفكير فى الموت "كموت" ؟ هى تلك التجربة العسيرة التى يدعونا دريذا 
لخوضها. 3 


237 


والحديث عن الموت هو دائنما حديث عن شىء آخبر . كما أن الحديث عن 
شىء آخر يردنا دائما إلى الحديث عن الموت . ولكن ٠‏ هل يحدث أبدا أن نتجاوز تلك 
الحدود التى يمكن عندها وصف كنه الموت بحق ؟ 

لقد ربطت المعارف الوراثية الموت بالطبيعة ٠‏ بينما تناولت العلوم الأنثروبولوجية 
الموت من منظور ثقافى تاريخى ( وفى هذا الصدد يشير دريدا إلى أعمال كل من فيليب 
أرياس ولويس فانسان توماس). وقد ساد منذ ذلك الحين اعتقاد بأنه قد تكشف كل شىء 
عن "الوفاة من المنظور الثقافى » وعن الطقوس المصاحبة للموت ٠‏ وعن القرابين» 
والحداد ومراسم الدفن ٠‏ وإعداد المتوفى , و تغسيئلهء ولغة الموت ومفرداتها بصفة عامة. 
وكذلك عن النواحى الطبية المتعلقة به " بينما نحن في الحقيقة نجهل كل شىء عن الأمر. 
إذ تفترض تلك المعارف دائما "' تصورا للموت " وكأننا نعرف بالفعل " كنهه ومعناه " : 
معنى "موتئ" بالنسبة "لذاتى" . لهذا . يعمد دريدا إلى تغير المسار . ويتجه صوب 
"مكان" يتجاوز الحدود الواقعة بين الثقافة والمعارف واللغات والعلوم » ليطبق تحليلا 
وجوديا لهذا "الوجود المنذور للموت" كما ورد فى "الوجود والزمن" , حيث يُعَرف 
هيدجر الموت فيقول انه " إمكانية استحالة الوجود " . وهنا تطفوا على السطح صعوبات 
أخرى . فإن كنا نعنى بالوجود " وجود الإنسان ( كذات وضمير وروح وجسد ) فسيكون 
تحليله بصورة أساسية أنثروبولوجيا , يتيح لنا مجرد معرفة طرق معايشة الوفاة وكيف " 
ينتقل المتوفى من الحياة إلى الموت " . ولكى نفهم كيف يصبح انتهاء هذا الوجود إمكانية 
لشىء مستحيل فلابد ان نميز ثلاثة أنماط للوفاة » هى الهلاك والوفاة والموت. فإن كان 
الإنسان الفان هو من " يمر بتجربة الموت كموت " . فان الحى بصفته حى - الحيوان 
تحديدا- ممكن أن ينتهى بالطبع ٠‏ أى أن يهلك . ولكنه أبدا لا يموت فعليا . فالحديث عن 
هلاك قنفذ أو ايل أمر مختلف. فالهلاك . أو ترك الحياة يعنى ضمنيا أن آخر أقّر بحدوث 
الوفاة وأعلنها طبقا لقواعد ومعايير بيولوجية . معنى هذا أن فقط الكائن الحى "الموجود" 
ممكن ان يهلك. ولكن الهلاك لا يعنى الموت من وجهة النظر الوجودية. فان كان الوجود 
ممكنا كوجود متاح له إمكانية ماء فسيكون الموت إمكانية "لإمكانية عدم الوجود" أو 
إمكانية "عدم إمكانية الوجود" . وبإمكان الموجود الهروب من هذه الحقيقة اليقينية ‏ كما 
أن بإمكانه الاقتراب منها ٠‏ وانتظارها انتظارا حقيقيا ٠‏ بقلق وحرية. " 


لن نقف هنا عند الكيفية التى يعيد بها دريدا رسم حدود تحليليه هيدجر . ولكن عدم 
إمكانية تطبيق ما يعرض له أمر يتضح فورا . ليس بخصوص الموت وإنما 


238 


بخصوص مسللة أن " نعيش الموت". فالتوقع هنا لا يعنى الانتظار أو التأكد بقدر 
ما هو انتظار من الجانبين . فالموت هو فى حقيقة الأمر اسم لتزامن مستحيل؛ ومع 
هذا ينتظره الجانبين معاء فى آن واحد (..) وهما لا يصلان أبدا معا إلى هذا الموعدء 
ومن ينتظر الآخر عند هذه الحدود ليس من يصل أولا أو من يذهب قبل الآخر . 
فحتى ننتظر الآخر فى هذا الموعد لابد من الوصول متاخرا .. "هذا يعنى أن ننتظر 
أنفسنا" وكأننا على موعد مع ذاتنا » كما هىء ذاتنا التى لا نعرفه. " 


['] 
التحليل النفسى يقاوم 
عرض: اليزابث رودينسكو 
. دريدا ٠‏ عازف التفكيكية الماهر » أدرك وهو يحاور "أمواته" ‏ لاكان وفوكو ‏ ان 
التحليل النفسى لم يستطع أن يبنى تصورا موحدا للمقاومة بل كان طرفا فى مقاومة ذاته. 
عرض لكتاب " مقاومة التحليل النفسى "لدريدا" 
لا يوجد عمل لدريدا يخلو تماما من تأمل طويل حول التحليل النفسى. فمنذ ان 
كتب "الكتلة السحرية" عام 157 ١مشبها‏ الجهاز النفسى بالآلة الكاتبة» ومرورا ب 
"كارت بوستال"الذى دعى فيه افلاطون وارسطو بعد موتهما إلى وليمة لمناقشة 
ماوراء مبدا اللذة وغريزة الموت؛ لم يكف الفيلسوف عن محاولة البحث فى 
نصوص فرويد وإجلاء ما فيها . 
وتقوم التفكيكية على دراسة صلب النص ليفضى بما يأبى البوح به أو 
بالأحرى ما يسكت عنه. وفى نهاية هذه الممارسة الحاذقة يشعر القارىء أنه 
أكتشف ما يكمن وراء مظاهر عقلانية خادعة. ويصل إلى دلالات الحرف فى 
عنفوانه الأصلىء الذى يحرك النص دون وعى ؛ ويمنحه قابلية قراءة جديدة بعد أن 
يُرّد إلى حقيقته الأولية . 
ويشتمل كتاب " مقاومة التحليل النفسى " على ثلاث دراسات كانت فى 
الأصل محاضرات ألقاها دريدا فى ندوات ثلاث مابين عامى ١9191او؟5؟5١.‏ 
وفيه يتأمل دريدا بنظرة لا تخلو من حزن ما آل إليه حال التحليل النفسى وما 


239 


يتعرض إليه من إندثار فى عالم تسيطر عليه الفاعلية الاقتصادية . محتفيا باثنين 
من أكبر المفسرين لفكر فرويد وهما جان لاكان وميشيل فوكو. 

كان فرويد يرى فى المقاومة آلية يواجه بها الفرد ما يأتيه من دائرة 
اللاوعى. لذلك اعتبر الاستقبال العدانى الذى لقاة التحليل النفسى فى كل مكان نوعا 
من التعبير عن الهوان الذى شعر به الإنسان بعد أن كشف له التحليل النفسى انه لم 
يعد سيد وعيه. 

وانطلاقا من هذه المقاومة للتحليل النفسى , يوضح دريدا إلى أى حد تم 
تجازو هذه المرحلة » وكان المجتمع الغربى قد استوعب التحليل النفسى لدرجة أن 
نسيه أو اعتبره دواء قديما انتهت صلاحيته وهو على أرفف الصيدلية . دواء " قد 
يفيد فى الحالات الطارئة أو فى حالة وجود نقص ما , لكنه لم يعد مستخدما بعد أن 
تم التوصل إلى ما هو أفضل منه من زمن" . وقد واكب هذا التناسى عودة لتفسير 
الظواهر النفسية تفسيرا عضويا محضا . دعمته مقاومة جديدة نابعة من التحليل 
النفسى وقد أصبح يقاوم ذاته وكانه إجراء "وقائى ذاتى " . مثل هذه النوعية من 
المقاومة الذاتية إن دلت على شىء فإنما تدل على أن التحليل النفسى لم يستطع أن 
يقيم تصورا موحدا لعملية المقاومة ٠‏ ولم يتحدد بالتالى إلا قياسا بما يقاومه. ومن 
هنا كانت علاقته الخاصة بغريزة الموت. 

وفى هذا الكتاب , نرى الفيلسوف يحاور بقوة العمر " أمواته " . لاكان 
وفوكو . حول مسائل تتعلق بالموروث والأصول والأبوة . وفى الفصلين الذين 
أفردهما لهما يطلق دريدا العنان لنوع من المناجاة يحكى من خلانها حبه للاكان: 
ويرصد مع فوكو كيفية إجراء "إطلالة صحيحة" على فرويد . ولا ينتهى من 
التعليق على لفظ "المقاومة" المشحون بتاريخ تفخيمى طويل يعيد فيه إحياء عهد 
ليس ببعيدء عرف التحليل النفسى خلاله كيفية مقاومة الذات والعداوات» من خلال 
تفجير القطارت والدبابات ومراكز القيادة. 


210 


[؛ا 
حوار جاك دريدا و ديدييه إيريبون 
هو أكثر من يُقرأ من الفلاسفة فى العالم؛ وأكثر من تتعرض أعمالهم للنقد 
والتعليق. وقد صدر له عام ١557‏ ثلاثة كتب تناقش قضايا الموت و التحليل 
النفسى والدين؛ وبصرف النظر عن تنوع الموضوعات فالملاحظ أن السياسة 
حاضرة دائما فى قلب كتاباته وفكره . 
بعد أن دعانا عنام ١5514‏ إلى التفكير فى الصداقة من خلال " سياسات 
الصداقة". وفى القانون والعدالة من خلال " قوة القانون " », ثم أتبعها عام 
65 بحديث فى مسأالة: الأرشيف والتذكر وكأنه مصر كل الإصرار على أن يجيل 
نظرته النقدية "التفكيكية" على جميع القضايا المتعلقة بالفلسفة والسياسة » أصدر 
دريدا عام ١545‏ ثلاثة كتب هى "متناقضات" عن دار نشر جاليليه ويقع فى ١6٠١‏ 
صفحة . و "مقاومة التحليل النفسى" عن دار نشر جاليليه ويقع فى ١5"‏ صفحة. 
و أخيرًا "الدين" بالاشتراك مع جيانى فاتيمو عن دار نشر "سوى" ويقع فى "٠*١‏ 
صفحة . 
فى " متناقضات " و" مقاومة التحليل النفسى " يتبع دريدا منهجه 
التقليدى . فيعمد إلى تفسير فكرته معتمدا على نصوص قديمة أو معاصرة يفككها 
ويعرض بنيتها كما يتصورها ١‏ ليقدم فى النهاية من خلال هذه الرحلة وما تحويه 
من مواجهات عديدة عدد من التخليلات أو المقترحات النظرية. ففى "متناقضات " 
نجده يولى اهتماما خاصا بأعمال فيليب آرياس ولوى فانسان توماس عن التاريخ 
وانثروبولوجيا الموت ويقابل ما يطرحونه من أفكار برؤية هيدجر عن " الكون 
والزمن " والذى أراد بها تأسيس " تحليلا وجوديا " سابقا عن جميع التناولات 
التى اتخذت من الأعراق أو التاريخ أو علم النفس مدخلا لها , ليتضح لنا فى النهاية 
اعتراض دريدا على كلا الفريقين » موضحا الوشائج الوثيقة بين المنهجين بحيث 
لا يمكن فصلهما . إذ يشتمل الواحد على الآخر. 
أما فى "مقاومة التحليل النفسى" فيواجه دريدا - إذا جاز التعبير - كل من 
فرويد ولاكان وفوكو . ففى نصه عن فرويد » يركز دريدا على التعريف بمنهجه 
الخاص الذى عرف فى العالم أجمع ب "التفكيكية" ويقول عنها إنها " تحليل فائق 


241 


" : هى عملية "' فك وتحليل وفصل للرواسب والحقائق المصنوعة والمعتقدات 
والمؤسسات " . وبما أن التفكيكية تقترب فى هذا من التحليل النفسى وحركته 
ومسلكه كان لابد لها من الاصطدام بدورها بمظاهر "المقاومة" . فقد شهد 
التحليل النفسى دائما حركة مقاومة خارجة عن نطاقه . ثقافية أو سياسية بالطبع . 
ولكن إلى جانب هذا شهد كذلك مقاومة نابعة من داخله» من جوهره: إذ يبقى دائما 
شىء ماء أثر ماء يفلت من هذا التحليل. ولكن "المفكك" يعرف جيدا أن هذا الجزء 
المتبقى لا يمكن تلخصيه أو اختزاله . ولابد من التخلى عن فكرة نجاحئا فى الوصولٍ 
إلى الأصل من خلال ممارستنا التحليل النقدى والجينيالوجى . 
وعلى أساس فكرة إمكانية الوصول إلى "اصل" أو حقيقة "أصلية" , 
يقيم دريدا نقده لكتاب فوكو " تاريخ الجنون " . ففى الطبعة الأولى من كتابه 
الصادر عام ١575١‏ بالمقدمة الأصلية - التى حذفها فيما بعد سعى فوكو جاهدا 
إلى أيجاد " تجربة أصلية" وأساسية للجنون فى شكله الخالص الحرء قبل أن 
تقيدها المعرفة وقبل أى فعل يحتويها ويدخلها الى حيز الصمت. هذا العمل لفوجو 
هو أقرب للغنائية التراجيديا والرومانسية التى تميز اعمال نوفاليس منه للمشروع 
السياسى. وقد نجح دريدا الى حد بعيد فى توضيح كيف استطاع فوكو من فصل السى 
آخر تعديل حكمه على فرويد. وقد كتب فوكو يقول: "لابد أن نكون منصفين مع 
فرويد" لاسيما وقد أقر الحديث عن الجنون. وفى نفس الوقت اعتبر فوكو التحليل 
النفسى نتاج تاريخ طويل نجح فى " إقصاء الجنون". وعلى هذا وانطلاقا من 
الإمكانيات التى فتحها أمامه كل من نتيشة وفرويد استطاع فوكو أن يؤكد قدرته 
على كتابة تاريخ الجنون اعتمادا أحيانا على نيتشه وحده , بما أن فرويد لم يكن 
آنذاك سوى مرحلة من مراحل عديدة أخرى , بمثل ما كان إنشاء معازل نفسية 
لوضع المجانين تحت الوصايا أو ابتكار "طب عقلى" أحد مراحل تاريخ طويل . 
ومن خلال كتب فوكو السابقة تتبع دريدا هذا التضارب والتناقض الدائم فى علاقته 
بفرويدء أولا فى كتابه "الكلمات والأشياء " , ثم فى كتاب " تاريخ الجنس " . 
لقد أعوز دريدا الوقت للأسف(فكل هذه الكتابات كانت فى الأصل محاضرات له). 
وقد اكتفى بالإشارة إلى هذه الدراسات النظرية الأخيرة الكبرى لفوكو والتى كان من 
شانها أن تصبح تحليلا كاملا قانما بذاته , لاسيما وان مشروع فوكو عن " 
الجنس" يمكن أن يقرأ بالكامل على أنه إعادة للتفكير والتساؤل بشان التحليل 


النفسى وخاصة تحليل لاكان . وبالفعل يؤكد دريدا فى أحد نصوصه عن لاكان أن 
الحداثة النظرية والفلسفية كان لها حوار - ضمنى أحيانا صريح أحيانا أخرى - مع 
أعمال لاكان . ويضيف أن أى احتفاء أو تكريم للاكان هو اليوم بمثابة عمل سياسى 
من الدرجة الأولىء إذ يرد له مكانته التى يستحقها فى الوقت الذى تحاول فيه بعض 
العقول المتحفظة غير ذات الشأن - وقد هىء لها مناخ الإصلاح الذى نشهده منذ 
بضع سنوات - أن تجتث حتى ذكراه. وهكذا نفهم أن هذا العمل الذى يتناول التحليل 
النفسى هو بالدرجة الأولى عمل سياسى. 

وكذلك كتابه الذى تناول فيه مسألة الدين ١‏ وقد كان ثمرة لقاء تم فى كابرى 
وضم دريدا وجيانى فاتيمو ومورزيو فيراديس وجدامار وألدو جارجانى وأوجينيو 
ترياس وفيسانزو فيتلليو . وهذا هو نص الحوار الذى أجريناه معه : 
© من الملاحظ ان البعد السياسى حاضر بشدة فى أعمالك الأخيرة بدء بكتابك " 
أطياف ماركس " الصادر عام والذى لاقى نجاحا مدويا » ووصولا إلى 
أعمالك الصادرة فى الآونة الأخيرة - والتى يحمل واحدا منها بالفعل عنوان 
"سياسات الصداقة" - إضافة إلى العمل الجماعى الذى تناولتم من خلاله موضوع 
"الدين" . 


ماتسميه " بعدا سياسيا " فى أعمالى ليس شينا حديثا , ولم ينتظر ظهور " 
أطياف ماركس " حتى تتضح معالمه .. ولكن دعنا من هذا. ( ولكن ؛ ربما آن 
الأوان بالفعل ألا ننتظر حتى يعلن خطاب ما أنه سياسى بإشارات كبرى او علامات 
مضيئة أو بقرع الطبول ٠‏ كان يستخدم أسم ماركس على سبيل المثال أو كلمة 
"سياسة" بصورة مباشرة أو ألفاظ أخرى من هذا القبيل مستمدة من المصطلحات 
السياسية التقليدية » حتى نقر أنه خطاب سياسى. ) بالنسبة لماركس , فاننى اشعر 
بالسعادة لكونى لم أعد الوحيد كما بدى لى عام ١557‏ ( أقصد من بين غير 
الماركسيين . أو خارج الماركسيين المستديمين ) الذى نبه إلى ضرورة .عدم 
الخضوع إلى ارثوذكسية جديدة ممكن أن تعقب الماركسية , أو الاستسلام إلسى 
اتفاق دوجماتى جديد ومريح » أوالترحيب بنظرة لا ترى إلا مصلحتها ولاترى أبعد 
من وضع العالم والسوق ٠‏ ففيما حدث الكفاية كى تتكشف الأشياء ويزول الوهم 
ونفيق فتتبدى لنا حقيقة الأمر أكثر فأكثر. إن ما طمائنى بعض الشىء ؛ بل رسم 
أحيانا على وجهى ابتسامة هو قيام بعض الكتب الفرنسية مؤخرا - تبعتها فى ذلك 


213 


بعض الجرائد - (كأنهم أفاقوا فجأة واكتشفوا الأمر) بإلقاء الضوء أخيرا ليس على 
استسهال "الرجوع إلى ماركس" » بل قاموا بالفعل عام ١4437‏ بالتنديد بهؤلاء 
الأشخاص ( وهم لا يتغيرون أبدا ) الذين - بكل غطرسة وثقة ورباطة جأش - لا 
يقرءون أبدا ٠‏ وإنما يسلكون أقصر السبل . كما القوا الضوء على ضرورة القيام 
بفعل أكثر تعقيدا من.هذا: أزيد أن أعتقد أنه سيكون أكثر مسئولية بعد قراءة 
النصوص وفهم اللغة والزهانات السياسية: 

٠‏ إذا تجاوزنا العنوان والصفحة الأولى لوجدنا أن " أطياف ماركس" يمك 
وصفه باى شىء إلا أن يكون كتابا ماركسيا. فمثله مل كتاب " سياسات الصداقة 
" والكتب الأخرى التى أشرت إليها » هو محاولة لوضع ما يمكن أن نعتبره تصورا 
آخر " للسياسة والديمقراطية " فى مواجهة الضرورات الملحة التى نشهدها اليوم 
( مثل الأشكال الجديدة للحروب دوافعها والسوق والجماهير والبُنى التقنيبة 
الإعلامية التليفزيونية » والتغيرات التى طرأت على مفهوم المواطنة وعلى القانون 
الدولى وخلافه ) . ان صعوبة الأمر (وهى ليست فقط مسنولية المفكرين 
والفلاسفة) تكمن فى "ممارسة السياسة" فى ظل ظروف قائمة تسيطر فيها 
الآلات والخطب القديمة على الساحات » والسعى للتفكير بشكل مغاير فى السياسة 
وأصولها و ما سيطرا عليها فى المستقبل » ورؤية أشياء تعلن عن وجودها أثناء 
سعينا لتغريرها جذريا. إن إتيان كل هذا فى نفس الوقت أمر شبه مستحيل ولكنه 
ضرورى . فان تحقق » لن يكون فقط شيئا نادر الحدوث . ولكنه فى غالب الأمر 
سيكون أمرا غير مسبوق بل من الصعب فهمه . وربما كان هذا سببا أدعى كئ 
نصر عليه . 

٠‏ بالنسبة للجمل الجماعى الذى اشتركث فيه والقائم على مسألة الدين » هو ثمرة 
لقاء دولئ تم فى إيطاليا فهل كنت من أقترح موضوع هذا اللقاء؟ | 

ه لالم اختاره وحدى . لقد اقترحنا - جيانو فاتيمو وأنا - نفس الموضوع: ولم 
نكن تشاورنا في الأمر من قبل ٠‏ وربما كان لهذا دلالته . لقد أردنا أن نبحث هذا 
الموضوع القديغ وكأنه شينا جديدا تماما ٠‏ أردنا أن نناقش هذه الكلمة القديمة بكل 
غموضها.. وقد اجتمعنا في أحد الجزر في ندوة لم نكن قد خططنا لها مسبقا » شم 
قام كل واحد منا بكتابة دراسة إحياء لهذا اللقاء الغريب.. لقد كان علينا أن نفتح 
أعيننا جيدا وأن نعيد التفكير لنرى الأشياء بصورة أكثر وضوحا. وكيف السبيل 


214 


إلى فهم ما يحدث اليوم في العالم تحت مسمى الدين وباسمه دون أن نقصى جانبا 
تاريخه على الأقل والحكايات المتعلقة به. هل مازلنا نستطيع أن نتحدث عن الدين 
وكان كل واحد يستطيع أن يعرفه؟ لابد من تحليل هذه الظاهرة كى نتمكن من 
التفكير فيما يحدث اليوم وما نسميه " بالعودة الى الدين" أو ما تطلق عليه جميع 
الأديان أصولية وتعصب . فخلف هذه الظاهرة نستطيع أن نتبين أشياء كشيرة غير 
متجانسة(الإيمان والدين, اللاهوت والدين ٠»‏ التقديس والإيمان الخ..) هناك دائما 
مصدرين على الأقل ونوع من الحصانة الذاتية الغريزية أحاول أن احلل إلحاحها 
ونتائجها وآلياتها أو ما تدبره . هذه الآليات تصنع من هذه "العودة للدينى" 
ظاهرة من ظواهر الحداثة التقنية العلمية (وليس مجرد ظاهرة قديمة كما نعتقد 
وحتى وإن كان هذا حقيقى في بعض الأحيان) وتجعلها كذلك رد فعل إزاء اقتلاع 
الجذور وزعزعة مكانة الأراضى السياسية بسوق تقنى علمى يعتمد على شاشات 
العرض (وهناك وجهة نظر أخرى لبرجسون تقول أنه الدور الأساسى للكون الدذى 
هو آلة في يد الآلهة". وبداية من العنوان » سعيت لتقليد كبرى المحاولات للتفكير 
في الدين من وجهة نظر فلسفية (مثل الدين وحدود العقل العادى لكانط ء الايمان 
والمعرفة لهيجل» مصدرا الأخلاق والدين لبرجسونء وحاولت من جانبى أن أضع 
هذا الفكر في مواجهة ما هو قادم إلينا اليوم » وما يجعلنا نعيد التفكير في هذا 
التعارض الموروث بين الأيمان والعقل النقدىء بين الإيمان والأنوار. ولكننى لا 
أستطيع أن أتحدث عن نصوص هذا الكتاب شديدة التعقيد والتى قمنا بتجميعها 
لفلاسفة أوربا القادمين من ايطاليا والمانيا واسبانيا وفرنسا. 

" فى حلقاتك الدراسية فى مدرسة الدراسات العليا تطرقت فى هذا العام لمسألة‎ ٠ 
. الضيافة " . وهو موضوع فلسفي سياسي حالي هام‎ 

ه فى بداية الثمانينيات » ولمدة أربع سنوات دارت هذه الحلقات الدراسية حول 
قضية القومية» والقوميات وسياسات الصداقة وبلاغة التوحش . ومن خلال تسلسل 
طبيعى إلى حد كبير » وتحت عنوان عام هو " قضايا المسنولية " تحدثنا عن " 
السرية " و" الشهادة " شم عن " الضيافة " .. من هو الضيف أو المدعو أو 
الزائر الغريب ؟ على من نطلق لفظ " بربرى" ؟ من هو القادم ؟ ومن هى 
الرهينة ؟ ماذا حدث خلال هذا القرن ؟ إن ما سيحدث في الغد بشان اللجوء والنفى 
والإبعاد والفصل العنصرى والنقل ستهتز على أثره كل الفنات الموروثة . وقد 


245 


اعتمدت هذه المحاضرات من ناحية على فكر جيئيالوجى يبحث أصل تصور وخبرة 
الضيافة . (في العهد القديم والنصوص الرومانية والإغريقية وفى مفردات 
المؤسسات الاندو أوروبية , كما يقؤدنا بنفيئيست بين ما يقودنا إلى دروب مقلقة 
حيث تتقابل هذه القيم ويفسد بعضها البعض بصورة شبه حتمية ) كمارأت من 
ناحية أخرى ضرورة إجراء تغيير في حقوق وواجبات الضيافة في أوروبا وغيرها 
لتوفق ما بين قانون لضيافة عادلة غير مشروطة ترحب بكل قادم دون أن تطلب 
منه كشف حساب حول هويته ولا أن تطالبه بتحديد من أين أتى ولا تسأله عن 
جنسيته , والقوانين المقيدة للحقوق التقليدية ( كما وردت في نص كانط الأكثر 
سخاء حول الحقوق السياسية للضيافة بين الدول. ) لابد من ابتكار أشكال وسط 
بين هذه القوانين » لنصل إلى قانون جديد أكثر عدلا وقابلية للتطبيق. هى إذا 
حلقات دراسية نتحدث فيها عن اوديب وأفلاطون وكلوسفسكى كما نتحدث أيضا 
عن اتفاقيات شانجان وقوانين باسكوا ومشروع قانون طوبون حول "جريمة 
الاستضافة " أو عن التقنيات التليفزيونية التى تؤثر على العلاقة بين الخاص 
والعام كما نتحدث حتى عن مسألة " الوجود بالمنزل" . 

. لايقف موقفك السياسى فقط عند حدود كتبك ومحاضراتك أو حلقاتك الدراسية ع 
فانت مسئول أيضا عن البرلمان الدولى للكتاب . وفى هذا الإطار تدخلت فى قضايا 
محددة مثل الفصل العنصرى ومشكلة موميا ابو جمال » كذلك انخرطت فى تأمل 
جماعى أعم حول الوضع السياسى الدولى وإمكانية مشاركة المفكرين اليوم . 

ه فى الحقيقة ليس لدينا وقت أو مساحة لنتناول هذا الأمر وهذا ما يملى على 
إجابة فقيرة تتلخص فى نقطتين )١(:‏ مثل كل المبادرات الفكرية ١‏ يواجه البرلمان 
الدولى للكتاب مشكلة مع ؤسائل الإعلام - وإن كان لا يخضع لها - وهو نفس ما 
يعانيه كلانا هذا اليوم . وبالمثل تلقى جل أعمالنا وأكثرها فاعلية التجاهل من قبل 
وصائل الإعلام التى لا تلقى عليها أى ضوء . مثل على سبيل المثال عملية 
الإنشاء الفعل لشبكة واسعة من المدن أعدت لاستضافة (فيما يعد مواطنة جديدة) 
كتاب وصحفيين أو مفكرين بصفة عامة , جزائريين على سبيل المثال » حينما 
يتهددهم الموت أو يكونوا مطاردين فى بلادهم . لم تعد مسألة الإعلام وانتشاره 
الجماهيرى مجرد أمر يلقى مقاومة وإنما يتعلق الأمر برهانات تقنية واقتصادية 
وسياسية تجتمع اليوم فى التكثيف المطرد للسلطة الإعلامية. نحن لسنا ضد 


216 


الإعلام بشكل عام وإنما نفرق بين مختلف وسائله وننقد أو نغير بعض الأشياء 
لإعطاء الفرصة لكلمة تتعرض لقدر أقل من الضغوط . أستطيع القول أننا نريد أن 
نعطى"زمنا مختلفا للكلمة" و"إيقاع" مختلف )١(.‏ بالنسبة لمسالة الإيقاع؛ 
وخاصة فى علاقته بوسائل الاتصال المرئية ,:فان من أكثر الصعوبات التى تواجه 
المفكرين بصفة خاصة تكمن فى عدم تجانس الزمن السياسى والتغيرات 
المتلاحقة. حينما قمت منذ خمسة عشر عاما - بالتعاون مع فرنان - بتأسيس 
جمعية جان هوس أكدت من أعماق أحد سجون براغ أن هذا السجن الشمولى أو 
المسكرى سوف يبقى على ما هو عليه خلال عقود قادمة؛ وأنه سيستمر إلى ما 
بعد عام 6 :,: وقد كان خطنى لحسن الحظ شديد. لقد كان لدينا بالطبع ألفف سبب 
يحملنا على الاعتقاد أن الفصل العنصرى سيلغى ذات يوم.. ولكننا حينما نظمنا ممع 
أنطونيو سورا وأرنست بينيون آرنست معرض" فن ضد الفصل العنصرى "عام 
,: وتعهدنا بأن نقيمه من أجل جنوب أفريقى محررا من الفصل العنصرى »2 
من كان يحلم آنذاك أن الأمر سيتحقق بهذه السرعة وأنه سيكون لجنوب افريقيا 
هذه العاصمة وهذا البرلمان بقيادة مانديلا؟ لابد من تحليل نماذج أخرى كثيرة 
ولكن ليس لدينا المساحة الكافية كما تقول أنبت .. كيف تريد لنا أن نتحدث بهذا 
الإيقاع ؟ 


217 


2*1 
اليسار هو الرغبة في تأكيد المستقبل 
حديث مع جاك دريدا وتوماس أشوير 
بصفتك فيلسوفا , لطالما اشتركت فى الجدل المشار حاليا على الساحة مثل 
خلافات اليمين الجديد او البرلمان. الدولى للكتاب .. فهل نستطيع القول أن المناخ 
السياسى تغير بعد انتخابات بريطانيا وفرنسا؟ وهل سيستعيد المفكرون شجاعتهم 
بعد سنوات بدوا خلالها وكانهم شلوا نتيجة لوضع ما بعد التاريخ والكلبية ؟ 
وهل فقد " المفكرون " يوما شجاعتهم ؟ لاشىء يؤكد هذا الأمر. كان عليهم 
أن يعوا التحولات العميقة التى شهدتها الساحة العامة خلال العقود الأخبيرة والتى 
تعاقبت بإيقاع غير مسبوق. لقد شهد توجيه الخطاب فى الحقل الإعلامى أو فى 
مجالات التقنيات المرئية انقلابا كبيرا ء كما تعرض لتجاوزات وانحرافات كشيرة » 
وأصبح على نحو ما أداة فى يد السياسة أو الاقتصاد. فى رأى أن من احتاج بالفعل 
للكثير من الشجاعة فهو المواطن " المسؤول" . ليتثنى له تحليل هذه التطورات 
ويتمكن من تجنب تلك الفخاخ المنصوبة وهو يتخذ قراراته لاسيما وأن البعضن 
حاول استغلال هذه القوى الإعلامية الجديدة لمصالح شخصية. لقد كان المثقفون 
أكثر حضورا ونشاطا عما يبدو عليه سؤالك فى كافة مجالات الحياة العامة فى 
أوروبا وغيرهاء فى وقت كانت المحافل السياسية أو الحكومية مشلولة غالبا بفعل 
نماذج الماضى. وإذا كانت الشجاعة فضيلة - فكرية تحديدا ‏ فهى ليست الميزة 
المحددة التى يحق لنا أن نطالب بها المفكر بصفته مفكرا . فالمفكر غير الكفء 
وغير المسؤول قد تواتيه الشجاعة أيضاء ولكن لإتيان أسوا الفعال . كما اننى.لا 
اعتقد أن جميع " المفكرين" كانوا - على حد قولك - " مشلولين بفعل ما بعد 
التاريخ ". وعموما , من العسير أن اجيب. على سؤالك فى بضع كلمات. فلابد أولا 
أن نتفق على ما تقصده بما بعد التاريخ و الكلبية . ولا بد أن نعيد النظر (كما أود ان 
أفعل إن أوتيت المساحة والوقت) فى الفهم المتسرع لهذا الموضوع . وافضل - 
اختصارا للوقت - أن اأعرب فى بداية هذا الحديث للمرة الأولى والأخيرة عن عدم 
ارتياحى لهذا الموضوع . على ألا أعود إليه مرة أخرى. 


فالأمر يتعلق بخطورة الملابسات التى تحيطها وسائل الإعلام والناس بما 
يقوله المفكرين. فإذا أعلنت على سبيل المثال عن رفضى مناقشة مسأالة الكلبية وما 
بعد التاريخ ووضع المفكر فى أربع أو خمس جمل كما تطلب منى أن أفعل الآن فهل 
أتهم بالترفع و التزام الصمت ؟ هل من الكياسة أن أحيلكم إلى نصوص منشورة 
أناقش فيها هذه القضايا أم أن هذا سيعد نوع من العجرفة ؟ ألا يجوز مثل هذا الأمر 
فى الصحافة ؟ إنها الإجابة الأكثر " مسؤولية " من وجهة نظرى »ء إذ تدلل على 
الصعوبة التاريخية التى المحت إليها منذ لحظات . لقد تغيرت ظروف إبداء الرأى 
على العامة » ولابد من تغيرها . 

وبصورة أكثر بساطة ومباشرة أقول ردا على سوالك نعم » كانت انتخابات 
بريطانيا وفرنسا " مؤشرا طيبا." أو لنقل الأقل سوء .. أقولها بكل حذر وتحفظ . 
وعلى الرغم من بعض التماثل الظاهرى الذى يطيب للبعض أن يؤكده » لابد أن نضع 
فى الاعتبار أن " التحول " الإنجليزى الأخير له " دلالة " تاريخية مختلفة تماما 
و " وظيفة " مغايرة قياسا بالتبديل الفرنسى المنتظم. وتعد أهداف الأغلبية ( 
العمالية والاشتراكية ) الجديدة المعلنة أكثر اختلافا - وربما توانما-عما يشاع فى 
كثير من الأحيان » وكذلك المخاوف والآمال المصاحبة لها . صحيح أنها قد تعطى 
أملا فى وجود مقاومة سياسية واجتماعية أكثر تيقظا للنزعة الاقتصادية والمالية 
التى تسعى لفرض سيطرتها على الفكر الأوربى الجديد . ولكن الواقعية 
والبراجماتية التى تنادى بها الحكومتان قد تفضى تحديدا لما يحاولون الفكاك منه » 
أقصد التوائم وهذا الشىء غير واضح المعالم الذى يسمونه " العولمة " ء أو 
التوانم المزعوم والسوق وسياسات الحدود والهجرة وبعض القضايا الحساسة 
الأخرى . هناك ثغير فى الأساليب التعبيرية - وهذا يخسب بالتأكيد- ولكن لا يوجد فى 
الواقع قطيعة فعلية مع الماضى القريب. 

وأعترف أنه يشق على حتى اليوم أن احكم على مدى تنفيذ الوعود 
الانتخابية للحكومة الفرنسية واستراتيجية اختيار " الواقعية " المزعومة ( 
المتمثلة فى الإبقاء الجزئى - أو الأسمى على الأقل - ل " قوانين باسكوا - دوبريه 
" بهدف طمأنة ناخبين اليمين » بل اليمين المتطرف » فى الوقت الذى يزعمون فيه 
تغيير مضمون القانون؛ وغلق مصانع فيلفورد على سبيل المثال ) صحيح أن 
الساحة ستشهد انفتاحا أكبر ( ولكن لناخذ هذا بالحذر الواجب ) على مناقشات 


249 


سياسية أوسع وعلى حوار أكبر مع الجماهير . نعم » تغير " الأسلوب " بعضّن 
الشىء - وهذا صحيح- وبدات السياسات تبدى تفتحا أكبر إزاء قضايا الثقافة 
والبحث والتعليم؛ كما تؤكد على أنها أكثر وعيا بكل الرهاتات .. وما علينا سوى 
الانتظار .. 

فهل نوجه - كما فعل ريشار رورتى - انتقادات لليسار لكونه أهتم بقضاينا 
الهوية الثقافية وأغفل قضايا العدل الاجتماعى؟ وكيف ترى مسالة العدل فى ضوء 
هذين الاتجاهين » خاصة وأن قضية "العلاقة / واللا علاقة - قد سيطرت حاليا على 
بعض مناقشات الفلسفة السياسية؟ 

هنا أيضا لابد من التفرقة بين الأشياء بوضوح . لا أعتقد أن " اليسار" 
بوجه عام قد اهتم بالهوية الثقافية أكثر من اهتمامه بالعدالة الاجتماعية. ولكن إذا 
كان بعض من يدعون انتمائهم لليسار قد فعلوا هذا » فقد استحقوا انتقادات رورتى + 
وأنا اتفق معه فى هذه الحالة تحديدا . فإهمال العدالة الاجتماعية على حساب الهوية 
الثقافية ينطوى على نقطتين على درجة كبيرة من الخطورة: - 

١‏ لان إضفاء صفة الشرعية على المطالبة بالهوية الثقافية ( وتحت هذه 
الكلمة أضع كل الجماعات وهى كثيرة ) فى ظل بعض الظلروف قد يغذى " 
إيديولوجيات " اليمين القومى الأصولى بل العنصرى. 1 

؟ - ولأن هذا ممكن أن يؤدى إلى إهمال بعض القضايا الملحة الأخرى 
وتقهقرها إلى المرتبة الثانية » كما أنه قد يغفل دور التضامن الاجتماعى و المدنى 
والقضايا العالمية ( وأقصد المتعلقة بالأمم وبالمواطن العالمى وليس فقط بين 
مواطنى الدول لان هذا يفترض وجود " الدول والمواطن " .. وسوف أعود لهذه 
النقطة بعد حين ) ولكن لماذا علينا أن نختار بين الهوية الثقافية والعدالة 
الاجتماعية بينما الاثنان يخصان العدالة ٠‏ ويسعيان لإيجاد حلول لاضطهاد أو عذف 
ليسا من العدالة فى شىء . لاشك أن مجابهة القضيتان فى آن واحد أمر عسير 
للغاية. ولكن علينا أن نناضل فى هذا السبيل - إذا جاز لى التعبير - لابد أن نفعل هذا 
على الجبهتين: الثقافية والاجتماعية فى ذات الوقت . ومهمة المفكر هى أن يقول 
هذا . أن يوصل كلامه وأن يضع استراتيجيات تقاوم أى اختيار يغرق فى التهوين 
من شان الأمر. وفى الحالتين » تتمثل المسؤولية الحقيقية فى بذل اقصى جهد ممكنٌ 
لتعديل القانون القائم فى المجالين الثقافى والاجتماعى ؛ وابتكار قوانين جديدة حتى 


230 


وان بقيت دائما غير موائمة وما أسميه العدالة (والعدالة ليست القانون . حتى وان 
كانت هى التى تحكم تاريخ القانون وتطوره). ْ 

فى كتابك " الرأس الآخر " تتصور أوربا كمشروع سياسى . فهل نستطيع 
الاستمرار فى تبنى هذا التصور بعد المناقشات الشاقة الطويلة التى دارت حول 
اليورو. وهل بامكاننا هذا؟ أليس علينا بالأحرى أن نعتبر أن أوربا فى سبيلها إلى 
أن تصبح مؤسسة لايتم تعريفها إلا من خلال معايير نقدية » أى أنها نوع من 
المؤسسات المنسقة لسوق السلع؟ 

هذا هو بالفعل الخطر الذى نبهت إليه للتو » والمتمثل فى النزعة الاقتصادية 
والنقدية وعملية التوائم والتنافس فى السوق العالمية ( ويتم هذا غالبا بعد تحليلات 
قصيرة يزعم إنها علمية ). عوضا عن هذا , أعتقد فى ضرورة وجود مشروع 
سياسى . ولا شىء غيره . ففيابه يسبب توتر العلاقات بين مختلف الحكومات 
الأوربية وداخلها » ناهيك عن صراع القوى الاجتماعية المسيطرة على أوربا. وبما 
إنك تود أن نتحدث عن " المفكرين " فسأضيف بعض الإيضاحات. اعتقد أن 
ضرورة مقاومة التيار الاقتصادى والنقدى السائد يجب ألا تتحول إلى مجرد تعاويز 
شيطانية أو احتجاج بالسحر ضد هوية سميت " يورو " » أو ضد رجال بنوك 
أشرار متلاعبين . حتى وإن لم نصدق بالضرورة أى أحد واى شىء فى هذا الصدد 
فعلينا ألا نجهل أيضا ضغوط قوانين السوق, فهى موجودة ومعقدة وتتطلب تحليلات 
لا يقدر عليها أحيانا حتى " الخبراء" المتخصصين أنفسهم. ربما كان علينا أن نقيم 
منطقا سياسيا آخر , بل منطقا اجتماعيا واقتصاديا قائما على معلومات موثوق بها 
قابلة للبرهنة بدلا من العقائد الليبرالية الحالية . ربما لايكون اليورو شرط فى حد 
ذاته» وربما كان هناك تطبيق إجتماعى سياسى آخر للإنتقال لهذه العملة » فكل دولة 
قومية أوربية لها حساباتها ومسؤولياتها التاريخية الخاصة بهذا الشان. تعلم أن 
مسؤوليات وحسابات المانيا وفرنسا بصفة خاصة جسيمة. وعموما . حتى لو أن 
ميولى - كما ترى - يسير فى اتجاه المقاومة السياسية ضد " أوروبا ستكون مُجرد 
مديرة لاقتصادها " فان مفهوم " السياسة " القانم وراء ما أقوله لاايرضينى تماما 
بالفعل . فهو يلقى على أوربا وحدودها مفهوما ما للسياسية والدولة والأممية يشير 
فى نفسى تساؤلات وتحفظات كثيرة. وهنا أيضا .. لابد من حديث طويل , ولابد من 
أن أحيلكم إلى نصوص منشورة. 


251 


دللت بنفسك جيدا من خلال " أطياف ماركس " على أن أطروحة نهاية 
التاريخ لفوكوياما دحضت منذ أن روج لها ؛ بل قبل هذا . فالمجتمعات الليبرالية 
التى تشيد بها هذه الأطروحة لاتستطيع حل مشكلاتها الاجتماعية كماأن " 
العولمة '" تخلق مشكلات اجتماعية خطيرة فى. أنحاء العالم . مرة أخرى نقول أن 
أكثر المشكلات أهمية تتمثل فى العدل » خاصة بالنظر إلى الموقف العالمى . فمنا 
تصورك لإسهام الفلسفة فى هذا الشان ؟ ثم انك تتحدث فى " أطياف ماركس"' عن 
" الدولية الجديدة " . فهل لك أن توضح الأفكار والمشاريع السياسية المرتبطة 
بهذه " الدولية الجديدة " ؟ 

ما أفكر فيه هو تضامن عالمى ؛ صامت غالباء ولكن فعال . لن يتخذ شكل 
الدوليات الاشتراكية (ومع هذا احتفظت باسم " الدولية " القديم لمجرد أن أذكر 
بالروح الثورية وبروح العدالة التى كانت تؤلف وتوحد العمال والمضطهدين خارج 
الحدود القومية) . لن ترتبط هذه الدولية بدول أو محافل دولية تسيطر عليها بعض 
السلطات التابعة للدولة . وإنما ستكون أقرب للمنظمات غير الحكومية. وبعض 
المشروعات التى تسمى بالمشروعات "الإنسانية " , وتزيد عن هذا بسعيها إلى 
إجراء تغيرات عميقة فى القانون الدولى وتطبيقه. هذه الدولية تتعاطف مع الجروح 
العشر للنظام العالمى الجديد التى عددتها فى " أطياف ماركس" . وهى تصرخ بعبا 
لا نبوح به إلا قليلا سواء فى الأدبيات السياسية الرسمية أو فى خطاب " المفكرين 
الملتزمين " » وبما لا يتحدث عنه حتى فرسان حقوق الإنسان. وسوف أعطى بعض 
الأمثلة لإحصائيات صغرى لا نلتفت إليها كثيراء مثل أن هناك ملابين الأطفال 
يموتون كل عام بسبب المياه » وأن 9/5 من النساء يتعرضن للضرب أو يقعن 
ضحايا عنف يصل أحيانا إلى حد إزهاق الأرواح . هناك "٠‏ مليون امرأة مفقودة'. 
و٠"‏ مليون تعرضت للتشويه . وأكثر من "1 مليون مصاب بالإيدز - 5١‏ 96 من 
بينهم فى إفريقيا بينما لا تخصص,ميزانية أبحاث هذا المرض سوى 5 0 فقط لهذه 
الفئنة » كما أن العلاج مازال منحصرا فى أماكن محددة فى الغرب » وبالتالى هو 
ليس فى متناول أيديهم . كذلك هناك وأد الفتيات فى الهند وظروف العمل البشعة 
التى يتعرض لها الأطفال فى كشير من دول العالم » كذلك هناك - على ما أعتقد - 
مليار أمسى فى العالم , و ٠‏ ؛ ١‏ مليون طفل لم يدخلوا المدارس .. أفكر أيضا فى 
الإبقاء على عقوبة الإعدام وظروف تطبيقها فى الولايات المتحدة ( وهى 
الديمقراطية الغربية الوحيدة التى تعرف هذه الحالة , والبلد الذى لا يعترف أيضا 


252 


باتفاقية حقوق الأطفال , وحينما يصلون إلى سن البلوغ تطبق عليهم العقوبات 
المقررة ضد القصر . ) والحقيقة اننى استدعيت من الذاكرة هذه الأرقام الصادرة 
عن تقارير رسمية لأعطى فكرة عن حجم المشكلات التى تستدعى تضامن " دولى" 
والتى ما من دولة أو حزب أو نقابة أو منظمة خاصة بالمواطنين تأخذها بالفعل على 
عاتقها. هذه الدولية ستهتم بجذب المهتمين بالسياسة والحقوق والأخلاق ٠‏ وبكل 
من يعانون ٠‏ بصرف النظر عن انتماءاتهم . 

كل هذا يجعلنا نتساءل , هل تقسيمة اليمين واليسار مازالت صالحة ؟ 

أعتقد أن هذا التقابل أاصبح اشد ضرورة وفاعلية عنه فى أى وقت مضى . 
حتى بعد أن زادت الانقسامات وأصبحت المعايير شديدة التعقيد كما بالنسبة لمسألة 
اليورو على سبيل المثال . صحيح أن هناك يمين ما ويسار ما متحالفين بصورة 
موضوعية باسم قيم " قومية " او قيم سياسة اجتماعية أو الاثنين معافى إطار 
احترام " القومى" والأجتماعى" » ولكن هناك يسار آخر ويمين آخر يتحالفون 
أيضا لصالح أوربا ولصالح اليورو. والحقيقة أن منطق وأسلوب الجانبين متشابه 
للغاية حتى وان اختلفت الممارسات والتطبيقات والمصالح . وحتى أعطى إجابة 
مختصرة لسؤال يستدعى شرح طويل ساكتفى بالقول ان اليسار ‏ فيما ارى - هذا 
اليسار الذى أود أن أجد نفسى فيه تحديدا هو الذى يحلل اليوم منطق هذا اللبس 
الجديد المثير للقلق .. اليسار الذى يخاول أن يغير بالفعل من بنية هذا المنطق ومن 
بنية السياسة ذاتها . أنا مع كل نتاج هذه النوعية من الخطاب السياسى. وأنطلق فى 
هذا من أبسط الحقائق البديهية : فاليسار هو الرغبة فى تأكيد المستقبل .. فى 
التغيير وتحقيق المزيد منه بأكبر قدر من العدالة الممكنة. ولا أعنى بهذا أن اليمين 
بشكل عام لا يعنيه التغير أو العدالة ( فهذا فى حد ذاته غير عادل ) ولكن اليمين لا 
يجعل من هذا هدفه الأول أو مسلمة من مسلمات عمله. ولنرجع إلى ففروق لم يعف 
عليها الزمن » رغم التحول العميق الذى طرا على تصور العمل ذاته . فاليسار يرجح 
دائما عاند '" العمل " على عاند " رأس المال " . أما اليمين فسيظل يزعم دائما أن 
الثانى شرط للأول . فاليمين يسعى للحفاظ ولكن على ماذا ؟ وأبعد من بععض 
المصالح والسلطات والثروات ورؤوس الأموال والمعايير الاجتماعية 
والأيديولوجية ومن مجرد سياسة ما , سيحاول اليمين دائما الحفاظ على بنية 
تقليدية ما " للسياسة " ذاتها وللعلاقة بين المجتمع المدنى والأمة والدولة . فإذا 


253 


تمسكنا بهذه المقابلة بين اليسار واليمين» فليس من السهل ‏ وأنا متأكد من هذا - 
أن تكون يساريا أو أن تكون يساريا كل يوم.. إنها استراتيجية عسيرة. 

اختفاء الدولة وعجز السياسة هما من المشكلات الرئيسية التى تسببت فيها 
العولمة . وفى نصك الذى نشرته تحت عنوان "مواطنو جميع الدول .. بععض 
الجهد! " حاولت أن تطرح فكرة ما خاصة بحق جديد فى اللجوء السياسى وفصل 
جديد بين السلطات بين مختلف مناطق السياسة مع تصور وضع جديد ممكن للمدينة 
. فى اعتقادك كيف.يمكن أن يكون رد فعل الفلسفة إزاء هذه المشكلات التى تنطوى 
على قدر من التخيل المؤسسى؟ 

لست متأكد فى الحقيقة من مدى فهمى لما تسميه " تخيل مؤسسى" . إن أي 
تجريب سياسى - مثل تجربة إقامة مدن / ملاذ » وعلى الرغم من حدودها ومن 
طابعها البدائى - هذا التجريب وأى تجريب ينطوى فى حد ذاته على بعد فلسفى. 
فهو يجبرنا على التفكير والتساؤل فعليا بشان جوهر وتاريخ الدولة. أى تجديد 
سياسى فيه إذا شىء فلسفى ٠‏ والفعل السياسى " الحق " لابد أن يستدعى دائما 
فلسفة . وكل فعل , كل قرار سياسى لابد أن يخلق معياره وقاعدته الخاصة . وفعل 
كهذا هو فعل فلسفى. قد أبدو متناقضا » ولكننى اعتقد أنه لابد من مكافحة مما تسميه 
" اختفاء الدولة " ٠‏ لان الدول قد تحد أحيانا من قوى الملكية الخاصة . وتمركز 
القوى الاقتصادية وقد توقف تيار عنيف يحارب التسيبس باسم " السوق " . على 
أن نقاوم الدولة حينما تلتحم كثيرا بالقومية وبالدولة القومية أو بتمثلات يكون لها 
هيمنة اقتصادية. لابد من التحليل فى كل مرة؛ء ومن ابتكار قاعدة جديدة. لابد من 
معارضة الدولة مرة وتدعيمها أخرى التعضز اشرق رمن امتذادا عضر 
الدولة » على عكس ما يظن دائما . وعودة البعد السياسى وإلحاحه لا يجب أن تاتى 
على حساب تبجيل جديد للدولة . لابد من الفصل بين الأشياء ومن قبول ممارسات 
مركبة تفرق بينها . 

تؤكد دائما أن فلسفتك تقوم على المفارقات . وتوضح بشكل خاص كيف أن 
فلسفات العدالة والصداقة المعروفة تقود إلى متناقضات . ولكن فى نفس الوقت 
نلمحك فى حججك أنك تجنح دائما إلى المطالبة بعدالة غير مشروطة . ووجود فكرة 
صداقة " مختلفة" . الا تخد تخشى أن تثبط فلسفتك همة أى مشروع سياسى مسن بدايته 


254 


مخافة أن تحدث مفارقة أو تناقض؟ وعن التزامك السياسى : هل نقول أنه ضبد 
فلسفتك أم أن علينا أن نرى فيه أسلوب تفكيكى للممارسة السياسية ؟ 

نعم » أفعل كل ما استطيع لأوانم بين " التزاماتى " وفكرى " التفكيكى " 
وهذا ليس هينا ولا أدعى أبدا أننى على يقين من إمكانية تحقيق هذا ء فهذا الأمر 
ليس محل معرفة أو يقين . تثبيط العزم الذى تتحدث عنه » أحيانا ما أشعر به مثلى 
مثل الآخرين ؛ ولكنه فى نظرى تجربة ضرورية . فلإن كان كل مشروع سياسى 
شىء مطمئن أو نتيجة منطقية أو نظرية لمعرفة أكيدة (حتى ليمثل مصدر سعادة » 
بدون تناقضات أو مفارقات ولا تعرض لأى ششىء . ودون حاجة لاتخاذ قرارات 
قاطعة ) فسيتكون أشبه بآلة تعمل دون حاجة إلينا ودون مسؤولية أو قرار » ودون 
محنة الوقوع فى التناقض أو التردد فى اتخاذ القرار . 

تحتل مسألة " القرار " مكانة أساسية فى فكرك . فهل حدثتنا عن القرار مسن 
منظورك الفلسفى . وهل يحل بصورة ما محل العدل ؟ 

هو لايحل محل العدل ولكن مستحيل فصله عنه . لايوجد شىء سياسى أو 
قانونى أو أخلاقى بدون مسؤولية قرار. ولكى يصبح القرار عادلا لابد ألا يكتفى 
بتطبيق معايير أو قواعد قائمة بالفعل ‏ وإنما عليه أن يجازف بصورة مطلقة ٠‏ تبعا 
لخصوصية كل موقف , وأن يكون له مبرراته الخاصة به فى كل مرة وكأنها المرة 
الأولى حتى وإن كان يمثل عادة . لا استطيع ( بسب ضيق المكان ) أن أشنرح هنا 
مفهومى عن القرار . فالقرارء حتى وهو قرارى » قرار نشط حر . لا يجب أن يكون 
مجرد قدرة على نشر طاقاتى وإمكانياتى وما هو " ممكن بالنسبة لى " . فحتى 
يكون قرار لابد أن يوقف هذا " الممكن " وان يمزق تاريخى وأن يكون أولا قرار 
الآخر النابع منى .. قرار الآخر من أجل آخر فى داخلى. لابد أن ينطوى على تناقض 
فيه قدر من السلبية لا تخفف أبدا من مسؤليتى. هى متناقضات يصعب إدراجها فى 
إطار خطاب فلسفى تقليدى , ولكننى لا أعتقد أن أى قرار - إذا ما وجد - ممكن أن 
يوجد على أى نحو آخر. 

فإذا كان أى التزام سياسى معرض للوقوع فى تناقضات ,٠‏ ألا يجدر بنا إذا أن 
ننسى التناقض ونصبح براجماتيون ؟ لنفعل ما يتعين فعله .. وما عدى هذا سيكون 
نوع من الميتافيزيقا السياسية؟ ش 


2255 


ما تسميه " نوع من الميتافيزيقا السياسية " يعد بالنسبة لى بالضبط إغفال 
للتناقضات . وهذا ما نجنح كثيرا لفعله . ولكن كيف السبيل الى نسيانها ؟ وأى 
'"'براجماتية" هى تلك التى تقوم على تجنب التناقضات والمشكلات التى تبدو بلا 
حل؟ ألا تعتقد أن هذه البراجماتية المزعومة سواء كانت واقعية أم تجريبية ستكوت 
نوع من الخيال الميتافيزيقى فى أقصى صوره غير الواقعية ؟ 

هل نقول أن ما خلصت إليه من تناقضات هو مأسويا إذا ؟ وأن كان الأمر 
كذلك. ألا يجدر أن نعترف أن كل خطاب تاريخى ماسوى ينطوى دائما على 
تضمينات تمثل إشكالية من منظور سياسى؟ ألا يعد هذا درب من ميتافيزيقا التاريخ؟ 

صحيح » غالبا ما أشعر بهذه التناقضات وكأنها عذابات ماسوية بالمعنى العام 
والشائع لهذا اللفظ (بكل ما فيها من جدل مفزع وتناقضات تطوقنا . وتشعرنا بأننا 
مهما فعلنا فلن نأتى بما نرضى عنه. وسوف يكون ثمن هذا فى كل الأحوال باهظا) 
ولكن وراء هذا الشعور المأسوى يكمن معنى عكسى يناقض "ميتافيزيقا التاريخ”" 
و "الماساة" (بما فيها من معانى الحتمية والخضوع للقدر). لقد ألفت كتابا مؤششرا 
عن " أطياف ماركس " كان محوره أن هذه الأطياف لم تعود لأنها كانت دائما 
بيننا. وإذا اعترفنا أن جزء من الماركسية على الأقل كان له طابع شمولى فأى شىء 
ستقوله لنا هذه الأطياف ؟ علينا أن نخث-ى أن تعود أطياف الشمولية مع أطياف 
أخرى نسعى لعودتها. بالطبع » علينا أن نخشى هذاء وهو أحد الدروس التى عليتا 
أن نستخلصها من التجربة الشمولية ومن الفشل المخيف الذى حاق بالماركسية 
السوفييتية . ولكن يجب الا يتحول هذا الحذر إلى ذريعة أو حجة لاستبعاد كل مبا 
علمنا إياه ماركس وكل ما من شأنه حضنا على ترك العمل بدلا من حثنا عليه. هذا 
"المستحيل" الذى أتحدث عنه كثيراء ليس طوباوية؛ ولكنه مرتبط بالرغبة فى 
العمل واتخاذ القرار» إنه صورة الواقع ذاته. فيه صلابته وقربه وإلحاحه. 

من بين المشكلات العالمية المتعلقة بالرأسمالية والتى قمت بتحليلها فى " 
أطياف ماركس " بدت قضية اللاجئين ومن لا وطن لهم من أكثر القضايا إلحاحا 
بالنسبة لك . وفى كتاباتك الأخيرة» نستطيع أن نستشف أحد الموضوعات المحورية 
فى كتابات حنا آريندت » فيه تقدير مطلق للضيافة غير المشروطة. كيف يمكن لهذّه 
الضيافة أن تجد حلا لمشكلات الاجئين فى المجتمع العالمى؟ 


236 


: لا يمكن فصل الضيافة غير المشروطة عن فكر العدالة ذاته » وهى مازالت 
غير مطبقة على هذا النحو . والحقيقة أنه يستحيل أن نصيغها فى صورة قواعد أو 
تشريعات. وإن أردنا ترجمتها مباشرة إلى سياسة فقد يفضى هذا دوما إلى نتائج 
سيئة . ولكن مع الانتباه لمثل هذه المخاطرء فإننا لا نستطيع أن نتنازل - ولايجب 
أن نفعل - عن الحديث عن الضيافة غير المشروطة . فهو قطب مطلق لا يمكن أن 
يكون للرغبة أو للتصور أو للتجربة أو لفكر الضيافة نفسه أى معنى خازجه. ولابد 
من التاكيد مرة أخرى على أن هذا القطب ليس مجرد " فكرة " بالمعنى الكانطى 
للأمر . وإنما هو مكان يتحدد من خلاله مدى إلحاح الحالات الملموسة . وثم تجمىء 
مهمة السياسة متمثلة فى إيجاد أفضل " تشريع " ممكن وأفضل تصور لظروف " 
قانونية " تكفل عدم انتهاك المبادىء التى تقوم عليها أخلاقيات الضيافة بحيث 
تحترم على أفضل وجه . ولكى يتحقق هذا لابد من تغيسير القوانين والعادات 
والتخيلات القائمة » أى لابد من تغيير " ثقافة " بأكملها . وهذا ما نسعى إليه 
حاليا. ولعل ردود الأفعال العنيفة المعادية للأجانب أو للقومية هى أحد أاعراض هذا 
الأمر. لقد أصبحت المهمة اليوم عاجلة وشاقة » ففى كل مكان - خاصة فى اوروبا 
- تستدعى التشريعات الدولية فى هذا الصدد إعادة تشكيل تام . وقد شهدت تجربة 
اللاجئين فى هذا القرن تغيرا أكد أن السياساتٍ المتعلقة بهذا الموضوع والقانون 
المنظم له قد عفى عليهما الزمن . لقد تغير تماما معنى كلمات مثل "'لاجىء - منفى 
- مبعد " ١‏ حتى كلمة " أجنبى" تغير معناها . فقد أصبحت تستدعى خطابا آخر 
وإجابة عملية وتغير أفق السياسة والمواطنة والانتماء للدولة أو للقومية . 


ما العمل إذا إذا كانت قوانين " الضيافة " (إن كان ثمة قوانين بخصوصها) 
ليست إيجابية ؟ هل يظل المواطنون بدون حقوق مدنية ؟ 

نعم » حتى تصبح قوانين الضيافة قوانين إيجابية . فإن استحال الأمراء فعلى 
كل واحد منا أن يبحث فى نفسه وضميره ما يتعين عليه فعله ( متى وأين وكيف 
والى أى حد) بدون ن الة:.انين أو حتى ضدها. حينما نادى البعض منا " بالعصيان 
المدنى" فى فرنسا أثناء قضية استقبال من " ليس لديهم أوراق رسمية " لم تكن 
دعوى لخرق القانون بصورة عامة , ولكنها كانت دعوة لعدم الانصياع لقوانين بدت 
لذا فى جد ذاقها متعارظة امع ميالاى #دستور :ا ومع الفكارات دواية ومنغ حقوق 
الإنسان.. أى مع قانون كنا نظنه أعلى من هذاء أو على الأقل كنا نعتقد أنه غير 


237 


مشروط . لقد نادينا باسم هذه القوانين العليا ' بالعصيان المدنى" فى إطار ظروف 
محددة . ولن استخدم كلمة العفو (وعلينا ألا نربطها بمضامين دينية غامضة ) وهى 
جديرة بالاهتمام ولكنها تستدعى مناقشات أخرى. 

ماهى ميزة فكر الاستضافة مقارنة بتصورات أخلاقية عالمية . هل هى 
قضية ملموسة أكثر . تمنح تصورا لعدالة موجهة دائما لفرد آخر ؟ 

نعم » أتفق معك على هذه الصيغة. وانطلاقا مما قلته منذ لحظة ( بخصوص 
مشاكل الحدود والدولة القومية وترحيل الناس ) أرى أن موضوع الضيافة هو منٌ: 
أكثر القضايا الملموسة إلحاحا اليوم » ويطلب تطبيق القواعد الأخلاقية على 
السياسة. 

ولكن سيكون من العسير أحيانا أن نثق بضيافة تسير وفقا لما تقتضيه قواعد 
الأخلاق لأسباب أمنية قانونية.. فإلى أى حد إذا يرتبط فكر الاستضافة غير 
المشروطة بنظام قانونى عالمى؟ وهل لديك تصور لقانون مدنى عالمى يصلح 
لجميع البشر ( مثل قانون المواطنة العالمية لكانط)؟ وكيف لنا أن نتصور مثل هذا 
القانون دون وجود دولة عالمية لضمان مسالة الشرعية. 

هى قضية تهمنى بالفعل » وأطرحها فى حلقاتى الدراسية منذ عدة سنوات. 
الرجوع إلى طرح كانط ضرورى ولكنه غير كاف . فحق المواطنة العالمية الذى 
يتيح ما يسميه كانط "الاستضافة العالمية" سيمثل اليوم بالفعل تطورا هائلا إذا 
أرادت الدول تطبيقه .. ولكنه أمر بعيد جدا عن الواقع . شم أن كانط يضع حددؤا 
وشروطا لممارسة هذا القانون ( الذى لا يمنح إلا للمواطنين بصفتهم مواطنين » أى 
أنه سيمنح من دولة الى دولة » على أن يكون مجرد حق فى الزيارة وليس للإقامة » 
إلا فى حالة وجود معاهدة خاصة بين الدول » مثل اتفاقيات شان جان الأوربية ) لابد 
من ابتكار شرعيات وقانون يزيل الحدود » ولا بد من إبرام اتفاقات بين الدول تتيح 
التصدى لهيمنة بعض الدول . ولكننى بالتاكيد ضد وجود دولة عالمية واحدة ! 
ولترجع لما قلناه منذ حين عن الدولة . وعموما لم يعتقد كل من كانط و آرندت الذى 
تحدثت عنه منذ لحظة فى إمكانية أو فائدة وجود دولة عالمية . أعرف أن المشكلة 
لاحل لها . ولكن المشكلة المعروف حلها هل ستمثل مشكلة بالفعل ؟ 


258 


فى كتابك " الرأس الآخر " أدليت باعتراف واضح عن الديمقراطية الأوربية 
ومع ذلك تبدى أحيانا بعض التحفظ إزاء مؤسسات هذه الديمقراطية , فما أسباب 
هذا التحفظ ؟ هل هى متعلقة بالبنية أم بتنفيذ خاطىء لأفكار جيدة ؟ 

حتى لا آخذ وقتا طويلا أقول بشكل عام إننى " ضد " كل من هم " ضد " 
أوربا . مخاوفى وتحفظاتى لابد أنك عرفت أساسها . فأنا ضد الإسراع بالتوائم 
ووضع مازال عقائدى ملتبس نسميه "العولمة " » وضد نظام أقتصادى نقدى يولى 
ثقة زائدة بمعرفة خبراء مازالوا غير واثقين من أحكامهم » وضد إعادة بناء دولة 
قومية على نطاق واسع تقع تحت هيمنة ديمقراطية مسيحية أحيانا معلنة » وأخرى 
تعارض مركزية أوربية لم تدرس وضعها جيدا. ومع الأخذ فى الاعتبار عدم التوائم 
بين ديمقراطية قائمة وديمقراطية قادمة إلا أننى لا اعتقد أن علينا وقف عملية 
توحيد أوربا باسم هذه التحفظات . فالديمقراطية تقتضى أن نكافح ونناضل من داخل 
التيار القائم حتى يسير فى اتجاه مغاير. ش 

من الملاحظ أن الخلفية الأخلاقية لنظريتك ظلت واضحة دائما فى كتاباتك 
حتى وإن خفتت أحيانا . ولكن لماذا احتلت العدالة مؤخرا مكان الصدارة فى أعمالك؟ 
وهل أصبحت الحاجة إلى وجود فكر للعدالة وإلى تطبيقه أكثر إلحاحا ؟. 

ماتسميه " خلفية " أمر واضح ومقروء بالفعل دائما أبدا. ولكن لمعرفة ما هو 

مقروء لابد من قدرة على القراءة صحيح أن خلف هذه الكلمات وهذا الشكل ‏ لم يكن 
لهذه الموضوعات أن تظهر فى الصدارة إلا بعد مرورها بمرحلة نظرية نقدية تحد 
من عملية سوء الفهم » ولكننى لا أعتقد إنه اختفى وإنما ربما أصبح أهون قليلا فقط 
لمن يجيدون القراءة . لا ء لا أعتقد أن الأوضاع ازدادت تدهورا فى العالم . فنفس 
هذه المشكلات موجودة للأسف منذ 0" عام .. ولكن الإعلام لم يكن بهذه السرعة. 

حدثنا فى بضع كلمات عن هذا الانفصال الغريب الذى حدث بينك وبين الجيل 
الثانى من مدرسة فرانكفورت كما وضع معالمه هابرماس ٠‏ خاصة:وقد أصبح بديهيا 
أن هناك بعض التوازيات اللافتة . ونحن نتساعل إن لم يكن هناك بالأحرى سوء 
تفاهم فلسفى أو سياسى وراء الموضوع؟ 

مرة أخرى تطلب إجابة قصيرة على سؤال يستدعى - وآمل أن بظل يستدعى 
- إجابات مطولة؛» ليس فقط من جانبى . صحيح -. وهذا شىء يسعدنى للغاية - إن 


259 


هابرماس وأنا نجد أنفسنا غالبا فى نفس الجانب ؛ وأننا متضامنين إزاء القضايا 
السياسية الملحة . بل أحيانا ما تكؤن قضايانا مشتركة (بخصوص محافل عالمية 
مثل البرلمان الدولى للكتاب على سبيل المثال أو ال 1514© التى تهتم بالمثقفين 
والصحفيين المضطهدين فى الجزائر وخلافه ..) أعتقد أننى دائما ما تفهمت وأيدت 
أغلب المداخلات السياسية لهابرماس فى ألمانيا. أما بخصوص ما ألمحت إليه من 
وجود خلافات " فلسفية" خطيرة مباشرة أو غير مباشرة تخص أوروبا أو غيرها 
فقد شرحت موقفى منها منذ بضع سنوات. ولكن هل هذا التضامن السياسى المبامر 
يجعل: هذه الاختلافات مجرد سوء فهم ؟ لست متاكدا من هذا. بل ائنى أتساءل إن 
كان نقاش عميق , دقيق . وقوى بيننا لن يظهر اختلافات سياسية عميقة بل عدم 
إتفاق حول جوهر " السياسى " ذاته ٠‏ وجوهر " الرباط الاجتماعى" وجوهر " 
اللغة " من شأنه جعلنا نحدد جهود جديدة جيدة فى هذا الصدد ؟ آمل أن يتم مثشل 
هذا الحوار فى الغد أو فى القريب العاجل. سواء بيننا مباشرة أو من خلال آخرين »2 
وأتمنى أن يكون وديا حاسما . 

يعد إيمانويل لفيناس- على ما يبدو لنا - أحد أهم الفلاسفة بالنسبة إليك . 
والملاحظ أن الفكر الفرنسى الكاثوليكى والمحافظ يتبنى حاليا أفكاره تماما. بما تفسر 
هذا الاهتمام » وما كيف ترى الأمر ؟ هل هو رهان فلسفى محض ء أم أن فيه 
تضمينات قد تفسر لنا الموقف السياسى للجامعات الفرنسية أو أقسام الفلسفة ؟ 

عندك حق , هذا الرهان وهذا الوضع يستدعى تحليلات فطنة . تعرف إعجابى 
بلفيناس وعرفانى بجميله . بل اننى اعتبر فكره حدشا ضخما فى هذا القرن. ولكن 
هذا التبنى المقلق الذى تتحدث عنه ليس فقط كاثوليكيا أو متحفظا . فربما كان نابعا 
أيضا من فكر "أخلاقى" ساذج » أو من إعلام يبسط الأمور ويجعلها ماسخة. لقد 
حاولت أن أقاوم هذا الأمر على طريقتى من خلال بعض الكتابات التى تتناوله واركز 
ربما بصورة غير معلنة وإنما بوضوح على تحفظات من كل نوع؛ وأبدى بصفة 
خاصة بعض المخاوف السياسية (مثل موضوع الأمة وإسرائيل » أو التناقض الذى 
ينطوى عليه مفهوم "الثالث" أو "العدالة" » وتحريف قد يحدث لمفهوم لفيناس 
الأخلاقى » وأنه فى قلب الاستقامة لامناص أحيانا من بعض "الحنث")! 


2060 


دريدا والفكر العربى المعاصر 
أحمد عبد الحليم عطي (-) 
58 1 
حين طرحت مجلة الوحدة اشكالية " الفلسفة العربية بين الابداع والاتياع 
"منذ عقد ونصف ء. اشار البعض الى ملاحظة هامة فى العلاقة بين " الفلسقة 
العربية والدرس الفلسفى الغربى " تحتاج الى اعادة نظر » هي انه بالرغم من انقا 
نعيش حاليا ثورة منهجية اصابت الفكر المعاصر . شورة تدخل فى تحول معرقفى 
اساسى بدأت بوادره فى الظهور منذ نهاية القرن الماضى ومطلع القرن الحالى . 
ويتمثل هذا التحول فى الثورة اللسانية مع دى سوسير والشورة الابستمولوجية مع 
بشلار والوضعيين المناطقة الجدد ١‏ والثورة التحليلية مع فرويد ولاكان ؛ والشورة 
البنيوية مع ليفى ستروس ٠.‏ والثورة التاريخية مع فوكو واتباع "مدرسة الحوليات 
الفرنسية" بزعامة بروديل وما يلاحظه الباحث . ليس ان اغلب المؤلفات والكتب 
التى تعكس هذه الثورات مازالت قلاعا منيعة لم تستطع اللغة العربية بعد اقتحامها 
بترجمتها وتقريبها الى القارئ العربى فحسب ٠‏ بل ان الفكر العربى نفسه مازال 
قلعة منيعة لم يستطع هذا التحول اقتحامها لتستوعبه وتتمثل جوانب الجدة والطرافة 
فيه » وتستخلص دروسه المعرفية والمنهجية () . 
يريد صاحب هذا الرأي ان يخبرنا بعدة امور منها: انه مهتم بالثورة 
المنهجية والتحول المعرفى المعاصر , لدى بشلار » وفوكو . ومدرسة الحوليات 
الفرنسية وغيرهم . وان هذه المنهجية وهذا التحول المعرفى لا يجدان قبولا لدى 
غيره , بل صدأ لدى الكثيرين سواه » ويسعى كى يجد صدى لمثل اهتماماته لدى احد 
أعلام الفكر الفلسفى العربى المعاصر فلا يظفر بها ('). وهو يسعى جاهدا الى ترجمة 
بعض هذه المؤلفات ٠‏ خاصة لفوكو ٠‏ ويستخدم بعض مصطلحاته في عناوين اكثر 
من كتاب من كتبه مثل : حفريات الاستشراق. وحفريات المعرفة العربية 
الاسلامية(550١).‏ ونلاحظ ان جهد صاحبنا فى الترجمة بعد ملاحظته وجهد غيره 
من العرب قد ساهم الى حد كبير فى اعادة النظر فى هذه الملاحظة فاغلب مؤلفات 
دى سوسيرء وبشلار » وفوكو ودريدا قد ترجمتء. وعرفت. ودرست فى العربية» بل 
ان الفكر العربى نفسه تعامل مع هذا التحول؛ وتمثل كافة جوانب الجدة والطرافة فيه 


(*) أستاذ الفلسغة بجامعة القاهرة 


261 


ونحن نسعى الى هذه الدراسة الحالية بيان كيف تعامل الفكر العربى والمفكرون 
العرب مع تيارات الفكر المعاصر , ومنها فلسفة الاختلاف ومنهج التفكنيك لدى 
الفيلسوف الفرنسى المعاصر جاك دريدا 272108 .ل التى امتلات بكتاباته ساحة 
الفكر العربى ٠‏ وانشغلت به الثقافة العربية وتكاثرت المجلات وتسابقت فى نقل 
معالم هذه التيارات المختلفة ٠‏ وكتابات اعلامها » والكشف عن نصوصها المعروفة 
والمجهولة ( . ونقد بعضها لبعض ١‏ . وتطبيق ادواتها ومناهجها على مجالات 
ومراحل وبدايات الفكر العربى الاسلامى () . فبالاضافة الى مجلتى الفكر العربى 
المعاصر والعرب والفكر العالمى , اللتين يعد المسنول عنهما من أشد الداعين الى 
المناهج الحديثة » وفلسفات ما بعد الحادثة والاختلاف7') . فان هناك أيضا مجلة بيت 
الحكمة ؛ التى خصصت اعدادا متمايزة لفوكو. وليفى ستروس . ولاكان وغيرهم » 
ومجلة الحكمة التى ظهرت منذ عام ونقلت فى اول اعدادها مقالة دريدا عن 
"الاختلاف" '(". بل اننا نجد احدى هذه المجلات تحمل عنوان "الاختلاف ". 
لقد عرفت الثقافة العربية دريدا » وترجم عدد من نصوصه . ووضعت الكثير من 
الدراسات حوله وشروح عليه للتعريف بفلسفته وتطبيق منهجه؛ سواء فى الفلسفة 
او النقد الادبى او السوسيولوجيا. وقد نهض بهذا الجهد أسماء لامعة من الباحثين 
وأساتذة الجامعات والمفكرين العرب من اقطار عربية عدة . بحيث يمكننا القول ان 
صاحب هوامش الفلسفة قد أصبح جزءا من متن النص الفلسفى العربى المعاصر. 
وانتقلت فلسفته من الغياب الى الحضور وتحولت افكاره من المسكوت الى المعلن 
عنه. ومن اللامفكر فيه الى المنقول منه 1 
ويهمنا فى هذا التمهيد طرح بعض التساؤلات حول " الفلسفة العربية 
والدرس الفلسفى الغربى " وكيفية تمثلها لاتجاهاته المختلفة ؟ وصورة هذه 
الاتجاهات لدى المفكرين العرب ؟ وما طرأ عليها من تعديل او أضافة » حذف او 
استبعاد ؟ وكيف عرفت فلسفة الاختلاف طريقها الى الفكر العربى ؟ والعوامل التى 
ساعدت فى " الكتابة " عنها ؟ وهل هى مذهب يضاف إلى المذاهب الفلسفية 
المعروفة فى تاريخ الفلسفة فى الغرب: العقلانية والتجريبية: الفينومينولوجيا 
والوجوديةء أو هى منهج يتعامل مع تاريخ الفلسفة ويقرأ نتصوص الفلاسفة قراءة 
مغايرة ؟ وهل التعامل مع فلسفة الاختلاف اكتفى بنقل نصوص "جاك دريدا" 
والدراسات المختلفة حول التفكيكية» أو عاد إلى الأصول التونهل منها فيلسوف 
فرنسا المشاغب: نيتشه وهيدجر وفرويد؟ وهل عرض للأفكار الرئيسة لفلسفته: 


202 


الكتابة» الأثرء الاختلاف, الإرجاء ٠‏ أو طبق منهجه في قراءة تاريخ الفكر والثقافة 
العربية الإسلامية؟ وما هو السياق الذى انتقلت من خلاله فلسفة التفكيك والاختلاف 
إلى الفكر العربى؟ وما الموقف منها؟ كل هذه الأسئلة وغيرهاء التى تنطلق من 
الفلسفة المقارنة» وسوسيولوجيا المعرفة. وشروط إنتاج المعرفة واستخدامهاء 
ونقلها من واقع ثقافى غربى إلى واقع ثقافى مختلف تقتضى منا النظر فى صورة 
"دريدا" فى الفكر العربى المعاصر. والسؤال المحورى الذى تطرحه هذه الدراسة., 
هو مدى قدرة منهج التفكيك وفلسفة الاختلاف على طرح ومعالجة قضايا الفكر 
العربىء وفتح آفاق المستقبل أمام فكر قادر على طرح إشكالياتنا وتقديم رؤية 
واضحة لها؟ وهل تصلح فلسفة دريدا فى الاختلاف. وقراءته لتاريخ الفكر الغربى» 
وجهود المفكرين العرب الذين ساروا فى نفسه الاتجاه فى إعادة النظر لتاريخ الفكر 
العربى؛ وتغير نظرتنا للثوابت التى تحكم حياتنا الفكرية؟ لن يتسن لنا بيان ذلك إلا 
بالإشارة إلى كتابات دريدا التى نقلت إلى العربية؛ وما لم ينقل منهاء والدراسات 
المختلفة عنها سواء وضعها باحثون غربيون أم عرب و المجالات المعرفية 

لقد ربط لقاء الرباط بين دريدا والعرب ووثق العلاقة بين المفكر لافرشسى 
والمثقفون العرب وفى احد دراسات هذا اللقاء كتب صاحبها مثلما بين دريدا 
والعربية » ثمة بين العربية وفكر دريدا " حكاية " كاملة تاريخ طويل من المقاربات 
المنهمسة والتوق الفعال ٠‏ مواعيد مضروبة ء متحققة تارة ومرجأة طورا بباعث 
من الظروف ٠‏ عارفة , دائما الانتظار وتحفيز الانتظار . واذا لم تكن مؤلفاته 
مترجمة بكثرة الى لغة الضاد فالملفات المخصصة له والقراءات والعروض الفكرية 
لاعماله والمحاورات معه ... كله هذا يشهد على انه ربما كان الفيلسوف المنتظر 
فى العربية اكثر من سواه . كشيرا يصار الى الرجوع اليه والاستشهاد به » عبر 
نصوصه او نصوص موضوعة فى نصوصه . وفى أقطار عربية مشهورة الغليان 
الثقافى » عنيت مصر والعراق وفلسطين يقرأ فكره عبر ترجم وعروض انجليزية 
وأمريكية (..) اجل» فى هذه البقعة الواسعة من العالم ايضاء تتحدث اللغة دريدياء 
ولنا ان نتشوف الثراء الذى يمكن ان يتحقق اذا ما قيض لهذا كله ان يبسط مطارجه 
ويلتقى بخطه.(كاظم جهاد: الى دريدا (فيما ترجمه ) لقاء الرباط مع 
دريداو(ص؟5١1 .)1١184‏ 

وفى نفس الاتجاه يقدم عادل عبدالله فى كتابه " التفكيكية ارادة الاختلافف 


2063 


وسلطة العقل " الصادر في دمشق ١5517‏ موقفا تأويليا خاصا من فلسفة دريدا كما 
يتضح من قوله: "حرصت فى هذا المؤلف على تجاوز واهمال الكثير من المفاهيم 
الشائعة التى علقت بمفهوم بمفهوم الاختلاف.. ولم احتفظ الا بالنزر اليسير الذى 
اعتقد بصحته والذى يصدر عن حقيقة التفكيك ذاتها وبما ينسجم ومنهج الكتاب" 
الامر الذى يؤدى الى القول هنا ء بان ثمة فهما خاصا تأويلا عميقا واضاءات 
معرفية جرى استنباطها من حقيقة ما هو عليه فكر دريدا .. سنمضى فى تأكيد هذا 
الفهم والتاويل الخاص بغض النظر عن اتفاقه او اختلافه مع ما هو شائع " (صه) 
ويحرص الكاتب على التأكيد بان عمله ليس فقط حصيلة البحث فى مؤلفاته دريدا 
والباحثين فى فلسفته انما نتاج تجربة ذاتية شبيهة بالتجربة المعرفية لجاك 
دريدا.(ص١)‏ . ش 

وهو يناقش قضايا : التفكيك والاختلاف والاخر . هل تمكن دريدا من تقديم 
فكر مختلف والقضاء على سلطة اللوغوس وميتافيزيقا الحضور »ء وايهما كتب له 
البقاء هيجل الميتافيزيقى ام دريدا التفكيكى؟ . 

لقد ترجم كاظم جهاد - الذى كتب كثيرأ عن التفكيكية وعن دريداً - عدة 
دراسات عن "الكتابة والتفكيك" وصدرت فى كتاب عام (١4484‏ كما ترجم "هل 
هناك لغة فلسفية" مقابلة مع دريدا(”') وكتب دراسة مطولة بعنوان "مدخل إلى 
قراءة دريدا". وترجم جابر عصفور مقالة دريدا "البنية» العلامة» اللعب" مجلة 
فصولء المجلد الحادى عشر 20001557. وترجمت مجلة العرب والفكر العالمى 
مقالة: "توقيع» حدث» سياق" وهو عمل يجمع بين محاضرة دريدأ عن "التواصل" 
ورد جون سيرل عليه؛ وجواب دريداء وملاحظاته””') وترجم جورج أبو صالح 
"أفكار حول جهنم" فى مجلة العرب والفكر العالمى وهى فصلان من كتاب دريدا 
"التجربة الحد""7"). وترجم فريد الزاهى ‏ الذى نقل لنا بعض كتابات الخطيبى عن 
الاختلاف - عدة حوارات لدريدا باسم "مواقع" 4:002457). ونقلت هدى شكرى 
عياد "الاختلاف المرجىء عن الإنجليزية بمجلة فصول القاهرية . وترجم منذر 
العياشى كتاب "أطياف ماركس" وهى محاضرات ألقاها فى جامعة كاليفورنيا فى 
7 وظهر بالعربية فى يناير 155 ١.وكذلك‏ صدر عن لقاء الرباط مع جاك دريدا 
" لغات وتفكيكات فى الثقافة العربية » ترجمة عبد الكبير الشرقاوى ؛, دار توبقال 
6 . ونشر له بالعربية فى القاهرة " ما الذى حدث فى " حدث " ١١‏ سبتمبر؟ 
قبل ان ينشر بالفرنسية ٠٠١7‏ وقدمت مجلة ابداع ملفا خاصا حول دريدا " رؤى 


204 


وافاق جديدة " بمناسبة زيارته للقاهرة ( عدد فبراير - مارس ٠٠٠١‏ ) به عدة 
ترجمات لفصول وتقديم كتب وحوارات مع دريدا تتضمن " الايمان والمعرفة مصدرا 
الدين '' والى موميا أبو جمال ( مقدمة كتاب) وحوارات معه عن : اليسار هو الرغبة 
فى تأكيد المستقبل , نعم كتبى سياسية , عفوا .. انالم اقل ذلك بالضبط . مع عرض 
لكتابه التحليل النفسى يقاوم ترجمة كامليليا صبحى . ”') 

وقد عربت عدة دراسات عن دريدا وفلسفته؛ إما فى كتب مستقلة أو فصول 
فى دراسات أو بحوث فى مجلات. فقد نقل كل من: إدريس كثير وعز الدين الخطابى 
كتاب "'مدخل إلى فلسفة جاك دريدا: تفكيك الميتافزيقا واستحضار الأشر" لسارة 
كوفمان وروجى لابورث ٠074351١‏ وحظى كتاب كريستوفرنورس "التفكيكية: 
النظرية والتطبيق" بترجمتين عربيتين الأولسى لصيرى محمد حسن 2.1585 
والثانية قدمها رعد عبدالجليل جواد 531957 وترجم أحمد رضا ناصر دراسة 
جون ومورفى: "بلاغة تحلل الفطرة السليمة: جاك دريدا" فى العدد > /ا مجلة 
ديوجين؛ وترجم يوئيل يوسف عزيز كتاب وليم راى "المعنى الأدبى من الظاهراتية 
إلى التفكيكية" ؛ بغداد 90١441‏ كما ترجمت عدة فصول عن دريدا والتفكيكية فى 
اطار دراسات عامة . مثل ماكتبه تيرى إيجلتون عن "ما بعد البنيوية" الفصل 
الرابع من "مقدمة فى نظرية الأدب" ترجمة أحمد حسان القاهرة ١191991')ما‏ 
كتبه والترج. أونج عن "النصيين والتفكيكيين" فى كتابه "الشفاهية والكتابية" 
ترجمة حسن البناء الكويت 037245514'). وترجم حسام نايل عن جايتريا سبليفاك 
وكريستوفر نوريس ثلاث مقالات عن التفكيك بعنوان صور دريدا مراجعة وتقديم 
ماهر شفيق فريد ١‏ القاهرة 2٠١"‏ . وقد ترجم حسن ناظم وعلى حاكم صالح كتاب 
ج. هيوسلفرمان " نصيات بين الهيرمينوطيقا والتفكيكية " ٠١"‏ حيث خصصت 
ثلاثة فصول عن دريدا وعلاقته بالفلاسفه المعاصرين ؛ الفصل السابع عشر الكتابة 
عن الكتابة » ميربولونتى ودريدا والعشرين عن زمن الخط دريدا وهيدجر والحادى 
والعشرين اصل التاريخ فوكو ودريدا . وشاعت فى المجلات العربية مصطلحات 
دريدا حيث حفلت عناوين الدراسات بألفاظ: التفكيك. الانتلافء والاختلاف. لورة 
الهوامشء وغيرها”'' وأصبح دريدا أحد أعلام معجم الفلاسفة الذى وضعه بالعربية 
جورج طرابيشى 91581 '), 

نقلت أعمال دريداء وسرت أفكاره فى الكتابات العربية؛ منذ الثمانينات وربما 
قبلهاء وازداد الاهتمام بها فى التسعينات لدى عدد كبير. "لقد واكب المفكرين العرب 


2065 


الجدد فلسفة الاختلاف" 7"". تعددت أسماء من نقلوا كتاباته وكتبوا عنهاء ومن 
عرفوا أفكاره وطبقوهاء ومن استخدموا منهجه فى التفكيك للتعامل مع النصوص 
العربية؛ ومن واصلوا تعميق استراتيجيته حتى البدايات الأولى للفكر العربى 
الإسلامى أمثال: محمد أركونء وعبد الكبير الخطيبى؛ وعبدالسلام بنعبدالعالى 
ومحمد نور الدين افايه» وفتحى التريكى, وعبدالعزيز بن عرفه. ومطاع صفدى. 
وهاشم صالح؛ وكاظم جهادء وعبدالله إبراهيم» وعلى الشرع؛ وعلى حربء عبدالله 
الغذامىء!”'2 وغيرهم ممن حللوا أعماله وأنتقدوا إسهاماته أمثال: حسن حنفى 
وأسامة خليل؛ وسعد عبدالرحم البازعى. وعبد الوهاب المسيرى. 

وسنعرض فى الفقرات القادمة لفلسفة دريذا فى الاختلاف ومنهجه فى 
التفكيك, وتطبيقاته فى قراءة النصوص فى الفكر العربى المعاصرء. وذلك فى ثلاثة 
أقسام: الأول فى الفلسفة:» والثانى فى النقد الأدبى والقسم الشالث والأخير ملاحظات 
ختامية» ونبدا أولا بالمفكر المغربى عبد الكبير الخطيبى "أول من انخرط من 
المفكرين العرب فى تيار فلسفة الاختلاف"20). 


القسم الأول: التفكيك والاختلاف فى الفلسفة 

أولاً: الهوية وتفكيك "الاختلاف الوحشى" 

أ الخطيبى: النقّد المزدوج وفلسفة الاختلاف. 

يعد الخطيبى من أهم مفكرى الاختلاف فى فكرنا المعاصر. ومن أوائل من 
استخدموا التفكيك منهجا للتعامل مع كثير من المشكلات المطموسة والمهمشة فى 
ثقافتنا العربية؛ وإن كانت رؤيته تتسع ليس فقط لما هو خاف ومجهول وغير 
مطروق فى فكرنا بل تمتد هذا الرؤية لتوسع من مفهوم الآخر الغربى؛ لصورته 
وصورة الثقافات المخالفه له » الغربية والصينية» ورغم قلة معرفة القراء العرب 
به وندرة تناول المثقفين والكتاب المشارقة لأفكاره؛ إلا أن كتابات الخطيبى معروفة 
جيدأ ومدروسة من قبل كتاب ونقاد فرنسين ومغاربة أمثال: رولان بارت. 
وعبدالسلام بنعبدالعالى» ومحمد نور الدين افاية؛ وقد كتب الأخير موضحا أن: 

"الخطيبى يقول بعنف لا مثيل له فى الثقافة العربية المعاصرة "بفكر 
مختلف". إن الأمر يتعلق باختلاف عام؛ وبإعادة طرح الأسئلة الجديدة على المجتمع 
والسياسة والثقافة. فالعالم العربى لدى الخطيبى فى عمقه تعدد هائل؛ نحن مازلنا 
نتعامل معه بفكر يتعالى على الواقع؛ ويعمل دون وعى فى كثير من الأحيان على 


2066 


طمس التناقضات التى تحرك هذا الواقع وتعزز اختلافاته. ومن هنايرى الخطيبى كما 
ينقل عنه افايه انه يتعين علينا القيام بنقد مزدوج ينصب علينا كما ينتصب على الغرب 
وياخذ طريقة بيننا وبينه”'). يريد الخطيبى أن يؤسس داخل الفكر العربى المعاصر 
نمطا حديثا للسؤال وفكر الاختلاف هو فكر السؤال.. ومن هنا ضرورة إعادة النظر فى 
كل الأشياء وسلوك سبيل فكر مختلف يتحرك فى اتجاهين: نقد التراث. وتفكيك 
الميتافيزيقا الغربية!”). 

يشكل الاختلاف أساسا مهما فى كتابات الخطيبى؛ فالاختلاف هو الانفتاح الذى 
يبقى مفتوحا ولكنه ليس فى متناول أول متمرد , لأنه يتعين التمييز بين الوعى 
والوعى بالاختلاف, ويتضح لنا من قراءة نصوص الخطيبى خاصة "النقد المزدوج" 
وهو عمل يشتمل على دراسات تتعلق بالسوسيولوجيا واسسها الفلسفية انطلاقا من 
مجتمع المغرب الكبير ومجتمع العالم العربى0"". إنه يحاول أن يحدد نمطا للقراءة 
وإطارا لقراءة المجتمعات العربية بوساطة نقد تفكيكى ومحاولة تطبيق المفاهيم التى 
تلائم الفكر الحديث. 

يقدم لنا الخطيبى برنامجه فى بداية كتابه على الوجه التالى: : لا يمكن للهوية 
الأصلية؛ التى تقو م على الأصول اللغوية والدينية والأبوية أن تحدد وحدها العالم 
العربى؛ فهذه الهوية قد تصدعت وتمزقت بفعل الصراعات والتناقضات الداخلية!*). 
يقول: "إن العالم العربى قد اهتز فى نظامه» وتصدع فى كيانه الحضارىء فاصبح 
يعانى من تعددية شاملة تتجلى فى جميع أشكال المثاقفة والاضمحلال. ويرى أنه 
ينبغى أن تقوم بتحليله وتطعيمه عن طريق فكر قادر على تحليل الأوضاع المتعددة 
التى يجتازها العالم العربى. ومن هنا دعوته للنقد المزدوج عن طريق تفكيك مفهوم 
الوحدة التى تثقل كاهلناء والكلية التى تخيم علينا"”". 

عابنا إذن كما برى الخطيبى أن نفسع المجال لفكر يتخلى عن الذائية 
الحمقاء. ليتمسك بالاختلاف لتأكيد : 

* الاختلاف الاجتماعى لتقويض البناء النظرى الذى يقوم عليه التفاوت 
الاجتماعى. وأسسه الأخلاقية . الاختلاف الثقافى: فيسعى الفكر إلى تقديم الثقافات 
التى نبذها العالم العربى وهجرها”' ". الاختلاف السياسى: وأسس الانفصال حسب 
ما استجد من تدرج مختلف السلطات المحلية ومن تعقد الأوضاع الدولية. اختلاف 
الوجود العربى. لا من حيث هو وجود تغلفه أيديولوجيا الكلية والوحدة بل على أنه 
وجود يتجاوز الذاتية والسلفية.وليس الاختلاف بين هذه الاختلافات ولا الفرق””) 


267 


بين هذه الفروق نتيجة لجمعها, وإنما هو نقد مزدوج دائم. 

يدافع الخطيبى عن النقد المزودج فى دراسته عن "المغرب أفقا للفكر" » 
وعن الاختلاف الذى تصعب معالجته؛ ويرى أننا قد نسينا ألفباء مسألة الموجود 
والوجودء الهوية والاختلاف؛ وأن ما يلزمنا هو أن نتجاوز الصورة الضيقة التى 
نملكها عن أنفسنا وعن الآخرين.. أن نخلخل بنقد يقظ نظام المعرفة السائد (من 
حيث أتى) هو أن ندخل النظرية فى الصراع الاجتماعى السياسى27). 

إن تجاهل الاختلاف كما يقول الخطيبى فى حواره مع الطاهر بن جلون هو 
الظاهرة الأكثر شمولية وغالبا ما نعانى آلامه المريرة. إن العودة إلى الهوية إلى 
هوية ماء أمر يبعث على الاطمئنان... لقد أنسحب الفكر العربى منذ خمسة قرون. 
ويعود اليوم يقتحم عالما تهيمن عليه المعرفة الغربية المطلقة. وعوض أن يباشر 
بجدية الحوار مع فكر الاختلاف نلحظ أنه يتيه فى ميدان العلوم الإنسانية.. ولاشك 
أن هذا "المنحى لا يخلو من الفائدة؛ ولكنه غير قادر على أن.يخلق تفكير 
جديدا"97') وفى دراسته التى كتبها بالفرنسية عام ١4174‏ ونشرت ضمن كتاب النقذ 
المزدوج يستعين بدريدا من اجل ان يوضح ضلال اس تخدام فريلوفسكى 
([5:ة:019[ 7/62 الذى يستخدم مفهوم الاختلاف ! ليصل إلى هوية حمقاء عن 
اليهود ضحايا التاريخ, ويرى أن ذلك مفهوم ضال سجين فكرة أصل متميز ينغلق فى 
ذاتية حمقاء تفترض أن الآخر يوجد فى خارج مطلق بعيد عن الواقع وقد لفظته 
الذات. بيئما دريدا "اليهودى" الذى يتكلم عن معرفة بالأمور لا يريد أن يخلط عندما 
يجادل. ويستخدم الخطيبى فكرة دريدا حول المكان. "فلا حاجة بنا كما يقول دريدا 
إلى أن نؤكد أن المطالبة بالمكان والأرض لا علاقة لها هنا بتعشق البلد والحنين إلى 
المحل؛ ولا دخل لها مع أية نزعة إقليمية أو عنصرية. فلا يزيد إرتباطها بالنزعة 
القومية عن الحنين العبرى للأرضء. ذلك الحنين الذى لا تبعثه الأهواء بقدر ما 
يصدر عن الكلام والوعد"7"". ويرى أن المحاولة السجالية إن أرادت أن تكون 
مقنعة ينبغى عليها أن تخلخل جميع المراكز وتقضى على: مفهومات الكلية» 
والمركز: والأصل. 

والخطيبى فى "سيوسيولوجيا العالم العربى" يطالب بإعادة النظر فى أسس 

السوسيولوجيا الغربية وكذلك فى الفكر الاجتماعى الذى قدمه الفكر الاجتماعى 
العربى عن واقعه ويقدم لنا فرضيتين: الأولى بيان أن المهمة الأساسية 
للسيوسيولوجيا فى العالم تتمثل فى القيام بعمل نقدى مزدوج: 


268 


أ تفكيك المفهومات الناتجة عن المعرفة السوسيولوجية والكتابة 
السوسيولوجية اللتين كانتا تتكلمان باسم العالم الغربى ويغلب عليها الطابع الغربى؛ 
وأيديولوجيته المتمركزه حول الذات. 

ب- نقد المعرفة والسوسيولوجية اللتين أنجزتهم مختلف مجتمعات العالم 
العربى حول ذاتها ""). 

والفرضية الثانية: هى أن الكتابة السوسيولوجية ككل كتابة فنية ممارسنة 
للتاريخ والعلم الأيديولوجياء وهى لا يمكن أن تكون إلا ممارسة تأخذ على غاتقها 
التاريخ والأيديولوجيا والعلم ! يجب أن يحقق قطيعه عنيفة مع السيطرة الثقافية الغربية 
وتتجاوز قوتنا القاصرة, إذ ليس هناك قول برئء بل على كل أن يجيب بطريقته الخاصة 
عن شعلة الحياة يجب إذن أن نفكر فى الآخر فى مجال تفكيرنا الخاص. .. 

مازال الفكر العربى فى نظر الخطيبى مطائبا ,كير من المهام ومن بينها 
صياغة علم اجتماع يفكر بمقتضى فكر متعدد للأختلاف. يتعين علينا القيام بكتابة 
سوسيولوجية متحركة تندرج وتنغرس داخل فكر متعدد للاختلاف فالكتابة 
السوسيولوجية اقتصاد واستراتيجية مستلهما هاتين اللقطتين من قاموس دريداء 
استراتيجية كتحرك عام يمارس فيه النقد المزدوج؛ واقتصاد يسمح لنا داخل عملية 
الكتابة بإنتاج مفاهيم إجرائية فاعلة نستطيع تبادلها داخل الممارسة الاجتماعية! ". 

والخطيبى » كما يقول نور الدين أفايه » يحاول أن يقرأ كثيرا من النصوص 
التى تنفلت من مركزية الثقافة العربية الإسلامية من جهة والثقافات المهمشة علنى 
المستوى العالمى كذلك ! وتأتى نصوصه تكثيفا لهوامش متعددة تتحدد بععض 
ملامحها فى صورة الكتابة عنده فكانت الثقافة الشعبية هى موضوع كتابة "الاسم 
العربى الجريح"77" إن تحليل الخطيبى الذى يعلنه فى "بلورة النص" يوضح 
متابعته لدريداء وهو يخبرنا أن الاهتمام الموجه للثقافة العربية ؤنظريتها فسي 
"الدليل" يجعلنا أكثر إحساسا بعمل جاك دريداء وضمن هذا المعنى فإن ميتافيزيقا 
الدليل» وهى ترجعنا لاسبتداد غربى متمركز حول اللوجوس تتنكر لنفسها بقدر ما 
تخفى وضوح الثقافات الأخرى, فكل كتابة نقدية لا يمكنها إلا أن تكون تمزيقا 
للوجود التاريخى. 

ويتابع دريدا الذى يدين المصادفات المتمركزة حول اللوجوس والذى وهدف 
إلى تفكيك الحدث الميتافيزيقى فى دخيلتنا. ويرى أن تفكيكا مماثلا للمعرفة الغربية 
يستجيب لرغبتناء إذ إن ثقافتنا للغرب تستدعى ابتعادا مماثلا عن المركز؛ ويسمح 


209 


لنا عمل دريدا بإعادة النظر فى وضع الثقافات الأقل تمركزا حول اللوغوس"'”". 

يقول الخطيبى ردا على محاوره - فى العدد الثانى من مجلة الوحدة "نوفمبر 
 ”4‏ - بأى معنى تصبح الكتابة عندك عملا تفكيكيا للأرضية الميتافزيقية التى 
تكتسح مساحات الوجود العربى؟.. إن الجواب هو الرجوع إلى قراءة النتصوص. 
الرجوع إلى النصوص هو المقياس الأساسى فى مسألة التفكيك لأننا نجد فى النص 
صيرورة ومنهجية التفكيك.. ويستطرد أن التفكيك شىء آخر. فيه جانب هو نقض 
فى معنى الهدمء بالمعنى القوى. للأرضية القديمة التى تعيش فى التكرار والمحاكاة 
بلا وعى ولا تفكير. وفى الوقت نفسه هناك جانب آخر للتفكيك؛ بمعنى ترجمة القديم 
بلغة الجديد والتجديد لأن ما هو قديم لا يمحى نهائيا لأنه يبقى كآثار. والمهم فى نظر 
الخطيبى هو إدخال هذه الآثار فى إشكالية جديدة. 

. هناك إذن جانب النقض كهدمء ثانيا: ترجمة لغة القديم إلى لغة الجديد. 

ثالثا: إن التفكيك هو تفكيك المسائل والمشاكل العربية» فضلا عن تفكيك الفكر 
العالمى بصفة عامة . 

إن مناداة الخطيبى بفكر الاختلاف ومتابعته لدريدا وبيان أهمية منهجه فى 
دراسة ثقافتنا لفتت انتباه عدد من الباحثين المغاربة إلى الكتابة عنه» وحاولوا بيان 
الصلات بينه وبين بعض الكتاب والنقاد الفرنسيين؛ بخاصة رولان بارت, وفيكتور 
سيغالين "الذى أدخل بعدا مختلفا تماما للأدب الفرنسىء بل ونظرة جذرية إلى 
الذات» والهوية؛ والإدراك؛ والإحساس والآخر" إن العمق الوجودىء التبرم من 
مركزية الغربء الإعلان عن التقدير المطلق للآخر كاختلاف جوهرىء تكسير حدود 
الأدب؛ الجمع بين الكتابة والسفرء كل هذه القضايا واعتبارات أخرى جذبت الخطيبى 
نحو نصوص فيكتور سيغالين ويبدو أن هذا الانجذاب كما يخبرنا نور الدين أفاية لم 
يكن وليد الثمانينات بقدر ما هو انشغال قديم لم يتبلور فى شكل قراءة إلا فيما بعد. 
فمنذ "الذاكرة الموشومة"7 ') وسيغالين يغرى الخطيبى!'". ْ 

وقد كتب رولان بارت: "إننى والخطيبى نهتم باشياء واحدة؛ بالصور, 
والأدلة» الأثارء الحروفء ( هو ) يخلخل معرفتى ؛ لأنه يغير مكان هذه الأشكال كما 
أراهاء يأخذنى بعيدا عن ذاتى إلى أرضه هو حين أحس كأنى فى الطرف الأقصى من 
نفسى7'') إن هذه المقدمة توضح أن هناك ما يجمع بين بارت والخطيبى مثل ما 
هناك من اختلافات بينهم » فالأول ينتمى إلى ذلك الجيل من المنظرين الذين عملوا 
على خلخلة أسس الفكر الغربىء بينما الثانى وتحت تأثير هؤلاء يضع نفسه ضمن 


2100 


ما أطلق عليه "النقد المزدوج" أى - كما اوضحنا - نقد الأسس الثيولوجية للفكر 
العربى الإسلامى؛ ونقد الميتافيزيقا الغربية» والمفكر العربى يعتبر بارت من 
المفكرين الغربيين الذين يزودونه ببعض وسائل نقد الغرب من موقعه بوصفه باحثّا 
عربياء ونقد الأساس الفكرى العربى باعتباره كاتبا ينتمى إلى العالم هنا والآن7"). 

إن فكر الخطيبى هو بشكل أساسى سؤال عن الهوية والاختلاف؛ فكر يريد 
للسؤال أن يمتد إلى كل الميادين» على اعتبار أن هذا السؤال ملغى فى الثقافة 
العربية الإسلامية؛ لأن الفلسفة العربية فى نظره كانت تعرف على طريقتها مبا 
نتعلمه الآن من الغربء لقد نسينا ألف باء مسالة الموجود والوج ود الهوية 
والاختلاف. ونتابع الثرثرة بلا حياء حول استعادة الهوية وحول الولادة العربية 
الثانية' ), 

ب: عبدالسلام بنعبد العالى: التراث بين الهوية والاختلاف 

لقد تابع عبدالسلام بنعبد العالى فكر الخطيبى؛ وترجمه عن الفرنسية وكتب 
عنه؛ وناقش كثيرا من القضايا التى أثارها صاجب "النقد المزدوج""*') وكان من 
أكثر الداعين إلى فلسفة الاختلاف حماسة وعمقاء أشار إليه من كتبوا فى التفكيك 
والاختلاف من الباحثين العرب التاليين7 '). 

عنى عناية كبيرة فى مؤلفاته بالاختلاف والهوية؛ والتفكيك: والتراث فى 
الفكر الفلسفى العربى فى المغربء والفكر الفلسفى المعاصر. "وثقافة الأذن وثقافة 
العين" حيث يتناول فى كتابه الأخير عدة مقالات هامة هى . " فكر الاختلاف " » 
التفكيك عملية بناءة التفكيكية نقش على النصوص " قضية التفكيك " من التمييز 
إلى الاختلاف " كما حمل كتابه "هايدجر ضد هيجل" عنوان "التراث والاختلاف" 
وكتابه: دراسات فى الفكر الفلسفى بالمغرب عنوان "التراث والهوية". وتناول فى 
كتابه أسس الفكر الفلسفى المعاصر "مجاوزة الميتافيزيقا" موضوعات "تفكيك 
الميتافيزيقا" (الفصل الرابع من القسم الأول) والهوية والاختلاف. النموذج 
والنسخة: القراءة والكتابة "القسم الثانى". وإذا كانت عناوين كتب بنعبد العالى 
توحى بانخراطه فى الميتافيزيقا الغربية» وإن كان ذلك فى أحدث تياراتها المعاصرة, 
فإن القراءة التفكيكية لأعماله توضح الاختلاف بين هذه العناوين» وما يرمى إليه 
المؤلف / القارئ / التفكيكى. 

خذ مثلا كتابه "هايدجر ضد هيجل" فهو يخبرنا فيه أنه لن يتحدث عن 
هيجل؛ ولا عن هايدجرء ولا عن موقف هذا من ذاك. بل مايرمى إليه هو أن ينقل 


271 


إلى القارئ الأصول الفلسفية لإشكالية التراث؛ ذلك لأن هذه الإشكالية ألمانية فى 
أصولهاء ومسالة التراث طرقت ومازالت تطرق بالكيفية التى نحتها الفكر الألماتى 
منذ بداية القرن الماضى. إذن هو لا يقصد بهذين الاسمين علمين من أعلام الفلسفة 
الألمانية بل إنه يهدف إلى بلورة الموقفين الأساسيين الذين تمخض عنهما كل جدل 
جدى حول مساألة التراثء الأول يمتد من هيجل إلى ديلتاى وهو الموقف الذى ينظر 
إلى التراث من خلال نزعة تاريخية وداخل ميتافيزيقا الهوية والتطابق؛ والموقف 
الثانى يضم كل من ماركس ونيتشه وفرويد وهايدجر وبعض المفكرين الفرنسيين 
المعاصرين. 
إن طرح مسألة الذات والهوية كان يتم فى جميع الحالات فى مقابل آخر 

يتحدى بقوته وسيادته, وفى هذه الحالة تلجأ الذات إلى البحث عن جذور متاصلة 
تقوى وحدتهاء فتطرح مسالة التراث والتجذر التاريخى. إن ما يؤكده عبدالسلام 
بنعبد العالى هو أن مسألة التراث عندما تطرح تفرض دوما مفهوما معينا عن 
الهوية؛ وعن التاريخ؛ وعن الوعىء وما يهدف إليه صاحب "مجاوزة الميتافيزيقا" 
هو تحديد المفاهيم التى تفترضها الطريقة التى تطرح بها مسالة التراث عندنا الآن 
فى العالم العربى؛ والتساؤل الذى يأتى الآن فى مكانه هو ضمن أى تصور عن 
الزمان التاريخى تطرح هذه المسألة؟ وداخل أية فلسفة عن الهوية والاختلاف؟ 
وضمن أية فلسفة عن الوعى ندرجها؟ المهم هنا هو الصياغة النظرية لمسالة 
التراث التى تلخص فى ذلك التقابل بين التراث والمعاصرة. 

ويوضح صاحب "التراث والاختلاف" أن هذا التقابل يفترض مفهوما زمانيا 
عن التراث وتحديدا خاصا للزمان التاريخى الذى يقوم على مفهوم الحضور. (ذلك 
هو التحديد الهيجلى) بينما ينظر هايدجر إلى التراث خارج فلسفة الحضور. إنه ينظر 
للماضى على أنه ما ينفك يمضى وإلى الحاضر على أنه ما يفتا يحضرء بهذا المعنى 
لا يكون التراث وراعناء ونحن لا نكون على مسافة قريبة منه ولا على مساحة بعيدة 
من أصولنا الفكرية» بل إن هذه الأصول تكون معاصرة لناء ومن هذا المنظور 
يتهاوى التقابل بين التراث والمعاصرة؛ والمعاصرة هنا لا تعنى المثول المباشر 
والحضور الواعىء والتراث يكون حاضرا زمانيا غائبا وعياء وإن حضوره لا يتم 
كذاتيه متعينة: وإنما فى اختلافه وانفصاله وتباعده!”'). | 

يطالب مفكر الاختلاف بإعادة النظر فى التراث خارج فلسفة الحضورء وبعيدا 
عن مفهوم الأصلء فالأمر يتعلق بتصدع الكائن وخلخلة كل تطابق وتعديد كل وحدة. 


212 


يقول - مستلهما بعض تعبيرات الخطيبى: لقد ارتبط حديثنا عن التراث بفلسفة 
متوحشة عن الهوية ترفض الآخر وترمى به فى خارج مطلق. ولا ينظر إلى 
الاختلاف والسلب إلا كلحظة فى بناء الهوية والأناء لقد آن الأوان لإقحام الانفصال 
فى وجودنا ذاته والنظر إلى التراث» لافى صيغته المفردة. بل فى غنائه وكثرته 
والإصغاء لأصوله المتعددة لإنقاذه من ميتافيزيقا الذاتية» وعدم استغلاله لتزكية 
وهمنا بالخلود. إن ما يهتم به هو ذاكرتنا العربية الإسلامية وكيف أرسيت دعائمها؟ 
وكيف ترسخت أصولها وثبتت نماذجها؟ إن الأمر يتعلق بصفة أقوى من ذلك 
بثوابتنا الفلسفية؛ بمفهومنا عن اللغة؛ وعن التاريخ: والهوية بل وعن الكائن 
ته(" ؛), 

وعلى الرغم من أن كتابه عن الفكر الفلسفى بالمغرب؛ الذى يتناول فيبه 
جهود المغاربة المعاضرين الفلسفية يحمل عنوان "التراث والهوية" إلا أنه لا 
يتقصى هذا الفكر من منظور الوحدة؛ ولاامن حيث هو تيارات سارية أو مذاهب 
مفترضه؛ أو منظومات مغلقه إنما يرصده فى تعدده واختلافاته. إنه يعمل بقول فوكو 
الذى يستشهد به فى تقديم عمله: "هناك استعمال آخر للتاريخ: إنه التقويض الدانم 
لتطابقناء ذلك لأن هذا التطابق الوهن بالرغم من كل شىء؛ والذى نحاول أن نؤمن 
عليه ونحفظه خلف قناع ليس إلا افتعالا: فالتعدد يقطنه» ونفوس عدة تتنازع داخله؛ 
والأنظمة تتعارض ويقهر بعضها بعضا”''). ويعرض للمفاهيم الفلسفية السائدة فى 
الخطاب الفلسفى؛ وهى مفاهيم توظف من أجل تملك التراث الفلسفى سواء تعلق 
الأمر بالتراث الغربى أو بتراثنا العربى الإسلامى. 

ويميز فى كتابه "ثقافة الأذن وثقافة العين" بين "الحل والترحال" فالفكر 
التقليدى يعلى من الطرف الأول. أما الحداثة فهى تقف فى مختلف أوجهها لتخلخل 
هذا الثنائى الميتافيزيقى» وتعلى الحد الثانى. وهذا الإعلاء من الترحال هو ما يجعل 
فكر الحداثة ينتصر للقطيعة والتعدد والاختلاف على حساب الاتصال والوحدة 
والهوية. ويؤكد على ذلك فى "التفكيكية نقش على النصوص" فمن بين المآخذ 
التى يأخذها دريدا على النقد الماركسى كونه ظلء؛ فى نهاية الأمرنقدا "خارجيا" 
يدعى أن باستطاعته تفسير النصوص وتاويلها بردها إلى الشرائط الخارجية التى 
توجد من ورائها. ويرى دريدا أن هذا التمييز بين الداخل والخارج لا يخلو من نفحة 
وضعية؛ وهو تمييز كرسته الميتافيزيقا الغربية عبر تاريخهاء أما الخارج بالنسبة 
لدريداء فلا يمكن أن يقوم إلاداخل كل نص مفسرء ومن هنا ذلك الولع الشديد 


213 


بالنصوص عنده. إن التفكيك لا ينصب على نصوص دون غيرها.ء لا يفاضل بين 
النصوص. وهذه نقطة أخرى ينفصل فيها التفكيك عن النقد الماركسى. إن 
استراتيجية التفكيك ضرورية ومتناهية فى الوقت نفسه؛ وذلك راجع بالأساس إلى 
أننا نعيش على الحقيقة:» ونتغذى منها. 

وقد خصص عبدالسلام بنعبد العالى فى كتابه عدة مقالات عن الاختلاف, 
أحداها عن "فكر الاختلاف"» والثانية "من التمييز إلى الاختلاف7'”') ويقف طويلا 
أمام الخطيبى الذى يلتقى مع مفكرى الاختلاف كهايدجر, ونيتشه. وفوكوء ودريداء 
ودولوز. وينشغل بقضية التقنية والفكر الكونى متابعا الخطيبى بالنظر فى"أاسس 
الفكر الفلسفى المعاصر" فى كتابه الذى يحمل نفس العنوان . والذى يهدف إلى 
"مجاوزة الميتافيزيقا".ويعرض لدريدا فى الفصل الرابع من كتابه تفكيك 
الميتافيزيقا. والتفكيك عنده ليس نقدا للنصوص الفلسفية.ولا تحليلا لها؛ وإنما 
هواستراتيجية» وه بذلك السمة التى طبعت الفلسفة بعد هيجل حيث لم يعد لها 
موضوع وحيث أصبحت تنشغل بنفسها وتعيد قراءة تاريخها بغية تجاوزه"' وهو 
مايفعله بنعبد العالى . 

ج: نور الدين أفايه: الهوية والاختلاف والهامش 

شغل نور الدين افايه بالكتابة فى موضوعات: الهوية والاختلاف. وفلسفة 
الحداثة» والمتخيل والتواصل. كما اهتم كثيرا بصاحب النقد المزدوج - ونستطيع أن 
نتبين ذلك في كتابه الذى جعلناه عنوانا لهذا الفقرة. والكتابة عنده فعل وجودى 
إشكالى ومتعدد؛ لأنه يترجم افتراقا معينا مع الذات وإرتماء فى آخر مغاير من خلال 
اللغة والرهانات الدلالية. إنه يبحث فى الخطاب عن المهمش والمسكوت عنه. أن أى 
خطاب لا ينفلت من تداخلات الآخر فيه » لأن استعمال اللغة أو الكلمات يفترض 
حضور الآخر سواء تقدم هذا الآخر فى اتجاه الحوار أم الصراع.. لهذا السبب يتعين 
الإنصات الجيد إلى ما يسكت عنه كل خطاب لاسيما وأن مجال القول لا يلعب دوا 
حاسما فى تحديد دلالات الحديث؛ ومن هنا فإن هدفه لا يتمثل فى محاكمة الخطاب 
العربى المعاصرء بقدر ما هو محاولة للاقتراب من إشكالية الهوية والاختلاف على 
المستوى النظرى9”. 

وينشغل مثل معظم من يتبئون فكر التعدد والاختلاف بمسألة الهوية ويظهر 
لنا حقيقة التعدد داخل الوحدة . يقول : "إن علينا الاستماع جيدا إلى مالا يقل داخل 
سياق الحديث عن الهوية؛ وهذا يتطلب أن ننصت إلى تاريخ الميتافيزيقا لنتاول 


214 


مسألة الهوية من المنظور الفلسفى ويعين المعانى ويحدد الحدود فى الهوية 
والاختلافء فمقابل الميتافيزيقا الأرسطية التى نجد فيها أن صيغة (أ - أ) تشكل 
القيمة الجوهرية للفكر والوجودء وأن الشى هو ذاته يمثل مبدأ الهوية الحاسم. بينما 
تبين القراءة التفكيكية أن هذه المعادلة أو علاقة المساواة تتضمن وساطة تعمل 
على الربط والتوحيد بين طرفى المعادلة وبالتالى يعمل الفكر الغربى فى تاريخه 
العام؛ كما يلاحظ هيدجر على تقديم الهوية فى صيغة الوحدة"(". 

إن دريداء ودولوز أكدا نسبيا صعوبة التفكير فى الاختلاف داخل اللغة بالرغم 
من أن فكرهما يتموضع ضمن إشكالية الاختلاف ذاتها. لقد انتهى دريدا إلى القول 
بان الاختلاف بالذات لا يمكن صياغته من خلال الفكر أو اللغة؛ لأنه ليس حضورا 
ولا غياباء إذا الاختلاف يتقدم ويظهر ولا يمكن إخضاعه لمنطق البرهان والتمثل 
يقول:" ان ننظر الى الاختلاف فى استقلال عن الهوية يعنى رفض كل الوؤساطات 
التى تشكل بنية المفهوم والتى تكون الهوية بالقياس إلى هوية المفهوم؛ وهكذا 
فمادام الاختلاف خاضعا لمتطلبات التمثل فإنه لا يمكن أن نفكر فيها باعتبارها 
كذنك*, 

إن دريدا حاضر فى كتابات أفايه مثل حضور الخطيبىء وكتابات دزيدا فى 
"هوامش الفلسفة" نقرأها فى متن "الهوية والاختلاف": "فى فلسفة الهوية يلغى 
ويمحى حضور الاختلاف فى ثبات التمثل والأصل المطلق.. أما فلسفة الاختلاف 
ذاتها فإنها تبقى الاختلاف فى مجال الانمحاء داخل لعبة الإحالات الرمزية"'"). 
ومن هنا لا يمكن أن نغفل "الهامش" الذى يكشف عنه الاختلاف, والذى علينا 
تفكيكه. إن هوية العربى تقدم نفسها بمجرد أن يحضر كجسد وكلغة: ومن اجل 
الاقتراب من العربى يتعين علينا الابتعاد أكثر فأكثر عن الاعتبارات السياسية 
والأيديولوجية التى تضعه داخل سلطة مرجعية واحدة: وإعادة النظر فى الفنات 
المهمشة:؛ والثقافات المطمورة بفعل الزنمن ويفضل سلطة الهوية اللاغية لكل 
اختلاف. إلا أن حضور الاختلاف - كم يرى - لا يعنى غياب الهوية. إن الاختلاف 
ليس مطلقاء فتلك ليست دعوة إلى تثبت الاختلاف يحضر ويفكك أآفاية لتحديد هوية 
العربي وأنها ليست وحدة متماسكة بل هي تكون تاريخي لثقفات متنوعة وحدها 
الإسلام لأن إدعاء الاختلاف أمر عسير داخل اللغة والفكرء. بل المقصود أنه هوية 
العربى عبر تكوينها التاريخى والزمنى والدينى - باعتبار أن الإسلام كان تركيبا لكل 
الثقافات التى كانت موجودة فى المجتمعات التى قام بإدخالها إلى العقيدة الإسلامية - 


215 


تشكل هوية واحدة متعددة المضامين عبر عنها داخل أنساق رمزية وثقافية تشترك 
فيها كل الشعوب العربية””. 

وينبغى الإشارة أنه على الرغم من تناولنا للمفكرين الثلائة: الخطيبىء» 
وبنعبد العالى » وإفاية ضمن إطار واحد فإن هذا لا ينفى التباين بينهما. وإنهم معنا 
يشكلوا تيار ضمن تيارات عديدة فى الفكر الفلسفى فى المغرب فهناك بالإضافة لهذا 
التيار الاتجاه التاريخى الماركسى لدى العروى. والاتجاه الابستمولوجى لدى وقيدى 
وسالم يافوت والجابرى مع ميل الأخيرين إلى المزاوجة بين الإبستمولوجيا 
الباشلارية والحفريات الفوكوية". وهذا ما جعل التوجه العام لدى كثير من المفكرين 
العرب المعاصرين يسعى نحو بيان شرعية الاختلاف من أجل تدعيم حق الفرد 
والآخر فى حياة ديمقراطية حرة. 

ثانيا: الاختلاف والتنوع 

أ: على أو مليل وشرعية الاختلاف 

وفى هذه الفقرة الثانية نتوقف عند توجه أخر لا يتمثل فى الاهتمام بالهامشى 
المختلف سواء كان الثقافة الشعبية أم الوشم لدى الخطيبى. أم المرأة لدى نور 
الدين إفايه» بل توجه يفتقد التعدد فى الهوية؛ والآخر فى والكل. ومن هنا ينادى 
بالتعدد ويؤكد على شرعية الاختلاف لدى كل من: التونسى فتحى التريكى؛ 
والمغربى على أو مليل ونبدا بالأخير. 

بدافع قومى ديمقراطى ينقلنا على أومليل إلى التاريخ والتراث والدين ليدعم 
"شرعية الاختلاف" فى كتابه الصادر عن المجلس القومى للثقافة العربية» والذى 
يحمل نفس العنوان؛ حيث يتناول فيه قضية الاختلاف وكيف كانت مواقف مفكرينا 
القدامى من الآخر المختلف أو المناقض ؟ وكيف جادلوه؟ لمعرفة هل تحصل من هذا 
كله رضيد يمكن أن يسند دعواه "دعوانا" إلى مشروعية الاختلاف فى الرأى وإلى 
ترسيخ قواعد الحوار وتقاليده. ويميز بين نوعيين من الاختلاف؛ اختلاف داخل 
المعتقد الواحدء إلا أن الأطراف المختلفة تسلم مع ذلك بمجموعة من الثوابت 
العقائدية المشتركة. ويكون الاختلاف فى مستوى التأويل. فهناك نصوص واحدة؛ إلا 
أنها تؤدى إلى تعدد المعنىء تاأول تأويلات مختلفة تقام عليها أنساق من المذاهب. 
هكذا تكونت مذاهب الفقهاء وفرق المتكلمين. 

والنوع الثانى اختلاف مفكرى الإسلام مع الأطراف المناقضة لهم. ممن هم 
خارج دائرة المعتقد المشترك وعنده إذا كانت هناك كيفيات ومستويات متعددة 


2166 


للاختلاف. فإنه فى المجتمعات التقليدية يظل جوهر الاختلاف يمثله الاختلاف الديئى 
. ويتساعل لماذا هذا الحديث عن الاختلاف؟ فى حين أن هذا الحديث حديث 
"الاختلاف" ليس محبذا فى بلداتنا حيث المطلوب هو ترسيخ الوحدة الوطنية 
والبناء القومى؛: فكل حديث عن الاختلاف فى رأى هولاء المعترضين ليس سوى 
دعوة إلى المزيد من التجزنة أو إضفاء الشرعية على ما هو قائم منها. 

إن حديث على أومليل عن الاختلاف يتجه إلى عمق الديمقراطية » فالنظام 
الديمقراطى يسلم بالاختلاف ويشرع له؛ وينظمه ويبنى عليه فهو نظام يسلم 
بالتعددية يقول: "إن الاختلاف فى المفهوم الديمقراطى ليس تفتيتا وتجزنه» بل هو 
بديل عن كل استبداد ومغلف بغلاف الوحدة حين تكون هذه الأخيرة مجرد تغطية 
للإنفراد بالسلطة. نعم هناك سلبيات ومزالق للتعددية حتى فى مستوى التعبير 
المؤسسى الديمقراطى ‏ كما يرى - إلا أن عيوب الديمقراطية تصحح بالديمقراطية 
وليس بإلغانهاء فالدفاع عن حق الاختلاف هو الشرط الأولى لتاسيس تقاليد الحوار 
ولقيام المشروع الاجتماعى المبنى على الوفاق العام بين أطراف متعددة مع ضمان 
حرية الرأى والتنظيم والمشاركة!*').وقد تابع عدد من الاساتذة العرب جهود على 
اومليل وقدمت عدة دراسات حول إسهاماته نذكر منها : "'سنوات التكوبن المبكر"' 
عزت قرنى » على اومليل التراث والقطيعة , الدولة الاصلاحية » كمال عبداللطيفاء 
التراث فى الخطاب التاريخى . عبدالسلام بنعبد العالى ؛ التراث والديمقراطية ٠‏ 
احمد عبد الحليم عطية وغيرها بالملف الذى اعدته مجلة " أوراق فلسفية " العدد 
4/ ديسمبر ٠٠١١‏ كما نشير الى اعمال ندوة اومليل والفكر الفلسفى السيايى 
العربى , التي عقدت حول فكره بالقاهرة. 

يرجع أومليل وجود "الحق فى الاختلاف" بالمفهوم الذى يدعو إليه ويدافع 
عنه إلى الكيفية التى تشكلت بها عقلية معينة وبما أن العقليات هى وراثئه لماضى 
مديد؛ هو الذى شكلها وكيفها. وبما أن العقليات بطيئة التغير. فقد رجع إلى تراثنا 
الثقافى ينقب فيه ويحلله لمعرفة ما إذا كان مسباعدا - أو عائقا - على تكوين عقلية 
قابلة بشرعية الاختلاف7". تلك هى الغاية التى يسعى إليها أو مليل من عمله. 

ب: التريكى: فلسفة الحداثة والتنوع والاختلاف 

بعد أن أصدر كتابه "قراءات فى فلسفة التنوع",. وكتابه "فلسفة الحدائة" 
شارك فتحى التريكى فى أعمال ندوة "الفكر الفلسفى بالمغرب المعاصر" بدراسته 
"الحداثة وفلسفة التنوع" » والتى يتحدد فيها موقفه على الوجه التالى: إن مستقبل 


277 


الفلسفة يكمن فى الانفتاح والتنوع, لأنها ستحمى بذلك حقوق الفرد والغير. 
وتتماشى مع التطور العلمى والتقنى الذى ابتعد عن أيديولوجية التوحيد والشمول 
والكلية. وبذلك يقترن العمل الفلسفى بالممارسات السياسية التى تدافع. عن حقوق 
الإنسان وبالمعقولية العلمية والتكنولوجية الجديدة» على أن ذلك لايعنى أن الفلسفة 
ستقتصر على البحث عن مشروعية العلم والتقنية. أو على تحديد أخلاقية العمل 
السياسى والاقتصادى بل ستكون خلاقة بالتنوع والاختلاف7 '). 

: وإذا أردنا تناول موقف التريكى من الحداثة والتى تتمثل عنده فى فلسفة 
التنوع "الاختلاف" ء علينا أن نوضح الأسس التى تقوم عليها والتى قدمها لنا عام 
4 فى كتابه الذى محاول كيان النظرة الجديدة التى تبلورت ف فى الدراسات 
الفلسفية» والتى يهدف بها 1 ا 
المضطهدة حتى نستطيع مواجهة قوى الجمود والتقليدء لقد تأسست حول تصور 

فلسفة التنوع معقولية جديدة تتحكم فى تجليات الفكر . وتجعل من الحدافة جملة من 
القيم والتصورات تميز الحقبة الزمنية لوجودنا. 

إننا الآن نعيش فى العالم العربى عصرا نهضويا حقيقيا. والنهضة عند 
التريكى تتطلب الانفتاح الحقيقى على كل الحضارات حتى يتسنى لنا تحقيق ما أسماه 
"جدلية العودة والتجاوز" تلك الجدلية التى تضمن لنا فى آن واحد فهم أوضاعنا 
الحالية بانقساماتها وتجزنتها وبإيجابياتهاء وبمحاولة البحث عن تأسيس نموذج 
حضارى عربى لاستنهاض عوامل الصمود والمقاومة والدفاع عن الذات'') فهو 
يهدف - مثلما نهدف نحن جميعا - إلى توحيد العالم العربى توحيدا لايقضى على 
خصوصيات أقطاره وتنوع اعتقاداته الدينية والفلسفية والاجتماعية» وتعدد أقلياته. 
وحرية أفراده. ومن هنا فطرح قضية التنوع (الاختلاف) فى التفكير قادر على إلغاء 
أساليب الفهم البالية التى تحتمل توحيد لمعرت يرع يسار ف بردر ري جو 
النظرة وكليانية الممارسة”'"). 

يقدم لنا التريكى فلسفة التنوع باعتبارها فلسفة بديلة. وفائدة هذا الفكر 
بالنسبة لنا يكمن فى تحطيم الدعوة الغربية بكونية فلسفته وتفكيره وثقافته من 
ناحية وتحرير ذاتنا من عبودية القهر بإقرار حرية التفكير والاعتراف الكامل 
بحقوق الاختلاف والتنوع من ناحية أخرى. إن القول بالتنوع عند التريكي ذو هدف 
يتفق مع هدف الخطيبي في النقد المزدوج يتجه إلى نقد كلية الفكر الغربي وحرية 
الإنسان العربي لكنه يختلف عنه في نفس الوقت حين يربط ذلك بجدلية العودة 





218 


والتجاوز . أنه على عكس الخطيبي يجمع بين انجازات الفلاسفة العرب وجهود 
الفلاسفة المعاصرين ,٠‏ لكنه لا يكتفي بالقدماء. ومن هنا فإن النهضة لاتقوم إلا على 
التجاوز. عمل مفكر التنوع إذن هو إسهام فى إيجاد "البديل الفلسفى" عن طريق ما 
أطلق عليه جدلية "العودة والتجاوز". 

يتضح لنا أن ما يقصده التريكى بالتنوع هو فلسفة الاختلاف؛ فهو وإن كان 
يستخدم المصطلح الأول عنوانا لعمله ويستخدمه بمفرده فى مقدمة الكتاب. فإنه 
يعود فى حديثه عن معقولية التنوع ليقرنه بالاختلاف ويتحدث عنهما باعتبارهما 
نفس الشىء: "فالاختلافات والتنوع يؤدى... "29'). "إن الفلسفة ستكون خلاقة 
للتنوع والاختلاف"97''), "حدق الاختلاف والتنوع..."0*') إن التريكى يؤوسس 
مشروعية التنوع على إنجاز العلم ونظريات العلوم الطبيعية. فالمعقولية الحاليئة 
التى ظهرت فى العلوم الطبيعية جديدة فى كنهها ومتنوعة فى عملهاء إذ أنها تفتح 
آفاقا جديدة فى نظرتنا إلى الزمن والحياة والطبيعة» كما تجعلنا نعطى. أهمية كبرى 
إلى الجزئى: وإلى الممكن وإلى الصدفة بصفة عامة لا باعتبارها أشياء تجهلهاء بل 
كعناصر فعالة فى تصورنا للمكان والزمان. ومن هنا فإن "منطقية الغقل المتنوع" 
ستحل محل منطقية العقل الموحد. وستكون فلسفة التنوع هى فلسفة المستقبل 
العلمى. إذ إن العلوم الآن قد اكتشفت أن للتنوع الطبيعى والاجتماعى أهمية قصوى 
فى فهمنا لطبيعتناء وأن "العقل الموحد" قاصر على دراسة الواقع بتعقيداته وكثرته 
وتغيره المستمر. لأنه يصير إلى المعرفة الكلية الشاملة.!”').ويسعى مفكر التنوع 
والحداثة لتطبيق أفكاره على الواقع العربى ويوضح قدرتها على تحقيق هدف العربٍ 
فى الوحدة » ويرى أن معقولية التنوع ترفض الفكر الوحدوى المبنى على الهيمنة 

والغطرسة والاسبتداد. 
فالتصور العلمى لتحقيق الوحدة العربية عليه فيما يرى - أن يأخذ بعين 

الاعتبار مشاكل الأقليات؛ والطوائدف الدينية؛ والحريات الفردية. ولا يمكن لوحدة 
عربية شاملة أن تتحقق وتنجح إذا طمست هذه المعطيات الموضوعية أو تجاهلتها 
وقمعتها... ويتطلب التصور العلمى للوحدة توظيف هذا التنوع للاستفادة منه فى 
وضع برامج عملية لبناء الحركة القومية» فالوحدة فى التنوع هى السبيل الوحياد 
لتجنب التجزئة بأفكارها وبرامجها وفى الآن نفسه تقضى على النزعة السلطوية 
التى ضاحبت تجارب الوحدة فى الماضى/”". 

إن ذلك يعنى» أن مقومات الفكر الوحدوى العربى فى تنوع الثقافة العربية» وفى 


219 


تنوع مجتمعاتها بأديانها المختلفة؛ وتعبيراتها المتعددة» وسلوك أفرادهاء وأنماط 
حياتها الكثيرة» والانقياد إلى هيمنة النموذجية الغربية التى استولت على كل الفضاء 
العربى. ويتفق مع أومليل فى أن فلسفة التنوع(الاختلاف) توضج لنا على الصعيد 
السياسى إنتاج حركة تحررية ديمقراطية تضمن تمثيل الجماهير العريضة ديمقراطيا 
وتعبر عن إرادتها وتطلعاتهاء فالوحدة والتحرر مرتبطان بمعقوليةالتنوع*'). 

ومستقبل الفلسفة عند التريكى يكمن فى الانفتاح والتنوع لأنها ستحمى بذلك 
حقوق الفرد والغير وتتماشى مع التطور العلمى والتقنى الذى ابتعد عن أيديولوجية 
التوحيد والشمول والكلية!''). 

إن الاختلاف يؤكد محدودية الفلسفة الغربية » ويعلن حضور العالم الثالث فى 
نفس الوقت الذى يحدد تدهور الغرب. إن تلك الفكرة المحورية التى كتب عنها حسن 
حنفى كثيرا وأوضحها فيما كتبه عن التفكيكية نجدها لدى التريكى. فكلاهما يرى 
بلغة مفكر التنوع "أن الفكر الكونى والكلى خاصبة أساسية للفلسفة الغربية» 
بانقراضها ينقرض الفكر الغربى المهيمن. فلو ألقينا نظرة سريعة على الأنساق 
الفلسفية الغربية لوجدنا أنها تخلط بين الكلى والشامل والكونى وبين الفكر الغربى 
الضيق؛ لأنها تعد أن العالم ينحصر في الشعوب الغربية بينما تكون الشعوب الأخرى 
متوحشة. فالاختلاف بالنسبة للعالم الغربى المهيمن قد جعله يشعر ببداية التدهور 
والانقراض0"". 

إن فلسفة التنوع (الاختلاف) عند دعاتها ومعتنقى أفكارها من العرب هى 
الوحيدة التى تستطيع تحطيم النموذج الأوروبى المهيمن للفكر والفلسفة. ويعبر 
التريكى عن هذه الفكرة بأوضح ما يكون بقوله "الإبداع الأصيل لايولد إلا عن 
التنوع والاختلاف؛ لأن الحرية الحقيقية والكاملة التى تضمن للفرد حقوقه وللأقليات 
تعبيراتها الاجتماعية؛ هى التى تولد الفكر المبدعء والفكر الإبداعى الأصيل هو الذى 
يستطيع مقاومة الهيمنة والاستعمار. ففلسفة التنوع هى فلسفة الإبداع؛ لأنها تضمن 
لك أن تفكر بوجه آخر. وهى فلسفة المستقبل خارج أسوار العالم الغربى؛ لأنها 
تستطيع بأصالتها وإبداعاتها مقاومة هيمنة الغرب وتحرير الذات'", 

ويقدم لنا قراءة جديدة لتاريخ الفلسفة فى دراسته "الفلسفة المفتوحة وتاريخ 
الفلسفة" ؛ والفلسفة المفتوحة: اسم للتنوع والاختلاف كما يتضح من قوله: "هذا 
المشروع لقراءة تاريخ الفلسفة يحاول أن يأخذ بعين الاعتبار تنوع الفكر الفلسفى, 
وتعدده واختلافه. كذلك فإن فلسفة الحداثة التى يعرضها علينا هى إسهام فى الحوار 


220 


الذى احتد الآن فى العالم العربى حول مصيرنا المشترك؛ فمهمته أن يقوم بطريقة 
نقدية مفتوحة للبحث عن معنى وجودنا بإرتباطه الوثيق بالإبداع والاختلاف. إن 
التريكى الذى يسعى لفهم أزمة التفكير والوعى فى الوطن العربى يحدد لنا فى الفصل 
الثانى من كتابه والذى عنوانه "الحداثة والهوية" بعض الأسس التى يرتكز عليها 
عمله هى: 

-١‏ البحث عن تاريخية الإنسان العربى الحالى من خلال حضوره فى العالم» 
ومن خلال تصور عام لحركية الذات والتاريخ. 

1- فهم الواقع العربى الحالى من خلال نظرة ترفض الوحدويه الضيقه 
وتكرس فلسفه التنوع. 

"- تصور استراتيجية ممكنة للخروج من أزمة الوعى العربى والمتمثلة فى 
تهافت فكرة إثبات الهوية فى البحث فى الذاكرة التاريخية والممارسة اليومية عن 
مقومات الخطاب الديمقراطى المفتوح7". ظ 

: ويمكن لبيان ذلك الرجوع الى الملف الذى اعدته مجلة " أوراق فلسفية " 
حول التريكى العدد الثانى ( يناير - يونيو ٠٠١١‏ ) والذى يتضمن عدة أبحاث 
هى:" المرجعية الفكرية للفلسفة المفتوحة " الزواوى بغوارة » " من فلسفة 
التنوع الى فلسفة التاريخ " بن مزيان بن شرقى الفكر الوجودى ومكعقولية التنوع 
" فوزى العلوى , و " دفاعا عن الفلسفة دفاعا عن التراث " عبد القادر بوعرفة ٠‏ 
ويمكن مراجعة المراجعات التى قدمت حول اعمال خاصة الروح التاريخى عند 
العرب فى المجلة الفلسفية التونسية . 

ويعتقد التريكى أن فلسفة التنوع إذا ما ارتبطت بوجودنا ومصيرنا ستنمى 
فينا الوعى النظرى بضرورة غزو مفهوم الحداثة لا لتحديد مكوناته واستدلاله 
وأنماط عمله فى ميادين الفكر والفعل؛ بل وأيضا لربطه بمميزات مجتمعاتنا بمختلفب 
تشكيلاتهاء لعل ذلك يثير فينا شيئا من القلق حتى نسعى إلى ملء فراغ مازال يميز 
حضورنا فى العالم وكانه حضور العدم. فالحداثة مصيرنا وعلينا فتح كياننا على 
تاريخيتنا لامن حيث إنها تربط خاضرنا بجذورنا والحضارات التى تعاقبت علينا 
فقطء بل وأيضا من حيث هى انفتاح على الإقبال والمصير!"". 


ثالثا: تفكيك العقل والميتافيزيقا الإسلامية: 


281 


أ: اركون وتفكيك مفهوم العقل الإسلامى 
إن عمل أركون الذى يتجاوز نظرة النزعة الترائية (السلفية)؛ والنزعة 
الاستشراقية للدراسات الإسلامية؛ يقوم فى الأساس على النقد كما ظهر فى كتابه "نحو 
نقد العقل الإسلامى" الذى ترجم للعربية بتاريخية الفكر العربى الإسلامى؛ وفى كتاباته 
التالية. وهو لا يتوقف فى نقده عند الفروع والنتائج؛ بل يعود إلى الأصول حافرا منقبا 
فيخضعها للنقد والتفكيك» موضحا سير الأحداث فى التاريخ؛ كاشفا عن الوجه الآخر 
للأشياءء, أى أنه لا يقتصر على نقد الأحاديث والتفاسيرء ولا يكتفى بتفكيك الأنساق 
الفقهية؛ والمنظومات العقائدية؛ بل يتوغل فى نقّده وتفكيكه وصولا إلى الأصل الأول: 
أى إلى الوحى القرآنى. إنه كما يقول على حرب: يحرث فى "منطقة اللامفكر فيه" فنى 
العقل الإسلامى بل إنه يتعدى ذلك إلى مساعلة العقل نفسه عن لامعقوله 9" ' 
والمقصود بمنهجية التفكيك » تفكيك الميتافيزيقا الكلاسيكية؛: والأنظمة 
الثيولوجية الموروثة. فما ينطبق على تفكيك الأولى يمكن قوله على تفكيك الأنظمة 
اللاهوتية التى تشكلت فى العصور الوسطى فى كافة المجالات الدينية؛ فهذه الأنظمة 
بتحديداتها الثنائية بحاجة إلى تفكيك وإعادة نظر”*". والحق أن أركون يركز نقده 
وتفكيكه فى الدرجة الأولى على الخطاب الإسنلامى» أصولا وفروعا وفى مختلف 
مستوياته وتجلياته بداء من النص القرآنى ذاته وانتهاء بكل ما انتظم حوله من 
نصوص وخطابات. وكذلك على الاستشراق الغربى ويدافع البعض عن التفكيك عند 
أركون '"'فإن قراءته للتراث إذ تفكك من جهة فإنها توحد من جهة أخرى". إن 
التفكيك يخدم التوحيد.... والقراءة التفكيكية قد تميط اللشام عن السمات المشتركة 
لجميع العقائد"7' ). خاصة وأن الظاهرة الدينية بشكل عام تظل حتى الآن شينا لا 
مفكر فيه داخل الفكر العربى الإسلامى"". إن التفكيك يسعى إلى استنطاق خطاب 
الحقيقة عن بداهاته المحتجبة. إنه اشتغال على النصوص بالعمل على تفكيكها 
والحفر فى طبقاتها للكشف عما تمارسه من آليات الحجب والاستبعاد والكبت 
والتحوير والخداع. يقول أركون ‏ ردا على كيف يمكننا التحدث عن التسامح فى 
الوسط الإسلامى - "لا يمكن للتسامج أن يترسخ إلا بعد تفكيك هذه الهويات الثابتة 
والجامدة والراسخة منذ عدة قرون*””. ١‏ . 
إن أركون الجزائرى - الأصل الذى تعلم فى وهران والجزائر قبل أن ينتقل 
إلى باريس ليدرس فى فرنسا ويحصل على الدكتوراه عام 1415» ليعمل بعد ذلك 
فى جامعة ليون الثانية ثم باريس الثالشة - صاحب نزعه إنسانية واضحة. ظهرت 


232 


مبكرا فى رسالته للدكتوراه "محاولة لدراسة الأنسية العربية فى القرن الرايع 
الهجرى" التى صدرت ضمن السلسئة الفلسفية لمكتبة فيران١٠!15اء‏ شم 
مارلات فى اللكن ملتسي 1111 اللي ا 4 والفكر العربى 516١ء‏ 
والإسلام: الأمس واليوم بالأشتراك مع لويس جارديهء. 15177١.ء‏ الإسلام دين ودنيا 
5 قراءات فى القرآن 1587: نحو نقد العقل الإسلامى ١584‏ الذى ترجم 
للعربية بعنوان تاريخية الفكر العربئ الإسلامى. 
وقد كتب هاشم صالح - مترجم أركون للعربية والذى يمكن لنا أعبتارهما معنا 
توجها واحدا - فى مقدمة ترجمته لكتاب أركون "الفكر الإسلامى قراءة علمية" عن 
"أركون ومنهج التفكيك" موضحا أنه قام بتحليل مفهوم الأرثوذكسية فى الإسلام 
وكيفية نشوئها وتشكلها واشتغالها فى التاريخ عبر القرون. وأنه يلجافى أماكن 
عديدة إلى تعداد المسلمات التى تنظم الاعتقاد الإسلامى وتتحكم به. ونفهم من ذلك 
أن شرط انفتاح الفكر العربى ‏ الإسلامى على العقلانية الحديثة لاايمكن أن يتم 
بشكل فعلى ودائم وناجح إلا بتفكيك مفهوم الدوجماطيقية» ومفهوم الأرثوذكسية 
الخاصين بترائه هو. ومن أجل ذلك ينادى بضرورة الاطلاع على الثورة المعرفينة 
التى حدثت خلال الثلاثين عاما الماضية فى مجال علوم الإنسان والمجتمع؛ والتى 
شكلت تجاوزا للحداثة الغربية الكلاسيكية نفسها وافتتاحا لحداثة فكرية أكثر اتساعا. 
إلا ان ذلك لن يتم بشكل جيد قبل القيام بمرحلة تفكيك استكشافية داخلية للتراث7"). 
ويمكن النظر إلى تاريخ التراث على إنه مجموعة متراكمة ومتلاحقة من العصور 
والحقب الزمانية كطبقات الأرض. وعلى المؤرخ أن يقوم بعمل الأركيولوجى من 
أجل أزاحة الركام واكتشاف الطبقات العميقة للحقيقة التاريخية أو للواقع التاريخى. 
ويمكن ان نعطى امثلة بذلك. فتفكيك المناخ الفكقرى للمعتزلة مثلاء 
وخصومهم الحنابله يتويح أن نتوصل إلى المستوى العميق والأرضية التحتية 
للمسلمات والفرضيات المشتركة التى كانوا يستخدمونها فى محاجاتهم كما يتيح لنا 
معرفة الأسباب الحقيقية للتمايز والاختلاف فيما بينهم!”'). | 
ومن خلال منهجه التفكيكى استطاع أركون إحداث زحزحات عديدة داخل 
ساحة الفكر الإسلامى والعربىء لقد خلخل الأسس التقليدية والتصورات الرازحة 
بعناد فى الجهتين الإسلامية والاستشراقية؛ كما يتضح ذلك فى طريقة تناوله لمسألة 
العلمنة فى الإسلام('*). حيث يغير من زاوية الرؤية وأسلوب المعالجة لكى يزحزح 
تلك الفكرة الجامدة والثابتة التى تقول بان الإسلام لا يفصل الروحى عن الزمنى أو 


253 


الدينى عن الدنيوى7'*». فهو يتعامل مع ظاهرة الوحى بعين الناقد ٠‏ فيقوم بتفكيك 
بنية النص من أجل الكشف عن قواعد ظهوره وأليات عمله بوصفه نصا له بنيته 
الأسطورية وفعاليته الرمزية وطاقته البيانية فضلا عن كونه أنطولوجيا تحرك 
الحياة والوجود ويمكن ان نقارن عمله هنا بنا يقوم ب4 نصر حامد ابوزيد فى هذا 
المجال والذى تحتاج كتاباته الى دراسة متأنية لاهمية ما يقدمه من تحليل للنص.. 
ويقوم ناقد العقل الإسلامى بعمل الحفر والتفكيك ليكشف عن المحجوب, ويتكلم عن 
المسكوت عنه؛ ويقرا القرآن من خلال تاريخيته موظفا لذلك ترسانة هائلة من 
إنجازات العلوم الإنسانية وأحدث أدوات التحليل والتفكيك7". 

وإذا كان أركون يستخدم مناهج اللسانيات والانثربولوجيا والحفريات. ويتفق 
مع أعلام النقد المعاصر فى موقفهم من الحداثة الغربية وتفكيكهم للعقل المهيمن؛ 
يرفض التطرف الوضعى واحتقار البعد الروحى للإنسان والأديان!'*). ويرى علبى 
حرب - الذى يمكن أن ندرجه هنا باعتباره أحد المتابعين لاركون - إن الهاجس الذى 
يوجه أركون فى مباحثه؛ وتحليلاته هو العمل على تشكيل فكر نقدى عقلانئى حر 
على ساحة الفكر العربى والإسلامى. يقول الحق إننى منذ أطلعت على أول أثر 
لأركون منقول إلى العربية وكان ذلك فى نهاية السبعينات, أدركت أننى إزاء مثقف 
إسلامى بارز يكتب بلغة حديثة ويفكر بطريقة جديدة مغايرة تخرق أسوار الممنوع 
وتطرق أبواب الممتنع. منذ قرأت نصه لأول مرة؛ شعرت أننى إزاء خطاب مختلف 
عن الخطابات السائدة. جديد كل الجدة إن فى المصطلح والأداة» أو فى المنهج 
والرؤية» أو فى التوجه والرهان"”') واركون هو أبرز مفككى النص القرآنسى 
والعقل اللاهوتى الذى جسده أو انبنى عليه”*) ويعرض حرب لمشروع أركون نقديا 
تفكيكياء معترفا فى نهاية بحثه بدينه لأركون مؤكدا فضل مترجمه هاشم صالح 
"فالرجلان متضامنان متعاونان فى العمل على إحياء الاجتهاد فى الفكر الإسلامى 
المعاصر "070 ش 

ومن هنا علينا إن نكمل حديثنا عن تفكيك العقل الإسلامى عند أركون بتناول 
تفكيك الميتافيزيقا الإسلامية عند صالح.ويمكن فى السياق الاشارة الى ما كتبه 
عبدالله عبداللاوى عن " التاريخ والاختلاف عند أركون المخيال ضد العقّل '" ضمن 
الفلسفة فى الوطن العربى فى مائة عام ؛ كذلك اعمال ندوة الجمعية الفلسفية 
الاردنية والملف الذى نشرته مجلة " أوراق فلسفية " العدد التاسع ٠٠١4‏ والذنى 
يتضمن بحوث متعددة » تعرض للقضايا التالية : "من نزعة الانسنة الى العقل 


234 


الاستطلاعى" عبدالرحمن الحاج »؛ نقد العقل الاسلامى السؤال التاريخى الاجتماعى 
" رضوان جودت زيادة » قراءة فى رهانات المعنى " عبد الامير كاظم " أركون 
ومحاولة الخروج من السياق الدوجماطيقى " فيصل غازى , " اركون والاستشراق 
فى ماله الامريكى " غسان اسماعيل ؛ " والاسلاميات التطبيقية تقيض الاستشراق 
" موفق محادين » وقضايا منهجية فى قراءة التراث " رشيدة محمد رياحى 
وأركون وأشكالية تحديث العقل الاسلامى . 

ب: تفكيك الميتافيزيقا العربية الإسلامية 

يعطى هاشم صالح عنوانا جانبيا لدراسته فى العدد الذى خصصته مجلة 
"الوحدة" للفلسفة العربية بين الإبداع والاتباع؛ هو "مدخل أولى لتفكيك المثالية 
والميتافيزيقا فى المناخين الأوروبى والعربى الإسلامى" من أجل بيان دور الفلسفة 
فى بلورة المشروع الحضارى العربى. وهو يسعى إلى تقديم فكرة عامة اولية عن 
كيفية تفكيك الميتافيزيقا فى التراث الفكرى للغرب من خلال نيتشه وهيدجر. ومن 
الواضح أن الخط التفكيكى الذى يفضله هو خط نيتشه وليس خط هيدجرء: لسبب 
بسيط هو أن نيتشه نهض بمهام واقعيه تخص واقعنا المعاش اكدثر ممافعل 
هيدجرا*"). أما هيدجر فهو الذى اخترع مفهوم التفكيك (التدمير) » وقراءته لتاريخ 
الفلسفة والميتافيزيقا قد تفيدنا يوما فى قراءة تراثنا الفلسفى والميتافيزيقى الخاص. 

ويقدم صالح فى القسم الأخير من عمله توضيحا أوليا عن الفلسفة الإسلامية 
والميتافيزيقا فى تراثنا مع بعض المقترحات المبدئية للخروج من الموضوعية 
التقليدية والفكر المثالى الميتافيزيقى "من أجل تحمل مسئولية الواقع العربى من 
قبل فكر فلسفى جاد ومسنول يقوم لأول مرة بتفكيك العقل الإسلامى الكلاسيكى 
والفكر الميتافيزيقى فى أن معا"7!*). وهذا يشكل فى رأيه خطوة أولى لابد منها على 
طريق التحرر وتدشين الحداثة الحقيقية. لكنه قبل ذلك يقدم فكرة سريعة عن هذه 
الهزة الفلسفية التى جرت على المسرح الفرنسى؛ وذلك من خلال دريدا ومنهجيته 
فى التفكيك التى استعارها من هيدجر ثم طورها متخذا موقفا نقديا من دريدا موضحا 

لقد نشا دريدا وتغذى بقراءة التراث الفينومينولوجى الذى تربى عليه فى 
الخمسينات من هذا القرن؛ ثم الابستمولوجيا وفلسفة العلوم التى حلت محلها 
تدريجيا ‏ والتى تبدو أكثر اقناعا وصلابة - ثم الألسنية والسيميولوجيا والبنيوية: 
فى مثل هذا المناخ نشأ دريدا. وهو كغيره من الفلاسفة التقليديين مرتبط بهذا التراث 


235 


الفلسفى والمنهجية التفكيكية عند (دريدا) والاركيولوجية (فوكو) تأثى لتحل محل 
المنهجية الفيلولوجية والتاريخانية » والتفكيك اصطلاح استعاره دريدا من هيدجرء 
وهو يعنى به تفكيك التراث المدروس من الداخل؛ وتجزنته إلى بناه الأولية 
الأساسية من أجل معرفة الكيفية التى تشكل عليهاء وتبيان عدم بداهته؛ وبالتالى 
تبيان تاريخيته وإمكانية تغييره؛ والتفكيك بالإضافة إلى ذلك كما يخبرنا صالح فى 
دراسته التمهيدية لحواره مع اركون - بالعدد الثالث من مجلة الوحدة ‏ يمثل حجر 
الزاوية للعلوم الألسنية والسيميولوجية الحديثة. لكن مشكلة دريدا - فى نظر صالح 
- هى أنه أصبح سجين مفاهيمه الجديدة التى اخترعها من أجل القيام بعملية التأويل 
والتفسير: أى تفكيك كبريات النصوص الفلسفية ومحاولة اكتشاف الهيكلية الصلبة 
التى أنبتت عليها أو تمحورت حولها (العرقية المركزية الأوروبية).. 

وعلى العكس من موقف جابر عصفور يرى صالح أن دريدا راج يخلط بين 
الخطاب الأدبى والخطاب الفلسفى» ؤيرى أن هدم الحدود المرسخة بينهما هو إحدى 
مهام حركة التفكيك ٠‏ لكنه لم ينتبه (أو لم يرد أن ينتبه) إلى مدى حجم الخسارة 
الناتج من عملية كهذه. فتحليل الخطاب الفلسفى على طريقة الخطاب الأدبى يعنى 
إفقاده خصوصيته ومطمحه فى التوصل إلى الحقيقة أو بلورة الحقيقة فى عضر ما 
ومجتمع ما. كما أنه يعنى قطع الأواصر والعلائق بين الفلسفة والعلم؛ ويحول 
الخطاب الفلسفى إلى مجرد خطاب شعرى أو أدبى ليس له أى معيار خارج إطار 
مرجعيته الخاضة. وهكذا يدخل فى نوع من التجريد المعمم أو التعميم المجرد. 
ويروح يلف ويدور ويتلهى بخلق المصطلحات التى لا تستند إلى أى واقع يبررهاء 
ومثل هذا الموقف من التفكيكية سنجده أيضا لدى حسن حنفى فى تناوله لها 
باعتبارها بداية النهاية للفكر الغريى”''). 

ويعطينا صالح بعد ذلك لمحة سريعة عن مفهوم الاختلاف الأنطولوجى 
والخروج من الميتافيزيقاء أى الأنطولوجيا الثيولوجية ممهدا لعرض المحاور التى 
سيطرت على الفلسفة العربية الإسلامية!''). وشكلت ما يدع وه بالميتافيزيقبا 
الإسلامية كما فعل بالنسبة للميتافيزيقا فى المناخ الأوروبى المسيحئ بهدف 
استخلاص السمات المشتركة للفكر الميتافيزيقى فى كلا المناخين الفكريين» وذلك 
من أجل تجاوزهما والدخول فى المناخ العقلى للعصور الحديثة. 

وينتهى صالح إلى الحكم على دريدا - على الرغم من نجاح بحوثه الأولشى؛ 
ومنهجيته فى التفكيك - بأن حركته قد توقفت فيما بعد؛ بسبب انغلاقه داخل الجدران 


256 


الحصينة للفلسفة والتفلسف ومشاكل التأويل التى أدت به فى نهاية المطاف إلى 
الانقطاع عن حركة الحياة والواقع”"'. ومع هذا يستخدم منهجه لتفكيك المثالية 
والميتافيزيقا فى المناخين الأوربى والعربى الإسلامى. مما أتاح لغيره من النقاد العرب 
توسيع التفكيك لقراءة بعض النصوص الفكرية العربية المعاصرة من منظور 
الاختلاف وهذا يعنى أن هاشم صالح على الرغم من إرتباطه الوثيق بأركون. إلا أنه 
أدار تفكيكه على الميتافيزيقا الإسلامية؛ وأبان عن وجهة نظر نقدية لدريدا فى 
دراساته؛ أى أنه قام بتفكيك المفكك. وهو بهذا يضيف إلى جهد أركون ويكمله. / 

رابعا: نقد وتفكيك العقل الغربى 

أ: مطاع صفدى: والتأسيس فى المختلف 

نعرض فى هذه الفقرة لاتجاه رابع فى التفكيك ينطلق مثل الخطيبى من النقد 
المزدوج؛ وإن كان يركز تفكيكه ونقده على العقل الغربى»ء وهو اتجاه يضم: مطاع 
صفدىء وكاظم جهادء وعبدالعزيز بن عرفه . وكل منهم يتوقف إمام ما بعد الحداثة 
باعتبارها نقدا مستمرا وأمام فلسفة الاختلاف باعتبارها طرحا للسؤال الانطولوجى 
الذى يعنينا كما يعنى الغرب. 

لقد نجحت فلسفة الاختلاف فى الاتجعل من نفسها مذهب! وإلاتدخل 
الإكاديميات والمتاحف. وحافظت على استقلالية سؤالها. هكذا كتب مطاع صفدى 
الكاتب متعدد الجوانب والمفكر المؤسسة الذى كرس جهوده فى أكثر من جبهة ثقافية 
للفلسفة الجديدة فى مجلات؛ "الفكر العربى المعاصر", "العرب والفكر العالمى'", 
وفى مشروع الينابيع لنقل نصوص هذا الفكرء وفى كتابيه "استراتيجية التسمية". ئم 
"نقد العقل الغربى؛ الحداثة وما بعد الحداثة". 

ينطلق صقدى من برنامجه المنشور فى العدد الأول من مجلة الفكر العرببى 
المعاصر من محاولة النظر فى ازمة الثقافة العربية المعاصرة التئ يتلمسها فى 
النتاجات التى اصدرتها ويبحث عن مقوماتها وعقباتها وحصيلة آثارها فبى تقدم 
الوعى العربى. وحاول ان يفتح نوافذ على العالم من معاناة الثقافة والمثقفين لدى 
الغرب؛ ليكشف عن عوامل اتفاق وتمايز بينها وبين المعاناة عندنا”'). وهو يبشر 
بالحداثة ويزهو بانتشارها الكاسح وسيادتها المنتصرة ببضعة أقلام وأقل ما يمكن من 
الورق المطبوع وبدون طبقات ولا أحزاب ولا امبراطوريات شق فكر الأختلاف 
طريقه؛ كما كتب فى العدد التاسع من "العرب والفكر العالمى. ويأتى كتابه "نقد العقل 
الغربى: "فلسفة الحداثة وما بعد الحداثة" ليعلن المشروع الثقافى الذى تبلور فى 


237 


مجلتيه» ومقدمات الترجمات المختلفة التى أطلق عليها عنوان النيابيع. 

يتساعل صفدى فى كتابه تساؤلا هاما هو: هل كنا نعرف نحن العرب العقل 
الغربى حق المعرفة وكل الحضارات المنفية من خطاب المشروع الثقافى الغربى؛ 
لقد حاربناه نحن كذلك بدورناء لكن دون أن نكسب منه لا ثروة ولا استعمارا 
معاكساء بل فزنا معه بإعادة إنتاج لعزلتئا وسميناها استقلال. فى حين كان الغرب 
يغربن العالم كله» ويستولى علينا عبر إنبهارنا بما هو فيه مختلف عناء فى أشيانه 
والأعيبه وتقنياته» كل ذلك دون أن نعرف سر قوته الحقيقة. وعلينا أن نشرع - على 
الأقل - فى فهم الآخر ذى الحضور المكتسح لخشبة المسرح اليومى كله؛ وأن نقرا 
العقل الغربى بعينه فهذا يعنى ان نصحبه عبر رحلاته المتلاحقة فى نقد ذاته؛ ونقّد 
نقدهء حتى لا نحال أننا نرى هذا العقل إلا وهو فى حالة مفارقة مضطربة لتسمياته 
ومواقعه فهو يوجد فى نقده وليس فى موضوعه'"). وفى الوقت الذى جرب فيه 
هذا العقل كل أدوات تحليله وتفكيكه فإنه لايمكن اختلاق المعارضة من خارجه إن 
لم يكن ذات معاصرة وجوانية من داخل خطاباته نفسهاء ومع ذلك فإن قصة العقل 
الغربى مع ذاته ليست أمثولة للآخرين ولا نموذجا للتقليد» لكنها هى كذلك قصة 
للعقل قابلة لأن تكتب بغير حروفها الأصلية؛ وان تقرأ بغير عبيون والسنة أبطالها 
وحدهم فهى تبدو كما لو كانت قصة لكل عقل يفارق الامتثال مع أصنامه ويقرر 
المغامرة مع مجهوله الخاص. عند ذلك فقط ‏ عدم جهله أو تجاهله أو رفضه - 
يصير نقد العقل الغربى هو نقد العقل العربى”*". 

وهذا ما جعل جميل قاسم الذى يميز بين فعل النقض (التفكيك) وفعل النقد - 
باعتبار الأخير من طبيعة معرفية تراكمية؛ والأول من طبيعة إبستمولوجية - يضع 
محاولة صفدى "نقد العقل الغربى" فى إطار التفكيك. فهى المحاولة الوجودية 
الثانية بعد "الزمان الوجودى" فى الفكر العربى المعاصر , طورها صاحبها فى 
انفتاح منهجى على مختدلف التيارات النقدية الغربية المعاصرة؛ ليس من موقع 
المشكلة والمصادره وإنما من موقع تثاقفى ندى يستحضر الآخر ذاتيا دون أية 
عقد(""). ذلك ان صفدى يرى أن المختلف لم يؤسس فكر الصيرورة يونانيا فحسب 
لكنه وراء كل حداثة إذ إنه فكر الممكن وحده "". 

إن الاختلاف هو المنهج والسبيل أمام الفكر العربى. والسؤال العربى للفلسفة 
يبقى بنظر صفدى سؤالا خارج الفلسفة مادام لم يدخل تاريخها ولم يتوقت بأوقات 
ذلك التاريخ. والمازق الذى تحياه الفلسفة المعاصرة فى خطابها التقليدى؛ إنما يعبر 


258 


عن شعور الفلسفة المحترفة يضياع صلتها بالفلسفة؛ ولذلك يتارجح السؤال العربسى 
للفلسفة بين أن ينضوى تحت خطابها التقليدى؛ أو أن يقف وحده فى العراء 
ويشارك فى معاناة هذا المازق. ويكون له دوره فى البحث المختلف عن الفلسفة 
المختلفة» لا يقنع السؤال العربى للفلسفة بأجوبتها التقليدية والإجرائنية وهو له ذات 
الهم الذى يدفع باهم فلاسفة العصر إلى تدمير عدمية الميتافيزيقا المتحكمة ببنية 
الخطاب الفلسفى عبر تاريخه الطويل؛ إنه يلاحظ بقلق فتى جديد كيف أن مركزية 
الهوية الأوروبية تلقى أعنف أشكال الهجوم عليها فى اللحظة المعاصرة الراهنة؛ 
ومن هنا يرى صفدى - ومفكروا الاختلاف العرب - أن السؤال العربى يدخل للفلسفة 
وهى فى مازقها الراهن من باب أوكوة العلاقة بين فكرة الاختلاف والحداثة*"). 

إن صفدى الذى جعله مقدمة كتابه بعنوان "التاسيس فى المختلف" يقف فى 
الفصل الأول من القسم الثالث فيه أمام لوعي و 
إشارات عديدة إلى جاك دريدا الذى فسر إعلان هيدجر عن عصر انتهاء الفلسفة 
بأنه العصر المعاصر / منذ الستينيات / لمتقؤط لخن ارجا طذرب: باغوازة دل 
العقل المنتصر, وأنه يطرح مع دولوز المختلف منطقا مختلفا عن كل من منطق 
الهوية ومنطق الجدل وأنه يحاذر أن: يقع فى وصفه للمختلف فى تهلكة التعريف 
اللاهوتى المعروف بالسلب, وان تعريف المختلف بالاختلاف عند دريدا هو أن يرسم 
استراتيجية للتسمية تقع خارج المزدوجات كلهاء فالمحاولة التى يقترحها دريدا 
تتطلب أن نتتبع المختلفات وهى فى حركيتها وعفويتها دون أن نقصرها على 
التخلى عن فرادتها. . وأن أتباع المختلف هو أفضل ما يؤدى استراتيجيا إلى إعادة 
استيعاب الفكر لمعطيات العصرا؟". 

. وعند صفدى يبدو كان دريدا هو ضرورة العصر ومطلب الفكر المعاصرء 
فأمام العقلانية ونقد العقلانية يظهر الطريق الثالث الذى يقترحه دريداء والمدعو 
بالتفكيك؛ الذى هو استراتيجية ممارسة مختلفة تأتى فى الوقت الذى تهافت فيه كل. 
الخطط؛ وقيل كل ما يقال» وفعل كل ما يمكن أن يفعلء فالخطاب المطلق قد أنجز 
وانتهى سلطانه. وفى هذه اللحظة بالذات يراد لنا أن نقول شينا مختلفاء وان نعمل 
العمل المختلف. وهذا هو مسعى صفدى - كما كتب حمادى الرديسى - الذى أراد أن 
يرى الغرب أين يقع هو من نفسه اليومء والتقى بالمنهج التفكيكى باعتباره أحد أهم 
تعبيرات الحداثة الغربية!''). 

ب: قراءة دريدا فى الفلسفة الغربية باعتبارها صيدلية افلاطون: 


259 


ويأتى فى نفس التوجه مترجم دريدا للعربية كاظم جهاد الذى عرب دريدا 
وكتب عنه . يعرض كاظم جهاد - مترجم " الكتابة والاختلاف" ''') لدراسة دريدا؛ 
التى قدمها لتصور أفلاطون للكتابة باعتبارها قراءة للفلسفة الغربية؛ وهو تصور 
صيدلانى تخترقه الثنائية؛ حيث تجرم الكتابة تارة» ثم لا تفتأ يرجع إليهاء وتلتمس 
معونتها لإدانة شرور الكتابة نفسهاء بل يعل من شأنها عندما تجرد من معناها 
الصريح لتأخذ على المجاز فتدل على الكتابة الأخرى الإلهية. هذا الإزدواج فى 
التعامل مع الكتابة إنما يوجه - كما يثبت دريدا فى مجمل أعماله - الفكر الغرسى 
الذى يرى هو فيه فكرا ميتافيزيقياء ويظل فضل أفلاطون وتميزه فى هذا المتن الذى 
كان هو البادئ لتأسيسه ماثلا فى كونه قد وعى هذا الأزدواج؟''"). 

ويرى جهاد أنه لن يكون لأى تقديم لدريدا نفع كبير إذا لم نحاول الإيانة فيه 
عن الكيفية التى يتمحور بها هذا الفكر ميتافيزيقياء ويتاسس بكامله أو يكاد على 
هيئة صيدلية أفلاطون. وهو تقديم الكتابة على الكلام. يكشف دريدا عن ان 
الامتيازات المعقودة للصوت على حساب المكتوب تجدها حاضرة لدى أغلب مفكرى 
الغرب الذين يعملون جميعا من هذه الناحية فى أثر أفلاطونء ويحاول بيان هذا 
الموقف فى لحظات أساسية فى فكر الغرب الحديث من هيجل حتى هوسرل فسوسير 
حتى ليفى ستروس مرورا بروسو. فهيجل كما يوضح دريدا فى "البئر والهرم" 
(هوامش الفلسفة) يتبع حركتين تفضيلتين أولا الصوت على الكتابة حيث يعتبره هو 
الأكثر إبانة عن الحضور ويفضل الكتابات واللغات المكتوبة الأكثر قربا من الصوت 
(الالفبانية) على الأيدوجرامية””' ') ودى سوسير الذى يرفعها إلى علم الكتابة 
يجعلها فاعلية ملحقه بالكلام (شبه) مفسدة له. يتوقف دريدا عند تصور سوسير 
للكتابة فى عدة مواضع فى "الجراماتولوجيا". و"مواقع" و"هوامش الفلسفة" 
وقد اظهر دريدا فى "مواقع" أن إضافه سوسير تتمثل فى نقطتين: الأولى 
اضطلاعها بدور نقدى حاسم إذ أبانت عن أن المدلول لا يقبل الانفصال عن الدال 
وأنهما وجهان لعملة واحدة أو وحدة واحدة هى العلاقة. والثانية إنه يرفيض اختزال 
"جوهر" الدال اللغوى إلى عنصره الصوتى؟' ' '). 

ويعرض "جهاد" لموقف "دريدا" من "كلود ليفى ستروس". الذى سعى 
إلى استنطاقه, والعمل على تفكيكه . يقول تتمثل إحدى أهم وقفات دريدا عند العلوم 
الإنسانية فى جانبها البنيوى فى مقالة (البنية؛ اللعب. العلامة) ويأخذ عليها إحالتها 
كل شىءء كل كتابة» كل معنى إلى مراكز أو نقطة مركزية تنطلق منها جميمع 


2150 


الشبكات وإليها ترجع7*' '). ويخصص جهاد نصف دراسته لتناول روسو والكتابة. 
موضحا أن الإرتياب من الكتابة دائما ما يجد لدى روسو إرتيابا مماثلا ومتناظرا 
معه من الكلام؛ الذى يزعم كونه حاضرا وملينا. وأن أفكار روسو لا تقبل الانفصال 
عن "نمط كتابته الخاصة"7'') وكتب ثانية فى " لقاء الرباط مع جاك دريدا " انه 
يميل الى القراءة الشعرية لنصوص دريدا اكثر من ميله للقراة الفلسفية فيما كتبه 
بعنوان الى دريدا ( فيما أترجمه ) وإذا كان كاظم جهاد يقدم لنا قراءة دريدا للفلسفة 
الغربية عبر مفهوم الكتابة »فإن غبدالعزيز بن عرفة يسعى لتطبيق منهج التفكيك 
على لغة الكتابة العربية» وفى مجالات متعددة فى الأدب والموسيقى . والفنون 


التشكيلية. 
ج: عبدالعزيز بن عرفه: 
التفكيك والاختلاف فى الدال والاستبدال 


لاا يسرى الاختلاف على الفلسفة والنقد الأدبى فقط فهو مرتبط بالكتابة 
"الأثر" و"الدلالة" . طبقه الخطيبى على الثقافة الشعبية فى المغرب ومارس 
تفكيكها فى "الاسم العربى الجريح". واستخدم محمد الجويلى فى كتابة "الزعيم فى 
المخيال الإسلامى" التفكيك لبيان المهمش واللامفكر فيه وهو (المخيال الإسلامى)؛ 
لذا فهو يريد إحياء النصوص القديمة بممارستها ممارسة واعية وتفكيكها علمينا 
لتتحول من مكانها فى الرفوف إلى مكانها الجدير بها فى وجداننا وعقلنا"""*') 
وسعى فتحى ورشيدة التريكى فى كتابهما "فلسفة الحداثة" لبيان الحداثشة 
والاختلاف فى الرسم "حيث تبدو حداثة الرسم فى طاقته الكبرى والمتواصلة 
للتحرر والاختلاف!*' '). ويجوب عبدالعزيز بن عرفه - الذى كتب عدة دراسات عن 
التفكيك والاختلاف - حقول دلالية عديدة فى كتابه الدال والاستبدال» سعيا وراء 
الاختلاف فى الأدب؛ والشعرء والرواية. والرسم؛ والموسيقى. 

لقد كتب بن عرفه فى مجلة دراسات عربية ١544‏ عن "جاك دريدا: التفكيك 
والأختلاف!''') وتناول فلسفته فى عدة دراسات. وحاوره فى باريس“”'''). وحاول 
تفكيك "ملامح الكينونة لدى هيدجر: مفكر الإختلاف"7'') وجمع دراساته هاته فى 
"الدال والاستبدال" الذى عنون مقدمته ب"'ملحق" وهو مفهوم دريدى يعنى به: كل 
عملية تسعى إلى إرجاء موعد الحضورء أو هى حضور لايفتأ "يلاحق" موعده 
ليزامنه فلا يدركه. يرى فيه (فى الملحق) أن تشبثنا بالدال يعنى التصدى للميتافيزيقا 
التى تغيبه؛ ويعنى بالاستبدال التحولات التى تطرأ على الدال عبر تغيراته اللانهائنية. 


201 


إنه يعنى بالدال والاستبدال تلك الطاقة الذاتية أو الليبيدية الدى تلتقى بالأشكال 
الجمالية والكتابة فلا تفتأ تحولها. أما المنهجية المتوخاة فهى منهجية التفكيك 
والاختلاف» "أنه يدفع اللغة إلى قول ما لم تتعود قوله من قبل؛ وفى هذه الحالة 
يتحول الدال الكتابى إلى مغامرة مع المجهول ليفصح عن المكبوت؛ وليكشف عن 
سحيق الذاتا محررا طبقاته الواحدة تدلو واثر الأخرى". ومن يستعرض صفحات 
كتابه يجدها تنزع هذا المنزع!"'". 

وهو مثل كل مفكرى الاختلاف العرب يؤكد على أن عمله ليس استنساخا 
للحداثة الأوروبية؛ كما قد يتهمه البعض بذلكء لأنه ينطلق كما يخبرنا من مصادرات 
(قابلة للنقاش) مفادها أن النصوص التراثية العربية نصوص مثقلة بالميتافيزيقا من 
حيث مضامينها. ودبين لنا أن الانتماء إلى الحضارة العربية إلى مضامينها بقدر ما 
هو انتماء إلى لغتها. والانتماء إلى لغة الضاد هو انتماء إلى نبضها الإيقاعى 
وجرسها النغمى"'". 

إن بن عرفة الذى يعلن انتماءه إلى مفكرى الاختّلاف؛ يشير إلى مفهوم 
الاختلاف. ويوضح أنه مفهوم يخترق الإرث المعرفى من طرفه إلى أقصاه. وثراؤه 
أو جذبه مرتهن بالحقل المعرفى الذى ينزل فيه. إن مغامرة صاحب الدال و الاستبدال 
التفكيكية؛ كما تتضح فى دراسته الأولى "جاك دريدا: التفكيك والاختلاف" تطمح 
إلى الاحتفال بلغة الضاد؛ بجرس حروفها ونغم إيقاعها. وبين لنا بن عرفة "أن 
صيرورة التقويض التى يتوخاها جاك دريدا ليست نفيا وليست نقدا. إنها فقط تقاوم 
التوق إلى الحنين المترع الارتدادى. لأنها ترافق كل إصرار فى الحضور الذى لا 
ينفك يتأكد". وفى دراسته "الكتابة: التفكيك والاختلاف" يسوق "باسم الاختلاف 
ومن أجل الاختلاف" خطابا حول كتاب "الصحافة - حب السينما ‏ التليفزيون" 
لصاحبه الهادى خليل الذى عمرت صداقتهما لحظة طويلة فى زمن الاختلاف.'''). 

وهو يؤصل فلسفة هيدجر فى إطار فلسفة الاختلاف؛ أنها محاولة فى استكناه 
ملامح الكينونة لدى هيدجر كجذر أنطولوجى سمته الأساسية الحضور المتشح 
بالغياب'''). ودراسته لجورج باتاى »884111 مثل دراسته لرولان بارت كلاهما 
تعامل مع المغايرة وخبر الاختلاف. وكذلك ما قدمه عن فان كوخ الذى ظل منفردا 
مطرودا من حظيرة الانتماء فسقط شهيد فى ساحة الاختلاف. إن دراسته لفان كوخ 
"ذلك الأخر المغاير" هى مقاربة تحاول أن تنزل فان كوخ فى سياق الاختلاف. ومن 
الفلسفة والنقد الأدبى والفنون التشكيلية يعرض للموسيقى بوصفها اختلافا. مما 


202 


جعل على حرب الذى يتعامل مع النصوص العربية المعاصرة من منظور الاختلاف 
وعبر القراءة التفكيكية يشير إليه ضمن الباحثين العرب المشتغلين بفلسفة النقد 
والحفر والتفكيك ترجمة وشرحاء أو عرضا وتعليقاء أو استثمارا وتاويلاا'' '). 
ويمكن أن نتناول فى هذا السياق محمد على الكبسىء الذى أهتم كثيرا بالفكر 
المنعاصر خاصة لدى فوكو ودريدا كما يتضح من قائنمة أعماله: مثل فوكو: 
تكنولوجيا الخطاب» وقراءات فى الفكر الفلسفى المعاصر إضافة إلى مسئوليته فى 
إدارة وتحزير مجلة "مدارات". وهى تهتم كماجاء فى بيان الجمعية التى تصدرها 
من أول أهدافها "تفكيك أنماط الخطابات لطرق ما لم يطرق من دروب الإبداع "03170 
وهذا ما يتضح فى الدراسات والأيحاث التى جعل عنوانها "قراءات فى الفككار 
الفلسفى المعاصر" نجد ذلك فى "التوسير ومنطق الاختلاف"7"'') و"هيدجر 
والحدائة". (4, 
ويحدد فعل التفلسف عند هيدجر فى الكشف عن معنى الوجود الإنسانى الذى 
تسربل تحت نزعة اداتية أوقعته داخل حيز الوجود العينى. وضمن هذا المنظور 
يمكن الكشف تفكيكا لهذه العلاقة وتجريدها من كل ما علق بها من التباسات بذلك 
ترتسم ملامح التشكل الأولى للأساس. ويستشهد بقول هيدجر: "ليست الذاتية هى 
التطابق لأن التطابق يلغى كل اختلاف. أما فى غضون الذاتية فإن الاختلافات تبزغ 
وتظهر"'') وفى دراسته عن "مطاع صفدى ونظام المعرفة" يؤكد أن الاختلاف 
أساس لنظرية القراءة التى يدعو إليها كما يعتمد اعتمادا كبيرا فى كتابه "فى 
النهضة والحدائة" على تحليلات دريدا"7"). 
وكتب محمد على الكردى فى كتابه "من الوجودية الى التفكيكية: دراسات فى 
الفكر الفلسفى المعاصر" , دراستين حول دريدا هما : " الكتابة والتفكيك عند جاك 
دريدا " . و" الوظيفة الايديولوجية للصوت : جاك دريدا " /1554. فالتفكيك كما 
يفهمه دريدا ومعظم فلسفات الاختلاف هو تقويضى للمنطق الغانى والاستمرارى 
الذى قامت عليه الميتافيزيقا الغربية منذ افلاطون وحتى هيدجر مرورا بهيجل 
وهوسرل . ان قضية الكتابة ليست عند رائد التفكيكية محض مفهوم او تصور بقدر 
ماهى عملية اجرائية لا يمكن من غيرها فهم ليس فكر دريدا نفسه ودوره 
التقويضى للعقلانية الغفربية فحسب وانما مجمل الفكر الأوربى الموسوم 
بالحداثة.(ص١15١).‏ 
ويخصص محمد شوقى الزين احد فصول كتابه"تأملات وتفكيكاتالصادر 


203 


عام" ٠٠٠١‏ لتناول جاك دريدا وميلاد النص(85١8-1١35)‏ والذى سبق ان كتب فيها 
من قبل حيث نشر دراسة عن "التفكيك : على هامش المعنى والحضور" مجلة 
التبين التى تصدر فى وهران العدد ١©‏ عام ١٠٠٠٠و"الوحدة‏ والتشتت: لارويل فى 
مواجهة دريدا" العدد 4" من مجلة كتابات معاصرة و "صناعة الايهام النتصي" 
العدد ” 4؛ بنفس المجلة . 

التفكيك الذى يمارسه دريدا لا يعنى الهدم وانما يتضمن ايضا فعل البناء فهو 
بالاحرى تفكيك وحدة ثابته الى عناصرها ووحدتها المؤسسة لها لمعرفة بنيتها 
ولمراقبة وظيفتها . فالتفكيك يقتضى التععدد والتشتت بازاحة مركزية توزع 
المراكز(ص .)١66‏ | 

وفى المواجهة بين دريدا ولارويل يرى شوقى الزين ان الاخنير يسعى الى 
تأسيس فكر الاختلاف ضمن رؤية غربية عن الاختلاف كما نعهده عند دريدا ووفق 
طرق واليات وأساليب منطقية صارمة ودقيقة الى حد المبالغة . يؤوسس لارويل " 
فكر الواحد " وينبه على انه ليس عودة الى صورة الشمولية السلاجة او التطابق 
الدوجماطيقى او الانغلاق الحتمى . ( )١55‏ ان اختلاف لارويل هو اختلاف واحدى 
يضع الواحد فى صلب قراءته اللافلسفية أختلاف دريدا فهو اختلاف تشتيتى يزاوج 
بين اللوغوس والكتابة ويتموقع فى جغرافية الاختلاف الغربى وفضاء الغيرية او 
الاخر العبرى .:'"') 

خامسا: على حرب القراءة التفكيكية فى "النص والحقيقة" 

نخصص هذ الفقرة لأعمال على حرب أكثر الباحثين والقراء التفكيكييسين 
العرب للنصوص العربية من خلال مجموعة من دراساته التى جمعها فى مجلدين 
تحت عنوان "النص والحقيقة". وأصدر المجلد الثالث بعنوان "الممنوع والممتنع" 
وكتاب أخير بعنوان "أسئلة الحقيقة ورهانات الفكر" ولصاحب "نقد النص" و"نقد 
الحقيقة" أعمال أخرى سابقة تمهد لهذا الاتجاه وهو يصف لنا عمله؛ ويقدم لنا 
نفسه بأنه قارئ يشتغل على النصوص مساءلة واستنطاقاء او حفرا وتنقيباء أو 
تحليلا وتفكيكياء فالنص عنده بات يشكل منطقة من مناطق عمل الفكر. وهذا ما 
يجعل منه حقلا يكشف فحصه والاشتغال فيه عن أمكان الوجود والفكر معا"''". 

إن مهمته كما يخبرنا بها؛ هى أن يقوم بمساءلة هذا الخطاب المحكوم بمنطق 
الهوية عن البداهات التى ينبنى عليهاء ويسكت عنهاء ويعنى بها تلك المطلقات: 
كالواحد والذات؛ والحقيقة» والوجودء والعقلء وسواها من المقولات التى ينبغى 


204 


تفكيكها لفتح الخطاب على ما يتناساه. والهوية كما يخبرنا فى مقدمة كتابه 
مداخلات - هى هذا الثابت الذى لا يتوقف عن أن يتغير ويتجدد. وذلك السر الذى لا 
نكف عن اكتشافه؛ والتعرف إلى أنفسنا عبر فك رموزه وطلاسمه؛ بل الهوية جرح 
لا يلتدنم وغور لا يرتوى. ولهذا فالهوية مماثلة واختلاف وثبات وتغيرء وهنى 
تعارض وشقاقء وقلق وغربة.. فالحقيقة تتباين صورها وتختلف وجوههاء 
والطريق إلى الحق ليس واحدا بالضرورة. فالإنسان كائن متعدد الأيعاد والوجود 
رحب الدلالة.. والاختلاف يولد المعنى ويخلق الدلالة يقول: "وإذا كان الاختلاف لا 
يعبر بالضرورة؛ عن التضاد يين الخطا والصوابء أو بين العقل والنقل؛ أو بين 
الوحى والاستدلال فإنه فى نظرنا اختلاف مولد للدلالات"72""). والتفكيك يكشف أن 
الواحد هو قهر الكل ؛ هو قهر الكلى.. باختصار يكشف التفكيك أن المقول المنطقى 
والكلى العقلى هو سجن للجسد والخيال وختم على الأسماع والأبصان والقلوب 
يقول: "وهكذا أنا تفكيكى فى تعاملى مع خطاب العقل ومطلقاته؛ بمعنى أننى أاخضع 
للفحص العقل يما هو ذات متعالية تتصف بالقدرة على الربط والتاليف"9'"), 

. يقدم لنا على حرب فى بداية المجلد الأول من كتابه أسس التعامل مع النصء 
ويحدد لنا استراتيجية النص. فلا ينبغى التعامل مع النتصوص بما تقوله وتدنص عليه 
أو بما تعلنه وتصرح به؛ بل بما تسكت عنه ولا تقوله؛ بما تخفيه وتستبعده؛ اى ان 
علينا كما يرى أن لا نهتم فقط بما يصرح به مؤلف النص. بل أن نلتفت إلى مالا 
يقوله. ويوضح لنا أن نقد النص لا يقوم على استبدال مفهوم بآخرء وإنما يقوم بتفكيك 
المفاهيم المتعارضة والمتقابلة للكشف عما بينها من علاقات وتبادلإت ومراوغات 
يجعل الواحد منها يدعى الانتساب إلى الآأخر فيما هو يقوم بنسخه: أو يدعى نقضه 
فيما هو يستنطقه أو ينحدر منه"7""). 

يرفع حرب رايات الاختلاف»: ويستخدم استراتيجية التفكيك فى قراءة النص» 

من اجل قراءة منتجة فاعلة حية. فالقراءة الحية تقرأ فى النص المختلف عن ذاته 
وما يختلف فى الوقت نفسه عنه. إنها قراءة تكون ممكنة؛. أعنى فاعله منتجة فى 
الاختلاف عن النص وبه أو له. فالاختلاف ليس عيبا أو نقصا إنه على العكس إمكان 
وقوة. يعتمد "حرب" فى قراءاته للنصوص على منهج واستراتيجية وفلسفة. منهج 
القراءة واستراتيجية التفكيك وفلسفة الاختلاف. ويعلن لنا مصادره والمفكريت 
السابقين عليه من عرب وأوربيين انتهجوا نفس النهج. وأسسوا علم النص وتقد 
النتصوص ويذكر أسماء: أركون: وأدونيسء ومن تقاد النص وفلاسفة الخطاب فى 


205 


الغرب : ميشيل فوكو, وجيل دولوزء وجاك دريدا فضلا عن الباحثين العرب. 

وسوف نتعرف على استراتيجية '"حرب" فى التفكيك كما تظهر مطبقة فى 
دراساته حيث يشير إلى منهجه فى سياق قراءته لنصوص غيره. فهو فى تفكيكه 
لنص مقدمة فى علم الاستغراب فى دراسته "'حسن حنفى: مشروع فكرى مثلت 
الجبهات" يقول: "أنا لن أناقشه فى القضايا الرئيسية التى يطرحهاء ولا أنظر فى 
المسائل المهمة التى يعالجهاء بل أبدأ بالهامشى؛ والعرضى وأهتم بالمهمل الذى لا 
يلفت النظر ولا يستاثر بالنقاش... ولهذا فإننى لن اهتم بما يصرح به ويركز عليه؛ بل 
أهتم بما يستبعده ولا يقوله» منقبا عن خروم نصه؛ وهوامش كلامه منسجما بذلك مع 
المنحى الذى أنحوه فى تناول النصوص وبه أذهب مذهب أهل التفكيك!'"'). 

ويرد على الذين يرفضون منهج التفكيك بحجة أنه لا يتلاءم مع شروطنا 
الثقافية» ولا يلائم أوضاعنا الاجتماعية والحضارية: فنحن أحوج ما نكون إلى 
الوحدة والتأليف وإلى التماسك والعقلانية يقول: إن خطاب الهوية فقد حجيته 
ومصداقيته ومآله أنه ينبغى أن نخضع هذا الخطاب لفحص نقدى نقوم خلاله بتفكيك 
تلك الكلياث المتعالية.. والتفكيك يعنى هنا نبش المنسى والمكبوت, والالتفات إلى 
الهامش والمستبعد والمسكوت عنه؛ بغية الكشف عما ينطوى عليه الكلام من 
الخداع والتضليل وعما يمارسه النص من الحجب والنفىء نفى الواقع وحجب 
الكائن7"""). 

والتفكيك هو فى المحصلة . تفكيك طرق التفكير وآلياته وفحص أدوات 
المعرفة واسسها. ومن هنا ضرورة نقد بنية الوعى ومكونات العقل ونظام الفكر. 
ويحتل أركون منزلة خاصة فى كتابات حرب الذى يفرد له أكثر من دراسة؛ فهو من 
مؤسسى نقدا لنص الذين يشير إلنهم حرب ويتابعهم؛ ويعلن اتفاقا معه فى القول 
بحرية البحث والفكرء وتحديدا لحرية الباحث المسلم فى أن يقوم بتشريح التراث 
الإسلامى وتحليله أو تفكيكه؛ وإذا كان البعض يعترض على قراءة أركون التفكيكية 
بالقول بأنها تؤدى إلى تفكيك الهوية؛ وضياع المعنى؛ فإن "'حرب" يرى أن الإقرار 
بالاختلاف هو السبيل إلى التوحيد؛ وليس العكس كما تظن ونعتقد. فهو لإإينظر إلى 
الاختلاف بوصفه ضلالا أو انحرافا بل بوصفه طريقا آخر أو مذهبا آخر أو اجتهادا 
آخرا*''). 

إن التفكيك يهدف إلى الكشف؛ فمهمة النقد أن يقوم بتفكيك الخطابات وفك 
عرى النصوص للكشف عن الوجه الآخر للأمور. فليس نقد الحقيقة نفيا لها بقدررما 


206 


هو تعرية آليات وكشف أقنعة إنه تفكيك متعاليات تفعل فعلها فى طمس الكانئن 
والحدث عن طريق التفكيك نقرأ ما لم يقراء نسعى للمغايرء ونهدف إلى المختلف»: 
القراءة فى حقيقتها نشاط فكرى لغوي مولد للتباين منتج للاختلاف. إنها تتباين 
بطبيعتها عما تريد بيانه. وتختلف بذاتها عما تريد قراءّه» وشرطها بل علة 
وجودها وتحققها أن تكون كذلك أى مختلفة عما تقرأ فيه, ولكن فاعلة فى الوقت 
نفسه ومنتجة باختلافها ولاختلافها بالذات 9'''). وهو يبين لنا ذلك بالإشارة إلى 
دريداء الذى يسعى بمنهجه إلى تفكيك المعنى؛ فالنص ليس سوى اختلافه؛. إذ هو 
بهذا الاعتبار لاايقرأ إلا على نحو مختلف ولا يولد إلا تحوله ونسخه. 

وفى "نقد الحقيقة"؛ الجزء الثانى من "النص والحقيقة" يقدم لنا دراسة 
طويلة فى "الاختلاف" ساعيا للانفتاح على المختلف» ومحاولة التفكير فيه والسعى 
إلى قول حقيقته؛ موضحا إشكالية الاختلاف الذى يعنى: 

أولا: إن المختلف لا يكتب بلغة الذاتى» لأن عقل المختلف أو قوله شرظط 
الخروج من الذات وعليها أى قبول الآخر والاعتراف به » ويعنى. 

ثانيا: أن لااوجود لاختلاف مطلق وبالتالى لا وجود لماهية مطلقة. ويؤكد لنا 
على أن الاختلاف هو الأصل. فالاختلاف طبيعى والانتلاف ثقافى. ولو حاولنا قراءة 
أركيولوجيا للاختلاف فيما يرى لتبين لنا أن الاختلاف هو الأصل والمبتدى؛ وهو 
يحاول إلقاء الضوء على ذلك بالبحث عن أصل الاختلاف فى الاجتماع الإسلامى 
وتحليله مفهومه فى النص والخطاب, وينتهى بالحديث عن واقع الاختلاف الذى 
تشهده المجتمعات العربية الإسلامية اليوم. وعن "حق الاختلاف" لعل الاعتراف 
بحق الآخر فى أن يكون مختلفا هو الطريق إلى الوحدة والانتلاف. 

ويعرض للاختلاف فى الإسلام فيقف أمام الاختلاف السياسى "فالاختلاف من 
أبرزء بل من أخطر المسائل التى واجهت وتواجه العقل العربى الإسلامى/”''). 
ويشير حرب إلى "اختلاف التفاسير والقراءات" وإلى الاختلاف فى الفقه والكلام ثم 
فى الفلسفة والنصوص ففى الفقه والكلام لن نجد المختلفء فالأمر مرفوض منفى 
من دائرة الأعيان» ويمكن أن نعثر على المختلف فى الخطاب من منظور قرآنى؛ 
فالقرآن تطرق إلى الاختلاف وقال فيه وبه أيضا. فقد تحدثت الآيات فى أكثر من 
موضع وإشارات إلى دلالة الاختلاف فى الأشياء والكائنات!'''). 

وعن "حق الاختلاف" يرد على الاعتراض الذى قد يوجه إلى مثل هذه 
القراءة بأن ذلك يعد تفكيكا للهوية. فنحن لن نرأب الصدع الذى يشق الوعى 


207 


والذاكرة بالقفز فوق الاختلاف. يقول فى دراسته "اللاهوت والناسوت" علينا أن 

ننظر إلى اختلاف المختلف لا بوصفه تنوعا وثراء وممارسة للتعدد ذات محتوى 
ديمقراطى. لا مجال إذن للحديث عن شىء من الأشياء إلا بفتح العين على الاختلاف 
والفرق وعلى العرض والأثر(""'). 

وفى كتابه "أسئلة الحقيقة ورهانات الفكر" يخبرنا إن عمله هو استنطاق 
نص أو مساعلة بداهة أو زحزحة مشكلة أو تجاوز ثنائية أو تفكيك مقولة أو الجفر 
عن طبقة أو نبش أصل أو تبديد وهم أو تسيير شرطء أو ما اختلف مما لا يمكن 
حصره من الأبواب التى يمكن الدخول منها على القضايا والمسائل9'"). إن ما يقوم 
به فى القراءة هو الانتقال بين الدوال والإحالة بين المدلولات لاستحضار المغيبات, 
هذه العملية التى يسميها جاك دريدا "التعويم' فالتراءة تقوم على سبر النضٍ 
وتحليله أو تفكيكيه بغية تأويله وإعادة بنائه أو ترميمه”!''') ويتو قف أمام فلسفة 
هيدجر التى جعلت القول فى حق الاختلاف أمرا ممكنا فما فهم هيدجر الهوية تطابقا 
أو تكرارا ومماثلا بل فهمها اختلافا يخترق الذات وتعارضا يقوم فى صميم 
الكينونة7” '') ويبين فى "قراءة فى سيرورة الفلسفة" إن الإنسان الغربى بقدر ما 
مارس منطقة وحضوره ومركزيته ال به فكرة الفلسفى فى لحظته الراهنة إلنى 
التفكيك والتشظى والمغايرة''"') ويختتم عمله هذا بقوله مبينا هدفه ووسيلته "إن 
هذه الكتابات هى تفكيكات وأنا اعترف ثانية وثالثة بأننى اشرح وافكك. ولكنى 
استدرك قائلا: إنى أفكك المقولات والمفاهيم سعيا لفصل ما انقطع من أواصر الحياة 
والوطن والمجتمع””". 

وتلك المهمة هى التى يحددها لنا فى كتابه الذى يمثل المجلد الثالث من "النص 
والحقيقة" والذى أصدره بعنوان "الممنوع والممتنع: نقد الذات المفكرة" حيث 
يعرض فى مقدمته لاستراتيجيته فى القراءة وطريقته فى التفكير أو فى التعامل منع 
الأفكار. موضحا أنها استراتيجية مثلثة ٠‏ ومن هنا فهو يميز بين التفسير والتأويل 
والتفكيكء الأول يرمى إلى الكشف عن مراد المؤلف ومعنى الخطابء وغالبا ما 
يستعمله السلفيون؛ والتأويل هو صرف اللفظ إلى معنى يحتمله وهو يشكل 
استراتيجية أهل الاختلاف والمغايرة وبه يكون التجديد وإعادة التأسيس . ومازي 
التأويل أنه يوسع النص بصورة تجعل القارئ يقرأ فيه كل مايريد أن يقرأه. بينما 
التفكيك يقطع الصلة مع المؤلف ومراده ومع المعنى واحتمالاته به يجرى التعامل مع 
الوقائع الخطابية وحدها لإنتاج المغرفة والمعنى» وهو يتجاوز منطوق الخطاب إلى ما 


208 


يسكت عنه ولايقوله؛ إنه نبش للأصول وتعرية للأسس وفضح للبداهات*"') وهذا 
ما يعيده ويكرره حرب فى فصول هذا العمل الذي أغلبه حوارات صحفية . 

إن "حرب" إذن من أنصار التفكيك كما يتهمه بعض الباحثين» ويرد على 
محاوره فى خاتمة كتابه؛ بأن التفكيك ليس تهمة إلا عند حراس العقائد المدافعين 
عن أمبريالية المعنى وديكتاتورية الحقيقة. فهو يذهب فيما حاول مذهب أهل 
الاختلاف الذين خرجوا على منطق الهوية والماهية: فوكو. دولوزء دريدا فنحن 
نحيا الآن فى عصر ما بعد الحداثة الذى يسيطر عليه النقد بمعناه التفكيكى.. لذا 
ينبغى للكل. أن يكتبوا بيان الاختلاف معترفين ببعضهم البعض مقرين بان الواحد هبو 
شطر الآخر. وبأن العقائد والمذاهب هى وجوه لحقيقة واحدة والاعتراف بحق الغير 
وبان له حقيقته وقسطا من الوجود يتطلب ذهنا مفتوحا وعقلا نيرا كما يتطلب 
شجاعة وزهدا ووعيا مضادا بالذات!"”'), 


. سادسا: التفكيكية والآخر 
| : التفكيكية بداية النهاية للوعى الأوروبى. 
يتناول حسن حنفبى "تكوين الوعى الأوروبى" فى عدة فصول يخمصص 
السادس منها لما أطلق عليه "بداية النهاية"؛ حيث يعرض لبعض التيارات ومنها 
"الفلسفة التفكيكية » وذلك فى كتابه "مقدمة فى علم الاستغراب" فى هذا السياق 
يقدم حنفى التفكيكية ويحدد موقفه منها. | 
الفلسفة التفكيكية عنده قد تكون آخر صرخة للوعى الأوروبى قبل إسدال 
الستار. ليست الحداثة بل ما بعد الحداثة. ليست البنيوية بل ما بعد البنيوية» نشات 
فى فرنسا عند أشهر ممثليها دريدا ودولوزء وانتشرت بعد ذلك نسبيا فى الولايات 
المتحدة واليابان تسابقا بينهما فى العصرية والحداثة؛ "وهى نهاية المشروع 
الخريى 00 | ' 
ينتقد حنفى هذا الموقف. حيث لا فرق بين النص الأدبى والفلسفىء لدرجة 
صعوبة الفصل بين النقد الأدبى عند بلانشى وآرتو وبين الفلسفة التفكيكية عند دريداء 
الذى يمارس تفكيك النصوص الفلسفية القديمة كى يبدع نصا جديدا يقوم على 
التفكيك. 
فكل نص له أثران ما يبقى وما يسقطء الشابت والمتحول, المعنى الأول 


299 


والمعانى الثانوية على ما هو معروف فى علم الأصول ومنطق المتشابه7' ''). تختلط 
الأمور حيث ينعكس الفكر على نفسه؛ تتجمع المقالات فى كتاب؛ ويأخذ الكل عنوان 
الجزءء ونادرا ما يوجد كتاب واحد يتميز بوحدة واحدةء وبنية واحدة من البداية إلى 
النهاية؛ فالكتاب مفكك فى تأليفه. والمقال مفكك فى فقراته؛ ولا يوجد خط متصل 
بداية ونهاية؛ مسارا وهدفا يدور الفكر ويلف حول نفسه. ويصبح القارئ 
والمقروءء الممثل والمتفرجء المبدع والمتلقى”'"). 

التفكيك كما يرى هو الهدم من الداخل وليس البناء من الخارج: لا يوجد علم 
أو فلسفة أو فنء بل إعلان النهاية لكل شىء دق أجراس الموت لا يوجد موضوع أو 
منهج أو غاية؛ لا يوجد افتراض أو تحقق أو نتيجة يهدف التفكيك إلى قلب المائدة 
على الكاتب والعودة بالنص إلى مرحلة ما قبل الفهم والتعبير. لذلك يعلن دريدا كما 
أعلنت الوضعية المنطقية من قبل نهاية الميتافيزيقا.. إنه تحديث عن طريق السلب 
لتطهير الوعى الأوروبى من إبداعات المركز وسيادة الطبقة؛ لذلك كانت أفضل 
وسيلة لتحديد التفكيك هو السلبء ما الذى لا ايكون التفكيك؟ كل شىء وما التفكيك؟ 

شىءط(**'), 

يبحث دريدا عن ألفاظ التفكيك وليس ألفاظ الربط؛ يوؤسس منطق الاختلاف 
وليس منطق الهوية:؛ فالأجزاء لها الأولوية على الكل والهدم قبل البناء. ويتساعل 
أسئلة قريبة مما أكده البازعىء هل الخلاف هو المعنى الجديد للسقوط والفصام 
والخطيئة ‏ كما هو معروف فى العقائد المسيحية.. هل هو تحول الخطاب اليهودى 
القديم» الخلاف مع باقى الشعوب والتغاير ممع باقى البشر والكتابة فى الواح 
التوراةٌ**'), 

ويبدو أنه لايرفض فلسفة دريدا على الرغم من نقده لهاء بل يجعل من نتائج 
هذه الفلسفة مقدمات لأفكاره مماثلا بين "التفكيك" من جهة و"التراث والتجديد" 
من جهة أخرىء فكلاهما علامة على حضارة ونقطة مفصلية؛ الأول نهاية للحضارة 
الأوروبية؛ أو الوعى الأوروبى والثانى بداية مرحلة من تطور الحضارة العربية 
الإسلامية» يظهر التفكيك فى عصر تحرر الأطراف من الاستعمارء وتفسخ المركز. 
وبالتالى تبدو الفلسفة التفكيكية وكانها مراجعة حساب الوعى الأوروبى لنفسه 
"يذكر دريدا لفظ (نهاية الزمان) ويكثر من الإشارة إلى الغرب وكأن الغرب قد وصل 
إلى نهايته دون مخلص جديدا''". 

يقول هل هى بداية جديدة أو بداية النهاية؟ يبدو أن الوعى الأوروبى يبدو 


2300 


الآن كما كانت علية الحضارة الإسلامية فى فترتها الثانية عصر الشروح 
والملخصات عندما تعمل الذاكرة مسترجعة الماضى بعد أن توقفت الحضارة عن 
الإبداع فى فترتها الأولى؛ الوعى الأوروبى يمر بفترة العصر المملوكئ التركى يوجد 
من غدم ويعدم بعد وجود لحضارة المركز. فى حين يبشر "التراث والتجديد" بميلاد 
عصر جديد لحضارة الأطراف7"'') , 

ب: خليل أصول والتفكيك 

ويمكن أن نضيف فى هذا المجال جهود أسامة خليل الذى تعمق دراسة دريدا 
وقدم "قراءة عربية للبعد الكتابى العبرانى فى فكر جاك دريدا" *'') وهو فى 
الأصل محاضرة القاها بقسم فلسفة بآداب القاهرة ديسمبر ١5486‏ محاولا تقديم 
"قراءة خاصة ينا من موقعنا الحضارى المصرى - العربسى" , فيعرض فى البداية 
موقف الخروج العبرانى فى أعمال جاك دريدا الفلسفية موضحا أولا الموقف 
العبرانى من التراث الأنطولوجى المسمى باللوغو - فونى الغربى7''') الذى يتجلى 
فى منحاه الكتابى الموسوعى الواضح وإحالته إلى هذا الإله الخفى الذى ليس 
بوسعه تسميته فيشير نحو ب"هو" وب"'يهوه" ويتناول فقه الكتابة بين الغياب 
والاختلاف فدريدا يرجع إلى كتاب واحد يضم شريعة يهوه الإله الخفىء وإذا كان 
يهوه هو "الغائب" أو "الغيب" فإن كتابه الأصلى أيضا يعتوره الغياب الدهرى 
المتكرر. فهناك سلسلة نموذجية غيبية مغلقة واختلافية متكررة فى وعى دريدا 
يكشف عنه خليل هى: يهوه الآخر الخفى المختفىء شم كتابة المكسور المفقود: ثم 
نسخته الموسوية المحفوظة فى التابوت7'*') تعمل هذه السلسلة الغيبية الاختلافية 
الكامنة فى قرارة وعى دريدا العبرى كنموذج لسلسلة دهرية مفتوحة من الكتابة 
البشرية اللاحقة. 

ثم يعرض فى فقرة أخرى لأجراس التفكيك والفهم الاشتقاقى العبرى 
للأبوكاليبس انطلاقا من كتاب دريدا أجراس وإرسالات , فدريدا فى نظر أسامة خليل 
حبر يهودى فى بابل الاختلاف شارد بين أمم تكتب أو بالأحرى أميون يتقلدون 
الكتاب؛ يسائل اللامعنى أو المستحيل ويود لو كان له لسان من نار يتكلم به جميع 
اللغات لينذر ويبشر بالأبوكاليبس فكتابه "أجراس" هوابوكاليبس الكتابة الغربية» 
وكتابه إرسالات أو إحالات هوابوكاليبس المكتبة الغربية, والوجه الحقيقى 
للأبوكاليبس هو الخلاص بالكتاب المقدس وبالكتابة الإلهية فالأيوكاليبس هو جلاء 
يهوه ومسيحه"”", 


301 


القسم الثانى التفكيكية والنقد الأدبى 

١‏ التشريحية وبدايات التعرف على المصطلح 

إن اختيار عبدالله الغذامى عنوان "الخطيئة والتكفير" يلخص به التطور من 
البنيوية إلى التشريحية - ليعرض لنا أفكار دريدا من خلال "مفهوم الأثر". وهو من 
الأعمال المبكرة 14465١.ء‏ التى تناولت التفكيك فى العربية من منظور النقد الأدبى. 
وقد آثر الغذامى ترجمة 157600115401110 بالتشريحية» وهى تسمية خاصة به. 
لم يستعملها سواه فى الدلالة على التفكيك. يقول: احترت فى تعريب هذه المصطلح. 
ولم أر أحدا من العرب تعرض له من قبل (على حد اطلاعى) وفكرت له بكلمات مثل 
(النقض. والفك) ولكن وجدتهما تحملان دلالات سلبية تسىء إلى الفكرة؛ ثم فكرت 
فى استخدام كلمة التحليلية) من مصدر (حل) أى نقض, ولكننى خشيت أن تلتبس 
مع (حل) أى درس بتفصيلء, واستقر رآبى أخيرا على كلمة (التشريحية:؛ أو تشريح 
النص) والمقصود بهذا الاتجاه هو تفكيك النص من أجل إعادة بنانه. وهذه وسيلة 
تفتح المجال للإبداع القرائى كى يتفاعل مع النص"""". 

ويرى أن انطلاقة دريدا بدأت مع صدور كتابه نوع2:212121010 © أى (فى 
النحوية)7”*'). ١5571‏ حيث حاول نقد الفكر الغربى متهما إياه بالتمركز المنطقى» 
وهو الارتكاز على (المدلول) وتغلبه فى البحث الفاسفى واللغوىء وفى مقابل ذلك 
دعا دريدا إلى ما أسماه (فى علم الكتابة) يقول: "سادعوه علم الكتابة؛ لأن هذا 
العلم لم يوجد بعدء ومن هنا فلن يمكن لأحد أن يقول ماذا سيكون عليه هذا العلم. 
لكنه ل ا ا ل و لق 
ذلك العلم العاه"(*”", 

وأهم ما يتوقف عنده الغذامى هو مفهوم "الأثر" وهو مفهوم يدخل إلى علم 
الأدب اهمية كبيرة كقاعدة الفهم النقدى. أنه مفهوم يعطى هذه القواعد قيمة مبدنئية» 
والأثر هو القيمة الجمالية التى تسعى وراءها كل النتصوص. ويتصيدها كل قراء 
الأدب. وهى عنده أقرب إلى "سحر البيان"**' والأثر هو التشكيل الناتج عن 
"الكتابة" وذلك يتم عندما تتصدر الإشارة الجملة؛ وتبرز القيمة الشاعرية للنص 


2302 


ويقوم بتصدر الظاهرة اللغوية. فيتحول الكتابة لتصبح هى القيمة الأولى. والكتابة 
هنا - وكما سنعرف فى فقرة أخرى - تقف ضد النطق!''') وتمثل عدمية الصوت». 
وليس للكينونة عندئذ إلا أن تتولد من الكتابة. وهى حالة الولوج إلى لغة (الاختلاف) 
والانبثاق من الصمت أو لنقل إنها انفجار السكون. ويقدم دريدا الأثر كبديل لإشارة 
سوسيرء وهو يطرحه كلغز غير قابل للتحجيم. ولكنه ينبئق من قلب النص كقوة 
تتشكل بها الكتابة. ويصير "الآثر" وحدة نظرية فى فكرة النحوية [الكتابة] وترتكز 
الفكرة بكل طاقتها عليه. ومن خلاله تنتعش الكتابة!؟*". 

ومع فكرة الأثر تناول التناص "التكرارية" التى يلغى بها دريدا وجود حدود 
بين نص وآخرن التى تقوم على مبدا الاقتباس ومن ثم "تداخل النصوص". لأن أى 
نصء أو جزء من نص لهو دانم التعرض للنقل إلى سياق آخر فى زمن آخر. فكل 
نص أدبى هو فى خلاصته تأليف لعدد من الكلمات» والكلمات هذه سابقة للنص فى 
وجودها. كما أنها قابلة للانتقال إلى نص آخرء. وهى بهذا كله تحمل معها تاريخها 
القديم والمكتسب. ومن هنا جاءت "التفكيكية" لتؤكد على قيمة "النص" وأهميته. 
وعلى أنه محور النظر كما قال دريدا إلا وجود لشىء خارج النص. ولأن لا اشىء 
خارج النص فإن (التفكيكية) تعمل من داخل النص لتبحث عن الآشر وتستخرج من 
جوف النص السيميولوجية المختفية فيه؛ والتى تتحرك داخله كالسراب!*”". 

والقراءة التفكيكية (أو التشريحية) قراءة حرة ولكنها نظامية» جادة . وفيها 
يتوجد القديم الموروث وكل معطياته مع الجديد المبتكر وكل موحياته من خلال 
مفهوم "السياق" وعلى ذلك فإن النص يقوم كرابطة ثقافية ينبثق من كل النصوص 
ويتضمن مالا يحصى من النصورص""". 

"- التفكيك الأصول والمقولات: 

يحاول عبدالله إبراهيم مقاربة فكر دريدا فى التفكيك فى اكثر من عمل اولها 
ما جعلناه عنوانا لهذه الفقرة حيث » يرصد المقولات الأساسية له؛ رابطا إياها 
بسوابقها الثقافية والفلسفية وامتداداتها الراهنة. وهو يسعى منذ البداية إلى رسم 
خريطة للجهود اللغوية؛ وملاحقة مراحل تطورها واندماجها فى منهجيات آخر 
وصولا إلى تجلياتها فى المنهج التفكيكى. إلا أن البحث فى اللسانيات وأهميته لا 
ينسيه البحث فى الأصول الفلسفية للتفكيك. ويوضح نقد دريدا للبنيوية قبل بيان 
جهود السيميوطيقا حيث كان دريدا أحد المشككين بإمكانات البنيوية!:7". 

ويذكرإن عمل دريدا ينهض أساسا على رفض ما يسميه التمركز العقلى 


3203 


داعيا إلى دور حر للغة بوصفها متوالية لانهائية من اختلافات المعنى. لهذا لم 
يقتصر تأثير على الفكر الفلسفىء بل امتد إلى النقد الأدبى. بيد أن الفلسفة كانت أكثر 
من غيرها ملائمة لبيان استراتيجيات دريدا فى التفكيك!'''). 

ويتتبع عبدالله إبراهيم بوادر ظهور منهج التفكيك عند دريدا منذ دراسته عن 
هرسول ويوضح تاثير هيدجر الذى يعترف دريدا أن دينه له من العمق بحيث 
يصعب بيانه لقد استوعب التفكيك الجهود البنيوية» وكشوفات النقد الجديد والمنهج 
الذى أرسته الشكلانية؛ وعلى الرغم من بيان مكونات دريدا الفلسفية والأدبية إلا أن 
صاحب "الأصول والمقولات" يرى أنه لا يمكن عد دريدا فيلسوفا بالمعنى المتعارف 
عليه كما لا يعد ناقداء وأن ما ينطبق عليه حقا هى كلمة قارئ لكنه قارئ جديد 
متسلح برؤية فكرية وتاريخية”"". 

ويسعى الناقد العراقى إلى بيان مصطلح التفكيك ومحاولة تحديده » فهو 
مصطلح مضلل فى دلالته المباشرة؛ لكنه خصب فى دلالته الفكرية؛ فهو يدل على 
التهديم؛ والتخريب والتشريح. وهى دلالات تقترن بالمحسوسات والمرئيات؛ وفى 
مستواه الدلالى العميق يدل على تفكيك الخطابات والنظم الفكرية وإعادة النظر إليها 
بحسب عناصرها والاستغراق فيها وصولا إلى الإلمام بالبؤر الأساسية المطمورة 
ويستشهد فيها بقول دريدا فى أحد حواراته: " إن التفكيك هو حركة بنائية وضد 
البنائية فى الآن نفسه. فنحن نفكك بناء أو حادثا مصطنعا لنبرز بنيانه. البنية التى لا 
تفسر شيئا فهى ليست مركزا ولا مبدأ ولاقوة أو مبدأ الأحداثء. فالتفكيك من حيث 
الماهية طريقة "'حصر البسيط" أو تحليله؛ أنه يذهب إلى أبعد من القرار النقدى؛ من 
الفكر النقدى 9'"). 

ويقف باحثنا أمام المصطلحات الأساسية التى ترتكز عليها استراتيجية دريدا 
فى القراءة والتأويل؛ أو المفاهيم الأساسية التى تعد مفاتيح فلسفته مثل: الاختلاف. 
التمركز العقلى؛ علم الكتابة» اللغة» النص»ء الدلالة» القراءة وغيرها'''). وأهم هذه 
المفاهيم هو الاختلاف وقد أوضح دريدا فهمه له فى بحث عنوانه "الاختلاف" نشر 
فى كتاب "الكلام الظاهرة".وهو فعل أو مصدر يدل على عدم التشابه والمغايرة 
والاختلاف فى الشكل والخاصية. ومفردة ع,ع011 لاتينية توحى بالتشتت والانتشار 
والتفرق والبعثرة »0616 70 يدل على التاجيل والتاخير والأرجا والتوانسى 
والتعويق7”"').والاختلاف عند دريدا كما يقول فعالية حرة غير مقيدة "إنه لايعود 
ببساطة لا إلى التاريخ ولا إلى البنية فالاختلاف يوجد فى اللغة ليكون أول الشروط 


2304 


لظهور المعنى7 ' '). 

يقول إنه "التضافر لتاسيس بنية قوم . ويعمد دريدا إلى اقتحام سكونية 
الميتافيزيقا الغربية متسلحا بمقولة التمركز العقلى لتمييز نزعة التمركز الطبيعية 
فى هذه الميتافيزيقاء وذلك من خلال اللوجوسء ويخلص دريدا - كما يخبرنا عبدالله 
إبراهيم ‏ إلى أن أكثر السبل تاأثيرا »الى نهض عليها التمركز العقلى 
وف 0م10 فى الفلسفة الأوروبية هو اهتمامها بالكلام على حساب الكتابة؛ 
فالتمركز المنطقى هو فى حقيقة الأمر تمركز صوتى؛ ويرجع جذر هذا الاهتمام إلى 
أفلاطون””"). 

و"الكتابة" مفهوم ثالث يعرض له صاحب "المقولات والأصول" ويوضحه 
فى سياق فلسفة دريداء الذى يقترح فى مواجهة ميتافيزيقا الحضور ‏ والتى تكونت 
بفعل "التمركز المنطقى" المستند إلى "التمركز الصوتى"47"') أى العناية بالكلام 
على حساب الكتابة - "الكتابة" أو الجراماتولوجيا؛ وهو عنوان أحد كتيه 21454 
وفيه يؤسس لبرنامج تحديث الفكر بقلب أفضلية الكلام على الكتابة» والكتابة هنا 
تقف ضد النطق؛, وتمثل عدمية الصوت وليس للكينونة عندنذ إلا أن تتولد مسن 
الكتابة وهى حالة الولوج إلى لغة الاختلاف والانبثاق من الصمت أو النقل أنها 
انفجار السكوت!'''). ومفهوم الجراماتولوجيا هو دعوة إلى إعادة النظر فى دور 
الكتابة لا بوصفها غطاء للكلام المنطوق إنما بوصفها كيانا ذا خصوصية وتميز» 
أنها لا تعيد ل واو ا 
أن نراها على أنها السبب فى ظهور واقع جديد إلى الوجودا(:”". 

ويخصص الفصل الأخير من دراسته للغة» النص. الدلالة والقراءة: لينتهى. 
إلى أن التفكيك بتأكيده على التعدد والاختلاف وإلغاء الحضور والتعالى يهدف إلى 
تقويض ميتافيزيقا الحضور التى تستند إليها الحضارة الغربية » وهذا يسمح بظهور 
بدائل حضارية وفكرية وفلسفية تتغاير عما أرسته الميتافيزيقا الغربية!'"'). أما فيما 
يخص الأدب , فإن التفكيك ثورة على المنهجية التقليدية والبنيوية وإذا كان التفكيك 
قد استوعب إنجازات المنهجيات الحديثة السابقة له فإنه قد تجاوزها وصولا إلى 
التأويل فعمله الإعلاء من شان التعدد والاختلاف فى المعانى يمنح الخطابات قوة 
خاصة لانه يحررها من الاقتران بغرض معين فتصبح اللغة مدارا لأفاق ذات دلالات 
كثيرة ويتضح القارئ على رغبة اللغة ويبدأ البحث عما هو يغيب فيها."”"). 

ويكتب عبدالله ابراهيم عن دريدا مرة اخرى فى كتابه الذى يحمل عنوانا 


305 


ديريديا هو " المركزية الغربية : اشكالية التكون والتمركز حول الذات "الصادر فبي 
بيروت + فى الفصل السادس ٠.‏ الباب الشالث الميتافيزيقا الغربية ونقد 
التمركزات الخطابية ( ص )"75-791١١‏ حيث يتناول : دريدا المفكفك ونقد بؤر 
التمركز فى الميتافيزيقا الغربية , التفكيك وفاعلية الاختلاف » نقد التمركز حول 
العقل , الجراماتولوجيا ونقد التمركز حول الصوت . وهو يستعين بما سبق ان كتبه 
حول التفكيك ويتوسع فيه وينتهى الى ان مشروع دريدا النقدى ضد المركزية بدأ 
من دعوة الاختلاف مقابل قول الفكر الغربى بالمماثلة؛ فالمماثلة نتاج الميتافيزيقا 
التى اقصت كل شئ ؛ الا ما يتصل بالعقل . فتمركز الرؤى والتصورات حول هذا 
المفهوم . انتهى دريدا الى ان التمركز يرجع الى التمركز حول الصوت او الكلام ٠‏ 
وجاء مفهوم " علم الكتابة " ليمتص ش خنة التمركز من بين هذه 
الظواهر.(ص ؛ ”؟١)‏ 

نعد دراسة عبدالله إبراهيم دراسة أولية تهدف إلى غرض التفكيك والتعرف 
بالأصول والمقولات التى قامت عليها فلسفة دريدا. وهو فى مصادره ‏ يعتمد على 
العكس من الباحثين فى التفكيك فى تونس والمغرب - على اللغة الإنجليزية» وعلى 
المراجع العامة دون الرجوع إلى كتابات دريداء نفسه الفرنسية حيث يكتفى بالطبعة 
الأمريكية لكتاب دريدا الكتابة والاختلاف الذى أصدرته مطبعة جامعة شيكاجو 
ويشير إليه أربع مرات. 1 


"- التفكيك والنقاد الحخداثيون العرب 

يناقش على الشرع آراء نقاد الحركة التفكيكية» ويوضح علاقتها بالنقاد 
الحداثيين العرب. فهو يقدم لنا آراء رواد هذه الحركة النقدية الغربية الحديئة 
وتصوراتهم حول النقد والكتابة» وبشكل خاص منهج النقاد التفكيكيين وهو ما 
أسموه القراءة التفكيكية» ويعرض فى نفس الوقت آراء خصومهم, ثم يتتبع آراء 
النقاد التفكيكيين فى كتابات النقاد الحداثيين ابتداء من السبعينات تحت اسم الحداثة. 
وهو فى تخطيطه هذا فى دراسته الذى ظهرت بالعنوان الذى استخدمناه فى بداية 
هذه الفقرة ١5485‏ يستند إلى ما كتبه محمد بئيس - الذى ترجم أحد نتصوص 
الخطيبى - حول أن مثل هذا النقاش المستفيض لدلالة "حداثة" لم ينبع أساسا من 
واقع الثقافة العربية» واختلاف الدارسين فى هذا المجال مرتبط بنقاش واختلافات 


306 


ترد فى الأغلب إلى واقع الثقافة الغربية””). 

يرجع الشرع ظهور التفكيكية إلى دريدا فى الستينات من القرن العشرين » 
ويوضح أنها لاقت قبولا واسعا لدى النقاد الأمريكيين. ويعدها من جهة امتدادا 
لاتجاه الحداثة الأوروبية التى بدأت فى النصف الثانى من القرن التاسع عشرء ومن 
جهة ثانية رد فعل على الاتجاهات النقدية الغربية المعاصرة وخاصة مدرسة النقد 
الجديد والبنيوية. 

لقد أنطلق مؤسسو هذه الحركة من الشكوك التى أثارها نيتشه وهيدجر فى 
صحة كثير من المقولات والقناعات السائدة فى الفلسفة والحضارة الغربية» ورأى 
دريدا أن الخلاص من تلك الشكوك لا يتم من خلال البحث الفلسفى أو المنطق العقلى 
بمقدار ما يتم من خلال أسلوب تحليلى واستراتيجية نصية قانمة على التعامل مع 
النص باعتباره نشاطا لغويا متعدد الطبقات ". ويقوم الناقد التفكيكى باختراق 
الكلمات فى سياقها النصى قبل أن يقبل الدلالات المرافقة لا باعتبارها مسلمات 
فلسفية أو عقلية. إن منهجية دريدا قائمة على تحرير اللغة من دلالتها المقيدة 
بقواعد النحو ووضعها فى إطار تحليلى من الفكر والرؤية الشعرية“"". 

ويتوقف الشرع أمام الانتقادات التى وجهت إلى التفكيكية من المناهج النقدية 
الأخرى. فقد تصدى ادوارد سعيد للرد على قراءة التفكيكيين استنادا على ظاهرة 
شهدها التراث الإسلامى بخصوص شروط القراءة» ويعرض لاعتراض ميشيل 
فوكوء ويناقش أين تقع الحداثة العربية من هذه المنهجية. والحقيقة كما يلاحظ 
الشرع أن مصطلح" التفكيكية" حديث جدا فى الكتابات النقدية العربية المعاصرة فقد 
لفت الانتباه عرضان لعملين فى اتجاه النقد التفكيكى ظهر فى مجلتى؛ فصول 
والكرمل فقد عرضت سمية سعد كتاب كريستوفر نورس:التفكيك النظرية والتطبيق 
في مجلة فصول 1584ء ونشر كاظم جهاد حوارا أجراه مع دريدا مع ترجمة لاحند 
مقالاته بعنوان جاك دريدا الاستنطاق والتفكيك في مجلة الكرمل 15/86*"') وكان 
عبدالله الغذامى أكثر الباحثين العرب إفاضة فى بيان منهجية النقد التفكيكى فى كتابه 
الخطيئة والتكفير 585 ١وإن‏ كان الشرع يقدم عددا من الملاحظات على عمله 

والحقيقة كمايرى الشرع أن المحاولات المشار إليها سابقا لم تكن 
المحاولات الأولى فى تقديم المنهج التفكيكى للقارئ العربى. ويقدم لنا ادونيس 
باعتباره المبشر بالتفكيكية. لقد ترجم أدونيس بعض نصوص الخطيبى فى النقد 
المزدوج واستخدام مصطلح التفكيك فى بداية السبعينات, حيث يرى أن نشوء 


307 


حضارة ثقافية جديدة يفترض نقد الموروث وتفكيكه فى "بيان الحداثة" أكد أن 
أعظم ما فى الفكر الغربى اليوم هو تفكيك الغرب. وأن هيدجر هو المفكك الأعظم.. 
وأكد أن على الفكر العربى "الإسلامى" إما إن يقوم بتفكيك ذاته أو لايكون'”". 
ومن ثم يعد ادونيس المنظر الأول لحركة الحداثة العربية» وبالتالى المبشر للاتجاه 
التفكيكى فى النقد العربى الحديث. وهو غالبا يناقش الحداثة؛ فإنه يناقش منهجية 
التفكيك . ان فهم أدونيس لعملية الإبداع كما يقول هوء أو عملية الكتابة كما يقول 
التفكيكيون لا يختلف عما يقول التفكيكيون؛ فهى ليست إلا صراعا مع الثقافة 
الأسبق أو الذاكرة كما يسميها أدوئيس”"". والمهم فيما يشير إليه الشرع هو أن 
أدونيس كما كان المنظر الأول للحداثة العربية أو التفكيكية فإنه كان أكثر النقاد 
الحداثيين العرب وعيا لمنهجية فى التراث شبيهة بملامح المنهجية التفكيكية 
وبخاصة فى مسالة التفسير والتأويل ولهذاء ما انفك يقول ويكرر بأن الحدائة 
العربية ليست وليدة الغرب بل هى فى كثير من ملامحها وليدة التراث العربى نفسه. 
ومن الدارسين أو النقاد العرب الى استهوتهم المنهجية التفكيكية وخاضوا فى 
قضايا تحت اسم الحداثة خالدة سعيد ويمنى العيد وكمال أبو ديبء ويرى الشرع أن 
لأدونيس أثرا واضحا فى هؤلاء النقادء من حيث نوعية القضايا التى طرحوهاء ومن 
حيث منهجيتهم فى معالجة هذه القضاياء ويخصص الشرع القسم الأخير من دراسته 
لمناقشة الأفكار التى قدمها أبوديب فى المنهجية التفكيكية تحت اسم الحداثة. 

والحقيقة أن دراسة الشرع من الدراسات التى سعت لاستقصاء التفكيك لدى 
نقاد الحداثة» وحاولت بيان اأطروحاتهم الأساسية والموقف النقدى من التفكيك وإن 
كان الباحث أرجع بداية التفكيك فى النقد العربى إلى ادونيس فهذا صحيح من وجه 
وإن كان الخطيبى ١‏ وهو ينتمى للأدب والنقد كما ينتمى للسسيولوجيا والفلسفة هو 
أول من عرض للتفكيك؛ وطبق منهجه؛ وقد ترجم أدونيس له بعض أعماله للعربية 
"الاسم العربى الجريح". 

4- العلوم الإنسانية من البنيوية إلى التفكيكية 

فى مقدمة ترجمته لدراسة دريدا "البنية» اللعب. العلامنة فى العلوم 
الإنسانية" يقارن جابر عصفور بين بحثين ومنهجين وناقدين. الأول "علم اللغة 
والشعرية" الذى ألقاه رومان ياكوبسون 12135502 .12 فى مؤتمر الأسلوب 
واللغة 7 ,و والثانى بحث دريدا "البنية» اللعب. العلامة" الذى ألقاه فى أكتوبر 
5 فى "مؤتمر لغات النقد وعلوم الإنسان" فى مركز الدراسات الإنسانية 


308 


بجامعة جونز هوبكنز. ْ 

بقدر ما كان بحث ياكوبسون إيذانا بالانتشار الكاسح للبنيوية كان بحث دريدا 
علامة مناقضة على ظهور بداية الشك فى البنيوية من داخلها وبزوغ فلسفة مناقضه 
لتفكيك المقولات ونقض ما ينطوى عليه التسليم بأقاليم البنية وحيدة المركز وأقانيم 
المنشاء والأصلء والعلة» والغاية7"'). 

ويبين ازدياد تأثير دريدا بالأثر الذى احدثه نشر ثلاثة من كتبه الأساسية عام 
© "الصوت والظاهرة": "عبن الكتابنة"؛ "والكتابة والاختلاف" الذى 
يتضمن بحثه المشار إليه ٠‏ وإذا كان بحث ياكوبسون يضع علم اللغة فى اعلى 
علاقات التراتب بين علوم الإنسان فإن بحث دريدا يستبدل بعلم اللغة الفلسفة. ويقدم 
النموذج الجديد للفلسفة التى تتضافر ودراسة الأدب وتحليل الخطاب بوجه عام فى 
عالم الاختلاف المرجا. ش ْ 

ويرى أنه ليس من قبيل الصدفة أن يتخذ دريدا من كتابات ستراوس مادة 
يستدل بها على أفكاره الجديدة عن التفكيك وأن يتولى تفكيك أفكار ستراوس لنقض 
الأصول المحركة لها أنه - كما يقول - اختيار متعمد أراد به دريدا أن يفك عمد 
وينقض النظام البنيوى عند واحد من أبرز أعلامه الذين تربطهم بياكوبسون علاقة 
وثيقة""", 

وهو كناقد ادبى وليس فيلسوفا » مر بتحولات متعددة . يبرز دون ان ينتقد 
القول عن تاثير دريدا على تيار من الاستراتيجيات الجديدة التى تضع الناقد موضيع 
الند للفيلسوف (بل المنافس) فى علاقة معقدة تتفتح فيها الفلسفة على المساعلة 
البلاغية أو التفكيك وتنفتح المساءلة البلاغية على إطراح المركز”'*'). وربما يكون 
هذا التوجه - وهو ما يميز الناقد المصرى الذى انتقل من "عصر البنيوية" إلى 
"البنية» واللعب: والعلامة فى العلوم الإنسانية" - مثلا للكشف عن تطور الخطاب 
النقدى» على العكس من توجه سعد البازعى الذى يهدف إلى بيان "تحيزات النقد 
الأدبى الغربى" فى دراسته ما وراء المنهج. وهو كما سيتضح اختلاف بين تيارين 
وتوجهين الأول ينفتح على النصوص ولايرى غضاضة فى تداخلهاء والثانى يفصل 
بين النصوص المختلفة؛ رابطا منهجيتها بواقعها التاريخى والاجتماعى والدينى. 

4 تحيز المنهج التفكيكى 

يناقش سعد البازعى إمكانية نقل مناهج نقدية غربية إلى الثقافة العربية وهل 
يقتضى ذلك فصلها عن سياقاتها الحضارية وأطرها الثقافية مؤكدا على التلازم 


309 


المنهجى - الفكرى من حيث إن الفكر هو التشكيل المعرفى والمنظومة الإدراكية 
التى يتكئ عليها المنهج ويتحيز بالتالى لها. ويوضح ذلك باستعراض أربعة مناهج 
نقدية غربية رئيسية هى: الشكلانية؛ البنيوية» الماركسية؛ والتفكيك. 

يربط البازعى التفكيك من خلال تحليل دقيق بالعدمية؛ فهو يحلل المصطلح 
ويناقش الترجمة الدقيقة له . فالمفترض أن التفكيك هو المقابل الدقيق لكلممة 
120 ولكنها ليست كذلك ٠‏ فاللفظة الغربية تعنى نقض البناء أو 
هدمه ورون)ءنع0254ع176 (أى اللابنانية) ويرى أن "التقويضية" هى الترجمة 
الأدق؛ ولكنه يستمر مع ذلك فى استخدام عبارة تفكيك لشيوعهاء على أن يفهم 
المقصود ما ا الو ا ا كا 
الوثيقة بينها وبين العدمية بالمفهوم الذى وضعه نيتشه'*". 

ويرى انه اى 1 1 1 12111111 
طريقينء الأول كتطور حتمى للصراع الفلسفى الطويل فى تاريخ الحضارة الغربية 
بين الميتافيزيقا والعدمية» أما الطريق الثانى فيدرس فيه التفكيك كجزء من التطور 
الثقافى الغربى من الشفهية إلى الكتابة. فالتفكيك هنا هو نيتجة استحكام النصوصية 
كمفهوم كتابى فى المرحلة المعاصرة من تطور الحضارة الغربية؟”". 

وكى يؤكد أن التفكيكيين هم اشد مفكرى ونقاد الغرب المعاصرين وعيبا 
بإشكالاتهم الحضارية؛ ومن ضمنها تحيزاتهم وأسباب تفكيكهم؛ يعرض لشهادة 
الناقد التفكيكى الأمريكى ج. هيلز ميللر الذى يقول: لقد فكرت فى السبب الذى يجعل 
أمريكيا (بخلفيتى البروتستانيتة) ينجذب إلى دريدا مثلاء وأعتقد أننى توصلت إلى 
الجواب فهناك شبه بين أحد أوجه البروتستانتية والتراث اليمهودى؛ أو التراث 
العقلانى اليهودى فى أوروباء وذلك أن الاثنين لا يطمئنان إلى التماثيل والرموز 
والصور المنحوتة. كما أنهما يشكان فى أن الأشياء قد لاتكون لما هو أصلح فى 
عالم هو أفضل العوالم الممكنة. إنه نوع من ظلام الرؤية الغريزى؛ نوع من الصراع 
الذى أحمله فى داخلى بين التزام بالحقيقة. بالبحث عن الحقيقية بوصفها القيمة 
الأعلى من ناحية والقيم الأخلاقية من ناحية أخرى.. إن البروتستانية.. لو أخذت 
خطوة واحدة إلى الأمام فستشك فى قدرة أى شىء على التوسط حتى المسيح 
نفسه7”*". ويعلق متفقا مع تحليل أسامة خليل الذى اشرنا اليه ٠‏ على ذلك بأن 
اكتشاف الناقد الأمريكى لموروثه البروتستانتى - اليهودى كدافع رئيسى نحو 
التفكيك وجاك دريدا خاصة هو من أبلغ الشهادات على تحيزات مناهج الفكر النقدى 


310 


الغربية. 

ويشير للعلاقة بين دريدا والشاعر الفرنسى أدموند جابيه وكلاهما يهودى 
قريب الصلة بموروثه: أما محور العلاقة فهو أطروحات التفكيك كمحصلة نقدية 
فلسفية للتراث التفسيرى للتوراة وللتراث القبالى» أى كرؤية يهودية عقلانية أو لا 
دينية للعالم, وبخاصة النصوص وقراءتها كإشكالية معرفية. يقول: "هذه الرؤية 
اليهودية المفارقة لإيمانها لاتسعى وراء الحقيقة أو الأضل عندما تمارس تفسيرها 
الشعرى للتفسير لكن تلك الرؤية تؤكد لعب التفسيرء أى عدم ثباته فى مرجعية شىء 
اسمه الحقيقة أو المعنى المتفق عليه. أما مصدر هذه الرؤية التى يعبر عنها دريدا 
فى تازقة على قضائة جار فون الأرضيا المشترقة لتجرية الشتات الرحهود يي 
والرحيل الدائم نحو مكان آخر دون حلم بالعودة (*'' ويشير إلى النموذج اليهودى 
للرحيل الأفقى الذى وضعه ايمانويل ليفيناس "الفيلسوف الفرنسى اليهودى واحد 
المؤثرين فى فكر دريدا" مقابل النموذج اليونانى للرحيل الدائرى . ويشير البازعى 
الى تاكرة يعقن البتتطكين فى التراينات) الجركة على قبا تلذك المتوروت 
بالتفكيك. ويستنتج من ذلك أن ميللر لم يكن مخطنا إذن. فؤراء انجذابه للتفكيك 
يكمن قدر هائل من التحيز البروتستانتى - اليهودى ضد المقدس فى داخلنا كما يعبر 
جابيه ومن ثم كانت صعوبة أن يطبق أحد منهج التفكيك دون أن يجر معه قليلا أو 
كثيرا من المضامين الفلسفية التى قام عليها ذلك المنهج *'). 

القسم الثالث: : تعقيبات ختامية 

الاختلاف والفكر العربى المعاصر. 

طرحنا فى بداية هذه الدراسة عدة تساؤلات حول الفلسفة العربية والدرس 
الفلسفى المعاصرء وحول فلسفة الاختلاف؛ وكيف عرفت طريقها إلى الفكر العربى» 
وما هو الموقف منهاء وانتقال كتابات دريدا والدراسات حول فلسفته ومنهجه إلى 
العربية ؟ وهى دراسات عديدة سعت لبيان الثقافات المهمشة والمسكوت عنها عبر 
النقد المزدوج (الخطيبى)؛ وتحليل مفهوم التراث والهوية (بنعبد العالى: نور الدين 
افاية), وبيان شرعية الاختلاف (على أومليل) وبيان ضرورة التعدد والاختلاف فى 
تاسيس الوحدة على أساس التنوع والديمقراطية (التريكى؛ أومليل) وتفكيك الفكر 
العربى بتراثه التوحيدى ونصوصه الثابتة (محمد أركون. هاشم صالح) وتطبيق 
السؤال الغربى فى ثقافتنا المعاصرة عبر تاسيسها فى المختلف بنقد العقل الغربى 
عبر نصوصه (صفدى) ونقد العقل العربى (على حرب). وأشرنا للتفكيكية والنقد 


311 


الأدبى بداية من التعرف على المصطلح (الغذامى) وبيان التفكيك أصوله ومقولاته 
(عبد الله إبراهيم) وعلاقة النقاد الحداثيون العرب بها (على الشرع؛, وببان غربية 

منهج التفكيك وتحيزه (سعد البازعى). 

وبالطبع لم نتناول فى الفقرات السابقة. كل من عرض للتفكيك والاختلاف فى 
الفكر العربى المعاصر. فقد تناول الدكتور أحمد أبو زيد "جاك دريدا فيلسوف فرنسا 
المشاغب" بالدراسة منذ أكثر من عشر سنوات )١185(‏ وعاد ليقدم لنا بحثا عميقا 
وافيا عن "التفكيك دراسة فى المفهومات" )١41(‏ ويكرس جورج زيناتى الرحلة 
الثانية فى كتابه "رحلات داخل الفلسفة الغربية" للولوج إلى منهجية التفكيك عند 
دريدا. وفى رحلة أخرى يتناول اللغة التى تسعئ الثقافة الغربية من خلالها للوصول 
إلى أفق جديد؛ ويعرض لذلك التيار الذى يستخدم اللغة ليفكك كل التراث الفلسفى 
العقلانى. ويتناول ثانية "فلسفة جاك دريدا البلامركز" التى تنادى بعالم فقد مركزه 
ونقطة ارتكازه, أى إيمانه بالسلطة المطلقة لمركزية العقل )١184(‏ وبختى بن عودة 
الذى يشير اليه في معظم دراساته التى جمعت تحت عنوان " رنين الحداثة " 
(1484) ويستشهد عبد الله عبد اللاوى بجامعة وهران - بأفكار دريداء ويجعل أقوال 
صاحب "هوامش الفلسفة" جزء من نصه. فدراسته "التراث والحداثة والمنهج فى 
الفكر العربى المعاصر. مواجهات أولية "'جزء من عمل مطول بعنوان "التراث 
والكتابة", يتناول عدة قراءات لتراثنا ليوضح إلى أى مدى تستمد هذه القراءات 
جهازها المفهومى وحتى إشكالياتها من سياق نظريات حدثية أو ما بعد - حدثيه 
ليخلص من ذلك إلى نتيجة هى أن تعدد التاويلات لتراثنا ما كانت إلا لتزيده غموضا 
ولا تقدم إلا وعيا مقلوبا وزائفا بالواقع العربى. ويرى ضرورة فكر الاختلاف الذى 
لابد منه. فعن طريقة تفجر القشرة الصلبة للحتميات ونشيد مقبرة للبنيات البالية 
بواسطة الإنشاء والبناء "للمفهوم" وإنتاجه من الموضوع ذاته وما يطلق عليه 
"انطولوجية النص" أى تحليل النص بالنص. )١15١(‏ ونستطيع أن نذكر دراسات 
أخرى عديدة حول دريدا وفلسفته. الا أن مهمتنا هنا بيان القضايا العديدة التى 
تثيرها فلسفة التفكيك والاختلاف فى الفكر العربى المعاصر. وهى القضايا التى 
توضح كيفية تعاملنا مع فلسفة دريدا. 

ويمكن القول أن الكتاب العرب لم يتركوا عملا من أعمال دريدا إلا وتعرفوا 
عليه ولا جاتبا من جوانب اهتمامه - بخاصة المتاخرة - إلا وأعملوا فيه النظر قراءة 
ودراسة وترجمة ونقدا. بحيث صار الآن مع ميشيل فوكو أكثر الفلاسفة المعاصرين 


312 


استحوازا على القارئ والمثقف العربى؛ رغم انه قد لايكون أهم الفلاسففية 
المعاصرين فى فرنساء على الرغم من أن جيل دى لوز قد يفوقه عمقا فلسفيا وكمة 
كانت النيتشوية فى الثلاثينياتء والبرجسونية فى الأربعينيات؛ والوجودية فسى 
الخمسينيات وربما الستينيات؛ والهيجلية والماركسية فى فى الستينيات» والوضعية 
فى ثوبها العربى فى السبعينيات؛ والأبستمولوجيا والبنيوية فى الثمانينيات.. فإن 
حفريات المعرفة (فوكو) والتفكيك دريدا هى اللجن السارى والنغمة المميزة لكثير 
من الكتابات العربية الآن » ويصحب هذا الاهتمام بالتفكيكية الإحساس بعدم المتابعة 
الكافية لتيارات. الفكر العربى المعاصر كما أشار سالم يافوت وهاشم صالح علمى 
الرغم من تراجع الأخير عن فكرة غرق المثقف والمفكر الغربى فى الانشغال 
بجزنئيات وتفريعات المذاهب والاتجاهات الغربية التى تموج بها فرنسا وأوروباء 
ومع هذا نجد المتابعة واللهاث خلف هذه التيارات تسابقا فى الحداثة وإعلانا 
للعصرية وكان "التفكير فى الفكر الغربى ومتابعة احبدث تياراته فريضة إسلامية'" 
أو قل هو الفريضة الغائبة عند المثقف والكاتب والقارئ العربى. فالترجمات تتابع 
والدراسات تتوالى تعرض لكل ما يتعلق بالتفكيك والاختلاف. ونستطيع أن نشير إلى 
بعض مواضع الاهتمام التى شغلت من تعرضوا للتفكيك » الذى يرجع تقريبا إلى 
الثمانينات ١57٠‏ حيث نشر الخطيبى بعض أعماله مثل؛ "الاسم العربى الجريح"ء 
و"النقد المزدوج" والذى ساعد فى نقلها إلى العربية أدوئيس حيث يعتبره البعض 
من أوائل التفكيكيين فى العربية. ثم سادت بعد ذلك لدى المفكرين والنقاد العرب فى 
الشمال الأفريقى من المغرب وتونس الأكثر متابعة للفكر الفرنسى. وهذه المواضنع 
التى اهتموا بها هى: 

-١‏ الأصول الفلسفية التى نهل منها دريدا سواء لدى هيدجرء أم نيتشه؛ أم 
روسو وصولا إلى أفلاطون من القدماء. حيث يقف عبد السلام بنعبد العالى أمام 
هيدجر. ويقدم تصوره للتاريخ مقايل فلسفة الحضور عند هيجل فى كتابه "التراث 
والاختلاف هايدجر ضد هيجل" 1585؛: ويعرض عبد العزيز بن عرفة الملامح 
الكينونة لدى هيدجر مفكر الاختلاف" ويشير إليه نور الدين افايه فى كتابه "الهوية 
والاختلاف" وعبد الله إبراهيم "التفكيك الأصول والمقولات" كما يعرض هاشم 
صالح لتفكيك كل من هيدجر ونيتشه؛ ويفضل تفكيك الأخير الذى نهض بمهام واقعية 
تخص واقعنا أكثر مما فعل هيدجر. 

ومع هذا يختلف أصحاب التفكيك والاختلاف فى العربية الذى يحيل بعضهم 


313 


إلى الآخرء حيث يحيل عبد السلام بنعبد العالى ونور الدين افايه إلى الخطيبى: 
وهاشم صالح إلى أركون؛ وجميل قاسم ومحمد على الكبسى إلى مطاع صفدىء. وكل 
من على حرب وعبد العزيز بن عرفة إلى السابقين عليهم. أقول يختلفون حول 
ترجمة أهم مصطلحين وهما التفكيك والاختلاف. حيث يستخدم التريكى اسم 
"التنوع" مع الاختلاف ويستخدم مترجموا الخطيبى اصطلاح "الفرق" بدلامن 
الاختلاف وأحيانا التميزء وبينما ساد مصطلح التفكيك والتفكيكية فهناك من استخدم 
"التشريحية" الغذامى. ومنهم من اعتمد المصطلح السائد لكنه أكد على اصطلاح 
"اللابنانية" أو "التقويضية" البازعى ومع هذا ساد استخدام المصطلحين التفكيك 
والاختلاف وإن كانت بعض المصطلحات لم تستقرا بعد وكثيرا منهالم تجد 
المصطلح العربى المناسب لهاء كما يعترف فريد الزاهى الذى ترجم حوارات جاك 
دريدا بعنوان "مواقع". 

"- ويوضح العديد من كتابنا أن ظهور التفكيكية ردا على البنيوية وتوسيعا 
لها وأآن صعود دريدا والمد القوى لأفكاره يرتبط بانحسار كلود ليفى سترواس .. كما 
نجد ذلك لدى كاظم جهاد وجابر عصفور فالفكر ينتج من الفكر ويخرج النص اللاحق 
من السابق وتداخل النصوص. رغم نقد الآخرين لهذا المنحى الذى يقضى على 
خصوصية النص الفلسفى. 

"- ومن هنا ظهر الاهتمام بالنص والعودة للنصوص كما فعل دريدا نفسه. 
فالرجوع إلى النصوص كما يخبرنا الخطيبى هو المقياس الأساسى فى مسألة التفكيك. 
لأننا نجد فى النص صيرورة ومنهجية التفكيك؛ وعند أومليل الاختلاف ينتج من وجود 
نصوص واحدة إلا أنها تؤدى إلى تعدد المعنى ويعنون على حرب عمله باسم النص 
والحقيقة؛ فهو كما يخبرنا قارئ يشتغل على النصوص حفرا وتنقيبا أو تحليلا 
وتفكيكا. وكذلك يفعل محمد الجويلى فى كتابه "الزعيم فى المخيال الإسلامى" الذى 
يريد إحياء النتصوص القديمة بممارستها ممارسة واعية وتفكيكها. ومهمة محمد 
أركون التى ما فتّئ يقوم بها هى تفكيك النص , والنص القرآنى وما قام حوله من 
نصوص. ويبحث الخطيبى عن نوعيةأخرى من النصوص حيث ينصب عمله على 
النصوص المهمشة. وكذلك نور الدين افايه والغذامى فى من البنيوية إلى التشريحية 
(- التفكيكية) يشير إلى المقصود بهذا الاتجاه هو تفكيك النص من أجل إعادة بنائه 
وهذه وسيلة تفتح المجال للإيداع القرائى كى يتفاعل مع النص. 

يهدف التفكيك إذن عند أصحاب فكرة الاختلاف إلى تطبيق منهج دريدا على 


314 


النص. ومن هنا فالعديد من أصحابنا يعلنون فى كتاباتهم أنهم مجرد قراء للنص 
مطبقين لمنهج التفكيك ويأتى على رأس هؤلاء أركون » وهاشم صالح: وعلى حرب.. 

ويعنى التفكيك أيضا عند معظم هولاء تفكيك العقل ونقد ومساءلة العقل» 
سواء العقل الغربى (مطاع صفدى) أو العربى (الخطيبى) أو العقل العربى الإسلامى 
(محمد أركون). 

؛ - الوقوف أمام العلاقة والحدود بين النص الفلسفى والنص الأدبى. وهى سمة . 
يشدد عليها الناقد الأدبى ويشيد بها » فدريدا يقدم النموذج الجديد للفلسفة التى 
تتضافر ودراسة الأدب وتحليل الخطاب بوجه عام فى عالم الاختلاف المرجاء وإدًا 
كان هدم الحدود بين الفلسفة والأدب سمة أحد مهام حركة التفكيك؛ فإن هاشم صالح 
ينتقد دريدا الذى لم ينتبه إلى حجم الخسارة الناتج من ذلك فتحليل الخطاب الفلسفى 
على طريقة الخطاب الأدبى يعنى إفقاره خصوصيته ومطمحه فى التوصل إلى 
الحقيقة. كما أنه يعنى قطع الأواصر بين الفلسفة والعلم ويحول الخطاب الفلسفى إلى 
مجرد خطاب شعرى أو أدبى . 

0 - وينتج عن التقارب بين النص الفلسفى والأدبى الاهتمام بموضوعات مثل. 
"الكتابة" لدى كاظم جهادء عبد الله إبراهيم والغذامى: والوقوف أمام الرمز والدلالة 
"الخطيبى" الأثر والدلالة» الدال والاستبدال "عبد العزيز بن عرفة" الذى يسعى 
إلى الاحتفال بلغة الضاد بحروفها وجرسها مثلما يكتب آخرون؛ الخطيبى؛ افايه عن 
رولان بارث. 

1- وينتقل الاهتمام ويمتد من الفلسفة والأدب إلى الفنون الجميلة والموسيقئ. 
فتكتب رشيدة التريكى عن الاختلاف فى الرسمء وبن عرفة عن فان جوخ فنان 
الاختلاف كما يكتب عن الموسيقى والاختلاف. 

1- وينتج عن ذلك أن يبدع لنا اصحاب فكر الاختلاف فى العربية اصطلاحات 
خاصة بهم تعد مفاتيح لما يكتبونه فنجد لدى الخطيبى: النقد المزدوجء الاختلاف 
الوحشىء ولدى اركون: خلخلة النص وزحزحة الأفكار. ولدى مطاع صفدى: 
التاسيس فى المختلف. استراتيجية التسمية: ولدى فتحى التريكى "جدلية العودة 
والتجاوز" وبنعبد العالى "مجاوزة الميتافيزيقا" وعند حرب مساءلة العقل عن لا 
معقوله , والحرث فى اللامفكر فيه أو الممتنع عن التفكير. وعند أومليل والتركيى» 
الاختلاف والآخر وحقوق الأقليات والديمقراطية. فمقابل فهم التفكيك باعتباره 
تكرارية (تداخل النصوص) عند الغذامى نجد كشير من مفكرينا يستخدمون التفكيك 


315 


فى قراءة الواقع وحياتنا المعاصرة وإن كان يغلف ذلك بغلالة رقيقة من التاريخ أو 
الدين أو النص. 

4- يهتم أصحاب فكر الاختلاف فى العربية بقضايا معينة يتراءى لهم أنها 
أقرب إلى هموم القارئ والمواطن العربى مثل : قضية الهوية والذاتية باعتبارها 
وحدة لمكونات وكيان لأجزاء وليس باعتبارها نواة أولية أو وحدة أصلية:؛ فالهوية 
الأصلية لا تحدد وحدها العالم العربى (اركون) ولا يمكن أن تقوم فقط على الأصول 
اللغفوية والدينية والأبوية» فهذه الوحدة قد تصدعت وتمزقت بفعل الصراعات 
والتناقضات الداخلية (الخطيبى). ومن هنا دعوته إلى النقد المزدوج عن طريق 
تفكيك مفهوم الوحدة التى تثقل كاهلنا. علينا إذن أن نفسح المجال لفكر يتخلى عن 
الذاتية الحمقاء ليتمسك بالاختلاف. إن هوية العربى كما يرى نور الدين افاية تقدم 
نفسها بمجرد أن يحضر إلى العالم كجسد كلغة. علينا من أجل الاقّتراب من العربىء» 
الابتعاد عن الاعتبارات التى تصنفه داخل سلطة مرجعية واحدة وإعادة النظر ففنى 
الفئات المهمشة والثقافات المطمورة بفعل الزمن وبفضل سلطة الهوية اللاغية لكل 
اختلاف. والتفكيك عند أركون كما يدافع عنه البعض- على حرب - كما يفكك من 
جهة يوحد من جهة أخرى. كما أن التفكيك يخدم التوحيد. | 

فالتفكيك عند حرب يقوم بمسباءلة هذا الخطاب المحكوم بمنطق الهوية عن 
البداهات التى ينبنى عليهاء ويسكت عنهاء ويكشف عن أن الواحد هو قهر الكل قهر 
الكلى. ومن هنا فإن حلم الوحدة العربية لا يتأتى إلا عبر تأكيد الاختلاف وبيان 
حقوق الأقليات كما لدى التريكى؛ وعلى أومليل. بتأكيد التوجه الديمقراطى وإفساح 
المجال للآخرء وطرح الذاتية والمناداة بالتعدد عبد السلام بنعبد العالى» واعتبار 
الإسلام تركيبا لكل الثقافات التى كانت موجودة فى المجتمعات التى قام بادخالها إلى 
العقيدة وأنها تشكل هوية واحدة متعددة المضامين (نور الدين افايه). 

- وعلى ذلك نجد من يؤكدون على ارتباط التفكيك ليس فقط بالفلسفة والنقد 
الأدبى بل أيضا بالسوسيولوجيا. فجاك دريدا عند أحمد أبو زيد ؛عالم الانثربولوجيما 
العربى المعاصر يفكك لنا المنظومات الاجتماعية كما جاء فى دراسته "التفكيك 
دراسة فى المفهومات" فى مجلة المركز القومى للبحوث الاجتماعية. والخطيبى فى 
"النقد المزدوج" يرى ان فى الاختلاف الاجتماعى تقويض البناء النظرى الذى 
يقوم عليه التفاوت الاجتماعى وأسسه الأخلاقية. وفى دراسته سيوس ولوجيا العالم 
العربى يطالب الخطيبى بإعادة النظر فى أاسس السوسيولوجيا الغربية وكذلك الفكر 


316 


الاجتماعى العربى. 

-٠٠‏ وفى الميتافيزيقا تأتى فلسفة دريدا لتحدد بينية ومحدودية وتاريخية 
المشروع الثقافى الغربى أو الميتافيزيقا الغربية التى تقوم على مركزية اللوغوس. 
ويعلن ضرورة انفتاح المجال للأخر غير الغربىء وهنا نجد وقفة كبرى أمام القطيعة 
مع السيطرة الثقافية الغربية (الخطيبى) ومحدودية الفلسفة الغربية (النتريكى) 
ونهاية الوعى الأوروبى وبداية وعى العالم الثالث (حسن حنفى) فنحن أمام لحظة 
تحطيم النموذج الغربى. 

١‏ ومن هنا نلجا إلى الأصول العبرية له. يذكر الخطيبى فى سجاله مع 
فربلومسكى الذى يستخدم مفهوم الاختلاف ليصل إلى هوية حمقاء عن اليهود 
ضحايا التاريخ . ويستشهد سعد البازعى باعتراف الناقد الأمريكى ج هيلز ميللر بان 
أنجذابه بخلفيته البروتستانتيه تجاه دريدا يرجع للشبه بين البروتستانتية والتراتْ 
اليهودى؛ ويعلق على ذلك بأن اكتشاف ميللر لموروثه البروتستانتى - اليهودى 
كدافع نحو التفكيك. وجاك دريدا هو أبلغ الشهادات على تحيز مناهج الفكر الغربى 
ويشير للعلاقة بين دريدا وجابيه فكلاهما يهوديان وهما يقدمان التفكيك كمحصلة 
نقدية ‏ فلسفية للتراث التفسيرى للتوراة أى كرؤية يهودية عقلانية أو لادينية 
للعالم» ومصدر هذه الرؤية التى يعبر عنها دريدا فى تعليقه على قصائد جابيه هو 
الأرضية المشتركة لتجربة الشتات اليهودى... 

وعلى نحو مقابل نجد من يحاول تقديم أفكار دريدا باستخدام المصطلحات 
العربية الإسلامية. ففكرة الأثر عنده هى ما نطلق عليه كما يرى الغذامى "سحر 
البيان" وكل نص له أثران - كما يقول حسن حنفى - على ما هو معروف فى علم 
الأصول ومنطق المتشابه» وقد تصدى إدوار سعيد للرد على قراءة التفكيكيين 
استنادا على ظاهرة شهدها التراث الإسلامى بخصوص شروط القراءة. . 1 

إن التفكيك والاختلاف محاولة من أحدث المحاولات التى يسعى فيها العرب 
المعاصرين ليس فقط للتعرف على الفكر الغربى لكن على أنفسهم عبر الآخر ليس 
جريا وراء الحداثة » إنما سعى لقراءة التاريخ والواقع العربى. ونحن من جانبنا إذا 
حاولنا أن نضع هذه الجهود فى إطارها التاريخى مع جهود سابقة لتقديم العقلانية 
الديكارتية أو الحيوية البرجسونية أو الإرادية النيتشويه أو الظاهرياتية الهوسرلية. 
أو الوضعية المنطقية أو المادية الجدلية. ألا يقتضينا ذلك التساؤل ععن مقولة ابن 
خلدون: عن ان المغلوب مولع دائما بتقليد الغالب . إلا أن المفارقة هنا أن هذا 


3177 


الاتجاه لا يمثل التيار السائد فى الفكر الغربى » ونحن بدورنا لم نضعه فى مكانه بين 
الاتجاهات الفلسفية المختلفة فى أوروبا ولم تقم بالحوار الضرورى بينه وبين 
غيره, بل لم نتوقف وقفة حضارية شاملة لترجمة ومناقشة التيارات الفلسفية 
السياسية مثل فلسفة رولز ونظريته فى العدالة وفلسفة مدرسة فرانكفورت » خاصة 
هابرماس ونظريته فى التواصل ونقل أهم نصوصها إلى العربية لازال هذا الاتجاه 
فى العربية رافدا صغيرا من روافد متعددة فى فكرنا المعاصر تشاركه حفريات فوكو 
وإبستمولوجيا باشلار فى الاستننشار باهتماماتنا الفكرية أو قل النقدية. وأغلب 
الظن أن تاريخ الفكر وواقعه عندنا بدأ ينشغل عن دريدا وفلسفته بالأصول التى نهل 
منها من جهة أو بالقضايا التى فكر فيها وربما يتعطش الشاطئ العربى من الآن 
لموجة جديدة قادمة من الشمال وإذا كان طاليس رأى فى الماء أصل الأشياء جميعا 
فما اشد حاجتنا لتنقية المياه . 


)١(‏ سالم يافوت: الفلسفة العربية والدرس الفلسنئ الغربى؛ جملة الوحدة» العدد " لسنة الخامسة مبتمير ١948‏ ص 
ه». وهنا الملوقف بحده أيضا لدى هاشم صالح فى دراسته "دور الفلسقة فى بلورة المشرو ع الحضارى العربى" الذى 
يقول فيه: "ييدو لى أن هذه الهزة الأرضية اب حصلت بساحة الفلسفة والعلوم الإنسانية فى فرنسا طيلة وبع القرن 
الماضى لم تصل إصداؤها بعد إلى الساحة الثقافية العرية" المصدر نفسه ص .٠١‏ 

)1١(‏ لم ير يافوت من حهد فؤاد زكريا سوى كتايه "نيتشه") و"الجذور الفلسفية للبنائية": وإنه لم يشر إلى دور نيتشه فى 
نقد الميتافيزيقا الغربية وفلسفة الحداثة الي ظهرت لدى هيدحر ثم فوكو ودولوز ودريداء وعلى الرغم من ادعاء 
الباحث المغرى أن الأساتذة المصريين لم يصلوا بعد إلى الحداثة وما بعد الحدائة مثل الباحثين المغاربة فإنا نكتفى هنا 
بالإشاة إلى ملاحظته مرححتين مناقشة موقفه من التحزل المعرل المعاصر وجهرده ف نقل فوكو - الذى كان 
زكريا إبراهيم يفوم بتدريس فلسفته لطلابه المغاربة عام ١874‏ والذىسبقه فى تدريس الفلسفة بالمغرب بحيب بلدى 
الذى يدرك الجميع فضله - إلى دراستنا عن حفريات المعرفة أو ميشيل فوكو الفكر العربى المعاصر. 

(*) نشرت يحلة العرب والفكر العالمى في أول إعدادها 1544 ترجمة سحمد الخماسى لنص محاضرة ميشيل فوكو "البليوية 
والتحليل الأدبى" ال ألقاهات بنادى الطاهر الحداد ف الرابع من فواير ١9517‏ ويعتقد المترحم أن هذا النص "غير 
المعروف فى الأوساط الفلسفية العالمية يلقى أضواء كثيرة على موقف فوكو من البنيوية" ص .١8‏ 

(4) يتوقف الباحث الموريتاق فى رسالته للدكتوراه عن "التاريخ والحقيقة لدى فوكو أمام نقد هابرماش لفوكو يقول د. 
السيد ولد أباه فى دراسته "نقد هابرماس لفوكو” والى ثمثل الفصل الختامى لأطروحته المشار إليها: "إن ما يهمنا 
هنا ليس بيان او حه القصور والنقص ل تعليلات فوكو بقدر ما يهمنا إحلاء ملامح هذا الحوار الخاسم الذى يطبع 
الفلسفة اليوم والذى يتحسد؛ بوضوح فل حوار هابرماس - فوكو": مملة درانات عريية العدد 001-1١‏ 7 
أغصطس. أكتوبر 1١3437‏ ص .٠١‏ وقد صدرت هذه الدراسة فيما بعد, في بيروت 1446. 

(5) هذا هو موقتف محمد أركون ل دراساته المتعددة و كذلك موقف هاشم صالح فى بحثه السابق الإشارة إليه وأيضا 
على حرب الذى يقوم بنفس الدور فق قراءة كتابات المفكريين العرب المعاصريين قراءة تفكيكية» وسوف نتحدث 
عن كل منهم على حدة فق ثنايا هذه الدرامة. 

(5) المقعود مطاء صفدى خاصة ف كتابه "نقد العتل الغربى, الحداثة وما بعد الحداثة" الذى حظى بدراسات عديدة» 


318 


وسوف نعرض لموقفه إق فقرة لاحقة. | 

(7) انظر ترجمة الحسين سحبان لمقالة دريدا "الاختلاف" بجملة الحكمة؛ المغرب, العدد الأول؛ خريف 15347 ص 54 
-.1. 

(8) ويغتار الغربى سعيد مونيت عنوانا لإحدى المجلات الفصلية هو "الاختلاف" الى صدرت بالرياط وظهر منها 
أربعةأعداد. كما كتب عادل عبد الله لي كتابه "التفكيكية إرادة الاختلاف وسلطة العقل" عن دريدا ؛ دمشق 
١‏ ش 

(5) ترحم كاظم حهاد دراستا دريدا "مسرح القرة وحدود التمثيل" بملة مواقف العدد *4 سنة 3188١‏ "وللقوة 
والدلالة" بملة الكرمل, العدد ١7‏ عام 214485 وأعاد تنقيحهما ونشرها مع عدة دراسات أخرى هى: رسالة إلى 
صديق يابان حول مفردة ومفهوم التفكيك "ل الغة" و"هايةالكتابة وبدابة الكتابة" و"نواقيس” وميتات رولان 
بارت ونشرها مع مقدمة محمد علال سيناصر بامم الكتابة والاعقلاف” وصدرث ع دار توبقال بالمغرب عام , 
4و وقد أعاد محمد سبيلا وعد الام بن عبد العالى نشر ججزء منها بعنوان "فى مفهوم الاعدلاف” ل سلسلة 
دفائر فلسفية, الجزء الأول, التفكير الفلسفىء دار تويقال؛ الدار اليضاى 1331 ص 5م - /1لم. 

١944 حاك دريدا: هل هناك لغة فلسفية ؟ "حوار" ترجمة كاظم جهادء جملة العرب والفكر العالمي العدد السادس‎ )٠١( 
.1608 - 1١1407 ص‎ 

)١١1(‏ كتب كاظم حهاد دراسة موسعة بعنوان "محل إلى قراءة ديريدا" وترحم حابر عصفور دراسته "البنية العلامة» 
اللعب”؛ بمحلة فصول القاهرية؛ العدد الرابع امجلد الحادى عشر من هب 7.58.98 

١ .1١١ - ص 5م‎ 194٠8 دريدا: توقيع؛ حدث؛ سياق: العرب والفكر العالمى؛ العدد العاشر.‎ )١١( 

(؟1١)‏ دريدا: أفكار حول حهنم: ترجمة حورج أى العالح, بحلة العرب والفكر العالمى, العدد 017 خريف 199٠0‏ ص 
115-00 | 1 

)١1(‏ يعلل لنا الزاهى ترحمته 051110105 بمواقع لأنما نميل إلى وتلح على فضائية الكتابة والمامش» التباعد الفاصل وأيضا 
إمكانية الحركة داخخل فضاء الاستراتيجية التفكيكية لمشروع درينا "أن نساؤلات درينا تبدأ دائما من موقع الخامش أو 
بما يعد كذلك. لتجعل منه موقفا مكنا للكتابة وفضاء فعليا للنص والتفكيك . وهذا المع فإن الحوارات الي ينضمنها 
هذا الكتاب تقترح نفسها كهوامش نطرح فضايا ونصوص هئ بدورها حاءث لتكون هوامش على نصوص أخرى. 
ان هذه السلسلة المحكمة الترابط تمكن الحامش أن يكون منغرسا فى صلب القضايا الساسية الى ينهض علبها الفكر ل 
الغرب؛ ونصا متداخلا مع إشكال كتابته.(ص5) 8 
تأخذ هذه الحوارات أهميتها باعتبارها من ججهة حسا نقديا محمل الفضايا ال تطرحها المرحلة الأولى من كتابات 
دريدا أو مدعلا أوليا لقرائتها باعتبارها من جهة أخرى دعوة لقراءة النصوص الى تشكل مرضوعها من 
منظورات حديدة وأكثر نقدية . حاك دريدا: مواقع "حوارات” ترجمة وتقدم فربد الزاهى: دار توبقال؛ الدار 
البيضاء ؟551١ا.‏ 

)١5(‏ دريدا: الاختلاف المرحأء ترجمة هدى شكرى عباد؛ بحلة فصول. العدد الثالث, المحلد السادس» إبريل - يونيو 
دموا ص ١ه‏ - 7ل وهى نعى النحاضرة الى ألقاها دريدا فى اللحمعية الفلسفية الفرنسية ونشرت ال مجملتها * 
يوليو - سبتمير ١474‏ وقد نقلنها عن الترجمة الإإعليزية الى قام هما ب. إليون فى كتاب “الكلام والظواهر”". وقد 
نشر له بالملهره كتاب "ما الذي حدث في ١١‏ سبتمير”قبل ان بنشر بالفرنسية *. ٠‏ ؟وكذلك مدر له في المغرب 
(("لقاء الرباط مع حاك دريدا"لغات ف الثقافة العربية ترجمة عبدديكن الشرقاوي دار تو بعال984١‏ وكذلك 
ملف بحله ابداع بالقاهره مارس .5٠٠٠١‏ 

(11) سارة كوفمان - روحى لابورت: مدل إلى فلسفة حاك دريدا: تفكيك الميتافيزيقا واستحضار الأثر. ترجمة 


319 


اهلف 


06) 


)5( 


حرو 


)'1( 


) 


إدريس كثير وعز الدين الخطاى» دار أفريقيا الشرق؛ الدار البيضاء .1441١‏ يرى المترجمان أن اقتحام عَالم دريدا 
ليس بالأمر السهل أو المريح ولكنه مع ذلك يفلق لفائحه متعة خخاصة. ويجيبا لماذا دريدا؟ لأنه المفكر الذى قام يكل 
حراءة بمساعلة ونقد الأسس الى يقوم عليها الفكر الغربى: وبالخصوص نقد مركزية العقل الغربى. إن مشروع 
عمله لا يمكن أن ينحصر ف دائرة محددة: إنه مغامرة لا يمكن التنبو بنتائحها ولكن يمكن معرفة سمتهاء نقمد 
بذلك هدم الميتافيزيقنا. ويريا أن مشكلة نصوص دريدا إنها لم بد الاهتمام الذى يستحقه فى ثقافنا العرية» وهذا 
هو الأمر الذى أدى إلى وحود فراغ على مستوى المصطلحات والمفاهيم العرية الى يمكن أن تقابل مفاهيم دريدا 
ص 5. ومن الضعربة الى واحههاء إنها صعربة نقل بعض المفاهيم إلى اللغة العربية مثل ,71]0156ع111-6 يم 
1761676 أ .لمعالسقطط ,ععمعا أطعية4. ْ 
كريستوفر نورس: التفكيكية: النظرية والتطبيق» ترجمة صبرى محمد حسن,؛ دار المريخ: 41984 وهى ترجمة غير 
دقيقة على عكس من ترحمة رعد عبد الحليل حواد ؛ الذى نشر جزاء منها لل جملة "الثقافة الأحنبية العراقية" 
وصدرت عن دار الحوار للنشر والتوزيع؛ موريا .١5547‏ وقد عرضت لهذا العمل سمية سعد في دراستها 
"التفكيلك النظرية والتطبيق”؛ بحلة فصولء الحلد الرابع العدد الرابع؛ القاهرة 2١1584‏ وقد اعتمد.على الكتاب د. 
أحمد أبو زيد فى درماته "التفكيك: درامة فى المفهومات” المحلة الاحتماعية القومية؛ العدد الثالث المحلد الثامن 


والعشرين» سبتمير 159191١‏ ص هل - .١58‏ 5 
وليم راى: المع الأدبى من الظاهراتية إلى التفكيكية. ترجمة يوئيل بوسف عزيزء دار المأمون للترجمة والنشرء بغداد 
/41ة١.‏ 


تيزى ايجلتون: مقدمة لى نظرية الأدب؛ الفصل الرابع "ما بعد البنيوية" ترجمة أحمد حسانء الميئة العامة لقصور 
الثقافة » القاهرة سبتمير ١441١‏ ص 18١ - ١88‏ يعرض انجلتون لآراء دريدا ضد الميتافيزيقا ويوضح أن دريدا 
نفسه يرى أن عمله ملوث لا مفر بذلك الفكر الميتافيزيقى بقدر ما يعاول الإفلات منه » لكنك لو فحمت تلك 
المبادئ عن قرب لوحدتها تقبل التفكيك على الدوام؛ والتفكيك هو الاسم الذى بطلق على العملية النقدية ال 
يمكن ها تدمير تلك التعارضات تدميرا حزئياء أو الى يمكن ها إظهار أها تدمر بعضها البعض حزئيا ص .١51١‏ 
كتب والترند. أونج ف الفصل السابع من كتابه “الشفاهية والكتابية” الذى نقله د. حسن البنا إلى العربية عن ٠‏ 
"النصيون والتفكيكيون” موضحا أن روسو كان نقطة مفضلة لدى النصيين وقد أدار دريدا خوارا مطولا معه - 
وينتقد أونج النصيون الذين مم يزودنا بأى وصف للأصول التاريفية لما يسمونه بمركزية الكلمة صن 147 ويرى 
أذ عما التفكيكيين يكتسب حاذبيته حزئيا من كتابية لا تطيل التأمل ولا تطبق النقدء ص 59514. 

وقد نرجمحسام نايل ثلاث مقلات عن التفكيك بعنوان صور دريدا القاهره7 ٠ ١‏ ؟وترحم حسن ناظم وعلي 
حاكم صالح عدة دراسات حوله في كتاب هيو سلفرمان”نصيات بين الميومنيرطيقا والتفكيكية » المركز الثقاني 
العربي . بيروت 7٠٠١7‏ استخدم الكتاب العرب مصطلحات التفكيكية والاختلاف عنرانا لأبمالهم فقد كتب 
سامى أدهم عن "تفكيك العقلى اللغرى؛ دراسة ميتافيزيقية" بملة الفكر العربى المعاصرء العدد ١ 7٠.‏ ديسمير 
5 ص 10-75 . وحورج زيناتى عن "اللغة كمنهج لتفكيك الفلسفة” الفكر العرى المعاصر" العدد م4 
4 عام 1١94917‏ ص 47-485 وكتب عبد العالى بو طيب بنفس العدد عن مغهوم الرؤية السردية فى المنطاب 
الروائى يبن الاننلاف والاحتلاف حى ٠١1-3448‏ وسالم ياقوت عن ثورة الفلسفة المعاصرة " ثورة الهوامش” 
الفكر العرى المعاصرء العدد 41١-9٠‏ أغسطس ١49١‏ ص 141-141. 

خمصص حورج طراييشى مادة عن دريدا فى "معجم الفلاسفة” العادر فى بيروت .١944107‏ فهر فيلسوف فرنسى» 
ولد بالجزائر 140 وتُخرج فى قسم الفلسنة بدار المعلمين العليا بباريس» كان له تأثيره على طلابه؛ يعدد لنا 
مهمته بأفا "نفكك بناء الفلسفة والمذاهب الفلسفية انطلاقا من الكتابة؛ والمفهرم الأساسى ف فلسفته هو 


320 


الاحتلاف؛ الذى يستخدمه لخدم ما يطلق عليه مركزية العقل»وتطبيقا لاستراتيحية التفكيكية شكل ١90/5‏ سمينار 
حول تعليم الفلسفة لتطوير نقد التعليم الراهن. وقد تولى أخيرا إدارة معهد الفلفة الذى أنشى عام 3415 .1١‏ 
ويذكر لنا مولفاته انظر: طرابيشىء معجم الفلاسفة» دار الطليعة؛ بيروت عام /الم94١‏ ص ؟53. وقد خصعصت 
موسوعة الشروق مادة عن ن حاك دريدا فى المحلد الأء ول منها الذى صدر عن دار الشرق» القاهرة .١598‏ 

(1) عبد العزيز بن عرفة: ملامح الكينونة لدى هيدحر: مفكر الاختلاف» محلة دراسات عربية؛ العدد الحادى عشرء. 
المنة 514 سبتمير 9484١ا‏ ص .١5‏ 9 

)١4(‏ الموضع السابق. 

(5؟) عبد الكبير الخطيي: التقد المزدو ج؛ دار العودق بيروت .154٠‏ ويتابع على حرب نقد الخطيى المزدوج ويستخخدم 
معطلحاته وذلك فق كتابه "الممنوع والممتنع؛ نقد الذات المفكرة" حيث يستخدم مطلح "الاختلاف الوحشى" 
ص 86 وفكرته عن النقد المزدوج يقول: “هذا هو المشروع الذى الخرط فيه إنه مشروع نقدى فزدوج. همع أنه 
نقد للذات والمغيرء وهو بحافة للأخر نقدر نما هو صنع للأنا. ص 5217 

(11) محمد نور الدين افايه : الهوية والاحتلاف» دار إفريقيا الشرق» الرباط 45ب ١‏ ص .٠١١‏ 0 

(10) انشغل الخطينى كثيرا بالكتابة عن المغرب؛ كما يتضح ل الدراسات العديدة ال بحدها فى "النقد المزدواج” وال 

كتبه "المغرب العربى وقضايا الحدالة” ؛ الشركة العربية للناشرين المتحدين, الرباط .1١931‏ 

4" النطيى: النقد المزدوج؛ ص 5. 

(15) الموضع نفسه. 

(0) يتناول نور الدين افايه موقف الخنطيى ل محال السيوسولوجيا بالتفصيل نعمت عنوان بين الحامش والاختلاف مقاربة 
لفكر الخطيى, إل كتابة الموية والاختلاف؛ دار إفريقيا الشرقء ص 48 وما بعدها. 

(١؟)‏ يخصص الخطيى كتابه "الاسم العرى اللتريح " لدراسة الاختلاف الثقال؛ فهر يماول أن يقرأ كثيرا النصوص الى 
تنفلت من مركزية الثقافة العربية الإسلامية من جهة والثقافات المهمشة على المستوى العالمى كذلك. 

(؟0) الخنطى: النقد المزدوج ص .٠١‏ 

(5©) المرجحع السابق » ص .5"١‏ 

(54) المرجع نفةء من 535. 

(55) المرجع نفسه . ص 457 وراجع دراسته العسهيونية واليسار العربى بنفس المصدر. 

(5؟) المرجع السابق . ص .١817‏ 

(0؟) محمد نور الدين افاية: الموية والاختلاف ٠‏ ص 45. 

ةا الخطيى: الاسم العربى الجريح» دار العردق) بوروت .١148٠‏ 

(9]) راحع الاسم العرى الجريح صفحات 26.٠‏ ١ق‏ الاء لال كف 11990 ؟1؟ل, 

(٠؛)‏ عبد الكبير الخطيى: الذاكرة الموشومة: ترجمة بطرس الحلاق » المؤسسة العربية للدراسات والنشرء بيروت .١9444‏ 

(41) محمد نور الدين افايه: المتخبيل والتواصل: دار المنتخب العربى؛ بيروت 1١447‏ ص 1٠0‏ 

(؟4) رولان بارت: مقدمته لككتاب الاسم العرى الجريح؛ ص .١1-15‏ 

(15) محمد نور الدين افايه: المتخخيل والتواصل؛ ص .١548‏ 

(44) محمد نور الدين افايه: الهوية والاختلاف ص .١١١‏ 

ليد انار العمل هيه ودع لديا ا د انو لقاو أسس الفكر الفلسفى المعاصر" عدار 
توبقال الدار البيضاء 2٠0‏ 143: المقدمة. 

(47)انظر كل من عبد العزيز بن عرفة: ملامح الكينونة عند هيدجر مفكر الاختلاف, بحلة دراسات عربية: العدد ١١‏ 


321 


السنة 4؟ ص 16ء وقد كتب على حرب عنه عدة مرات: الأولل لى كتابه. "مداحلات”, وفيه يين تأرحح عبد 
السلام بنعبد العالى بين عدة مناهج؛ ويرى أنه فهم هذه المناهج - الى يستخدمها فى كتابة الفلسفة السياسية عند 
الفارابى. لا ينبئ على تمبيز دقيق للفروقات القائمة بينهماء على حرب: مداخلات؛ دار الحداثة: بيروت 
تدخةاص ١١4‏ . وثانيا ق كتابهءنقد النق. المركزر الثقاق العرن 15357ا ص 55. 

(47) عبد السلام بنعبد العالى: هايدحر ضد هيجل: التراث والاءتلاف, دار التنوير» بيروت 48ؤوااصض .١15‏ 

(14) المرحع السابق ص ,١1 - ١‏ 

(45) المرحع السابق ص .١1‏ 

(20) عبد اللام بنعبد العالى: التراث والهوية» دراسات فق الفكر الفلسفى بالمغرب» دار تويقالء الرباط 19410 ص 68. 

(51) عبد الام بتعبد العالى: ثقافة الأذن وثقافة العين, دار توبقال للنشرء الدار البيضاء ١4414‏ من ص 77 حن 
كا ومن 0 حو كل حك لكت ال 15 

(51) عبد السلام بنعبد العالى: أسس الفكر الفلسفى المعاصر: بحاوزة الميتافيزيقاء دار تويقال الرباط. 194ص 85. 

(07) محمد نور الدين افاي: الهوية والاختلاف» دار إفريقيا الشرق, الدار البيضاء د.ت. ص 8, وانظر دراسته وحواره 
مع الخنطيى: بحلة الوحدة؛ العدد الثان: توفمير ١١941‏ ص41١١.‏ 

(214) المرحع السابق ص 14؟ - 58. 

(58) المر جع نقه ص 756 

(35) المر جع نقه ص 7097. 

(00) المرجع تفسه ص .3١‏ : 

(34) على اومليل: فى شرعية الاخثلاف»؛ منشورات المحلس القومى للثقافة العربية؛ الرباط 14141١‏ ص ١١‏ والذات 
والغابرة » مفهوم الاختلاف إل الفكر العرى” ل: العقلانية العربية والمشروع الحضارى؛ منشورات المخلس القومى 
للثقافة العرية 119517 ص لإا6. 

(53) السابق ص ١١.وانظر‏ عن أومليل . ملف اوراق فلسفيه العدد 2/4القاهره ديسمير 5٠٠١1‏ 

(0) فتحى التريكى: الحداثة وفلسفة التنوع؛ أعمال ندوة الفكر الفلسفى بالمغرب المعاصر: منشورات أكلية الآداب 
والعلوم الإنسانية؛ الرباط؛ ص .11١8‏ 

(11) فتحى التريكى: قراءات ل فلسفة التنوع؛ الدار العربية للكتاب» تونس 1988 ص 08. 

(51) المرجع السابق ص 5. 

(57) المرحع السابق ص .١7‏ 

(14) المرحع نفسه ص .١8‏ 

(55) المرجع نفسه ص 2١‏ 

(56) المرجع نفسه ص .١١‏ 


(507) المرجع تفه ص. 

(54) راحع على أومليل: المرحع السابق ص 2١7‏ 15١؛‏ والتريكى: قراءات ..... ص 18. 

(14) فتحىء ورشيدة التريكى: فلسفة الخدائة؛ مركز الإثماء القومئ بيروت ص 284 وقراءات فى فلسفة النتوع مض ٠‏ 
هما 


)م0 الت يككى: قراءات ص "50١-16‏ و سين حنفى: مقدمة ل علم الاستغراب» الدار الفنية» القاهرة» ١44١‏ ص 
50" 
(1) التريكى: قراءات 21 


2302 


(77) التريكى: فلسفة الحدائة ص 59 -514. 

(77) فتحى التريكى: الحدائة وفلسفة التتوع ص 0 - .1١١١‏ و ملف بمله اوراق فلسقيه العدد 5/5 القاهره 
0 

(74) على حرب:نقد النص: المركز الثقاق العربى؟ 45 ١ع‏ 57.وأيضا:الممنوع والممتنعء نقد الذات المفكرة؛ المر كز 
النقاق بيروت 516 ١وتخصعى‏ فيه دراسة طويلة عن ارركون بعنوان اوهام الحداثة:قراءة ثانية ال المشروع 
الأركرنرصض117-.1١.‏ 

(15) محمد أركون: من فيصل التفرقة إلى فصل المقال؛ ابن هو الفكر الإسلامى المعاصر؟ ترجمة هاغنم صالح؛ دار 
الساقى؛ بيروت 1947 اص 28". 

(77) على حرب: نقد النصءص 76 وأيضا الممنوع والممتتع»نقدالذات المفكرة ص1110-.114. 

(70) محمد أركون: الفكر الإسلامى نقد واحتهاد. ترجمة وتعليق هاشم صالح؛ دار الساقى: بيروت ط 7 عام ١9857‏ 
ص ١ .١16‏ 

(8/) محمد أركون: من فيصل التفرقة إلى فمل المقال ص 1؟١.‏ 

(7/4) هاشم صالح: مقدمة.: الفكر الإللامى قراءة علمية؛ معهد الاتماء القرمى؛ 19419 ص 4. 

(80) المر جع السابق ص ١‏ 

(81) محمد أركون: العلمنة والدين؛ ترجمة هاشم صالحء دار الساقي؛ بيروت .195٠‏ 

(87) أركون: من فيصل التفرقة إلى قمل المقال ص .١١‏ 

(87) على حرب: نقد النص ص 355. 

(84) محمد أركون: الفكر الإسلامى قراءة علمية ص .٠١‏ 

(25) على حرب: الممتوع والمتتعء ص .١١97‏ 

(85) المرحع السابق ص .١١١‏ 

05 المر حع السابق ص .١78‏ 1 

(88) هاشم صالح:دور الفلفة ل بلورة المشروع الخضارى العرى» الرحدةٌ العدد ٠١‏ السنة 8 1944 ص 2.٠١‏ . 

(85) المرجع السابق ص ٠١‏ وكما يتضح من الفقرة السابقة متابعة هاشم صالح لأفكار محمد أركون الذى تخصص ال 
ترجمة؛ وتقدمء ومناقشة أعماله فل العربية فهما يعملا سويا وكأفهما فريق واحد. 

(40) راحع موقف عصفور ل هذه النقطة مقدمة ترجمته لدراسة دريدا "البنية, العلامة, اللعب إل العلوم الإنسانية" 
فصول العدد الرابع؛ املد الحادى عشرء ص 55١‏ - 5779 وموقف حسن حنفي النقدى الذى يتفق فيه معه 
هاشم صالح إلى حد ما لي الفصل السادس من مقدمة ل علم الاستغراب, النار الفنية, القاهرة؛ ص 704 وهاشم 
صالحء المرحع السابق ص ؟١.‏ 

(31) يعدد هاشم مالم هذه المسلمات ل الأتي: 

- الإنسان كمخلوق يتمتع باستقلالية القرار الذاتى ضمن مقيّاس أنه خاضع للكلام المقدس» ولا تخرج عن الحدود 
المبتة من قبل . 

- هناك "زمان - مكان" متاغم ومنسجم ومقيدس ومطلق. 

- تراكيز النظرة على المطلق المتعالى ولب على الإنسان بعد ذاته. 

- يتميز الفكر بإنه ما هوى, جوهراقء لبونى؛ فالكلمات تدل بالفعل على الأشياء وتلتصق يها كى تصبح حزعا 

- كما يتميز بإنه غائى؛ ومعيارى؛ دو جماطيقى. 


323 


- العالم الدنيوى الحالى ليس هدفا وإتنما وسيلة للعبور إلى العام الآخر. عالم الخلود الأبدى. 
-الوعى الأسطورى بتغلب على الوعى التاريخى دون أن بلغيه كلية؛ المعدر السابق ص0؟-58. 

(31) يتضح لدى صالح موقفا موضوعيا من أفكار دريدا بعيدا عن الانبهار الشديد ما يقدمه وانظر الملف الذي حققته 
بحلة أوراق فلسفيه حول محمد اركون والذي تتضمن بعضي بحوث ندوة الجمعية الفلسفية الاردنين حول رليع 
اوراق فلسفيه العدد التاسع القاهره ٠٠١4‏ بعيث نشعر بالنقد حاضرا ف تناوله لتطور أفكار 'دريدا..راحع 
المصدر السابق صفحات 6٠ 2١7‏ بل إنه يعترف أنه بعد إمضاء أكثر من عشرة أعوام ف أوروباء وفى فرنسا على 
الخصوص فهم أنه يضيع الوقت ف الحديث عن ميشيل فوكو وحاك دريداء ومشاكل الحداثة وما بعد الحدائة ولا 
يشعر بأى انزعاج إذ يصرح بذلك بل بسعادة غامرة بعد ما اكتشفت موقفى؛ واستغربت كيف أمضيت كل 
تلك السنين فى البحث عن مشاكل وهمية تقص الجتمع الفرنسى الحالى» ولا تفص ممتمعاتنا العربية الإسلامية إلا 
من بعيد البعيد ويرحع ذلك إلى ضمور الحس التاريفى عندنا وسيطرة البنية الأسطورية والمثالية على عقلنا 
وتفكيرنا. هاشم صالح, حول مفهوم التاريقى بجحلة الرحدة. العدد الم ص .١5‏ 

(*4) مطاع صفندى: مركز الإنماء القومى واسترانيجية التدمية: مملة الفكر العربى المعاصر العدد الأول ص ؟١.‏ 

(514) مطاع صفدى: نقد العقل الغربى: فلسفة الحداثة وما بعد الحدائة؛ معيد الإنماء القرمى. بيروت ص 2١4‏ وانظر 
كذلك دراستنا في محلة مدارات التونسية العدد ؟- ؟ شتاء وربيع 19414 ص .١014- ١/5‏ 1 

(5) مطاع صقدى: المرجع السابق ص ١14‏ 

(55) جميل قاسم الحدائثة ف الفكر العربى: مجلة الفكر العرى المعاصر, العدد ص 58. 

(30) مطاء صفدى: المر جه السابقء ص .١9‏ 

(448) المرجع السابق: ص 51 . 

(85ة) المر حع السابق » صفحات 151 01514 .١1585‏ 

)٠٠٠١(‏ حمادى الرديسي: نقد العقل الغربى؛ الفكر العربى المعاصر, عدد 84 -8م ص ٠ 4-1١١8‏ وانظر أيضا دراسة 

محمود جمول: العقل الغربى فق الميزان, العرب والفكر العالمى. العدد /11- 4اء ص ..1951-11١١‏ 

)٠١1(‏ حاك دريد: الكتابة والاعتلاف. كاظم حهاد. . دار توبقالء الدار البيضاء 21544 ويشير حهاد في مقدمته 

' لنصوص دريدا للخطوط العريضة هذا الفكر؛ ولموضعه من الفكر الذى يعاصره واخل اللغة الفرتسية المعاصرة. 
وضمن الإنتاج العلمى للأفكار؛ ولموقع الدراسات المترجمة فى هذا الكتاب من هذا الفكر نفسه؛ المقدمة ص 
يف 

(؟١2)‏ كاظم جهاد مدخل قراءة دريدا فى الفلسفة الغربية عما هى صيداية أفلاطونء مجلة فصول العدد الرابء؛ املد 

الحادى عشر ص 156. 
(؟©١٠)‏ المرجع السابق ص ١510‏ 
)٠١14(‏ المرجع السابق صمي ,5١١‏ 
)٠١١(‏ المرجع السابق ص ١3‏ ؟. 
(5١٠)المرحع‏ نفه ص ؟١5.‏ 
)٠١0(‏ محمد الحويلى: الزعيم فق المخيال الإسلامى بين المقدس والمدنس. دار سراس للنشرء الموسسة الوطنية للبحث 
العلمى: تونس 1997 ص .3١‏ 

.1١8 - 1١14 التريكى: الحدائة والاختلاف إل الرمم, كتاب فلسفة الحدائة ص‎ )٠١4( 

23714 عبد العزيز بن عرفة:حاك دريدا: التفكيك والاختلاف, مملة دراسات عربية» العدد 4 السنة‎ )٠١5( 
.7١41١صاةخم‎ 


3224 


)١١١(‏ عبد العزيز بن عرفة: لقاء مع الفيلسوف دريداء الدال والامتبدال. المركز الثقاق العربى» بيروت عام 
الواصس520-55؟, 

)١١١(‏ عبد العزيز بن عرفة: ملامح الكينونة عند هيدحر مفكر الاحتلاف»: دراساث عربية: العدد 1١‏ لسنة 514؟, 

.4 27 عبد العزيز بن عرفة: الدال والاستبدال ص‎ )١١1( 

.4 المرحع الابق ص‎ )١١5( 

(1١١)اتنظر‏ إهداء كتايه وص 819 56,. 

.١١ المرحع السابق. ص‎ )١1١5( 

.5 ص‎ ١9947 محمد على الكبسى: جملة مدارات؛ التونسية» العدد الأول صيف‎ )١١5( 

)١١7(‏ محمد على الكبسى: قراءات فل الفكر الفلسفى المعاصرء تونس ١3485‏ ص ١١‏ وما بعدها. 

.53١ المرحع الابق ص‎ )١114( 

."157 المرحع السابق ص‎ )١14( 

١ المرجع نفه ص 175 .محمد على الكبسى: ال النهضة والحداثة» سراس للنشرء تونس 194415 صن 14ء لاك‎ )1٠١( 
نشد ادل‎ 

)١51(‏ انظر دراستنا د. محمد علي الكردي :الكتابة والتفكيك عند حاك دريداءالوظيفة الايدولوحية للموت عند دريدا 
في كتابه: من الوحودية الي التفكيكية دار المعارف الجامعيه الاسكندريه54 ١9‏ وكذلك محمد شوقي الزين 
الباحث الجزائري المقيم لي باريس جاك دريدا وميلاد النص في:تاويلات وتفكيكات المركز الثقافي العربي , 
بيروت ١ 56١5‏ 

(7؟١)‏ على حرب: نقد النص, المركز الثقافى العرى» بيروت» ١1575‏ ص 42. 

(5؟١)‏ على حرب: مداخلات» دار الحداثة) بيروت 1948 ص 5؛ 16. والمرجع السابق ص .١‏ 

.١8 تقد النص ص‎ )١1115( 

)١76(‏ المرحع السابق ص نيه 

.956 المر حع السابقي ص‎ )١155( 

(1107) المرجع السابق ص غة 

.© المر جع نفسه ص‎ )1١14( 

)١19(‏ على حرب: نقد الحفيقة. المركز الثقاق العرى» بيروث 19557 ا ص. 

(17) المرحع السابق ص نفك ئ 1 

.17 المرحع السابق ص‎ )١51( 

,١1؟3 المرحع اللسابق ص‎ )١57( 

(8؟1١)‏ المرجع السابق ص 81. 

(140١)د.‏ حسن حنفى: مقدمة في علم الاستغراب, الدار الفنية, المقاهرة ١9191‏ اص 505-521201,. 

(11١)المرحع‏ السابق ص 507. 

.5٠0 5 الموضع السابق ص‎ )١115( 

)١15(‏ الموضع نفسه. 

(144١)المرحع‏ نفه ص 508. 

(155) المرحع السابق ص 505, 

. المرحع نفسه ص 707 وقارن التريكى: قرايات فل فلسفة التنوع ص‎ )١45( 


5325 


.5019 حسن حنفى: مقدمة فى علم الاستغراب ص‎ )١117( 

. اسامة خليل : مجملة اصول , العدد الرابع‎ )١14( 

(115) المصدر السابق . 

: الموضوع السابق نفسه‎ )١160( 

. نفس المعدر‎ )١151( 

(؟3١)‏ عبد الله الغذامى: الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريعية, النادى الأدى الثقاق, حدق مم13 ص 50. 

(؟5١)‏ يرى د. حابر عصفور أن الحراماتولوحيا هى درامة العلامات المكتوبة (من كلمة الجراما 018111813 اليونانية 
الى تعين المكتوب أو المنقوش أو المسحل) وليست درامة القواعد النحوية (أو الأحرومية) كما توهم بعض 
الدار سين العرب ». مقدمة ترحمته لدراسة دريدا: البنية» اللعبء العلامة؛ قعول العدد 4 الجلد ١١اصض‏ 15995 

: .57 الغذامى: المرحع السابق ص‎ )١24( 

(د ١5‏ ) المرجع السابق ص 65. 

. ١889 راجع درامة أكاظم جهاد: مدخل إلى قراءة دريداء قصول العدد الرابع؛ اتلد الحادى عشرء ص‎ )١55( 

(/اد١)‏ الغدامى: ص 69. 

(158) المرجع نفه ص 65 

(164) كتب على الشرع أن الغذامى هو أكثر الدارسين العرب إفاضة فق الحديث عن منهجية النقد التفكيكى فى كتابه 
"النطيئة والتكفير"وأن محاولته تعد الأولى فى تقدع هذه المنهجية من خلال وجهة نظر خاصة. وقد تخاشى ' 
الغذامى استخدام مصطلح تفكيكية وأثر استخدام معطلح التشريعية. ويرى الشرع أن الغذامى اقنصر لل 
. عرضه قضايا المنهجيةالتفكيكية على القدر المقبول منها فى الوسط الثقاق العري المحافظ: ومن هنا كان اهتمامه 
منصبا على شعرية الشعر وأدبية الأدب ولم يشأ أن بمضى مع التفكيك بكامل منهحيتها الفكرية ص .5١8‏ 

)1١(‏ عبد الله إبراهيم: التفكيك الأصول المقولات؛ سلسلة عيون» الدار اليضاء 1955 ص 57؟, 

(151) المرحع السابقء ص 55. 

(؟15) المرجع السابق» ص ه92 - 9؟. 

(155) المرحع السايق» ص © -15. 

(114) المرجع السابق؛ 110. 

(156) المرحع السابق .8٠‏ 

(155) المر جع السابق ص 05. 

.. راحع دراسة كاظم حهاد المشار إليها عن "مدخل إلى قراءة دريدا ف الفلسفة الغربية جما هى صيدلية أفلاطون‎ )١150( 

.514 عبد الله إبراهيم» ص‎ )١158( 

(115) المرحع السابق ص 77. 

)17١(‏ المرحع نفه صن قلا. 

)١171(‏ المرجع نفسه ص ؟57. 

(175) المرحع نفسه ص 47. وانظر ايضا دراسته: المركزيه الغربية : اشكالية التكون والتمركز حول الذات "امر افر 
الثقافي العربءبيروت ص775-716. 

,١517 على الشرع: التفكيكية والنقاد الحدائيون العرب, بمحلة دراسات الأردنية العدد؟, الحلد15 كىؤاا ص‎ )١7( 

.١59 المرجع السابق ص‎ )١75( 

(175) لاحظ أن هذا الحكم الذى يصدره الشرع فى دراسته يرحع إلى عام ١445‏ والأمر الآن يختلف حيث كثرت 


326 


وتعددت واختلفت الكتابات التفكيكية ف العربية. 

(177) المرحع السابق ص .5١4‏ 1 

.5١١ المرحع نفه ص‎ )١097( 

.3؟1١ د. حابر عصفور: مقدمة ترجمة "البنية, اللعب. العلامة" مملة فصول العدد 4. المجلد الحادى عشرء ص‎ )١178( 

(15) المرحع الابق ص 532 ؟, 

(180) وهذا الموقف موضع نقد » كما أشرنا لأنه يقضى على خعرصية الخطاب الفلسفى ومميزه في جمال البحث عن 
الشعر والأدب. ْ 

: سعد عبد الرحمن البازعى: ما وراء المنهج "تميزات النقّد الأدى الغرى" بعث من أعمال ندوة إشكالية التحيز»‎ )١8١( 
.١97 القاهرة 19397 ص‎ 

(185) المرحع السابق ص .75١‏ 

(>18) المرحع السابن ص "39 . 

)١44(‏ وانظر رد حاك دريدا على عبد العزيز بن عرفة قل حواره معه يقول دريدا: "أجل إن أعمالى هى تمحيد لمبدا التيه 
ورفض مبداً الإقامة". الدال والاستبدال» ا ش 

.714 سعد البازعى: المصدر الابق ص‎ )١185( 

)١187(‏ أحمد أبو زيد: بحلة العرىء العدد ١151ء‏ فبراير *194 ص 45 - 14 بتساءل أحمد أبو زيد لق هاية 

. دراسته”ماذايريد؟دريدا وتجيب:إن قراءات دريدا في نصوص الآخرين وكذلك نركيبات نصوصه هو نفسه 
تصدر عن موقف نقدى للابْعاه الغالب على الفكر الفلسفى الغرى منذ أفلاطون» الذى يطلق عليه"ميتافيزيقا 
الحضور"وينادى دريدا بضرورة مقاومة الميتافيزيقا عن طريق تطوير أساليب قراءة النص الفلسفى أو 
تفكيكه"ص 18. 

(18) يوضح الدكتور أحمد أبو زيد ال مقدمة التفكياك: دراسة فق المفهرمات أن هذا المفهوم يرتيط باسم الفبلسوف. 
الاجتماعى الفرنسى المعاصر ححاك دريداء وهو من أضعب المفهرمات المستخدمة فق الكتابات "بعد البنائية”) , 
وغ يحاول دريدا أن يضع تعريفا محددا لهذا المفهرم ولكنه يقرل إن الفلسفة التفكيكية هى مسألة (عمل) ذال 
نسق من الافكار الرئيسة المنظمة والنظر إليها من منظور داخلى وآعر خارحى للكشف عما قد يكون ها من 
مفارقات أو تناقضات. فالتفكيك إذن أحد أشكال ممارسة (القراءة) المتعمقة الى دف إلى الكشفى عما قد 
يرحد ف النص من علاقات م يدركها المولف بكل ما قد يترتب على ذلك من وحود مفارقات وتناقضات بين 
امور وقضايا يقبلها الكثيرون على علانما. ويعتمد التفكيك اق ذلك على القدرة على تطويع المصطلحات 
والألفاظ ذات الدلالة المحددة بحيث بمكن استخخراج معنيين متعارضين من النمط الواحد والوصول بذلك إلى 
معان خديدة تنجاوز الياق الأصلى. ولذا تختلف الآراء حول إذا ما كان التفكيك هو امتداد للبنائية أو نقد فا 
أو محرد لعبة أكادكية تعتمد على التلاعب بالألفاظ؛ أو فلفة خليقة بالاهتمام. د.أحمد أبو زيد: التفكيك 
دراسة ف المفهر مات المحلة الاحتماعية القومية؛ العدد ” المحلد سبتمير 19141١‏ ص هلم - 1586. 

(184) د. حورج زينائى: فلسفة دريدا البلامركزء فى كتابه رحلاث داخل الفلسفة الغربية؛ دار المنتحب العرى؛ بيروت 
“153 ص ٠١58 - ٠١4‏ .والفلسفة فى مارهاء مدخل الى الفلسفة ؛ الاحوال والازمنة للطباعة والنشر 
والتوزيع »بيووت ٠٠٠١5‏ ؛ دريدا اللبرتمانولوحيا والتفكيكية ص 505-5105 , 

(188) بغ بن عودة : رنين الحدانة ا دار الاحتلاف الخزائرا» وكذلك جملة اوراق فلسفية العدد 8 ؛ ديسمير ,5٠٠9‏ 

)١13(‏ عبد الله عبد اللاوى: التراث والحداثة والمنهج ف الفكر العرى؛ مرحهات أوية انمحلة الفلفية العربية؛ محمان 
الأردن: المحلد الثان, العدد الثان» ينابر ١937‏ ص ١5‏ وما بعدها. 


327 


أدوارد سعيد قارئا لدريدا9) 


تعرض الراحل إدوارد سعيد لجاك دريدا في أكثر من موضع , ولعل أهم هذه 
المواضع هي إشارته المتكررة في مختلف حواراته؛» وفي "الثقافة والامبريالية" . 
وفي "العالم, النص , الناقد" وفي كل هذه الموؤاضع كان سعيد يقف من دريدا موقف 
الناقد القلق من طبيعة العلاقة التي تربط دريدا بعصره وسياقاته السياسية والثقافية 
.وهو نقد أعتاد سعيد توجيهه لمجمل النظرية الأدبية في السنوات الأخيرة » هذه 
النظرية التي تحاشت الأفق السياسي الرئيسي المشكل بحسب سعيد ‏ للثقافة الغربية 
الحديثة » وهو الامبريالية , بدلا من إنتاج نقد "دنيوي التحامي" ارتضت هذه 
النظرية مبدأ "عدم التدخل" والاكتفاء بمناقشة القضايا النصية معزولة عن دنيما 
الواقع وسياقاته . 

دريد ١‏ أصبح. دريدائيا" 
"أعتقد أن دريدا رجل لامع تماما. لقد احببته» وقامت بيننا صلات شخصية وطيدة. ولكني 
مع ذلك شعرت بتلك الحالة الطفيفة من انعدام التوازن بين منهج التفكيك ذي الطابع 
التشكيكي وربما الفوضوي العالي من جهة:؛ وبين اجتهادات التفكيك المنهجية من جهة 
ثانية. ولقد بدا لي» وعلي نحو محتوم ربماء أن ما يلوح كنزعة تشكيك تاملية ونيتشوية 
هو حالة يسهل تطويعها لملائمة مختلف المؤسسات: حقيقة أن دريد ا اصبح دريد ائياء 
وان مدرسة كاملة في أمريكا تعرف اليوم باسم " الدريدائين . و بالمناسبة, أخبرني دريدا 
نفسه أن شهرته في أمريكا تختلف عن شهرته في فرنسا حيث لا يبدون به اهتماما وامسعا- 
و لقد بدا لي أن حالة المؤسسة هذه آخذت تفقده حريته في الاستكشاف الدائم. 

لقد شعرت. وأذ كر أنني ناقشت هذه المسألة مع نوام شومسكي. أن أعمال 
دريدا تنطوي علي الكشير مما يثير البلبلة واطلاق العنان للأهواء بدل المحاولة 
الجادة للانخراط سياسيا في بعض قضايا الساعة الكبرى مثل فييتنام ار فلسطين أو 
الامبريالية. لقد شعرت على الدوام بوجود نوع من المراوغة؛ فأقلقني ذلك. وحين- 
كنت التقي به. كنا نتبادل حوارات مفيدة. لقد زارني في بيتي. ودعوته لإلقاء 
''' وقد جمعت بملة "أوان” البحرينية أهم ما كتبه أدورد سعيد عن حاك دريدا والتفكيك في عددها الثالث والرابع وحن نتقل عنها . 
هذا ذلك . مصادر القراءة أدوارد سعيد : العا , والنى , والنائد" ترجمة عبد الكريم محمود, منشورات اتعاد الكتاب العرب  .,‏ ” 


٠٠.٠.٠. دملن‎ 


328 


محاضرات في كولومبيا في اوأخر السبعينات . وحين جنت الى باريس لبعض 
المحاضرات في السوربونء دعاني ؤعرفني علي زوجته. على المستوي الشخصي 
كانت الأمور على ما يرام. ولكني شعرت أنه بدأ يطور حس الدفاع عن منطقة 
وعقيدة جامدة. وكنت أقول في نفسي: ما معنى ذلك؟ أضف إلى ذلك أنني ازددت 
انغماسا قي السياسة؛ وخيل إلي أنه يزداد ابتعادا عن السياسة. ثم هنالك الكثير من 
نفاد الصبر. لقد بدت لي نصوصه أكثر عددا مما ينبغي» وكانت تدور في نطاق أكثر 
إفراطا من أن يكون مفيدا. وأذكر ذات مرة أن اثنين من طلابي: وكاإنا من جنوي 
أفريقياء كتبا نقدا لقطعة من دريدا حول الأبارتيد. وتناهى إلي فيما بعدء أما هو فلم 
يخبرني أنه اغتقد أنني أحرضهما على الكتابة ضده. وهكذا اخذت هذه البارانويا 
تقلقني. إنه أكبر مني سنأء ولكني لم أنظر إلى نفسي كمؤسسة أبدا. أنا لا أعبا بما 
يقول الناس عنيء وهم يذكرونني بقدر من السوء لم يسبق ابدأ ان تعرض له هو. 
اعتقد أنه منمق على نحو مفرط لقد أحببته. وأنا معجب به. وهو رجل لإمع . إلى 
آخره. ولكن ,٠‏ ربما أجد حالة التعقيد هذه اكثر تعقيدا مما يتوجب أن تكون عليه. 
ولكن ما يقلقني في دريدا هو طابع علاقته بعصره. الأمر الذي كان إشكاليا للغاية 
في نظري " 

دريدا وفوكو : داخل النص/ خارج النص 

"من الصحيح الآن أن نقول بأن المرء ليصاب بالذهول لدى قراءة نقد باقلام 
أناس من أمثال فوكو ودريدا » وذلك لأن الحقيقة تدل على أن نقدا من هذا النوع لا 
يمكن أن يكون فرعا من فروع الأدب المحض. إذ إن من العسير جدا على هذا النوع 
ان يكون على تلك الشاكلة؛ أو حتى أن يكون شكلاأ رفيعأ من أشكال الشسرح... 
واسمحوا لنا الآن ان نبد أ بالإشارة إلى ذلك الاختلاف الكبير المدبر على اوسع نطاق 
والمطبوع بطابع المبالغة من جراء النزاع الجدلي بين دريدا وفوكو. إن موقفيهما 
النقديين متعارضان بناء على عدد من الأسس. ولكن الأساس الجدير بالاستفراد» 
على وجه التخصيص. في هجوم فوكوعلى دريذا يبدو قمينا بالبحث أولأ ومفاده: أَنَ 
در يدا لا يولي اهتمامه إلاالقراءة النص وحسب وان النص ليس أكثر مما فيه 
بالنسبة للقارئ فلئن كان دريدا يرى أن أهمية النص تكمن في وضعه الحقيقي بما 
معناه بمنتهى البساطة أنه عنصر نصي دون أي أساس في أرض الواقع . وهذه هي 


2329 


وضعية الكتابة في مهب الريح 16طج 7ج ©+داغأمء6 التي لما يتمكن النقد من 
معالجتهاء والتي يتحدث عنها دريدا في "الجلسة المشتركة" ‏ فإن فوكو يرى أن 
أهمية النص تستقر في عنصر قوة +ؤ0المن مفاده استحقاق جازم للنص في أرضص 
الواقع حتى لو كانت تلك القوة خفية أو ضمنية. وهكذا فإن نقد دريدا يدخلنا في قلب 
النص؛ في حين أن نقد فوكو يدخل بنا في النص ويخرجنا منه. ومع ذلك لو تسنى 
سؤال فوكو ودريدا لما أنكرا ان ما يوحد بينهما » أكثر حتى من ذالك الطابع التعديلي 
والثوري العلني الذي يطبع نقدهماء هو محاولتهما تبيين الشئ الذي يحجبه النص 
في العادة آلا وهو مختلف الأسرار والقواعد والتلاعب الذي تتلاعبه نصية النص. 
فباستثناء كلمة واحده ما كان فوكو. على ما أظن.ء ليبدى اعتراضه على تعريف 
النصية بشكل اعتباطي بعض الشيء كما ساقه دريدا في مستهل مقالته المعنونة ب 
"صيدلية أفلاطون" إذ قال "لا يمكن للنص أن يكون نصا ما لم يحجب عن أول 
متصفح له . ومنذ النظرة الأولى قانون تأليفه وقواعد تلاعبه. وفضلأ عن ذلك يبقى 
عصيا على الإدراك بالعقل إلى أبد الآبدين. فقانونه وقواعده ليست حبيسة صندوق 
أسرار محال المنال. إد إن واقع الأمر لا يعدو ببساطه تعذر اقترانها بتاتاء في الزمن 
الحاضر بأي شيء مما يمكن القول عنه بدقة متناهية أنه مدرك بالعقل". ولربما أن 
الكلمة المعضلة هي "بتاتا" الموصوفه من قبل دريدا بمنتهى التحايل. بشكل تفقد 
فيه شيئا من قدرتها على التصدي. الأمر الذي سيفرض علي تجاهل توصيفات 
العبارة والحفاظ على جزمها القاطع. فالقول بأن مغزى النص وتكاملةه أمران 
محجوبان عن الأنظار يعني القول بأن النص يتستر على شيء ماء وهذا يعني بدوره 
أن النص يلمحء ولربما يعرض أيضأء ويجسد ويمثلء بيد أنه لا يفصح توا عن شيء 
ما. وما هذا المذهب أساسا إلا مذهب المعرفة الروحية للنص, والمذهب الذي يوافق 
عليه فوكو ودريدا كل بطريقته الخاصة. 

ومن سخرية الأقدار آن يكون دريدا وفوكو معا موضع الاستجداء في هده 
الأيام طلبا للنقد الأدبي» في الوقت الذي يدل الواقع فيه على أن أيا منهما لم يكن ناقدا 
أدبيا. فاحدهما فيلسوفء. والآخر مؤرخ فلسفي. ومادتهماء من الناحية الآخرى. مادة 
هجينة على العموم: فهي شبه فلسفية وشبه أدبية وشبه علمية وشبه تاريخية: 
علاوة على أن وضعهما في العالم الأكاديمي أو الجامعي؛ على نحو مماثل؛ وضع 


2330 


متشابه. وان ما أحاول جذب الانتباه إليه» على ما أظن, هو الشك الأساسي في 
عملهما حيال ما يحاول فعله: فهل هو يحاول التنظير فيما يتعلق بمشكلة النصية أم 
أنه و هذا شيء صارخ الوضوح في حالة دريداء ولاسيما منذ نشره مقالة 5ا6© 
غير أنه ملحوظ أيضا في حالة فوكو ‏ يآتي بنصية بديلة من عنديات كل منهما؟... 
إن دريدا قد حاول الاتيان.عند كتابه المعنون ب ((غراماتولوجيا)) على الآقل؛ بذلك 
النوع الذي دعاه بالكتابة المزدوجة عاطاداه0ك ع«ا؛ة,ع» الذي يحرض نصفه الأول 
على قلب الهيمنة الثقافية التي يطابق دريدا بينها وبين الميتافيزيقا وسلاسلها 
الهرمية» في حين أن نصفه الثاني "يتيح تفجر الكتابة في صميم الكلمة بحيث يؤدي 
هذا التفجر إلى تمزيق النسق المعهود برمته والى احتلاله مركز الصدارة". فهذه 
الكتابة غير المتوازنة وغير الموازنة يتقصد بها دريدا أن تدفع الطية غير المنتظمة 
وغير المحسومة باعتراف الجميع والقائمة في.عمله بين وصف النص الذي يفككه. 
وبين فرض النص الجديد الذي يجب الآن على قارنه أخذه بالحسبان. والأمر علنى 
الشاكلة نفسها في حالة فوكوء إذ إن هنالك "كتابة مزدوجة" (ولكنئه ما هو بالنعت 
الذي يطلقه عليها) مقصود بها أولا أن تصف بالتمثيل؛ تلك النصوص التي يدرسها 
بأنها خطاب وأرشيف وملفوظات وهكذا دواليك؛» ومن شمء أن تطرح لاحقا نصا 
جديداء نصه هو. يفعل ويقول ما طمسته النصوص الأخرى غير المرئية: كما ان 
فوكو يفعل ويقول ذلك الشيء الذي لن يفعله ويقوله أي إنسان غيره. 

إن هذا التداخل النصي في كتابة كل من دريدا وفوكوء والجاري قبل الكتابة 
وبعدها في أن واحد معاء كان من تصميمهما لكي يبالغ في الفروق بين ما يفعلانه 
وما يصفانه؛ بين عالم التمركز الكلامي وعالم الاستطراد من ناحية أولى وبين 
المقالة النقدية التي يسوقها كل من دريدا وفوكو من ناحية أخرى. وفي كلتا الحالتين 
هنالك ثقافة مسلم بها ومحط البرهان عليها مرارا وتكراراء واليها يضوبان سهام 
التجريد من التحديدات. ش 

إن تأفف فوكو من كون الموضوع سببا كافيا للنصء ولجوءه إلى الغفلية 
الخفية التي تتسم بها القوة المنطقية والأرشيفية (الحكومية)؛ لعلى انسجام عجيب 
مع تلك النسخة الخاصة التى طرحها دريدا عن الإكراه. فهذا الجانئب من عمله جانب 
معقد جدا وجانب؛ بالنسبة لى عسير جدا أيضا. وان هنالك من ناحية أولى؛ إشارات 


331 


متكررة يشير بها فوكو إلى الميتافيزيقا الغربية» والى فلسفة حضور بكل ماتستدعيه 
وتوضحه فيما يتعلق بتشكيلة واسعة من النصوص بدءا بأفلاطون مرورا بديكارت 
وهيجل وكانط وروسو وهايدجر وانتهاء بليفي شتراوس. وهنالك؛ من ناحية آخرى. 
تنبه دريدا للتفصيلات والمحذوفات سهوا والتشوشات. والاحتياطات حيال بعض 
النقاط الأساسية الموجودة في عدد من النصوص الهامة. وان الشيء الذي تتقصد 
الكشف عنه قرءاته للنص هو ذلك التواطؤ الصامت بين الضغوط التي تمارسها 
البنيه الفوقية للميتافيزيقا وبين البراء ة الملتبسه لكاتب ما بخصوص تفصيل من 
التفاصيل على مستوى القاعدة- كذلك التمييز اللفظي المحض الذي ميزه إدموند 
هوسرل بين الإشارتين الدلالية والتعبيرية... ومع ذلك فإن العميل الوسيط بين 
القاعدة و البنية الفوقية لا هو موضع الذكر ولا هو في الوقت نفسه. موضع الأخذ 
بعين الاعتبار. ففي بعض الحالاتء بما فيها الحالتين اللتين جنت على ذكرهماء منا 
يشير إليه دريدا هو أن الكاتب قد تملص عامدآ متعمدا من المشكلات التي فاجاته 
من جراء سلوكه اللفظيء هو الحدث الذي يجب علينا فيه أن نفترض أن الكاتب 
ربما كان رغم أنفه رهين ضغوط من البنية الفوقية ومن التحيزات الغائبة 
"للميتانيزيقا" ولكن في آمثلة أخرى فإن الممارسة النصية التي يمارسها الكاتب 
نفسه.تكون منقسمة على نفسهاء إذ إن القلقلة التي ينطوي عليها مصطلح ما من 
أمثال . أمعدمءاممنواو دام مبنية في صميم النص وتحركاته. بيد أن 
السؤال عما إذا كان الكاتب مدركا لهذه القلقلة أم لا فسؤال مطروح من قبل دريدا 
مرة واحدة ليس إلا ومن ثم يحال المى غياهب النسيان. إن كل قراءة من قراءات 
دريدا الرائنعة روعة استتثنائية تنطلق إذاء منذ كتابته كتاب ا 08 

6 الذي تتضمنه تلك القراءات أيضاء من نقطة في النص تنتظم 
حولها نصيته المغايرة والمتميزة عن رسالته آو معانيه - ألا وهي تلك النقطة التي 
تتحرك باتجاهها نصية النص إبان تفجر الإخصاب الناجم عن النشاط الفوضوي 
للنص وما هذه النقاط إلا تلك الكلمات التي تقف على طرفي نقيض مع المفاهيم, ألا 
وهي تلك النتف من النص التي يعتقد دريدا بآنها مكمن نصية النص المناعة على 
التقليص: والتي يكشف من خلالها على ذلك. فهذه الكلمات التي تقف على طرفي 
نقيض مع المفاهيم والأسماء والأفكار تتملص من أي تصنيف محدد.ء الأمر الذي 


332 


يشكل السبب الذي يجعل منها مجرد كلمات نصية؛ والسبب الذي يجعل منها نشازا 
أيضا. إن طريقة دريدا في التفكيك تقوم بوظيفة إعتاق تلك الكلمات؛ شأنها بذلك شان 
اللحظة المناخية في كون كل نص من نصوصه هو مجرد أداء بفعل هذه الكلمات 
المضادة للمفاهيم أي تلك الكلمات المحضة ليس إلا. وهكذا فإن ما يشير إليه دريدا 
هو "مشهد كتابة في صميم مشهد كتابة وهكذا دواليك إلى اللانهاية» من خلال 
ضرورة بنيوية واضحة المعالم في النص إن سلسلة النصوص التي وقع عليها 
اختيار دريدا ابتغاء التحليل والاكتشاف لسلسلة ‏ على نقيض السلسلة الضيقة التني 
وقع عليها اختيار أتباعه بغية تحليلها- واسعة نسبيا إذ تبدأ بافلاطون وتنتهي 
بهايدجر مرورا بكل من سولرز وبلانشو وباتيل. وبمقدار ما تسعى قراءاته لزعزعة 
الأفكار السائدة في الثقافة الغربية؛ فإن نصوصه تبدو محط الاختيار لأنها تجسد 
الأفكار تمام التجسيد. وهكذا فإن روسو وأفلاطون وهيجل يتكشفون على أنهم أمثلة 
لامفر منهاللفكر المتمركز حول الكلام. أي لذلك الفكر الأسير لتناقضاته 
اللامتناقضة والتي يجسدها في الوقف نفسه. وأما كتاب ذوو عهد احدث- من أمثال 
ليفي شتراوس وفوكو فقد وقع الاختيار عليهم كما يبدو بهدف قيام مماحكة فكرية 
شاقة في الذهن وحتى قراءة سطحية لعمل دريدا ستفضي إلى الكشف عن سلسلة 
هرمية ضمنية مصبوغة بصبغة تقليدية اعتي لا لكونها معروضة على ذلك النحو بل 
لكونها ثمرة الكشف الرائع الذي يكشفه دريدا عن المغزى الجديد في نصوصضه 
وهكذا فإن أفلاطون وهيجل وروسو ء بالنسبة لدريدا : إما أن يستهلوا حقبا تاريخية 
أو أنهم يعززونها » فمالارميه مثلأ يستهل تطبيقا عمليا شعريا ثورياء في حين أن 
هايدجر وباتيل يتصارعان صراحة مع تلك المشكلات التي هما نفساهما وضعالها 
القوانين و أعادا طرحها من جديد. وأن الطريقة التي تحظى بها هذه الشخصيات 
بوسمها التاريخي تعزز أية سلسله يعمل على جمعها أستاذ في الدراسات الثقافية آو 
في مآثر الفكر الغربي. ومع ذلك فما من جواب على التساؤل عن السبب الذي يحول 
دون تسمية عصر روسو بعصر كوندياك آيضاء أو عن السبب الذي يرتقي بنظرييبة 
روسو عن اللغة إلى مركزالصدارة لا بنظرية فيكو أو نظرية سير وليام جونزء ولا 
حتى نظرية كولردج ولكن دريدا لا يخوض غمار هذه المسائل . على الرغم من انني 


أتصور أنها ليست مشكلات تأويل تاريخي ثانوية بالنسبة لما يفعله دريدا وإنما على 
النقيض من ذلك , تبدو لي بأنها تقود إلى الأسئلة الكبيرة التي يثيرها عمل دريدا.. 
لقد أدليت بملاحظاتي عن دريدا وفوكو بالقول أنهما كلاهماء على الرغم من أنهما يمثلان 
وجهتي نظر مختلفتين بخصوص النقدء يحاولان بكل دراية اتخاذ مواقف رجعية حيال 
هيمنة ثقافية - طاغية- ونظرا لموقف كهذا فإن نقدهما يزودنا بوصف عما هو عليه واقع 
الهيمنة الثقافية- وأنهما كلاهما أيضأ مدركين من ناحية أخرىء للخطر المتمثل فبي أن ما 
يفعلانه قد يتحول نفسه إلى عقيدة نقدية» إلى منظومة فكرية طائشة عصية على التبديل 
ومستهترة بمشكلاتها هي. والآن فإن موقف دريدا وكل إنتاجه كانا مكرسين لاستكشاف كل 
من التصورات المغلوطة والأفكار المكرورة عشوانيا بالشكل الذي تلعب فيه دورا مركزيا 
في الثقافة الغربية". 


3314 


دريدا فى القاهرة : التفكيكية والجنون 
عبد الوهاب المسيرى . 


نبدأ بالحديث عن مؤسس التفكيكية جاك دريدا ( )25٠١4 157٠‏ والذى 
زارنا مؤخرا فى القاهرة » وهو فيلسوف فرنسى يهودى . من اصل سفاردى » وهو 
من فلاسفة اللاعقلانية السائلة والمادية الجديدة ٠‏ ويلاحظ تاثره بنيتشه وبفلاسفة 
ومفكرين اخرين(سارتر - هايدجر - لآكان - وايمانويل ليفناس . المفكر الدينسى 
الفرنسى اليهودى ) . 

نقد البنيويه : 

بدأ دريدا بالتمرد على البنيوية » وهى حرة ‏ كما اسلفنا - حاولت من الناحية 
الفلسفية ان تبتعد بشكل متطرف علن الذاتية الانسانية التى تتسم بها الوجودية » 
وعن الموضوعية المتطرفة التى تتسم بها الوضعية المنطقية . وقد وجدت البنيوية 
ضالتها فى مفهوم البنية » فالبنية ليست ذاتية او موضوعية . ويرى البنيويون ان 
البنية تكاد ان تكون هى المحرك الاول ٠‏ فهم يرون ان البنية تسبق العقل الانسانى » 
ولذا نجد ان بنى اللغة والاساطير - من منظور بنيوى - هى التى تتحدث من خلال 
الانسان ولا يتحدث هو من خلالهما . ويلاحظ ان البنية لها كل صفات الذات الانسانية 
وتحل محلها وتزيجها من مكانها. ومع هذا لاحظ دريدا - عن حق - ان البنية ملوثة 
بالميتافيزيقا » فهى وجود يشبه مقولات كانط الفطرية المتجاوزة لعالم التفاصيل 
الحسية والصيرورة . والبنى - فى تصور البنيويين- هى برامج تماثل بناء عقل 
الانسان ذاته » والبنيوية هى مشروع دراسة هذه البنى وهذا العقل . وهى بهذا 
تستعيد للانسان شيئا من مركزيته وللعالم شيئا من العقلانية والمعنى . وفى نهاية 
الامر يعنى تماثل البنيات امكانية التواصل والتوصل الى حقيقة ما ء وكل هذا من 
منظور المادية الجديدة السائلة - عودة للاوهام الانسانية الهيومانية » وللبحث 
الميتافيزيقى عن الحقيقة » ولتجاوز الصيرورة وعالم الحس المباشر . القمى 
دريدابحثا فى مؤتمر عقد فى جامعة جونز هوبكنز عام ١5757‏ ( لتوضيح الفلسفة 
البنيوية للجمهور الامريكى ) والمؤتمر هو نقطة ميلاد التفكيكية وما بعد الحداثة 
(وقد ظهر فى نفس الفترة كتاب سوزان سونتاج ضد التفسير . مما يدل على ان 
التفكيك قد بدأ يتحول الى ظاهرة عامة فى الفكر الفلسفى الغربى ) وقد بين دريدا ان 


335 


البنيوية ان هى الا حلقة فى سلسلة طويلة من البنيويات المختلفة » على استعداد ان 
ترد ذاتها الى نقطة حضور واحدة او مركز او اصل ثابت ." وهدف هذا المركز لم 
يكن تحديد اتجاه البنية او توازنها او تنظيمها » وانما الهدف منه وضنع حدود على 
لعب البنية ". ان مركز البنية قد يسمح بلعب عناصرها الاساسية ولكنه لعب يتم 
داخل الشكل الكلى الثابت الذى له مركز وله معنى فهو لعب يصل الى نقطة نهائية 
عند مدلول متجاوز . 

ويشار الى " المدلول المتجاوز " احيانا بانه " الاله " و " روح العالم " و 
" الذات " و " المادة " و " الحضور المطلق " و " اللوجوس " و " الكل الشابت 
المتجاوز" ماديا كان ام روحيا ٠‏ وهو الركيزة الاساسية لكل الدوال ٠‏ فهو ليس 
جزء من اللغة ولذا يقف خارج لعب الدوال » ويوقف انزلاقيتها وانفصالها عن 
المدلولات . ووجود مدلول متجاوز ( مفارق ) هو الطريقة الوحيدة لكى نخرج من 
عالم الحس والكمون والصيرورة ونوقف لعب الدوال الى ما لانهاية » وهو الاساس 
الثابت الذى تستند اليه كل المفاهيم الانسانية وتكتسب منه الثبات , فيمكن للانسان 
ان يؤسس المنظومات المعرفية والاخلاقية. واهم الدوال ( المتجاوزة ) فى 
الحضارات التقليدية ( بما فى ذلك الحضارة الغربية قبل عصر نهضتها ) » هو الاله'. 
ولكن مع بداية التشكيل الحضارى الغربى الحديث اعلنت هذه الحضارة ان الاله اما 
غير موجود او ان وجد فهو غير مهم فى عملية تفسير الكون الذى يحوى مركزه 
داخله , شم اكدت هذه الحضارة مركزية الانسان وانه العنصر الاهم فى النظام 
الطبيعى » فهو تجسيد للمركز ء وهو مدلولها المتجاوز . 

ويرى دريدا ان ثمة بحثا عند الانسان عن ارض ثابتة يقف عليها خارج لعب 
الدوال الذى لا يمكن ان يتوقف الا من خلالها المدلول المتجاوز(الربانى او المادى). 
وتاريخ الفلسفة الغربية هو البحث عن الاصل دينيا كان ام ماديا , اى ان الفلسفة 
الغربية - فى تصوره - تتعامل دائما مع الواقع من خلال نسق مغلق. بل انه يرى ان 
فى اكثر الفلسفات الغربية مادية ونسبية يظل هناك ايمان ما بالكل المادى المتجاوز 
ذى المعنى(الحضور) واستنادا الى هذا الحضور يتم تاسيس منظومات معرفية 
واخلاقية وجمالية تتسم بشئ من الثبات وتفلت من قبضة الصيرورة. وقد قرر دريدا 
ان يفكر فى الآمر الذى لا يمكن التفكير فيه.. مفهوم لبنية ليس لها اى مركز اواصل 


336 


ويمكن القول بان مشروع دريدا الفلسفى هو محاولة لهدم الانطولوجيا 
الغربية باسرها المبنية على ثنائيات مثل الشكل والمضمون . والانسان والطبيعة,؛ 
والمطلق والنسبى . والثابت والمتحول ؛ وهى ثنائيات تستند الى مدلول ثابت 
متجاوز . وبدلا من ذلك يحاول دريدا ان يسقط او يقوض من ثبات المدلول المتجاوز 
( او اللوجوس والمطلقات والثوابت ) بالمعنى الدينى او المادى ٠»‏ عن طريق اثبات 
تناقضه وانه هو نفسه جزء من الصيرورة المادية . وهو بذلك يمكنه ان يلغى 
الحدود بين الثنانيات المترتبة على وجود المدلول المتجاوز وصولا الى عالم من 
الصيرورة الكاملة بلا اساس وبلا اصل ربانى »بل بلا اصل على الاطلاق ٠»‏ بحيث يتم 
التسوية فيه بين كل الاشياء وتسود النسبية المطلقة , عالم الدوال فيه منفصلة تماما 
عن المدلول ( او ملتحمة بها تماما ). ولذا لا توجد لغة (وان وجدت فهى لغة الجبسد 
الحسية المباشرة باعتبار ان الجسد يجسد المعنى فلا ينفصل الدال عن المدلول ١‏ مما 
يجعل المدلول لا محل له من الاعراب ولااضرورة له , فالفعل الجنسى ء مثشل 
صيحات الالم » هى ذاتها الدال والمدلول ). انه عالم تتداخل فيه النتصوص مع بعضها 
البعض كتداخل الدوال بالمدلولات , ولا يمكن الحديث عن نص فى مقابل الواقع ؛ او 
عن نص وعن معنى النص . وهذه الرؤية العدمية الفلسفية تصبح التفكيكية حينما 
تصبح منهجا لقراءة النتصوص . 

اسلوب دريدا : 

واسلوب دريدا غامض ٠‏ لا لان رؤيته الفلسفية مركبة . فهى ابعد ما تكون 
عن التركيب ( كما سنبين فيما بعد ). ولكنه انطلاقا من فلسفته التقويضية الانزلاقية 
يبذل اقصى جهده ان يكسر حدود الكلمات والجمل والمعانى ليفرض معنى جديداء 
ويحبذ الانزلاق بين الدوال ويجيد اللعلب بها . مما يحعل قارئه كمن يسير على سطح 
املس , فيركز على الاحتفاظ بتوازنه حتى لا يسقط , بدلا من ان يلاحظ عمق 
التناقضات وسطحية الافكار فى كتاباته وطبيعة الالعاب اللغوية التى تخبئ كل هذا . 
ان اسلوب دريدا تعبير غير انيق عن العدمية . ولننظر على سبيل المثال الى حديثه 
فى " الكلمة المهموسة " عن مسرح انطوان ارتو( 2-١858‏ 545١)ءالذى‏ 
يسمى بمسرح القسوة ( و مسرح يدعى انه يتوجه الى كيان الانسان كله . ولذا لا 
توجد فيه فواصل بين الدوال والمدلول والمسرح والواقع ٠‏ ويمكن للجمهور ان 


337 


يشارك فى المسرحية ) . يجد دريدا هذا الشكل المسرحى مناسيا ليعبر عن اشكالية 
الاصول والمدلول المتجاوز فيقرر ان :" مسرح القسوة يطرد الاله من المسرح ٠‏ 
فالمشهد المسرحى يظل لاهوتيا طالما هيمن عليه الكلام او ارادة الكلام وطالما هيمن 
عليه مخطط ( لوجوس ) لا يقيم فى الموضع المسرحى الا انه يوجهه ويحكمه من 
بعيد » يظل المسرح لاهوتيا ما بقيت بنيته تحمل , بمقتضى التراث باسره , العناصر 
التالية: مؤلف - خالق - غانئب - بعيد ٠-‏ مسلح بنص - يراقب ١‏ ويوحد ويقود زمن 
العرض ( او معناه ) تاركا اياه يمثله عبر ما يدعى بمحتوى افكاره ومقاصده . يمثلبه 
عن طريق نواب » مخرجين وممثلين , مفردين مستبعدين يمثلون شخصيات هى 
نفسها لااتقوم سوى بتمثيل فكرة الخالق .. عبيد يؤدون ( ينفذون بوفاء ) مخططات 
" السيد " الالهية . ولذا كى يتحرر المسرح , عليه ان ينفصل عن النص وعن 
الكلام الخالص وعن الادب .. وبتحرره من النص ومن الاله / المؤلف ٠‏ يعاد الاخراج 
المسرحى الى حريته الخلاقة والمؤسسة " . ما يقوله دريدا ببساطة هو ان المؤلك 
المسرحى فى علاقته بالنص يشبه الاله فى علاقته بالعالم » كلاهما قادر على التحكم 
والتوجيه والممثلون ليسوا الا نواب يقومون بتمثيل فكرة الفنان / الخالق . ولابد تان 
يتحرر المسرح من النص ومن المؤلف / الاله حتى تصبح مسرحا حرا . 

وما يفعله دريدا هنا هو ان يغمر القارئ بفيض من الكلمات ليخلق حالة من 
السيولة؛ لا علاقة لها بالواقع ( انفصال حقيقى للدال عن المدلول ) او بما نعرفه عن 
هذا الواقع . فهو يقول مثلا :" ان المسرح يهيمن. عليه الكلام "؛ وهذا طبعا غير 
دقيق , فاى طالب مبتدئ يدرس فن المسرح يعرف ان النص المسرحى المكتوب 
مسألة اساسية فى المسرح الحديث » ولكنه يختلف عن الاداء المسرحى .ء فالاداء 
يتضمن عناصر اخرى لم يتضمنها النص الاصلى ( الاضاءة - الموسيقى - الملابس 
- حركات الممثلين ... الخ ) ومن هنا اهمية المخرج وهو غير المؤلف وقد يكون له 
رؤية مغايرة لرؤية المؤلف فيولدها من النص خلال عملية الاخراج ( الم يسمع 
دريدا عما يفعله بعض المخرجين بمسرحيات شكسبير ؟) كما ان المؤلف في علاقته 
بالنص قد يكون مجازا مثل الاله في علاقته بالعالم ؛ ولكن الصورة المجازية لها 
حدود لان الممثلين حينما يمثلون النص يعرفون انه مجرد تمثيل ٠‏ فالواقع يوجد 
خارجهم فهم ليسوا عبيدا يؤدون مخططات " السيد " الالهية ؛ لذا فهم ايضا 


338 


بمقدورهم اعادة تفسير النص . وان تحرر المسرح من النص (والمؤلف) تماما. 
فانه لن تعود للاخراج المسرحى حريته الخلاقة » اذ انه لن يكون هناك حاجة اساسا 
لاخراج مسرحى . وكما الغى دريدا الميتافيزيقا » يحاول هنا الغاء المسرح . ان كل 
مايفعله دريدا هو ان يحول ارتو الى تكنة يصدر من خلالها ماديته السائلة الجديدة . 
ولذا فهو يتدفق بالدوال التى لا مدلول لها فيقول :" الجسد بالنسبة لارتو قد سرق 
منه . سرقه الاخر : النص الواحد العظيم المتسلل , واسمه " الاله " مكانه هو 
فتحة صغيرة - فتحة الميلاد والتبرز - وهى الفتحة التى تشير اليها كل الصفحات 
الاخرى . وكانها تشير الى اصلها"(الم اقل لكم انه نمط متكرر ؟). 

وفى لغة غنوصية واضحة يقول :" ان تاريخ الاله الصائع هو تاريخ الجسد 
الذى طارد جسدى الذى ولد واسقط نفسه على جسدى » وولد من خلال تمزيق 
جسدى واحتفظ بقطعة منه حتى يتظاهر انه انا . فالاله هو , اذا علم على ما يحرمنا 
من طبيعتنا » من ميلادنا . ولذا فهو ( دائما ) يكون قد تحدث قبلنا بمكر "." وعلى 
اية حال فان الاله الصانع لا يخلق . فهو ليس الحياة وانما هو صانع الاعمال 
(بالفرنسيةاوفر و5ع010177) والمناورات (بالفرنسية : مان اوفر 01©5نا0 2213:) فهو 
اللص المحتال المزيف الزائف المغتصب عكس الفنان المبدع » الكائن الصائع كيان 
الصانع الشيطان ؛ انا الاله والاله هو الشيطان(... ) ان تاريخ الاله هو تاريخ 
البراز ". ما هذا اللعب الطفولى المقزز السمج ؟ ولكن دريدا لا يقف عن هذا الحد بل 
يتمادى في لعبه فياخذ كلمة " اسكاتولوجى بوع50126010©) وهى كلمة يونانية ( 
دخلت اللغات الاوربية وتعنى "' مختص بنهاية الايام") فيفسرها ويحولها الى " 
سكاتولوجى «ج50260-10) وكلمة " سكاتو 50960) تعنى الغائط او القذر " اذ انه 
يجب ان يكون للانسان عقل كى يمكنه ان يتبرز ". فبدلا من الاسكاتولوجى والتفكير 
فى نهاية الايام يغوص دريدا فى الصيرورة والسكاتولوجى ٠‏ فى اطار المادية 
القديمة لاايفكر الانسان فى نهاية الايام حتى يركز على الدنيا » اما فى اطار المادية 
الجديدة يدور التفكير فى السكاتولوجى ء فالكينونة فى عصر المادية الجديدة السائلة 
تاخذ هذا الشكل .( ويمكن ان اتى بامثلة اكثر درامية وقذارة من كتاب دريدا الكتابة 
والاختلاف حين يقارن كتاباته هو شخصيا بالبراز . ولكننى اشفق على القراء : 
خصوصا ذوى المعد الضعيفة) . كنت على وشك ان اذكره باقواله هذه اثناء حوارناء 


2339 


لاعرف رايه " الفلسفى " فى كل هذا » ولكن احتراما منى للسادة الحاضرين اثرت 
الا افعل . ولكن والحق يقال اجد نفسى الان نادما اشد الندم على فعلتى التى لم افعلها 
او لا فعلتى التى فعلتها ( ان اردنا ان نلعب بالدوال والمدلولات مثل دريدا ). 

ثمة شئ طفولى سخيف فى كتابات وفكر دريدا ٠‏ فاللعب الطفولى مقبول حينما 
نكون اطفالا » اما حينما نصبح رجالا ناضجين , فالامر يختلف . ان سخافة دريدا 
الواضحة تظهر فى تعليقه على اسمه » فقد ولد باسم جاكى ؛ وغيره الى جاك ؛ اى 
انه غيره دون ان يتخلص منه تماما . فاسمه الثانى الجديد يحمل " اثر" اسمه 
الاول » فالاول هو الثانى ٠‏ تماما كما ان الثانى هو الاول ؛ وكيف كان ذلك ؟ يجيب 
دريدا على ذلك بقوله :" الاسم اشبه بعلامة الختان ؛ اشارة متاتية من الاخرين 
وننصاع لها بسلبية كاملة » ولا يمكنها ان تفارق الجسد". ولكن الاسم قد يكون مثل 
الختان في بعض الاوجه ٠‏ ولكنه ليس مثله في كل الاوجه / ومع هذا يمكن تشبيه 
الواحد بالاخر دون ان يكون هناك تطابق بينهما » وهذه هى طبيعة المجاز ولذا اذا 
قلت " حبيبتى مثل وردة حمراء نبتت في شهر مايو '", لا يمكن ان اقول " الوردة 
لها اشواك ٠‏ وشهر مايو ( في مصر على الاقل) تهب فيه زوابع ترابية". فالسياق 
يحدد المطلوب تأكيدها وتلك التى تهمش ويتم تناسيها . ولذا فاننا لا ندفع بالمجاز 
الى نهايته المنطقية المتوحشة . هذا ما يعرفه اى طفل ؛ وهذا ما يعرفه دريدا'ء 
ولكنه يتجاهل طبيعة المجاز لافساد اللغة . 

يمكن للانسان ببساطة شديدة ان يغير اسمه (اما الختان فيصعب العودة عنه) 
وفى كثير من القبائل البسيطة لا يعطى الانسان اسما الا بعد ان يقوم بعمل جليل (كان 
يصيد اسد او يهزم قبيلة مغيرة) فيسمى باسم يعبر عما قام به من عمل . فيسمى 
على سبيل المثال ٠‏ صاند الاسود " او " حامى الحمى " . وعندنا شئ مماثل فيما 
يسمى اسم الشهرة » وهو عادة مرتبط بمناسبة ما . وفى الدولة الصهيونية » هناك 
قانون يلزم اعضاء النخبة بتغيير اسمائهم من اسماء اجنبية الى اسماء عبرية ( 
وهكذا اصبح ديفيد جرين ديفيد بن جوريونء اى " ابن الشبل ") وكثير من الممثلين 
يغيرون اسماءهم . فالان كوينجسبرج يصبح وودى الين » " وعيوشة المرووشة " 
تصبح " لولو اللذيذة " » فمن الصعب ان يلتف المعجبون حول " عيوشنة 
المرووشة " هذه اما " لولو اللذيذة " فالاعلانات السيراميك والملايين فى 


3140 


انتظارهاء وسبحان مقسم الارزاق . المهم يمكن تغيير الاسم ؛ بل يبدو انه يمكن 
اخفاء اثار عملية الختان ( من خلال عملية تجميل جراحية ) ففى العضر الهيلينى » 
كانت نساء الاغنياء يضحكن على رجال اليهود حيئما كانوا يرتادون حلبة المصارعة 
( وكانوا احيانا يتصارعون عرايا ) او يضاجعون نساء الهوى . ان الاسم اشارة قد 
تشبه عملية الختان » ولكنه غير مرتبط عضويا وحتما به . لان الاسم ظاهرة 
حضارية انسانية » تماما مثل اللغة فالاسم عبارة دالا ليس منفصلا تماما عن المدلول 
ولا ملتحما به تمام الالتحام وانما ثمة علاقة اتصال وانفصال . 

يتجاهل دريدا كل هذه الحقائق ويتحدث بمرارة ماساوية مضحكة طبيعة 
المجاز , متجاهلا ان الاسم ليس مثل الختان ٠‏ وان المرارة لاداعى لها ء وان كونته 
جاكى ليس وضعا مأساويا مريرا كما يحاول ان يشعرنا ( ويمكنه ‏ ان شاء - ان 
يغير اسمه الى جورج او حتى جاكلين » وهو امر مسموح به فى الغرب الان » 
فالدوال تتراقص والالعاب اللغوية اصبحت مسألة مقبولة فى كتب الفلسفة وفى جزء 
كبير من الواقع . ولكنها غير مقبولة على الاطلاق حينما ينصرف الامر الى صفقات 
السلاح وعمليات تجويع الشعوب والامور الاستراتيجية الكبرى " ولكنه يبدو انه 
يدرك العالم من خلال صورة مجازية مادية واحدة وهى الجسد , فالاسم ‏ بالنسبة له 
- ظاهرة جسدية مادية ٠‏ تماما مثل اللغة ٠‏ وكلا من الجسد واللغة لا يختلفان فى 
بنيتهما عن المادة ٠‏ فكل واحد فيهما مرجعية ذاته » ملتف حولها . اذ لا يوجد مركز 
مفارق فى حالتهما , ولذا لابد ان يلتحم الدال مع المدلول ويتعانقان . فان اكتشفنا 
عكس ذلك وادركنا ان الاسم ظاهرة انسانية حضارية » خاضعة للارادة الانسانية » 
وليس مثل الجسد ظاهرة طبيعية / مادية » ان اكتشفنا وادركنا ذلك تغضب مثل 
الاطفال ونحزن ونعلن انه لا توجد اى علاقة بين الدال والمدلول , دون ان نبحث عن 
المقولة الوسط التى تشاكل الوضع الانسانى » . 

مصطلحات الثبات : 1 

ومع هذا فلنحاول ان نتجاوز صعوبة ( او انزلاقية ) خطابه المتعمدة التى لا 
ضرورة لها وان نتدارس سويا بعض المصطلحات الاساسية فى معجمه . لحسن 
الحظ يوجد الان فى اللغة العربية عدة معاجم نقدية للمصطلحات الادبية الغربية , لا 
تكتفى بنقل المصطلحات والمفاهيم الغربية وانما تقدم رؤية نقدية » وهى بذلك تعمق 


341 


من رؤيتنا لها » على عكس التراجم والمعاجم التى تجعل همها نقل اراء الاخر بدقة 
بالغة وحسب . ومن هذه المعاجم : دليل الناقه الادبى للدكتورين سعد البازعى 
وميجبان الرويلى ( العبيكان بالرياض . المملكة العربية السعودية 1١552‏ ) 
والمصطلحات الادبية الحديثة : دراسة ومعجم انجليزى- عربى للدكتور محمد عنانى 
(الشركة المصرية العالمية للنشر- لونجمان: القاهرة ‏ جمهورية مصر العربية 
7) ورغم الاسهام اللفظى الذى يسم خطاب دريدا الا انه يمكن ببساطة تقسيم 
مصطلحاته الى قسمين: مصطلحات الثبات والمركز(الحضور التمركز حول 
الوجوس- التمركز حول المنطوق ... الخ) ومصطلحات: الانزلاق 
والتفكيك(الاخترجلاف - النصوصية- الهوة . الخ) وبنية فكر دريداء شانها شأن بنية 
فكر نيتشه تتجه نحو البرهنة على ان الثبات وهم وان السيولة هى "الحقيقة" 
الوحيدة. | 

واهم مصطلحات الثبات عند دريدا هو " الحضور " ( بالفرنسية : بريزائسى 
ععءعوع2:©) وهو مصطلج مرادف لكلمات اخرى فى الفلسفة الغربية مثل " 
اللوجوس " (اللوجوس فى القبالاه ( التراث الصوفى الحلولى ) اسم الاله الاعظم - 
اكبر تركيز للحضور الالهى ) و " عالم المثل " و " الكليات الثابتة المتجاوزة " . 
وقد ذكر دريدا نفسه بعض المرادفات الاخرى ٠‏ مثل : "الجوهر" و "الحقيقة" و 
"الوجود" و " الفغرض " وعرفه بانه الاساس الصلب الثابت لاى نسق فلسفى . و 
"الحضور" مقولة اولية قبلية توجد فى البدء قبل تفاعل الذات مع الموضوع » وهو 
مكتف بذاته لا يستند وجوده ( حضوره ) الى شئ الانفسه , فهو الاساس الذى لا 
يحيل الى شئ خارجه ٠‏ وهو الاصل الذى يستند اليه كل شئ , وهو مصدر الوحدة 
والتناسق والمعنى فى الظواهر . وهو لا يتجاوز الانسان وواقعه المحسوس ٠‏ 
ويتجاوز التفاصيل الحسية ويهرب من قبضة الصيرورة . 

ومصطلح الثبات الاخر هو " التمركز حول اللوجوس " ( بالانجليزية : 
اللوجوسنتريستى 2-26141110ع1,0) ويذهب دريدا الى انه لا يوجد فكر انسائى 
بدون اساس ثابت خارج عنه » بدون لوجوس ولذا فالفكر المتمركز حول اللوجبوس 
فكر ملوث بالميتافيزيقا يدعى لنفسه العالمية والشمول. 


3042 


واخير هناك مصطلح " فونوسنتريستى '217161عع-11070) والذى نترجمه 
ب" التمركز حول المنطوق ". ويرى دريدا ان التراث الفكرى للحضارة الغربية يقومْ 
على ثنانية المنطوق / المكتوب » وان المنطوق - حسب التصور الغربى - له اولوية 
واسبقية على المكتوب ٠‏ اى ان اللغة المنطوقة فى مرتبة اعلى من اللغة المكتوبة 
بحيث يمكن اعتبار اللغة المكتوبة تابعة للغة المنطوقة , فالكلام المنطوق يفترض ان 
فحوى الكلمات موجؤد بشكل مباشر فى وعى الناطق ٠‏ وهو ما يعنى ان المعنى له 
اسبقية على الكلام وانه منفصل عن النظام الدلالى » وانه قد هرب من الصيرورة 
المتمثلة فى رقص الدوال ٠‏ اللغة ان هى الا اداة ( المعنى فى بطن الشاعر قبل ان 
يتحول الى قصيدة ) . والشخص الحى الناطق بالكلمات هنا هو الوسيط بين المعنى 
الذى فى عقله واللغة التى ينطقها . 

ان الكلام المنطوق تنطق به ذات انسانية متماسكة تتحدث عن افكار مستقرة 
فى الذهن , فكان هناك ذاتا مستقرة وموضوعا مستقرا . والمنطوق ٠‏ بذلك يشير الى 
الاصل ( الحضور واللوجوس ) بشكل مباشر وبدون وساطة » فهو اقرب اليه (من 
المكتوب ) واكثر شفافية . وهذا يعود الى ان كاتب الكلام المكتوب غائب بعيد ؛ لا 
يتفاعل مع المتلقين بشكل مباشر , والنص المكتوب ( على عكس الكلام ) تعبير غير 
مباشر لانه يصل الى الملتقى من خلال القلم والمطبعة والاوراق : فاذا لم يفهم 
المتلقى ما جاء فيه , لا يمكنه الاستفسار عن معناه من الكاتب؛ فالنص المكدوب 
منفصل عن كاتبه » كتب على الورق واصبح نصا يمكن تداوله واعادة طبعه 
وتفسيره ‏ ويمكن استخدامه بطرق لايمكن ان تخطر على بال الانسان الذى كتبه . 
ولذا فاى تفضيل للمنطوق على المكتوب - من منظور دريدا - هو تعبير عن " 
التمركز حول اللوجوس " وعن " الميتافيزيقا المتعالية المرتبطة بذلك " . وعن 
الرغبة فى الوصول الى ( او على الاقل الاقتراب من ) الحضور والمدلول المتجاون . 

مصطلحات السيولة : 

فى مقابل مصطلحات الثبات هذه يطرح دريدا مجموعة من مصطلحات 
الحركة والسيولة من اهمها مفهوم " الاخترجلاف " ( ترجمتنا لكلمة " لاديفيرائنس 
©2113 )) التى صكها دريدا وهى تفيد معني "الاختلاف" و "الارجاء"). 


3043 


فالمعنى - حسب تصور دريدا - يتولد من خلال اختلاف دال عن اخر , فكل دال متميز 
عن الدوال الاخرى . ومع هذا فثمة ترابط واتصال بين الدوال الواحد والاخر ( وليس 
بين الدوال والمدلولات ) » فكل دال يتحدد معناه داخل شبكة العلاقات مع الدوال 
الاخرىء, لكن معنى كل دال لا يوجد بشكل كامل فى اية لحظة ( فهو غائب رغم 
حضوره ) اذ ان كل دال مرتبط بمعنى الدال الذى جاء قبله والذى جاء بعده'. 
ووجوده نفسه يستند الى اختلافه . ويضرب التفكيكيون مثلا بالبحث عن معنى كلمة 
فى القاموس فان اردت ان تعرف معنى كلمة '"'قطة" فسيتحدد معناها من خلال 
اختلافها مع كلمتى " نطة " " وبطة " كما ان القاموس سيخبرنا ان " القطة 
حيوان " مما يحيلنا الى كلمة " حيوان " لنعرف معناها » وهناك سنعرف انه " 
كائن ذو اربعة ارجل " التى تحيلنا الى كلمتى " كائن " و " ارجل " اى ان عملية 
الاحالة عملية دائرية لا تنتهى ء اى ان دائرة الهرمنيوطيقا هنا دائرة مفرغة لا 
تؤدى الى نهاية او معنى فكل تفسير يؤدى الى تفسير اخر . وهذا يعنى ان مدلول اى 
دال معلق ومؤجل الى ما لاانهاية » وهو ما يؤدى الى انفصال الدال عن المدلول 
(لسقوطه فى شبكة الاخترجلاف) والى استحالة الوصول الى المعنى والحقيقة والى 
لعب الدوال اللامتناهى ( ولا يمكن ان يوقف هذه العملية سوى المدلول المتجاوز » 
اى الاله او المركز الثابت الذى يقف خارج شبكة لعب الدوال ) . ا 

والاخترجلاف هو القوة الكامنة فى اللغة الدافعة لها والمقوضة للدلالة فى 
ذات الوقت . ويبين دريدا ان معنى الكلمة ( دلالتها ) ليس كامنا فيها » فهى لا جوهر 
لها . وانما يتحدد من خلال الاخترجلاف , اى ان مدلول كل كلمة يتحدد من خلال 
غياب المدلولات الاخرى ٠‏ فحضور الدال وارتباطه بمدلوله هو غياب الدوال 
والمدلولات الاخرى . ولكن , رغم غياب الدوال الاخسرى » فان الدال الحاضر 
يستدعيها عن غير وعى . ولذا ١‏ فاننى حينما افكر فى الدال الماثل امامى واركز 
عليه . افكر عن غير وعى فى الدوال الاخرى . وكل دال يحتوى على اثر ( 
بالانجليزية : تريس ع6ع152) من الدوال التى يختلف عنها سواء وردت قبله ام 
وردت بعده . ومعنى الدال عنه دائما » وليس له حضور كامل قط . فهو جزء من 
شبكة العلاقات الدلالية ( غائب / حاضر ) . ومن خلال عملية الاخترجلاف عبر 
السنين؛ يحدث تراكم للاشار ؛ الاثر تلو الاخر ., ويبدو هذا التراكم وكأنه المعنى 


344 


الثابت والمستقر للكلمات » ولكنه فى واقع الامر ليس كذلك » فهو مجرد وهو : 
مجرد " اثر " (وهذا المصطلح من اهم مصطلحات السيولة عند دريدا ).. 

والنتيجة ان اللغة - حسب تصور دريدا - ليست طاهرة تماما. ذلك لان كل 
كلمة تحتوى اثرا من الكلمات السابقة وتترك اثرا فى الكلمات اللاحقة , ولذا يفيض 
المعنى عن ارادة الكاتب وعن حدود النص , وبذا يحل الاثر محل الحضور وينمحى 
الاصل تماما اذ لا يبقى من الاصل سوى الاثر . فالاثر هو الاصل الذى لم يبدأ شينا 
فهو اصل بلا اصل » ومن ثم فان الانسان يجد نفسه بلا اصل ربانى او مادى ولا 
يبقى امامه سوى الصيرورة الثابتة والنسبية المطلقة . 

وكل هذا يؤدى الى ما يسميه دريدا " تناثر المغنى " وهى ترجمتنا لكسة 
"ديسمينيش 0155601320108" التى يستخدمها دريدا فى مقام كلمة " دلالة " 
والكلمة من فعل "ديسمينيت 01556221239146" بمعنى " يبيث "او ينشر 
الحبوب". والمعروزف ان احد مقاطع الكلمة " سيمين 567068" تعتى "بذر" او 
"سائل المنى" .؟ والمعنى المباشر للكلمة عند دريدا هو " ينثرالمعنى " يحت 
فان للكلمة عدة مستويات : 

-١‏ معنى النص منتشر ومبعثر فيه كبذور تند تنثر فى كل الاتجاهات , ومن ثم لا 
يمكن الامساك به : تشتيت المعنى : لعب حر لامتناه لاكبر عدد ممكن من المعانى . 

"- تأخذ الكلمة " وكأن لها دلالة دون ان تكون لها دلالة " اى انها تحدث اثر 
الدلالة وحسب . 

"- نفى المعنى . 

ويطرح دريدا مفهوم " ابوريا 00:12 2) وهى كلمة يونانية تعنى " الهوة 
التى لا قرار لها " . والهوة ( ابوريا ) عكس الحضور الكامل او الاساس الدّى 
نطمنن اليه . او على وجه الدقة هى ما يتجاوز ثنانية الحضور والغياب . واذا كان 
الحضور هو الحقيقة والثبات والتجاوز والعلاقة بين الدال والمدلول . فالهوة هى 
الصيرورة الكاملة التى لايفلت من قبضتها شئ فهى دليل على ان الواقع متغير 
بشكل دانم . ولاهرب من التغير » فحتى التغير نفسه ( شكله ‏ طريقته - نمطه ) 
متغير . والهوة دليل على ان اللغة قوة لا يمكن التحكم فيها وان الدال منفصل عن 


5345 


المدلول . ان الهوة هى احد اسماء المطلق / النسبى فى الخطاب التفكيكى . وقد 
وصفها دريدا بانها المحدد غير المحدد ؛ والمتناهى غير المتناهى:؛ والحضور / 

. والهوة ( ابوريا ) مرتبطة تماما بفقدان الحدود والمسنولية والهوية » فهى 
تشير الى عالم لا يوجد فيه اى ثبات ولا يوجد فيه اى توق لثبات . ولن تكون هناك 
عودة للميتافيزيقا او للتمركز حول اللوجوس ., ولا حتى ما هو خلف الميتافيزيقا ( 
ميتا فيزيقا ) فهو دائما بقاء فى براءة الصيرورة فى عالم من الاشارات بلا خطا ولا 
يمكنها ان تخطئ لانها تشير الى اية حقيقة . فالاشارات بلا اصل ( وهذا يعنى فى 
الخطاب التفكيكى , انها غارقة عالم الصيرورة المادى السائل ) فهو عالم " تصاحبه 
ضحكة ما " و " رقصة ما " ....تاكيد فرح للعب العالم ونسيان نشيط للوجود " ( 
نتيشه فى اصل الاخلاق ) فهو لعب بلا امن ؛ لعبة الصدفة المطلقة حيث يستسلم 
الانسان الى اللامحدود ١‏ فالمستقبل غير مغلق وهو خطر كامل . والهوة هى النقطة 
التى تنفصل فيها سلسلة الدلالات عن سلسلة المدلوللات ٠‏ ويبدا انزلاق الدوال وتبدأ 
عملية الاخترجلاف وتراكم الاثر وتناثر المعنى . 

النص والتناص : 

ورغم انكار دريدا المتكرر لوجود اى ثنانيات فى خطابه وزعمه انه تجاوزها 
فثمة ثنائيات كثيرة مثل ثنائيات الثبات والحركة ٠‏ والصلابة والسيولة » تجرى فى 
معجمه جريان التيار الكهربائى القوى الخفى فى سلوك اى الة . واحدى هذه 
الثنائيات هى ثنائيات العمل والنص( بالانجليزية : وورك اند تكست 220 17/0:212 
26 . والعمل هو النص الذى له حدود ومعنى ومركز ( فهو ملوث بالميتافيزيقا) 
ويتسم بانه متماسك ويشير الى صانعه الاول وينطوى على معنى الغانية » وهو بهذا 
قد افلت من قبضة الصيرورة وحقق ثباتا وتماسكا ومن ثم تجاوزا . 

اما النص فهو لا حدود له ولا مركز , غارق تماما فى عالم الصيرورة ( فهو 
متطهر تماما من الميتافيزيقا ) بل ان النص نفسه يشبه دوامة الصيرورة . فالنص 
متعدد المعانى بشكل مطلق لانه يستحيل الاتفاق على معنى او معيار متجاوز . ولذا 
فان هناك معانى بعدد القراء » فهو مجرد مجال عشوائى للعب الدوال ورقصها 


346 


والشفرات المتداخلة » فالمعانى التى يتوصل لها القراء لا يربطها مركز واحاد 
وليست مستقرة » الى ان يتبدد المعنى ويصبح البحث عنه نوعا من العبث النقدى ‏ 
ويؤدى هذا الى حالة من السيولة والى اخفاء الحقيقة وتعدد المعانى . 

وتذهب سوزان هاندلمان الى ان التعددية عند دريدا هى محاولة لنقل الشرك 
الى عالم الكتابة . بحيث يحل تعدد المعنى محل تعدد الالهة » وتصبح تعددية المعنى 
انكارا للمعنى وانكارا للتواصل بين البشر , اى ان تعددية المعنى ليست تعبيرا عن 
ثراء الواقع الانسانى وتعدد جوانبه وانما هى فى واقع الامر اطلاق حالة من التعددية 
المفرطة السائلة المنزلقة التى تقوض المدلول المتجاوز ( الاله - اللوجؤس ) الذى 
يمنح الواقع تماسكه ومعناه ومن ثم فهى تقوض الاساس الذى يبنى عليه الانسان 
انسانيته ( اللغة - الذاكرة التاريخية - النظم الاجتماعية ) .؟ ان التعددية هنا لاتؤدى 
الى انكار وجود الاله وانما تؤدى ايضا الى انكار وجود الانسان ككيان ثابت مستقل 
فى عالم الطبيعة المادية السائلة . فالحاد دريدا جذرئ حقيقى ٠‏ فهو ليس كافر باله 
وانما هو كافر ايضا بالانسان وباى ثوابت. ش 

وكلما ازدادت تعددية النص ء تعذر بل استحال الوصول الى " اصل " ء 
سواء اكان صوت المؤلف ام مضمونا يحاكى الواقع ام حقيقة فلسفية . وان كانت 
هناك حقيقة ما » فهى فى داخل النص وليست خارجه ولا يوجد شئ خارج النص " 
(على حد تعبير دريدا) . ولكن اذا كان لاايوجد خارج للنص » فلا داخل له ايضا » 
فليس هناك مضمون محدد ( وهذا تعبير عن محاولة الغاء الثنائية : ثنائية الداخل 
والخارج ) . والنص من هذه الناحية يشبه المجتمع الاستهلاكى ؛ فنحمن ننتج 
لنستهلك ونستهلك لننتج ٠‏ ولا يوجد شئ خارج حلقة الانتاج والاستهلاك ولايوجد 
شئ داخلها ايضا ء فهى لا تؤدى الى تحقق امكانيات الانسان وانما تؤدى الى مزيد 
من الاستهلاك . ش 

لا يوجد شئ اكيد فى النص سوى الحيز والفراغات بين الحروف المكتوية 
بالحبر » فالنص اسود على ابيض ( بالانجليزية : بلاك اون بلانك 1ه عل 8513 
121) مجرد حبر على ورق : شئ محسوس مادى : علامات بين اشارات صماء 
بينها فراغات صماء لااتشير الى شئ خارج نفسها ولكنها لا حدود لها . فلعبي 


347 


الدلالات لا نهاية له ولا يتوقف الا بشكل عشوائى وعرضى .ء عند هامش الصفحة او 
فى نهايتها مثلا . 

واذا كان الاخترجلاف هو العنصر الاساسى داخل النص , فان التناص هو 
العنصر الاساسى خارجه ؛ فالمعنى داخل النص يسقط فى شبكة الصيرورة من خلال 
الاخترجلاف . ويسقط النص ككل فى نفس الشبكة من خلال التناص . فالتناص هو 
الاخترجلاف على مستوى النصوص . فكل نص يقف بين نصين , واحد قبله وواند 
بعده » وهو يفقد حدوده فيما قبله وفيما بعده » وفى كل النصوص الاخرى التى تركت 
اثارها على النصوص التى تسبقه وعلى النصوص التى تأتى بعده » فكل نص هو اثر 
او صدى لكل النصوص الاخرى اى ان النص ليس له هوية محددة واضحة » فهو 
مجرد وقع او صدى . والنص يفيض ويلتحم بالنصوص الاخرى ( تماما كما تفيض 
اللغة داخل النص بفائض فى المعنى لا يستوعب داخل حود النص نفسه . تماما مثل 
الذات التى تفقد تماسكها فتلتحم بالذوات الاخرى ) . كل هذا يعنى ان النص يوجد فى 
كل النصوص الاخرى من خلال اثاره التى يتركها ولكنه لا يوجد بشكل كامل فى اى 
مكان » فهو حاضر غائب دائما ٠‏ ان حالة التناص هذه حالة سيولة كاملة . 

ولكن حتى الناقد نفسه يقع اسير النص اللغوى وشبكة الدلالات ٠‏ ولذا فهو 
حينما يتحدث فانه يتحدث لنفسه عن نفسه ء ذلك لان الكلمات لا تقول ما يعنيه هو 
وانما ما تعنيه هى , فكلماته واقعة فى شبكة الصيرورة ولعب الدلالات.. ولذا فكل 
قراءة هى اساءة قراءة ( بالانجليزية : ميسريدنج ع12115:22012) وهذه هسى 
القراءة الوحيدة الممكنة فاللفة لا توصل وكلنا واقعون فى شبكة الصيرورة , لا نملك 
التواصل ولا نستطيع الا اللعب واساءة القراءة وسوء التفسير . 

وأفضل النصوص هى النصوص المكتوبة ( لا المنطوقة ) فالنص المكتوب 
ينفصل عن مبدعه ولذا لاايمكن اغلاقه ٠‏ ويستطيع الناقد ان يتلقاه ويفرض ارادته 
عليه ويقوم بربط بعض اجزائه التى لم يقم المؤلف نفسه بالربط بينها ( اى ان 
القارئ يصبح هو الكاتب) . وهو يرى علامات غير مقصودة واصداء واثارا 
للنص وص الاخرى . وهك ذا نجح التفكيك ( بالانجليزية : دى 
كونستر اكش ن46201154014101) فى اسقاط حجية النصوص .ء اى نصوص ( 


348 


بالانجليزية : دى تكستواليزشن 016146<1121151082) ومع سقوط النصوص تسقط 
الذاكرة التاريخية والوعى الانسانى اى يسقط الانسان ككائن متميز عن الكائنات 
الاخرى . 

التفكيك والتقويض : 

كل هذا يوصلنا للفعل التفكيكى الاكبر " ذى كونستراكت )10:غ2 نامع06'”* ( 
وهو من الافعال التى تبدأ بمقطع 06) وقد ترجمها الدكتور سعد البازغى وميجان 
الرويلى فى دليل الناقد الادبى بالتقويضية , كما يمكن ترجمتها بالانزلاقية ( وذلك ان 
اردنا ترجمة المفهوم الكامن وراء الكلمة لا الكلمة ذاتها » وهذه اشكالية حقيقية 
تواجه المترجم العربى من اللغات الاوربية » حيث يبتدى من خلال المفرادات نموذجا 
حضاريا متكاملا تعجز الترجمة الحرفية عن نقله » بل انها تطمس معالمه احياننا 
وتفصل المصطلح عن النموذج الحضارى الكامن وراءه ) . ش 

ويدعى دريدا ان التفكيك ليس عدميا ولااتقويضيا مع انه هو نفسه يتحدث 
عن اجهاد اللغة الذى سيؤدى الى موت الكلام وحضارة الكتاب . وقد عرف هو ذاته 
التفكيكية بانها " تهاجم الصرح الداخلى ٠‏ سواء الشكلى او المعنوى » لنوحدات 
الاساسية للتفكير الفلسفى . بل وتهاجم ظروف الممارسة الخارجية اى الاشكال 
التاريخية للنسق التربوى لهذا الصرح والبنيات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية 
لتلك المؤسسة التربوية " . وحيث انه لا يذكر بديلا لكل هذه المؤسسات » فان ما 
يهدف اليه تقويض وهدم حتى لو سماه هو " تفكيك " حتى لو ادعى انه ليس عدميا 
او تقويضيا . 

وكلمة " تفكيك " فى تصورنا مرادفة لمصطلح " ما بعد انحداثة " او على 
الاقل تنوسع عليمها ( على الرغم من ان دريدا انكر ذلك فى حواره مع المثقفين 
المصريين فى القاهرة ) ففكر ما بعد الحداثة فكر تقويضى معاد للعقلانية والمركزية 
والثبات ويحاول ان يظل غارقا فى الصيرورة » فهو تعبير متبلور عن المادية 
الجديدةالسائلة » شانه فى هذا شأن التفكيكية . 

وتصدر ما بعد الحداثة عن الايمان بان اى نظام فلسفى او دينى يستند الى 
نقطة بدء ثابته متجاوزة ( اساس - اصل ) وهذا الايمان بالاصل الثابت المتجاوزن:( 


3049 


الاله او الكل المادى المتجاوز ) الذى يعلو على لعب الدوال وصيرورة المادة - فى 
تصور دعاة ما بعد الحداثة - يتناقض تماما مع الواقع المادى الذى يعيش فيه 
الانسان وصيرورته الدائمة ٠‏ فالمادية الحقة ضد الثبات وتؤمن بان العالم بلا اصل . 
كما يرى انصار ما بعد الحداثة ان اللغة ليست اذاة جيدة للتواصل , فثمة انفصال بين 
الدل والمدلول يؤدى الى لعب الدوال المستقل عن ارادة المتكلم . فالانسأن لا يتحكم 
فى اللغة بل ان اللغة هى التى تتحكم فيه فاللغة تشبه المرأة اللعوب التى توهم 
المتحدث / الذكر , الذى يريد ان يطوعها بانها تطيع امره » ولكنها فى واقع الامر 
تفعل عكس ما يريد تماما . وهذه الافكار هى ذاتها البنية التحتية الفكرية التفكيكية . 
لكل هذا يمكن القول بان الرؤية الفلسفية هى "ما بعد الحداشة". اما " التفكيكية" 
فهى منهجا فى تفكيك النصوص واظهار التناقض الاساسى الكامن فيها. ‏ . 

تحاول التفكيكية / تقويض النص بان تبحث داخله عما لم يقله بشكل صريح 
واضح ( وهو ما يشار اليه الان بالعربية بعبارة " المسكوت عنه " ) وهى تعارض 
منطق النص الواضح المعلن وادعاءاته الظاهرة , بالمنطق الكامن فى النص ذاته » 
كما انها تبحث عن النقطة التى يتجاوز فيها النص القوانين والمعايير التى وضعها 
لنفسه . فهى عملية تعرية للنص ( بالانجليزية : دى نيود 360006) فعل اخز 
يضاف لترسانة الافعال التفكيكية ) وكشف او هتك لكل اسراره ( بالانجليزية : دى 
مستفاى 061139:5149) وتقطيع لاوصاله وصولا الى اساسه الذى يستند اليه . 
ويرى التفكيكيون انه يوجد داخل كل نص يدعى لنفسه الثبات تنتقض لا يمكن 
حسمه. بين ظاهره الشابت المتجاوز للصيرورة ٠‏ وباطنه الواقنع فى قبضة 
الصيرورة؛ فكل نص يحتوى على افكار متسقة بشكل ظاهرى , ولكنها متعارضة 
بشكل فعلى . ولكن علاقة النص بالواقع لاتختلف عن علاقة الدال بالمدلول » اى 
انها علاقة واهية للغاية » لان النص فى واقع الامر يستند الى ذاته ولا يشير الى شئ 
خارجه وانما يشير الى ذاته . وقد جعل التفكيكيون هسهم تفكيك كشير من الافكار 
الاصولية ( الدينية والمادية ) وتوضيح استحالتها والتناقض الاساسى الكامن 
داخلهاء بحيث يظهر ان اللوجوس ( المدلول المتجاوز - المركز ) الذى يستند اليه 
اى نص او ظاهرة والذى يوقف لعب الدوال ٠‏ يحتوى على تناقضات اساسية لا يمكن 
حسمها ومن شم تسقط عنه قداسته وثباته ومركزيته فيسقط فى قبضة النسبية 


2330 


والصيرورة . كما تحاول القراءة التفكيكية للنتصوص ان تبين ان التناقضات الكامنة 
داخل نص ما ثنانيات متعارضة بشكل لا يمكن حسمه ( من خلال العودة الى نقطة 
الاصل الثابت ) وهى ايضا ثنائيات متداخلة متشابكة » ومن شم تسود حالة من 
الانزلاقية واللعب ويتهدم اى ترتيب هرمى او اى تنسيق للواقع . 1 

وحينما يصل النص الى طريق مسدود وتظهر الهوة الموجودة داخله ( 
العنصر الذى يهرب من قبضة كل النظم المعرفية ) عندنذ يظهر عدم تماسك النص 
وانعدام اتساقه الداخلى فيتعثر المعنى الظاهر ويتناثر , بعد ان كان متماسكا وله 
مركزه الواضح ء وتنزلق الدلالة من عالم ترابط الدال والمدلول الى عالم من اللا 
تحدد وانفصال الدال عن المدلول . 

وتتم عملية التفكيك على مرحلتين : يقوم الكاتب بالتعمق فى النص حتى يصل 
الى الافتراضات الكامنة فيه والى المنظومات القيمية والمعرفية التى يستند اليها ٠‏ 
والى افتراضاته الاصولية واساسه الميتافيزيقى الكامن . اما المرحلة الثانية » فهى 
حين: يبدأ الناقد فى اكتشاف عنصر ممالئ فى النص ( تفصيلات هامشية - 
مصطلحات غير هامة متكررة - اشارات عابرة ) فيأخذ الناقد التفكيكى » وؤيظل يعمق 
فيها ويحملها بالمعانى حتى يبين احتواء الكل الثابت المتجاوز على تفاصيل تقويض 
من كليته وثباته وتجاوزه » وحتى يبين مدى اشتراك الثنانيات فى السمات رغم 
اختلافها ‏ فهما ليسا متعارضان بما فيه الكفاية وبذلك يتداخل قطبا الثنائنية وتختدط 
حدودهما . . 

ويضرب الناقد الماركسى تيرى ايجلتون مثلا على التحليل التفكيكى . تذهب 
المجتمعات الذكورية ( المتمركزة حول الذكر ) الى ان الرجل هو الاصل الشابت ( 
المبدأ الاول - اللوجوس ) والمرأة هى العكس . هذه هى ثنائيات الاولية التى نظن 
انها تتسم بالصلابة والتحدد . ولكن المرأة فى واقع الامرء هى الاصل الاخر 
المسكوت عنه. والمراة عكس الرجل » ولذا يمكن ان يشار اليها على انها "الرجل 
الاخر" فهى ليست برجل وانما هى رجل معيب ناقص (حسب تصور المجتمعات 
الذكورية) . ولكن الرجل عن طريق استبعاد عكسه واخفائه وعن طريق تعريف ذاته 
الرجولية كنقيض للمرأة » فكل وجوده وهويته مرتبط تماما بمحاولته تأكيد وجوده 


آذ 


المستقل عن المراة وحدوده التى تفصله عنها فهو يعرف ذاته فى مواجهة المرأة ٠‏ 
والمراة على علاقة قوية به باعتبارها صورته العكسية . انها صورة ما ليس بهو ٠.‏ 
وهى تعبير عن غيابه الذى يخاف منه . فهو يريد تاكيد حضوره الكامل . ولكنها 
تصبح بذلك عنصرا اساسيا فى تذكيره بذاته ٠‏ فحضوره مرتبط بغيابها . ولذا فان 
الرجل يحتاج لهذا الاخر حتى حينما ينبذه » ومضطر ان يعطى هوية ايجابية لما 
يعتبره لاشئ فكيانه معتمد عليها بشكل طفيلى ويتوقف وجوده على استبعادها . 
وهو يستبعدها لانها قد لا تكون هذا " الاخر " على اية حال فلعلها اشارة على شئ 
فى الرجل ذاته شئ يود ان يكبته ويستبعده خارج وجوده وخارج حدوده . فلعل ما 
هو خارج الرجل يوجد داخله ٠‏ ومنا هو غريب قريب . لكل هذا » يجد الرجل انه فى 
حاجة ماسة الى ان يحرس الحدود المطلقة التى تفصل بين عالمه وعالم المرأة وهو 
يفعل ذلك بكل ما اوتى من قو بسبب خوفه من ان تحطم هذه الحدود مسألة ممكنة 
ومحتملة . فالحدود ليست مطلقة كما قد يبدو لاول وهلة . 

ولغو الحديث (هذا ) يستند الى افتراض حالتين مستحيلتين : 

-١‏ حالة من الذكورة الكاملة المنفصلة تماما عن الانوثة » من جهة » ومن 
جهة اخرى حالة من الانوثة الكاملة المنفصلة تماما عن الذكورة » اذ توجد حدود 
صارمة تفصل بينهما . 

1 حالة اخرى من السيولة الكاملة حيث لا يوجد اى فرق بين الذكر والانشى 
ولاتوجد اى حدود تفصل بينهما . 

هذا يعنى إن الحدود بين الرجل والمرأة اما ان تكون حدودا مطلقة او لا تكون 
على الاطلاق . فاذا كانت الحدود مطلقة ؛ فهى حالة صراع بين الذكر والانشى 
وتربص كامل وثنانية متعارضة صلبة . واذا كان لا توجد حدود » فهى حالة ذوبان 
كامل وفقدان للهوية . (ثمة تشابه بنيوى بين هذا الموقف والموقف الغربى العلمانى 
الحديث من الطبيعة / المادة : اما علاقة غزو وسيطرة وتسخير » او علاقة قبول 
واذعان قوانينها وحتمياتها » دون بحث عن المقولة الوسط :/ التوازن بين الانسان 
والطبيعة الذى لا يترجم نفسه الى التحام او انفصال كامل ؛ وانما الى مسافة تفصل 
بينهما ٠‏ ولكنها ليست هوه ؛ ومن ثم يمكن التفاعل الخلاق بينهما . وقد ترجم هذا 


352 


النمط نفسه الى استقطاب علاقة الذات بالموضوع , وهو تعبير عن الرؤية الماديبة 
لعلاقة الخالق بالمخلوق ٠‏ حيث يحل الخالق فى مخلوقاته ويلتحم بها ثم يذوب فيها 
ويختفى ويموت ) 

وما يستبعده التحليل التفكيكى لعلاقة الرجل بالمرأة هو ادراك ان ثنائية الذكر 
والانثى ثنائية حقيقية ولكنها ليست مطلقة . ولا هى مهددة بالاختفاء ٠‏ فهى ثنائيبة 
فضفاضة . ان العلاقة بين الرجل والمراة ليست علاقة صراع او ذوبان كامل » اذ 
توجد انسانية مشتركة تذوب فيها الفروق بين البشر دون ان يفقدوا هويتهم . 

لهذا يمكن ان يتصارع البشر ( يتدافعوا فى المصطلح الاسلامى ) وان 
يتوصلوا , الذكور مع الذكور ومع الاناث ؛ والاناث مع الذكور ومع الاناث ايضاء 
والذكر يدرك هويته من خلال التواصل مع المرأة لا من خلال الصراع معها ؛ فليس 
بالصراع وحده يحيا الانسان » وليس بالصراع وحده تتحدد الهوية . ( وتعريف 
الهوية هنا يذكرنا بالتعريف الصهيونى للهوية اليهودية » فهذا التعريف يذهب الى 
ان اليهودى عبر تاريخه فى صدام دائم مع الاغيار ٠‏ ومع هذا يطالب الصهاينة ان 
يصبح اليهود امة مثل كل الامم ٠‏ وتصبح الدولة الصهيونية مثل كل الدول : من 
التفرد الكامل الى الاندماج الكامل » ومن الانفصال الى الالتحام ) . 

ان النقد التفكيكى لا يفك النص ويعيد تركيبه ليبين المعنى الكامن فى النص ( 
كما هو الحال مع النقد التقليدى ) وانما يحاول ان يكشف التوترات والتناقضات داخل 
النص وتعددية المعنى والانفتاح الكامل » بحيث يفقد النص حدوده الثابتة ويصبح 
جزءا من الصيرورة ولعب الدوال » ومن ثم تختفى الثنائنيات والاصول الثابتة 
والحقيقة والميتافيزيقا . فالتفكيكية هى احدى التبديات العديدة المادية الجديدة 
واللاعقلانية السائلة . 


الاله والجوكر : 

وقد ظهرت انزلاقية دريدا بشكل واضح حينما حضر الى القاهرة . فها هوذا 
فيلسوف التفكيكية والتقويضية والانزلاقية دريدا والسيولة الفلسفية يقرأ بشكل 
متعجل شيئا عن مصر ., ثم يخبرنا بلهجة الواعظ الواثق من نفسه ان هناك اكثر من 


3533 


مصر . اى ان هناك عدة هويات مصرية . ومن شم فمصر هى مصدر اللاتحدد . 
واحدى حيل التفكيكيين ان يبينوا ان هناك اكثر من مركز وان ثمة تعددية مفرطة 
تتجاوز الحدود التى وضعها النص لنفسه . اى ان هناك فائضا للمعنى . هذا الفائنض 
يهدم المعنى ويفك المركز ويقوض الصرح ويهدم اليناء ... الخ . هل يفعل دريدا هنا 
شيئا مماثلا بمصر ؟ هل يستخدم "التعددية " التى تسم الواقع الانسانى كستار من 
الدخان يختبئ به التعددية المفرطة التى تقويضه ؟ فاذا كانت مصر بالفعل ذات 
هويات متتابعة ( والبقية تأتى ) الاايعنى هذا ان مصر لا هوية لها ؛ او انها هويات 
زائلة متتابعة » او انها يمكنها ان تكتسب اية هوية قد تقترحها علينا اسرائيل 
بتشجيع البيت الابيض وبمساندة البنتاجون ( مثل الهوية الشرق اوسطية على سبيل 
المثال) وكان هوية مصر دال بلا مدلول , او كأنها دال يتراقص لانه سقط فى قبضة 
الصيرورة وشبكة الاختلاف والارجاء ؟ ما معنى ان يكون لبلد ما هويات مختلفة:» 
وجوهر مفهوم الهوية هو مجموعة من السمات التى تتشكل عبر التاريخ » وتعبر 
عن نفسها من خلال انساق حضارية ولغوية واخلاقية وسياسية وفلسفية واقتصادية 
تتسم بقدر من الثبات؛ رغم كل ما يعتريها من تغير ؟ 

ويتحدث دريدا عن مصر الفرعونية » وعن الاله تحوت باعتباره شخصية 
تقف فى مواجهة كل ما يمثل الاب وسلطته : " تحوت ليس مكان .٠‏ ولكنه يمكن ان 
يمثل كل الشخصيات والاماكن . اذا » الاله / الكلمة تحوت تلعب / يلعب كل الادوار : 
وياخذ حركة الابدال والاحلال المستمرة » وهو الذى اخترع هذه اللعبة بكاملها انه 
الجوكر فى ارادة هذه اللعبة بكاملها " . هل هذا الكلام له اساس فى علم التاريخ ؟ 
وهل ايواكق عليه بض علمناغ المضريات + ام ان دريد! يفكاء النصن ويلجك الشاريي 
ليفرض رؤيته باغتبار الدال ليس له علاقة قوية بالمدلول ؟ 

للاجابة على هذا السؤال قمت ببحث صغير فانا لست من علماء المصريات . 
فاتصلت بصديقى الدكتور احمد عفيفى . كما استشرت المعاجم التالية : موسوعة 
الاديان لفرجيليوس والموسوعة البريطانية والدليل القصير للمثيولوجيا الكلاسيكية 
من تأليف ج .م . كيركود والقاموس الكلاسيكى القصير من تاليف سير سميث ( 
وكلها بالانجليزية ) وديانة مصر القديمة لادولف ارمان ومعجم الحضارة المصرية 
القديمة لجورج بوزنر واخرين ( وقد نشرت مكتبة الاسرة ترجمة لهذين الكتابين 


234 


الاخيرين ) .؟ فوجدت ان تحوت هو اله القمر ويبدو انه مسيطر على كل ما يتعلق 
بالثقافة الذهنية مثل اخراع الكتابة وتسجيل الاحداث والقوانين . وكان يحسب الزمن 
والسنوات والتقويم » وهو مؤسس النظم الاجتماعية » وهو الذى يشيد المدن ويضع 
حدودها » وهو وزير وقاضى وكاتم سر الالهة ومستشارها وممثلها فى الارض » 
ورب كلمات الالهة ومفسرها وهو الذى يزن قلوب الموتى فى يوم الحساب ويخبر 
الاله اوزوريس بالنتيجة . وهو الى فضل هذا كله ساحر بارع يستطيع تحويل اى 
شئ يريد الى اى صورة يشاؤها ( وذلك لمعرفته بقوة الكلام الخلاقة ) . وهو الذى 
حمى ايزيس خلال فترة حملها » وشفى حورس من الجرح الذى سببه ست . وان 
اردنا تفسير دلالة الرمزية ( من منظور خطابنا الحديث ) لقلنا ان تحوت هو رمز 
الثقافة والانسانية والذاكرة التاريخية : انه رمز انسلاخ الانسان عن الحالة الطبيعينة 
ودخول عالم الحضارة . وان كانت عنده مقدرات سحرية فذلك لانه تعلم الكلمة عن 
الاله . فالاله هنا هو المدلول المتجاوز . الذى يوقف لعب الدلالات وزحف عبثية 
الطبيعة على الانسان ٠‏ وهو الذى يمنح الانسان قداسته ومركزيته » ومن الواضح 
ان تحوت ليس شخصية متمردة , بل انه بار بالام اوزوريس . ٠١‏ 

فما مصدر حديث دريدا اذا عن تحوت باعتباره اوديب المصرى الذى يشور 
ضد الابء وباعتباره جوكر يلعب كل الادوار ؟ يبدو ان الاغريق قد ربطوا بين تحوت 
واحد واحد الهتهم » وهو هرميس . وهذا الاخير ( فى الاسطورة الاغريقية ) سرق » 
يوم مولده » قطيع غنم من اخيه غير الشقيق ابوللو ( ولذا فهو اله اللسوص ) . 
ولكن هرميس له جوانب اخرى غير هذه » فهو على سبيل المثال ٠‏ رسول الالهة 
وفى مرحلة لاحقة يصبح من الهة الحق والحقيقة . بل ان هرميس فى مصر فى 
العصر الرومانى يصبح الوحى الذى يولد الانسان من خلاله والذى يكشف الحكمة 
الالهية التى يصببح الانسان بواسطتها انسانا جديدا » ابنا للاله . فكان الحادشة 
الصراعية الوحيدة فى تاريخ هرميس يتم محوها تماما فى السياق المصرى . ومن 
المعروف ان فكرة الاله / الاب غير معروفة فى التراث الفرعونى ومن ثم ففكرة 
الصراع مع الاب غير مطروحة اساسا . والتراث الفرعونى فى هذا الجائب قريب من 
الرؤية الاسلامية . فالمعرفة فى التراث الاسلامى لم يسرقها الانسان من اله غيور ( 
كما فعل بروميثيوس الذى سرقهاا من زيوس , وكما فعل ادم وحواء اللذان اكلا من 


255 


شجرة المعرفة دون اذن من الاله ) وانما هى هبة من الله سبحانه وتعالى ( وعلم 
ادم الاسماء كلها) ‏ ( الرحمن علم القران خلق الانسان علمه البيان ) . ومن خلال 
معرفته يصبح الانسان خليفة الله فى الارض كانئنا له قداسته ومركزيته . 

. يتجاهل دريدا كل هذا ولاشك فى ان هذا لعدم معرفته بالتراث الفرعونى » فهو 
ليس عالم مصريات - كما اسلفنا . ولكن يبدو ان خريطته المعرفية الغربية بكل 
تحيزاتها حددت رؤيته للواقع ولذا نجده يأخذ واقعة هامشية ( هرميس وسرقة 
القطعان ) ويتجاهل كل التفاصيل الاخرى , ويحاولها الى نموذج تفسيرى يؤكد فكرة 
الصراع والرغبة فى ذبح الاب ثم يسقطها على تراث الاخر . ودريدا لاا يختلف فى 
هذا عن كثير من المستشرقين المتمركزين حول تراثهم وتحيزاتهم . كما انه بتحويله 
تحوت من رمز الانسانية فى مقابل الطبيعة الى دال منزلق يلعب كل الادوار » انما 
يطبق نموذجه التفكيكى الذى يحاول ان يسقط اى دال متجاوز فى قبضة الصيرورة 
فيصبح اله الحق والحقيقة ومخترع اللغة ومؤسس النظم الاجتماعية مجرد جوكر 
يلعب كل الادوار وهكذا تنزلق مضر والهتها » بل وتنزلق كل البلاد وكل الالهة وهو 
امر متوقع فى عصر العولمة وحرية التجارة والحدود المفتوحة ؟ 

وموقف دريدا من تحوت مصر ينم عن خيلاء عميقة وعن درجة عالية من 
اللوجوسنتريستى . واللوجوس هنا هو الذات النرجسية الغربية » الفردية والجماعية 
ولعله انطلاقا من هذا سأل دريدا عن عدم وجود الشباب الم يكفه ان قابل بعض 
المثقفين العرب من المتخصصين في الحضارة الغربية والفلسفة الحديثة ؟ ام انه 
يظن ان العالم العربى . بشيوخه وشبابه واطفاله ٠‏ مشغول باشكالياته الفلسفية 
وبانفصال الدال عن المدلول والاخترجلاف والنصوصية ؟ الم يتصور ان العرب 
عندهم اسئلة اخرى واشكاليات اخرى لعل معرفته بها كانت تمنحه شيئا من 
المعرفة. وتشفيه قليلا من الايروسنتريستى وهى مناسوا اشككال 
اللوجوسنتريستى.؟ بدلا من ذلك جاء دريدا ليبحث عن التفكيك فى حضارتنا ومس 
تحوت حتى يمكنه ان يدخله قالبه » واصبح تحوت بانى المدن ومكتشف اللغة . اله 
الحق والحقيقة » اله جوكر تفكيكى . 

الاستراتيجية والجنون : 


ولكن تحوت فى واقع الامر ليس جوكر الذى يلعب كل الادوار وانما هو دريدا 
فها هو ذا فيلسوف الشك والتفكيك يخبرنا فجأة وبدون سابق انذار وبيقين عميق انه 


356 


يؤمن ايمانا لايتزعزع ببعض الثوايت . ولكنه قبل ان يفعل ذلك » ينبهنا الى انه 
سيتلو علينا ما يسميه " شهادة ايمان استاذ يعمل وكانه يطلب منكم الائن بان يكون 
خاننا او غير وفى بعاداته " . ما معنى هذه العبارة ؟ هل تعنى انه قد غير موقف 
وتبنى موقفا جديدا ؟ لا بأس فى هذا فمن حق اى انسان ان يغير موقه , فنحن 
نقضى حياتنا الفكرية فى عملية نضوج مستمرة . ولكن الايستحسن ان يبين لنا 
مواطن التحول واسبابه ؟ ولم يستخدم كلمة "خيانة " ؟ هل يفصل الجوكر الدال عن 
المدلول مرة اخرى ؟ ام انه استبدل ايمانا بايمان (اشرنا من قبل الى الموقف الغربسى 
الحديث من الطبيعة / المادة : غزو او اذعان » انفصال او التحام . هذا النمحظ 
الاستقطابى نفسه يتبدى هنا التارجح بين الايمان الصلب والشك السائل » وبين 
الحضور الكامل او الغياب الكامل ؛ بين الالتحام الكامل بين الدال والمدلول او 
الانقصال الكامل بينهما ‏ اما المقولة الوسط والايمان الفضفاض بان هناك اتحادا 
وانفصالا ينجم عنهما قدر انسانى من المعرفة يصلح لتسيير حياتنا فهو ما يستبعده 
تماما هذا التازجح وفى تصورى انه تارجح حتمى بسبب غياب المركز المفارق لكل 
من القطبين ٠‏ اى انه نتيجة حتمية لموت الاله ومحو ظلاله ؟) . 

وجوهر رسالة دريدا الايمانية الجديدة هو انه ينبغى للجامعة الحديثة ان 
تتمتع بحرية غير مشروطة » فالجامعة هى صاحبة الحق المبدئى فى التفكيك كحق 
غير مشروط وفى قول كل شئ . وهكذا يتحول التفكيك الى نقطة ثبات ميتافيزيقية » 
الى حضور وتمركز حول اللوجوس او كما يقول هو نفسه :" وبهذا يكون للتفكيك ( 
ولا استحى ان اقول ذلك واطالب به ) موقعه المتميز فى الجامعة فى العلوم الشاملة 
كموقع للمقاومة التى تضم الجميع " . وهكذا نقض دريدا رؤيته تماما وسقط سقوطا 
شنيعا فى الميتافيزيقا ٠‏ ( ولعله لهذا تجاهل تماما سؤالى : هل يمكن تفكيك التفكيك ؟ 
لاننا لو لم نفعل فانه يتحول الى مطلقء. لوجوس؟) وهنا يمكن ان نسأل : لم " لا 
يستحى دريدا بعد ان كتب عشرات الكتب يهاجم فيها نقط الثبات ( الحضور ‏ التمركز 
حول اللوجوس والمنطوق - المدلول المتجاوز)؟ لم لا يعتذر عما بدر منه من تفكيك 
وهجوم على الميتافيزيقا وعلى اى ثبات واى ايمان ؟ . 

وقد سأله الدكتور صلاح قنصوه سؤالا فى غاية الاهمية والعمق . اذ ذكره 
بقوله:" ان التفكيك ليس منهجا بل استراتيجية " ثم ساله : ما الهدف من هذه 


3537 


الاستراتيجية ؟ فاغرقنا جاك دريدا كعادته فى فيض من الكلمات فقد قال :" ان 
استراتيجيته دون غاية » وتفكيره لا هدف له " و " ذلك ( كما اكد كاهن التفكيكية 
الاعظم ) اشبه بالجنون " ثم اضاف قانلا :" وانما ارضى بالجنون " . هل يقوم 
دريدا بتفكيك خطابه بنفسه بادعائه ان ما يقال هو مجرد جنون وهذيان فيستعصى 
تفكيكه على الاخرين ؟ وقد اخبرته عن حالة ممائثلة حالة ابن سودون المصرى . 
الذى كان يكتب شعرا هزليا يفكك نفسه بنفسه ٠‏ (" الارضش ارض والسماء سماء / 
وجهنم قيل بانها حمراء " - "' عجب عجب عجب عجب / قطط سود ولها ذنب " - 
" وكأننا والماء يجرى حولنا / قوم جلوس من حولهم ماء " ) ولكن حينما كان ابن 
سودون المصرى يفعل ما يفعل يكتب قصائد الدال فيها اخبارى محض او يشير الى 
ذاته وحسب ولا يشير الى اى مدولول فانه كان يعرف وكان مستمعوه يعرفون. انه 
ينزلق متعمدا واعيا بين الدوال » وانه كان يفعل ذلك اما للترفيه عن مستمعيه او 
ربما للتغلب على لحظات من العدمية تنتاب كل انسان . ولذا كانت قصائده تقابل 
بالضحك فالجميع كان يعرف انها حالة من الجنون المؤقت تهدف الى الترويج عن 
النفس المتعبة (وليست رؤية شاملة للكون) . اما ان ياتينا الفيلسوف ويلقى علينا 
بارائه بمنتهى الوقارء ثم يخبرنا ان ما يقول هو الجنون بعينه(ليس مجازا بل فعلا) 
ثم يطلب منا ان نصدقه . فهذا امر جد مختلف . ان الجنون حالة مستعصية من 
انفصال الدال عن المدلول فاذا كان المجنون يرضى بالجنون فماذًا يفعل العقلاء 
الراغبون فى الدخول فى حوار يتجاوز الجنون ويتطلب وجود مدلول متجاوز » وهو 
فى هذا الحالة الايمان بان الوعى افضل من الغيبوبة » وان القعل افضل من الجنون 
وان الصحة النفسية افضل من المرض النفسى . واذا اعترف الفيلسوف بالجنون » 
اليس من الواجب عليه الصمت . ام :ان الجنون هنا هو احدى ادوات دريدا التفكيكية 
التى يفرض عن طريقها فكره ؟ اليست هذه طريقة فاشية فى التعامل مع الاخر؟ 
فالمجنون لا يمكن الحوار معه . ففكره مكتف بذاته ولا يشير الى اى واقع الا الصور 
والافكار الموجودة فى مخيلته » تماما مثل الدال المنفصل عن مدلوله . 

ثم يكمل دريدا حديثه المجنون / العاقل او العاقل / المجنون او العاقل الذى 
يدعى الجنون او المجئون الذى يدعى العقل فيقول : " انها استراتيجية دون اتجاه » 
فلو عرفت الاتجاه لما ذهبت اليه , انا اهتم بالمستحيل ولا اهتم بالممكن » اذ ما قيمة 


258 


تحقيق شئ ممكن؟ " وهذا سؤال خطابى يستحق ان نتوقف عنده فهو يفترض انّ 
الاهتمام بالمستحيل دون الممكن مسالة بدهية مقبولة من الجميع . العقلاء 
والمجاتين على السواء والامر فى الواقع ابعد ما يكون عن ذلك . فالاهتمام 
بالمستحيل , فى تصورى ليس جوهر الجنون وحسب وانما هو جوهر الفاشية ٠‏ 
فمن يهتم بالمستحيل ويحاول فرضه على الواقع لابد ان يلجا للارهاب مثلما فعلت 
الحركة التفكيكية الكبرى : الصهيونية النى طرحت تصورا مستحيلا : ان فلسطين 
ارض بلا شعب ٠‏ وان الجماعات اليهودية شعب بلا ارض . وقد ثبت من خلال 
الممارسة ان الارض تعج بسكانها ولذا كان لابد من اللجوء لدير ياسين وكفر قاسم 
والطنطورة وغيرها من اليات تفكيك الفلسطينيين وبنيتهم الحضارية وفسرض 
المستحيل الصهيونى على واقعهم الفلسطينى بكل ما كان يحوى من امكانات 
حضارية انسانية كما ثبت ان الجماعات اليهودية لاتكون شعبا ولذا فهى لا تعود 
لارض الميعاد (كما كان الزعم والامل ) الا بالعنف احيانا او بالرشوة احيانا اخرى ( 
وهى اليات تفكيكية اقل بطشا , ولكنها فى نهاية الامر تفكيكية ) . كل هذا يقف على 
طرف النقيض من محاولة اكتشاف امكانيات الواقع ( المادى والانسانى ) الكامنة 
ومحاولة تحقيقها ( فك الدولة الصهيونية » وتاسيس دولة تتسع لكل مواطنيها من 
كل الاديان والاثنيات ) فمثل هذه المحاولة هى جوهر التفكير الثورى الخلاق .لات 
تحقيق الامكانية ليس مسألة حتمية فهى يمكن ان تجهض من خلال القوة الغاشمة » 
ومن ثم لا تنتقل من عالم الامكانية الى عالم الواقع . 

الانسان والحيوان : 

ومن خلال دراستنا لاليات تحليل الخطاب وقراءة النصو ص( الادبية وغير 
الادبية ) تعلمنا ان هناك نموذجا كامنا وراء اى: نص حتى لو كان فيضا من الكلمات 
يحاول صاحبها ان يغرقنا فيها . وقد بذلت جهدا جهيدا ان احتفظ بتوازنى وانا اطفو 
وانزلق على كلمات دريدا حتى يتسنى لى الوصول الى النموذج الكامن ( المددشول 
المتجاوز ) وراء خطابه » لاقف على ارضه الصلبة واطل على خطابه الانزلاقى 
التقويضى التفكيكى . وبعد طول عناء وجدت ان تفكيكيته لا تختلف من قريب او بعيد 
عن النزعة التفكيكية العامة فى الحداثة الغربية ( والتى اشرنا اليها من قبل ) . يقول 
دريدا فى عبازة كاشفة :" سوف تتناول العلوم الانسانية الجديدة تاريخ الانسان 


3359 


وتاريخ فكرته وصورته و " ماهو مميز له " وستتناول سلسلة لا تنتهى من 
التناقضات التى تحدد ماهية الانسان وخصوصا التناقض التقليدى بيئه وبين الكائن 
الحى الذى يقال عنه انه حيوانى ". شم يضيف دريدا انه يزعم " ولن اتمكن من 
التدليل هنا - بان اى من المفاهيم التقليدية " لما يميز الانسان " وبالتالى كل ما 
نضعه كنقيض له لا يمكن ان يصمد امام علمى وتفكيكى مناسب . ان ما يقوله دريدا 
ببساطة شديدة هو انه لايوجد سوى عالم الطبيعة / المادة وان ثمة قوانين عامة 
تسرى على الحيؤان سرياتها على الانسان » ومن ثم لابد من تفكيك.الانسان برده 
الى ما هو دونه؛ اىعالم الطبيعة / المادة والحيوان والاشياء . وهو فى هذا لم ياث 
بجديد » فاطروحته التفكيكية المعادية للانسان هذه لا تختلف من قريب او بعيد عن 
دعاة الاستنارة المظلمة واللاعقلانية والمادية السائلة الجديدة . 

ولكن دريدا لا ينقل لنا مقولته ببساطة ووضوح وانما يلجا الى اغراقنا فى 
فيض الكلمات مما يضطرنا الى الدخول فى عمليات مركبة من التفكيك واعادة 
التركيب . فقد قال انه يزعم " دون ان يملك الدليل " ولا ندرى على اى اساس اذا 
يمكنه ان يطلق التعميمات عن هذه الاشكالية الكبرى فى العلوم الانسانية » اشكائلية 
الفرق بين الانسائى والطبيعى (المادى ) لعله مجرد احساس ام حدس ام تخمين ام 
حلم ام مجرد جنون »ء او لعله الناقد السوبر مان الذى يقول ما يريد ويفرضه على 
النص الذى مات مؤلفه . من حق دريدا ان يحس وان يحدس ويخمن ويحلم ويجن ٠‏ 
ولكن هل من حقه ان يعمم استنادا الى هذا الاحساس الباطنى الذى لا يسنده اى 
دليل؟ (ولعله فعل نفس الشئ فى تفسيره لشخصية الاله تحوت) خاصة وانه يقرر 
بعد ذلك (استنادا الى هذا الزعم الذى لا يستند الى دليل) ان "المفاهيم التقليدية لما 
يميز الانسان عن الحيوان لايمكن ان يصمد اما تحليل علمى وتفكيكى مناسب"(نعم 
ان العلمى هنا مرادف للتفكيكى) . ولنلاحظ هنا انه كى يخفف من وطاة النزعة 
المعادية للانسان ولمركزيته لا يشير الى "المفاهيم الانسانية (الهيومانية)" وانما 
الى "المفاهيم التقليدية" كى يعطى طابعا ثوريا لعبارته يختبى تضميناتها الرجعية 
المعادية للانسان واستمرار لنفس التكتيك لا يشير دريدا الى الحيوان مباشرة وانمنا 
الى "الكائن الحى الذى يطلق عليه الحيوان" ومصطلح "الكائن الحى" يجمع بين 
الانسان والحيوان ٠‏ اى ان دريدا يؤكد مقولته من خلال استراتيجية بلاغية ويسربها 


360 


لنا دون ان نشعر . وعبارة "يقال عنه" هى تهميش لحيوانية الحيوان وتشويش 
عليها فهو ليس بحيوان بكل الدلالات والايحاءات السلبية للكلمة» وانما " يقال عنه 
حيوان"اى انه يفصل من خلال عبارته بين الدال حيوان ومجموعة الصفات 
الحيوانية التى يتسم بها هذا الكائن . 

يمكن ان نزيح كل ذلك جانبا ونقول ان دريدا يوكد ( رغم استخدامه لكلمات 
مثل: "ازعم و " ولا يوجد دليل " و " يقال له " ...الخ ) انه لا يوجد ما يميز 
الانسان عن الحيوان اى انه يضفى تلك الثنائية الاساسية التى تسم الفكر الانسانى 
(الهيومانى) الغربى ثنانية الانسان / الطبيعة , ليصبح الانسان كائنا طبيعيا ماديا 
ساقطافى قبضة الصيرورة وبذلك ينفصل الدال الانسانى ( كما تعرفه الفلسفات 
التقليدية » باعتباره متميز عن كل الكائنات الحية الخرى ) عن مدلوله ٠‏ ويذوب فى 
سيولة كونية حيوانية » ويدخل فى رقص الدال ويصبح نصا مفتوحا تماما مثلما 
سقط من قبل الاله تحوت رمز الانسانية فى عالم الصيرورة والسيولة المادية . 

٠‏ ان ما ينادى به دريدا ليس حلم المستحيل, وانما بالعكس هو حلم "الواقعى" 
المغرق فى الواقعية وفى التكيف مع العمليات المادية , فهو يدعو الى انكار امكانيات 
الانسان والزج به فى عالم الحيوان الذى له حدود ضيقة واضحة . ويمكن دراسته 
علميا وماديا ٠‏ ومن ثم يمكن التنبؤ بسلوكه بل وبرمجته . ما المستحيل فى هذا ؟ 
فيسال دريدا اسبينوزا الذى شبه الانسان بالحجر او نيوتن الذى شبه العالم بالساعة 
او دراوين الذى شبه الانسان بالقرد » او فرويد الذى اكتشف ان القرد يوجه داخلنا 
وليس. خارجنا او فيسال اخيرا بافلوف والسلوكيين عن الانسان الذى يفترض فيه 
انه يتصرف كالكلب خاضعا تماما للافعال المنعكسة الشرطية ثم سووا الواحد بالاخر. 

كل هذا يؤكد ان دريدا هو تعبير متبلور عن المادية الجدمدة السائلة 
والاستنارة المظلمة التى تنكر مركزية الانسان بل وفكرة المركز نفسها ولذا فان 
حديث دريدا عن رابطة النسب التى تربط التفكيك بالاستنارة ( المضيئة ) هو من 
قبيل التدليس . وحينما اخبرته ان هناك اشاعات فى شوارع القاهرة انه اصبح 
انسانيا (هيومانيا) عالميا (وما كنت اعنيه فى واقع الامر انه اصبح متمركزا حول 
اللوجوس لانه يؤمن بقيم تدعى اعلمية فتوقف لعب الدوال) اجاب بانه لا يوجد 
تناقض بين التفكيك والدعوة الانسانية (الهيومانية). ولكن محاضراته تبين عكس 


361 


ذلك . او على الاقل تبين ان الانسانية التى يدافع عنها ليست هى الانسانية التقليدية 
وانه متمركز حول اللوجوس وحسب , ولكنه لوجوس بلا تيلوس . مطلق بلا غاية 
معاد للكينونة الانسانية . ١‏ 
انطلاقا من هذا الزعم / التأكيد والشك / اليقين ( عدم وجود ما يميز الانسان عن 
الكائن الحى الذى يدعى الحيوان ) يخبرنا دريدا ان من اهم وظائف الخطاب التفكيكى 
الحر غير المشروط هو تفكيك مفهوم السيادة » خاصة " حدود الدولة القومية 
وسيادتها المزعومة " وهنا نشعر بانه خلف السيولة يوجد برنامج تفكيكى عولمى ١‏ 
فالدولة القومية فى العالم الثالث (رغم كل مشاكلها ) ليست هى الغول الذى ظهر فى 
العالم المتقدم باجهزتها الامنية والاعلامية والتربوية المتقدمة وفك الدولة القومية 
عندنا واضعاف سيادتها يعنى فتّح الابواب على مصراعيها للشركات عابرة 
الجنسيات التى تفوق ميزانيتها ميزانية عددة دول من دول العالم الثالث مجتمعة . 

ثمة اجندة خفية وراء الدعوة للحرية غير المشروطة للتفكيك الذى يتشح 
بوشاح العلم والاخلاق ويحاول ان يسقط الهوية ويمحو الذاكرة التاريخية . وانا 
اذهب الى ان التفكيكية وما بعد الحداثة هما فى واقع الامر ايديولوجية النظام العالمى 
(الاستعمارى) الجديد الذى يحاول ان ينسينا هويتنا وخصوصيتنا وتراثنا وذاكرتنا 
التاريخية؛ حتى يمكنه ان يفتح حدودنا لراسماله وادواته ومخابراته واعلامه 
(ويرفض فى الوقت نفسه ان يعطينا التكنولوجيا تحت شعار حماية حقوق الملكية: 
ويرفض هجرة العمالة من العالم الثالث تحت شعار حماية امنه الاجتماعى ؟). 

وقد ساله الاستاذ محمود امين العالم والاستاذ محمد سيد احمد والدكتورة 
امينة رشيد والدكتور محمد الكردى والدكتور حسن حنفى عدة اسئلة هامة فكانت 
اجاباته مراوغة الى اقصى حد , ولا ادرى هل احتفظ المجلس الاعلى للثقافة 
بتسجيلات للحوارات وهل سيقوم بنشرها فى المستقبل ؟ لو كان فعل ذلك فانه 
سيزود دارس الفلسفة العربية بوثيقة فى غاية الاهمية تلقى 0 على هموم 
المثقفين المصريين وعلى بنية تفكير دريدا. والله اعلم . 


302 


جاك دريدا ونظرية التفكيكية 
ترجمة : احمد حمدى حسقت 

تعتبر " التفكيكية " المغزى العميق لحركة ما بعد البنيوية في النقاد 
الأدبي, فهي تثير الجدل الحي المعاصر حولها ؛ ربما لانه لا توجد نظرية نقدية 
تمتلك القدرة على تعظيم السحر الفتان للإبداع اكثر من نظرية التفكيكية , على الأقل 
خلال الثلاثين عاما الأخيرة . ويمكننا أن نضع في جانب مجموعة من النقاد 
الحقيقيين (أمثال هلز ميلر «ع:!!341 3.111!1!15 ,و بول دى مان مو31 06 11م 
و جيفرى هارتمان . دسودم):119 2011:9) ,و هارود بلوم 2م2100 1335:20101) 
باعتبارهم رواد للتفكيكية على مستوى النظرية والممارسة - رغم تنوع أسالييهم 
وصيغهم . 

لنرى في الجانب الآخر مجموعة متنامية العدد من النقاد المدرسيين., 
الذين يعرفوا كامتداد أساسي للتقليد النقدي المدرسي المفتقد لتواصله مسع 
التفكيكية , فهم يرون التفكيكية محض سخافة او شيطانية او مملة 51075):005 
(أي غير منتظمة النسق ) ,و بالرغم من ذلك لاايوجد مركز فكرى في أوربا أو 
أمريكا خالي من جدل حي حول قيمة هذه النظرية الجديدة في النقد . 

هل حقا التفكيكية (غير منتظمة النسق ) مملة ؟ لو كان هذا غير حقيقي , 
فلابد من طرح السؤال التالي كيف ؟ ولماذا ؟ و لو كان هذا حقيقي , فلماذا كل هذا 
القدر من الاحتفاء بها ؟ اننا لا نستطيع الإجابة على هذه الأسئلة إلا بعد عملية فهم 
و إعادة تقييم المفاهيم المرجعية للتفكيكية , والبداية الصحيحية لعملية الفهم هذه 
تكون من كتاب دريدا ج28284010مة: 60 04 , ذلك الكتاب المقدس للتفكيكية مع 
الأعمال الأخرى الخصيبة لجاك دريدا والفلاسفة الفرنسيين و النقاد.. 

وبموجب عملية اكتشاف التفكيكية من خلال دريدا ونظريته , اعتقد أننا 
سنكون بصدد عقبتين سائدتان في عملية الاكتشاف هذه ( من خلال دريدا ) . العقية 
الأولى تكون من خلال الاصطلاحات والمفاهيم الجديدة عند دريدا , أو أسلويه 
المضلل إلى حد ما , أما العقبة الثانية فهى تتمثل في كثرة الآراء الناقدة له و التي 
تتجاهل إلقاء الضوء على بعض المفاهيم الصعبة عند دريدا فتكون أبحاثهم محض 


263 


تأويل غير ذي صلة مع الشكل الدريدى للتفكيكية . وأنا هنا أريد توثيق بعض 
التعليقات الناقدة للتفكيكية قبل وصف و إعادة تقييم مفاهيم التفكيكية . 

يتحدث أم . ه , ابرام 5 :71.11.45 عن الجزء المميز في نظرية دريدا 
قائلا : " هو - أي دريدا -- ينتقل في أبحاثه من اللغة إلى الأدب أو إلى الكتابة أو 
إلى النص المطبوع ذاته ؛ من اجل عملية فصل النص عن مؤلفه في حدود طراز 
خارجي غير متحكم فيه من قبل المؤلف(١‏ ) " . ليس هذا مجرد تبسيط لدريدا 
وموضعه له فحسب ولكنه أيضا ممارسه للتفكيك على نظرية دريدا. فابرام 
ومجموعة من البنيوييين الفرنسيين يمارسوا التفكيكية ذاتها - باعتبارات تدميرية 
- على دريدا من خلال محاولة إعادة تعريف بعض المصطلحات أو الكلمات المفاتيح 
في النقد التفكيكى , وإكسابها معاني مختلفة بطريقة تفكيكية , فما دامت المفاهيم 
النصية يتم التحكم فيها خارجيا فان ابرام يتحكم في مفاهيم اساسية مثل : كتابة 
"عم 71" أو نص " غ21 بطريقة تجعلها غير متصلة مع التأويل الدريدى 
لها . فتفكيك ابرام لدريدا ليس افضل من نظرية دريدا التفكيكية بل أن هذا التفكيك 
(في صالح التفكيكية ) ؛ لانه يخبرنا لماذا تكون التفكيكية افضل من التفكيكية ؟! 
أي إنها محاربة شيء باستخدام نفس الشيء. 

و ينتقد نيوتن جارفر مع :© بره76ح71 دريدا باعتباره واحد من فلاسفة 
اللغة ؛ اللذين يؤكدون على اسبقيه الاعتبارات السجعية ( الشكل الموسيقى للفظ ) 
601 على المنطق فهو يقول أن : " دريدا يسقط داخل الحركة التي تتعلق 
بدور اللفظ في الخطاب الفعال , فيرى اللفظ كجوهر للغة والمعنى والتي تتعلق 
بالمنطق كاشتقاق من الاعتبارات الموسيقية السجعية للفظ " (؟ ) 

أن الحجة التي يطرحها جارفر , هى أن التفكيكية سيناريو للموسيقى 
اللفظية وهذا يجد تدعيما من هيلز ميلر «»!!7181 3.1131115 أحد النقاد التفكيكين 
الرواد الذي يقول : " يمكن الكشف عن التفكيكية من خلال تفعليها في أشكال 
ومفاهيم وسرديات التراث فتكون التفكيكية بدورها سيناريو للموسيقى 
اللفظية'"'(") 


3204 


أما ميورى كريجر «ععء1>):1 /إو,رون34 فهو يعتقد أن دريدا "ناقد 
بنيوي....ولكنه يفعل البنية خارجيا وع0:1430 وربما لايفعلها 100065] جيدا" 
"والعلاقة بين البنيوية و التفكيكية تكون قريبه الشكل من الهجوم القديم على 
الشعر كصناعة للأساطير من قبل افلاطون " (4) ( رغم الدور المحوري الذي تلعيه 
الأسطورة في فكر أفلاطون ) 

ويرى فريدريك جيمسون 7505ل ع1ولع77 أن أفكار دريدا تنكر ذاتها 
باعتبارها خدعة تحاول العبور إلى ما وراء الميتافيزيقا , أو الهروب من النموذج 
القديم لها إلى داخل بعض الأشياء الجديدة والغامضة . ( © ) 

هذه التعليقات تعطينا فكرا مفيدا في عملية اكتشاف التفكيكية , فقد تكون 
موجها خارجيا لنا ومساعدا أوليا لفهم نظرية دريدا , ويمكن لنا أن نستخرج منها 
الآتي : ينتمي دريدا إلى مجموعة من فلاسفة اللغة ؛ الذين يعتقدون أن المنطق 
مشتق من الاعتبارات السجعية. الموسيقية للفظ ؛ أي انه يعتقد في أسبقية تدك 
الاعتبارات على المنطق وهذه الاعتبارات المؤسيقية هي التي تكون بمثابة قوة غلق 
و إحكام لهذه الكثرة من الاحتمالات (ععن المعنى ) التي تمزق المحتوى الفكري 
للرواية . 

يعيد دريدا السؤال القديم الذي سأله أفلاطون عن الأسطورة و هو نفمن 
السؤال الذي يسأله دريدا عن التمثلات مع دع زعم 

ينتقل دريدا من الاهتمام بالمنطوق ( الاهتمام القديم التقليدي ) إلى الاهتمام 
بالمكتوب وهذا بطبيعته يغلق حدود النص ويضعه في إطار من التمثلات المفتقدة . 

هذا ما بمكننا استخراجه من التعليقات الناقدة لدريدا ولكننا يجب أن نعلم أن 
هذه الصورة المتكونة عن دريدا عند النقاد ماخوذه من مصادر ثانوية أي مجموعة 
من المجهودات لفهم دريدا و التفكيكية ولمسس كتب دريدا نفسها ( باستثناء 
استشهادات صغيرة) كما تنبننا بذلك الإحالات المرجعية لهؤلاء النقاد , لذا فأننا نجد 
بعض النقاد يخطنون في فهم دريدا أو بافتراض عدم خطنهم , هم يريدون تاويل 
دريدا بشكل فاقد للصلة مع أفكار دريدا نفسه . نقول هذا بالرغم من أن نقاد امثال 
بلوم , و ملير , ودى مان , وهارت مان هم نقاد تفكيكين , فهم كدريدا ذاته , لكن 


365 


لكل منهم مدرسة مستقلة تتصادم مع دريدا في بعض الأحيان , فهم ليسوا دريدين 
بالمعنى الحقيقي ولكنهم تفكيكيون عموما . ولفهم التفكيكية لابد أولا من فهم دريدا 
الأستاذ الأول العظيم للتفكيكية كخطوة أولى , و أول خطوة لفهم دريدا هي كشف 
الأغطية عن المفاهيم الدريدية . و النظرية التفكيكية تحتاج للعديد من التحليلات 
الدورية الطازجة قبل الولوج الى أي نقد لها فلابد للذي ينتقد التفكيكية ان يعرفها 
بدقة , وهى نظرية لا تعرف ببساطة شانها في ذلك شان أي نظرية معقدة وغامضة. 
و في الوقت الراهن يستطيع المرء توضيح أساس المصطلح , بان دريدا يهدم النقد 
التقليدي , و يفتنا بسحر الفعل التفكيكى , وهذا سيكون موضوع أول جزء من ذلك 
التحليل , إلا أنني وبعد أن اصف واحلل المصطلحات الدريدية استطيع أن أجيب 
مباشرة على .ذلك السؤال كيف تستطيع التفكيكية إعادة تشكيل النقد الأدبي ؟ وفى 
المرحلة الأخيرة من تحليلي ساوضح لماذا تدعى التفكيكية سخافة , وهى ليست 
سخافة و إنما تعد التفكيكية مضمون روحي . 

المكتوب عم78'1 و المنطوق ءءء م5 هم أهم كلمتان تفيدنا في فهم 
التفكيكية؛ فهذه الكلمات لها مغزى خاص في المفاهيم التقليدية للغة , حيث يكون 
المنطوق سابقا قبليا على المكتوب أي أن المكثذوب يحمل فوق المنطوق . فالكلمنة 
المنطوقة ( عم«هو<ا5 ) ليس لها وجودا خارجيا أو تاثيرا ذاتيا و إنما هي صورة 
سمعية (عج8:م1 401541 186 ) يتم تمثلها في عملية استحضار المفهوم . 
فالكلمة المنطوقة أو الصورة السمعية قد ماتت بمعنى إنها كداله ( غلامة أو دالة 
) تكون مخمده داخل نفسها ( ليس لها دور ) في عملية إعطاء الدلالة 
للمدلول( 668)زمعنو ). فالمدلول أهم من كل أو أي شيء , ويمكن فصله والحصول 
عليه من خلال الصورة السمعية فقط,الصورة السمعية تكون هنا الدال . هذه بعض 
الأشياء التي تشبه الثالوث في العلاقة بين العقل الإنساني , والدال ( الصورة 
السمعية ), والمدلول ( المفهوم ) . 

و الآن , يصح لنا أن نسال عن موقع المكتوب أو الكلمة المكتوبة في هذا 
الفهم التقليدي للغة ؟ وبناءا على المفهوم التقليدي للغة ترد الكلمة المكتوبة إلى 
كونها تمثلات مطبوعة أو مرسومة ( 24)2)108 267752 عأطم 6:2 ) للكلمة 
المنطوقة بمعنى أن الكلمة المكتوبة دال على الكلمة المنطوقة التي هي دال أاصلى 


366 


على المدلول بحيث تصبح الكلمة المكتوبة دال شانوي . أي أن الكلمة المكتوبة لا 
تستطيع أن تفعل اكثر من إنها تساعد في تكوين التمثل السمعي للكلمة المنطوقة 
بينما الكلمة المنطوقة هي الدال الأصلي , الذي يقيم علاقة الدلالة ممع المددول . 
ويمكن توضيح هذا بمثال لو استدعيت مفهوم مثل 05+ أولا ستسمع هذا الصوت 
2 هذا الصوت سيكون في عقلك صورة سمعية تكون بمثابة دال على الزهرة , 
لكن إذا وجدت أمامي هذه الكلمة مكتوبة في بناء مطبوع عو0م فالخيال المطبوع 
(6ع1:02 »نطوو ©) لا يستطيع أن يعطيني تمثلا عن المعنى فهو مجرد بناء مرني 
يتحول لصوت غير مرني يتحول لصورة سمعية استطيع إيجاد مدلولها , يمكننا 
القول بان هذه الحجة التقليدية تقول أن العلامة المطبوعة تاأتى بعد العلامة 
المسموعة بالضبط كالميتافيزيقا تأتى بعد اللاهوت ١(.‏ ) 

ويعلق دريدا على الأصول الميتافيزيقية لمفهوم المنطوق قائلا : " الفهم 
الإلهي يكون له اسم آخر, هو اللوجوس 05ج1.0 كحضور ذاتي للإله . فاللوجوس 
والحضور الذاتي للإله أمور لا متناهية . بل أن اللوجوس ناتج بطريقة اوتوماتيكية 
عن تأثير الحضور الذاتي , ويكون ذلك الحضور من خلال الصوت فقط على شكل 
أمر أو علامة دالة بحيث تكون تلك العلامة موضوع ينتقل من ذات الى أخرى , 
موضوع محدد لا يستطيع العبور خارج ذاته, أن الدال أو العلامة تنتقل كشعاع أو 
تأثير محكم الدلالة في كل وقت بطريقة متساوية , لكنه في الخبرة الصوتية فان 
هذه الخبرة تعيش وتتجدد بذاتها كمحرضة على اشكال مختلفة من الكتابات ولكن 
عندما تتحدث فانك تستحضر الشيء أو الإحساس أو الخاص فيكون تأويل العلامة 
خاضعا للحضور الذاتي " (/) 

ويسمى دريدا المفهوم التقليدي للنطق مركزية اللوجوس او التمركز حول 
العقل عنم)مععوع1!0 وهذا مصطلح دريدى هام ويعنى ذلك التشكيل الذي وضع 
فيه اللوجوس ككلمة منطوقة في المركز سواء في الميتافيزيقا أو اللاهموت. (8) 
ولكي نكون اكثر تطبيقية فإننا نقول أن مفهوم النطق والكتابة ريما يتم التحكم فيه 
عن طريق الميتافيزيقا فتكون مركزية اللوجوس هي مركزية الصوث 
1 7222 وذ دروم )دء06ع10 وذلك نتيجة الاعتقاد القديم بان الصوت 
يقع في قمة الواقع المتعالي الترانسنتدتالى . (؟) ولكننا نجد في نظرية درييدا أن 


36 


511 لزع 0ع 10 3ل11011026281115121 مفهومان مختلفان بالرغم من انهما يمثلان 
ظاهرة واحده ألا وهى الأصول الميتافيزيقية لمفهوم النطق وعملية الفهم كلها . 
وهم من جاتب آخر يؤكدا على الصوت لان هذه المفاهيم نشات أصلا من تصور أن 
هناك علاقة بين العقل الإنساني ( المسسئول عن الفهم )والواقع المتعالي 
الترانسنتدتالى , ويكون الصوت هو الوسيط في هذه العلاقة . ربما تتشابه هذه 
الحجة مع المفهوم الهندي عن قوة المانتراس 11221685 وهو عبارة عن صوت 
أو سلسلة من الأصوات كلما كانت أقوى كلما كان حضور المتعالي أقوى , فهم 
يعتقدوا أن الصوت فعل له قوته وهو بذلك- أي الصوت - وسيط بين العقل 
الإنساني والقوة المتعالية . وأنا هنا لن أحاجى بان التقليد الغربي الذي يضع 
الصوت في الصدارة: هو نفس المفهوم الهندي عن المانتراس ولكنني سأكتفي بان 
اقول انه ثمة تشابه شديد . 

ثمة مفهوم آخر هام في تقديم التفكيكية هو 10 مركزية 
الرسم او الطباعة , وهذا المصطلح بحاجة إلى توضيح قبل الدخول لصلب نظرية 
دريدا الكتابة تكون طبع أو رسم ع11مه2ع , و في الشعور العام فان طباعة الرسالة 
أو الحروف الهجائية أو الرسالة ككل ,هي قدرة على تدوين الصوت - الصوت 
هلام بالمعنى العام هو الوحدة الصغيرة للنطق وهو مميز عن الطبع أو الرسم 
في أي لغة أخرى - الطبع أو الرسنم تبعا للمفهوم التقليدي يقندم صورة نقيه أو 
إشارة نقيه على الصوت , وهذا يعنى أن وحده الكتابة لا تمتلك أي خصائص ثورية 
أخرى , إلا كونها تمثل شكل بسيط للخيال اللغوي أو الصورة اللغوية , لكن ال 

مردذ )دعو طم وتستطيع نقل المعنى نقله هامة من النطق إلى الكتابة وليس 

كعملية تحول طبيعي في المفهوم التقليدي للغة والتي تفيدنا بقبلية النطق أو الكلمة 
المنطوقة على الكتابة , ويختلف ذلك بالطبع في حالة مركزية الرسم, هنا يتوجب 
علينا ذكر ذلك النقد الذي يعتقد أن تفكيكية دريدا تنقلنا من مركزية اللوجوس إلى 
مركزية الرسم )٠١(‏ 

وهى ملحوظة غير بريئة , ولابد من التعرض لهذه الملحوظة قبل البدء في 
الخطوة الثانية من عرضي , واعتقد أن افضل طريقة لتوضيح موقف التفكيكية من 
المنطوق والمكتوب هي ذلك التمثيل فيمكننا اعتبار الكتابة جسم و النطق روح 


368 


والمفهوم واقع متعالى , وهنا نجد أن النطق روح ( تأكيد على النطق يتساوى منع 
التاكيد على مركزية الصوت ومركزية اللوجوس ) والكتابة جسد وهو تأكيد على 
مركزية الرسم أو الطبع 

أذن فالتفكيكية ليست مجرد نوع من الاعتقاد بمركزية الرسم كما يخبرنا بذلك 
المعنى البسيط في النقد السابق باعتبار أن التفكيكية مطعمة بقبلية الروح وبقوة 
إلهامها فالتفكيكية ليست سقوطا في الجسدية والحياة الدنيوية وليست عدم وضوح 
للإله كروح , بل أن فصل فاعلية الصوت يمكن أن يؤول بالتفكيكية ككل إلى عدمية , 
لكن التفكيكية برغم اعتقادها في مركزية الرسم فان مركزية الرسم ليس كل 
التفكيكية وليس كل ما قاله دريدا , وسوف اعود لتلك المشكلة لكن بعد اختبار 
اصطلاحات دريدا ووظيفتها كادوات للتفكيكية . 

وبعد أن عرض دريدا الأصول الميتافيزيقية واللاهوتية لمفهوم النطق 
والكتابة بدأ يختير علم اللسانيات ووصفه للغة من خلال البناء , وفى الحقيقة نجند 
أن دريدا قد تفاعل مع نظرية دى سوسير 5'©:دوون ع5 في علم اللسانيات والتي 
تتاسس على مفهوم الدال والمدلول و على الأسس البنانية الأخرى , وهو ما رآه 
دريدا مناسبا في إعداد دراسات في اللغة والفعل ولكنه غير حاسم في دراسة 
سيناريوهات النقد العلمي . ( يرى هنا دريدا عدم علمية النقد اللساني البنيوي ) 

لقد وجد في نظرية سوسير طبعة أخرى للفهم التقليدي للكتابة والنطق , 
وفى إطار عرضه للعلاقة الداخلية بين الميتافيزيقا واللسانيات , لاحظ دريدا " أن 
تصور الدال عند سوسير يطبق دائما داخل ذاته للتميز بين الدال والمدلول بطريقة 
بسيطة , كتمييز بين وجهين لنفس الشيء , ويعلا تأسيس هذه العلاقة داخل إطار 
التراث الذي يحتفي بمركزية اللوجوس و مركزية اللوجوس ليس فقط مركزية 
الصوت , حيث الأفضلية العليا للصوت وكيانه بل أن مركزية اللوجوس تتخطى ذلك 
لتعطى للمعنى وجود وهوية ثابتة ". فضلا عن أن النظام اللغوي اللساني يتوهم 
العلمية في ظل حماس عارم للبنانية , ولهذه النماذج من النقد وهو نفسه الحماس 
لمركزية اللوجوس ومركزية الصوت الذي يكونا في النهاية محض إنتاج ميتافيزيقيا 


369 


من الواضح أن دريدا يضع الميتافيزيقيين و اللسانين داخل مجموعة واحدة , 
وهى المجموعة التي تعنى أن الميتافيزيقا قادرة على تفعيل اللسانيات من اجل 
دراسة الظاهرة اللغوية , حيث تقدم اللسانيات هذا المصطلح الميتافيزيقي الثنائنية 
القطبية 0و1 012م81 :9:11:19 كالثنائية بين الواقعي والمثالي , الجسد والروح , 
الخير والشر. وتحاجج اللسانيات على هذا بأن الصورة الصوتية تستحضر المفهوم 
( الدال يستحضر المدلول , تأكيد على قبلية الكلمة المنطوقة على الكتابة ) يمكننا 
القول عموما أن اللسانيات البنائية في هذا الوقت أخذت كطبعة محورة من التراث 
المهمل للكتابة حيث المكتوب مرني, ولا واقّعي , و بعدى . 

فمفهوم دى سوسير عن الإشارة اللغوية , كالمفهوم التقليدي للغة - هنا 
تكون الميتافيزيقا - ظروف صوتية قوية , أما مفهوم الكتابة , فان المفهوم 
التقليدي للغة واللسانيات الحديثة تحمله وتضعه مع بعض الأشياء الثانوية . فهي 
تعتبر أن الوجود الوحيد للتمئلات الصوتية , وهذا ما يسميه دريدا المفهوم المبتذل 
للكتابة أو ' وم])01:1 )مءعدمء «وعوان+” , ذلك أن الكتابة في التقليد 
الغربي تعتقد أن الرسالة " +ع:)»1 غ8؛ “ مدرج شعوري أو الجسم أو المادة 
المتخارجة من اللوجوس الصوتي . ودريدا يرفض هذا المفهوم المبتذل للكتابة., 
ويعتقد انه يمتلك النظرية المرشدة الأقرب للصحة لفهم اللغة برغم من إننا لا نعيها 
جيدا ونحن نمارس النقد الأدبي , فنحن نعتقد أن كل شيء يقودنا ويعطينا المعنى 
ونركز على الفكرة المحورية الوحيدة التي تحولنا مرة أخري للعودة إلى الأفكار 
الجزئية . من خلال هذه الفكرة المحورية التي قد تنقلب في فكرنا إلى وجود متعالى 
ثم يتم توظيف هذه الفكرة المتعالية للتحكم في أفكارنا عن اللغة والمعنى , نجد هذا 
بوضوح في نقد الشعر حيث تكون عملية اكتشاف المعنى من خلال فكرة أو مفهوم 
محوري , يعيدنا إلى النظر مرة أخري في الأفكار الجزئية , لنراها تحويرات لهذه 
الفكرة المركزية التي احتلت بداخلنا وجودنا متعالى , ليلتف المعنى حولها في نظام 
مركزي , ونختار دائما احتمالات المعنى التي تؤيد وتتطابق مع تلك الفكرة المركز 
ونجد هذا المركز اصبح على أيدي النقاد " كل" - الفكرة التي احتلت في عقولنا 
وجودا متعاليا - في حين أن مبدا الكل هو واحد من أهم المبادئ المبدعة 


30 


يحاول دريدا أن يكون الأدب والفعل النقدي واللغة , غير خاضع لتاثير هذا 
الكل الميتافيزيقى من خلال شكل جديد من المصطلحات النقدية ضمن نظريته 
التفكيكية بحيث تستطيع هدم المفاهيم القديمة للغة والموضة القديمة.للنقد . 

فعقولنا وفهمنا يكون بوعي أو غير وعى متآزر و جاهز مع تلك الطريقة 
القديمة أو ذلك الظرف في الفهم و البحث عن المعنى , وفي الحقيقة نحن نملك 
ترجمة واحدة من أفكار قديمة , لهذا يعتقد دريدا أن المصطلحات اللسانية لسوسير 

تكن ثورة في فهمنا للغة فهي ليس اكثر من إنتاج آخر من الميتافيزيقنا لكن 

تكمن خطورته في ادعانه للعلمية والحيادية . 

يعرض دريدا أذن الأصول الميتافيزيقينة للغة والنقد , بغية هدمها , لأننا 
نحاول أن نكون حياديين في البحث اللغوي , لا نحمل اللغة ما لا تحتمله من معاني , 
فنحن نعترف بالواقعية والطبيعية للغة , لذا يجب فصلها عن بذورها الميتافيزيقية 
في حين نجد دى سوسير قد وقع ضحية الميتافيزيقا كما بين لنا دريدا.' 


. بعد عرض الأصول الميتافيزيقية للغة قبل دريدا ( ويمثل هذا الجانب السلبي 
من التفكيكية أي دحض البنيوية أولا ) يبدع دريدا مصطلحات جديدة يتاسس عليها 
فهم جديد للغة ( الجانب الإيجابي للتفكيكية ) وساقوم الآن بوصف و إعادة تقييم 
مصطلحات التفكيكية 

يتخذ دريدا شكل المؤسس لثلاث كلمات معقدة هي : معمعءع21 الاختلاف, 
د ععوءع18 الأثر , و عمغ7781-عطء< خم الكتابة الحفرية , وكل مفهوم من الثلاثة 
ليس فقط مفهوما واحدا , و إنما مفاهيم كثيرة , كاحتمالات متنوعة داخل حذود 
المشروع التفكيكى برمته , و أتمنى أن أستطيع توضيح كيف تقودنا هذه المفاهيم 


إلى فعل التفكيك . 
أولا الاختلاف مععمععع21 علينا أن نفرق بادئ ذي بدء بين فعلين 
أساسيين : 


فعل عمزع0:11 الخلاف و المباينة أو الاختلاف او عمنمء؛»2 فعل 
الإذعان أو الاتفاق )١١(‏ حيث أن الخلاف أو عدنوء:2 يعنى أن وجود واحد 


371 


غير وجود الآخر, أي علاقة انفصال , بينما تعنى جدة::ء2+4 أن هناك رايطة ما 
تجمع بين الاثنين وهى مؤقتة او مرجنه . 

وكل إشارة أو علامة أو دالة تيعا لنظرية درودا تؤدى هذه الوظيفة 
المزدوجة فضلا عن أن بناء الإشارة ذاته يكون موضوع بواسطة تلك الازدواجية 
بين الخلاف و الإذعان أو الاتفاق , ولا ايكون بواسطة الدال والمدلول ( كما عند دى 
سوسير ) , في كلمة أخرى يمكننا القول أن بناء الإشارة يكون غير مكتمل إذ 
يحتوى بعض الأشياء الموافقة و الأشياء المخالفة في آن واحد , على سبيل المثال 
الفرق بين كلمتي 206 و :8 ) كلا منهم لهم نفس النطق و نفس الكتابة تقريبا 
هذا هو الإذعان لكن الخلاف بينهم في الهوية , فالأولى شجرة والثاقية عدد بمعنى 
ثلاثة . 

هذا يعنى أن الإشارة تكون غير مكتملة , فمثلا كلمة 72056 توجدٍ في الشعر 
لكي توصل معنى واحد مختلف عن المعنى الواقعي لها وهى الزهور التي نراها في 
الواقع , إلا أنها أذعنت واتفقت مع بعض الأشياء في المعنى الشعري لها , فكل 
إشارة تطرح ذلك السؤال ماذا تكون ليكشف عنها هنا؟ وهذا سؤال عن الإذعان أو 
الاتفاق والسؤال الآخر الذي تطرحه ماذا لا يوجد في النصف الآخر؟ ماذا لايوجد 
هناك ؟ وهو سؤال عن الاختلاف . 

أي أن كل إشارة فيها نصف معروف ونصف مجهول ومن الضروري لاجل 
وجودها في فهمنا , أن يتراكب الجزئيين فكل بص غير مكتمل - الإشارة عند دى 
سوسير دال ومدلول , أما عند دريدا اختلاف واتفاق لأجل ذلك فان إشارة دى 
سوسير لا تكون وحدة أي لا يكمل الدال المدلول بينما إشارة دريدا تكون وحدة , لان 
العلاقة بين جزنيها تكاملا , و لأنها جزء غير مكتمل من المعنى واقعة تماما تحت 
رحمة الفهم , ممزقه بين شكلها و جزئها الثاني , هذه المصطلحات الدريدية ( 
1 ونامة) تدل على الجزء غير العامل من الإشارة , أي انه لا توجد إشارة 
مكتملة فهي إشارة مكتوبة ولا تعبر خارج نفسها حتى الآن نحن الذين نعبر بها 
إلى الخارج لإزالة عدم اكتمالها الداخلي . 


ويشير دريدا أيضا إلى مفهوم العلامة ( 12:1 ) التي توجه عبورنا للخارج 
فعلى سبيل المثال (,»اطئوة؟ ) و. (عءاطزوذ؟ ) الفرق بينهم في (, ) وهى تعنى 
تحديد لنا في البحث عن المعنى . 

ولا توجد إشارة تدل على أي شيء أبدى أو تمتلك قيم ثابتة أو تحيلنا إلى أي 
شيء متعالى , كل هذه الإشارات لا وجود لها , فالإشارة تكون سياق , إبداع لأحد 
تجليات المدلول , وكل إشارة تستطيع أن تفعل وتكون رسالة لنا إذا نحن أخذناها 
كجزء وتسائلنا عن ماذا يكون جزنها الآخر؟ واعدنا تعقلها و السؤال حولها. 

ومن هنا يكون المفهوم الآخر في التفكيكية بانتظارنا وهو تعقب 
الأثر 722 وهو تعقب اثر الإشارة عن طريق تجول تاملي في التراث الغير مرني 
والغير محسوس ويمتلك دريدا وصفا رائعا للأثر ", الأثر لا يكون علامة أو إشارة 
طبيعية أو دليل في الشعور الهوسرلى من الثقافة بل الأشر ليس اكثز فيزيائية من 
الفيزياء وليس اكثر بيولوجية من الروح , الأثر هو البحث عن البداية الذي تطل لنا 
غير مدفوعة بشكل الإشارة , والأثر تضاد بين الفيزياء وأي احتمال آخر " 

يعمل الأثر في اتجاهين في الاتجاه الأول ماذا يكون هناك في حركة الإشارة 
في العقل؟ وفى الاتجاه الثاني ما الذي لا يكون هناك ؟ والسؤال الثاني هو سؤال 
عن اثر ما ليس في الإشارة وهو أهم من اثر ما في الإشارة , لان ما أمسكت به 
الإشارة شكل عقولنا أما ما لم تمسك به الإشارة سيعيد تشكيل عقولنا . و الأثر يكون 
للقوتين الاختلاف والاتفاق . و الآن نتحدث عن مميزات مفهومي الاختلاف والأثر 
في الكتابة أو المكتوب وما يحدثاه من تغييرات فيها 

لا تستطيع الكتابة أن تكون اكثر من رسالة أو مدرج شعوري أو جسم ومادة 
متخارجة من اللوجوس , لهذا يمكن اعتبار الكتابة لااشيء , أو أنها محصض 
تعارضات , إلا أن دريدا يحاول تعريف الكتابة " الكتابة مدرج عمومي حتى لو 
كتبت أدبا أى كانت كتوزيع في المكان على شكل تخطيط محكوم بأوامر الصوت " 
)١١(‏ من هنا يمكن اعتبار الرسم السينمائي , و الجروماتوجرافى , والموسيقى 
والنحت و الزخرفة هي من حيث الشعور العام كتابة وكما يلاحظ دريدا " ربما أيضا 
يتسع مفهوم الكتابة بكل قواه إلى الكتابة العسكرية والسياسية أو المرتبطة 


دءا 
ل- 
ديا 


بالتطبيقات العامة , فعندما تكتب الحكومة السياسة لم تعد اليوم قادرة على السيطرة 
على المعنى في تلك الكتابات, ليس فقط على مستوى التصور العرضي المرتبط 
بهذه الأنشطة ولكن على مستوى الجوهر والمحتوى لهذه الأنشطة ". 

اللغة تشعر بذاتها من خلال الكتابة . يقول جوتراى 812 م5 9053 (2 6 : " 
لا شيء يستطيع أن يحمل الأثر الدائم المتصل للغة إلا البناء ؛ بناء الإشارة أو حتسى 
بناء النفس " ودريدا يسمى هذا البناء الكتابة )١(‏ ولتوضيح مفهوم الكتابة يقول 
+121 2(:3003 © : " الكتابة اسم البناء المعتاد الجاهز بواسطة الأثر , وهذا 
مجرد سطح المفهوم أو المفهوم الامبريقى للكتابة , الذي يكون داخل تصور النظام 
الامبريقى كجوهر أو مادة ". ينتقل بنا دريدا من المفهوم المبتذل الضيق التقليدي 
عن الكتابة إلى أفاق ما يدعيه عمْ)8/:1/ -عاء: 4 أو الكتابة الحفرية التي تتضمن 
كل وظائف التعبير مرسوم كان أم غير مرسوم , باعتبار أن الكتابة في الإحساس 
الضيق القديم مجرد رسم أو تعبير نقى عن المكتوب في حين ترى تفكيكية دريدا 
أن الإطار الخارجي للرسم يمكن أن يحمل معنى الاختلاف فيكون " المكان المعهود 
للأثر " هو البداية التي تؤسس لتعقب الأثر , ومن هنا كانت مركزية المرسوم في 
التفكيكية , ربما يرى البعض أن هذه المركزية تمثل إزاحة قليلة نحو الاهتمام 
بالكتابة , لكن في إطار الفهم الجدلي للمصطلح تكون مركزية المرسوم في السياق 
الدريدى , هي محافظة العقل على وظيفة تعقب الأثر في كل أنواع التعبير مجموعة 
من الاستحقاقات للكتابة من اجل إمساك حركة الأثر , فليس تلك الشريحة المتحركة 
مجرد دعوة واستضافة لعل كان منطوق ولصبج مكتوب اب 
يمكن أن يكون مفيد في كل وظائف تعقب الأثر . : 

فعندما اكتب شينا على تلك الشريحة أو الورقة فإنني قد أعطيت لكلماتي 
استحقاقا جديدا وبدات عملية محاولة فهم المغزى , ليبدا العقل في حركته , يبدأ 
العقل في البحث عن بعض الأشياء الأخرى الغير مدونه في اتجاه التاثير المأخوذ 
من عملية الكتابة , وهنا تكون وظيفة الاختلاف , فالعلامة المدونه تكون دعؤة 
لتعقب الأثر," فالأثر بواسطة ذاته لا يستطيع أن يعرف وجوده " بل يعرف وجوده 
بواسطة أن يدون كشيء خارجي يتم إسقاط حركة العقل عليه فيبدأ الأثرفي 


2314 


وظيفته من خلال الاختلاف والإذعان ‏ ععمع 11ل - ععمعسسع/ءل جموع وروم 11 زر 
هذه مركزية الرسم ١‏ 

يعرض دريدا المفهوم التقليدي للغة كاسطورة مثل قرب الصوت للمددول 
وهو أوضح عنصر ميتافيزيقى يتحكم في مفاهيمنا عن اللغة , لذا بداء دريدا يبصوغ 
مصطلحات جديدة وشكل جديد للمفاهيم لكي يغير من فهمنا للغة ويحررنا من أي 
تاثير ميتافيزيقى او اسطوري , أن التفكيكية إزالة للأسطورة أو للأخطاء )١4(‏ 
فإزالة الأسطورة هي نفسها إزالة الأخطاء - في .الفهم التقليدي للغة. 

لقد تناولت في هذه الدراسة الإطار الخارجي للتفكيكية عبر ثلاث مراحل : 

المرحلة الأولى : اختبار التفكيكية لمفهومي النطق والكتابة , ولماذا كان يتم 
تفضيل النطق على الكتابة , وكيف أن هذا التفضيل حدث بفعل مؤشرات ميتافيزيقية, 
وكانت هذه هي النقطة المركزية للدزاسة إزالة الميتافيزيقا الأسطورية المخطنة . 

في المرحلة الثانية: بدأت اختبر تلك الفرضية أن اللسانيات الحديثئة تصنع 
دراسة علمية للغة , ووجدنا أن مفهوم اللسانيات للإشارة طبعة أخرى من المفهوم 
التقليدي عن النطق والكتابة , وان اللسانيات الحديثة وقعت ضحية للميتافيزيقا ثم 
كانت المرحلة الثالثة : التي كانت وصف و إعادة تقييم لمصطلحات دريدا الثلاثة : 

من لطعم اععدء7 اععمءعم 2116 و أوضحت أن المغزى العميق 
من هذه المفاهيم هي النزعة التي تمركز المرسوم أو المطبوع , وبعد أن تحدثنا في 
هذا الجزء عن مشروع دريدا , آن لنا أن نقول أن فهم اللغة تغير فياترى ما 
سيكون مصير النقد ؟ 

إذا كان الأدب نوعا من الكتابة سواء كان شعرا أو قصة أو أي مقطوعة أدبية 
فهو أذن بناء للأثر , والأثر هنا يكون خيال من العلامات , نحن لانعرف أي شيء 
عن هذه العلامات . لكننا متأكدين من أن هذه العلامات تؤسس البحث داخل الكلمة 
او الخط او النص او أي شيء ء حركة العقل من النقطة المترسبة, العلامة الحفرية, 
الأثر إلى مملكة البحث في أجواء من التأويل تبدا بالاشتباه الذي يتاسس على 
التحقق من الاطروحات النقدية لتوضيح ( كلمة - خط - قصة - خطوات - شريحة 
...الخ ) , فإذا كنا لا نملك التحقق منه فكيف نوضحه , هنا يكون البحث النقدي قصة 


3015 


تروى محاولاتنا في البحث , نقدم محتوى فكرى ونطرح أفكار ربما لا أسباس لها 
من الصحة , ولكننا نريد الذهاب إلى ما وراء الكشف , لان هناك سرا نحن نشعر 
أن بعض الأشياء فقدت أو غابت فلماذا نحافظ على هذا الشعور الأبدي فالأشياء 
غائبة أو مفقودة . 

إذا كان الأدب حفريات يطلب منا تعقب آثارها , الأثر طبع الأقدام على الرمل , 
بعض الناس مشوا وغادروا وهذه طبع أقدامهم , علينا أدراك انهم مفقودون 
غانبون خارج خبرتنا لن نجد غير صمت عميق خيال من العلامات", ياله من 
موقف عميق ! أتى بعد إعادة تعقلنا للعلامات ( ربما تكون الشخصانية ساذجة 
لكنها تساعدنا في الفهم) 

النقد القديم يتعلق بحواف الأفكار فيكون نقد الشعر قاصرا. على اكتشاف 
المعنى كفكرة أو مفهوم , نستطيع العودة إليه بفكرة أخرى , وهكذا حتى نصل لحافة 
الأفكار عند إذ تحتل أحد الأفكار وجودا متعالى , حقيقة متعالية نحن غالبا لانكون 
واقعيين نحن نوضح المعنى باستخدام الميتافيزيقا , فيكون النقد بعد ذلك محاولة 
تدعيم هذه الفكرة المحورية من الإطار , حقا شيئا ممتع أن البنانية التي تقول 
بأنها عملية ثورية لم تكن متحررة من السقوط في الميتافيزيقا , فالبنائية تطبيق 
لنظام المعنى المركزي , المركز الذي نستطيع اكتشافه كوجود , كأصل كقوة 
متعالية. ظ 

مفهوم النظام يطبق ذلك المبدأ , كل شيء يفهم جيدا , أو على الأقل يفهم , 
أين مثل هذا النظام ؟ لتأتى التفكيكية تدعى أن كل ذلك وهم , كل التوضيحات , 
الحقائق , الأصول , الوجود أشياء مصنوعة بواسطتنا هذه الكلمات مصنوعة, أن 
أبحاثنا تسير في الطريق للوصول للنقطة الأخيرة , التي هي كانت فرضية أولية 
مع بعض الإيهام بأننا امتلكنا اسباب واضحة للوصول إلى تلك النتائج.: ؤهذه 
النقطة النهائية تحاول اغتصاب المستقبل وتدعى معرفتها به , أن النقطة الأخيرة 
في البحث أو النتيجة أو المفهوم السري لأمر بعيدا جدا في النقد التقليدي والبنيوي 
الذي يرشد كل أنشطتنا النقدية وفهمنا للغة , وهو ينتقل كعدوى في التطبيقات 
المختلفة. 


306 


تشمل تطبيقات التفكيكية كل الكتب المقدسة أيضا فيما اعتقد 

فماذا عن مفهوم الله ؟ وماذا عن باقي المفاهيم المتعالية؟ وما مصيرها ؟ 
دريدا لا ينكر وجود الله , لكنه يسأل عن مفهوم الله وتطوره , ربما نحن تعودنا أن 
نستخدم هذا المفهوم كنظام دفاعي عن الأصل والحقيقة ومصطلحات أخرى لكن 
علينا أن ندرك أن هذه المفاهيم الأخرى مجرد مفاهيم في ابحاثنا , أما الله فهو وراءٍ 
الفهم الإنساني , يبدوا كشيء أجنبي عن الإنسان , نستطيع تخيله أو الشعور 
بالإغماء خشوعا له , لكننا لا نستطيع معرفته , فهو في غياب متعالى , الشعور 
بذلك الغياب حاضرا في التفكيكية فكل شيء اثر , علامات غانبة . أن ذريدا لايزيل 
عرش الدين بقدر ما يحميه ويحافظ عليه من الميتافيزيقا فهو يستبعد أبحاث 
تقترح وجود الله كضامض للحقيقة عند كل مفهوم أنساني. عند هذه النقطة أننا 
أريد توضيح ان دريدا لايقترح أي شيء ممل غير منتظم النسق , هو باحث حر في 
مجال المعرفة , يحاول تحرير العقل من بعض ما رسب فيه باسم الله والديمن, 
بواسطةعرضه للعقل الحر الباحث عن الحقيقة ن لتفكيكية دريدا مضمون روحي. 

و أخيرا أود العودة للسؤال عن النقد من خلال ما يقدمه لنا الشعور التقليدي 
من نماذج لفهم الأعمال الأدبية ؛ هذه النماذج ربما تكون فلسفية أو أخلاقية أو دينية 
أو لسانيه , ربما لا نكون على وعيا جيدا بالحقيقة بعد تطبيق هذه النماذزج فكل مما 
ندعيه غالبا على انه مدخل ذاتي , لا يكون ذاتيا نحن نجتر ما في الأعمال الأدبية 
لأجل بعض الأشياء في عملية الفهم المتحكم في الممارسة , بعض الأشياء تستطيع 
أن تخبرك أن الأعمال الأدبية منغمسة في الكلمات والحركات و الظواهر, لاحتمالات 
توليد المعاني ,على سبيل المثال , لو حاولت التطبيق على كتاب ”1516 121 786 
,22 ودس[ 04“ ل65)وع أنا أستطيع اجترار المحتوى الشعري كبيانات متاحة 
عن الحياة الشعرية , الشاعر يعكس التأكيد على الطبيعة وجمال أشياءها , في 
مرة لحبوب المادة ومرة أخرى للحب الحالم للحياة , وكل ذلك من البيانات المتاحة 
...ثم أبدا في ترتيب هذه الأفكار بناءا على فكرة خارجية ماخوذه من نظام الشعر 
كله , فضلا عن إنني اضخم معنى الشعر عندما أبدا في عملية الإعادة النقدية 
للشعر. ربما أريد إضافة هذه الأسئلة للبحث ما الأسباب التي دفعت الشاعر لحب 
الحياة الحالمة ؟ ولماذا اختار تشبيه الحبوب المادية ؟ في هذا النوع من النقد نحن 


377 


لانركز على النظام لأجل ذاته ,ولكن نركز على النظام من اجل تدعيم نظام الدراسة 
ذاته ومدى اتباعه لتحقيق البنائية . على سبيل المثال ماذا يكون في التصور الأدبي 
عن مغادرة الجزيرة الأصلية والذهاب لجزيرة أخرى ؟ يكون هناك تصورات 


يوي 


نجد عند شكسبير في " كما تهوى " و" حلم ليلة صيف" شخصيات تغادر 
المدينة لتذهب للصيد في الغابة ,الشخصيات في الغابة تعود للحكمة الشريرة بوهذا 
تحول في الشخصيات يتشابه مع ما يحدث في " سفريات جليفر" بل انه مثال 
متطابق مع النموذج البنيوي اعتقد أن الشاعر يضخم كل هذه الأفكار . 
الهوامش 
رلا ادع **,أععضم ع /اأأعلنأمممعع0آ ع1 “روهط م .11.8 - 1 
.07428) 
: لمأكولاط ) 1 اط لقة طاعععم5 , ععهاء2 , عع نم03 ومادء[2 - 2 
.أللاكا.م , ( 1973 ر ووعع2 .لالدلا ورعاوع امهل 
في تعليق عن مكانة المنطق والشكل الموسيقى للفظ في فلسفة اللغة يقول حارفر :" في تاريخ الفلسفة 
الغربية , فلسفة اللغة تم احتضاهها من قبل الميتافيزيقا فلم تتعد بذلك فلسفة اللغة ما بين الأساس 
المنطقي أو أساس الشكل الموسيقى للفظ " 1<.ز,ع226186 ) 
و ف تعليق آخر على الحركتان الذي قاما في اللجزء الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين 
يقول :" الجركة الأولى في فلسفة اللغة كانت متعادلة في .تقدير قوة الأساس المنطقي للغة ,ولكن 
أعقبها حركة من داخلها تميل إلى إعلاء الأساس السجعى أو الموسيقى لدراسة لغة البتراث وهذه 
الحركة تحدث عنها دريدا كإغلاق للميتافيزيقا . 
1 ) 3, لإتأباوم!ا لدع ناقت *, أوهلط 35 عأانن) عط 1 “ ركع 1اتق8 1115 .ل -3 
6ه لنة عمستالة8 ) لداع ايت 01 معط ,تعمع !1 لإمسساكة ‏ -4 
.220-3.مم,(1972رووع .نهنا كقأعامه!! قصطهل: 
:ل لالرتماعع ص لءط) عع لناع قا 01 عدناه1 موك 116 , تمدع دل عتتلءع - 5 
.م (1972رووعع2 .لالوتا مماعع لط 


38 


1310 62/211 . 53235 , /إ8 87322713010 01 , 012103آ] 123601165 - 6 
(1972 رووع]2 ,اونا كمتامه1]! عمطهل : 5ه00دما لهة عتمم الوط ) عأ امك 
0003 
يقول دريدا " النظام اللغوى يتكون بواسطة الهحائية الصوتيه المكتوبة الى تكون: معتمدة على 
مركزية العقل او مركزية اللوحوس كعنصر ميتافيزيقى ,و تحدد بأنما شعور بالوحود كحضور مشج 
,هذه المركزية للوحوس تقدم النطق وكانه فى مكانة الطرح الابوى ,حيث يكون اى تعليق و تضلوج 
عن اسباب جوهرية غير النطق لاى تام حر مرفوض " 
/ا - يعلق دريدا على الخلفية الميتافيزيقية لمفهوم الدال والمدلول " ,الاختلاف بين الدال و المدلول 
يستخدم فى تطبيقات لتحقيق الكلية الذى تكون مدعل كبير لتاريخ الميتافيزيقًا وى تطبيق اخر ييدو 
كاداة منظمة للابداع المسيحى حيث اللاتناهى حيث ترفض المداخل العقلية للمفاهيم اليونانية عن 
اللغة " 3 
8 - مركزية اللوحوس تعرف ف الميتافيزيقا بانها تعبير عن الرغبه فى المدلول واتجاد المعى ف اللوحوس 
,وهذه الكلمة استخدمت ايضا كانعكاس للعقل الاهى 
9 - مركزية الصوت تطعيم للكتابه كتقنيه اقل فى التعبير الدقيق عن المدلول لا تصل الى ما تصل اليه 
الكلمة المبطوقه ف الدقه لذا فهى تعتبر ان الدال ينبغى ان يكون صوتى 
٠‏ -- من كتاب ابرام حيث يقول : " حركة النموذج التقليدى الكلاسيكى المغلق لمركزية. اللوحوس 
( الى تحافظ على اساس الفهم الافلوطين للموجود المتعالى المسيحى والحضور الالهى كاصل للمعق) 
الى النموذج مركزية الرسم الذى كان خضوره بطيئا كعلامات او روابط " 
١‏ - مفتاح حجة الاختلاف يكون كما يقول ميورى كريجر اللعب على الفعل الفرنسى 01116167 
- الذى يعطى كلا المعنين 06161 10 300 011167 0) بناء على هذا التميز يكون هناك تناقض 
بين معنيين واحدين للكلمة هناك فجوة تفصل المعنيين 
١١‏ - فى الكتابه والاثر يقول دريدا: الكتابه واحد من تمنلات الاثر عموما لكن لا تكون الاثنر 
ذاته,الفكرة ف الاثر انه لا يستطيع ان يكون بسيط مشتق من سؤال الفينومينولوجيا الوجودية عن 
الجرهر , الاثر لا شمئ غير موجودولا كيان له حرج السوال ماذا يكون اذن ؟ 


379 


و اتابع صنع الاحتمالاات 
320 هدع تممضعغط2 لصة طعععم5 , ععواع: .وماتدعل8 ,وعنضية0 -13 
4 .17225 . .1022103 000 .كع 51 5*أقعوون1!] 01 لإزمعط1 ره ولإوودط 
3 , ووع:2 .لالدلا وجعاوع تتطارهل1 : 0ه)035 .لرو5 لالم .8 
4 - ميورى كريجر 147216867 /إ1410183 يقول : " اللغة بدأت كعدوى انتقلت لتكون توحيه 
مرجعى للظرف الانسان اضطر لتشبيك الكلمات فى موجات واعادة هذه الموحات غلال القرون 
لتطوير الاساطير والمفاهيم وما وراء الاشكال لتمثلية فى المختصر النظام الكامل للعوارض الميتافيزيقية 
1 2250 212ع20172ئعط 3200 بأعععم5 .1700101108ط1 . 12310 , درموزالى - 15 
21710 .قلة15 .10222103 ك5عنالوع13 .كع (5 أو اورمعط1” 5*أرءودنةا دنه ولإوووط 


. 1973 بو5وع:2 ,لالدلا تدعاوع لينل[ : ممأكمواط .لرموزاافظ 8 


صلاح قنصوه 
شهادات حية حول فيلسوف 

يدور هذا الملف حول الدكتور صلاح قنصوه وجهوده الفلسفية في مجالات 
الفلسفة المختلفة التي أرتادها صاحب موقف فلسفي متميز وليس مجرد أستاذا 
أكاديميا رغم أن تأثيره الهام في جيل متميز أيضا من طلابه يرجع إلى كونه استاذا 
إنسانا ومفكرا صاحب رؤية خاصة , وسوف يتكشف القارئ للأوراق المقدمة هناء 
هذا الدور فهي كتابات تجمع بين الشهادات الحية والبحث العلمي الدقيق قدمها 
زملاء وتلاميذ له لهم مكانتهم العلمية في الجامعات المصرية المختلفة » جامعات 
الإسكندرية والزقازيق وطنطا والقاهرة والفيوم. 

وقبل أن أنهي اذكر الكلمة التي استهل بها الدكتور زكي نجيب محمود 
مناقشته للدكتور صلاح قنصوه وهو , كما يصدق على بحثه المشار إليه ٠‏ يصدق 
على كل أعمال صلاح قنصوه » يقول زكي نجيب محمود: "لا شك أن العمل الذي 
بين أيدينا عمل يستحق كل إعجاب في الجدية التي أفتقدناها في كثير من الحالات » 
وفي سيطرة الباحث على موضوعه سيطرة واضحة في كل صفحة من صفحاته » 
وفي سعة الأفق الإدراكي. 

الباحث في الحقيقة أجال بصره في ميدان فسيح . وكان متميزا بقدرة الهضم 
ولم يرض لنفسه أن يسرد أفكارا دون أن يخرج لنا وجهة نظر , على الأقل يختارها 
من بين وجهات النظر مما يؤكد شخصيته في عمله وفي أداء رسالته. الحق أني 
قرأت هذه الرسالة الضخمة فكنت أشعر بأنني إزاء ند وزميل لا بإزاء طالب يراد من 
أن أمتحنه أو أناقشه ذيما صنع 

ومن أجل هذا المستوى الذي التقينا فيه زميلين على صفحات هذه الرسالة 
أريد أن أناقشه مناقشة كنت أود أن تطول . وسنحاول أن نوجزها حتى يفرغ لي 
وافرغ له لأن مجال المناقشة بيني وبينه طويل وعريض. 


351 





التكوين 
" اشعر دائما بأنني في عملية متصلة من التكوين " صلاح قنصوه 

:ريذاحم-١‎ 

ينبغي لي أن ألم ببعض المحاذير في كتابة التكوين , فصورة الإنسان عن 
نفسه ليست هي واقع شخصيته الفعلي , تماما مثلما أن النظريات عن الواقع ليست 
هي الواقع نفسه , وعلم الطبيعة ليس هو الطبيعة , بل طريقة العلماء في معرفتها 
للتعامل معها بقدر يتفاوت نصيبه من النجاح أو الإخفاق وتتعدد الأسباب , ولعل 
أبرزها و أهمها : أن الشخص ليس ذاتا واحدة موحدة إلا في نظر الآخرين لأنهم 
يفضلون ذلك متى كان ايسر و ابسط في اتخاذ القرارات في كل شئون التواصل 
والتداول مع الغير , بينما الشخصية مجموعة من الذوات أو الأبعاد أو الجوانب التي 

كما أن الذاكرة ليست بريئة من التحيز والانتقاء عندما تلتقط من الأحداث 
والوقائع ما يغاب ذاتا أو جانبا على غيرة في وقت ما , و في ظرف معين. 

وربما كان الأخطر من هذا كله أننا حين نقدم أنفسنا للغير نثبتها فيما نحب أن 
يصنفنا إليه , مثل خانة المهنة في البطاقة الشخصية , أو بطاقة التعريف (الكارت) 
غير أن هذه الخانة أو الدور الذي نحسب أن الآخرين يتوقعونه منا , هو إحدى 
الذوات" الممكنة " التي تنطوي عليها مشروعات الشخص التي يسعى إلى تحقيقها 
أو تأكيدها في أفق حياته الواعد الممتد , أو هو أحد أصوات شخصيته " الحوارية 
" وتعد مصطلحات الذوات الممكنة , و الحوارية , والمنقسمة من بين المفاهيم 
البارزة في علم النفس الراهن , وهو ما يشفع لنا في الاحتفاء باستخدامها في هذا 
الصدد , وأنا على يقين بان ما اكتبه اليوم مشوب بهذه المحاذير . 

و أول ما يتبادر من دلالة التكوين انه مرحلة لابد أن يكون صاحبها قد 
جاوزها إلى مرحلة أخري من النضج والاستقرار و الاكتمال , و لكنني اشعر دائما 
بأنني في عملية متصلة من التكوين الذي لم يعد مجرد مرحلة للأخذ و التلقي تعقبها 
مرحلة أخري للتحقق والعطاء , بل هي سلسلة من الحوار العملي بيني وبين كافة 
المعطيات والوقائع , أو هي شبكة ملتفة الخيوط لا نقدر على فصل ما نعده تلقيا عما 
نعتبره إضافة أو أداء . 


353 


فالإنسان هنا كالفنان لا يعنينا ما جرى له من أحداث بقدر ما يهمنا ماذا صنع 
بها ليبدع شيئا جديدا . ومن ثم , فان ما أقدمه بين يدي القارئ الكريم ليس تسجيلا 
موضوعيا لبعض ما حدث لي بسبب ما أسلفته من محاذير , فهو اقرب إلى اللوحة 
التكعيبية التي لا تمثل أو تنقل الواقع في مكان و زمان معينين , بل تنفذ إلى ما تحت 
المظاهر لتؤلف بين مستويات إبصار , ووجهات نظر متعددة , في لحظات متتابعة 
من الزمان , وليس في ومضة خاطفة . ويصدق هذا على كل من يزعمون انهم 
يعرضون سيرة ذاتية في صورة محددة المعالم لأنهم , على الأقل , يكتبون وهم في 
مرصد يختلف عن موقعهم الذي كانوا يشغلونه في السنوات الأولى من حياتهم . 

" - المشروع : 

فالحديث عن التكوين حديث عن مشروع إنساني لم يكتمل , و لا استخدم 
مشروع بالدلالة التي تروج اليوم في أسواق الكتابة و المؤتمرات مثل مشروع فلان 
أو فلان , فهي مجرد برامج فضفاضة و نوايا طيبة أو سيئة يعلن عنها أصحابها كما 
لو كانت مذاهب أو أحزاب في حاجة إلى أنصار يلتفون حولها ومؤيدون يصفقون 
لها , وقد تكاثرت تنك" المشاريع " في الدوائر الثقافية طلبا للسمعة والرواج الذي 
تتطلع إليه المشروعات الاقتصادية ولكن ينقصها ما يسبق من " دراسات الجدوى 
" فليس المهم طريقة الإنجاز أو وسائل النفع و الفائدة العلمية , بل إثارة الصخب 
الإعلاني في الندوات والمؤتمرات في الداخل والخارج على السواء . 

فالفرد , بوصفه مشروعا , يظل كذلك في حال تكوين . ولا يمكن الحكم عليه 
أو تعريفه إلا من خارجه , أو عندما يغيب عن الأبصار لانه لا يكف عن الاختيار بين 
ممكنات متعددة , ومواقف متعارضة في سياقات سياسية , واقتصادية , واجتماعية , 
وثقافية مختلفة . وبالنسبة لي , كان الاعتقاد اليقيني بان العمر قصير و لا نملك 
أطالته , و بالتالي كان همي الذي شغلني هو البحث أو السعي الدائم لجعله عريضا , 
وذلك بالانفتاح الدائب على كل ما هو متاح لي أو يمكذني أن اجعله متاحا لي . وذلك 
في كل شئون الحياة التي تعرض للطفل والمراهق و الناضج . 

وقد منيت بخصلة سيئة منذ طفولتي و هي الخجل , و لابد أن الكثير ممن 
يعرفونني سيسخرون من إسرافي في هذا الادعاء , ولهم كل الحق , و لكننسي 


334 


لإحساسي بهذه العاهة المستديمة حاولت أن أخفيها و أقاومها بآلية دفاعية نفسية 
تكاد تصبح اندفاعا أو هجوما اتخذ صيغة التهكم لغلبة ميلي للمزاح . 

وتتبين تلك الخاصة في الشعور بطول المسافة , أو ما يشبه الغربة , مع أي 
تجمع يضم اكثر من اثنين , وفى الإحساس بالمراقبة الناقدة من الغير , كما ترد 
بطبيعة الحال إلى افتقاد الثقة بالنفس الذي يفضي بها , بطريقة عكسية إلى اتخادٌ 
مظهر الاعتداد و فرط الثقة بالنفس , فضلا عن الاستهداف السريع لأي استفزاز 
هين من الغير , أو ما أتوهم انه كذلك , فتتم إثارتي" بالريموت كونترول " الذي 
يحمله محدثه في جيبي إذا شاء . 

و لقد تيسر لي أن.أقاوم الشعور بالخجل في محاضراتي مع طلبتي بمحاولة 
تضيق المسافة بيئنا بجعلها حميمة مرحة عن طريق كسر الحاجز الرسمي الشاهق 
الذي يجعلني مؤديا لدور الأستاذ الذي يلقنهم الحكمة والكلمة الأخيرة , و يتسلط 
عليهم بمقتضى موقعه " الإداري " أو الوظيفي . 

أما ما أعانيه فعلا من تلك " الإعاقة " التي لحقت بي منذ الصغر, فهي ما 
تعلق منها بالكتابة , فأنا يمكن أن أتحدث أو أناقش في تدفق و انطلاق , ولكن عندما 
أتأهب للكتابة , أجد نفسي مثقلا بإسار حديدي يكاد يشل يدي عن المضي فيها , فأنا 
أحس بان قارئا عبقريا, وناقدا ساخرا يجثم على كتفى ليراقبني و يتربص بكل لفظ 
أو عبارة أو سطر اكتبه, بل انه يقوم بالتحقيق معي , ويستجوبني:لماذا هذه الكلمة 
أو الجملة , أو تلك النقلة من واحدة إلى آخري ومن فقرة إلى غيرها ؟ وما الجديد 
في كل هذا , وكيف تثبت صحته؟و من هنا جاءت كتاباتي مقلة و فيها قدر كبير من 
عسر التركيز . 

بل إنها تبدو متجهمة جادة على نقيض ما أبدو عليه في حديثي مع الآخرين , 
و قد دفعني هذا إلى إرجاء كتاباتي إلى ما بعد موعد تسليمها , و أثناء معاناتي لألام 
المخاض في الكتابة , أحاول الهروب من مواجهة ذلك القارئ الماكر بالتذرع بمزيد 
من القراءة أو ممارسة أنشطة أخرى , وقد ادخل الحمام كثيرا الذي رزقتني خلوتي 
فيه بأفكار كثيرة أثارت إعجابي فاسرعت إلى تقيدها . 

كنت الأخ الأصغر لأشقاني البنين الذين قاموا بتعليمي بجد واجتهاد قبل دخولي 
إلى المدرسة في مدينة قنا , فتلقيت على يدهم الكثير حيث عمدوا إلى تلقيني من 


2355 


المعارف ما جعلني افضل من زملاني في المستوى نفسه . وكانت هذه الفترة اربع 
سنوات , بمثابة حقن متواصل لشخصيتي التي تشققت إلى ذوات عدة بقدرما 
اختلف كل من أشقائي الثلاثة في محتوى دراسه لي , وطريقة توصيله أو أدائه , 
وبما اقترن به ذلك التعليم الخصوصي من الطموح الذي بثوه في و تباينت أهدافه و 
ترتيب أولوياته . 

فكان محمد أخي الأكبر رحمه الله يعلمني اللغة العربية و أذكر له إصراره على 
أن استزيد من " ثروتي " اللغوية لكي أكون كاتبا أو خطيبا مفوها , وكان للخطابة 
شانها العظيم في السياسة آنذاك , وكان له فضل إشعال , بل خلق , جذور الرغبة في 
التفوق عندي بكل ما يحدق بها من مخاطر المنافسة المحمومة , ولقد حاولت ان 
أقلد أخي محمد في إنماء تلك الرغبة عند أبئي في طفولته فنهرتني زوجتي على 
نحو قاطع صارم حتى لا يعانى ولدى ماأعانيه من توتر وقلق يفسد عليه حياته 
ومشاعره . 

وكان أخي محمد بمثابة الأب و الأم لي فكان حنونا و لديه إحساس باذخ 
بالمسئولية, وكان يملك روحا جسورة و مقدرة عملية في اقتحام أنشطة لم تكن 
مبذولة و متاحة له أصلا . 

و اشتغل بالسياسة و كان زعيما للطلبة , وقد حباه الله بهيئة مهيبة تدعو إلى 
الثقة والاحترام على نقيض هيئتي التي تقتحمها العين , وكان رغم ما نفخه في من 
طموح وأقدام على المنافسة كان لا يحس بمرارة المنافسة , بل كان فخورا بما 
يحققه زملاؤه , وكثير الثناء على غيره , وكانت إثارته لطموحي تلبية لحاجته إلى 
الفخر يما لدى من إمكانيات ضئيلة واذكر له أن أطلق على اسم " رفا يلو " الفنان 
التشكيلي عندما راني اصنع بعض التمائيل الصغيرة من الصلصال و مسحوق 
الحجر(رغم أن رفايلو كان مشهورا بالتصوير و ليس النحت) و على أي حال فقد 
تفوقت في مادة الرسم, وكانت رسومي كثيرا ما تعلق على حيطان غرفة الرسم 
بالمدرسة السعيدية الثانوية فيما بعد , وكان هذا نتاجا لتشجيعه , و كذلك مادة 
الإنشاء التي احتفظ المرحوم الأستاذ محمد متولي أستاذ اللغة العربية العظيم 
بكراستي فيها قائلا بأنني أديب!. 


356 


أما أخي مصطفى كمال فقد علمني , ربما دون عمد , أن الحياة تغدق على 
الإنسان كل أنواع المباهج إذا ما احسن تلقيها والإقبال عليها , فكان ممشلا للفن في 
بيتنا , في كل جمالاته . وكان مبدعا ومتذوقا بارعا , كان يغنى ويدندن بإحساس 
مرهف , ففتح لي الباب واسعا أمام تذوق الغناء و الموسيقى و كان يمثل كبطل 
مسرحيات مدرسته , وكان نهما في قراءة الأدب , و كتب القصة بأسلوب رفيع . 
وكان " دون جوانا " جسورا مما اوقعه في كثير من المازق , وكان أنيقا متضلعا 
في تقلبات " الموضة " ولو لم يركن إلى الكسل لكان أديبا كبيرا , غير أن الكسل 
في آسرتنا سمة موروثة , و لقد أخذت من مصطفى كمال- أطال الله عمره و اسبغ 
عليه الصحة - كثيرا من إقباله على الحياة واغترافه منها , فكان معلمي لانه لم 
يبخل علينا بحكاياته الممتعة و " دروسه المستفادة "' وكنت اعجب بأحاديئه حول 
الفن والفنانين لطرافة آرائه و نظرياته و تطرفها معا , وما زلت حتى اليوم استمتع 
بحواره العذب كلما سنحت لي الفرصة . 

و أما آخي إبراهيم فتحي , الناقد الكبير , فهو الذي يكبرني مباشرة , وكانت 
صلتي به وثيقة لصيقة , ومازلت انظر إليه , في جوانب كثيرة , كمثلى الأعلى , أو 
القدوة التي كنت أتمنى أن املك بعضا من مواهبها , وكان إبراهيم متفوقا , بل نابغة 
في مدرسته , فكان يسحق منافسيه او خصومه بسهولة يحسد عليها , وقد اتخذ 
منى إبراهيم صنيعه له , يعلمني و يدربني و يقومني . 


وكانت القراءة بالنسبة لنا في مدينة قنا هي ابرز المناشط , فلم يكن هناك مسا 
يشغلنا طوال النهار , خاصة في الاجازة الصيفية , سوى القراءة والخروج للتنزه 
في المساء , ولذلك قرأت تقليدا لأخواتي , كثيرا فيما لا يمكن لسني أن يستوعبه , 
وتمثلت مع ذلك أشواق المحبين , ومغامرات الأبطال , و أراء المفكرين . فقرات في 
كل شئ متاح , وعن طريق التبادل مع أصدقاء أخوتي , و الاستعارة من بعض 
الدكاكين مقابل نصف قرش لكل كتاب , وشراء روايات ومسامرات الجيب و أقرأ , 
وكذلك بعض كتب التراث مثل العقد الفريد الذي كنا نخرجه بحرص من دولاب صغير 
كان و الدي رحمه الله يقتنى فيه بعض الكتب التي يستمتع في أجازته الأسبوعية , 
بترتيبها , و أظن انه لم يشغل بالقراءة إلا إلى حد ما بعد الإحالة على المعاش:, 


3137 


فأضاف إلى ما يقتنيه الكثير من كتب التراث الدينية التي حرص على تجليدها وكتابة 
اسمه بالذهب عليها , وأهداني منها عددا وافرا , ورغم انه لم يشاركنا القراءة 
والمناقشة إلافي مسائل السياسة الجارية و الدفاع عن مصطفى النحاس , فرغم 
ذلك بذر في نفوسنا الاعتزاز بالكتاب و إجلال قدره . 

و لا اذكر إنني شاركت أقراني في اللعب و خاصة في الشارع , فلم أمارمن 
حياتهم , و ربما دفعني ذلك فيما بعد إلى تعويضه في الزمن غير الملانم . . 

وكان الخروج من المنزل عادة بصحبة إبراهيم , فلم أتعرف على حياة من هم 
في عمري , وكان عالمي مستعارا من عالم إبراهيم و أصدقائه , و كان حديثهم و 
سمرهم رفيعا لاانهم على ما اذكر كانوا يتناقكشون حول ما انطوت عليه تلك الكتب 
الأدبية من أفكار و أراء ومعلومات و قد يتحيزون لمؤلدف ضد أخر , ومن ثم كان 
عالمي بعيدا عن عالم الطفولة , و لاا يعنى هذا إنني كنت أشاركهم الحوار أو السمر, 
بل كنت تابعا صامتا لإبراهيم لا اتحدث معه أو أساله إلافي طريق عودتنا إلى البيت 
في المساء المتأخر . 

وفى هذا المنعزل النائي الذي تضيق فيه الإمكانيات , انطلقت آمالي 
وطموحاتي حرة دون حدود , و قد نفخت اأشرعتها ريح القراءات و المناقشات في 
موضوعات و قضايا قد لا تلمس أقدامها الأرض الصلبة . اا 0 

و قد غرتني الأماني حتى ضبطني إبراهيم اكتب في كراسة إنشاء اللغة 
الإنجليزية بالحبر , و كان بالريشة آنذاك , مباشرة دون مسودة بالقلم الرصاص , 
فاستنكر ذلك قائلا " أنت فاكر نفسك شكسبير !" فخجلت من فعلتي , و كان 
إبراهيم , وما يزال , ساخرا عظيما, وكان إلى جانب ذلك معلمي ومرشدي وله 
سطوة كبيرة على نفسي , ولا أدرى إن كان ذلك " الحادث " هو سبب خشيتي من 
الكتابة و هروبي منها , أم أنئي أبالغ , وكشيرا ما افعل ! ,و على أية حال كانت 
آمالي مجنحة في ذلك الحين أثناء المدرسة الابتدائية , وكانت تمتد إلى رسم خطة 
للثورة في مصر و إعلان الجمهورية في مصر و قيادة حزب للبعث المصري , وكان 
الإعداد و التحضير لتلك الثورة مقصورا على الحديث مع نفسي بصوت عالي , أو 
رسم شعار الحزب على أوراق الكراريس " ثلاث أهرامات ونخلة " و أرهقني جدا 
اختيار تصميم مناسب لغطاء الرأس المصري بديلا عن القبعة والطربوش 1 . - 


308 


 “‏ البرنامج 

ثم انتقلنا إلى القاهرة و دخلت السعيدية الثانوية بمجانية التفوق , وقد بلغت 
الحلم مبكرا في الثانية عشر من عمري , و طالت قامتي سريعا نسبيا حتى قال 
إبراهيم ستصبح عملاقا , ولكن سوء التغذية و الوراثة حالا دون تحقق تلك النبوءة 
السارة . 

وفى السعيدية (إخمس سنوات ) بدأت نشاطي السياسي مبكرا مع حكومة 
الوفد الأخيرة , و كانت بداياتي التحمس لفكرة المواطن العالمي لجارى ديفيز , و 
كان أفاقا حالما, وجعلت ابشر بين أصدقائي بهذه الفكرة الخيالية بوصفي سكرتيرا 
للجنة المصرية للمواطن العالمي , أو هكذا زعمت , ولكن ما لبثت مراهقتي المتقلبة 
أن دفعتني إلى عضوية " اللجنة التنفيذية العليا " للمدرسة , وذلك لأنها تكفل لي 
اخذ سمت الزعامة في الإضرابات , أي المظاهرات , ويسألني الطلبة عن موعد 
قيامها , ثم انضممت أسابيع قليلة جدا في أسرة من اسر الأخوان المسلمين تلبية 
لدعوة بعض أصدقائي منهم , ولكن سرعان ما خرجت عقب سخريتي من بعض 
رموزهم القيادية , وطريقتهم في الاجتماعات والدعوة, ونلت علقه طيبة من 
أصدقائي أنفسهم . 

وبعدها ترددت على ندوة احمد حسين بالبيت الأخضر مساء كل خميس و 
واذكر أنني بدات حضور "دردشته " كما كان يسميها في أول الأمر ومعي اقل من 
عشر أفراد , واستمرت الندوات حتى اكتظت القاعة , وكان اسمها قاعة "' على 
جريو " , بالجمهور حتى لم أجد مكانا في نهاية الأمر إلااخارج البيت الأخضر في 
الشارع لاستمع إليه في الميكروفون , وقد اكتسبت شعبيته بفضل ديمقراطية حاو 
الوقد وسماحتها بنشر مقالاته الملتهبة في جريدته التي اصبحت اسمها الاشستراكية 
بدلا من مصر الفتاة . 

ومن دردشة لأحمد حسين اقتربت من نظرية فائض القيمة الماركسية ولكن 
بعبارات أخرى حيث قال على ما اذكر " الرأسمالي يشغل العامل الذي ينتج السلعة 
وبدلا من أن يعطيه حقه كاملا يستقطع في جيبه جزءا منه وهذا هو الربح " أو " 
بدلا من أن يعطيه عشرة قروش يحط في جيبه قرشين " . وعقب ذلك رأيت أن أقرا 
النظرية الأصلية , وكان إبراهيم قد اصبح ماركسيا فزودني بالمضادر , بل 


359 


وانضممت لتنظيم " حدوتو " لبضعة أسابيع وخرجت , والواقع أن التنظيمات 
السرية الماركسية وغير الماركسية تقوم على الطاعة والولاء , وعدم المناقشة , 
والخصومة الحادة مع غيرها وان اتفقت معها في المعتقد , وتبادل الاتهامات 
بالخيانة و العمالة للشرطة , وابرز سماتها الضرب من حديد على حرية الحوار و 
ازدراء الثقافة النظرية . وكان هذا آخر عهدي بالسياسة بالمعنى العملي مع 
حصولي على شهادة إتمام الدراسة الثانوية . 

وفى هذه الأثناء كنت أقرا في الأدب والفنون بوجه عام , واعمد إلى تعريض 
حواسي جميعا لكل ألوان الفن , وعندما كنت أقرا احس بان نافذة انفتحت على 
جهلي بأمور كان ينبغي أن اعرفها من قبل , فالقراءة في هذا السن , بل في كل سن, 
ليست إزالة للجهل بقدر ما تكون لفتا لجهل لم اكن واعيا به , وقد كانت السينما 
والإذاعة وحضور الندوات , ومعها القراءة هي الوسائط الرئيسية للمعرفة والمتعة , 
وعندما اكتشفت جهلي , عبر القراءة , بالمسرح و الأوبرا و الموسيقى العالمية , 
اندفعت إلى التعرف عليها وتوسيع إمكانيات البهجة و الاستمتاع بالحياة التي أدركت 
مسنوليتي في أن أقلصها في شريط ضامر , أو امتد بها في ساحة رحبة , فكنت 
اذهب سيرا على الأقدام توفيرا للقروش , إلى مسرح الفرقة القومية بالعتبة وادفع 
ثمن تذكرة البلكون " أعلى التياترو" الرخيصة , وكذلك إلى الأوبرا حيث يرتفع ثمن 
تذكرة البلكون عند عروض الفرق الأجنبية , فأضطر إلى شراء تذكرة وقوف في 
البلكون , ولانبهاري بالأوبرا دربت صوتي على الغناء من طبقة " البناريتون " و 
كان جمهوري هو أصدقاني وزملائي وخاصة في الرحلات الخلوية, كما وضعت 
برنامجا للاستماع المنتظم للموسيقى الكلاسيكية بداته في مركز الاستعلامات 
الأمريكي ثم غادرته بعد احتراقه إلى متحف الفن الحديث الذي اصبح اليوم ساحة 
انتظار للسيارات بجوار سينما قضر النيل , وكان يشغله أيضا متحف مختار في 
حديقته , فضلا عما يقيمه من معارض للفنانين التشكيليين على مدار العام . 

و قد رافق برنامجي الفني العريض اطلاع واسع ومتشعب راقني منه مجال 
الفلسفة, و أحسست أنها اقرب الكتب إلى نفسي وعقلي , رغم إنني كنت اعد نفسي 
للالتحاق بكلية الحقوق لأصبح محاميا , فوجدت في الفلسفة الأفكار التي تجذبني 
وتبهرني , وهى تلك الأفكار التي تثقب البالونات الجاهزة , أو التي تسلط ضوءا 


310 


جديدا للنظر إلى الأشياء على نحو مختلف , أو تعيد النظر في كل ما سبق لتضعه و 
ضعا جديدا , فهي الأسئلة الحقيقية التي يجب أن يطرحها الإنسان و لا تستدعى 
إجابات جاهزة , أي هي أسئلة الطفل الساذج البريء من آية إجابة سابقة , فنحن 
نمشى عادة في طرق ممهدة بالإجابات , بينما علينا أن نشق طرقا جديدة بالأسئلة 
الجديدة , و المعلومات و الأفكار و الآراء كثيرة مطروحة , ولكن ما الذي يمكن أن 
يجمعها و يؤلف بينها ؟, فهذا هو نوع الأسئلة التي تهم الفلسفة وهى التي بموجبها 
يمكن أن تنساب الشذرات المتفرقة أو المتراكمة , وتذعن للترتيب في نسق أو 
منظومة تحتل فيها التفاصّيل موقعها الخاص وتصبح خريطة كاشفة وهادية للفهم و 


الاستيعاب أي للتحليل والتفسير . 
+ - المواقف : 


اقترن ولعي بالفلسفة بما تكشف لي بعد عام من حركة الجيش من تضيق 
لأفاق الطموح , وانكماش لحرية الانتقالات الفكرية , مما كان من شانه أن يحمصر 
أمالي في اختيار مهنة ملائمة فحسب , ولذلك قدمت أوراقي لكلية الآداب قسسم 
الفلسفة عسى أن اصبح أستاذا جامعيا . 

فتعلمت من الفلسفة إنها ليست علما مستقلا أو تخصص محترفا بقدر ما هي 
طريقة تفكير , واسلوب ممارسة للحياة , لأنها وجهة نظر شاملة كلية للعالم أو 
الكون وموقف الإنسان منه وفيه , والآراء التي تتصل بمصير الإنسان ومنزلته 
ومراتب الكون بالنسبة إليه . وتنشأ عموميتها من موضوعها إذا ما كان العالم كله , 
أو الواقع باسره , أو الإنسان في شمولة , أو الحياة في كليتها . 

كما تعتمد عموميتها أحيانا على طريقة تعاملها مع الموضوع مهما كان 
تجربة خاصة أو موقف جزنيا , أو حدث معينا , فالفلسفة تبدأ منه , ولكن لتنطلق 
إلى أراء و أحكام عامة لا يسلم إليها الاستقراء المباشر الذي تمارسه العلوم بحسب 
ظواهرها الجزنية التي تبحث فيها . ويتم التعميم عن طريق " التجريد " الذي يعنى 
دلالتين مطلوبتين للتفلسف , فهو يعنى استخلاص ما هو مشترك من كوكبات متعددة 
من التفاصيل , كما يعنى نزع وعزل وتعرية ما ترتديه المشاهدات والممارسات و 
الآراء من أثواب كثيفة تحجبها عن التأمل الفاحص . 


301 


وما تلبث الفلسفة بعد عمليتي الاستخلاص والكشف أن تعود للتطبيبق على 
أمور آخري مماثئلة لم تكن من بين الأمور التي تادت منها إلى التعميم . 

وقد اكتشفت , أو اقتنعت عبر تصادم المذاهب التي ادرسها , فكرة منيرة 
أضاءت لي شعاب الطرق ومفترقاتها , واكثر من هذا زودتني بطاقة زاخرة في الفكر 
و الممارسة على السواء , وهى فكرة بسيطة جدا مؤداها ان ثمة فارقا هائلا بين 
الواقع , وبين أفكارنا عن الواقع , فالزعم بان المعرفة الصحيحة هي معرفة الواقع 
على ما هو عليه زعم باطل , فلكي أتحقق من صحة معرفتي أي مطابقتها للواقع , 
فهذا يفترض مسبقا إنني اعرف ما هو عليه الواقع لأعود فاقرر بان معرفتي 
صحيحة ! أين هو الواقع على ما هو عليه ؟ وما الجهة أو المصدر المفوض عن 
الواقع الذي يضمن لي ذلك ؟ فكأنني هنا ادعى علم الله لانه وحده الذي يعلم الواقع 
الذي خلقه , فأاحسست على الفور إننا لا نفرق بين الفلسفة والعلم من جهة , وبين 
اللاهفوت من جهة أخرى وان اكتسى بإهاب أنساتي . 

ولهذا اكتسبت القدرة على النقد بعد ان فقدت المذاهب هيبتها الزائفة , وقد 
أفدت من ذلك في تدريسي لطلبتي سواء في الفلسفة العامة أو مناهج البحث أو 
فلسفة الفن ونظريات النقد , فدربتهم على أن يفتحوا رؤوسهم التي حشيت بآراء 
اكتسبت تايدا بكثرة إلحاحها على الآذن و العين في وسائل الإعلام , وكادت تصبح 
من المسلمات لتكرارها من سلطات التنشنة و التربية والرأي العام , و تيبست داخل 
عقولهم الفضة , و ينبغي علينا أن نعرضها لنسمات الحوار والتساؤل المطلق , 
وشمس النقد , وكانت طريقتي لتيسير عملية النقد و الاستجواب و الحوار الذي لم 
يالفوه داخل المجتمع أو قاعات الدرس , كانت طريقتي عرض المذاهب والنظريات 
على النحو الذي يرسم لها كاريكاتيرا يغرى الطالب أو الباحث باقتحامه ومناقشته و 
الكشف عن نقائضه وذلك بطبيعة الحال بعد أن ابسطها لهم في لغة أصحابها و 
مصطلحهم . | 
وعندما تخرجت في الآداب ١551(‏ ) أصابني الدور في التجنيد وقضيمت 
عاما ونصف قبض على في نهايتها وقضيت عامين بالمعتقل تحت فئة المشتبه 
فيهم, وخرجت عاطلا مفلسا , وكنت التقط رزقي في ذلك الوقت العصيب مسن 
ترجمات لكتب بالإنجليزية لمصلحة الاستعلامات كما كنت اعمل محررا تحت التمرين 


2302 


في صحيفة الأهرام قسم التحقيقات الصحفية , وظللت بها عدة شهور حتى نجحت 
في مسابقة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية , وقضيت ما يقرب من العام تحت 
فئة طالب منحة تلقيت فيها محاضرات في العلوم الاجتماعية و مناهجها كان يلقى 
بعضها أساتذة أمريكيون , وتدربت على البحث في العلوم الاجتماعية وبعد الامتحان 
كان ترتيبي الأول على زملائي من طلاب المنحة , وكان هذا أول ضوء سعيد في 
نهاية نفق خبراتي السيئة , غير أن تعيني معيد ! بعد انقضاء المهنة كان يتطلب ما 
يسمى " باستطلاع رأى " المباحث العامة التي مازالت تمارسه مع كل متقدم 
لوظيفة حكومية , ورفضت المباحث تعيني , غير أن الدكتور احمد خليفة مدير 
المركز حينذاك طوقني بجميل وفضل لا يمكن أن ينسى , فتدخل وسيطا وضامنا لي 
لدى وزير الداخلية الذي وافق على تعيني , وكان هو نفسه أحد أعضاء لجئة 
الاختبار الشخصي عندما تقدمت بأوراقي للمركز أول مرة. 

ولقد تكرر مثل هذا الموقف بعد ستة أعوام عندما حصلت على منحة الدراسة 
بجامعة أوسلو بالنرويج , وكدت افقدها بعد طول رفض لولا أن لجأت في نهاية 
الأمر إلى توسط الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية المرحوم الدكتور حسن صبري 


الخولى الذي كان خال زوجتي 
وبعد تجربة المعتقل توصلت إلى موقف طريف بعد حوار طويل مع النفس , 
فقد كانت الاختيارات أمامي كما يلي : 


. أن اعلن رايي فيما حدث , وهذا أمر عواقبه معروفة‎ - ١ 

؟ - اكتم رأيي , وهذا مؤلم للنفس . 

“ - أعلن رأيا مخالفا لرأيي الحقيقي , وهذا أمر مهين ش 

4 - لم يبق إلا اختيار أخير هو إلا يكون لي راى أو موقف سياسي , فأخذت 
أدرب نفسي على الامتناع عن تكوين رأى أو موقف سياسي , واشهد أنني نجحت 
في إبطالي لعادة اتخاذ المواقف السياسية , ولكنئي سقطت في براثن عادة أخرى لم 
استطع الامتناع عنها حتى اليوم هي التدخين ,و لكن نجاحي لم يطل فمع هزيمة 
يونيو رجعت إلى عادتي القديمة في إعلان المواقف وإبداء الرأي . 

غير أنني أفدت من امتناعي عن اتخاذ المواقف السياسية في صدر حياتي 
الأكاديمية, فقد كنت أثناء دراستي بالكلية اعد نفسي للتخصص في علم الجمال , أي 


203 


فلسفة الفن , ولكن عملي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية فرض على اختيارا 
آخر , وكان جديدا وقتها , وهو فلسفة العلوم ومناهجها . 

ولافتقادي القدرة على اتخاذ موقف مما يحدث في الوطن , فأنها اتخذت 
سبيلها إلى الفلسفة , فلم أشأ أن اعرض لفلسفة غيري , و أصررت على الدفاع عن 
موقف فلسفي خاص بي في فلسفة العلم والفلسفة المعاصرة بوجه عام , أي أن 
يكون مدار البحث حول قضيتي الخاصة التي أتبناها , وليس حول قضيه مذهب أو 
فيلسوف معين , وكان لابد من صقل أدواتي المعرفية و المنهجية لأداء بحشي في 
فلسفة العلوم الطبيعية , فدرست الفيزياء النظرية دراسة نظامية حتى أكون على 
بينه مما أفسره فلسفيا , واتخذه خامة طيعة تؤيد قضيتي للماجستير . 

وكذلك صنعت في الدكتوراه , فاتخذت القضية المحورية للعلوم الاجتماعية , 
وهى الموضوعية العلمية , ولكن ليس بالمعنى الأخلاقي أو الايدولوجى الشائع بل 
استخلاصا من أداء المنهج العلمي نفسه بمعزل عن انتماءات العلماء و تحيزاتهم , 
وقد تيسرت لي المعارف والممارسات في مجال العلوم الاجتماعية لأنني كنت اشتغل 
بالبحث فيها بحكم عملي , وكنت ألقي المحاضرات و اشرف على الرسائل في 
جامعات كثيرة في مصر أثناء عملي بالمركز الذي تطبق عليه لانئحة الجامعات , 
ولكن حينما أحيل الدكدور احمد خليفة إلى المعاش تحول المركز الذي كان يعد 
المؤسسة أو المعهد الوحيد في مصر لانتاج الباحث العلمي للواقع الاجتماعي و 
تحول إلى ما يشبه المصلحة الحكومية التي تدار بعقلية بيروقراطية متسلطة . وعند 
أول بادرة لهذا التسلط هربت على الفور إلى الجامعة أستاذا للفلسفة ورئيسا لقسمها 
في كلية الآداب جامعة الزقازيق . وكنت منتدبا لأكاديمية الفنون منذ عقد من 
السنين, ووجدت فيها ما يشبع ميولي الأصلية , ولذلك انتقلت إليها , وشعرت أخيرا 
كمن أب إلى نفسه وبيته بعد طول غياب . 


2304 


صلاح قنصوه والنقد الفلسفى 
الفلسفة العلمية نموذجا للنقد 
ماهر عبد القادر”) 


الفلسفة العلمية بوامه11050ط2 5160155 مصطلح ظهر فى أروقة الفكر 
الغربى من خلال كتابات العديد من الفلاسفة الذين أسهموا فى تدشين ورصد دلالاته 
ومعانيه ومقاصده . ومناطق نفوذه داخل الفلسفة بعامة وفلسفة العلوم يبصفة 
خاصة. ويرجع هذا الظهور إلى التطورات العلمية المتلاحقة التى شهدها القرئن 
العشرين ٠‏ وسيطرة الروح العلمية ومنجزات العلم الحديث على كافة مظاهر الحياة . 
والفلسفة العلمية إذن مصطلح يقبل الضد والرد والنقد والتمحيص . فهو 
من ناحية يحمل بيانا وسحرا متأثرا فى ذلك بما قد يعنيه من ارتباط الفلسفة بأهم 
منتوج بشرى وهو العلم ع»مءعنء5 . ومن ناحية أخرى يحوى الكثير من أوجه 
النقص والعيوب الفادحة المتاصلة فى دوائر فلسفية أرادت أن تحرف الفلسفة والعلم 
على حد سواء من خلال رابطة ما بينهما تجعل من الفلسفة منطقا للعلم ‏ ومن هنا 
فإن هذا " التوحد أو المزج بين دورى الفلسفة والعلم لابد أن يسنزلق بالمذهب 
الفلسفى إلى التحول إلى دوجماطيقية عنيده أو لاهوت عصرى "(2. 
والمصطلح.ء من الناحية التاريخية» قد انهمر علينا من عدة اتجافات 
ومصادر . ساهمت بدرجات متفاوته فى ظهوره على ساحة الفكر الفلسفى والعلمسىء 
فهناك كتاب هانز رشنباخ " نشأة الفلسفة العلمية " » ومقالة رسل " فى المنهج 
العلمى فى الفلسفة ". حيث روج فيه لهذا المصطلح . ثم كتابه " النظرة العلمية" »٠‏ 
وأخيرا هناك الوضعية المنطقية ومسؤليتها التاريخية فى تبنى المصطلح بصورته 
المعهودة والتى سنعرض لها بعد قليل ؛ إذ ترى الوضعية المنطقية'' [وءزع1.0 
مرو 41و20 أنه "' إذا أرادت الفلسفة لنفسها البقاء » فما أمامها إلا سبيل واحد هو 
تطبيق منطقها على العلم » أى تجعل نفسها منطقا للعلم» أو فلسفة له ٠‏ وبهذا تصبح 
الفلسفة علمية"7 , وبهذا الخصوص ينبغى لنا أن نطرح على أنفسنا التساؤلات 


(أستاذ المنطق وفلسفة وتاريخ العلوم كلية الآداب جامعة الإسكندرية 


5395 


الآتية : هل هناك فلسفة علمية؟ وباى معنى يمكن أن نتحدث عن فلسفة علمية فى 
إطار فلسفة العلوم؟ وهل تقبل الفلسفة أن تكون " الفلسفة العلمية" أحد فروعها . 
إذا كان هناك ثمة فلسفة علمية؟1*) 

إن هذه التساؤلات تفرض علينا استجلاء حقيقة القضية المطروحة » سيما 
وأننا لاحظنا أن الكثير من مفكرينا قد نقلوا لنا المصطلح دون دراية كافية بخطورة 
ذلك . وقد ناقشنا ذلك بصورة كبيرة فى كتابنا "خرافة الوضعية المنطقية*) 
الصادر عام ١44‏ . وحسبنا الآن أن نضيف إلى ماسيق أن ما قررناه استكمال 
موقفنا النقدى للدراسات الفلسفية والمتعلقة بذات الموضوع . | 

تركز هذه الورقة على دراسة التصور النقدى للفلسفة العلمية عند واحد 
من أهم أعلام فلاسفة العلم فى العالم العربى ٠‏ وهو الدكتور صلاح قنصوه الذى 
أثرى المكتبة العربية باسهاماته المتعددة » الغنية الرؤى » والتى عرضت لكثير من 
جوانب فلسفة العلوم بصورة متطورة بحيث وجهت الباحثين والدارسين لحقول 
معرفية جديدة داخل نطاق فلسفة العلم » كما كانت مرشدا لكثير من دراسات أعضاء 
هيئة التدريس بكثير من الجامعات » خاصة من يقبلون على دراسة ومعرفة موقف 
الفلسفة من الموضوعات العلمية . كما أن الدكتور صلاح قنصوه من القلائل الذين 
عملوا على تكوين مدرسة بحثية علمية متواجدة على الساحة » إن فى مراكز البحث 
العلمى المتخصصة . وبصفة خاصة المركز القومى للبحوث, أو فسى الجامعات 
المصرية والعربية . وقد جاءت تصورات صلاح قنصوه عن فلسفة العلم فى كتابات 
متعددة » لكننا نركز على كتابه الهام بعنوان " فلسفة العلم " الذى ذاع وانتشر 
فومصر والعالم العربى بصورة كبيرة » وعكف عليه كل من أقبل على دراسة فلسفة 
العلوم للإستفادة من بنيته المعرفية . وهذا الكدّاب يشكل رافدا مهما من روافد 
دراسة فلسفة العلوم على المستوى النظرى ء كما يمثل رؤية متطورة لكثير من 
الموضوعات الحديثة فى فلسفة العلوم بأى معيار ابستمولوجى . 

فى مقدمة كتابه '' فلسفة العلم" يشير صلاح قنصوة إلى أن فلسفة العلم 

باعتبارها تفلسفا حول العلم » تعنى امكان تعددية التناول وبأنها "يمكن أن تعالج 
بطرق شتى , وعلى مذاهب متعددة "() بشرط القدرة على الادراك الواعى بأن العلم 
هو موضوع البحث الفلسفى الأساسى ء ولذلك نجده لاينكر على أى مذهب فلسفى أو 


3326 


نسق امكانية تناول قضايا العلم من منظور فلسفى بشرط ألا يكون هذا التصور 
المطروح " هو التصور الوحيد الذى ينبغى أن يكون لفلسفة العلم"7(". وهو هنا 
يشير بالطبع إلى كل من يعتبر فلسفة العلم مرادفا للتحليل المنطقى لقضايا العلم ٠‏ 
ونعنى بها أنصار الوضعية المنطقية . فكيف نظر صلاح قنصوه إلى فلسفة العلم من 
الداخل؟ هذا ما سوف نعالجه فى الفقرات التالية . 

بداية ينبغى أن نذكر أن صلاح قنصوه قدم فى كتابه تمييزا ابستمولوجيا 
هاما بين عدة مصطلحات لازالة الالتباس والغموض عنها محدداً لنا أطرها » وطرق 
عملها , ثم يعرض بقلم رشيق لموقفه من الفلسفة العلمية » والأسياب والدوافع التى 
جعلت البعض من مفكرينا وباحثينا يندفعون نحو ارتداء عباءتها . . 


لايبتعد صلاح قنصوه كثيراً عن موضوعه الأساسى وهو يطرح تصوره عن 
الفلسفة فى عمومية معانيها ومقاصدهاء ذلك لأنه ينطلق فى تعريفه لها من اتجاه 
مخالف لما أرادته الوضعية المنطقية للفلسفة من حيث أنها تؤسس نظريتها فى 
المعرفة على تحليل نتائج العلوم فقط ولكنه سارع إلى التأكيد على ابقاء وظيفة 
الفلسفة كما تضمنت فى كتابات معظم الفلاسفة والمفكرين عبر تاريخ الفلسفة 
الطويل فتظل نظرة واسعة تعتمد على تجريد نسقى يضم شذرات المعارف إلى محور 
جوهرى ء ويسد الثغرات بين تلك المعارف المتناثرة وتواصل وظائفها فى اثارة 
الفكرء وطرح المشكلات والارهاصات بالحلول!”) وربما كانت هذه النظرة تركز 
بصورة أساسية على أهمية طرح المشكلات ٠‏ باعتبار أن فاعلية الفلسفة تستند 
بصورة أساسية إلى اثارة السؤال الذى يمثل اللبنة الأول فى تكوين المعرفة . 
الفلسفة العلمية : 
يحدثنا صلاح قنصوه عن الفلسفة العلمية واصفا اياها بأنها '" ليست فرعا 
أو مبحثا من فروع الفلسفة ومباحثها , كما أنها ليست عنواناً لمذهب فلسفى معين ٠‏ 
بل هى وصف عام تولع باطلاقه بعض القلسفات على مذاهبها فى عصرنا 
الحديث"7". وقد أشرنا فيما سبق إلى بعض من استخدم المصطلح من فلاسفة 
ومفكرين فى الغرب ٠‏ وتحدثنا عن نقله إلى المكتبة العربية تأثرا بهؤلاء المفكرين 


357 


الذين صاغوه وكتبوا عنه دون نقد أو تمحيص ؛ أو دون اعمال للعقل فيه » وكيف 
أتى إلينا "وكان الهدف المشترك بين كل من يستخدم مصطلح الفلسفة العلمية 
عنوانا لمذهبه » رغم الخلافات الحادة بين تلك المذاهب ». الهدف هو رفع قيمة 
المذهب الفلسفى فى سوق الفكر عن طريق استعارة ما رسخ للعلم من سمعة طيبة 
نات به عن ميادين الخصام والشقاق التى لاتسفر عن حسم أو اتفاق "(''). وكان 
محاولة الصاق الفلسفة بالعلم بالصورة التى نجدها لدى الوضعيين هى محاولة 
مشكورة فى رأى صلاح قنصوه " للاعلاء من شان الفلسفة والخروج بها من 
أزمتها التاريخية وشفاء أمراضها المزمنة "'". ولكن بئس ما فعلت مدرسة 
التحليل فقد أوقعتها نواياها الطيبة فى أخطاء وخطايا لاتزال عالقة حتى الآن فى 
محراب الفلسفة والعلم على حد سواء . وهو ما حاول صلاح قنصوه أن يؤفصل له 
تاريخيا من خلال " مناقشة بعض النماذج التى ادعت لنفسها الموقف العلمى » فكان 
أن عرض لاوجست كونت وانتقده ؛ ثم ناقش الفلسفة الوضعية الحديثة » أو 
التجريبية المنطقية "90). ولا عجب أن نرى أوجست كونت وهو يحدد دور الفلسفة 
ووظيفتها بنفس الصيغة التى تبنتها وعمقتها الوضعية المنطقية بعد ذلك حيث " 
يعلن انتهاء عصر الميتافيزيقا ومن قبله عصر اللاهوت ٠‏ مبشراً بالفلسفة الوضعية 
أى العلمية . وعلى الفلسفة لكى تكون جديرة بهذا الاسم أن تتخلىعن موضوعاتها 
السابقة » وتقنع بالتأليف بين نتائج العلوم الوضعية وتنظمها معا , فتصف ما هى 
كانن بقدر ما تتيحه لها تلك النتانج '"7". 

إن هذا التاسيس الذى يعلن عنه أوجست كونت يمثل مع أفكار جورج مور 
ورسل وفتجنشتين وآخرين ,٠‏ بالاضافة إلى التطورات العلمية الهامة والخطيرة فى 
أوائل القرن العشرين , يمثل نقطة انطلاق مهمة ساهمت فى ظهور وتكوين حلقة 
فيينا والاعلان عن هذه الجماعة فى الأروقة الفلسفية » والتى تطورت فيما بعد إلى 
التجريبية المنطقية بمقولاتها وتصوراتها عن علاقة الفلسفة والعلم » شم تطور كل 
هذا فيما بعد إلى ما عرف بالوضعية المنطقية » وكل ما ترتب على ذلك من القول 
بالفاسفة العلمية بصورة واضحة . يرفض صلاح قنصوه العلاقة القائمة على التبعية 
بين الفلسفة والعلم . فإذا كانت الفلسفة " متفقة مع العلم فى عمليات التجريد 
والتعميم » وإن كانت تنصب على معرفة علمية سابقة تقيم عليها نظراتها العامة ٠‏ 


508 


فهى تختلف عنه فى البحث عن معنى وقيمة تلك المعرفة"7 ''. وهذا الاختلاف يعنى 
بالضرورة انكار فكرة التبعية ودحضها من أساسها . 

يرفض صلاح قنصوه إذن المصطلح . ويذهب إلى عدم مشروعيته من 
منطلق أن فكرة الوصاية , أو التبعية . لن تفيد العلم أو الفلسفة » وعلى هذا فهو 
يبحث فى إطار هذه العلاقة عن " تبادل خلاق بين الفلسفة والعلم ٠ ٠‏ فالعلم دون 
فلسفة تجارب عشوانية متناثرة؛ والفلسفة بغير علم تجربة عقيم"*' . هذا التبادل 
الخلاق الذى يحدثنا عنه يفرض علينا زاوية تناول مخالفة ومختلفة عن تناول 
الوضعية المنطقية التى حددت مهمة الفلسفة فى التعليق على أحكام علمية . 

فلسفة العلم 

تحوي المصطلحات فى داخلها رؤى وتصورات أصحابها , فالفارق 
الواضح من الفلسفة العلمية؛ وفلسفة العلم: رغم احتوائهما تقريبا على نفس 
الحدود هو فارق كبير يصل بنا إلى درجة شطر البحث فى التفلسف "حول" أو 
"عن" العلم إلى شطرينء فإذا كان هناك اتفاق لدي كل المشتغلين بفلسفة العلم على 
أن العلم " هو المادة الخام أو الموضوع الذى يخضع للبحث الفلسفى "20 وان 
البشرية فى مرحلة تاريخية يسيطر فها العلم على كل مناحى الحياة بدرحة تجعل من 
تجاهلة ضربا من إنكار فاعلية إيجابيه للعقل البشريء فإن هذا يعنى من وجهة 
نظرنا -. هنا نتفق مع صلاح قنصوه -. إمكانية بل وضرورة التفلسف حول المعارف 
العلمية والنظريات التى توصل إليها العلماء من خلال أبحاثهمء ليبقى هذا التفلسف 
متغلغل فى ثنايا العلم أنطولوجيا وابستمولوجيا واكسيولوجياء على اعتبار أن " 
العلم بحث نظرىء بمعنى أنه جهد مبذول للمعرفة والفهم الذى يحيط بظواهر 
الطبيعة » على أن تشتمل الطبيعة كلا من امندان لكت اليك يا لاروك 
ينبغى أن نتوقف مع صلاح قنصوه أمام رؤيتين أشار إليهما : 

الرؤية الأولى : 

وفى اطارها نتساعل : ما المقصود بالدراسة الفلسفية للعلم أنطولوجيا 
وأبستمولوجيا وأكسيولوجيا ؟ ثم ما هو موقف قنصوه من تاريخ العلم ورؤيته له ؟ 


399 


إذ ان هذه التساؤلات على قدر كبير من الأهمية , لأنها ترسم خطا مهما فى فكر 
صلاح قنصوه فى إطار فلسفته. 
الرؤية الثانية.: وهى المتعلقة بتصريح صلاح قنصوه باهمية دراسة 
الظواهر الطبيعية وهى فى نظره ( الانسان والعالم المحيط به ) ٠‏ وتلك رؤية تنتقل 
بنا إلى مجال آخر فى دراسات فلسفة العلوم وهى منطقة شائكة شغلت الفكفر 
الفلسفي وفلاسفة العلم كثيرأ وعنى بها العلاقة بين البحث والتطبيق , أو العلم 
النظري والعلم التطبيقي . وما يترتب عليها من قضايا وتساؤلات عديدة لعل من 
أهمها المسئولية الخلقية للعالم . 
ونبدء بالرؤية الاولى حيث يري صلاح قنصوه أن فلسفة العلم فى جانبها 
الانطولوجي تبحث فى " التصورات أو المفهومات العلمية مثل المادة أو الطاقة أو 
الموجة وكذلك تركيب الذرة وطبيعة المجال والحركة"7*') ؛ ويتكشف لنا من دراسة 
تلك المفهومات العلمية أنها بمثابة التاسيس المعرفي الذى لا خضي عنه لدي 
فيلسوف العلم؛ فكما يقول قنصوه أنه من شروط التحدث فى فلسفة العلم " الالمام 
بتطورات العلم الذى يستلزم من الباحث أن يعرف ما يتحدث عنه من مفهومات 
ونظريات ومناهج علمية "0'). ومن هنا يمكن أن نلاحظ أن تاريخ فلسفة العلم قد 
شهد العديد من العلماء الذين حاولوا التفلسف فى العلم وأنتجوا لنا أفكاراً فلسفية 
متعلقة بتفاصيل دقيقة دخل علومهم مثل هايزنبرج ( فيزياء - فلسفة ) أينشتين ( 


منهج العلم ) ...... الخ 
أما الجانئب الابستمولوجي فى فلسفة العلم فيتعلق بنظرية المعرفة الفلسفية 
وتتألف من محاور ثلاثة . 
المحور الأول_: إمكان المعرفة » وهل يمكن للانسان الوصول للحقيقة عن 
طريق العلم ؟ 
المحور الثانى : طبيعة العلاقة بين الباحث وموضوعات بحثه . هل هى من 
إنشاء عقله أو هى واقع خارجى مستقل عن إدراكه ..... ؟ 


المحور الثالث : ويشغل المحور الثالث بأدوات ومصادر المعرفة 'هل هى 
العقل أو الحدس أو معطيات الحس "73 ') ويشغل هذا الجانب معظم الدراسات 


400 


والابحاث فى فلسفة العلوم لأنه ينطوى على تساؤلات مشيرة تستلزم الاجابة عليها 
دراسات فى تطور العلوم وتقدمها والبحث فى تاريخ العلم وسيكولوجيته 
وسوسيولوجيته ؛ بينما نجد أن الجانب الاكسيولوجي فى العلم ومحاولة ربط العلم 
بالاخلاق ؛ وكذا اتساع نطاق البحث ليشمل" تصوير العلم كمشروع إنساتني 
يستهدف غايات معينة ومستخدمة وسائل محددة لتحقيقها'). لقد شغل هذا 
الجانب من الدراسات فى فلسفة العلوم عقل صلاح قنصوه كثيرا حيث نجده قد ركز 
اهتماماته على مناقشة هذه القضيه ونعني بها تلك العلاقة الوثيقة بين البحث 
والتطبيق . وهو ما يدخلنا مباشرة فى الرؤية الثانية التى طرحها 
فى كتابه ( فلسفة العلم ) . 

الرؤية الثانية:- وتلك التى تضمنها الفصل الثانى من كتابه تحت عنوان ( 
دلالات العلم المتعددة ) وتدور المناقشة كالتالي : 

لو اتفقنا على أن " العلم بحث نظري بمعنى أنه جهد مبذول للمعرفة 

والفهم الذي يحيط بظواهر.الطبيعة "9" فإن هذا البحث النظري إنما ينطوي على 
انتاج وصياغة القوانين العلمية والنظريات » وتلك بذورها تخضع لاختبار مستمر 
وتحد دائم من الطبيعة ؛ بمعني أن النظريات العلمية تكون دائما قابلة للتكذيب - 
بالمعني البوبري - وهي قابليه تجعلها دائمأ أمام نظر العلماء والباحثين التطبيقين"؛ 
وهو ما يعني أيضا امكانية التداخل بين العالم والتطبيقي أو رجل العلم والمنفذ 
للاختراعات أى أن هناك علاقة تبادلية وثيقة بين البحث والتطبيق الامر الذى يلقى 
بظلاله على الجانب الاكسيولوجي لفلسفة العلوم وكأننا هنا أمام معيارين . 

المعيار الاول_: اعتبار العلم بحث نظرى فقط مستقل تماما عن التكنولوجينا 
باعتبارها مظهر مباينا للعلم . ش 

المعيار الثانى : اعتبار العلم والتكنولوجيا وجهان لعملة واحدة ومن ثم 
تصبح المسؤولية الاخلاقية ليست بعيدة عن العالم أيضا . وهناك العديد الذين يرون 
أن العلم هو بحث نظرى وتطبيقى أيضا » فليس كافيا أن نتحدث عن نظريات وافكار 
وفروض بل يتعدي ذلك التطبيق التكنولوجي ومن بين هؤلاء ( كورجانوف - يارنال 
- برونوفيسكي ) . 


401 


تلك هى القضية التى شغلت صلاح قنصوه فى النصف الثانى من الكتاب فهو 
من أنصار المعيار الأول الذى يعتبر العلم بحث نظري مستقل تماما عن التطبيق ٠‏ 
ويرجع سبب الخلط بينهما فى رأيه إلى سببين : 

السبب الأول :- هو أن الذى يكتشف أو يصوغ القانون العلمى قد يكون هو 
الذى يصمم مشروع الآلة فى الغالب مثل حالة ( اوبنهايمر ) فى الولايات المتحدة 
وزاخاروف فى الاتحاد السوفيتى , فقد ساهم كل منهما فى صنع القنبلة النووية 
لأنهما فى طليعة علماء الفيزياء فى بلديهما. 

السبب الثانى_:- أن العلماء كيرا ما يكونون اول من يفاخر بالتطبيقات 
النافعة او التى يرجى منها نفع وقد ينساقون إلى القول بأن غاية العلم المباشسرة 
والنوعية هى ان يسيطر على الطبيعة" . ويجدر بنا أن نذكر هنا أن صلاح 
قنصوه عمل بجهد كبير على انكار هذه الفكرة التى ترى ارتباطا بين العلم والتطبيق؛ 
إذ يري ان " بواعث التطبيق أو التكنولوجيا تقوم من خارج العلم "('"). كذلك فإن 
القرار والأمر النهانى الذى يصدر لتصميم آلة لا يقوم بناء على أوامر العلماء فى 
النهاية. وتبقى المناقشة مفتوحة والحوار متواصل حول هذه القضية التى طرح لنا 
فيها صلاح قنصوة رأيه وتركها إلى مناقشة أخرى فى موضوع آخر وربما لباحثين 
آخرين ؛ إلا أنها في النهاية تظل إحدى المشكلات الأصيلة المتعلقة بالبحث في 


فلسفة العلوم. 
إذا نخلص من كل ما منبق إلى التالي . 
إن صلاح قنصوه فى عرضه للتميز بين فلسفة العلم والفلسفة العلمية 
ذهب إلى:- 


١‏ "إنه من الضروري إسقاط المظلة الشرعية عن هذا 
المصطلح""*) وهذا الاسقاط كما يقول قنصوه أن " الفلسفة العلمية التى تضع 
الفلسفة تحت وصاية العلم عند المرحلة التى بلغها من تطوره إنما تعنى فى 
التحليل الاخير رفضا لأن يكون للانسان المفكر موقفه الشامل من العلم والحياة 
والمجتمع وكأنها تضمر الدعوة إلى تجميد الامر الواقع "7"') . ويلاحظ هنا اننا 
قد اتخذنا موقفنا سابقا من رؤية صلاح قنصوه الفلسفة العلمية فقد رأينا حينها 


402 


ان " المسألة أعمق مما يصوره صلاح قنصوه " لأنه من الجائز ان يطلق 
مصطلح الفلسفة العلمية على بعض أجزاء العلم مثل المنطق الرياضى .... ومن 
ثم فإن مصدر الفساد والتفاهات يكمن فى استخدام التصور لدى طائفة معينة 
من المفكرين الذين لم يضعوا معيارأ واضحا لتميز النسق الفلسفى لديهم عن 
النسق العلمي ومن ثم جاء تصورهم للفلسفة العلمية معبرا عن حالة رفض 
للميتا فيزيقا بصورة أساسية أو للنشاط الفلسفي أيضا "(""). 

؟" أن فلسفة العلم شئ آخر مختلف تماما عما يسمى ( الفلسفة 
العلمية) فهى تعنى فى رأي صلاح قنصوه القدرة الفافقة على جعل العلم 
موضوع لها وتركيب نتائج العلوم " فى وجهة نظر متفقة متسقة تتفق والنسق 
أو المذهب الفلسفى الذى صدرت عنه "2*0 وهى فى كل ذلك تمارس دورها 
وتؤدى وظيفتها باعتبارها فلسفة لا باعتبارها علما من العلوم أو منافسا لعلم 
بين علوم أخري . إن هذه المهمة التي تضطلع بها فلسفة العلوم هى ذاتها التى 
تسمح لكل صاحب فكر - وليست فقط من تساح بأدوات التحليل المنطقي - ان 
يدلو بدلوه إذ توافر لديه القدرة الفلسفية من تجريد وتعميم .... الخ والالمام 
بالتطورات العلمية الراهنة وتاريخ العلم ونظرياته ومنهجه. ش 


(' صلاح قنصوه » فلسفة العلم » ص 0ه 

(') أصدرت الوضعية المنطقية كتاهها ( حلقة فيينا : تصورها العلمى للعالم ) فى عام ١91795‏ » كشفت 
فيه أن استخحدام التحليل المنطقى عند أعضاء الحلقة قام على أساس استبعاد القضايا الميتافيزيقية من 
العلوم الطبيعية والرياضية والمعرفة الانسانية » وتوضيح تصورات وقوانين ومناهج العلوم ؛ وكيف أن. 
المعرفة ككل صدرت عن معطيات الخيرة . وقد نفذ رودلف كارناب هذا التصور فى كل من 
كتاباته الآنية : التركيب المنطقى للعالم )١578(‏ ؛ كتابات تتعلق بالتصور العلمى للعالم (5150١)؛‏ 
الاعراب المنطقى للغة ١6514(‏ ) . 

والواقع أن التطورات العلمية اللاحقة جعلت أعضاء حلقة فيينا يعيدون ترتيب الأوراق علميا كما 
سبق أن أعادوا ترتيب أوراقهم السياسية حين تعرضوا لحملات النازى ؛ وحين استشعروا النطر من . 


50 


403 


كانت حلقة فيينا قد تعرضت لانتقادات كثيرة تتعلق بالمفهوم الذى عرضته الحلقة عن مبدأ التحقيق 
الذى ورئته الحلقة عن رسالة فتجنشتين كما أشرنا توا كما تعرضت لانتقادات مماثلة للمفهوم 
الذى عرضته في إطار نظرية المعى » وهى النظرية الى حاول كارناب تطويرها على مدى سنوات 
طويلة في كتاباته ومقالاته المختلفة » وهي أيضا النظرية الي حاول ألفريد حولز أير أن يطورها في 
كتاباته. راجع فى ذلك : مقدمتنا للترجمة العربية لكتاب”منطق الكشف العلمى": كارل بوبرء دار 
المعرفة الجامعية , الإسكندرية» طبعة 5٠٠01‏ 

(؟ يبن الخولى » كارل بوبر » ص 554 

(©) ماهر عيد القادر محمد » تحرافة الوضعية المنطقية » ص ١١‏ 

0 أردت أن أقدم هذا الكتاب للقارىء العربى ليعرف كيف أن الوضعية المنطقية ضللتنا كثيراً » 
وكيف أن الكنابات العربية لم تقدم تحليلا وافيا للوضعية المنطقية » وبصفة نخاصة الرافد العربى الذى 
تزعمه الدكتور زكى بحيب محمود » معتقدا أن ابحاه الوضعية المنطقية يمثل قمة الإصلاح الفكرى 
والسياسى والاجتماعى . لكنن أعتقد أن الكتابات العربية المختلفة فشلت فق قراءة فكر الوضعية علئ 
اختلاف صورها . ورتما كان هذا مادفعيئ إلى تقديم مجموعة الآراء الى تضمنها كتاب " خرافة 
الوضعية المنطقية " وال تعتبر ممثابة الرؤى المهمة الى كان من الواحب أن تطور الدراسات فى هذا 
الجانب أو على الأقل تتخذها الدراسات المختلفة موجها لها. وقد آثرت أن يأتى هذا الكتاب عثابة 
رؤية من منظور حديد للقضية ككل . ومن الواحب أن أعترف.أيضا أن بعض الكتابات فهمت » 
بصورة غير صحيحة , أن هذا الكتاب يقدم للقارىء كاحتفال بأستاذنا الدكتور زكى بحيب محمود 
الذى يستحق تكرا ومكانة مرموقة أكثر من أن يرقى إليها هذا الكتاب . وربما كان الدكتور صلاح 
قنصوه من أهم الكتاب الذين بلوروا فكرة نقد الوضعية المنطقية بكل تداعياتها من خلال منظور نقدى 
يعمل سلاح النقد الإبستمولوجحى 

() صلاح قنصوه . المرحع السابق » ص ١7‏ 

(") المرجع السابق » ص ١١‏ 

00 المرجع السابق » ص 07” 

517 المرجع السابق » ص‎ ١ 

"١‏ المرجع السابق . ص 9؟ 

59 "المرجع السابق ص‎ (١ 

('') ماهر عبد القادر محمد , فلسفة العلوم رؤية عربية » ص 8ه 


(' ! صلاح قنصوه , المرجع السابق . ص 8؟ 


404 





(9 المرجع السابق » ص +7 
09 المر جع السابق » ص 5*5 
0" المرجع السابق . ص 07؟ 
93" المرجع السابق » ص 48 
* ' المرجع السابق . ص 4؟ 
0 


١ 


المرجع السابق » ص 45 


('") المرجع السابق » ص //؟ 


د المر جع السابق ص 9؟ 


(''" المرحع السابق » ص 48 


50 المرجع السابق اص ١ه‏ 


('') المرجع السابق » ص أه 


00 


00 5 
المر جع السابق م ادن 


المرحع السابق » ص 57-51 


37 "ماهر عبد القادر : الفلسفة العلمية : ص‎ (١ 


9" صلاح قنصوه , المرجع السابق » ص 4١‏ 


405 


رحلة إلى عالم صلاح قنصوه 
الفيلسوف والإنسان 
حسن حماد(”) 
ربما يكون من أصعب الأمور أن تكتب عن إنسان قريب منك جدا أو إن شئنا انت 
متوحد به. فالكتابة تقتضى أن يصطنع الكاتب مسافة بينه وبين موضوعه: وهذا ما يشكل 
صعوبة بالغة لى إذا ما قررت ان اخوض مغامرة الكتابة عن مفكر كبير مثل صلاح قنصوه. 
ولتسمح لى قارئ العزيز أن أبدأ مقالتى تلك بمدخل يشوبه البعد الشخصى وتمتزج به 
الشجون الذاتية. 
إن د. صلاح قنصوه بالنسبة لى ليس مجرد أستاذ عادى, إنه صديق؛ وحبيب: وهو 
إنسان فوق العادة» أنه نموذج ومثال قلما يوجد مثله فى هذا الزمن الغريب. وأنا وغيرى 
من تلاميذه نتنافس فيما بيننا كى نقترب من صورته أو حتى نتشبه به. وبرغم مرؤر 
السنوات الطوال؛ وبرغم أن تلاميذه قد كبروا بمعيار السنين؛ ووصل البعض منهم إلى 
مناصب ادارية وقيادية داخل وخارج الجامعة:ء إلا أننا مازالنا جميعاً نشعر أمامه بأننا مازلنا 
صغاراء وانه مازال وسيظل الأاستاذ والمعلم الذى منه نتعلم دروس العلم وفنون الحياة. 
وكثيرا ما يحدث ان نبتعد عن استاذنا فترات من الزمنء» فنضيع فى زحام الحياة» وينشغل 
كل منا بذاته» ونتيه فى دروب المصالح الضيقة المتشابكة» وتدوخنا الهموم؛ ونشعر بإننا 
فقدنا كثيرا من ذواتنا وان أشياء كثيرة قد تغيرت من حولناء فنعود إليه بعد غياب قد يطول 
أو يقصرء فنشعر فى حضرته بأننا عدنا إلى طبيعتناء وأننا قد استرددنا أصالتنا المفقودة, 
وأن العالم الذى فقد كل معنى وقيمة عادت إليه ألوانه وأشكاله واصبح عالما إنسانيا 
حقيقيا... انه عالم صلاح قنصوه. عالم يموج بآلاف الرؤى والأفكار. عالم يمتلئ دفأ وحياة: 
عالم ثرى يمتزج فيه الفنان بالإنسانء والعالم بالفيلسوفء والثائر بالمتمردء وعاشق الحياة 
بالمتصوف الزاهد. 


وكين كنية آداب الزقازيق لشسود انختمع وخدمة البيئة 


إن صلاح قنصوه نموذج فريد ومتفرد فى عالم الفلسفة والفكرء عندما تصادفه قى 
حلقات البحث والنقاشء وفى الندوات أو المساجلات الفكرية تجد نفسك أمام مارد مرعب 
يصعب أن يصمد أمامه أى منافس أو محاور أو مجادل. ولكن عندما يلتقى معنا فى بيته» أو 
فى أمسيات ولقاءات خاصة تجمع بينه وبين تلاميذه المقربين تجده بسيطا ومتواضعا 
ووديعا مسالما مثل طفل برئ. عندما يكتب عن الفن: أو الفلسفة» أو الدين أو السياسة» أو 
العلم نشعر بان أنفاسه تتردد بين الكلمات؛ وأن روحه المتمرده القلقة تبعث بداخلك حيوة 
جميلة؛ وتثير بأعماقك السؤال تلو السؤال. وصلاح قنصوه على الأوراق هو صلاح قنصوهة 
فى الحياة.. لافرق بين الإنسان والمبدع.. كلماته عندما يحادثك هى نفسها كلماتها التى 
يكتبها. عندما أقرا عبارة واحدة أو سطرا له فى مجلة أو جريدة ما لست بحاجة إلى أن 
ابحث عن الأسم؛ فاسمه منقوش بثنايا كلماته وتراكيب عباراته. كم يحار المرء عندما يفكر 
فى الكتابه عن هذا المفكر الخصب. أى الطرق يسلكء واى الفضاءات يرتاد؟ ترى هل 
نتحدث عن رؤاه الفلسفية» أم نشريته فى علم الجمال والنقد الفنىء أم فلسفته العلمية» أم 
موقفه النقدى من التراث والحركات الأصولية. لاشك أن هذا العالم الثرى الخصب لا يمكن 
اختزاله فى مقال أو بحث صغيرء إن الأمر يحتاج إلى منات الصفحات. لذلك فقد حاولت 
جهدى أن أفتش عن خيط واحد يجمع كل تلك الاهتمامات المتنوعة؛ ويفؤحد كل تنك 
الجوانب المتعددة. وهذا الخيط فى رأيى هو : النزوع الإنسانى فى فكر د. صلاح قنصوه. 
فهناك نزعة إنسانية واضحة يمكن لأى باحث أن يتتبع خطاهاء ويقتفى آثارها فى كتابات 3. 
صلاح الفلسفية والعلمية والفنية. إن صلاح قنصوه مثقف من طراز فريدء فهو منحاز 
ومتعصب لكل ما هو إنسانى؛ ولعل هذا الانحياز يجعلنا نقرر ان صلاح قنصوه فيلسوقا 
سقراطيا. فهو يشبه فى رأيى سقراط فيلسوف .اليونان من نواح كثيرة. فصلاح قنصوه ليس 
مفكر الصالونات المغلقة؛ أنه مفكر ومعلم مفتون بالوجود فى الخارج.. فى ساحة العالم 
المتسع إنه لايطيق الإنغلاق أو التقوقع على الذات؛ أنه نموذج للمفكر الذى لايستسكم 
للاغتراب. إن الواقع السيئ الذى نعيش فيه فى الحقبة الراهنة قد يفرض على الكشير من 
المفكرين ضربا من العزلة» وشكلاً من أشكال الاغتراب. لكن صلاح قنصوه مثقف يعلم جيدآ 
أنه صاحب رسالة؛ وأنه يحمل باعماقه قيمة لابد وان تؤتى ثمارها فى العالم الخارجىء بين 
جمهوره وتلاميذه؛ ولذلك فقد حدد هدفه منذ البداية» أن يوجد بقلب المجتمع» وفى صفوف 
الجماهير. إنه مثقف طليعى بكل معنى الكلمة. برغم أنه لاينتمى لأى حزب من الأحزاب. إلا 


أنه ينتمى لحزب الإنسان؛ ويقف فى مقدمة الطليعة المدافعة عن حقوق الإنسان. وصلاح 
قنصوه نفسه يعترف بأنه يتبنى هذا الاتجاه الإنسانى» ففى مقدمة كتابه فلسفة العلوم يقول 
: "ومهما يكن من تعدد التفاصيل والمصطلحات التى تشغل مساحة الكتابء إلا أن خطأ 
محوريا واحدأ يجمعها ويضمها إلى اتجاه فلسفى محدد هو المذهب الإنسانى الذى ينتمى 
إليه المؤلف؛, ويسعى إلى تأييده فى كتابات أخرى"("). 

ودكتور صلاح قنصوه أستاذ الفلسفة يصعب أن نصنفه أو نحصره داخل تيار فكرى 
محدد. فيصعب أن نصفه بأنه ماركسى أو وجودى أو بنيوى.. أو غيره من التيارات.. إنه 
كل هؤلاء. بمعنى أنه استوعب فلسفات عصره وصهرها جميعا فى بوتقه فكره. وأخرج لنا 
فى النهاية رؤية فلسفية متكاملة قوامها : أن الفلسفة فى حياة الإنسان ضرورة مثل العلم؛ 
وهو يرى أن الموضوع الرئيسى للفلسفة هو القيم؛ فالفلسفة "بطبيعة موضوعاتها 
ومنهجهاء وغايتها يحتويها كلها إطار معيارى يغلب عليه طابع القيم"7". 

ورغم انتماء مفكرنا بصورة مباشرة إلى فلسفة العلم, إلا أنه لم يستسلم لسحر 
النزعات العلمية المتطرفة التى تجغل الفلسفة خادمة للعلم» لذلك فإن مفكرنا يؤكد على أن 
العلوم مهما أفرزت من تقدم وانتصار فى مجال المعرفة الإنسانية؛ إلا أنها لم تزلٍ عاجزة 
عن استيعاب المشكلات التى ترتبط بقضايا الوضع الإنسانى "فالعالم أو الوجود بكل 
جوانبه, والإنسان بكل ضروب نشاطه لايمكن أن يكون موضوعا لعلم من العلوم"27. 

إن العلم - فى نظر د. صلاح - لا يمتلك الحقيقية النهائنية؛ فاحكامه ليست مطلقة؛ 
ونتائجه تقريبية؛ وهو ليس الكلمة النهائية فى رحلة الإنسان للبحث عن الحقيقية. ولهذا 
فإن علينا "أن نعترف أولأ بأن الحقيقة العلمية ليست هى الواقع» بل هى ما يقرره العلماء 
عن هذا الواقع. وليس ثمة حقيقة علمية نهائية:؛ بل تدنو النظريات المتعاقبة منها شيدا 
فشينا. والعلم مايزال حتى اليوم مجازفات ومخاطرات. وكل حقائقه موقوته لا تبقى كذلك إلا 
إلى حين . فلا يتملكنا الخوف إذن كما يقول "كلودبرنار" عند مشاهدتنا لفروضنا العلمية 
وقد أختفت عن أبصارناء فإنها تقضى نحبها فى ساحة الشرف كما يستشهد الجندى فى 
سبيل وطنه"(". 

والفلسفة التى يتبناها د. صلاح قنصوه ليست فلسفة نظرية تأملية تحلق فوق 
مفردات الواقع الإنسانى التعيس وتنسلخ عن قضاياه؛ بل أنها "نظر نقدى ينطوى على 


408 


موقف من الحياة. وليست تجريدا إلا بقدر استعادة ما هو عينى ملموس عن طريق ما هو 
مجرد على حد تعبير "وايتهد". وهى رغم تحليقها المظنون عن الواقع؛ فهى أكثر التصاقا 
به. وذلك لأنه لاغناء عنها لكل إنسانء, سواء أختار فلسفته عن وعى أو لا وعىء قلا 
مهرب من الالتزام بفلسفة ما إزاء مواقف الحياة التى يواجهها الإنسان كل لحظة" ,0‏ - 

ويرفض د. قنصوه موقف الفلسفات العلمية (كالبرجماتية والوضعية والتحليلية) 
من الفلسفة, فمثل هذه الفلسفات تريد للفلسفة "أن تقف عند أقدام العلم بنتانجه الراهنة 
لكى تتسقط قضاياه وتتعقبها بالتحليل. بيد أن الفلسفة تتجاوز تلك العلاقة القائمة على 
التبعية. فإذا كانت متفقة مع العلم فى عمليات التجريد والتعميم, وإن كانت تنصب على 
معرفة علمية سابقة تقيم عليها نظريتها العامة» فهى تختلف عنه فى البحث عن معنى 
وقيمة تلك المعرفة. فالفلسفة عملية تقويم نقدية لمنجزات العلم تعمل على مستوى أعمق 
وأبعد يتصل بنظرة كلية ونهج للحياة"7". 

ورغم تحيز د. صلاح قنصوه الواضح للفلسفة» إلا أنه لا يصطنع بينها وبين العلم 
خصومة أو شقاقاء وإنما هو اول من يدرك أنهما فى نهاية الأمر يصبان فى المسعى 
الإنسانى الشريف نحو الحقيقة» ونحو تحقيق أكبر قدر من السعادة للإنسان. إن الفلسفة 
"لاتستطيع أن تنزع عن نفسها الحق فى الحديث عما ينبغى أن يكون.. ولكن ثمة تبادل 
خلاق بين الفلسفة والعلم؛ فالعلم دون فلسفة تجارب عشوائية متناثرة» والفلسفة بغير علم 
تجريد عقيم"0". 

ويرى د. صلاح قنصوه ان الإنسان جزء من الطبيعة, لكنه يتجاوزها من خلال 
الثقافة وفاعليات الإبداع الإنسانى الى تتمثل وتتجسد بشكل خاص فى العلم والفن 
والفلسفة واللغة. فالثقافة الإنسانية هى: "العالم الإنسانى الذى اقتطعه الإنسان من الطبيعة 
على النحو الذى جعل الطبيعة مادة غفلا تحولها الثقافة وتشكلهاء وتستثمرها. وللثقافة 
الإنسانية» برغم تمفصل مجالاته وفاعلياتهاء هدف أقصى. وأسلوب عام مشترك. فاما 
الهدف فهو السيطرة على الطبيعة؛ وأما الأسلوب فهو فرض القيمة"7". 

ولكل فاعلية من هذه الفاعليات الإنسانية هدفها الخاص وأسلوبها النوعى الذى من 
خلاله تمارس فعلها فى الواقع. فإذا كان العلم بمقدوره أن يمارس السيطرة على الطبيعة 
بصورة مباشرة. فإن الفن "يمتاز عنها جميعا بأنه يمارس هذه السيطرة ليس على العالم 


0409 


نفسه؛ بل على نموذج بديلء أو واقع مغايرء أو عالم مواز لهذا العالم أو الواقع أو الطبيعة؛ 
وهو العمل القنى نفسه. وتجتمع فى الفن أهداف الفاعليات الإنسانية جميعا بدرجات 
متفاوته. ولكن فى مواجهة عالم مصنوع مخلوق هو العمل الفنى"7". 

ويقوم العمل الفنى عند د. قنصوه بعملية "ارتياد لمناطق مجهولة أو مساحات 
لانجد الجراة على اقتحامها بوعى. وقد تكون هذه المساحات وقائع او حقنائق أو مشاعر 
مما يتجاهلها الناس فى وعيهم اليومى المعتاد.. فالفن إذن بمثابة نوافذ على عوالم جديدة: 
أو هو نظرة جديدة تحطم الألفة وتخترقهاء وتحول ما هو ملقى فى الطريق إلى طازج 
وطريف يجدر بالمراجعة والتامل من جديدء واتخاذ موقف مختلف؛ ويشعل الحياة فى رماد 
الاستقرار والتكرارء ويستعيد التوهج الذى أطفاه الاعتياد» ويسلط الضياء على ما توارى 
من الاهتمامء وينير الداخل المعتم للأشياء والتجارب» وينشئ أو يعيد الوصلات بين نشار 
الوقائع والحوادث. فهو عملية مزدوجة من التفكيك والتركيب. تفكيك الأوضاع السابقة 
للوجود, وإعادة تركيبها فى عمل جديد'"0:'). ظ 

والحق أن الفن وغيره من سائر الفاعليات الإنسانية لايمكن أن ينمو ويزدهر إلا فى 
ظلال مناخ تسوده الحرية» وتنتشر فيه الديموقراطية. ومن هذا المنطلق يتحدد ويتاسس 
موقف د. قنصوه من التيارات الأصولية الدينية التى تحاول أن تلغى حرية الإنسان لصالح 
اللاهموت وتضحى بالدنيا على مذبح الآخرة؛ وتضع قائمة طويلة من الأوامر والنواهى 
والمحرمات التى تكبل حرية الإبداع؛ وتغتصب حق الإنسان فى التفكير أو التخيل أو الفعل. 
والجديد فى نقد د. قنصوه للتيارات الأصولية هو: أنه لايمارس هذا النقد من خارج أسوار 
تلك التيارات؛ وإنما هو يتوجه إليها داخل معاقلهاء وعلى أرضهاء وعلى هذا فهو لا يفند 
مزاعمهم متسلحا بالعقل فقط, ولكن أيضا بالنصوص الدينية والأحكام الفقهية. فهو مثلاً 
يدحض المسلمة الأساسية التى يؤسس عليها السلفيون مذهبهم الدينى - السياسىء واعنسى 
بذلك المقولة التى تزعم أن الإسلام "دين ودولة". وفى هذا السياق؛ وكعادته فى تحليل 
الألفاظ وتحديدها بموضوعية ودقة» يبين أن كلمة دولة تعبر فى القرآن واللغة العربية عن 
دلالات شائنة وسلبية؛ فهى تشير إلى معان: التقلب والزوال والتحول من يد إلى أخرى. 
وينتهى د. قنصوه إلى أن أصحاب مقولة الدين والدولة لا يضيفون للإسلام أية قيمة جديدة 
عندما يلصقون بالإسلام هذه الكلمة» وهم فى واقع الأمر لايستهدفون من وراء هذه المقولة 
سوى خدمة اغراضهم الخاصة واهدافهم الشخصية:ء الاوهى السيطرة على السلطة. 


410 


ومثلما_ يفند د. قنصوه مفهوم "الإسلام دين ودولة". يفند أيضا مفهوم "الحاكمية 
لله". ويذكر أن هذا المصطلح قد ظهر لأول مرة فى شعار الخوارج "لا حكم إلا لله". 
والحاكمية فى سياقها التراثى الإسلامى القديم لم تكن تعنى أن الله سبحانه وتعالى هو 
مصدر السلطة فى الدولة؛ لأن كلمة حكم لم تكن تشير إلى المعنى الحديث الذى نعرفه الآن» 
وإنما كانت تعنى فقط "أن الله هو الذى يفصل فى كل شيء فى الأرض أو فى السماء"7©. 
واستخدام هذه الدلالة فى مجال الممارسات السياسية صرف للقضية عن معناها ومجائها 
العقاندى الدينى: وإقحام لها فى مجال الحياة الإنسانية المتغيرة والمتقلبة. فإذا ما رددنا 
الحاكمية لله إلى الحكم السياسىء فإننا بذلك نضفى مسوحا من القداسة على شخصية 
الحاكم؛ ونحيله إلى إنسان إلهى معصوم من الخطا””' '". 

إن موقف د, قنصوه الرافض للتيارات الدينية الأصولية, وتفنيده للعديد من المفاهيم 
التى انتشرت فى ثقافتنا المعاصرة مثل : "الإسلام هو الحل" و"الحاكمية لله".. وغيرها 
من المقولات التى آحتلت مقدمة المسرح الفكرى السياسى المصرىء إنما هو دفاع عن 
مشروعية المجتمع المدنى الذى يصون حرية جميع الأفراد دون تمييز بين الطبقات أو 
الجماعات, والذى يمنح الجميع فرصا متكافئة للتعبير عن أنفسهمء. وممارسة حقهم فى 
الحياة والإبداع والحرية. 

ولأن مشروع د. قنصوه الفكرى جوهره الإنسان, لذلك ليس مستغربا ان تكون 
قضية الحرية هى القضية المحورية فى كل ما يكتبه من دراسات ومقالات؛. وهو يؤكد هذا 
المعنى بقوله : "الحرية هى قضية الإنسان فى هذا العالم؛ لأنها تتأسس على اختيار غاية؛ 
ومفاضلة بين وسائل لتحقيقهاء وإيثاز بعضها دون أخرى. ومعنى الاختيار والمفاضلة 
والإيثار أننا لسنا كأشياء العالم وظواهره نخضع لحتمية معينة تقهرنا على سلوك بعينه:.. 
والحرية لا تعنى التخلص من كل شيء أو الانقطاع عن التأثر والتاثير بان شئء؛ بل هى 
القدرة على الامتلاء بالإمكانيات. ودلالاتها السلبية المعروفة بالقدرة على الرفض أو السلب 
إنما اشيز أيضا إلى أن ذلك الرافض لابد وأن لديه مشروعه الخاص الذى يملك معرفة ما 
عنه؛ وبالتالى تكون لديه القدرة على الاختيار قبولاً أو رفضا فيما يعرض له من تجارب 
تحقق مشروعه أو تعوقه. ولاتقاس الحرية إذن إلا بما يملك الإنسان من الإمكانات"(7١):‏ 

إن د. صلاح قنصوه من المفكرين القلائل الذين أثروا كيرا فى الواقع الثقافى 
العربى. وهو مفكر رسولىء بمعنى أنه يحمل رسالة هدفها تغيير الواقع والدفاع عن كرامة 


411 


وشرف الإنسان. وبرغم أنه يحيا بقلب الواقع المصرى - العربى؛ ويتفاعل وينفعل بقضاياه 
المختلفة» إلا أنه يحتفظ لنفسه دائمأ بتلك المسافة الإبداعية التى تجعله يمتلك حريته ولا 
يتطابق أبدأ مع ما هو قائمء ويرفض تماما أن يسلم أو يستسلم لقواعد اللعبة؛ لعبة التصالح 
والمهادنة التى يمارسها معظم المثقفون, ولذلك فلم يُستوعب قط فى أى مؤسساتء ولم 
يمتثل لأى إغراءات وظل حتى هذه اللحظة فى طليعة المثقفين الرافضين. وبرغم العواصف 
ثيرة التى اعترضت طريقه. إلا أنه لم ينحنى أبدأ أمام. العاصفة ومازال يردد فى عناد 
واصرار وشموخ : أن الرياح إذا لم تقتلعنى فإنها تزيدنى ثباتا. 
الهوامش 
١-د.‏ صلاح قنصوه : فلسفة العلم؛ الحيئة المصرية العامة للكتاب» مكتبة الأسرة» 3٠6١7‏ ص .5١‏ 
؟-. صلاح قنصوه: في فلسفة العلوم الاحتماعية» مكتبة الأبعلو المصرية؛ 41لا ص4075. 
#-المر جع السابق» ص ؟117١.‏ 
4-المر جع السابق : ص .5١‏ 
ه-المرجع السابق : ص ؟7١1١.‏ 
١-د.‏ صلاح قنصوه : فلسفة العلم» ص 57. 
/-المرجع السابق : ص ؟1. 
4-د. صلاح قنصوه : أنطولوجيا الإبداع الف جحلة فصولء المحلد العاشرء العددان الثالث والرابع يناي 
0 ص 114. 
89-الم حع السابق : ص 114. 
٠‏ المر جع السابق : ص 177. 
صلاح قنصوه : الدين والفكر والسياسة: دار الكلمة؛ القاهرة؛ 0057٠5؛‏ ص١١7.‏ 
١‏ -المرجع السابق : ص 59. 
المرحع السابق : نفس الصفحة. 


42 


صلاح قنصوه :الفلسفة رؤيه و موقف وحوار 
أحمد عبد الحليم عطية”) 
علينا ان نقدم مجموعة افتراضات تهيئ لنا إمكانية التعامل مع جهد صلاح 
قنصوه الفلسفي المتنوع الخصبء.الذي يصعب في الحقيقة تناوله وتحليله إلافي 
إطار تكوين الرجل والعصر الذي قدم فيه أعماله ونظرته هو او موققه من مجمل 
التغيرات الثقافية والاجتماعية لهذا العصر القلق المضطرب,الذي روج فيه للفكر 
الواحد والرأي الواحد والمثقف(المفكر)الواحد. 
ومن هنا علينا ان نتناول جهد كل مفكر و أعماله علي مستويين: : المستوي 
الاول تكوينه ٠‏ سواء الثقافي العام او الفلسفي المتفرد. والمستوي الثاني تفاعله؛أو 
قل موقفه العام من تاريخه ومجتمعه. والحقيقة ان الإلمام العام بتفصيلات التكوين » 
وتحليل المواقف المختلفة شي يتجاوز نطاق الدراسة الحالية(') , الا انه في حاجة 
هامة ان ينجز باعتبار إن ما قدمه صلاح قنصوه » جزء من الفضاء الفلسفي في 
مصر خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين وحتى الان . 
وعلينا أيضا تفسير توجهات كتابات صلاح قنصوه ؛ التي مع قلتها النسبية 
مكونا أساسيا للجيل الذي نشا في الفترة المشار اليها . وهذه الاعمال هي: فلسفة 
العلم الموضوعية في العلوم الإنسانية: عرض نقدي لمناهج البحث؛ فلسفة العلوم 
الاجتماعية . نظرية القيم في الفكر المعاصر. والمثال والواقع . الفكر والدين 
والسياسة وبالطابع فإن الأبحاث والدراسات المتفرقة التي نشرها » او القاها في 
ندوات ومؤتمرات عربية ودولية» والتي من الصعب في هذا السياق سردها الا انها 
تنتمي لنفس القضايا والموضوعات التي تعرض لها في كتبه مستخدما في نفس 
المنهج العقلاني النقدي واللغة المتميزة التي ينفرد بهاء وهي لغة موحية » رشيقة ٠‏ 
مكثفة ساخرة » حادة معا 9) يهمنا من هذه الأبحاث والكتابات » والتي تمثل اضافة 
خاصة مايتعلق منها بالجمال والعمل الفني وما يدور حول النقد الثقافي7 او 
محاولة تفسير عزوف قنصوه عن الكتابة او قلة كتاباته النسبية يبدو وكانه يتجاوز 


لو 
١‏ عه 2 ٠.‏ . 
' استاذ الفلسفة . آداب القشاهرة 


مسالة المزاج الشخصي كما سيتضح لنا . فكثيرا ما يطلب منه المساهمة في ندوات 
ما أو المشاركة بدورية ما ويتكرر الطلب إليه ويتكرر الإرجاء منه. مع مشاركته 
الجادة في الندوات . فهل مسالة تفضيل الشفاهية علي الكتابة » والتي تضعه في 
محور أفلاطون/ دريدا يجعلنا نضع ايدينا علي معنى يلفت النظرء ألا وهو عدم تجميد 
الفكر او قولبته؛ واعتباره الحوار مبدا أساسيا في أعماله الفلسفية والسياسية واذا 
اضفنا الي ذلك؛. ملاحظة مسألة اخري اساسية تتعلق بطبيعة الموضوعات التي 
يعالجها التي تبدو من عناوين كتبه » هي خلوها تماما من أسماء الاعلام او تيارات 
الفلسفة . فهي لا تحمل اسم فيلسوفا معين او تيارا فلسفي محدد , ذلك ان صلاح 
قنصوه يتجه ببحشه للمجالات وللقضايا والمشكلات الفلسفية اكثر مما يتجه إلى 
الفلاسفة والمذاهب ١‏ حيث تتجاوز كتاباته تاريخ الفلسفة الي الفلسفة نفسها . ويكاد 
ينفرد قنصوه الذي يميز في كتاباته بين المشاكل الحقيقية التي تهم الإنسان الحي 
في المجتمع المعاصر وبين المشاكل الزائفة التي تثار وينشغل به المثقفين لإبعادهم 
عن المشكلات الحقيقية!') أقول يكاد ينفرد بتوجيه بحته الفلسفي ودراساته العلمية 
نحو التفكير والتفلسف في قضايا الفلسفة وليس تاريخ الفلسفة. 

ان قضايا التفلسف والتفكير عند قنصوه هي القضايا الي تتعلق بحياة 
ومصير الإنسان في واقعه الاجتماعي وظروفه التاريخية التي يحياها ‏ فهو ليس 
من هؤلاء الذين لا يشغلهم سوي صدور كم ضخم من الأعمال ؛ تشغل الباحثين 
مؤقتا من اجل ان تتردد اسمانهم هنا وهناك »شم سرعان ما يخف هذا التردد 
ويتضح ان هذه الاعمال الضخمة تحتوي كل شئ ولا تحتوي علي شي . هنا نصل 
الي افتراض اخر يترتب علي ما سبق وينتج عنه الا وهو ان طبيعة الفلسفة 
والتفلسف عند قنصوه لا يجعل منها هدف في ذاته» علي الباحث ان يلم فيها بكل 
التيارات والاسماء والمصطلحات » بل هي أداة ووسيلة ومنهج للتفكير » ممكن ان 
تندرج ضمنه كل القضايا الجديرة بالمناقشة والبحث. والقضايا الجديرة بالبحثا هي 
تلك التي تتعلق بالإنسان , لذا كثيرا ما تتسم أعماله بتلك النزعة الإنسانية وليس 
المذهبية التي توجه وتلون أفكار الفيلسوف . والإنسان عند قنصوه ليس كيانا 
ميتافيزيقيا مجردا بل هو الكائن الحي الفاعل ٠‏ الذي يحيا في مجتمع ما متقدم أو 


0414 


نامي؛ حر ليبرالي او شمولي يسيطر عليه الفكر الواحد وهو أيضا إنسان تاريخي 
يحيا في مرحلة زمنية ذات ثقافة تحدد العلاقات الاجتماعية بين البشر. 

ومفهوم الثقافة مفهوم أساسي يظهر خاصة في كتابات قنصوه الاخيرة 
والثقافة مفهوم اجتماعي فالعلاقات الاجتماعية تحددها اطر ثقافية عامة. وعلي هذا 
الاساس هي سلوك الانسان في المجتمع؛ لذا ينشغل قنصوه بقضية أساسية هي 
قضية النقد الثقافي :) 

نحن اذن بلغة سارتر امام مفكر ملتزم » وما نقصده بالالتزام هنا ارتياط 
تفكير قنصوه بقضايا الإنسان الحقيقية. حيث يتوجه في كتاباته إلى الإنسان العادي 
البسيط في حياته اليومية 9" . 

أولا النزعة الإنسانية واغتراب العلم . 

يقترح قنصوه عنوانا لكتاباته يتجاوز به المذهبية الفلسفية والتصنيفات 
التقليدية:التي تقيد المفكر أو استاذ الفلسفة بتيار فلسفي غربي يكون عارضاله 
معبرا عنه؛ يرتبط به والأمثلة في أذهاننا جميعا ٠‏ والعنوان الذي يقترحه هو النزعة 
الإنسانية التي يندرج في إطارها موضوعه ومنهجه وموقفه الفلسفي , فالعلم 
فاعلية بشريه والفلسفة موقف إنساني تجاه الوجود والمجتمع هذا العنوان هو 
الأرضية التي تميز كتاباته وتحدد موضوعاته:وهو يطرحها للنقاش والحوار 
والقبول والتفنيد. وليس كشعار لا رصيد له من قبيل التجديد في المذاهب.او ثورة 
العقل. كما يفعل البعض الذين يقدمون عناوين صارخة او قوالب جوفاء لامضامين 
لها. 

ان ما يقدمه قنصوه تحت هذا العنوان هو وجهة نظرة قابلة للحوار 
والبحثالاتفاق والاختلاف. وهذا يعني أنها وجهة نظر مقابل اراء ومواقف فلسفية 
مطروحة بالفعل.فهى ايضا موقف فلسفي جادا » لا يهمل ولا يتجاهل مواقف اخري 
بل يشتيك في حوار علمي معها . يسعى قنصوه في مقدمته لكتاب فلسفة العلم 
لتعريف معناها مقابل تصورات اخري لهاء فهي ليست مرادفه للتحليل المنطقي 
لقضايا العلم او لغته. وليست بحثا في المناهج الاستقرائية او المنطق الاستقرائي 
اللتان تحتوي فلسفة العلم باسرها داخل المنطق وكانها فرع منه يقول: "'ولاريب 


415 


أن هذا التصور لفلسفة العلم امر مشروع ٠‏ لكنه ليس التصور الوحيد الذي ينبغي أن 
يكون لفلسفة العلم . كما أنه ليس أمرا يمكن إسقاطه او إهماله من فلسفة العلم .. 
فالامر ببساطه اذا ما وضعنا عبارة أو مصطلح "فلسفة العلم "في تقديرنا لا يعدو 
ان يكون تفلسفا حول العلم ومن ثم , فبقدر تعدد وجهات النظر الفلسفية العامة يمكن 
تعدد فلسفات العلم".(المتقدمة) وتتضمن الفقرة السابقة من مقدمة قنصوه دلالات 
متعددة وتعبر عن كثير من خصائص تفكيره فهو أولا لايقبل التصورات السائدة في 
فلسفة العلم ولا يستبعدهاء بل يناقشها وينقدها كما يتضح في محتوي كتابه . وهو 
ثانيا يقدم تصورا خاصا لا يتابع فيه هذه التصورات » وهو ثالثا يضع تصوره ممع 
التصورات الأخرى مؤمنا بالتعدد والاختلاف الذي يسمح بالحوار بينها . 

فالمنطق ليس وحده فارس فلسفة العلم, ولكنه ايضا لا يهمل او يغفل » 
فالمنطق يسري في كل شنون حياتنا وصلته بهذه الشئون لا يقل أهمية عن صلته 
بفلسفة العلم او.مناهج البحث » الا ان قنصوه اختط في كتابه طريقا خاصة لفلسفة 
العلم تجعل من العلم فاعلية إنسانية ومؤسسة ثقافية او اجتماعيه لها نوعيتها 
الخاصة من حيث الهدف والاسلوب . وهناك خطا محوريا واحدا يجمع تفصيلات 
الكتاب ويضمها الي اتجاه فلسفي محدد هو المذهب الانساني الذي ينتمي إليه 
المؤلف ويسعى الي تأييده في كتابات اخري. 

يهدف عمل قنصوه الي هدفين :الاول التخفيف من بعض الأفكار والاراء 
التي صقلها طول التردد والتكرار حول العلم والثاني تخطي الأخدود العميق الذي 
يفصل بين العلم وسائر مجالات الثقافة الإنسانية. 

يتناول قنصوه موضوعه في فصول خمسة , الأول مدخل إلى فلسفة العلم 
يوضح فيه معنى وطبيعة الفلسفة . والفلسفة العلمية وفلسفة العلم. ويتوقف في 
الفصل الثاني لبيان دلالات العلم المتعددة : البحث والتطبيق », المنهج والمحتوى 
المعرفي . العلم واللاعلم وغير العلم » بينما يدور الفصل الثالث على العلم في 
المجتمع والتاريخ : السياق أو الوعاء الثقافي للعلم مراحل تاريخ العلم » كيف نؤرخ 
للعلم ؟ علم الشرق القديم » علم اليونان ٠‏ والفصل الرابع المناهج العلمية يناقش 
فيها الوظائف المنهجية ٠‏ الوصف ., التفسير , التنبؤ» التحكم » مصادرات المنهج , 
الحتمية , الحقيقية » الموضوعية . ثم يعرض للأبنية المنهجية : الوقائع العلمية ٠‏ 

416 


المفهومات ٠‏ الفروض ٠.‏ القوانين ٠‏ النظريات العلمية » وأخيرا أدوات المنهج العلمي 
(الملاحظة والتجربة) لغة العلم (الرياضيات) ويناقش في الفصل الخامس والأخير 
وهو ما يهمنا بصفة خاصة أغتراب العلم » موضحا اعراض هذا الاغتراب وكيف 
نقهره. ولايختلف أغتراب العلم عن أية صورة من صور الاغتراب الثقافي من 
حيث افتقاد الوعي بأصل الفاعلية العلمية الضاربة بجذورها في الممارسة الإنسانية 
الهادفة والخاضعة لسيطرة الإنسان عليها. يقول : "لقد أفضى العجز عن فهم العلم 
بوصفه فاعلية إنسانية ينشئها الإنسان إلى اغتراب العلم » ونزعة من أصوله 
الحقيقية ليصير كائنا مستقلا عن الإنسان خالقه ومبدعه". (ص37١‏ ؟) كما يرى 
قنصوه . لكن بما أن الفاعلية الإنسانية في العلم » أو في أي شئ أآخر . موصولة 
النمو ومتصلة بغيرها , فلابد أن تظل مفتوحة للتأثير بغيرها من جوانب الحياة 
الإنسانية ومؤدية إلى التأثير فيها (ص6١١).‏ 

إن اعراض اغتراب العلم تتمثل في الخلط بين العلم وتطبيقاته . وإساءة 
النظرة إلى منهجه ووقفت عند حدود نظريات معينة » وانتهت إلى افتراض وجود 
ثقافتين واحدة علمية وأخرى إنسانية ولا سبيل بينهما إلى تفاهم أو تواصل . 

ويرى قنصوه أن هناك فجوة بين تطبيقات العلم وغايات الفاعلية الإنسانية أو 
مفارقة بينهما . ولن تزول هذه المفارقة إلا إذا استطاع العلم ومعه تطبيقاته أن يجد 
وسيلة تصل ما بين قيم غايته وبين قيم غاية الفاعلية الإنسانية (171) . ويحدد 
للاشتغال بفلسفة العلم شرطين وهما في نظري اساسين للتعامل ليس فقط مع فلسفة 
العلم ولكن ايضا مع كتابات قنصوه نفسه : الاول هو ان يكون المشتغل بها واعينا 
بالتزامه بمنظور فلسفي يختاره فلسفي يختاره ويؤثره علي غيره ... فلا مكان 
للحيدة الفلسفية ازاء ما يطرح من قضايا او مواقف. والشرط الثاني هو ان يكون 
المشتغل بفلسفة العلم مدركا بان العلم هو موضوع بحثه الفلسفي ومادته الخام التي 
يصوغها ويشكلها فلسفيا » أي ان يكون متابعا وقارنا متفهما لما يدور في العلم 
عارفا باهم نظرياته ومفهوماته (ص؟١١)‏ . 

ويتضح توفر هذين الشرطين ليس فيما قدمة قنصوه من جهد في هذا 
العمل لكن في كتاباته المختلفة ٠‏ ونخفص بالذكر منها ثلاثة اعمال هي : 
الموضوعية في العلوم الإنسانية » فلسفة العلوم الاجتماعية: نظرية القيم في الفكر 

417 


المعاصر . وسنخصص هذه الفقرة للكتاب الاول الذي يقدم إسهام قنصوه وموقفه 
من طبيعة العلوم الإنسانية مما يؤكد نزعته الفلسفية الإنسانية. 

ثانيا: الموضوعية في العلوم الإنسانية ومشاركة الغير. 

وهو محاولة تسعي الي احتواء الطابع الإشكالي للعلوم الإنسانية » الذي يبدو 
في النوعية المتفردة لموضوعها من جهة وفي العلاقة المتميزة بين الباحث 
وموضوعه من جهة أخرى ,. واذا كان الاسم الذي يطلق علي هذه العلوم يختلف 
ويتعدد بين : العلوم الاجتماعية » العلوم الثقافية والعلوم السلوكية والعلوم العقلية 
او الروحية او المعنوية؛ فان قنصوه يفضل في هذا العمل استخدام مصطلح "العلوم 
الإنسانية" لكونه يتسع لكل العلوم التي تبحث في الإنسان . كما انه.وهذا هو المهم, 
يصلح مظلة مشتركة تضم تحتها او تفرض الحوار بين جوانب النزاع التقليدي في 
فلسفة العلم بين أصحاب النزعة الطبيعية وأنصار النزعة الإنسانية كما انها تفسح 
الطريق كما يري أمام تعقب الاثار والمتضمنات الفلسفية والأيديولوجية فيهاء خاصة 
تلك التصورات المختلفة عن الانسان والطبيعه الانسانية وغيرها من امور . 

ان قضية الموضوعية في العلوم الإنسانية هي قضية تاسيس المشروع 
العلمي من حيث تصور طبيعته وامكان قيامه » وطرق تحققه » ويقول قنصوه : 
"لقد حملنا هذا علي ان نخطو داخل العلوم الإنسانية لنعرف كيف يحاول الباحثون 
تحقيق المشروع العلمي في العلوم الإنسانية عن طريق ما يمكن أن يحظى باتفاقهم 
ويخضع لمراجعتهم وتثبتهم". وهو يري ان الاتفاق بينهم لا بد وان يكون قائما علي 
اتفاق واشتراك في كل مقومات المشروع العلمي وشروطه فلا يرتهن استخلاص 
النتائج وصوغ التعميمات بعبقرية الباحث وحدها او إلهامه » أو انضوائه تحت 
مذهب فلسفي معين. 1 

ويتكون هذا العمل من فصول خمس. يتوقف الاول عند مشكلة العلوم 
الإنسانية محددا مكانتها من ثقافة العصرء والتحديدات التي تواجه بها . ثم 
الموضوعية باعتيارها مشكلة هذه العلوم. وتتناول الفصول الثلاثة الثاني والثالث 
والرابع علي التوالي:الموضوعية من الخارج "الواقعة"خاصة عند دوركيم 
والوضعية مع تحليل ونقد هذا الموقف ثم الموضوعية من الداخل "الماهية"خاصبة 


418 


عند "دلتاي وماكس فيبر وهوسرل والمنهج الفينومنئيولوجي في علم النفس عند 
سارتر وفي الاجتماع عند شوتسر مع نقد وتحليل هذا الموقف ثم الموضوعية من 
الداخل والخارج (البنية اللاواعية والبنية العميقه) في بنيوية شنتراوس 
وسوسيومترية مورينو مع نقد وتحليل .حتي يخلص في الفصل الخامس والاخير 
الي موضوعية العلوم الانسانية . حيث يحدد لنا وضع المشكلة "التمييز في العلم 
بين السياق الثقافي والمحتوي المعرفي ويقدم اقتراح بالحل"التفسير والتنبؤ بين 
الواحدة الوقائعية والموققف الكلي". 

وفي ختام دراسته يري قنصوه ان علم الإنسان والمجتمع تعاوننا علي ان 
نري العلم في سياق اوضاع الحاضر ومشكلاته وفي ضوء المستقبل الممكن تحققه 
كذلك. فهي تكشف دلالة او أهمية الحركات والمطالب الاجتماعية واتجاهها . وهي 
كما يمكن ان نستنتج التي تنقلنا الي مجال القيم الإنسانية والمواقف السياسية » 
لكونها تبحث في الإنسان في واقعه الاجتماعي والتاريخي وتجنبنا الوقوع في الوهم 
وتميز الحقيقي من الزائف في الغايات الإنسانية . لقد نشات مأساة الإنسان في اغلب 
الأحيان عن "نجاحه" في تحقيق ما توهم أنه اهدافه؛ وغاياته؛ والعلوم الإنسانية 
'. التي في وسعها أن تميز نصيب الوهم او الحقيقة من تلك العناصر المؤلفة 
٠.‏ طالب والحاجات الفردية والاجتماعية » وتهيئ لنا بذلك التحرر والقوة متي 
هرت زيف اهداف معينه او استحالتها » متي عينت لنا المنهج الملائم الذي 

نق به غيرها. استمع إليه في هذه السطور التي ينقلنا خلالها من فلسفة العلوم 

نسانية الي قيم الفاعلية الانسانية يقول:'"'الموضوعيه مهما تعددت تعريفاتها لن 
'<و أن تكون في نهاية الأمر سوى سعيا لمشاركة الغيرء وتهينة الشسروف 
لمشاركة في المعرفة والإجماع علي الحكم بتأمين مسافات متكافنة بين الباحثين 
بالنسبة لموضوع البحث . فهي أذن قيمة إنسانية رفيعة تطوع ما هو ذاتي ليتحول 
لكا للجميع . فهناك ما يمكن ان يتحدث به كل منا للآخر وان يتضافر معه علي 
تحقيقه.'"'ص8؟؟". 

ثالثا:الفاعلية الانسانية والمسئوليه الاخلاقية. 

قدم قنصوه الذي يعد من المتخصصين القلادل أصحاب الرؤى الخاصة في 
فلسفة القيم نظرة خاصة. وقد أشرنا منذ أكثر من عشر سنوات في الفصل الذي 

419 


خصصنا عنه في بحثنا "توفيق الطويل ودراسات القيم في العربية" إلى نزعته 
الفلسفية التي أطلق عليها الفاعلية الإنسانية ,(' ') والحقيقة أن الجراءة التي يعالج 
بها نظرية القيم ترجع إلى تحديده مجال دراسة القيم » التي أصبحت شائعة يتحدث 
فيها من شاء موجها نقده إلى هؤلاء من خلال لغته » التي ألمحنا إليها في صدر هذا 
البحث وإليك نموذجا منها يقول : "ربما كان أكثر ألوان الحديث عن القيم ذيوعا 
وانتشارا هو ما الفناه في الأسلوب الخطابي البليغ الذي ينطلق من الأوتار الصوتية 
والشفاه .. ويعتمد هذا الأسلوب السائد على إشعال حرائق هائلة في غابات الألفاظ 
التي تنفجر في الجو كالألعاب النارية .. وتقتضي بطبيعة الحال حماسا مشبوبا كالذي 
يؤديه الممثل على خشبة المسرح . ثم ما يلبث ان يدوي ويخفت مع إسدال 
الستار".!'') 

ويرجع ذلك إلى الخلط بين مجالين الأول هو مجال "الممارسة" اليومية 
حيث تشارك في صوغها شؤون الحياة المعتادة وروافدها من وسائل الإعلام 
والمؤسسات الدينية , أما المجال الثاني فهو مجال "الدراسة" حيمث تتناولها 
الفلسفة والعلوم الاجتماعية على نحو يفصل البحث في طبيعتها وأنماطها 
ومصادرها. 

. وإذا كان قنصوه قد أختار المجال الثاني للحديث عن القيم » فهو يميز بين 
طريقتين أو اتجاهين للنظر فيها ويستبعدهما لعجزهما عن استيعاب كافة المواقف 
المنهجية والنظرية من القيمة , الاتجاه الأول هو الذي يحلق بعيدا في سموات 
مثالية عازلا القيمة عما يدنسها من أصول مادية واقعية . على حين يقف الاتجاه 
الثاني على الطرف المقابل معتبرا القيم إنعكاسات آلية مباشرة للممارسة الواقعية . 
وهو يقترح وضعا جديدا لمشكلة القيم يفتح الطريق لها أمام حل لمسائلها من 
"منظور إنساني" شامل . ولا يجعل هذا التصور المقترح من القيمة مجرد جانب 
من جوانب النشاط الإنساني أو خصيصة من خصائص أخرى . بل يجعل منها طابع 
وجود الإنسان وأسلوب فاعليته معا مطبقا هذا التصور على الدين والفن والفلسفة. 

وعلى امتداد فصول ثلاثة يتناول "مشكلة القيم" في الفصل الأول محددا 
مكانتها في عصرنا الراهن مناقشا مسائل أربع هي : ميلاد نظرية القيمة ١‏ القيمة 
بين الإنكار والأقرارء مكانة القيمة من المذهب الفلسفي , مسائل القيمة ومباحثها . 

420 


لنتوقف عند هذه الفقرة التي يستشهد بها من الفيلسوف الأمريكي "رالف بارتون 
بيري" الذي يرى في كتابه "النظرية العامة للقيمة" توافقا وانسجاما بين ما يكون 
وما يرغب فيه ء بين الواقعية والقيمة » وهو موقف أظنه يعبر بدقة عن رؤية 
قنصوه نفسه ؛ حيث لم يعد للإنسان ملاذ ينزع إليه بعيدا عن معترك الحياة نافضا 
يده من تبعاتها , بل هناك الاتجاه إلى التمكين لقدرات الإنسان والتوسع فيها أكثر 
من التضييق من رغباته والتقليل من مطامحه وقيمه"رص17)'') ذلك هو موقف 
فلسفة العصر التي تخترق أسوار مشكلاتها التقليدية لتحتضن كل مشكلات الإنسان 
على أساس من منظور إنساني شامل مؤلف من القيم وينطلق مما هو كائن متجاوزا 
إياه ومتطلعا إلى "ما ينبغي أن يكون" لمستقبل الإنسان" (رص7١)‏ 
وكما رفض موقف الوضعية المنطقية من احتكار فلسفة العلم يرفض رفضها 
للقيم والقلسفة تحت دعوى مبدأ التحقيق ٠‏ الذي يرى فيه تعبيرا عما ينبغي أن يكون 
. فهناك في موقف الوضعيين المناطقة وفي قضيتهم الأساسية التي تصوغ محور 
منهجهم يتربص بهم ما حاولوا رفضه وإنكاره وهو يظهر ذلك على النحو 
التالي:"ينبغي علينا أن نلتزم بان ما يكون صادقاء هو ما يمكن التحقق منه" فإينما 
تولوا فثم ما ينبغي أن يكون.(ص ؛ ”") وبعد أن ينتهي من بيان تهافت الموقف 
الوضعي يخصص الفصل الثاني لموقف القيمة وهي: المواقف الطبيعية: المواققب 
المثالية » المواقف البرجماتية ٠‏ المواقف الوجودية. 
يظهر موقف قنصوه من تحليله التمهيدي لتصنيفات مواقف القيمة ورفضه 
لتصنيف ريمون روييه في كتاب فلسفة القيمة ويبادر إلى الاأفتراض بأن كل من 
يتحدث عن القيمة إنما يتحدث عن الإنسان بما له من فاعلية تسعى إلى غاية » مهما 
يكن من أمر تلك الفاعلية أو تلك الغاية » يقول : ومن ثم فنحن لانقر:روييه على 
فصله بين نظريات طبيعية ونظريات فاعل طبيعي . لأنهما بلا ريب يفترضان مغا 
وجود إنسان فاعل تقع عليه تبعة التقويم" (ص"17) . ّْ 
وتشتمل المواقف الطبيعية التي يعرض لها : (أ) المواقف البيولوجية عند هانز 
درايش وادنجتون(ب ) والسيكولوجية عند كل من : مايونج واهرتفلس وشبرانجر 
ومكدوجل وفرويد وعلم النفس الاجتماعي و (ج) المواقف الاجتماعية الفرنسية 
دوركايم وليفي بريل والامريكية عند زنانيكي , بيكرء بارسونزءكاتن.(د) المواقف 
421 


الاقتصادية(الماركسية). بينما يفصل المواقف المثالية عند : كانط وكاسيرر» 
ماكنزي ٠‏ جود » هارتمان؛ لافيل » والمثالية المعدلة عند توفيق الطويل . ويعرض 
لكل من شيللر وديوي ممثلين للمواقف البرجماتية ونيتشه وسارتر المواقف 
الوجودية. 

ويبدو أن تتويج قنصوه هذه المواقف بالحديث عن سارتر له دلالة . فكلاهما 
يرفض التسليم بالأمر الواقع ويتطلع دائما إلى المستقبل من خلال اعترافهما بقدرة 
الإنسان على تغيير نفسه وواقعه من حوله والدعوة إلى ممارسة الإنسان لفاعليته 
للعلو على حاضره فالإنسان عند سارتر كما كتب قنصوه يضع وجوده بقذف نفسه 
إلى المستقبل (ص١١)‏ والوجودية عند سارتر هي وحدها التي أتخذت على عاتقها 
أن تواجه الوجود الإنسان بمقتضى حريته وكونه واعيا » وقدرته على تجاوز موققه 
الذي لا يتطابق معه قطء بل يوجد كعلاقة معه. وهو الذي يقرر كيف يحياه » وماذا 
يكون معناه بالقياس إليه » خالقا القيمة باختياره له والتزامه بها (ص717١).‏ 

بموقف سارتر ينتهي الفصل الثاني عن مواقف القيمة ويبدأ الفصل الثالث 
بموقف قنصوه , الذي يقدم لنا نظرته للقيم باعتبارها فاعلية إنسانية بعد نقده 
للمواقف السابقة. 

ونستطيع من الإشارات السابقة المتعددة ‏ التي يحدد فيها قنصوه تصوره 
لفلسفة العلم » وفهمه لمعنى الموضوعية في العلوم الإنسانية . حضورا مكثفا 
للإنسان وفاعليّة. وإذا اضفنا إلى ذلك تحمسه لتأكيد سارتر على الحرية والالتزام 
وفهمه للأخلاق والقيمة ٠‏ فإننا نتبين معنى الفاعلية القيمية التي يدعو إليها فهي 
عنده إبداع إنساني يقول:"ويقتضي التفاعل الذي يجري بين الإنسان والعالم 
مشاركة الإنسان بفعله في صنع نفسه والعالم . وإذا كان الفعل على غير مثال 
سابق؛ فلابد أن يكون "!إبداعا" ومن ثم تكون الفاغلية الإنسانية من ذلك الوجه 
فاعلية إبداعية» ولكن دون أن تعني أنها خلق من عدم , لأنها مشروطة بتواصلها 
مع غيرها. محكومة باتصالها واستمرارها .(ص١١٠)‏ 

ويعني تواصل الفاعلية الإنسانية » عند قنصوه أنها ترتبط بغيرها من 
الفاعليات والأشياء » فهي ليست غريبة عن العالم الذي نشأت فيه . وليست بمعزل 


402 


عنه كما يعني أتصالها واستمرارها ء أنها لم تتكون دفعة واحدة . بل هي في عملية 
متصلة من الصنع والنمو لم يفرغ منها بعد . فهي ليست إذن خارج العالم » كما أنها 
ليست خارج التاريخ ٠‏ وما يصدق على الفاعلية الإنسانية يصدق على القيمة 
بوصفها أسلوب وجود الإنسائية وطابعه. 

فالقيمة أو الفاعلية القيمية » ليست جانبا بعينه من جوانب الإنسان؛ أو مجالا 
من مجالات نشاطه ء لأنه لاسبيل إلى فصلها عن الفاعلية الإنسانية في كافة 
مواقفها . وقد عرفنا مكانة الفاعلية الإنسانية من العالم » ورأينا كيف تنفصل عنه 
لتتجاوزه كيما يتسنى لها التفاعل معه وتغييره » كذلك الفاعلية القيمية تتجاوز ما 
هو كائن لتتطلع إلى ما ينبغي أن يكون وفي ذلك يقوم جوهرها. '') وهذا ما ينطبق 
أيضا على الرؤية الجمالية التي ترتبط عنده بالقيمة وهذا هو موضوع الفقرة التالية. 

رابعا : أنطولوجيا الابداع والرؤية الفنية . 

يقدم قنصوه في كتاباته الجمالية موقفا فلسفيا مثلما نجد في اعمالاه 
المختلفة ويطرح نظرته للنقاش مقابل آراء أخرى فلا مكان كما يقول للحياد الفلسفي 
إزاء ما يطرح في ساحة الفن من قضايا أو مواقف. وما يقدمه هو مزيد من الإثبات 
والتفصيل لقضية مطروحة في علم الجمال؛ هي أن الفن أسلوب ومستوى من 
الوجود وليس شكلا من أشكال الوعي(مجلة فصول8”؟) والجمال الذي يقصده ليس 
شينا سابقا أو مستقلا عن الفن. 

يرى قنصوه أن الظاهرة الفنية لا تقتصر على الأعمال الفنية فحسب بل ئمة 
مستويان أخران ينتسبان إليها دون أن يكون أي منهما عملا فنيا أولاهما هو الطابع 
الفني الذي يتسلل إلى ممارسات الإنسان كافة في الدين والعمل والفلسفة والعمل 
وهو سمة غالبة على كل فاعليات الإنسان بل هو (علامة على رفعة قدرها) 
(ص ؟ ") وثانيهما هو النسيج الفني كما يتبين في الحلم واللعب والسحر والاسطورة 
على سبيل الحصر . 

: يبين قنصوه أهمية الخيال باعتباره المسافة بين الإنسان والطبيعة "لابد أن 
نفترض (الخيال) لكي نفهم كيف تغيرت الطبيعة وما تزال تتغير بفعل الإنسان. أن 
أحداث التغير يستلزم أو يفترض نوعا من الانفصال أو المسافة أو البعد بين الفاعل 


43 


وموضوع الفعل أي بين الإنسان والطبيعة.. هذا المستوى المفترض هو ما نطلق 
عليه"الخيال". وأهمية الخيال عند قنصوه مثلما عند سارتر تتمثل في إدراك أو 
تصور للغائب عن الإدراك الواقعيء لأنه في نهاية الأمر تصور للغاية محققة برغم 
أنها لم تحقق بعد. أنه يعيد تشكيل الواقع(*'2: نتوقف عند فقرتين توضحان ذلك 
يقول في الأولى : "فالخيال هو الذي يخترق عتمة الأشياء أو غلظتها وضرورتها 
وجمودها على ماهيات ثابتة ليذروها » ويعتجنها . ويلوكها » ليصوغ منها شيبا 
جديدا يحقق به أهداف الإنسان ومطالبه . فهو إذن مهاد الإبداع , بل إن الخيال أيضا 
بمثابة استحضار للغياب » أي يجعل الغائب حاضراء وهو منتج اللغة وكل أدوات 
الاتصال الإنساني. ( مجلة فصول ص”7؟١)‏ 

ويزيد الأمر توضيحا في الفقرة الثانية في نفس الموضع بقوله: "والخيال 
على هذا الوجه يبرن إلى الضوء الإمكانات المتشابكة داخل نسيج الوجود الفعلي » 
كما يتكشف فيهاء مع ما يتعارض مع الأوضاع القائمة ويحررها من أسرها » محطما 
الحواجز بين المثال والواقع » ومقدما بذلك الشروط الضرورية لكل أنواع النقد ٠‏ 
المفضية إلى إحداث التغيير الفعلي في نهاية الشوط". 

ويظهر موقف قنصوه الجمالي ٠‏ الذي يتفق وموقفه الفلسفي العام بصورة 
أكثر تحديدا في بحثه "الخاصية الفنية للأدب وقضايا المعرفة" يهمنا هنا بيان 
تحديده للرؤية الفنية التي هي عنده قدرة الفنان على الإحساس والشعور بقابلية 
العالم للتحول والتشكل يقول :"لا يشرع الفنان أو الأديب في عمله إلا إذا استغرق 
بكليته » بدرجات متفاوتة بين الفنانين والأدباء » في رؤية فنية للعالم أو الواقع أو 
لجانب منهما . وهي التي تميز موهبة الفنان عن قدرات المتخصصين ومهاراتهم 
في المجالات الإنسانية الأخرى : وتفرقه عما سواه . وهي بإيجاز , قدرة الفنان على 
الإحساس أو الشعور بقابلية العالم » والواقع » والوجود للتحول والتشكيل والتبديل 
بالنسبة إليه" 

ويضيف موضحا دور الانفعال في هذه الرؤية بان الفن أو الأدب لا يحقق 
أهداف سائر الفاعليات الإنسانية » بدرجاتها » ومستوياتها المتفلوقة . بذاته » 
وبمقتضى مكوناته وعناصره المؤلفة للعمل الفني أو الأدبي , بل عبر ما يثيره من 
انفعالات المتلقي التي تقرن بتلك الأهداف . إما باعثا على تحقيقها , أو توهسا 


404 


بإنجازها , أو محبطا الأمل في بلوغها ٠‏ إلى غير ذلك من مشاعر » بحسب كل عمل 
فني أو أدبي على حدة . 

فالانفعال عنده ‏ هو حصيلة العمل الفني أو الأدبي الرئيسية . وهذا ليس أمرا 
قليل الشأن » كما يرى لأن الأنفعال هو التعبير الإنسانتي عن كل ما يبلغه الإنسان أو 
ينجزه . وهو المعادل الإنساني المباشر لأية ممارسة . والعلامة المييزة لعمقها أو 
عظمها أو تفاهتها , لأنه النتيجة المعلنة للتجارب الإنسانية في كل الأحوال » التي 
لا يمكن حجبها أو الاستغناء عنها . أستبدال غيرها بها. وما يلبث أن يتحول الإنفعال 
إلى ما يثير لدى المتلقي؛ يفضي بدوره إلى استجابة تؤدي بالتالي إلى موقف من 
العالم يمتد ليشمل مجالات نوعية عديدة بقدر خصوبة العمل وثرائه. 9') 

خامسا : النقد الثقافي : الدين ٠»‏ الفكر والسياسة. 


النقد الثقافي مصطلح حديث جدا » ولم يقدر له الذيوع أخيرا إلا بمقدم 
المتغيرات والعوامل التي أدت إلى العولمة وما بعد الحداثة . فلا يعد نتيجة لهما بقدر 
ما هو شريك ينبع من نفس المصادرء وينتسب إلى ذات المناخ. وهو كما كتب صلاح 
قنصوه ليس منهجا بين مناهج أخرىء أو مذهبا أو نظرية. كما أنه ليس فرعا أو 
مجالا متخصصا من بين فروع المعرفة ومجالاتها. بل هو ممارسة أو فاعلية تتوفر 
على درس كل ما تنتجه الثقافة من نصوص سواء كانت مادية أو فكرية . ويعني 
النص هنا كل ممارسة قولا أو فعلاء تولد معنى أو دلالة. 

"فالجديد في النقد الثقافي هو رفع الحواجز بين التخصصات والمستويات في 
الممارسات الإنسانية لأنها تنتمي جميعا إلى الثقافة التي هي مجمل صنيع الإنسان 
في البينة الطبيعية . ومن شم ينكر النقد الثقافي التفرقة التقليدية المالوفة بين 
القاعدة (البناء التحتي) والبناء الفوقي , وكذلك التمييز بين المادي والروحي . 
فالثقافة "اسم جمع" يصدق على أمور متباينة تضمها تسمية واحدة .:"') ّْ 

يميز قنصوه بين العولمة والنظام العالمي الجديد . اللذان نخلط بينهما ونجعل 
منهما شيئا واحدا . فمصطلح النظام العالمي الجديد يعود إلى الرئيس "بوش" الأب 
بعد أن فرغ من تاديب النظام العراقي في حرب الخليج الثانية » وخلو الممسرح 
السياسي من الشرير السوفيتي . وكلمة نظام 05067 التي استخدمت تعني أيضا 


005 


الترتيب ١‏ والأمرء فهنا يشير الترتيب بين الدول إلى مركز وأطراف . كما يعني الأمر 
هيمنة دولة ما على أخريات. 

ويميز للعولمة وجهين , الأول هو الاقتصادي وما يتبعه سياسيا ؛ والشاني 
ثقافي . فأما الوجه الأول فيرى أنه لم ينجز مهامه بعد » التي تتمثل في سيادة 
الشركات المتعدية الجنسية ١‏ وليس المتعددة الجنسية . وهذا من شأته » إذاما تم 
أن يؤدي إلى تحولات فادحة في دور الشركات والمصالح القومية . فضلا عن 
مؤسسات الدولة الراهنة . 

أما الجانب الثقافي ‏ كما نلاحظ ‏ فقد كان حظه موفورا بما حققته الأدوات 
العولمية التكنولوجية من تغيير بالغ الخطر في قنوات التواصل والتداول بين الأفراد 
حيث أوشكت على نسف المسافات بين أطراف العالم .. » ومن شم اوشك الإنسان 
على قهر فاصل الزمن وبعد المكان كما تبدي بعض أثاره في السموات المفتوحة » 
والتعامل مع برامج الكمبيوتر » والانترنت على سبيل المثال. 

ويتوقف قنصوه عند العلوم الاجتماعية وما بعد الحداثة موضحا أن علم 
النفس وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا كانا أشد فروع العلوم الاجتماعية تأثرا 
بالعولمة وما بعد الحداثة في السنوات الأخيرة من القرن الماضي وبدايات هذا القرن 
» ويفصح علم النفس عن ذلك التاثير في مجالين ٠‏ في الفروع العلمية الجديدة التي 
توصف باأنها ثقافية» علم النفس الثقافيء و عبر الثقافي(او التبادل الثقافي) الذي 
يستند إلى علم نفس الشعوب. وعلم النفس البين ثقافي , وكذلك علم النفئمس 
الأنثروبولوجي ؛ والأنثروبولوجيا المقارنة . وتتفق هذه الفروع جميعا على ان 
الثقافة مكون رئيسي في فهم السلوك الإنساني . 1 

والمجال الثاني لعلم النفس هو نظرية الشخص .ء أو الذات . ويشير إلى 
ظهور نظريات جديدة تماما في هذه الصدد ء انقلبت على المفهوم التقليدي: الذي 
كان يجعل منهما هوية وذاتا مكتفية بذاتها على نحبو ما تكون متجانسة داخليا ' 
ومتميزة عن غيرها خارجيا. فلقد كان هذا امتداد وتطبيقا لفكر النزعة الإنسانية 
المتمئلة في "الأنا" الديكارتية ؛ والفكر الفردي النزعة . 


016 


ولأننا في مرحلة انقشاع الأوهام فقد أنصرفنا عن تشييد صروح من المذاهب أو 

النظريات الكبرى. كما كان الحال سابقا ويرى أنه ليس في مقدورناء إن أثرنا الأطفة 
والمصارحة إلا أن نغرس اوتادنا بثقة وثبات في تلك الأرض الزلقة بما يتيسر لقا 
من النقد الثقافي/"') 

ويمثل كتاب قنصوه الأخير "الدين والفكر والسياسة" (القاهرة “١٠٠١؟)‏ 
إسهامه في القضايا العامة . حيث يناقش قضية تشتت الانتماء » قضية الحرية 
والانقسام الثقافي الراهن , الابداع والارهاب ٠‏ الدين والإنسان . العلمانية » الدين 
والفن ‏ الدين والعلم . صدام الحضارات ومفهوم الغرب . التراث المستعار وصدام 
الحضارات وغيرها. 

وهو عمل يحتاج إلى معالجة مستفيضة قادمة » وهو في تصورنا يمثل همزة 
الوصلء التي يحققها قنصوه ببراعة بين قيم العلم وقيم الفاعلية الإنسانية . أنه 
يهدف كما كتب في بدايته إلى أن ينتقل من سماء التجريد والتراشق بالألفاظ إلى 
أرض الممارسة الاجتماعية والسياسية وذلك عن طريق الحوار وليس المونولوج 
الذي يسود بيننا اليوم والحوار يشترط التبادل والتفاعل بين الأراء والمواقكف 
(ص .)٠١‏ 

الهوامش 
(١)راحع‏ صلاح قنصوه : التكوين , بجحلة الحلال , القاهرة ١195.‏ العدد؟١‏ 
قد اسان حرو لط و سل معد و ا ا 1 
إلى مقدمة كتابه عن نظرية القيم في الفكر المعاصر. 
(؟) نشير على وحه النصوص إلى دراسته: أنطولوحيا العمل الفئ , بملة فصول , القاهرة العدد 
وكذلك بحئه "الخاصية الفنية للأدب وقضايا المعرفة» ضمن أعمال موثمر . ٠‏ 
وعن النقد الثقافي بحئه في مؤتمر الجمعية الفلسفية المصرية ومركز البحوث والدراسات الاحتماعية تمامعة 
القاهرة ديسمبر 5 7٠٠٠١‏ ودراسته ماذا نقصد بالنقد الثقاق » بحلة الحلال إبريل ٠٠٠‏ 
(:)نحيل على سبيل المثال إلى كتابيه : الواقع والمثال مساهمة لي نقد العقل المصري في الثمانينات » العربية 
للدراسات والنشر ء القاهرة )١4485(‏ والدين والفكر والسياسة . دار الكلمة » القاهرة 5٠٠١‏ الذي يحون 


على الكتاب السابق ويضيف إليه دراسات عدة . 


0417 


(0 

فى 

(8) أنظر صلاح قصوة : فلسفة العلم » دار قباء القاهرة 7٠١7‏ ء المقدمة . 

(ة)أنظر حاكلين روس : الفكر الأخلاقي الجديد 

٠١‏ )أحمد عبد الحليم عطية : الكتاب التذكاري عن توفيق الطويل » كلية الآداب » جامعة الجافة لاحل 
وكذلك النظرية العامة للقيمة » دار قباء , القاهرة ٠١٠١#‏ ص 571-578 

(١١)صلاح‏ قنصوه : نظرية القيم في الفكر المعاصر » دار التنوير » ببروت »ء المقدمة. 

)١١(‏ أنظر دراستنا القيم في الواقعية الجديدة عند رالف بارتون ببري » دار الثقافة للنشر والتوزيع » القاهرة 
١1344‏ 

(17) قنصوه : نظرية القيم في الفكر المعاصر ص4 ٠١‏ 

: راحع كتاب سارتر حول‎ )١4( 

84-8 صلاح قنصوه: الخاصة الفنية للأدب وقضايا المعرفة؛ اعمال مؤتمرءص‎ )١5( 

١١١ ص‎ 5٠٠١ صلاح قنصوه : ماذا نقصد بالتقد التقافيء الحلال » القاهرة ؛ إبريل‎ )١5( 

(107) الموضع السابق ص تفيل 

(18) صلاح قنصوه : الدين الفكر السياسة » ص١٠‏ 


428 


صلاح قنصوه السياسي 

ليبرالي في ضيافة اليسار 
ياسر قنصوه9”) 
كثيرون ممن يصنفون "صلاح قنصوه " سياسيا فى خانة اليسار 
(الاشتراكي ) يبسطون أمامهم خريطة التصنيف( البالية ) و يشيرون على الاسم 
المدرج ( سلفا ) و يصيحون فى ثقة المتيقن مما يقول : إن موقعة السياسى هنا.ء 
أى مدون على قائمة رسمية معتمدة من الجهات المعنية بالموقع السياسي للمثقف ! 
و قد اخذت آفة التصنيف العقائدي منذ ثورة يوليو ١15537‏ ء فى نموها المتزايد حتى 
استحكمت ظاهرة تشير التعليقات الساخرة من عينة : فوزية البرجوازية - قصة 
أحمد رجب - و شحاته الرجعى » و عبد السميع التقدمى ...... الخ »ووصل الأمر 
إلى أخر حدود الهزل مع شخص يختلف مع آخر فى أمر ما فيصفه _ أو يسبه ضمن 
كافة ألوان السباب - أنه شيوعى !؛ أو إمبريالي ! و تجئ السلسلة العربية الشهيرة 
شاهدة على مآل الحال السياسى لدينا ٠‏ فتزيدنا معرفة بمصطلحات: الاستسلامي » 
الانهزامي ٠‏ التصفوى . بانع القضية.اى قضية! ... الخ في مقابل النهضوى ٠‏ 
الطليعى ٠‏ الثورىء القومي », العروبى ... الخ وحتى يومنا هذا تعمل آلة التصنيف 
بكفاءة تحسد عليها وللحق لم يستعمل التصنيف بالصورة "المكارثية" الصريحة: 
من ليس معنا فهو عدونا , بل استخدم فى عالمنا العربى على نحو مخفف: من ليمبس 

معنا يجوز تصنيفه أيا كان نوعه! 

و قد شاءت الظروف أن يعايش صلاح قنصوه فى صدر شبابه مرحلة المد 
الاشتراكي ليس فى مصر وحدها ء بل فى كثير من بلدان العالم الثالث » حتى فى 
أوربا ذاتها و قد اجتاح هذا المد اوساط المثقفين و فرض وصايته عليهم ومع ذلك 
كان ( الوضع ) فى مصر يبدو خاصا و غريبا فى آن » إذ انه فى الوقت الذى تمارس 
فيه الاشتراكية أو ما يسمى باشتراكية الدولة ٠‏ كان الاشتراكيون بمختلف طوائفهم 


“مدرس الفلسفة السياسية بكلية الآداب طنطا . 


009 


ينزلون (ضيوفا) على المعتقلات. "و عندما تخرجت فى الآداب )١551/(‏ أصابني 
الدور فى التجنيد» وقضيت عام ونصف فقبض على في نهايتهاء و قضيت عامين 
بالمعتقل تحت فنة المشتبه فيهم"7) كان " صلاح " المشتبه فيه (كيساري) فى 
معتقل الدولة (الاشتراكية)؛ و يعلق ساخرأ من فكرة "التأميم" » و هى إحدى آليات 
العمل الاشتراكي : "و قد شمل التأميم الحوار حول الحرية والعدل وغيرهما ء لأن 
الحوار ليس من حق الأقراد » فهو ليس ملكية فردية خاصة , بل لابد من تدخل 
الدولة ..... لاستخدامه على الوجه الأفضل .ومن ثم لم تقنع السلطة بتأميم المرافق 
فحسب بل جاوزتها إلى تأميم الفكر والسلوك , بل أن السلطة وأجهزة إعلامها جعلت 
من مهامها تحديد أو تضيق مواصفات أو شروط الانتماء إلى الوطن بحسب 
قراراتها المتعارضة فيما يتصل بالسياسة الخارجية أو الداخلية على السواء " 
فالاشتراكي الوحدوي" وفقا لمواصفات محددة هو الوطني فى زمنء وكذلك 
"المصري صاحب السبعة آلاف سنة حضارة والمرتبط بالعالم الحر" هو الوطني 
الوحيد فى زمن آخر"7 و قد يبدو التصور أو الرأي السابق مدخلا مناسباً للحديث 
عن ليبرالي يؤمن بحرية التعبير » و لده رغبة مؤكدة فى مناقشة قضية الحرية 
بمعنى يختلف عن نمط الحرية المصرح به فى عالمنا العربي . أو حرية إلقاء 
المونولوج الخاص . " فلكل حريته فى استخدام المفهوم على الوجه الذى يلائمة 
".0 إن صلاح (رجل المنهج) ينبه إلى تلك النتيجة المروعة لذلك التواطؤ القائم فى 
تعددية الاستخدام للمفهوم الواحد للتعبير عن وجهات نظر خاصة . فى ظل اتفاق 
ضمني يتيح للجميع التلاعب بالمفهوم و لذا لن نستغرب أن تقوده "فوضى" 
التوظيف الحر للمفهوم الواحد إلى نقد المجتمع الرأسمالي "إذ يجد الفرد نفسه 
محاصرا بالفكرة أو السلعة عن طريق الإغراء بها عشم الدعوة إليهاء ثم التعويد 
عليها"7') إنه يشير هنا إلى أكذوبة "الاختيار الحر" من بين بدائل محددة هى كل ما 
يطرحة السوق ., و بالتالي فإن ما تتصوره اختيارك الحر لا يعدو كونه ذلك المنتج 
الذى تدفع إليه كعميل أو زبون تحت وابل من الإعلانات المغرية . 

و فى المقابل يبدى "صلاح" إعجابه بالإعلام فى المجتمعات الاشتراكية؛ " إذ لم 
تعد ملكية الإذاعة والتلفزيون ملكية خاصة: و بالتالي لاايأتى الربح في مقدمبة 
أهدافها أو مجرد الترفيه و السطحية و الإثارة أو مقاومة التغير الإجتماعى لحساب 


0530 


أهداف خاصة لفنات أو طبقات معينة؛, بل هناك أيدلوجية شاملة تربط بين خطة 
الدولة و بين أوسع فنات المجتمع هى التى تتبناها الإذاعة و التلفزيون » و كل 
وسائل الاتصال الرسمية و غير الرسمية؛ وبذلك يكون الإعلام فى المجتمعات 
الاشتراكية إعلاما مخططا . متكاملاً إيجابيا يستهدف تغفييرا عميقا . ومخططا 
بدورهء أو هكذا ينبغى أن يكون "7) 

وقد يتوقف أحد المغرمين بالتصنيف في عالمنا العربي عند حدود هذا الإعجاب » و 
يعلن فى ثقة : أنه اشتراكي ولا ريب ! و قد يضيف من عندياته : بل اشتراكي حالم 
أو طوباوي ! لكن بوسعنا مراجعة هذه المسالة بالإشارة إلى تصوره للماركسية 
كاحد الروافد الأساسية للاشتراكية إذ يقول : "و من الغريب أن الماركسية ترتد إلى 
ضرب من النزعة المثالية عندما تضفي على الطبقة العاملة كل صفات الكمال » 
خالعة عليها كل القيم التقليدية » و كأنها تجسيد لهاء وذلك لأن الطبقة العاملة اليوم 
هي التي تحمل تبعة نقل المجتمع إلى المرحئة التالية »و شأنها شأن كل طبقة 
صاعدة في كل مرحلة هي التي تحقق القيم المثالية ... و كأن الإنسانية قد بلغت 
خاتمة المطاف » فهذا حلم لا يختلف قط عن أحلام أصحاب اليوتوبيات القديمة إلا 
من حيث المادة التي تبنى منها مدنهم الفاضلة!" و لنتأمل تلك العبارة عند "صلاح 
قنصوه" "و كأن الإنسانية قد بلغت خاتمة المطاف ومتى انتهينا من تأمل فباحص . 
يمكننا أن نطالسع رؤية نهاية التاريخ لدى كانط في مقاله الذي كتبه عام 
64 بعنوان (محاولة لكتابة تاريخ عالمي من وجهة نظر عالمية ).... وأن 
المتاخرين وحدهم هم الذين سيكون من حظهم أن يسكنوا ذلك البناء الذي عملت 
على تشييده سلسلة طويلة من أسلافهم (من غير أن يقصدوا إلى هذا حقا ) دون أن 
يستطيعوا المشاركة في تلك السعادة التي أعدوها "7 و متى خلصنا من قراءة 
واعية لما سجله كانط؛ يمكننا التحول إلى قراءة معاصرة لرؤية " فوكوياما '' عن 
نهاية التاريخ " ... والسؤال الذى ينبغى أن يجيب التاريخ العالمي عنه هو : ما إذا 
كان بوسعنا متى أخذنا فى الاعتبار كافة المجتمعات وكافة العصور أن نتبين سسببا 
يدعونا إلى توقع حدوث تقدم عام للبشرية صوب حكومة جمهورية , 
أي صوب ما نسميه اليوم بالديمقراطية الليبرالية"7*) وبالمعنى الذى قصده '"صلاح 
قنصوه " فى رؤيته للماركسية » فان ذلك قد يعنى لنا اليوم أنه قد يضع الماركسية 


43 


وكانط الليبرالى (الكلاسيكى) ٠‏ وفوكاياما الليبرالى (الجديد) فى سلة واحدة . ولذا 
نجد أنفسنا فى رحلة بحث مجهدة عن إجابة لسؤال » يثير حيرتنا » ويطيح بما تبقى 
من ثقة فى التصنيف (الجاهز) ليودعنا خائبين المسعى فى قبضة ( الأرق ) الفكرى 


الملازم لإعادة السؤال : 
ما موقف صلاح قنصوه السياسى ؟ 


يقول الفيلسوف الإنجليزي الليبرالى "برترائد رسل" : إن الفيلسوف 
الليبرالى لا يقول هذا حق , بل فى مثل هذه الظروف , يبدو لى أن هذا الراي اصح 
من غيره(" إذن كان " راسل " يدرك جيدا أنه لا يمكننا الحديث عن ليبرالية مكتملة 
البناء » متعينة الانبثاق» محددة السمات . كما أنه لا يوجد غط فردى معين يمكن أن 
يمثل طابعا مميزا لليبرالية . "فقد كانت الليبرالية بأشكالها المتنوعة موقفا عقلانيا 
قبل أن تصبح غرضا نظريا واعيا بذاته » فهى فى مجملها تاريخ الكشف عن العديد 
من الانحرافات » والتحولات الفكرية , فعلى سبيل المثال : الأهمية التى يعزوها 
"لوك" للقانون الطبيعى ٠‏ وجون ستيوارت مل للنفعية » وتوماس هل جرين للتحقق 
الذاتى الأخلاقي تحول دون تكامل عملهم فى مذهب واحد مترابط ومتماسك أو 
متسق )1١1"‏ 

وكم تبدو مقولة "رسل" الفيلسوف الليبرالي واعية بالطبيعة الأيديولوجية 
لليبرالية التي تختلف إلى حد كبير من حيث الاتساق والتماسك المنهجي مسع 
الأيديولوجية الاشتراكية , إنها لا تملك تلك العقيدة ه«وعه7 القطعية التي يمكن 
نسبتها إلى الماركسية مثلا فلكل فيلسوف ليبرالي رؤيته الخاصة » ومن ثم لا يمكن 
نسبة تلك الرؤية إلى مصطلحات مثل النظرية و المذهب , والعقيدة فالليبرالية تنظل 
على الدوام مجرد مبدا! وعندما يتساءل "صلاح": هل يمكن قيام علوم موضوعية 
للإنسان والمجتمع ؟ فإذا كان الجواب بالنفي " ولكم أيديولوجيتككم.ولى 
أيديولوجيتي. فإن الأمر لا يستحق عناء البحث ؛ أما إذا كان الجواب بالإيجاب » فان 
المسالة جديرة بالدرس عو السعي نحو الخروج من هذا المازق " ' إن فكرة 
"أصح من غيرها" التي تطرحها ليبرالية "رسل" تجهض فكرة "هذا حق" التي 
يمكن أن يقرها الماركسيون مثلا .وهذا ما وعاه " صلاح " جيدا عندما ناقش 
مسألة الخلط بين النظرية والأيديولوجية "فعندما ترى الماركسية أن الطبقة العاملة 


0132 


هي وحدها المؤهلة للقضاء على النظام الطبقي الذي يشوه الحقيقة. وحيث أن 
مصالحها تتفق مع الموضوعية التاريخية . فان قدرة الأيديولوجية الماركسية على 
التعبير عن الواقع الموضوعي تظل باقية في كل مراحل التطور التاريخي .ؤلكن ألا 
ترى في هذا تصورا طوباويا لمحطة وصول نهائية تطمئن عندها إلى الموضوعية 
الكاملة "2'"0 وفى نفس المنحى لا على نفس المنهج يؤكد فوكوياما الليبرالي رؤيته 
المثالية في تصوره لنهاية التاريخ بانتصار وغلبة الليبرالية الديمقراطية على 
خصومها النظريين بعد سقوط حائط برلين عام 545١"ولسنا‏ في حاجة إلى ترديد 
ما تعلمناه من تاريخ تطور العلم من أن الوقانع الجديدة تفرض علينا البحث عن 
تفسير جديد يلائمها مما من شأنه أن يصرفنا عن التفتيش في دفاترنا أو نظرياتنا 
القديمة5') 

و "صلاح" كباحث فلسفى برغبته الدائمة فى التحليل »والتفسير المنهجي 
يعيق توجهنا دائما لسبر أغواره السياسية إذ يجعله المنهج أقرب إلى (الحياد) منه 
إلمى (الانتماء) بالمعنى السياسى للكلمة . وهذا ما يؤكده عندما يقول: " وقد 
اكتشفتء أو اقتنعت عبر تصادم المذاهب التى أدرسها , فكرة منيرة أضاءت لى 
شعاب الطرق و مفترقاتها . وأكثر سن هذا زودتنى بطاقة زاخرة فى الفهر 
والممارسة على السواء » وهى فكرة بسيطة جدا مؤداها ان ثمة فارقا هائلا بين 
الواقع ٠‏ وبين أفكارنا عن الواقع » فالزعم بان المعرفة الصحيحة هى معرفة الواقع 
على ما هو عليه زعم باطل , فلكى أتحقق من صحة معرفتى أي مطابقتها للواقع ٠‏ 
فهذا يفترض مسيقا أنني أعرف ما هو عليه الواقع ‏ لأعود فأقرر بأن معرفتى 
صحيحة ! أين هو الواقع على ما هو عليه ؟ وما الجهة أو المصدر المفوض عن 
الواقع الذى يضمن لى ذلك ؟ فكانني هنا ادعى علم الله لأنه وحده الذى يعلم الواقع 
الذى خلقه » فاحسست على الفور أننا لاانفرق بين الفلسفة والعلم من جهة .وبين 
اللاهوت من جهة أخرى وأن اكتسى بإهاب إنسائي . ولهذا اكتسبت القدرة على 
النقد بعد أن فقدت المذاهب هيبتها الزائفة ' '') ش 

. وبرغم أن المنهج قد يتيح لنا آفاقا لا نهائية من الاكتشافات إلا أن تأثيره يظل 
"حياديا" دائما. ويحاول "صلاح" فى منهجيته ( وكما يصرح بفعله مع طلابه فى 
تدريبه لهم على أن يفتحوا رؤوسهم التى حشيت بآراء اكتسبت تأييدأ بكثرة إلحاحها 


413 


على الأذن والعين .. أن يصب اهتمامه على كيفية الإدراك الصحيح » وبرغم أن هذا 
لايمكن إغفال تأثيره على الانتماء السياسى إلا أن المنهج ذاته قد يكون أداة 
للاستخدام عند طرفى نقيض, إذ تصبح المعرفة الواضحة والحقيقية لدى الجميع 
هى ( النافعة ) لحياتهم وتكتسى المنفعة ثوبا أيديولوجيا معينا .اختار " صلاح " 
إذن محاولة تمهيد الطريق منهجيا وعلى العابرين أن يختاروا مواضعهم أو مواقفهم 
السياسية بحرية . وهذا ملائم بالطبع لصاحب الرؤية المنهجية " نظريا " لا 
المنتمى سياسيا " عمليا " . ويحيلنا موقف صلاح المنهجى إلى رؤية فيلسوف 
ليبرالى آخر هو " كارل بوير " الذى يتساءل عن معنى الحياة فيقول : " وقد 
علمتنا حكمة بعض الشعراء , بل وربما بعض الفلاسفة أيضا أن عبارة معنى الحياة 
" يمكن أن تفهم بطريقة مختلفة . إن معنى الحياة قد لا يعنى شينئاً مخبوءا أو ربما 
قابلا للكشف بقدر ما تعنى شيئا يمكن أن نرى به حياتنا لأنفسنا .... فبدلا من البحث 
عن معنى للتاريخ مخبوء خفى » علينا أن نعمل كى نمنحه معنى .... يمكننا أن نسال 
أنفسنا أية أهداف للتاريخ السياسى يمكن أن تكون لها قيمة وإنسانية » أهداف 
ملائمة تفيد البشرية .' 2") ظ 

ويدرك صلاح معنى السوال (البوبرى) عن أهداف التاريخ السياسى 
وجدواها القيمية والإنسانية عندما يناقش قضية ( العولمة ) . فيرى أن ما تفعله 
المؤسسات أو الشركات العابرة للقارات فى اختراقها لوحدة الدول القومية » وتحطيم 
قدرات الدول على مواجهة الغزو الجديد النائج عن قوانين السوق . وتضخيم 
الصراعات والنزاعات المناوئة للدولة » مثل المشكلات العنصرية والدينية لصالح 
تفكيك الدولة وتحويلها إلى دويلات عاجزة أمام سيادة السوق العالمية . أنه يجد في 
هذه المحاولة سببا لتلك الاستجابات الانفعالية المتضاربة .أو الارتداد إلمى تاريخ 
سياسى يمكن اللجوء إليه والاحتماء به فى ظل الخوف من المجهول . " وهكذا 
يتورط الجميع فى حمى التفتيش عن جماعة أولية أو مرجعية تكون الأصل والملاذ 
معا . ويكون التعصب لها والعنف مع غيرها بمثابة الثوب الذى يستر العرى فى 
خلاء العولمة )١60‏ 

وعندما ينتقد "صلاح" التوجهات الاقتصادية"للعولمة"'بوصفها الركيزة 
الأساسية لدعاويهاء فانه فى الوقت نفسه يكشف عن تهافت تلك المواجهة العقيمة 


434 


بالهروب تاريخيا إلى الماضى الحافل بذكريات القوة والمجد كى يكون الدرع الواقّى 
الزائف فى مواجهة إعصار التغيير الزاحف بقوةء فإما الاجتياح أو الموتء وكلاهما 
سواء. 

وقد نتبين أن ما يربط " صلاح " بالمبدأ أو التقليد الليبرالى هو ذلك التقليد 
المستمد أساساأ من اليونانيين القدماء .وهو تقليد الجدل النقدى الحر الذى يحمل فى 
طياته حرية التفكير » والحوار الخصيب " وعلى الرغم من أن البحث عن .الحقيقة 
عن طريق الجدل العقلى الحر هو شان عام ٠‏ إلا أن ما يسفر عنه ( أيا ما كان ) ليس 
رأيا عام . وعلى الرغم من أن الرأي العام قد يتأثر بالعلم » وقد يحكم على العلم » إلا 
انه ليس نتيجة للجدل العلمى . لكن تقاليد الجدل العقلى تخلق ‏ بالجدل - التقاليد 
السياسية , ومعها ديدن الاستماع إلي وجهة النظر الأخرى » ونمو إحساس بالعدل » 
واستعدادا للتفاهم على حل وسط " "') 


ويجب تنبيه القارئ انه يمكن حصر ( ليبرالية ) صلاح قنصوه فى ذلك الإطار 
العام والمجرد على نحو فلسفى للمبدأ الليبرالي في تأكيده على الحرية الفردية » 
الجدل الحر النابع من الإيمان بحرية التفكير . ومن هذه الوجهة الليبرالية يهاجم 
صلاح ذلك النوع من الهندسة البشرية التي تستخدم الأساليب العلمية فى تكييف 
الجماهير وقيادتها صوب أهداف يتبناها هذا النظام عبر صون الامتثال الكامل لها 
وقمع مجتمع الخلاف الإبداعي الخلاق لحساب الاتفاق والوفاق » وحث الجماهير 
على الرضا و الإذعان. وهو ما نراه فى الأنظمة الشمولية اليسارية » وفى 
بعض الأنظمة الرأسمالية على السواء . (4'). 

ويكشف صلاح المهتم منهجيا بمفهوم الأيديولوجية تلك الألاعيسب 
الأيديولوجية المنضوية تحت لواء مفهوم معين : الليبرالية . فالانتماء الغربى إلى 
الليبرالية لايعنى وجود حضارة ليبرالية غربية ء إذ إنها ليست مذهبا أو عقيدة 
يعتنقها الغربيون حضاريا أو ثقافيا حيث تسود الألفة والمودة بين المنتسبين لها . " 
كما أن هذه الحضارة ليست ثقافة كما يحاول أن يخدعنا " هنتجتون " وإلا كانت 
عقيدة ومبدأ للتبشير والنشر بين من لا يؤمنون بها إذا أتيح لأصحابها القوة 
والسلاح. فعندما دخل الإنجدليز مصر أغلقوا مجلس شورى النواب. والمصائع 
وحجموا التعليم » وكمموا الأفواه. وأنكروا الفردية »وحرية الرأي؛ وهى كلها سمات 


435 


الثقافة الغربية كما يقول صاحبنا . فالأمر كله مرهون إذن بالمصالح الاقتصادية 
والسياسية وفقا لقواعد اللعبة الحضارية الجديدة التى نرضخ لها جميعا." (9") 

ويستطرد " صلاح " قائلا : " ومهما يكن من أمر » فرؤية " هنتجتون " 
وخططه ينتسبان إلى مرجعية فكرية لما قبل الحرب العالية الثانية . وهى ليست 
المرجعية الليبرالية» بل الشمولية التى تسعى إلى التوحيد والاحتشاد ععن طريق 
القمع والتقبيد فى الداخل , لفرض سيطرة مصالح بعينها على الخارج » الذى يعاد 
صياغته وتشكيله وفقا لوصفات جربها رجال الحكم والسياسة بنجاج من العصور 
القديمة » وهى ( وصفة ) أو نظرية صدام الحضارات "20 ويبرأ " صلاح " 
ساحة ( المرجعية ) الليبرالية كما نعرفها من خلال المبدا الليبرالي وما يمثله من قيم 
الحرية بمستوياتها المختلفة » والذي يسمح أيضا بالجدل النقدى الحر . ويقودنا فى 
الوقت نفسه إلى إشكالية الليبرالية كمفهوم لم يتحدد أبدأ فى صياغة خاصة واضحة 
تزيل اللبس والغموض فها هى الليبرالية الجديدة تبدو مختلفة فى محتواها عما 
عهدناه من ليبراليات حديثة ومعاصرة فهى تمثل فى ممارستها صورة (قطع) مع كل 
ما خبرناه تاريخيا من ليبراليات . 

ومن مقولة "رسل" التى ذكرناها آنفا إلى ما يراه "بوبر": لا يحلم 
الليبرالي باتفاق كامل فى الرأى إنما يامل فقط فى التخصيب المتبادل للأفكار - لاحظ 
عنوان مقدمة (صدام الحضارات): من اجل تأمل فاحص وحوار خصيب -- وما يتبعه 
من نمو الآراعء(1") ْ | 

ويتبقى لموقف "صلاح" الليبرالى ما يميزه , وهو اعتقاده القيمى أؤ رؤيته 
للقيمة فى ضوء الفاعلية الإنسانية فهو ذلك الموقف الذى يجعل من القيم طابع 
وجود الفاعلية الإنسانية وأسلوب أفعالها.. وبذلك لا يصبح العالم الذى يصوره لنا 
العلم عالما غريبا يلزم تمجيده أوثلبه , بل يصبح العالم الذي يحقق فيه الإنسان القيم 
والمثل العليا التى يتشبث بهاء والمشهد الطبيعى للحياة والنضال الإنساني من بلوغ 
غاياته فى رحابها وإخضاع المواد المتاحة له وفقا لإرادته . ؟') 

انه يتحدث عن قيم وغايات إنسانية ٠‏ ونضال إنساني . وقد يبدو هذا لانقا 
بليبرالي مثالى أو رومانسى - إن جاز التعبير - لكنه يبحث عن قيم أو غايات تؤكد 


436 


الفاعلية الإنسانية . انه ليبرالى حالم بالتغيير للأفضل دون أن يكون الأفضل نموذجا 
محددا يمثل نهاية المطاف الإنساني . انه يؤمن بالتخطيظ الذى يجرد الغاية من 
شبهة المصالح الخاصة . وقد يجعله هذا اقرب إلى اليسار الاشتراكي؛ ويعتقد في 
الديمقراطية دون أوهام المثل العليا التى يتبناها نظريا المجتمع الغربى دون أن يهتم 
رواب . ولندع "' صلاح " نفسه يساعدنا فى مسألة تحديد توجهه السياسي دون 

تعسف .انه يعبر عن رفضه لفكرة التصنيف الثابت " أو ما يسمى بالقوالب أو 
الأنماط الجامدة » فنقسم البشر إلى أصناف » تيسيرا للحكم عليهم » وتعجيلا باتخاذ 
قرارات بشائهم » لان ضغوط الحياة لا تسمج لنا بإهدار الوقت والجهد فى الدراسة 
المتانية " ('') ومن عبارة "رسل" الفلسفية : أن الفلسفة هى التى تعلم الإنسان" 
كيف يحيا بغير يقين » ومع ذلك دون أن يشله التردد"97'") يستقى صلاح رؤيته 
لذاته التى يعدها غير واحدة إلا فى نظر الآخرين "ولذا اشعر دائما بأنني فى 
عملية متصلة من التكوين ".2" 

و أخيرا : ما الذي يهم في مسألة تأصيل عادة التصنيف السياسي ( المقيتة ) 
في عالمنا العربي ؟ إننا لا نبالغ فى القول ان ثمة عاملا مشتركا أساسيا بين 
الليبرالية والاشتراكية وهو فكرة ( المساواة ) » لكن ذلك العامل يسقطه التيار 
الليبرالى المحافظ أو اليمينى كما يسمى عادة من الحسبان بينما يعمل تيار ليبرالى 
آخر يمثل اليسار على تأكيده فى ظل إيمانه بعدالة التوزيع . وهناك من يتحدث - من 
الليبراليين - عن ديمقراطية لا تقيم وزنا للمساواة في المشاركة السياسية مثلا ومع 
هذا يصنف ليبراليا . وفى المقابل قد تتحول المساواة فى ظل التطبيق الاشتراكى أو 
الشمولى إلى مساواة فى (التقييد) لا (الحرية) . إننا نتحدث عن مبادئ عظيمة 
نظريا دون أن نبحث عن تطبيقاتها فى عالم الواقع . ومن هنا تصبح مسالة 
التصنيف السياسى أمرأ لا يجوز القياس عليه فى ضوء متغيرات قد تعكس المواقف 
وتبدل الأدوار وتحفل بالمتناقضات . 

الهوامش 
١ (‏ )د. صلاح قنصوه , التكوين ؛ مجحلة الهلال ديسمير ١555‏ م ص 21١84 -- ١29‏ 
(؟ ) صلاح قنصوه ء الواقع والمثال : مساهمة فى نقد العقل المصري ف الثمانينات , القاهرة » العربية 


للدراسات والنشر 1945 صض لم2 8 


4137 


( 9 )المرجحع نفسه ‏ ص ”5 . 

50 ) صلاح قنصوه » فى فلسفة العلوم الاحتماعية » ؛ مكتبة الأنجلو المصرية » ١8/410‏ )ص ١2١‏ 

( 5 ) المرحم نفسه , ص ه . ْ 

( ) صلاح قنصوه نظرية القيمة فى الفكر المعاصر , القاهرة » دار الثقافة للنشر والتوزيع :1987١غ:‏ 

ص 9.١.؟‏ 

( 7 ) أمانويل كانط , التاريخ العام » ترجمة د . عبد الرحمن بدوى ء القاهرة , دار النهضة العربيةء 

ص 584 

( 8 ) فرانسيس فوكوياما , نماية التاريخ ؛ وخاتم البشر ترجمة حسين أحمد أمين , القاهرة » مركلز 

الأهرام للترجمة والنشرء 1١997‏ » ص لا5 . ش 

( ؟ ) د.أميرة حلمى مطرء الفلسفة السياسية من أفلاطون إلى ماركسءدار المعارف؛ 441 اص 5ه 

له أدع12 . 14 . 3 , 2008مآ , ترد تلهرعط نآ , . ل . لآ , علمتاممة384 ١‏ ئى) - 
11-2 .م , 1976 5025 

1١ (‏ ) صلاح قنصوه ء في فلسفة العلوم الاحتماعية » ص 44 . 

(؟١‏ ) المرحع نفسه ن ص 519 . 

١8 صء١99595 قنصوه ء مقدمة صدام الحضارات»هنتجتون »طلعت الشايب -», دار سطور‎ )١7( 

١4 (‏ ) صلاح قنصوه ء التكوين , محلة الال » ديسمير ١999‏ )ص .1١85”‏ 

١5 (‏ ) كارل بوبره بحثا عن علم افضلء د.احمد مستجيرء القاهرة ‏ 91495١ءص .١ 7١‏ 

. 5٠١ 21١98 صلاح قنصوه ء مقدمة ( صدام الحضارات ) ص‎ )١3( 

. ١59” بوبر ء بحثا عن عالم افضل » ص‎ ) ١7١ 

( 18 ) صلاح قنصوه , الخصوصية المنهجية للعلوم مجلة الاحتماعية القومية ., المحلد التاس م 

والتلاتون - العدد الأول يناير 15٠١5‏ مءص الا. 

19 ) صلاح قنصوه , مقدمة ( صدام الحضارات ) ص36 . 

٠6١ (‏ )المرحع نفسه ء ص 597 . 

7١ (‏ ) بوبر ؛ بحثا عن عالم افضل .ص ١79‏ . 

( ؟5 ) صلاح قنصوه ء نظرية القيمة ص 515. 

( 36 ) صلاح قنصوه , الخصوصية المنهجية للعلوم الاحتماعية ؛ ص 8١‏ . 

( 54 ) صلاح قنصوه » نظرية القيمة » ص 558 . 


( 75 ) صلاح قنصوهء التكوين » ص ١77‏ . 


العلم في سياقه الإنساني 
خالد قطب0) 
أحدث العلم تغيرات ملحوظة في حياة الشعوب والمجتمعات سواء من الناحية 
الكيفية أو من الناحية الكمية حتى غدا تقدم شعب أو مجتمع ما مرهونا بالعلم ؛ ولأ 
يعني هذا القول أن الاعتقاد في قدرة العلم علي التفيير والتقدم ينفي أشكال المعرفة 
الأخرى . بل علي العكس تماما ١‏ فتقدم العلم يحدث نتيجة لتداخلات وتفاعلات بين 
العلم والمعارف غير العلمية وأحيانا المعارف اللاعلمية . لهذا كان التصور الذي 
ساد لحقبة طويلة من الزمان في العلم وفلسفته والذي مازال يردده بعض مفكريتة 
ومثقفينا في عالمنا العربي المعاصر والذي يقول أن هناك فرقا حاسما بين العلم 
واللاعلم أو العلم الزائف وغير العلم » لاايوجد ما يبرره في ظل الثورات العلميبة 
التي يشهدها عصرنا والتي تمثل منعطفا في مسيرة العلم التقدمية حيث أدت هدّء 
الثورات إلي نزع الستار عن أسرار لم يكن يصل إليها العلم إلا بوجود هذا التداخل 
والتفاعل بينه وبين المعارف الأخرى. 
['] 
إن أفضل السبل لتكريم مفكر من مفكرينا العرب هو طرح افكاره وتصوراته 
للمناقشة والحوار »فقد نختلف معه في بعض النقاط وقد نتفق معه في الكشير منها 
ولكن يظل الحوار النقدي مع مفكرينا هو السبيل الأجدى للخروج من واقعنا الفكري 
والثقافي المازوم. 
تطرق صلاح قنصوه إلي العديد من المشكلات الملحة والساخئة في حياتنا 
الفكرية والسياسية والدينية والعلمية وقدم تحليلاته الجذرية وحلوله الثاقبة . إلا أن 
المشكلات آلتي تتعلق بالعلم وفلسفته ومشكلاته كانت من أبرز المشكلات التي 
تصدي لها صلاح قنصوه بالبحث والتقصي. فقد نظر صلاح قنصوه إلي الفلسفة 
نظرة كلية شاملة بحيث ربط الفلسفة بسياقها الإنساني “حيث تمكنئنا الفلسفة »علي 
حد قوله . من استشراف الأهداف البعيدة للإنسانية وتحفزنا إلي المساهمة في 
تحقيقها .!') لهذا كانت كل مشكلة تتعلق بالإنسان من قريب أو بعيد تصلح لأن تكون 


("أمدرس فلسفة العلوم .حامعة القاهرة. كلبة التربية.فرع الفيوم 


0439 


مادة للفلسفة ولكن بشرط أن تدرس في إطارها الكلي الشامل من ناحية وفي ضوء 
التجارب والمطالب والأهداف الإنسانية من ناحية أخري وعلي هذا كانت الفلسفة 
الناجحة » في رأي صلاح قنصوه. هي تلك الفلسفة التي تلتصق بالفعل الإنساني 
المباشر . لهذا يعيب صلاح قنصوه علي الفلسفة العلمية التي سادت فلسفة العلم 
الحديثة وامتد تأثيرها السلبي علي الفكر العربيء تلك الفلسفة التي يقول عنها 
رائدها في الفكر العربي زكي نجيب محمود بأنها الفلسفة التي تعني بتحليل قضايا 
العلوم من حيث هي تركيبات من رموز,'') فالفلسفة العلمية تحاول أن تحتذي مناهج 
العلوم الطبيعية وتقتفي أثر النتائج التي توصل إليها العلم بحيث تظل الفلسفة واقفئة 
عند أقدام العلم بنتانجه الراهنة لكي تتعقب قضاياه وتتناونها بالنقد والتحليل 
المنطقي الصوري .() لقد تلاشي أي دور للإنسان في الفلسفة العلمية حيث تم 
إقصائه منذ البداية ولم يلتفت إلي موقفه إزاء القضايا والمشكلات التي يعيش في 
كنفها فتجمد الواقع ولم يعد للإنسان أي دور فانعدمت الحرية لديه . وعلي هذا 
كانت الفلسفة العلمية الجديرة بهذه الصفة ليست هي الفلسفة التي تسير تحت 
وصاية العلم عند المرحلة التي بلغها من تطوره .بل هي الفلسفة التي تتخذ النقد 
قيمة رفيعة ومنطلقا لرؤية أكثر رحابة وعمقا للوصول إلي معرفة تلبي حاجات 
الإنسان الروحية والمادية ومن ثم يحدث التقدم العلمي والإنساني علي حد سواء. 

إن أهمية طرح صلاح قنصوه تكمن في جعله النقد محورا رئيسيا في نظرته 
للعلم وفلسفته وللمشكلات الناتجة عنهما حيث كشف , من خلال النقد؛ المنطق 
الخفي القابع خلف الفلسفات التي توصف بأنها علمية لمجرد أنها تحتذي حذو العلم 
ذلك المنطق الذي يستبعد الإنسان ويهمش وجوده مما يؤدي إلي اغترابه. بعبارة 
آخري اراد صلاح قنصوه أن يصيغ الفلسفة العلمية بطريقة واعية ناقدة بحيث 
تلتصق بالفعل الإنساني المباشر فتتخطي تلك الفلسفة الفجوة السحيقة التي وضعتها 
الفلسفة العلمية الوضعية التقليدية التي تفصل بين العلم وسائر مجالات الثقافنة 
الإنسانية الأخرى. 


440 


['] 
ولكن علي الرغم من أن صلاح قنصوه أراد أن يتخطى الفلسفات الوضعية 
التي روجت لما يسمي بالفلسفة العلمية التي تهتم بتحليل نتائج العلم وتستبعد 
الإنسان من مجال اهتمامها ءإلا أنه يعود ليتبنى رؤية أقرب ما تكون إلي رؤية 
الفلسفات الوضعية /العلمية هذه الرؤية تتضح عند تمييزه بين ثلاث مصطلحات 
رئيسية وهي العلم واللاعلم وغير العلم. فقد ذهب قنصوه إلي أن كافة موضوعات 
المعرفة خليقة »من الوجهة النظرية علي الأقل » بان تندرج تحت لواء العلم غير 
أنها للاتصلح أن تكون موضوعا للعلم في أية مرحلة من مراحل صياغتها إلا متي 
نضجت ولاءمت منهجه أي صارت معدة لانطباق المنهج العلمي عليها وتوافرت لها 
شروطه ومن ثم كان هناك فرق بين العلم واللاعلم وغير العلم ء فاللاعلم في رؤية 
صلاح قنصوه هو كل معرفة تفتقر إلي قواعد المنهج العلمي مثل السحر والأسطورة 
والفراسة والطب القديم والتنجيم وعلم الصنعة أو الكيمياء القديمة »أما المعرفة غير 
العلمية كالفن والدين والفلسفة والأيدولوجيا فهي تختلف أيضا عن العلم من حيث 
هدف هذا الأخير ومنهجه ومن ثم كان التقدم العلمي المتواصل والمستمر يتم عندمبا 
ينزع العلم ملكية المجالات اللاعلمية أولاثم يضع حدودا فاصلة بينه وببين 
المجالات غير العلمية .وهنا لايد من وقفة نناقش فيها مفكرنا الثائر فقد شهدت 
فلسفة العلم في العقود القليلة الماضية اهتزازا لعرش هذا التمييز الصارم بين العلم 
والمعارف الأخرى فمحاولة التفرقة بين العلم والمعارف الأخرى بوصفها معارف 
زائفة تنطوي علي خلفية أيديولوجية سياسية مغرضة تمهيداً لدخول العلم حلبة 
الصراع مع المعارف الأخرى وأشكالها المتعددة ومع ثقافات تنظر إلى العلم نظرة 
مختلفة عن النظرة التي تحاول وضع تعريف محدد ودقيق للعلم يسير بمقتضاه 
البحث العلمي والمشتغلين بهذا البحث » ويحكم مسبقا علي المعارف الأخرى التي 
تندرج تحت هذا التعريف بأنها غير علمية » بل تعتبرها .في بعض الأحيان » معارف 
زائفة. 
لقد اهتمت فلسفة العلم المعاصرة بالعلاقة المتداخلة بين العلم وأشكال الفكر 
والمعرفة الأخرى .فقد يشترك العلم مع العقائد الدينية ومع الأساطير في العديد من 
أوجه التشابهءوهذا يفند الصورة التقليدية التي تنظر إلى العلم علي انه مجموعة من 


441 


النظريات والقوانين العلمية التي يمكن التثبت منها بشكل قاطع .ويمكن تكذيبها 
ودحضها أيضا بشكل قاطع علي أساس المعطيات التجريبية الموضوعية .ووفقا 
لمنهج علمي محدد »عدم إتباعه يمثل عائقا أمام مسيرة العلم التقدمية التراكمية 
.وقد انعكست هذه الصورة علي العلماء أنفسهم . فالعلماء ملاحظون محايدون 
لاستخدامهم المنهج العلمي حتى يثبتوا ويؤيدوا أو يكذبوا ويفندوا من خلال 
النظريات العلمية المختلفة .وهذه كانت بمثابة العقلانية العلمية الصحيحة » تلك 
العقلانية التي تقطع كل صلة لها بأشكال المعرفة الأخرى غير العلمية. 

أن العلم المبني علي قطع كل صلة بينه وبين المعارف الأخرى يعمل علي 
كبت الفكر وحريته.فالعقل لا يجد ضالته فقط في البحث عن الصدق التجريبي 
والموضوعي وتتبعه.وإنما هناك أشياء ربما يكون الأفضل للعقل أن يتتبعها في 
بحثه عن حقيقة هذا الكون والواقع العلمي .ومن ناحية أخرى فإن جعل العلم يتخذ 
طريقا محددا يعني أن هناك جهة ما ارادت للعلم أن يسير في وجهة دون اأخرى 
.فالمسألة إذن.ليست في أن مسار العلم حتمي .ولكن المسألة هنا هي أن يسخر 
ميزانية مالية لأجل العلم لايمكن أن يكون خالياً من الاعتبارات الأيديولوجية أو 
القيم الخاصة أو التفضيلات الذاتية التي يريد للعلم أن يحققها مقابل المال الذي 
ينفق.(؟) 

فلقد استند المدافعون عن العلم بوصفه ارقي أشكال المعرفة البشرية ٠‏ 
والنموذج الأعلى لها .إلى هذين السببين: 

الأول : أن العلم معرفة منظمة لوجود المنهج العلمي القادر علي تنظيم هذه 
المعرفة. فصفة المنهجية هي التي تميز العلم عن ضروب المعرفة الأخرى التي 
تفتقر إلى التنظيم . ومن هنا جاءت تعريفات العلم الشائعة بان العلم 'ع50ء16ع5 
المشتق من اللفظة اللاتينية 8)مءعنع5 من الفعل ع«رزع5 الذي يعني "يعرف " 
يستخدم في معناه الواسع للإشارة إلى المعرفة المنظمة 0000 
عع 120160 . 

الثاني : أن نتائج العلم التي يتوصل إليها العلماء نتائج يقينية لأنها تعتمد 
علي النجاح التجريبي التي حققته. 


4042 


أما بالنسبة للسبب الأول وهو وجود منهج علمي قادر علي تنظيم المعرققفة 
العلمية حتى تصير علما »فقد تهاوي نتيجة جهود بعض فلاسفة العلم المعاصريق 
الخاصة بنقد المنهج العلمي الثابت »وكانت حجتهم في ذلك أننا نعيش في عالم بالغ 
الغموض. .وبالتالي كان التقيد بمنهج علمي وقواعد محددة ودقيقة ومتماسكة لا 
يساعدنا علي كشف هذا الغموض ,لهذا كان لابد من إقامة اختياراتنا “حتى بي 
النظريات العلمية المتعاقبة »بحرية أكثر »والا نتقيد بمنهج محدد في تفسيراتنا وقي 
ابحاثنا العلمية “فضلا عن أن فكرة منهج علمي ينطوي علي مبادئ ثابتة لقيادة عمل 
العلم تواجه صعوبات إذا تفحصنا بعناية تاريخ العلم الذي يشهد في كل حقبة من 
حقبه المتتابعة اختراقات للقواعد المنهجية .*) 

أما السبب الثاني الذي يتم من خلاله تفضيل العلم علي أشكال المعرقفة 
الأخرى وفقا لنتائجه الصحيحة واليقينية .فقد تم التشكك في هذا السبب بفضل جهود 
فلاسفة العلم ما بعد الوضعيين المناطقة »ذلك أن ثمة نتائج أخرى مستخلصة من 
معارف غير علمية يمكن مقارنتها بنتائج العلم +فضلاً عن أن النتائج ليست مستقئة 
عن المجتمع بما فيه من تعددية معرفية »لهذا كان العلم أحد أدوات التغير المجتمعي 
لأنه يحتل مركزاً أساسيا في المكون الثقافي لأي مجتمع »ولا يعني هذا أن العلم 
يضطلع وحده بهذه المهمة اعني بناء وتشييد النسق المعرفي للمجتمع »بل تتداخل 
معه معارف وثقافات أخرى لايقل دورها في هذا التشييد والبناء عن دور العلم. 

تذهب الفلسفة العلمية في إحدى صورها والتي يتبناها صلاح قنصوه إمى 
القول بان "العلم في جوهره ليس شيئأ غير البحث المنهجي عن المعرفة؛. وصفة 
"المنهجية" تميزه عن ضروب المعرفة الأخرى التي تفتقر إلى "التنظيم" ويمكن 
القول أن "المنهج" هو العنصر الثابت والباقي في كل معرفة تريد أن تكون علماء 
على حين أن نتائج هذه المعرفة أو مضمونها ونظرياتها في التغير يلازم التطور 
الحاصل في العلوم المنهجية هي الصفة الأساسية في العلم؛ حتى أنه يعرف عن 
طريق منهجه.؛ فالعلم- في الأساس معرفة منهجية» وبذلك يتميز عن أنواع المعرفة 
الأخرى التي تفتقر إلى هذه الصفة. ٠‏ 

يقول "جون كيمنى" إن المنهج العلمي هو أكثر ما يميز العلم عن 
غيره"7') كما أن تقدم العلم والبحث العلمي رهبن "بالمنهج" ويدور معه وجودآ 


403 


وعدماء دقة وتخلخلاً .خصبا وعقما صدقا وبطلاناء وأن انتكاسة العلم راجعة إلى 
النقص في تطبيق المنهج العلمي!") 
قلنا أن فلسفة العلم المعاصرة شهدت في السنوات الأخيرة اهتزازأ لعرش 

المنهج التجريبي القائم على مجموعة من القواعد والأنساق والمعايير الثابتة 
والمطلقة» ولعل من أعنف الهجمات التي شنت مؤخرأ ضد محاولات البحث العلمي 
لصياغات منطقية وقواعد كلية وثابتة يفترض فيها أنها ملزمة للعلماء أنفسهم. منا 
قدمه بول فييرآبند في كتابه "ضد المنهج 711/800 ؛و«زوع 4" أو مايطلق عليه 
نيوتن سميث "ضد الرأي المقبول"7) والذي يتمعن في هذا الكتاب سيجد أن 
فييرآبند يقدم فيه نظرات ثاقبة ومتميزة في فلسفة العلم. جعلت فييرآبند بحقء خليقاً 
بأن يشكل المرحلة الثالثة من مراحل فلسفة العلم بعد المرحلة الحديثة الكلاسيكية 
والمرحلة المعاصرة ومرحلة ما بعد الحداثة؛ حيث يوضح أن ليس ثمة "منهج 
علمي" على الإطلاق؛ وأن العلم لا يمتاز بمناهجه ولا بنتانجه؛ ويجب انتزاعه من 
قواعده الثابتة والجامدة التي وضعتها العقلانية العلمية الكلاسيكية؛ والكفاح من أجل 
خلق مجتمع به "تعددية من التقاليد" من بين هذه التقاليد الذي يرغب فييرآبند في 
رؤيتهاء علم التنجيم والسحر والطب التقليدي والحكمة الشعبية والأساطير القديمة 
والأديان والأعراف وغيرها من الأنساق والممارسات المعرفية والاجتماعية 

يبدأ فييرآبند حجته بالتساؤل الذي جعله محور عقلانيته وهو: هل من 
الممكن وضع "منهج" محدد ومتماسك بقواعد دقيقة وناجحة إلى حد ما؟ وهل هذا 
المنهج في حاجة لعون استثنائي؟ أو بعبارة اخرى. هل ثمة منهج علمي محدد بأطر 
وقواعد منهجية في العلم لا يمكن الحياد عنها؟ 0. 

إن الإجابة التي نتلقاها من فييرآبند هي "النفي", فليس ثمة منهج علمي 
في الأساس ذلك لأن عالمنا الذي نريد أن نستكشفه غامض, لذا كان من الضروري 
إقامة اختياراتنا بحرية أكثر. وألا نكون مقيدين بمنهج محدد في تفسيراتنا هذا من 
جهة. ومن جهة أخرى., فإن القول بمنهج ثابت لا يتوافق مع الاتجاه الذي يبغى 
الصالح العام.!'') 


444 


وربما إذا أردنا أن نقف على الخطوط الرئيسية لعقلانية فييرآبند العلمية 
التي ينقد فيها "المنهج العلمي". فإن هذا يجعلنا نلجأ إلى أكثر مؤلفات فييرآبتد 
حداثة وهو وداعا للعقل '' 122250 10 [اعبجع:75"»: حيث يذهب إلى القول بأنه 
على الرغم من وجود أنماط للنجاح في العلومء إلا أنه لا يوجد منهج ثابت» ولا يمكن 
أن يكون ثمة منهج كلى... فالإنجازات التي تمت في مجال العلوم لاا يمكن أن تعزى 
لوجود مبادئ عامة تغطى كل الحالات؛ فلا يوجد حقيقة كلية؛ ولا معايير محددة 
للمعرفة وللعقل."') 


بي 

لقد أتضح لنا أن تقسيم صلاح قنصوه الحاد والفاصل بين العلم والمعارف 
الأخرى لايوجد ما يبرره الآن في فلسفة العلم المعاصرة . لقد كانت الرؤية التي 
انطلق منها قنصوه لوضع حدود بين العلم والمعارف الأخرى رؤية تقليدية تعتمد في 
الأساس علي مبادئ الفلسفة العلمية التي رفضها من قبل فقد وضع قنصوه سمات 
للعلم هذه السمات هي التي تميز العلم عن غيره المعارف الأخرى وهي : 

سمة التراكم: حيث لا يتيسر أي كشف علمي ما لم توجد كشوف علمية أخري 
سابقة أنجزها علماء سابقون في مجالات مختلفة » ومن ثم لا مجال في العلم .في 
رأي صلاح قنصوه »للتولد التلقائي ؛ ثم يعود صلاح قنصوه إلي تقرير سمة اأخري 
تتناقض مع السمة الأولي اعني سمة الثورية التي تمثل في رأيه جوهر العلم» 
فالكشوف العلمية دوما تعمل علي تقويض المعرفة القديمة عن طريق نظريات 
علمية جديدة تحمل وجهات نظر جديدة » هذه الوجهات من النظر تعمل علي تصحيح 
المعرفة السابقة » هذا التصحيح . في حقيقة الأمر ينفي سمة الثورية في العلم التي 
تعني القطيعة المعرفية .فالقطيعة المعرفية " إنما تعني التغير الجذري الثشوريء. 
بحيث لا نجد أي ترابط أو اتصال بين القديم والجديدء إن ما قبل وما بعد. يشكلان 
عالمين من الأفكار كل منهما غريب عن الآخر".'') 

هذا التعريف يرفض أي عنصر متصل بين المفاهيم والتصورات والمناهج 
والأسس والنظريات العلمية الجديدة وبين سابقتهاء والتقدم في العلم. وفقا لهذا 


445 


التعريف إنما يعني الانتقال الجذري الثوريء من نظرية علمية إلى أخرىء. ومن 
منظومة معينة حول العالم إلى منظومة علمية أخرى مغايرة تماما للأولى؛ أو 
معاكسة لهاء ويظهر هذاء بشكل جلي في اللامقايسة :ج)11زط2: ناويد درم م1»: التي 
هي نوع من القطيعة المعرفية, والتي تعني عدم قابلية القديم في العلم أو السابق؛ أو 
ماضي العلم للمقارنة أو المقايسة مع الجديد أو حاضر العلم. " فحاضر العلمء أو 
اللحظة الحالية في العلم مختلفة اختلافا جذريا عن ماضي العلمء وبالتالي» ليس ثمة 
أوجه شبه أو مقارنة أو مقايسة بين فترتين مختلفتين من تطور العلم".97") 
وقد عبر عن هذا التعريف أصحاب الاتجاه الثوري الجذري في فلسفة العلم 

المعاصرة, أمثال توماس كون وبول فييرآبند وهانسون .. حيث يذهب هذا الاتجاه 
إلى القول بان النظريات العلمية لا يمكن مقارنتهاء فهي غير قابلة للمقارنة أو 
المقايسة بمعنى أن النظريات العلمية التي تحل واحدة منها محل الأخرى؛ عبارة عن 
كيانات نظرية لا يمكن مقارنتها على أساس أن كل منها يستخدم حدودا بمعان 
مختلفة عن بعضها تمام الاختلاف, ويستشهد أصحاب هذا الاتجاه بعدم قابلية 
النظرية النسبية للمقايسة مع الميكانيكا النيوتونية. ذلك لأن الحدود التي تستخدم 
في كل من النظريتين قد تكون واحدة, ولكنهما يشيران إلى شيئين مختلفين في كل 
نظرية؛ فمعنى الحدود كالكتلة والقوة والمكان والزمان يختلف. بصّورة جذرية: في 
الميكانيكا النيوتونية؛ عنه في النظرية النسبية والسبب في ذلك. فيما يقول نيوتن 
سميث 1)8درك-رره) +71 يكمن في " أن الخدود المستخدمة في الميكانيكا 
النيوتونية؛ تمثل ثوابت أو مطلقات؛ في حين أن هذه الحدود تمثل متغيرات: تتحدد 
وفقا للإطار المرجعي التي تتفاعل معه في النظرية النسبية» لهذا كانت اللامقايسة2 
إنما تعني عدم قابلية النظريات العلمية؛ بكل حدودها ومفاهيمها وتصوراتها 
للمقارنة بعضها مع بعض".19') ظ 

لهذا وقف أصحاب الاتجاه الثوري في فلسفة العلم أمام الفكرة التي تقول: إن 
القطيعة المعرفية» عندما تحدث في العلم؛ فإنها تعمل على إزاحة تصورات العلماء 
حول العالم؛ ومن هنا " فإن التقليد العلمي لدى آينشتاين والذي انبثق مع إحداث 
قطيعة معرفية وثورة في العلم؛ ليس فقط غير متوافق مع التقليد العلمي لدى نيوتن» 
ولكنه أيضا غير قابل للمقايسة معه".*') 


446 


وقد تناول توماس كون إشكالية عدم القابلية للمقايسة» بوصفها شكلاً من 
أشكال القطيعة المعرفية بين النظريات العلمية؛ فالنظرية العلمية بعد الشورة لاا يمكن 
أن تكون بأي حال من الأحوالء نتيجة منطقية ولا تجريبية للنظريات السابقة عليهاء 
ذلك لأن كل نظرية لديها " براديم " أو نموذج قياسي ما خاص بهاء لا يقبل 
المقارنة أو المقايسة مع " براديم "أو نموذج قياسي للنظرية السابقة )'١‏ 

أما بول فييرآبند فقد تناول إشكالية عدم قابلية النظريات العلمية للمقايسة: 
بشكل أكثر دقة وإحكاماء حيث يرى بول فييرآبند أن موضوع عدم قابلية النظريات 
العلمية للمقايسة؛ لم يعد موضوعا فلسفيا. كما كان يعتقد البعضء بل غدا موضوعا 
علمياء وأن أي هجوم على هذا الموضوع. إنما هو هجوم على العلم ذاته."') 

[غا 

لقد سعي صلاح قنصوه إلي تأكيد عدة نقاط هي في حقيقة الأمر تمثل مجتمعة 
رؤية قنصوه للعلم بوصفه سياقا إنسانيا رحبا هذه النقاط يمكن تلخيصها في الآتي: 

. أن غاية العلم تكمن في البحث عن القيمة القصوي التي تكشف 
المجهول للإنسان اعني الحقيقة ومن ثم يستطيع هذا الإنسان السيطرة علي المادة . 

. أن العلم في بحثه عن قيمة الحقيقة يصل بالإنسان إلي طمانينة 
النفس وراحة البال إزاء الطبيعة . 

. أن العلم يبث في الإنسان قيم الاستقلال والآصالة والحرية 
والتسامح لأن هذه القيم سمات رئيسية يتسم بها العلم ذاته . 

. إن جهود العلم والعلماء لاايمكن أن تكون منزوعة الصلة بالإنسان 
بل علي العكس إن هذه الجهود تهدف إلي تحقيق غاية إنسانية رفيعة . 

. ومن ثم يكون العلم نظاما أو مؤسسة ثقافية تضرب بجذورها في 
المجتمع حيث يستمد العلم كافة ضروب نشاطه وأدوات فاعلية من النظم الاجتماعية 
الأخري. 

ولكن هذه الرؤية الإنسانية الرحبة للعلم التي يقدمها قنصوه قد لاتصل إلي 
منتهاها لوجود مجموعة من العراقيل والعقبات التي تحول دون تفعيل الدور 


47 


الإنساني الذي يقوم به الإنسان داخل العلم والتي أدت إلي اغتراب العلم والإنسان 
معا يقول قنصوه" لقد أفضي العجز عن فهم العلم بوصفه فاعلية إنسانية ينشنها 
الإنسان .إلي اغتراب العلم ونزعه عن أصوله الحقيقية ليصير كائنا مستقلا عن 
الإنسان خالقه ومبدعه"7*' وهذا الاغتراب راجع في راي صلاح قنصوه إلي النظر 
للعلم من خارجه أو باعتباره كاننا منفصلا عن الإنسان »نمجده ونقبل عليه تارة » أو 
نرفضه ونشيح عنه تارة ثانية »لهذا كان لابد من تأكيد عدة نقاط لكي نقضي علي 
اغتراب العلم وهي: 

. عقد صلة مباشرة بين البحث العلمي وبين تحقيق قيمه والتزاماته 
في المجتمع الإنساني وذلك عن طريق الاعتراف بالسلطة الاجتماعية للعلم عن 
طريق تطوير العلوم الإنسانية أو الاجتماعية . 

0 خلق لغة مشتركة بين العلم والإنسانيات وسائر جوانب الثقافة من 
دين وفن وفلسفة .وهنا نلمح التحول الذي طرأ علي فكر صلاح قنصوه عندما تحول 
من العلم الطبيعي إلي العلوم الإنسانية ليجد إن تقدم العلم وخروجه عن اغترابه لا 
يأتي إلا من التكامل والحوار بين العلوم الطبيعية والإنسانية. 


0 الهوامش 


"© د. صلاح قنصوه : " فلسفة العلم" دار الثقافة للطباعة والنشر. القاهرة . ١44١‏ . ص. 8 

''' د. زكي نجيب محمود " نحو فلسفة علمية " مكتبة الأنجلو المصرية .القاهرة ١5/40.‏ .ص ز 

7 د.صلاح قنصوه "مرجع سابق" ص.١؟‏ 

(' عبد الله العمر " العلم والقيم الأخلاقية" عالم الفكر . المجلد العشرون . العدد الرابع .وزارة الإعلام .' 

الكويت.يناير -فبراير- مارس ١15٠‏ ص 908 

'”'انظر دراستنا "العقلانية العلمية :دراسة في فلسفة بول كارل فييرآبيد" رسالة ماجستير غير 

منشورة.إشراف أ. د يمني طريف الخولي . جامعة القاهرة . كلية الآداب . ١555‏ ص وما 

جون كيمنى "الفيلسوف والعلم", ترجمة :أمين الشريف. المؤسسة الوطنية للطباعة والنشر.ببروت 

لح يفل 

"د عبد الرحمن بدوى: "مناهج البحث العلمى" دار النهضة العربية- القاهرة -1١5574‏ ص١‏ 

صدعء؟1 ع ععلء1 101 ”ععدعءن5 1 نواتأعصه 1م12 عط“ تطاغتدسك موسو مث 
5 10002.1981. 2110050 


448 





ولط ممم 01 عسصتلان0 :؛.”لمطاء81 أعسلدوف" :.ظ لسع ط موعت 

0 1984 0 طه. ا .ودع ؟١.‏ ععل»ع1 مم1 01 نجرمعط1 

لام ل ا لسن 

2.92 .صملهما .ودع ”ممووع 2 م الءجعموط“ .© رلمعطوعء روصتت 
('''د. محمد عابد الجابري. مدخل إلى فلفة العلوم. الجزء الأول. ص 10" 

.''ع سقط عالتلمعءقء5 مذ والسستكسم لصه سوتأس اوج '" .2 ,مرعوو روكت 


4119-7 .مم .1989 ,56 .أء5 01 وانطع 

كت عع0160ن10 ععسعءكء5 1ه بوانلمسه 122 عط '" ١71.11.‏ .لاتسرك ووويسموركة 
8 .م ,1981 .2008مرآ .ضماده8 .لوط مسوعء ك1 

00 1ط[ 05 

الطنا عطظ' ,قصهة) نا لم18 عأ1تامءاء5 01 عننااء تاذ عط1 ".1 ,سطون]1ة 
8 .م .1962 رؤوعء2 رمعووء 1ط © 01 

عا1أنأسعكء5 لسع ماسكتلههه) 18 يمسكتلدء1 '" .كلظ .لمعطومء ووع5كة 

.55 .اننا عع 0 71طصةن) رومعمة2 لدعتطم5ذمائط2 .1 ٠701.‏ .لمطاء 31 

102002. 1981, 2. 6 


١مم‎ 


'د. صلاح قنصموه" مرجع سابق" ص. 77" 


1449 


صلاح قنصوه إنسانا وعالما”) 
سعيد توفيق7) 

عندما هممت بالكتابة عن الأستاذ الدكدتور صلاح قنصوه وجدتني حائرا لا 
اعرف ماذا اكتب ولا كيف اكتب » رغم إنني كنت أتمنى دانما الكتابة عنه باعتباره 
مفكرا وعالما لم ينل من الحظوظ ما ناله أقرانه ومن دونهم . وربما ترجع صعوبة 
الكتابة هنا إلى أن ما اعرفه عنه يتجاوز كثيرا ما يمكن ان يقال . فحالي أذن أشبه 
بحال المتلعثم أو الهتمتم الذي لاايكون قادرا على القول و الإفصاح ؛ لا لانه ليس 
لديه شيء يقوله » و إنما لانه لديه الكثير مما يريد أن يقوله في وقت واحد . 

وساحاول أن ابدأ بالكشف عن صلاح قنصوه الإنسان ... عن الجانب 
الإنساني في صلاح قنصوه . وليسمح لي بذكر اسمه بدون ألقاب » وعذري في ذلك 
أن القيمة الإنسانية للشخص تعلو دائما على أي لقب يمكن أن نمنحه له ء وانه هو 
نفسه - فيما أظن - لا يعتد ولا يعتز بمثل هذه الألقاب التي لم تعد تعنى شينا ؛ لان 
هناك آلافا من البشر يحوزون مثل هذه الألقاب الجامعية » ولكن أمثال صلاح قنصوه 
هم قله قليلة في جامعاتنا . 

والحقيقة أن الحديث عن صلاح قنصوه الأستاذ لا يكاد ينفصل عن الحديث 
عن صلاح قنصوه الإنسان : فعلاقته بتلاميذه هي دائما علاقة حميمة وليست مجرد 
علاقة أستاذ يؤدى وظيفة أو يلقى على طلابه مجرد دروس مقرره ؛ لانه دائما 
حريص على أن يعلمهم شيئا حقيقيا ..يعلمهم أسلوبا في التفكير لفهم العالم المحيط 
بهم ؛ وهو لا يبخل في هذا على طلابه بشيء سواء في قاعة الدرس أو خارجها . 

وصلاح قنصوه في دروسه أو ندواته شديد الإيمان بما يقول . وهذا ما 
نلمسه في لغته الحماسية التي تبدو أحيانا في نظر البعض لغة انفعالية » ولكنها في 
حقيقة الأمر لغة إيمانية .. لغة رجل يعانى ويعايش ما يقول ويؤمن به .. لغة ليست 


() نشر هذا المقال في بحلة ابداع القاهرية » يوليو / أغسطس ١555‏ 
١0‏ استاذ علم الجمال بجامعة القاهرة 


40 


للاستهلاك , ولا لأرضاء السامعين أو مهادنة الآخر .. لغة تعكس طريقة في الفهم 
والتفكير يعيشها المرء . وربما يكون هذا الصدق أيضا هو سر سخريته اللاذعة 
غير المعلنة في كتاباته الأكاديمية .. سخريته من الابتذال والنفاق الرخيص سواء 
في مجال الفكر أو الممارسة الحياتية . ولذلك فانه حريص على تعرية كل ممارسة 
فكرية تقوم على التعامل مع الأفكار على أنها سلع أو أدوات يتم استخدامها متخفية 
وراء أقنعة لأجل تكريس أغراض نفعية معينة ( باسم العلم تارة وباسم الدين تارة 
أخرى ) . فمثل هذه الممارسة الفكرية هي ما يسميه " بالدعارة الفكرية " ش 

على أن إيمان صلاح قنصوه الشديد بما يقول ليس هو بإيمان النزعة 
الدوجماطيقية أو الايقانية لدى الشخص الذي لا يكون على استعداد لان يسمع لرأى 
الآخر . فهو رغم إيمانه الشديد بما يقوله أو يؤمن به . وهذا يتبدى في إعجابه و 
دهشته البريئة التي يبديها حينما ينصت إلى رأى عميق مغاير لرايه ...الدهشة 
الحقيقية التي لا يتعلمها إلا من مست الفلسفة و التفلسف أعماقهم . 

و التفلسف عند صلاح قنصوه تفلسف حق ؛ لانه ليس وليد الدرس والكتّاب 
بقدر ما هو وليد التجارب و الحياة . فصلاح قنصوه ‏ المولود في المنوفية سنة 
5 - عاش حياة إنسانية مليئة بإلتجارب الخصبة التي عرف فيها الناس 
والشعوب ١‏ وحتى تجربة السجن السياسي عرف شيئا منها . وفضلا عن ذلك . فان 
حياة صلاح قنصوه الوظيفية و العلمية هي أيضا من النوع الخصب : فعلى الرغم 
من انه قد مر بنفس التدرج الوظيفي الذي يمر به المشتغلون بالجامعة , إلا انه قد 
اشتغل بمجالات متنوعة من المراكز الجامعية: فقد اشتغل بالمركز القومي للبحوث 
الاجتماعية لأكثر من عشرين عاما وشغل به منصب رئيس قسم مناهج البحث ٠‏ 
واشتغل أستاذا للفلسفة بكلية الآداب - جامعة الزقازيق حتى شغل منصب وكيل 
الكلية » واشتغل أستاذا لمناهج البحث وعلم الجمال بأكاديمية الفنون و شغل بها 
منصب عميد المعهد العالي للنقد الفني الذي يعمل به استاذا متفرغا حتى الآن . وقد 
أتاحت له هذه المجالات المتنوعة مادة خصبة رحبة من البحث العلمي الأكاديمي و 
الثقافة الموسوعية , فتنوع إنتاجه العلمي ليشمل مساحة واسعة بدءا من الدراسات 
الاجتماعية ومرورا بالدراسات الفلسفية إلى الدراسات الفنية والجمالية . 

451 


والدراسات الاجتماعية عند صلاح قنصوه شملت الجانب التطبيقي والجانب النظري 
معاء وقد مكنته دراسته الفلسفية المبكرة من تعضيد هذا البحث الاجتماعي ليكون 
أول مشتغل بفلسفة العلوم الاجتماعية ؛ وقد تمخض هذا عن عمله الذي يحمل 
عنوان " فلسفة العلوم الاجتماعية ". 

كما شملت دراساته الفلسفية مجالات أخرى عديدة كفلسفة العلم ومناهج 
البحث و فلسفة القيم والفلسفة المعاصرة " وفلسفة العلم " فضلا عن أن دراساته 
العديدة في مناهج البحث هي اشهر دراساته التي يعرفه من خلاله طلاب ودارسو 

و لو حاولنا أن نتجاوز المنحنى الأكاديمي في فكر صلاح قنصوه لندلف إلى 
الطابع الرحب المميز لفكره » فإننا يمكن أن نلاحظ ظاهرتين أساسيتين تتجلى فيهما 
الملامح المميزة لهذا الفكر : 

ريما أمكننا أن نصنف فكر صلاح قنصوه - و هو فكر 

معلن في مقالاته اكثر مما هو معلن في كتبه - بأنه فكر اختراقي . وقد يروق 
للبعض أن يفهم صفة " اختراقي " هنا . بمعنى " هجومي " أي باعتبارها صفة 
للفكر الذي يتخذ غالبا طابع الهجوم على رأى الآخر . 

وهذا تسطيح في الفهم يبعد تماما عن مقصدنا . فانا أعنى بالفهم الاختراقى 
هنا انه فهم لا يؤمن بالمسلمات في الكتابات ومعتقدات الناس . ولذلك فانئنا نرى 
صلاح قنصوه يبدأ دائما بزعزعة الثوابت التي نظنها حقائق راسخة . ولهذا السبب 
يتميز فكره بالإيمان بنسبية الأشياء » وبأنه يتيح لنا أن ننظر إليها نظرة أخري لم 
نالفها ل ل ا 
هراقليطس ولكن بلغة عصرنا . 

وهذا يؤكد لنا من جديد أن أسلوبه في التفكير الذي يتميز بالأيمان الشديد بما 
يقول هو - في نفس الوقت - ابعد ما يكون عن الدوجماطيقية » وهذه في الحقيقة 
تركيبة عجيبة ( وان كانت خصبة ) في أسلوب التفكير : فكر يعتمد على الإيمان 
الشديد بنسبية الأشياء . وحل هذا اللغز هو : أن مقولات هذا الفكر ذاتها هي 


452 


موضوعه ومنهجه في ذات الوقت : نسبية الأشياء تغيرها . لامركزية الأفكار » 
إمكان رؤية الأشياء من زوايا مختلفة . 


العلم والفن ( أو الجمع بين الأضداد ) : 

هناك فلاسفة جمعوا بين التصوف و المنطق » كما يبين لنا براتراند راسل في 
" تاريخ الفلسفة الغربية" . وتلك بحق تركيبة غريبة لم تتوافر إلا لبعض من 
الفلاسفة العظام الذين تميزوا بعمق الفكر و رحابته . فان ينطق الفيلسوف فكرا 
روحه صوفية بلغة منطقية » لهو أمر لا يتوافر إلا لأصحاب الفكر الجامع ذلك الفكر 
الذي يحوى ما قد يبدوا متناقضا . وعلى نفس النحو , فانه يمكننا القول أن هناك 
مفكرين قد جمعوا بين العلم والفن ٠‏ إن رؤيتنا عن العلماء أو فلاسفة العلم هي رؤية 
مشوهة , فغالبا ما ننظر إليهم على انهم أصحاب منهج صارم لا يدخل في خساباته 
الفن و لا يعتد بالروح الجمالية . وتلك نظرة ضيقة أثبتت بطلانها عمليا فلاسفة 
معاصرون من أمثال : جاستون باشلار . أو لم يسأل اينشتين ذات يوم : لماذا يفضل 
هذه المعادلة الرياضية على تلك ؟ فاجاب : لانها اجمل بنيانا من الأخرى . وفضلا 
عن ذلك , فأننا يمكن أن نتساعل : أليست روح الفن الطليقة قابلة لترويض المنهج 
العلمي الذي يسعى إلي فهم كنهها ؛ كما في علم الجمال ؟ أو ليست الروح العلمية 
الحقه هي تلك الروح التي تنظر إلى العلم كأداة محايدة ترتاد شتى الآفاق : وليست 
كهنوتا ينصب في سرية على موضوعات بعينها ؟ 

ومن هذا المنطلق ينبغي أن ننظر إلى فكر صلاح قنصوه الذي عرف بيأنه 
أستاذ متخصص في فلسفة العلوم ومناهج البحثء ولكن الكثيرين قد لا يعرفون منه 
وجها آخر يبدو لنا فيه صاحب رؤية خاصة للفن» وهى رؤية يمكن أن نجملها فيما 
يلي :. 

يتميز الفن عن سائر المجالات الإنسانية ( كالعلم والدين ..) بأنه ليس على 
صلة مباشرة بالواقع ؛ لانه لا يخدم غاية أو هدفا مباشرا خاصا يه . ولايعنى ذلك 
أن الفن ليس له هدف ٠.‏ و إنما يعنى أن هدفه يتعلق بالغاية القصوى للإنسانية . 


455 


وتأثير الفن بالتالي يكون تأثيرا غير مباشر عبر وسيط المتذوق . ووسيلة الفن إلى 
المتذوق هي العمل الفني الذي يثير لديه انفعالا يكون بمثابة مثير يستدعى استجاية 
هي في نهاية الأمر موقف أو اتجاه يتخذه المتذوق من العالم و الواقع والحياة 
والعمل الفني يتم إبداعه من خلال الرؤية الفنية التي تحدث عبر الخيال , أي يتم 
إبداعه بوصفه صورة متخيلة . وبما أن الخيال هو إدراك للغياب أو اللاواقعى , فان 
هذا يعنى أن الرؤية الفنية تعمل على خلخلة الثبات والجمود في المادة الأصلية 
للواقع . والعالم » وتحويلها إلى مادة خام يشكل منها يشكل منها الفنان أنواعا 
جديدة من الوقائع التي لا توجد وجودا فعليا . 

و لاشك أن كل ما ذكرته عن صلاح قنصوه في هذا المقال هو مجرد إضاءات 
تعين القارئ على الاقتراب من فكره ومحاولة التعرف عليه . إذ لايمكن للقارئ أن 
يستشف ما ذكرته عنه من خلال كتاباته الموثقة المعروفة في مجال فلسفة العلم » و 
إنما يمكن أن يستشفه بجهد جهيد » إذا كان على معرفة وثيقة بسائر كتاباته وأفكاره 
المتناثرة في مقالاته 

وهذا يعنى أن هناك فجوة بين صلاح قنصوه الحقيقي و صلاح قنصوه 
المعروف من خلال كتاباته الأكاديمية لدى الطلاب و الدارسين في مجال. فلسفة العلام 
. ولهذا فأنى مخلصا له أرجو منه أولا أن يقوم بعملية فرز وتصنيف لمقالاته 
لينشرها في كتابات مجمعة ؛ لان هذا سيقدم للقارئ صورة مكتملة لفكره . ومثل هذا 
النوع من النشر أمر متبع ومتعارف عليه عند كثير من المفكرين . ثم أرجو منه 
ثانيا أن ينشر علينا شينا من استبصاراته الفكرية العميقة التي لم ينشرها أو يوثقها 
على الإطلاق . 

هناك أذن فجوة بين كتابات صلاح قنصوه الأكاديمية القيمة » وفكر صلاح 
قنصوه غير الأكاديمي و الذي لم ينل حظه من النشر الذي يستحقه . وهذا الجانب 
الآخر من فكره يفوق كثيرا قيمة جائزة التفوق التي حصل عليها . 


054 


الدلالة الإنسانية للفن !! 
قراءة تساؤليه في نصوص د. صلاح قنصوة”) 
سامي عبد العال 22 
إطار عام . 
وهل هناك دلالة غير إنسانية ضمن هذا المضمار ؟ أليس الفن - ابتداء - 
موضوعا إنسانيا ؟ , بل بالأحرى , ألا يعتبر فاعلية ابداعية مرتبطة بالوجود 
البشري؟ 1 
الريما تشير أسئلة من هذا القبيل - بشكل منطو على مفارقة - إلى وجوب 
التفرقة بين دلالتين , أحدهما على أقل تقدير دلالة غير إنسانية , والأخرى .. هذه 
الدلالة المغايرة التي أنا بصددها , أي الإنسانية. 
لكن و على أن الفن ينتمي أثناء قراءته المعنية هنا إلى فلسفة الجمال , 
فالقياس على إمكانية وجود جمال طبيعي أو جمال خار ج نطاق الظاهرة الإنسانية 
يضمر كثيرا من التناقض أيضاً , لأن المقصود بالدرجة الأولى هو الإنسان , فكيف 
تند عن تقديراته و أحكامه إمكانية هي في الأساس نتاج من نتاجاته و تخضع بنفئس 
المنطق لمعاييره و أدواته؟! 
وحتى لئن كان مقررا أن يندرج الموضوع الجمائي ضمن الموضوعات 
الناتجة غن النشاط الإنساني سواء أكان تذوقا أم حكما ام فاعلية , فإن تأكيدي على 
تلك الدلالة , يأخذنا وجهة مقصود لنعيد التأكيد مرة اأخرى على خصوصية النظرة 
التي يمكن من خلالها قراءة الفكر الجمالي للدكتور قنصوة. 
ولست مغالياً حين أشير إلى قراءة كل فكرة بنفس الوسيلة , حيث تسرى 
الإشارة هنا سواء بسواء على التنظير الفلسفي للعلم, أو النقد الذي يستشرف قضايا 
الثقافة أو معالجة موضوعات خاصة بالفكر الديني أو إبراز جوانب في الفكر 
السياسي المعاصر , أو تحليل الأفكار حول الحضارة و الإبداع. 


'' هذا هو القسم الأول من دراسة موسعة يعدها الباحث حول صلاح قنصوه 


05 ا 5 5 
مدرسضس النلسغة المعاصرة آداب الزقازيق 


455 


إذ أن تلك الدلالة تعبر عما يسمى ب " الفاعلية الإنسانية" , وهي فيما تعنية 
عبارة عن قاعدة انطلاق ( وانتهاء أيضأ) ذات جوانب متعددة, تدور معها النتاجات 
الفكرية و المعرفية والذوقية دوران العلة مع معلولها.!') 

ومن حينها تتحول تلك القاعدة بهذا المفهوم إلى إطار عام تستقى منه 
التفسيرات مبررات وجودها عندما يحاول القارئ أن يسهم في إضاءة هذا الجانب أو 
ذاك , وعلى ما يترسم هذا الإطار من احتمالات» فلا يشذ عن وجود الإنسان , 
أسلوبه وأنماط تفكيره , و بالمثل لاايخرج عن سمات المرونة والتقدم والقابلية 
للتغير, تلك المستمرة كابرز معالم الإنتاج الخلاق. 

بلاريب , فالإنسان لا يناقض نفسه , ولا يضاد نشاطه الفعال أثناء تكوين 
عالمه المؤسس داخل العالم المادي , لعله - مواكبة لهذا الوعي ‏ كيان غير 
مهترئ , وفعل غير منقسم على ذاته ووحدة لا تتجز جزأ , وهو نفسه فيما يبدع أشكال 
الفنون , أو يؤسس المذاهب الفلسفية أو يسبر غور الظواهر الطبيعية إنما يسعى 
إلى الاتساق و الالتئام مع الإطار المنسوج من فاعليته الخاصة , وما يصدق على 
هذه الآثار هنا يصدق عليها هناك , فهو الذي يطور الفن والعلم وكافة المعارف, من 
ثم تخضع لنمو الإنسان و إتساع عالمه , والفن ليس بمثابة التصوير الفوري لما 
ينفعل به عن قرب حتى يأتي شفافا ناقلاً, لكنه تجربة تجري على وسيط مبتدع ودال, 
يتجاور في ذلك كل فروعه... الأدب, والفن التشكيلي والسينما أو غيرها. 

وعليه فإن دلالة هذه التجربة عملية مشروطة بطابع الوج ود الإنساني 
وماهيته و امكاناته بناء على الفاعلية التي ذكرتها. 

والسؤال التخطيطي : ما الذي يؤدي الور كا رجي 0 
كافة النظريات الفلسفية التي اسهم بها د. قنصوة ؟ 

لجان يكن تقاء كر )مط لوسو قن الل او لي 1 ار 2 
تسهل التنقيب عن مواضع قابلة للمساءلة في نصوصه , غير أن هذه الفكرة تأبى إلا 
أن تمخر عباب المعاني السياقية التي تزخر بها في الآن عينه . 

مأتى الفكرة آن نصوصه تشكل منظومة فكرية متماسكة , تبتغي دائما 
التمحور حول الدلالة الإنسانية المشار إليها كخطاب , وهو ليس خطابا مباشرا كانه 


456 


تدشين لواقع تم تحصيله أو فرغ من إنجازه , لكنه في أطوار متضامة من التكوين 
المتواصل , ينضح بهذه الدلالة حسب أشكال عدة : ١[‏ |- إما باعتراف كامل , كما 
هو الحال حين ابتدر د. قنصوة القارئ في مقدمة كتابة فلسفة العلم بأنه كتاب ينتظم 
حول محور واحد قوامه المذهب الإنساني الذي ينتمي إليه المؤلف ويسعى إلى 
تأييده في كتابات آخرى ") 
[؟ ]و إما بتاسيس مفهومي للإنسان من خلال الخطاب الديني الذي يحتمي به 

أصحاب الآراء المغالية والرافضة لهذه الفاعلية أو تلك كالفن مثلاً و أنصع دليلة 
على ذلك نص "الدين والفن"7) وحينما خلص له هذا التأسيس كان سهلا التقاؤه 
بالمغزى العميق للفن وكيف أنه لايحض على الفسوق في موقف يضاد الرأي 
الأصولي الدجمائى؟؟ الذي تكفاحه المقالة . و الاستفهام المناسب..هل حقا التقى 
معنى الإنسان في الخطاب الديني مع ما يومئ اليه الفن ويجسده عبر وسائطه 
وأشكاله؟ وهو سؤال متروك ليدعم خطواتي التالية. 

[؟ ] وإما بتعرية المواقف المناهضة للطابع الإنساني , لكن بطريقة أكثر 
ذكاء من خلال اختيار المعادل الإنساني الأبرز في تجسيد الوجود الفاعل للإنسان 
وهو ها هنا الإبداع - مثلاً - في سياق مناقض لما وقع من مواقف أصولية كان 
حصيلتها الإرهاب الفكري والتصفية الجسدية , على غرار النص الذي كتبه د. 
قنصوة بمناسبة الاعتداء الآثم على نجيب محفوظ : "الإبداع و الإرهاب"7) يكمل 
هذا الخط الانتقادات التي وجهها إلى كافة الاتجاهات التي تدعم المواقف اللا إنسانية 
والتي لها صورة قاهرة لمعاني الإنسان و إضافته في المعرفة والتاريخ كالأصولية 
عموما خلال أنماطها وشعاراتها المتباينة , وكالخطابات السياسية الانتهازية و 
بالأحرى الانفعالية المستندة إلى السلطة. ولعل نص "نقيض الثقافة" شاهد على 
هذا ومشارك فيه بكشف زيف الأفكار المروجة لصدام الحضارات والنزاعات 
الثقافوية”"» على نفس المنوال يأتي نص "انقشاع الأوهام عن تاريخ الإنسان"0. 

هذا بخلاف نص "ثقافة الجلد وصورة الآخر" , فإنه يناقش قضية الإنسان 
الآخر سواء أكان الإنسان الآخر في تراثه, إذ نحن نعتبر في عداد الآخر القابع وسط 
قيود تراثية , أو الآخر الذي ينتمي إلى ثقافة مغايرة وما بين هذين الآخرين يطرح 
حوارا خصيبا يكشف النقاب عن المضاد للإنسان وتطوره". ْ 


04157 


| ؛ ] و إما من خلال التنظير غير المباشر بالدلالة عما يشكل ماهية الإنسان 
وقدراته والاحتمالات المرصودة لقيمه , حيث تمثل الدلالة تمثل الدلالة هنا دافعا 
حيويا لتمديد الأفكار الملادنمة بحيث تستمد أتساعها و توجهاتها مما ياخذه الإنسان 
من مواقف غير تقليدية, ومما هو كفيل بتجديد عالمه و تثويره حسب تمرده على 
الواقع المعيش. ولعل الدلالة ههنا ترتسم في حدود الفضاء الذي يحتمل وجودها إلى 
ما لانهاية. 

فإذا كان ثمة حديث عن الفن, فإن هذا الحديث يستغرق لحظات و معاني كل 
ما من شأنه أن يخلع الطابع الإنساني (الانفتاح -- التعدد - الاختلاف- القابلية للتغير 
- النظرة غير التقليدية ) على الفاعلية الفنية. و لعل نص " أنطولوجيا الإبداع 
الفني"7*) يدلك على هذا المنحى , وهناك بنفس الإسلوب نص " الفن و الشكل 
والحدائة (؟) الذي ينسج تنظيرا فلسفيا عميقا لقضايا مثل : المضمون , والشكل أو 
بناء العمل الفني على نحو عام. 

لكن .. هل ظلت هذه الدلالة متسقة مع بعضها البعض ( حسب منطقها 
النوعي ) في مناقشة هذه القضايا ناهيك عن قضايا أخرى مرتبطة بالمعرفة والدين 
والقيم؟ وهل يوجد مستوى آخر ربما يكون خفيا وسط هذه اللغة عالية النبرة 
الإنسانية و المنفتحة على الوجود الثقافي و القيمي؟ ومن جهة , ما الذي يمكن أن 
يحرك هذه الدلالة في أتجاهات عديدة؟ وهل إذا إتسعت بهذا القدر واستحالت إلى 
أساليب غير مباشرة وفق تنوع الفاعليات تظل وثيقة الصلة بانطلاقتها واشاراتها 
الضمنية؟ وهل بإمكان الدلالة أن تبرر نفسها بنفسها على مستوى التنظير حتى 
تجسد الاحتمالات التي تطرحها ؟ وبالتالي ألا يعد مصطلح "الدلالة الإنسانية" في 
العنوان إضافة أم أنه تحصيل حاصل على اعتبار أن الفن نتاج إنساني في المقام 


الأول كما نوهت؟ 

* الفني والفلسفي 

حبذا لو تطرقت إلى النقاط البارزة التي أشرت أليها منذ قليل ثم أبسط ما 
يقارب المبرر لهذه التساؤلات. ١‏ 


458 


أولا : يتوفر بهذه الدلالة الشرط البنائي لتكوين النسق الفلسفي , وينتظم هذا 
الفكر الذي أسهم به د. قنصوة خيطأ جامعا يحيك في أطرافه مختلف الجزينيات التي 
كتب عنها وهو ليس بناء محكما حتى انغلاقه , لكنه أسلوب لمعالجة القضايا 
الفلسفية وممارسة عقلية تتفتق عن المتسق معها وتستهدف تكثيف المشتق عنها 
في الكيف لا في الكم. وبذلك يتحقق له كونه فيلسوفا على الأصالة يشير في نص أو: 
آخر الأسئلة التي بموجبها يمكن أن تنساب الشذرات المتفرقة المتراكمة وتذعن 
للترتيب في نسق أو منظومة تحتل فيها التفاصيل موقعها الخاص وتصبح طريقة 
كاشفة وهادية للفهم والاستيعاب أي للتحليل والتفسير("') 

ثانيا : مع هذا لم يطوه مشروع أو آخر , بل رفض حتى لفظة مشروع 
بالمعنى الرائج و المعبر عنه في المنتديات الثقافية و الفكرية . و إن كان يرجع ذلك 
إلى أن التفلسف طريقة لمعايشة الحياة, ووجه نظر محيطة ومحلقة حول العالم و 
موقف الإنسان منه و مصيره فيه. 

هنا تهمني إشارتين أن الأفكار التي أجتذبت د. قنصوة في الفلسفة هي الأفكار 
غير التقليدية و الخارجة عن حدود المالوف والتي تسلط ضوء جديدا للنظر إلى 
الأشياء على نحو مغاير أو تعيد النظر في كل ما سبقه لتصفية وضعا جديدا . '' 2 

ومن ثم فإن مسارب و تدفق هذا التلقي الثقافي أشبه ما يكون باستجابة فنية 
لواقع تشكيلي في ذهن د. قنصوة لا يتكافئ على الإطلاق مع الواقع الحادث بالفعل 
حتى و إن كان يستقى منه تصوراته التي يثورها. وهذا مغزى إلحاحه المتواصل 
على ضرورة التفرقة بين الواقع في حد ذاته وصورتها عنه , الإلحاح الذي ظل 
يسري باستمرار في نصوصه ثم وجد فيه فتحا عظيما أمام تجربته الفلسفية في 
الاعم. 

ومناط حيويته يمكن في أنه يلتقي مع الفن حين يشف عن الدلالة الإنسانية , 
إذ ذاك فإن الآخيره تمثل بالتالي محور إبدال تجري عليه عمليات إحلال وإسقاط 
متغايرة السمات والمعالم في كل نص, حيث تحل فاعلية في فاعلية أخرى , أو 
توسس فكرة لفكرة أخرى , أو تفسح دلالة المجال لدلالة أخرى نظرأ للتقارب البناني 
بين الدلالات ضمن الفلسفة و الفن والدين و العلم. إذن خلف هذه الاستبدالات 


459 


التنظيرية يكمن النموذج الذي يلخص التجربة الإنسانية في فنياتها , وعليه نجد 
أنفسئا في زخم الفن , حيث أصبحت التجربة الإنسانية تجربة فنية على الأصالة. 

ب: بالتالي فإن الفن يلقي بظلاله على أنشطة عديدة . و يبقى احتمال عال 
جدا أن تتقارب حدوده بل تتماهى تماما مع تلك الأنشطة . يعبر د. قنصوة عن ذلك 
حين رأي أن الظاهرة الفنية لا تقتصر على الأعمال الفنية فحسب, بل ثمة مستويان 
آخران ينتسبان إليها من غير أن يعد أي منهما عملا فنيا في حد ذاته . أولهما هو ما 
يمكن أن نسميه الطابع الفني , الذي يتسلل إلى ممارسات الإنسان كافة , في الدين 
والعلم و الفلسفة والعمل و التكنولوجيا وفي كل شنون الإنسان . وثانيهما هو منا 
يمكن أن نطلق عليه النسيج الفني , كما يتبين في الحلم واللعب والسحر والاسطورة 
على سبيل الحصر. ١"‏ ) 

معنى هذا أن الفن كفاعلية يمكن أن يؤسسه داخل أية ممارسة إنسانية وهذه 
نقطة في غاية الأهمية بالنسبة لبناء النسق الفلسفي المفتوح لدى د. قنصوة من 
جهة و تسلمنا إلى النقطة التالية من جهة أخرى . 

ثالثا : يبلغ مستوى التداخل بين الفن والفلسفة أن د. قنصوة يناظر التركيب 
والتأليف و غيرهما من القيم الشكلية بوصفها قيما فينة بما نجده من أسلوب في 
صياغة المذهب الفلسفي فهذا الأخير " يعني ضمن كثير من اللغات الاجنبية النسق 
ددء )ىلا5 وهو الذي يعني تأليفا أو تكوينا " يضم عناصر ووحدات 
تعقد بينها علاقات معينة هي التي تفرق نسقا عن آخر ". ١9‏ ) . 

لكن على الرغم من أن هذا التداخل يجري على الطابع الفني الأعم , إلا أننا قد نجد 
نتيجة هذا التماثل بعض الظلال التي تنحرف عن مقصدها (المفترض أن تكون 
متسقة) مع ما تعبر عنه أو تكون بمثابة أطياف له عبر هذا الجانب الموضح في 
الفن أو ذاك . و بخاصة ضمن قضية الشكل التي يعاد أكتشافها في كل الفاعليات 
الإنسانية حسب الدلالة المشار إليها, كذلك على طول العلاقة التي تحكم ( بناء على 
هذه الدلالات ) الفن والدين مثلا. ش 

لدرجة أن مستويات الدلالة 5128)105ع51 04 1,15 تبعاأ لفكرة بارت 
:80 الماخوذة عن هيلمسليف من حيث مستوى المعنى المحدود 1620430108 


04060 


أو من جهة خلال المعاني ( الايحاءات) 2043)408م0» القي تأتي بمدلولات 
إضافية, أقول لدرجة أن تلك المستويات تتخالف مع بعضها البعض وتتضاد حين 
ياخذ مدلول معين في الإرتفاع إلى وضع البنية المعرفية الني تدعمه وتغزوه 
باستمرار , حتى أنه يعبر ظاهريا بخلاف ما يضمر باطنيا . 

و إذا كانت الدلالة الإنسانية في فكر د. قنصوة هي محور إبدال يكمن وراء 
البنية السطحية - أو بنية السطح -. الخاصة بنص معين , فحسب التحليل التبادلي ( 
الاستبدالي) 20219515 غ2)1:مع901:دم , يمكن الاهتمام بتلك الإيحاءات أو أطياف 
المعنى الإيجابية والسليبة الخاصة بكل دال من الدوال المستخدمة , كدال "الشكل" 
الذي ورد في تنظيره للفن داخل سياق معين. ويتكشف هذا الاهتمام عن العثور على 
وجود نماذج فكرية أو تيمية )عم »8) ( موضوعاتيه ) تقبع تحت السطح في 
نصوصه , على شاكلة التعارضيات الثنائية : كالشكل مقابل المضمون , الخارجي 
المضاد للداخلي ... وهكذا . 

أو أن يتم توظيف هذه التيمات على نحو مغاير , بحيث إذا كانت فكرة 
تنظيرية تفتح افقا جديدا في إحدى القضايا المطروحة, فإن ثمة تحليلاً ينحو نحو 
تقديم صور مبتكرة في الصياغة و الإمكانية , بيد أنه في نهاية الأمر يمستحضر- 
اضمارا - منطلقاته الأساسية , وربما ينضم إلى ما سبق تقريره , هذا من ناحية... 

من ناحية أخرى , عندما تكون الفكرة مدفوعة ‏ بلا هوادة - إلى ذروة 
انفتاحها على الدلالة الانسانية, مستبطنه لكافة الاحتمالات غير المقيدة لها, فإنها 
تخضع - بلا وعي - إلى قيود و كوابح تفرضها على مسيرتها المفتزضة تنظيريا, 
حين تختار اتجاهها بالتزام احد وجهي الثنائية دون الآخر , أو حين تفرضه إفتراضا 
تحت بند إتخاذ موقف هنا أو هناك. لأن الأشياء تعرف بأضادها , أي أن الضد قيد 
على ما يضاده, فضلا عن أن كل تعريف عبارة عن تحديد , و أي معرفة حسب رأي 
ليفيناس -- هيمنة و سيطرة. 

ومن ناحية تالية, داخل سياق التأكيد على معنى من المعاني في مقابل معنى 
مغاير , يحدث انحراف - بدرجات متفاوته - عن المعنى المستهدف ليلتقي مع ما 
ينكره أو يسعى إلى التلفت منه, لذلك يمكن قراءه فكر د. قنصوه بطرائق عديد , غيز 


461 


أن الطريقة التي سأنتظمها ههنا هي تتبع أشار هذا الانحراف راسما مجموعة من 
التساؤلات: إلى أي مدى يؤثر انحراف بشكل معين على الخيط النسقي الذي يربط 
هذا الفكر؟ هل ثمة أسلوب لاكتشاف درجاته وبالتالي رصدها على الرغم من 
محاولة اثبات غيرها؟ أيعني ذلك أن ما يسئل عن تماسك هذا الفكر يعمل علىنقضه 
تفكيكيا هذه المرة ؟ وقبل ذلك . أينبغي أن يظل الفيلسوف يقظا لتحورات اللغة مع 
أنماط التفكير؟ 

أقرب فرضة في الفكر الجمالي للدكتور قنصوة قد اثارت مثل هذه التساؤلات, 
فرضية تقوم عليها مجمل تنظيراته في هذا المجال, ولعلها معلنه حين يقول " ما 
نقدمه بين يدي القارئ هو مزيد من الإثبات والتفصيل لقضية مطروحة في علم 
الجمال, وهي أن الفن أسلوب أو مستوى من الوجود, وليس شكلاً من أشكال 
الوعي"٠*')‏ 

عقب ذلك يقرر الاتجاه العام : " فالجمال الذي يعنينا ليس شينا سابقا أو 
مستقلا عن الفن وعلم الجمال؟"؛ هو فلسفة الفن في نهاية الأمر'" *"! 

والآن ساستخلص ضمنيات هذا القول ثم أعرج على ما يدمج الاستفهامات 
السابقة مع ما يمكن فهمه حتى أصل إلى ما يرجحها أو يدمرها أو يرفعها. 
أ - إن الفن (فنان - إبداع - وسيط ) ظاهرة مكتفية بذاتها ومستقلة . 
ب - إنه ما برج.دائما قيد الاضافة المحايثة المزاحمة أيضا للوجود الأصلي. 
ج - طالما أنه إبداع , فإنه يظل سائرأ داخل مضمونه مرتفعا حتى فوق هذا الوجود 
الذي يخرج عليه بل حين يغلب علي أيه فاعلية فهذه علامة على علو قدرها فيمنا 
يقول د. قنصوة نفسه : " الواقع أن الطابع , الفني سمة غالبة في كل فاعليات 
الإنسان بل هو علامة على رفعة قدرها"10١)‏ 
د ينبغي أن يكون أن تنظير جمالي له بعيدأ كل البعد عما يلصق به صفات المباشرة 
والاحتذاء , لأنه منذ البدء لا يحمل إلا على ذاته النوغية ناهيك عن أنه لايكف عن 
معاندة أية دلالات بسيطة أو أحادية المغزى. 


4602 


ه له سمات الجدة و التفرد و ألا تقليدية , لذلك نرى الغرابة و ألا منطقية في 
الأعمال الفنية , ومن وجهة نظري مهما كانت التنظيرات التي تصنع إطارا لهذه 
السمات سوءا من جانب الشكل أو المضمون , فليس ذلك دليلا على فهم هذه 
الأعمال أو أن هذه الأخير تتكون وفق تلك التنظيرات. 

و- ليس الفن منبثقا عن تصور لشيء بحيث يأتي فكره عنه أو حقيقة مصوغة بناء 
عليه , أنه يبدا وينتهي بذاته وما بين البدء والانتهاء يشغل النسيج الفني كل البناء 
المركب للعمل الفني . من ثم ليس وعيا ولا شكلاً من أشكاله. 

ي - إذن ظاهرة الجمال لا تعدو أن تكون ظاهرة فنيه بدلالاتها السابقة اتساقا مع 
مضمون الفن عموما مرة ولا يوجد جمال الا بوجود الإنسان مرة أخرى حسب 
فاعلياته. 

لكنن أصل توأ إلى متولدات لهذه النقاط , وهي عبارة عن افكار يفترض أن 
تتسق منطقيا معها وبالتالي فالمتوقع أن تمتد إليها النقاط الفانتة , غير أنني أراها 
وقد قطع عليها الطريق في جانب أو آخر بفصل ما تستدعيه من احتمالات مفتوحة. 
دائما للتعارض مع الدلالة الإنسانية في أبعادها التي نظر إلهيا د. قنصوة 

١‏ مادام الفن ظاهرة مستقلة, فهل يمكن التاسيس لأي من إبعاده من خلال 
ظاهرة أخرى كالدين مثلاً ؟ حتى إذا كان ثمة اتفاق بينهما في شئ على ما يشير 
نصه " الدين والفن " , ألا يجب أن تحل القضايا في النهاية بمنظور فني لأن حلها 
حسب ما يطرحه الدين أولا يعني تنصيب مدلول متعال؟ بصيغة أخرى أليس من 
الأجدر أن تحل كل القضايا المتعلقة بالفن بدون مبررات أخلاقية أو دينية ؟ 

١‏ - للفن صفة الوجود المضاف, فهل يتسنى مع ذلك أن نسلكه في عداد 
الفاعليات التي تبتغي - ولو باسلوب غير مباشر - السيطرة على الوجود ؟ كيف 
ذلك وله انطولوجيا مميزة غير محتملة في اغلب الأحيان إلا لفئة قليلة من المبدعين 
أو المتلقين كما هو في الفن التشكيلي السوريالي؟ أيجدر بناء على ذلك في المقابل 
أن نبحث عن أهداف ربما غير وارده فاعليا كاللعب الحر, التشكيل أللا منطقي ؟ 


40 


"'- في حال وجود سمات أللا تقليدية والجده وغيرهما , هل يمكن التحدث 
عن إطار من إطارات الوعي بهذا التاكيد كمفهوم الشكل مثلا؟ أليس التنظير لدلالة 
الشكل يفترض المضمون ضمنئا على الرغم من عدم التصريح بهذا؟ ش 

هذا يؤدي إلى نتيجة مهمة أن التشديد على الفن كوجود بديل ينزلق في 
النهاية إلى مواجهة الوعي , فالشكل رؤية " فنية" متعينه استكملت دلالتها أاصرت 
إصرارا على أن تظهر على هذا النطاق وبهذا الطابع دون سواهما, وحيال كونه 
شكلا يتلقى القراءة والتعين المتواصل يغدو وعيا لاحقأ وكما سادلل في تكملة أخرى 
لا ينفصل الوعي عن انطولوجيا الفن من خلال نصوص د.قنصوة بل هو يشكله في 
النهاية. 


. 545 د. صلاح قنصوة . نظرية القيمة في الفكر المعاصر , دار الثقافة للنشر والتوزيع ,القاهرة ص‎ )١( 
. 7-5 ص‎ ١9547 (؟)د. صلاح قنصوة , فلسفة العلم , دار التنوير للطباعة والنشر , الطبعة الثانية , بيووت‎ 
.؟55-1١5؟ د. صلاح قنصوة , الدين والفن , إبداع , العدد الثالث , القاهرة , مارس الؤا ص‎ )5( 

(1) د. صلاح قنصوة , الإبداع والإرهاب , العدد الحادي غشر , القاهرة , فيراير 193917 ص 44 ١181‏ 
(5)د. صلاح فنصوة , نقيض الثقافة , الحلال , القاهرة , فبراير ١94517‏ ص 44 ١ه‏ 

(7)د. صلاح قنصوة , أنقشاع الأوهام عن تاريخ الإنان , الحلال , القاهرة , 19514 ص 59-55 

()د. صلاح قنصوة, ثقافة الجلد و صورة الآغر , إبداع , العدد السادس , يونيو ١997‏ ص 5١-1١4‏ 
(4)د. صلاح قنصوة , أنطولوحيا الإبداع الفئي , فصول 

(9)د. صلاح قنصوة , الفن والشكل و الحداثة , إبداع , العدد ١١‏ , نوفمير ١9541١‏ ص 51-1١5‏ 

١87 القاهرة ص‎ ١448 د. صلات قنصوة , التكوين , الحلال , ديسمير‎ )٠١( 

١85 المرحع السابق ص‎ )١11( 

)١1(‏ د. قنصوة ء أنطولوجيا الإبداع الفئ ص 9؟ 

(15)ه. قصوة , انطولحيا الإبداع الفني , ص 1٠‏ 

578 د. قنصوة أنطولوحيا الإبداع الفني , ص‎ )١15( 

55 د. صلاح قنصوة , انطولوحيا الإبداع الفئي, ص‎ )١5( 

(15) المصدر السابق 


404 


صلاح قنصوه فيلسوفا 
ظريف حسين7) 
أولا : تمهيد ش 
الفلسفة هي الوعى النقدى . وحيثما كان ثمة نقد واع » كان أدل على وعى 
بمكانة الإنسان التاريخية» ولن يتاح ذلك إلا بضروب من النقد الذاتى للإنسان 
بوصفه فردا ثم كجماعة تاريخية. والنقد الذاتى هو نتاج لما تسميه الفلسفة تأملاة 
انعكاسيا , أو تفكير » على غرار الفعل الفلسفى الأساسى لدى سقراط وحتى 
هوسرلء أو بصورة موضوعية فى كل نزعة تاريخية واقعية؛ أى ابتداء من واقع 
محدد للإنسان طبقا لتعريف ما إجرائى: كما فى الماركسية. 
وقد انطوت الفلسفة على هذا المعنى للنقد الواعى باكثر أشكاله تجريدا عندما 
عرفها أفلاطون بأنها القدرة على إدراك التشابه بين المختلفات: والاختلاف بين 
المتشابهات .ويعنى هذا مايدعى تمييزا كلقب فولكلورى ل العقل . أى إدراك 
النسبة بين الأشياء 128410 ومنه اشتق مصطلح العقلانية 1021021449 وهو 
تعبير عن حد سبينوزا فى ديالكتيك أو منطق حقيقى. 
ففى اللحظة التى أدرك فيها ذاتى أدرك ما يميزنى من غيرى .وهذا هو أساس كل 
تأويلء الذى هو ذاته أساس كل علم ؛ إذ المعرفة المباشرة مستحيلة ؛ فنحن نعرف 
الأشياء, لابذواتهاء بل بأغيارها .وعليه أيضا تتاسس ظاهرية كانط: وكل ظاهرية. 
والتأويل يعنى الإحالة» والإحالة هى العلو الذى يعنى؛ عامة: معنى 
الاختلاف مع الذات فى لحظة التواصل مع الآخرء والعكس : التواصل مع الذات 
أوالانعكاس الذاتى فى لحظة الاختلاف مع أو الاعتكاف عن الآخر .إنن ينطوى 
التاويل على مفارقة حقيقية ذات بعد انطولوجى ٠‏ ينطوى هو ذاته على حتمية 
صارمة يفرضها الديالكتيك الذى لايسوى بين المتناقضات ؛ ولكن هذه الحتمية لا 
تلغى الحرية الأصيلة المؤسسة على وجود المسافة الفاصلة التى تؤسس كل علوء 
ومن ثم كل رؤية وتؤسس لكل نقد. والحياة قاطبة؛ بله كل حياة واعية هى هذه 
الاهتزازة البندولية الدائبة بين هاتين اللحظتين» أعنى أنها حركة تمييزية فئن سعى 
نحو انتهاك سديم اللامتمايزات , الذى لم يبق منه سوى الهيولى بدلالة ميتافيزيقية 


("أستاذ مساعد بكلية الآداب حامعة الزقازيق 


465 


؛ أما بالنسبة للعلم فإن الواقع يحيا فى حالة ضرب منطقى مع الوعى ويخضغ 
لمعضلات خاصة بهذا الأخير ليصبح الواقع اسما مجردأً عام لايتعين إلا لكل ذى 
رؤية أو آفق. 
أى أن الحياة ككل تفارق ذاتها كتطور طبيعى إلا أن هذه المفارقة تبلغ أوجها لدى 

الوعى بها ؛ فالوعى والحياة مترادفان حصريا مع التوسيع المتوقع لمعنى الوعى, 
لا محالة؛ أى لدى مطابقة الوعى للمعنى العام للإدراك ؛ وبذلك إن درجة صعود 
الوعى على مدرج التقدم تتناسب طرديا مع تطور الحياة بيولوجيا ؛ وطبقا لنظرة. 
سلوكية ؛ فإنه يمكن تطوير الحياة ابتداء من تعميق الوعى؛ وعلى هذا تتاسس كل 
فلسفة للتربية وكل استراتيجية ممكنة للتنمية البشرية فى كافة مناشط الحياة. 

وبذلك تتموقع الثقافة ٠‏ لابوصفها دالة ١‏ فقط. على مدى النشاط الذى بلغته 
حياة الوعى فى لحظة تاريخية معينة؛ بل إنها وظيفية) - في اللغة الإنجليزية مشلا 
فإن 4155عمن7 تعنى دالة أو وظيفة - ( بمعني أنها أداة أو ربما ذات طابع 
برجماتى .ومن ذلك يمكن النظر إليها فى بعض الأحيان على أنها مجرد 
أيديولوجيات أو كيان طفيلى على الواقع وتبغى الهيمنة عليه من خارج ؛ وهذا ما 
حدا ب جرامشى إلى التفريق بين مثقف عضوى . و مثقف كلاسيكى . وهذا أيضاً 
هو ما أولى لمفاهيم الثقافة ودورها كل هذه الأهمية فى عالمئا المعاصر فى صورة 
صدام الحضارات أو صراع الثقافات وهما مفهومان ينطويان على التسليم باللاوفاق 
الواقعى بين واقعيات ثقافية فعلية أو بعوالم ثقافية-تقاوم معنى الثقافة الكونية. 

ولكن النقد كاسم للحوار المقترح هو المصطلح الذى بإمكانه دائما أن يطفو 
بنا فى خضم هذه الخصوماتء وهذه الهواجس التى تسيطر على وعى أبناء الأرضء» 
ذلكم الوعى الذى يبحث عن صياغة معادلة الاتزان الديناميكى لوجوده فى هذا 
العالم .فتموقع الإنسان ثقافيا مرهون بقدرته على حفظ توازنه فى خضم النزاعات 
الروحية من كل صوب .إلا أن هذه القدرة ليست ممنوحة مجانا وليست مجسومة 
مقدما ؛ بل يحرزها كل وعى ناقدء أى كل مثقف أصيل ذى وعى كلى بكل الأسباب 
والتداعيات على كافة المستويات المعنية. 

وتاريخيا قامت فلسفات على النقد الثورى كالماركسية و مدرسة 
فرانكفورت . وقد جعلت من أدوات ممثليها الثقافية طاقة نقدية وتقويمية هائلة 


066 


لاتغادر صغيرة ولا كبيرة من نقانص مجتمعاتها إلا أحصتهاء وفى إطار سعئ دائب 
لإصلاح البيت من الداخل بما تملكه من وعى ناقد ذاتياء أو بالاختصارء القدرة على 
التصحيح الذاتى: وذلك بتطعيم التجربة الفلسفية بما يغدذوهاء وعدم التوانى عن 
إدخال التحسينات المطلوبة بمفاهيم واستراتيجيات جديدة عند الحاجة. 

فالفلسفة؛ كما مارسها الفلاسفة - وهذا هو التعريف الجامع المانع الوحيد 
المقبول لها حتى الآن - هى هذا الجهد النقدى الواعى , أى الذى يجمع بين كونه 
مدركا لهدفه؛ من جهة؛ ثم إنه لايتعثر فى تناقضاته الذاتية» ثم يتوهم قدرته علئ. 
الخروج منها آليا أو تلقائيا بفعل الرفع الهيجلى الذى يلغى؛ ولايتسامح مع أى 
جهد ذاتى مغايرء بل يتحاشى الإقرار باى جهد أو - بلغة ماركس - براكسيسء 
إذن الفلسفة هى هذا البراكسيس . بالمعنى المعروض حتى الآنء والفلاسفة هم 
صياغه: كل بحسب ادواته وطاقته وغايته. 

ثانيا :الموقف الفلسفى العام عند قنصوه: 

أ ما أنفك معظم أساتذة الفلسفة يحلمون بالمباهج التى خلفتها فلسفة 
استاذية كانط وهيجل على وجه أبرز؛ إذ أفلح هذان, فى نظر معظم نقاد ومؤرخى 
الأفكار.ء فى تجسيد ظاهرة الأستاذ الفيلسوف فى مقابل الفيلسوف الأستاذ » وهو 
اللقب الذى غلب على أسماء معظم من قدر لهم التفلسف الحى الأصيل. 

وبناء على شواهد تاريخية يجمع معظم المراقبين للسوق الثقافية المحلية 
على المدى الذى بلغه قنصوه فى الجمع بين فلسفة الأستاذ و أستاذية الفلسفة ؛ 
وهذا نموذج لا نجده في الجامعات إلافي الكليات العملية حيث يتولى العالم في أى 
فرع من فروع العلم التطبيقى إلقاء المحاضرات على الطلاب .فإلى جانب كون 
قنصوه أستاذا متخصصا من الدرجة الأولى في فلسفة العلوم قائما بتصنيف فرائد 
المؤلفات لا بطريقة المونتاج» بل قرينا للفيلسوف حذو النعل بالنعل» وقدرته علئ 
تدريس معظم فروع الفلسفة الأخرى متمكنا من موضوعاته قادرا على تخطى 
حواجز مشكلات كانت آنذاك بكراء فكان له قصب السبق متفلسفاء إلا أنه تخارج 
على طريقة الأساتذة الموظفين الذين يبتغون معرفة أسماء فلاسفة نكرات جددا 
يتباهون بذكرها فى المجالس أو على أكثر الأحوال يقدمون هؤلاء الفلاسفة بطريقة 
مدرسية تحجبهم أكثر مما تكشف عنهم. 


04067 


بيد أن فلسفة بعض الأساتذة كما هى مطوية فى تعليقاتهم أو نقدهم لبعض 
المذاهب لاتعد سوى أريكة قد يحلو للبعض الاستواء عليها تذرعا أو إدعاءً لبطولة 
فكرية مزيفة فى واقع محروم من أبطال حقيقيين فى هذا المجال؛ أو قد يتواضع 
فيقئع بمنصب إدارى تكفله له الأستاذية حتى إذا ما أحيل إلى الاستيداع استودع الله 
الذى لاتضيع ودائعه. 

إذن فقليل من الأساتذة؛ عندناء من يملك رؤية وروحا فلسفية » لنضوب فى 
القريحة أو لفقر فى المواهب جَعلت بعض هؤلاء يستسلمون من قبل لعجلات قطار 
مكتب تنسيق القبول تدهسهم, وبالصدفة تجدهم بعد عدة سنوات قلائل أساتذة 
للفلسفة ومطلوب منهم المسئولية الروحية» أى الصياغة الفكرية لحاجات الناسن 
وطموحاتهم والتقاط الروح العامة للعصر. وهذه لاتتوفر إلا لمثقف أصيل. 

ب .ويمثل قنصوه نموذج هذا المثقف الثائر والمفكر الملتزم الجاد والناقد 
الحر. وهذه السمات لاتتوافر إلا لفلاسفة من طرز خالصة استطاعوا أن ينجوا 
بانفسهم من سجون الأستاذية» كوظيفة: إلى اروقة التفلسف الحق الإيجابى: لا 
لمجرد ثرثرة فى موضوعات هم عنها غافلون أو تأبين لأموات كانوا من قبل 
فلاسفة .فهو نموذج الأستاذ الذى أفاد من أستاذيته ولم ينتقص منها فى حياة الفكر 
والثقافة»؛ ولذلك نجده قد استخدم مفاهيم وأدوات البحث العلمى فى نقده الواعى لكل 
التشوهات التى أصابت فكرنا القومى الذى أخفق فى الوصول إلى ماهيته هو الذاتية 
فكان كالتى نقضت غزلها وتنكبت دربها .ولسوف أحاول بعد قليل الرجوع إلى 
آليته المنهجية فى النقد ومعنى العقلانية. ظ 

ج والموقف الفلسفى العام لقنصوه لايخرج, فيما أرىء عن خط النزعة 
الإنسانية» ورغم السمات البراجماتية التى تشوب هذه النزعة, من الأفق الفلسفى 
المجرد. من حيث كونها تضع كل الاعتبارات فى خدمة التنمية البشرية. من حيث 
كون البشر أفرادا أى بالأحرىء وبلغة ماكس شيلر؛ أشخاصا يتمتعون بحرية مطلقة 
فى تصوراتهم التى يعتقدون إنها قادرة على إنجاز غاياتهم ؛ وبذلك فإنها نزعة 
ذرائعية إلا أنها دائمة الالتزام بما هو إنسانى فى مقابل الأغيارء غير البشريين. 
وهى فلسفة كما نرى حافلة بالآمال العظام فى مصير سعيد للناس: وقدرتهم على 
التدخل فى تحديد مصائرهمء ومن ثم وجب الاجتهاد قدر الطاقة الإنسانية فى إيجاد 


2468 


الحلول المناسبة لمشكلات البشرء لاا من خارج:الميتافيزيقياء بل من حياة: الناس 
وثقافاتهم وعلومهم, وبالاختصار :كل مكتسباتهم الخاصة فكل شيئ من الإنسان 
وإليه يؤول. 

د-إلا أن قنصوه الذى جسد شخصياء كما عرفته. معنى الإنسانية بجدية غير 
متعمل ولا مداهن ولا آفاق: قد ختم هذه الفلسفة بخاتم خاص وهى لثقافته مغايرة 
ولروحه ولروح عصره مباينة .ولذلك فإن الموقف الفلسفى الإنسانى الذى تبعه 
قنصوه قد خضع عنده لتكييفات فلسفية بناء على روح ثقافته ومطالب عصره؛ وهو 
فى ذلك يمثل المفكر الملتزم بحرية بحثه طبقا لطبيعة المشكلات التى تطرح نفسها 
والمنهج المطابق؛ وهى مسألة تعلمها هو من دراسته وتخصصه الأول فلسفة 
العلوم ومناهج البحث. 

وفيما يلى بعض الاعتبارات التى تدعم هذه الدعاوى: 

فهو حينما يصدر عن تعريف التفكيرء فى مقدمة كتابه "الدينء: الفكرء 
والسياسة" الصادر عن مكتبة دارٍ الكلمة» " (٠١‏ والذى سوف نحيل إليه من الآن 
فصاعدا), يقول: إن التفكير هو مواجهة المشكلات.. بتحديد عناصرها والسعى إلى 
اختيار حل لها (ص7) ونستطيع بلا أى جهد إضافى أن ندرك السمت العلمى فى هذا 
التعريف للتفكير بوصفه منهجا وربما لا يختلف عن كلام العلماء أو حتى جون ديوى 
أو البراجماتيين الذين لايجدون فرقا بين التفكير والمنهج العلمى .أما شرحه للمنهج 
فهو : طريقة وضع المشكلة وتفسيرها ثم اقتراح حل لها (ص ١؟)‏ شْ 

وهو يعمم هذا التصور لكل من التفكير والمنهج مؤكدا نجاعتها فى مواجهة 
المشكلات التى تقاوم الحلول التقليدية داعيا إلى مواجهة هذه المشكلات بصراحة 
وأن تكون الحلول المقترحة على نفس المستوى من تحديد المشكلات (ص 45) 
ولقد قام بتطبيق تصوره هذا لكل من المنهج والتفكير فى العالم الثقافى ممتشقاء 
متابطا حسام النقد المر لكل دعئ وذنيم على عالم الفكر وأصحاب المصالح فى 
تدمير روح النهضة ممن يسميهم. مستثمرى النصب الفكرى (ص )١‏ الذين 
يستخدمون نفس آلية النصاب أو الحاوى ص فى خداع فرائسهم. 

أما غايته من كل إسهاماته النقدية فى هذا الشأن فهى تقوية الجهاز المناعى 
الفكرى للمواطن (ص 1) حتى لا يفقد عقله أو المناعة العقلية المكتسبة (ص ؛). 


469 


ولايكون ذلكء فيما يؤكد إلا بالنقد ويعنى به طرح أسئلة جديدة لا مجرد التسكع فمى 
دروب مهدتها من قبل إجابات سابقة(ص )١‏ وهذا متاح بالتفلسف أو كما قال ب 
التفلحس أى بالإلحاح فى طرح السؤال وعدم الاستلام لإجابات جاهزة سابقة» أو 
فعلية محفوظة فالمطلوب إثارة الأسئلة للاختيار من بين الإجابات المتعددة المختلفة 
لكل سؤالء بلا أدنى احتمال للوقوع فى متناقضات وهذا النقد سبيله الحوار الذى 
يشترط فيه التبادل والتفاعل الحر بين الآراء والمواقف والاستعداد للتنازل عن 
بعضها؛ إذ المقياس مو الحجة والدليلء وليس المألوف أو القديم(ص١٠)‏ فضلاً عن 
شرط الاعتراف بحق المواطنين جميعا في إعلان آرائهم المختلفة بلا اعتراض 
باتهام مسبق بالخروج على كذا أو كذاء أى رفع الوصاية عنهم بل وكافة ألوان 
الحظر في كل الشئونء أى الاعتراف للمواطنين ببلوغهم سن الرشد وعدم حاجتهم 
إلى وكيل أو كفيل مهما بلغ شأوه في العلم والسلطان (ص )٠١‏ 

ومن أول وهلة نستطيع أن نلتقط مصطلحات كانط فى تعريفه للتنوير فى 
مقاله الشهير ما التنوير؟ في البيان السابق لقنصوه؛ فالإنسان التقدمى هو الحر 
المستنيرء والاستنارة تعنى امتلاك العقلانية الخالصة؛ ولكن هذه العقلانية لا. تدعى 
إلا الظاهرية المطلقة كما أاشرت فى اولا لا الأشياء فى ذاتها وبالتالى يسقط 
عنها قناع ودروع البرجماتية المتنطعة .فالظاهرية ببساطة تعنى النسبية 
والمشروطية:؛ وبالتالى عدم الزعم بامتلاك الحقيقة والتسليم بإمكانية مداخلة الشك 
واقتحامه جنة الحقيقة المزعومة على ما كان يعتقد ديكارت الذى يتسق مع تصوره 
قنصوه فى ديمقراطية العقل حين يقرر فى مقدمة الكتاب السابق أن التفكير ليس 
هبة خاصة للبعض يحرم منها الآخرون (ص١)‏ وهذا إنما هو تعبير آخر لعبارة 
ديكارت الشهيرة فى كتابه مقال عن المنهج إن العقل هو أعدل الأشياء قسمة بين 
الناس . والمعنى هنا أنه لايجب التذرع لا بمناعة عقلية طبيعية) موهبة خاصة (ولا 
بمناعة مكتسبة إلى الأبد إلا بالاحتراز بجانب النقد والتسليم بالتعددية فى الحوار 
والتضامن الكامل فى مجال البحث وعدم الاعتقاد بنهانية النتائج مهما بلغنا منها 
شاوا .وهذا هو معنى التفكير أو العقلانية عند قنصوه. أعنى العقلانية النقدية على 
طريقة كانط لا عقلانية ديكارت والديكارتيين الدوجمائية برغم امتداحهم سمت العقل 
واحتفائهم بالمساواة فيه بين البشر. 


2410 


أما قنصوه فتنويرى كانطى يحتفى بالعقل ولا يعطله كما فعل ديكارت2 ولا 
قداسة عنده إلا للمقدس الأصلىء الله. تماما ككانط ويعلق أهمية عظمى على 
الظاهرية على الأقل» فى العلم حيث التاويل هو سيد الموقف العلمى للإنسان فى 
العالم» بل فى كل النصوص مهما كانت قداستهاء فليست هناك كلمة أخيرة: ففقه 
الكلمة يتبع فقه الواقع؛ لأن الكلمة تأتى دالة فى واقع إما لتثبيته أو لتغييره .ولذلاك 
فإن الفكر إنما يكون لخدمة الواقع وليس الواقع فى خدمة الفكرء فلا قداسة لعقل قى 
ذاته تذور عليه الدوائر كمركز لها ؛ بل هو كما أوضحنا منهجء مجرد منهج وكفى 

وإذا كان كل من الفكر والواقع بناء على هذا التصور للعلاقة بينهماء فإن كال 
منهما دالة للآخر؛ لذلك فإن تغيير الفكر أو تطويره يتضمن تغييرا لمفهوم الواقع 
والعكسء وهو نفس تصور ماركس إذ عندما دعا إلى أن تدرك الفلسفة مسنئوليتها 
فى تغيير الواقع) العالم (بدلا من مجرد تصوره. كان يهدف إلى تغيير الفكر أي 
استراتيجية العقل من جهة؛ ومن ثم إلى تغيير العالم بالثورة على اوضاع خلفتها 


العادة» من جهة أخرى. ولذلك ينتقد قنصوه كل ألوان المثاليات الزائفة التى تقفز 
مباشرة إلى المثل والقيم العلى (ص ؟2١)‏ من دون المرور بالواقع. الحق الذدّى 
تنوسى مع الاختزال المستمر والتكرار لمفهوم معين عن الواقع لا يعد هى واقعاً 
أصيلاًء وهذا ما يبعد أصحاب المثالية الزائفة فى نظره؛ عن جادة الصواب, وبالتالى 
فالمصير هو الإخفاق الناجم عن الفرار من المشكلات القائمة بإعادة تعبنتها 
وإدراجها تحت تصورات أو مفاهيم مجردة جاهزة أى بالاستعانة بجهاز تصورى 
سابق التكوين؛ وبالتائى تطمس قسماتها وتختبئ أعراضها مع دوام المرض. 
فلا مفرء إذن. من إعادة تعريف الواقع بدلا من تكرار كلمة واقع بكثرة تحجبي 
فهمه وتحليله (ص )١"‏ فالمثالى المزيف لا يواجه المشكلات الفعلية التى يعانيها 
المواطنون بأن ينازلها فى مجالها وحقلها الأصلى فى الاقتصاد والسياسة. بل يلود 
بالمجال العقلى والنفسى الذى يتخذ منه التعريفات المستعارة للمشكلات 
وهناك ثلاث مستويات يدرجها قنصوه تحت ما أسماه بالمثالية الزائفة فى 
عالمنا الثقافى» وهى : ]١[‏ النقد المتعالى أى الاندراج تحت تصورات ميتافيزيقية 
أو مجردة عامة كمفاتيح لحل مشكلات واقعية). [1] -المشروعات الحضارية 


41 


النهضوية) وهى مشروعات أصحاب الوعى المستعار بالمشكلات بدلا من أن 
يكونوا أصحاب وعى واقعى أصيل) ذاتى). ["] -الفاشية الجديدة) وهى التى تنادى 
بالخلاص بالعودة إلى شرع الله وبرفض كل ما هو دخيل مستورد من نظم 
علمانية(ص 4 ؟) ويصف قنصوه أصحاب هذه المثاليات الزائفة بأنهم مجرد سحرة 
وبآن منهجهم هو منهج سحرى يقوم على دعامتين : استخدام الألفاظ بوصفها 
أقانيم مقدسة. فتتحول المصطلحات والمفاهيم من مجرد أدوات لعرض الأفكار 
والبرهنة عليها إلى كيانات تنفخ فيها الحياة.. وبذلك يتحول المجرد إلى وهم' 
العينى المحسوس(ص © 4) فاما الدعامة الثانية للمنهج السحرىء. فهى التعريف 
المستعار للواقع ؛ فلا يواجه المفكر المشكلات الفعلية.. بل يلوذ بمجال آخر يستعير 
منه التعريف مثل النهضة والهوية والأصالة وعصر الرسالة .ويهدف بهذا القفز 
على الواقع إلى التحصن بإهاب القداسة وقناع الرصان(ص 55). 
والواقعية النقدية عند قنصوه تناهض ما أسماه بالواقعية المبتذلة الذى يقوم 
أصحابها. فى نظره؛ بدور الكورس (ص 58 4 )أو بتعبير آخر:إنهم العامة من الناس: 
ممن يفتقرون إلى حس نقدى ووعى صاف وقريحة ضافية» ولذلك فإننى يمكن أن 
أدعوهم سوقة الفكر ويخضعون فى حيواتهم لأهام العقل التى كشف عنها بيكون. 

هوالآن ؛ فإذا كان يروق للبعض تصنيف المفكرين ووضعهم على خريطة 
التفلسفء؛ فإن قنصوه مفكر واقعى نقدى ملتزم بآليات التفكير العلمى غير مفتون 
بطموحات فكرية لاتجابه المشكلات تماما كسقراط الذى لم يعرف عنه غزارة إنتاج 
بقدر ما اعتبر أستاذا للفلاسفة صدورا عن أصالة موقفه الفلسفى وتجسيدا له» حتى 
الموت فداء له. 

وبعيدا عن تفصيلات مواقفه الجزئية والحلول التى اقترحها لمشكلات عالمنا 
المعاصر ومساهماته الثقافية فى كل مشكلة أو مناسبة؛ سواء فى مقال أو كتاب أو 
حوار أو ندوة ..فإن ما نود التشديد عليه» هناء هو موقفه الفلسفى العام .من 
المشكلات وبرنامجه الحى للتغلب عليهاء وأرجو أن أكون قد أصبت بعض الحظ من 
التوفيق فى تقديم هذا الجانب من ثقافة مفكر أصيل وأستاذ رائع. 


042 


منه .. وإليه 
صلاح قنصوه مفكرا .. مثقفا .. ناقدا 

هاني المرعشلي7”) 

من هو صلاح قنصوه ؟ هل هو فيلسوف , هل هو محلل اجتماغي من الطراق 

الأول؟ هل هو عالم جمال وناقد فني متمكن ؟ هل هو مناضل سياسي من جيل 

الستينات ؟ اذا كانت الاجابة علي كل هذه التساؤلات بالايجاب » فنحن اذن امام 
(مفكر اصيل) . 

فصلاح قنصوه يبرز فارسا مهيبا علي الساحة الفلسفية ١‏ فاذا اضفت إلى ذلك 

تاريخه النضالي - نظريا وعمليا - في مرحلة الستينات », ازداد الأمر اشتياكا 


لى اهاب 


وتعفيدا . 


من اين اذن ابدأ . واين انتهى ؟2"0 لو اردت الكتابة عن صلاح قنصوة 
فلسفيا . أو سوسيولوجيا » أو استاطيقيا » أو سياسيا . لسهل الأمر ؛ لكن مشكلتي 
اني اود ان اتناول ذلك كله » ولو فعلت لما اسعفني الوقت » ولما اتسع الملف باكمنه 
سوى لي بمفردي . وقد فكرت أولا في الكتابة عن ذلك باسلوب المسح السريع » أو 
بنظرة الطائن . 1 

ثم فكرت ثانيا في ان اكتب بحثا واهديه إلى صلاح قنصوه ء جريا علي ما 
يتبع في كثير من الملفات والكتب التذكارية . إلا انني انتهيت اخيرا إلى محاولة دمج 
الفكرتين معا . 

وساتبع في كتابتي اسلوبا مستوحي إلى حد ما من الكتابة العربية القديمة ‏ 
من حيث الشكل , لا المضمون - فالجأ إلى طريقة الحواشي علي المتون ٠‏ حيث 


| أأستاذ الفلسفة بآداب طنطا 

( أماان مانن الصديق العزيز احمد عبد الحليم عطية في المشاركة في ملف عن الإنسان العظيم (صلاح قنصوه) جمكم صلين 
الوطيدة به . حب تفجر مخزون هائل من الذكريات والمعلومات واللمحات . وقد وقع في ظن الممديق - استنادا علي علاقينٍ الوليقة 
بصلاح قنصره , والين اعتز وافاخر يما دوما - ان الأمر سيكون بالنسبة لي أيسر ما يكون ف سهولة التناول والعرض . ظن الصديق 
ذلك وظنته معه للوهله الاولي » ولكن هبهات ما بين الظن والواقع . وما فتئ الصديق يعاتب ويونبئ » بلح علي بالاسراع ف 
الاننهاء ؛ والا سيصدر الملف دون مشاركين الواحبة » ولاتنحمل اذن فسوة الحساب . محاسبين لنفسي قبل محاسبة الأخرين لي 


0413 


تمثل الحاشية توضيحا نظريا عاما , بينما يمثل المتن تطبيقا عمليا علي فكر واعمال 
صلاح قنصوة . 

حاشية : 1 : ماهية المذهب الإنساني : 

١.النزعة‏ الانسانية موقف فلسفي واخلاقي وجمالي يهدف إلى اعتبار الإنسان 
القيمة القصوى التي يكتسب منها التاريخ والمجتمع معناهما . وهي بوجه من اوجه 
الاعتبار شكل من الذرائعية التي ترى ان كل معرفة تخضع لشروط التجربة 
الانسانية. فالانسان مبدع قيمة ومعاييره . ومشكلته هي محور المشكلات كافة . 
ومن الجائز اعتناق قول (تيرانس) عحمعمء7 الذائع : (انني انسان » ولا شئ انسانيا 
بغريب عني ) واعتباره شعارا ومنهاجا . فالنزعة الانسانية تعني ازدهار الإنسان . 
والإنسان كله . طبيعته » ذاته؛ اصله » مصيره ٠‏ وضعه في العالم » رسالته » هو 
المنطلق والقصد . وهو مركز اهتمام الإنسان والانسانية . يقول جان - ريشار بلوخ 
3.1.1 : "حيثما نلقي الإنسان » هذا الحيوان الغريب » ومهما كان لون 
بشرته » واختلاف صقعه واقليمه » نجده مشغولا » علي الرغم من الظواهمر 
المباينة: بفكرة واحدة ٠‏ ووسواس واحد . وهو وحيد : انه يطرح السؤال الأساسي 
عن مصيره عبر ظروف حياته وملابساتها : أي كائن انا ؟ ماذا افعل علي وجه 
الأرض ؟ وما سبب وجودي ؟ كيف افسر هذا النشاط الموصول الذي انهض به ؟ 
كيف اسوغ هذه الرغبات التي تعتريني : هذا القلق الذي يعذبني ؟ من ذا الذي يقدم 
لي اخيرا تعريفا عن ذاتي في وسعه ان ينير سبيلي ويبعث رضاي وطمانينتي ؟" . 

لقد طلب علماء وادباء وسياسيون وفلاسفة هذا التعريف وعثروا علي غير 
جواب . وبدا في وقت من الزمان ان تقدم العلم والتقنية يفتح الباب لآمال الببر 
وطموحاتهم . ولكن نظرية (انشتين) عن النسبية الموسعة اعلمتنا ان الإنسان ليس 
بمراقب غريب عن الكون . فهو بالضرورة مغمور في مكان وتابع لجريان الزمان ٠‏ 
يبني بذاته ادوات الملاحظة والقياس , وهو يتكافل مع الطبيعة ويترك طابعه 
الإنساني في تصوره الاشياء . ولايقل انحياز الأدب المعاصر إلى الإنسان عن 
انحياز العلم . ويبقى من الثابت في هذا كله عودة الأدب » بمثل عودة العلم » إلى 
الإنسان . 


0104 


ومثل هذا (التانس) نجده علي الصعيد السياسي . فالمواثيق القومية والدولية 
تصدع باعلان (حقوق الإنسان) : والاحزاب كافة تزعم علي الدوام بالرغم من 
اختلافها انها تستوحي احترام انسانية الإنسان . حتى اولنك الذين يمارسون من 
الناحية العملية الراهنة قمع.-الحريات إنما يمجدون بالقول الإنسان قيمة وهدفا . 
ويعظم في عصرنا باطراد الاهتمام بالفقراء والوضعاء والمعدمين والملونين.. 
وتعلن ضروب التقدم المتحققة في كل امم الأرض أنها إنما تتوخى رقي الإنسان 
ماديا وعقليا . مثال ذلك تنظيم الامن الاجتماعي » ومعونات الاسرة » وتحسين 
ظروف العمل » وتنظيم اوقات الفراغ .. وانتشار التعليم » وزيادة عدد المكتيبات 
العامة والجامعات الشعبية » وتيسير سبل الثقافة والعلم .. 

ولاريب في ان اكثر الوقائع أهمية » واعظمها خطرا . هو الوجدان الإنسائي 

المشترك الذي ينشا ويكبر باطراد من جراء الاكتشافات العلمية وتقدم التقنيئة 
وسرعة المواصلات وسهولة المبادلات . فوسائل المعرفة العالمية تعمل علي نشر 
الافكار ذاتها في.كل مكان . وبعض المؤسسات الدولية , مثل اليونسكو ٠‏ تسعى 
لنشر ثقافة واحدة في جميع الامم . 

ورب معترض يقول ان عناية الإنسان بالانسان أمر قديم قدم الوعي . غير ان 
رأيه عن طبيعته هو الذي تغير مضمونا . كان باسكال يقول : (لا يعرف الإنسان اين 
يضع نفسه. فمن الجلي انه ضال وقد هبط من محله الحقيقي دون قدرة علي 
الرجوع . وهو يبحث عنه في كل مكان بقلق ودونما نجاح . انه يتخبط في ظلام 
دامس) (), 

وقاد الايمان بالانسان إلى الايمان بعقله في عصر الانوار والي الايمان بالعلم 
الذي يصنعه ذاك العقل . فكانت آراء (تين) »دنه17 و(برتلو) 106ء0»-ء8 و (رينان) 
ومع ومن شاكلهم ممن يولون الثقة كل الثقة بالعلوم والتقانة ويرقبون منها 
سعادة البشر القصوى . سد الحاجات كلها وتلبية الاماني وفوز الفضيلة وازدهار 
الحضارة والعمران . بيد ان القرن العشرين جعل انسان العصر اقل ثقة واكثر فطنة . 
فقد اعلمته التجارب ان حروبا بين الشعوب المتحضرة لاتزال ممكنة . وقد شاهد 
انبعاث ؛ بل استمرار » العنف ٠‏ عنف الجمهور ء والقمع , قمع السلطة . وقام 
بالرغم من ذلك من يدعو إلى اللاياس . يقول (كامو) 5د«روح : (نرفض الياس من 


415 


الإنسان . ونحن نحرص علي خدمته دون ان نطمح طموحا غير معقول إلى انقاذه . 
واأذ؛ قبلا الاستغتاء عن الآنه وعن الرجاء » فتنا لا تستطيع أن تستغئي بمثل هذ( 
اليسر عن الإنسان ) . 

وقد تناول الفيلسوف البريطاني وليام جورج دي بيرج »27 ععرمء© صره؛!71/11ا 
ع8 موضوع المذهب الإنساني والازمة العالمية في كتابه القيم (تراث العالم 
القديم) 20( 

ويرى ديبرج أن حركة الهيومانيزم تميزت عنمد ظهورها بثلاثة سمات هي : 

أولا : تأكيد الفردية الانسانية » وكان مظهر ذلك في الدين ٠‏ والاستجابة لحكم 
الفرد الخاص ضد سلطة الكنيسة : وظهور الدول القومية , وفي الفلسفة تأكيد 
ديكارت للوعي الفردي عند المفكر . 

ثانيا : شدة الاعتماد علي الفعل . 

ثالثا : تغليب وجهة النظر الدنيوية » وقصر الاهتمام الإنساني علي المظاهر 
البادية للإنسان في الزمان والمكان . 

وكان هذا المذهب الإنساني موحي الافكار لقادة الفكر في عصر الاستنارة 
الذي وصل إلى ذروته إبان الثورة الفرنسية » وغلب علي الكثيرين من مفكري 
القرن التاسع عشر . وبخاصة في فرنسا من كوندرسيه اعدو لمم إلى اوجست 
كونت عؤممن ء:وسرو سخ وفي إنجلترا من وليام جودوين م:001© «مهذ!13/11 إلى 
مدرسة بنتام النفعية ببروط:مء8 كما بدا تأثيرها في ه . ج . ولز وكتابات 
برتراندراسل ١‏ وكان القائلون بهذا المذهب في راي دي برج يثقون بطبيعة الإنسان» 
وقابليته للكمال » وامكان حدوث التقدم المستمر » ويرون ان الشرور والنقانص 
التي اعترضت طريق الإنسان لم يكن سببها الخطيئة كما تقرر المسيحية » وانما 
سببها سوء النظام الاجتماعي وخلله » ويمكن علاجها بالتشريع وسن القوانين 
المناسبة . كما دافعوا عن حرية الفرد ١‏ وحلموا بامكان مجئ العصر السعيد 
والفردوس الأرضي .ء وان أهم مظاهر هذا العصر السعيد سيكون الرخاء 
الاقتصاديء وامتلاك كل فرد ما يسد حاجته ويكفي مطالبه » وان تحقيق ذلك سيتم 
بتبديد الخرافات والاوهام ونشر التربية العلمية . 


406 


".والمذهب الإنساني بوصفه اصطلاحا فلسفيا ومفهوما عقليا اخلاقيا كان 
دائما يتجه إلى معنى اللفظ الذي اشتق منه ٠‏ ولذلك كان يعني بكل ما يميز الإنسان لا 
بما هو فوق الإنسان » وكل ما يخص الإنسان مباشرة لا الطبيعة الخارجية ٠‏ ومجال 
اهتمامه كل ما يسمو بالانسان ٠‏ ويزيده قوة ويمكن له ويسد حاجاته » ويشبع 
نزعاته . ويفي بمطالبه , ويتيج الانطلاق لمواهبه وملكاته ٠‏ وامكانياته وقدراته 
ولذلك يتسع المذهب الإنساني لمعان كشيرة » وقد يعني الحياة المتزئة التي كشف 
وجودها الباحثون الانسانيون في حياة اليونانيين القدامى . وقد يعني دراسة الآداب 
اليونانية واللاتينية القديمة » وقد يعني التحرر من النزعة الدينية والاهتمام الشديد 
بمختلف جوانب الحياة ونواحيها المتعددة » وقد يشمل الفلسفة التي تجعل الإنسان 
محور الكون , وقد غلب هذا المعنى علي المذهب الإنساني منذ القرن السادس عشر 
وكان المفكرون من امثال ديكارت واسبينوزا في جوهرهم من أنصار المذهب 
الإنساني , وان كانوا قد اضطروا في محاولتهم حل مشكلة الواقع إلى التسليم 
بوجود عقل مدبر أو قوة مقدسة اسمى من الإنسان » وفريق آخر اعترف بمقاومة 
الطبيعة البادية لسيطرة الإنسان . وقد أطلق اسم المذهب الإنسائي علي مدرسة 
فلسفية حديثة مثلها الفيلسوف شيلر ,»1انطء5 .3.0.5 المتوفي سنة 1551 وهو 
فيلسوف انجليزي الماني الاصل تلقى تعليمه في الجامعات الإنجليزية وقام بالقاء 
محاضرات في الجامعات الإنجليزية والجامعات الامريكية . ويقول الدكتور عثمان 
امين في كتابه عنه في سلسلة نوابغ الفكر الغربي( (قوام المذهب الإنساني عند 
شيلر ان يكون الإنسان علي بينة تامة ودراية واعية بالمشكلة الفلسفية التي تواجه 
كائنات بشرية تبذل غاية جهدها لتفهم عالم التجربة الانسانية » وزادها في ذلك 
أدوات الفكر البشري وملكاته). 
(")ان النزعة الانسانية تثق ثقة مطلقة بمناهل الإنسان وبمصيره . وهي ترى ان 
شعوره حافز يدفعه إلى غزو نفسه وتثقيف ذاته ليستغل امكاناته ويملك حقيقته وهو 
لا يتوانى عن انفاق أي جهد ضد نفسه وضد الآخرين في سبيل نجاح حياته . وعنده 
ان للطبيعة البشرية نمطا مرموقا يطمح إلى تحقيقه ليجعل الإنسان اكثر انسانية 
ويجلو بذلك عظمته الاصلية والاصلية وكأنه يود ان يكثف العالم في الإنسان ويوسع 
الإنسان إلى تخوم العالم ش 


477 


فالانسانية نزعة , تشير إلى موقف فلسفي يوجب علي الإنسان ان يتعلق بما 
هو حصرا انساني . والانسانية كما يقول (معجم) (لالاند) تدل علي تصور عام يشمل 
الحياة (السياسية والاقتصادية والاخلاقية) ويشيدها علي أساس الاعتقاد بان خلاص 
الإنسان يعتمد قواه الانسانية وحدها . وهي عقيدة تقابل المسيحية القائدة بان 
خلاص الإنسان يرجع إلى الايمان وحسب وهي تعارضها كل المعارضة . ومن 
دلالاتها أيضا أنها تعارض الطبيعة البهيمية بغايات الطبيعة الانسانية الخاصة متمثلة 
في الفنون والعلوم والاخلاق . 

وهنا يبدو تنافر المذاهب الفلسفية واختصام أصحابها في تصورهم الانسانية 
أو نمط هذا الإنسان الامثل المرموق . 

متن 1 : الاطار المرجعي للمفكر أو ايديولوجية صلاح قنصوه : 


هل يمكننا ان نضع ايدينا علي الاطار المرجعي لضلاح قنصوه , أو علي 
المصدر الفكري الذي يستمد منه (كل) صلاح قنصوه (الخبير بمركز الدراسات 
الاجتماعية؛ المتفلسف ., الاستطيقي ء الفنان » الناقد ... المفكر) كافة آرائه 
ونظراته وتوجهاته في الوصف والتفسير ؟ 
-بعد البحث المضني والتقصي الدقيق » سنجد ان صلاح قنصوه هو الذي ينقذنا 
من هذه الحيرة » ويقدم لنا الاجابة بنفسه عبر اشارة بسيطة وحاسمة في 
آن » لم ترد - رغم هذا الكم من كتاباته - سوي مرتين .. 
في كتابه الشهير (فلسفة العلم) يقول صلاح قنصوه في خاتمة مقدمته : 
(وقد اختط الكتاب طريقا خاصة لفلسفة العلم تجعل من العلم فاعلية انسانية.: 
ومؤسسة ثقافية أو اجتماعية لها نوعيتها الخاصة من حيث الهدف والاسلوب ٠‏ 
وتتميز بالمنهج الذي يدور معظم الكتاب حول تجلية كافة جوانبه . مهما يكن من 
تعدد التفاصيل والمصطلحات التي تشغل مساحة الكتاب ؛ إلا ان خطأ محوريا واحدا 
يجمعها ويضمها إلى اتجاه فلسفي محدد هو المذهب الإنساني الذي ينتمي اليه 
المؤلف ويسعى إلى تاييده في كتابات أخر ىٍ . ولا اهمية لهذا الاستطراد إلافي 
التوكيد بان فلسفة العلم يمكن ان تعالج بطرق شتى ولب جد فته متعددة تر 
ان يكون ما نتحدث عنه » وهو العلم الراهن » هو نفسه دون تشويه أو تحريف . أي 


418 


بوصفه مادة أو موضوعا يدعونا إلى التفلسف حوله., وابراز متضمناته التي تهمنا 
جميعا علي قدم المساواة ) .') ش 

. هاما المرة الثانية » فتاتي أيضا في نهاية مقدمة صلاح قنصوه لكتابة الرائع 
عن (نظرية القيم في الفكر المعاصر) حيث يقول : 

(والكتاب لا يقنع بعرض مختلف وجهات النظر إلاريثما يكشف عن الطابع 
الاشكالي للقيمة » ويوضح جوانبها وعناصرها ؛ لكي يمضي بعدنذ إلى اقتراح وضع 
جديد لمشكلة القيمة يفتح الطريق لها امام حل لمسائلها من منظور_انساني شامل ٠‏ 
بستوعب كافة الجوانب ويرتفع بها ويتجاوزها إلى تصور مركب . ولا يجعل هذا 
التصور من القيمة مجرد جانب من جوانب النشاط الإنساني , أو خصيصة من بين 
خصائص أخرى ء بل يجعل منها طابع وجود الإنسان . واسلوب فاعليته معا . 

الكتاب فى نهاية الأمر ان يؤكد هذا التصور عندما بطبة الدين والفن 
والفلسفة والعلم. وعلي اية حال » فهذا الكتاب » مثشل كتب أخرى للمؤلف ٠‏ يتقدم 
بدعوة للحوار حول قضية ليس في وسعنا ان نفلت من مواجهتها سواء في الفكر أو 
السلوك) .©) 

هكذا يأخذ صلاح قنصوره بيدنا ويوضح لنا انه ينتمي إلى المذهب الإنساني ٠‏ 
ويعالج المشكلات من منظور انساني شامل » يعمل علي تكريسه وتأكيده عندما 
يطبقه في مجالات الدين والفن والفلسفة والعلم . 

فهل تنتهي حيرتنا هاهنا ؟ ') 

حاشية 11 : المفكر .. مثقفا : 

لقد شغلت قضية دور الفكر في دفع عملية التطور السياسي والاجتماعي 
اذهان الفلاسفة والباحثين منذ امد بعيد » ورغم اختلاف اولنك الباحثين في وجهة 
نظرهم حول شكل الدور الذي يمارسه رجال الفكر . هل يتمثل في المشاركة الفعلية 
في الممارسة السياسية والاجتماعية , أم يقتصر علي توجيه النقد للمجتمع 
وللقائمين علي السلطة . ام أن ذلك الدور يقوم من جهة أخرى علي تقديم تصورات 
أيديولوجية للوجود السياسي , أم ممارسة تأثير عام علي السلطة والراي العام » 





479 


ورغم ذلك فان اولنك المحللين يكادون يتفقون علي فكرة أساسية وهي أن رجال 
الفكر يشكلون العنصر القائد في دفع التطور السياسي والاجتماعي . 

غنى عن القول بطبيعة الحال أن الاهتمام بموضوع دور المثقفين في التنمية 
السياسية والاجتماعية لا ينبع من دافع الفضول الفكري وانما يرجع بصفة أساسية 
إلى قيمته العلمية . وترجع الاهمية العلمية إلى حداثة الموضوع وجدته , حيث أن 
الدراسة العلمية للدور الاجتماعي للمثقفين يعتريها نقص كبير في علم السياسة 
بصفة عامة وفي مختلف الدراسات في الدول النامية بما في ذلك مصر بصفة خاصة 

وبهذا الصدد فقد لاحظ ميرتون أن المثقفين الذين يكرسون أنفسهم للعلوم 
الاجتماعية قد شغلوا أنفسهم ببحث سلوك الآخرين إلى حد انهم قد اهملوا إلى حد 
كبير دراسة مشاكلهم وموقفهم وسلوكهما!" , . 

وفيما يتعلق بالعالم العربي يقول الأستاذ سيد ياسين: لم تنل قضية المثقفين 
ما تستحقه من اهتمام في العالم الثالث بوجه عام وفي العالم العربي بوجه خاص 
بالرغم من أهمية الموضوع وشديد ارتباطه بمصيراتجاهات التنمية في هذه البلاد!*) 

قدرة المثقفين علي دفع التطور الاجتماعي تتأيد بان هناك مجموعة من 
الأسباب التي تحقق لرجال الفكر مثل هذه القدرة علي دفع التطور الاجتماعي » واهم 
تلك الأسباب الآتي : (1 ) القدرات الفكرية للمثقفين : أن المعرفة التي يمتلكها 
المثقفون, لم يعد ينظر إليها كمعرفة ذهنية فقط ولكنها ينظر إليها كاداة » وفي 
حقيقة الأمر ‏ كما يقول نسبت . فليس هناك شئ اكثر راديكالية من الافكار 0 , 
ويرجع هذا التأثير الحاسم للآفكار إلى قدرتها علي تشكيل مدركات وتصورات 
ووعي أفراد المجتمع وبالتالي تحديد مسار حركة ذلك المجتمع . 

(ب) طبيعة الرفض لدى المثقفين : يتسم المثقفون بصفة عامة بطبيعة 
الرفض لما هو قائم , الأمر الذي يشكل دافعا نحو التغيير » وقد اكد علي ذلك ماركوز 
بقوله " أن عملية الاحتجاج والرفض تعتبر شيئا في دمائهم . وبنفس المعنى يرى 
ريمون آرون أن الاتجاه نحو نقد النظام القائم يمثل المرض المهني للمثقفين ". . 

ويعد المثقفون إلي حد بعيد أكثر استجابة لقيم العقلانية والعدالة » والحقيقة 
من غيرهم من فنات المجتمع الأخرى''') كما يتجه المثقفون في غالب الأحيان 


430 


للإنتماء إلي الطبقة المتوسطة وهي الطبقة التي كانت على مر التاريخ اأكثر عناصر 
المجتمع دفاعا عن التنمية السياسية والاجتماعية )١".‏ 

ثالثا : مظاهر قدرة المثقفين على دفع التطور الاجتماعي », تتبدى قدرة 
المثقفين على دفع التطور الاجتماعي في مظاهر عدة يمكن إيجازها فيما يلي من 
النقاط : ١(‏ ) أزمة المجتمع كتعبير عن أزمة فكرية : تتضح مدى اهمية دور الفكر 
في دفع التطورات الاجتماعية وتشكيل مسار حركة المجتمع نحو ما هو افضل من 
أن المجتمع يصاب بحالة من الأزمة إذا ما تقاعس الفكر أو عجز عن القيام بوظيفته 
المطلوبة . 

وبهذا المعنى يقول العروى » وأياما كانت الأهمية التي نعطيها لأزمة 
الانتلجنتسيا العربية فلن تستحق ما نالته من اهتمام إذا لم ترمز إلي أزمة المجتمع 
في جملته وتميط اللثام عنها. ؟") 

ويتفق هشام شرابي مع ذلك التحليل حيث يرى أن أزمات المجتمع تكشف 
عن نفسها بشكل أكثر وضوحا ؛ في نواحيها الثقافية والنفسية في نطاق تلك الفئة 
من المجتمع العربي التي نطلق عليها تعبير النخبة المثقفة ©') 

(ب) قدرة المثقفين على مواجهة الأزمات : لقد اتضح على مر التاريخ ان 
المثقفين يبرزون في اوقات الأزمات وذلك في شورة أو في حركة جماهيرية » 
فالمثقفون يزدهرون حينما تقاسي مجتمعاتهم من ازمة معينة » وحينما يكون هناك 
شئ معين وعظيم في حالة خطر . والمثقفون يبرزون على مسرح الأحداث حينما 
تكون البلاد في حاجة لإصلاحات وفي حاجة لتاصيل إدراكي لمفهوم القومية .7') 

ولعل تلك القدرات التي يتمتع بها المثقفون هي التي دعت مانهايم إلي أن 
ينظر إلي النخبة المثقفة على أنها النخبة الملائمة لامتلاك المواقع الرئيسية في 
المجتمع الذي ينادي به وهو المجتمع الديمقراطي المخطط 20 , وانطلاقا من تلك 
الأهمية يرى ألا تاس أنه دون مجتمع مثقف فإنه من غير المجدى أن نأمل في قيام 
اختيار ذكي وواع لحلول المشاكل التي تواجه » المجتمعات النامية 9" . 
التطور الحقيقي للمنطقة لابد وان ينبع من هذه الطبقة المثقفة *'' 'وفيما يتعلق 


451 


بمصر بصفة خاصة أكد شارلز عيساوى أن وجود ونمو النخبة المثقفة يمثل واحدا 
من أفضل آمال مصر بالنسبة للمستقبل ؟') 
أما تشومسكي على الرغم من .أنه يشير إلى أكثر من محدد لقوة المثقف إلا 

أنه يركز بصفة اساسية علىالموارد البشرية » وعلى ذلك يؤكد أن هناك عدة 
أساليب يستطيع المثققف عن طريقها القيام بالتغيير » فهو قد يحاول لإضفاء صبغة 
إنسانية على السلطات القائمة » أو فد يحاول المساهمة في تشكيل حزب سياسي 
إصلاحي جديد , يعمل في إطار الممارسات السياسية التقليدية , كما أنه يستطيع 
محاولة الارتباط بالجماهير وذلك للمساعدة على خلق حركة جماهيرية تلتزم بتغيير 
اجتماعي أكثر راديكالية » كما يستطيع أن يعمل بصفته الفردية على مقاومة 
المطالب التي تطلب منه أو الإغراءات التي تعرض عليه من جانب المجتمع الذي 
يقدم له مزايا ووفرة اقتصادية إذا قبل القيود التي يضعها مجتمع رجال الأعمال 
والنخبة المثقفة الفنية المرتبطة به . وأخيرا فإنه يستطيع تنظيم مقاومة واسعة 
النطاق عن طريق النخبة المثقفة الفنية لمقاومة ذلك الحلم المروع الذي يساعدون 
على خلقه ولكي يجدوا سبلا يمكن عن طريقها وضع مهاراتهم في توظيف اجتماعي 
بناء » وربما يكون ذلك بالتعاون مع حركة شعبية معينة تسعى إلي إيجاد تنظيمات 
اجتماعية جديدة . :') 

إن مصدر القوة الأولى للمثقفين كما يرى جولدنر هو رأسمالهم الثقافي 

وما يعنينا هنا تحديدا -- لأهميته - هو الوظيفة النقدية . 

أولا: أهمية المثقف في أداء وظيفة النقد : يتمثل أحد الأدوار الاجتماعية 
الأساسية للمثقفين في دورهم كناقدين ؛ وفي أنهم ضمير المجتمع؛ ولا يحتاج الكثير 
من المثقفين إلي النظرة الموضوعية لإقناعهم بالتنافر طويل المدى بين السلطة 
والفكر ٠‏ فهم ينظرون لأنفسهم منذ البداية على أنهم حاملون لوعي وضمير 
المجتمع » وعلى استعداد دائم ٠‏ إذا اقتضت الحاجة لأن ينزلوا إلي مسرح الأحداث 
السياسية ليقاتلوا ضد أولنك الذين يسيطرون على السلطة ”7) وبهذا الصدد يرى 
تشيرشوارد أن إحدى وظائف المثقفين تتمثل في تنظيم الخبرة الاجتماعية عن 
طريق توجيه النقد إلي السياسة . والنقد الاجتماعيء كما يطلق على المثقفين وصف 
المعارضة الدائمة في المجتمع . 


052 


وفي نفس الاتجاه يشير هوفر إلي ان العداء بين المثقف والسلطات القائمة 
يخدم هدفا اكثر أهمية من تقدم الجماهير فهو يحفظ النظام الاجتماعي من الركود » 
والدليل على ذلك يتضح في أنه في المجتمع الذي يتحالف المثقفون فيه بقوة مع 
الطبقة الحاكمة يكون هذا المجتمع قادرا على البدء , بداية متألقة ولكنه لايكون 
قادرا على النمو والتطور المستمر . وغالبا ما يحقق هذا المجتمع درجات عالية من 
التفوق في بداية مساره ثم يتوقف بعد ذلك , فيكون تاريخ هذا المجتمع في أساسه 
سجلا من الركود والاضمحلال ٠‏ ومن ناحية أخرى فإن الخطوة الأولى , تجاه يقظة 
المجتمع الراكد هو غربة القلة المثقفة عن الحكومة القائمة . الأمر الذي عادة ما 
ينجم عن تغلغل مؤثر خارجي معين 7 ويتضمن الاغتراب عدم الرضا عن 
الأوضاع القائمة وانتقاد المؤسسات القائمة في المجتمع وقيم وأعراف وسلوك 
واتجاهات وتقاليد ذلك المجتمع 7" . 

وفيما يتعلق بمثقفي الدول النامية » فطالما انهم ليسوا في السلطة فإنهم 
يميلون إلي الاتجاه السياسي المضاد أو المعارض . ويهذا الصدد كتب العقاد مقالا 
بعنوان الوزارة والنقد» ينحى فيه باللائمة على أولنك الذين يعترضون عليه لنقده 
الوزارة النسيمية » ويقول: وليس له سابقة في نظام الوزارات والأحزاب - بينن 
المؤيدين ولا المعارضين '". 1 

ثانيا: درجات النقد : يأخذ النقد درجات مختلفة من الشدة يمكن التعبير عنها 
في خط متواتر بدءا من الرفض الكلي للنظام وهو ما يمثل الدرجة القصوى من النقد 
إلي مجرد التعبير عن الاتجاه اليساري وهو ما يمثل الدرجة الدنيا للنقد :- 

ثالثا: شكل النقد : قد يأخذ النقد شكلا صريحا ولكنه قد بلجا إلي التخفي 
والغموض كما يحدث أن يلجأ الأدب في ظل العسف السياسي إلي ما يعرف باسم 
أدب التقية . أو أدب التخفي وراء الأساطير أو إعادة صياغة الأدب الشعبي 
المتوارث ليعكس فيه كل إسقاطاته السياسية التي يعاصرها . ليهرب وراءها من كل 
عسف وليقول من خلالها رأيه ')؛ وفي الدول العربية قادت الرقابة الكثيرين من 
المثقفين لأن يبحثوا عن مجالات غامضة من الأدب القصصي والشعر . أكثر من 
المخاطرة بالمعارضة السياسية الصريحة 


003 


وفيما يتعلق بالفترة الليبرالية في مصر , ف هناك اتفاق بين الباحثين 
والدارسين على أن المثقفين المصريين قد لعبوا قبل الثورة دورا نقديا بارز"", 
وقد كان مفهوم طه حسين لمهمته في الصحافة المصرية هو أن العلماء والمفكرين 
هم الذين يحققون التوازن بين الساسة حين يختلفون ٠‏ ويقضون بينهم فيما 
يضطرون إليه من الاختلاف'' , كما كان عزيز فهمي مع الدكدّور محمد مندور 
أصحاب أعنف الأقلام ضد الحكومة يكتبون يوميا في صحيفة "الوفد المصري" 
أكثر الصحف الوفدية تقدما وثورية » وقد تم تقديم ذلك النقد في شكلية الصريح 
والخفي أما فيما يتعلق بدرجته فإن الظاهر أن الإثارة السياسية كانت توجه للحكومة 
دون أن تتخطاها إلي الدعائم السياسية للنظام كله الذي يقف الملك على قمته . 

١.رابعا‏ : الجوانب الإيجابية للنقد : يسفر النقد عن عديد من الجوائب 
الإيجابية تؤدي محصلتها النهائية إلي التوصل إلي درجة أقرب من الحقيقة وإلي 
مزيد من التطور بالنسبة للمجتمع . وانطلاقا من هذه الأهمية فقد أكدت إحدى 
الدراسات على " أن ما يحتاج العرب إليه هو توجيه النقد لأنفسهم وإنطلاقا من هذا 
النقد الذاتي فإنهم سوف يكتشفون أخطا مجتمعهم ويقومون بإصلاحها. 

ومن جهة أخرى فإن النقد الذي يوجهه المثقفون يختلف في طبيعة وفي 
دلالاته عن النقد الذي توجهه المعارضة المؤسسية » فالنقد الذي يوجهه المثقفون 
لايهدف إلي الحصول على السلطة السياسية لكي يحكم المجتمع ولكن يشير القلق 
في المجتمع من اجل إحداث تغييرات في مؤسسات الدولة المعوقة للتغيير » ولكي 
يكشف مساوئ استخدام السلطة . ولهذا فإن النقد الذي يوجهه المثقف يمثل نوعا 
من الإثارة أو حتى رفضا وإنكارا ومن المسموح له أن يكون متحيزا(*"؛ وهذا 
التغير في العلاقات بين المثقفين والطبقة الحاكمة قد مثل عنصرا أصيلا في كل 
النهضات التي قامت عبر التاريخ!'') 

وتعطيل القوى الناقدة في أمة من الأمم يعني حرمانها من الموجب الذي 
يخصب السالب دائما ليتولد الغد الجديد » وإجهاض الحياة بهذه الطريقة لا يعني إلا 
توقفها وإلا عفنهاء إذ أن ما تنتجه من أجيال جديدة إنما يمثل العقم » ولا يحمل من 
الحياة إلا معنى استمرارها ء أما التطور وأما العقل الحضاري وأما الوجود الإنساني 
بمعناه ٠‏ الحق فقد تخلت عنه الحياة حين تخلت عن النقد ". 


484 


خامسا : الشروط الصحية للتقد : لااشك أن النقد كأي ظاهرة من الظواهر لله 
شروط تضمن صحته وصلاحيته » ولكن أهم شرط يعتبر مطلوبا للناقد الأمين هو 
وجوب ان يكون بطريقة أو باخرى منفصلا عن العالم الذي ينتقده ٠‏ فهو يجب أن 
يكون مستقلا وحراء فمهمة المثقف يجب أن تكون هي انتقاد المجتمع بالمعنى الأكثر 
عمومية , وأن قيمة انتقاداته من المفترض أنها تعتمد على درجة تجرده عن مسرح 
الأحداث الجارية لذاتها ودون أي إضافات أو تعبيرات زائفة )"١‏ 

متن 11 : رؤية صلاح قنصوه للعلم والفلسفة : 

يتضح مفهوم قنصوه للعلم والفلسفة بجلاء من خلال مفهومه لفلسفة العلم 
من جهة: ونقده للوضعية المنطقية من جهة أخرى .. 

الكتابات في فلسفة العلوم في وطننا العربي متعددة ترسم لنا حدود فلسفة 
العلوم بصفة عامة ١‏ وتحدد التعريفات والمفاهيم وتشير إلى ما يقوم به الباحث في 
فلسفة العلم ٠‏ وتصميم خطوات المنهج العلمي وتقسيم موضوعات هذا المنهج إلى 
تقليدي ومعاصر . وتجمع هذه الكتابات علي الأخذ بمفاهيم محددة ومتقاربة عن 
فلسفة العلم . يذكر زكي نجيب محمود في المنطق الوضعي أن فلسفة العلم تتناول 
قضايا العلم بالتحليل المنطقي")؛ وهي بذلك تخدم العلوم بتوضيح قضاياها". 
وقد ذهب صلاح قنصوه إلى مفهوم مختلف. فقرر ما نصه: (تكاد فلسفة العلم أن 
تكون مرادفا للتحليل المنطقي لقضايا العلم)'" ؛ ثم يوضح في فقرة أخرى بيان ما 
يعنيه بهذا المفهوم قائلا (ففلسفة العلم ليست ممارسة للعلم » بل هي حديث فلسفي 
عن العلم » أي أنها لا تقدم معارف علمية » بل تتفلسف حول تلك المعارف » وحول 
المناهج التي توصلت إليها)!”. وبخصوص الوضعية يقول فؤاد زكريا في تقديمه 
لاحد كتب هانز ريشنباخ (طءهطمعطء221 5م1851()212 -557١)انه‏ ظهر (في 
وقت شغلت فيه المعركة الدائرة بين انصار هذا المذهب (الوضعية المحدئة) 
وخصومه صفحات غير قليلة من مجلاتنا الثقافية؛ بل من جرائدنا اليومية 
احيانا)' '" . 

تبين مما اسلفناه ‏ أن الوضعية المحدثة اثارت اهتمام الكتاب عندنا » وقد 
اثرت في البعض منهم وفرضت نفسها في المناخ الفلسفي العربي . والسؤال الآن:: 
لماذا اهتم المشتغلون بالفلسفة من العرب بهذا التيار ؟ وقد أدى إلى الاهتمام 


405 


بالوضعية اعتقاد بعض المشتغلين بالفلسفة في عالمنا أنها اقرب الفلسفات إلى العلم 
الذي يمثل روح العصر ء أو أنها فلسفة العلم أو فلسفة علمية أو ذات نزعة علمية . 

هذا الوصف للوضعية المحدثة نجده لدى بعض الباحثين في الفلسفة . يقول 
فؤاد زكريا : (أن حضارتنا في هذا العصر علمية قبل كل شئ) » (انه عصر تسيطر 
عليه النزعة التجريبية » وتعتبر عن روحه تلك الفلسفات التي ترد كل شئ إلى ما 
يمكن ملاحظته . أو تحقيقه بالتجربة . ومن هنا كانت الوضعية المنطقية معبرة عن 
شئ اساسي في حياة الإنسان الحديث)"2. اما صلاح قنصوه فيقول في معرض 
كلامه عن أنصار الوضعية المنطقية انهم (اعلى فلاسفة العلم صوتا وافرهم نتاجا » 
وهو مايغري البعض بالتوحيد بين فلسفة العلم كفرع من فروع الفلسفة » وبين 
طريقة المناطقة الوضعيين في تناول مسائلها » وكأن الامرين شئ واحد)*" . 

يعرف قنصوه الفلسفة علي نحو لا يتفق أبدا مع فهم الوضعية المنطقية لها . 
فهي (نظرة كلية ومنهج للحياة) . أنها (نظرة شاملة تحيط بكل جوانب النشاط 
الإنساني فكرا وسلوكا) . وبناء علي ذلك . فان قضايا الفلسفة (قد تصدر عن 
التأملء أو التحليل .ء أو الحدس ., أو الامستدلال » وتتاسس علي التجربة 
والشمول)2"" . 

هنا يبدو بوضوح أن فلسفة قنصوه تختلف كليا عن الوضعية المنطقية ٠‏ 
الأمر الذي يفسر انتقاداته لها . بادئ ذي بدء ينقد التحليل المنطقي مؤكدا أن هذه 
المهمة التي تحفظ مشروعية البقاء للفلسفة » من وجهة نظر الوضعيين المناطقة ٠‏ 
ضيقة أو ضنئيلة . اكثر من ذلك ؛ فان الفلسفة الوضعية المنطقية تقف عند اقدام 
العلم بنتانجه الراهنة لكي تتسقط قضاياه بالتحليل » بيئما الفلسفة , كما يفهمها 
قنصوه . (تتجاوز تلك العلاقة القائمة علي التبعية)('2 . يضاف إلى ذلك انه من 
غير الممكن أن تنتظر الفلسفة حتى تتقدم لها العلوم (بثمراتها التي نضجبت » 
وفروضها التي تحققت . وهي بلاريب امور جوهرية في صوغ النظرة 
الفلسفية)!'' , 

والجدير بالذكر أن قنصوه يؤكد أهمية أن تنطوي فلسفة العلم علي التحليل 
المنطقي» وذلك لانه (مجال أساسي وله أهميته البارزة في ايضاح مفهومات العلم 
وخطوات منهجه)7 ". إلا انه يرفض أن تقتصر فلسفة العلم علي التحليل المنطقي . 


456 


وهنا يؤكد أن مما يتسق مع الوضعية المنطقية أن يجعل زكي نجيب محمود الفلسفة 
باسرها وليس فلسفة العلم فحسب » تحليلا منطقيا . ومع انه لاا يقر قصر الفلسفة 
علي التحليل المنطقي ويرفض احالة فلسفة العلم إلى التحليل المنطقي , إلا انه يشيد 
بأهمية المنطق مؤكدا انه (اداة مهمة في فلسفة العلم » كما.هو كذلك في اية مياحث 
فلسفية أخرى . ولكنه لا يكفي وحده لمعالجة فلسفة العلم في غيبة الالمام بعلوم 
الطبيعة والإنسان والافتقار إلى منظور فلسفي شامل)2) . شم ينهي قنصوه نقّده 
للوضعية المنطقية بالتاكيد أنها تتضمن نوعا من الميتافيزيقا والقيم. 

"- الإنسان : فردا ومواطنا : 

لااجدال في أن الوطن يعيش الآن أزمة طاحنة .. اقتصاديا , واجتماعيا , 
وسياسياء ومن ثم اخلاقيا .. ينبغي أولا تحديد ابعاد هذه الازمة ومعرفة اسبابها .. 
وذلك بوضع هذه الأزمة تحت منظار التحليل الدقيق والعميق »من خلال رؤية 
بانورامية مستوعبة وشاملة ٠‏ من اجل محاولة التوصل للحل .. 

صلاح قنصوه .. المفكر » المثقف . الناقد » قام بهذه المحاولة .. حول هذه 

الازمة؛ تحديدهاء وحلهاء دار حوار اكثر من رائع » ادارة بحنكة الأستاذ سعد وهيبه 
علي صحفات جريدة (العربي) الناصرية؛ وجاءت زبدة هذا الحوار - كما سنحاول 
ايجازها - علي النحو التالي: 

ماذا يحدث للمجتمع المصري وماذ جرى للشخصية المصرية ؟! وماذا يعد 
انسحاب القيم الاخلاقية والروحية من المجتمع واحلال القيم المادية وتعظيم شأنها؟! 
ماذا بعد انحسار (الحراك الاجتماعي) وغياب شروطه . بغياب العدل الاجتماعي.. 
ماذا بعد أن تحول الحراك الاجتماعي إلى صراع اجتماعي » وماذا بعد أن صار 
المجتمع (حلبة ملاكمة) ؟! 

ما الذي جري للشخصية المصرية . ولماذا اصيب الناس باللامبالاة . وفي 
قول آخر (بالاكتتاب العام) وهو ما اكده طبيب نفسي كبير » لماذا رفع الناس شعار 
(كبر دماغك) ولماذا اعطي المواطن ظهره للحكومة » والشان العام ؟ لماذا تراجع 
الانتماء » وانتشر العنف والجريمة في الشارع المصري ؟! لماذا يفشل (العمل 
الجماعي) ٠‏ ولماذا تفشل الجماعات .. وينجح العمل الفردي ؟ 


437 


كل هذا التغير الذي طرأ علي المجتمع مسئولية من ؟! هل هي مسنولية 
سياسية ؛ أم مسئولية مؤسسات اجتماعية وتربوية ؟! 

يقول الدكتور قنصوه : حين نتحدث عن ظواهر اجتماعية » فهي مسئولية 
سياسية. أو ذات علاقة بالسياسة وكل ما طرح من اسنئلة له علاقة مباشرة 


.- 


بالسياسة . 

تعال نآخذ بعض الظواهر ونفحصها بموضوعية , لاستجلاء دلالاتها 
واسبابها .. وسوف تجد في نهاية الأمر , الأسباب واحدة » وتصب في خانة واحدة 
وان تعددت الظواهر!. ش 

ظاهرة عدم الانتماء .. الحكومة مشغولة بها » ووسائل الاغلام الحكومية 
تطرحها بالحاح ممل . بطريقة الخطب والمواعظ ! . 

ومشكلة هذه الظواهر أن الحكومة تطالب الشباب بالانتماء دون أن توفر له 
شروط الانتماء واسبابه ! . 

المواطن منزوع الحقوق السياسية » فكيف يقوم بواجباته , والعقد 
الاجتماعي هو حقوق في مقابل واجبات ! . المواطن محروم من حرية وحق 
التعبيرء المواطن مستبعد تماما من إدارة بلده » مستبعد من اختيار حكومته » 
المواطن لا يسمع أو يقرأ في وسائل الاعلام الحكومية إلا صوت الحكومة . 

أن السياسة محظورة تماما في الجامعة شأنها شأن المخدرات بينما ممارسة 
العمل السياسي هي حق اصيل لطالب الجامعة الذي هو مشروع مواطن بالمفهوم 
الحقيقي للكلمة. 

أن النشاط السياسي في الجامعة حلقة رئيسية من حلقات النمو والبناء 
لشخصية المواطن الصالح الايجابي الفاعل لكننا كسرنا هذه الحلقة فترتب عليها أن 
خرجت أجيال من الشباب المبتسر ناقص النمو يحتاج إلى حضانة !. 

أن الطلبة كانوا دائما هم وقود الحركة الوطنية علي مر التاريخ » هم الذين 
خرجوا في مظاهرات ثورة ١4‏ ومظاهرات 5" , وهم الذين سقطوا ضحايا هم الذين 
منحوا الحركات الوطنية حيوية واعطوا المجتمع نشاطا وقد كانوا دائما وقود 


458 


الثورات فكيف اكمم افواههم , وامنعهم من التعبير عن ارادتهم واحظر عليهم 
المشاركة في الحوار وصناعة القرار . وفي نفس الوقت اطالبهم بالانتماء 
والمشاركة في الانتخابات التشريعية والاستفتاءات الرئاسية ؟! . 

كيف اقول له : انت لست جديرا بان تكون مواطنا ثم ادعوه للانتماع.ء 
والمشاركة في بناء الوطن ؟! .. وطن من ؟! هذا هو السؤال الذي يطرحه في عقنه 
الباطن ولا شعوره وعقله الواعي . أن مهمة رؤساء الجامعات وعمداء الكليات هي 
منع الطلبة من النشاط السياسي ٠‏ أن إلغاء انتخابات عمادة الكليات جاء لهذا السبب. 
مهمتهم الرئيسية هي اخصاء الطلبة ومنعهم تماما من ممارسة حقوقهم السياسية _ 

ماذا تنتظر من طلبة الجامعة . وهم صفوة شباب المجتمع » وقد حرمتهم من 
ممارسة النشاط الرئيسي في الحياة وحقهم الطبيعي في التعبير عن ارادتهم ؟! مادا 
تنتظر إلا كلمات من قبل: كبر دماغك؛ وانا مالي » وهي بلدنا .. دي بلد الحكومة؟!. 

طبيعي في هذه الحالة أن يعطي المواطن ظهره للحكومة ! 

لماذا يحترم المواطنون في الدول الغربية القانون , ولماذا يتحايل المصريون 
علي القانون ؟! . السبب أن المواطن في المجتمعات الغربية الديمقراطية يشارك فسي 
وضع القوانين والتشريعات من خلال ممثلية الحقيقيين . وليس المزورين . فلمادًَا 
يتحايل علي القانون الذي وضعه ؟! . 

أما المواطن المصري إفإن القوانين تهبط عليه من أعلى فهو لم يشارك قفي 
آليات صناعة القانون ولم يستفت عليه ولم يشارك في احتيار واضعيه لذا يتحايل 
على القانون كلما أتيحت له الفرصة » وهو لا يفعل ذلك لمجرد الرغبة في التحايل 
على القانون أو بسبب سوء الأدب » وإنما كنوع من المعارضة والرفض 
والاعتراض ورد العداون عليه » فأنت قد تجاهلت المواطن وأهنته . والمواطن يرد 
هذا العدوان بتأكيد أهميته وأحقيته » إنه يرفض ويقاوم ويتحايل على نظام فرص 
عليه من اعلى . 

لهذا فعندما تكون هناك حياة ديمقراطية حقيقة . وحين يختار المواطن 
حكومته ونوابه في البرلمان » وحين تكون هناك احزاب حقيقية . ويتم تداول 
السلطة لن يتحايل المواطن علي القانون ولسوف تختفي كل الظواهر السلبية وعدم 


459 


الانتماء واللامبالاة والعشفء والنهب المنظم. والابتذال والقبح علي المستويات 
كافة!. 

أن المقدمات المنطقية تؤدي إلى نتائج منطقية هذا يحدث في كل الدنيا إلا في 
بلدنا .. فمن الممكن أن تكون متميزا في عملك موهوبا . ووفقا لهذه المقدمات 
مفروض أن تصل لمنصب ما . انت تمشي في طريق سعيا للوصول إلى هدف لكنك 
تجد من وصل قبلك دون أن يستخدم هذا الطريق المشروع . 

المسألة صارت علاقات واتصالات وجسور وكباري .. وليست معايير كفاءة . 
لقد صارت العلاقات والاتصالات والواسطة هي معايير قوتك وعنوان كفاءتك . 

وبالتداعي واحكام الضرورة يندفع الناس إلى صراع غير شريف ويلجاون 
للضرب تحت الاحزمة واستخدام الوسائل الرخيصة والبذيئنة للوصول إلى 
المناصب... استخدام قانون فرض عليهم . عنوان كفاءتك هي قدرتك علي النفاق 
والتملق أن بذاءة الخلق وانحطاط السلوك تدفع بصاحبها احيانا لتقلد المناصب العليا 
في مصر . 

لا يمكن الكلام عن الانتماء بالمواعظ والحكم بينما معايير الترقي غائبة 
ومنفلته , لاايمكن الكلام عن انتماء بينما الحصول علي الفرص لايتم من خلال 
معيار الكفاءة والجودةء وائما من خلال الواسطة , والمؤامرة » وتقارير المباحث . 

كيف اشعر كمواطن بالانتماء .. وهناك من خطف فرصتي واغتصب جقي . 

. الشعور بالانتماء عبء نفسي قاسي . 

لاحظت أن معظم الجرائم التي تنشر في الصحف تنتهي بعبارة واحدة في 
تبرير أسباب الجريمة (كان يمر بضائقة مادية) . أنها جرائم مادية نتيجة تعظيم 
المادة وانسحاب القيم الاخلاقية والروحية ١‏ المادة صارت القياس الأساسي وعيار 
كل شئ ٠‏ صارت القيمة العليا في مقابل قيم الوطنية والابوة ْ 

والحل أن نكون دولة راسمالية وطنية حقيقية » بمعنى أن تكون هناك تعددية 
حقيقية غير وهمية , وتداول السلطة وحياة ديمقراطية سليمة حقيقية غير وهمية 


0ظ4 


وقتها سيكون هناك مشروع وكتالوج ينظم حياة المجتمع وعلاقاته وقواعند 
استخدام امكاناته المتاحة . 

عندما يستطيع المواطن أن يسقط الحكومة ويأتي بحكومة جديدة سوف 
ينصلح حال المجتمع في كل الاتجاهات ويتحول الصراع في حراك صحي سليم . 

أن الراسمالية الوطنية هي التي جاءت بالديمقراطية ولكن هذه الراسمالية 
يجب أنت تكفل لها عوامل الأمان . 

خاتمة 

قد يكون الدارسون عندنا كثيرين اما المفكرون فأمر نادر تماما ... فعلي كثرة 
ما تقلب وتفتش في فكرنا الحديث فلن تعثر إلا علي (دارسين) . وافضل هؤلاء 
الدارسين هم الذين ينحون منحى المسح الاستعراضي للموضوعات التي يتناولونها 
فيجمعون النصوص والمعلومات التي سبق نشرها ثم يقومون بتحليلها ومناقشتها , 
وقد يستخلصون لهم من كل ذلك رايا يتمسكون به ويدافعون عنه . هذا هو الحال 
لدى افضل الدارسين عندنا ؛ اما أن تجد المفكر الواثق من نفسه والذي هضم ما 
سبق من آراء وتراث في موضوعه وتامل كل ذلك فترة من الزمن شم اعاد لنا ذلك 
كله وانبته نابتا جديدا في صورة متميزة خاصة به فيها اضافة جديدة من روحه بعد 
سيطرته علي لب المسائل واصولها ون أن يكون قدتاه في التفصيلات والتفريعات 
غير المهمة فأمر نادر تماما في تاريخنا الحديث . 

ومن هذه القلة النادرة المفكرة التي راضت نفسها علي هذا النوع من التفكير 
والنبات الثقافة والتراث العربي انباتا جديدا في فكرنا العربي الحديث الدكتور صلاح 
قنصوه 

وبعد لقد أخذنا بعض نتائج زرعه » وثمرات فكرة .. فهل اجدنا الحصد ؟ 

ياايها الأستاذ .. السوسيولوجي .. الفيلسوف .. المنطقي .. الاخلاقي .. 
العالم.. الناقد .. المناضل .. المفكر .. يا ايها الإنسان - كم انت انسان . 

المراجع العربية 
[1] يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الحديئة. دار المعارف ء القاهرة 


["] ارفلد كولبه :المدحل إلي الفلسفة ‏ ترحمة الدكتور أبو العلا عفيفي 


401 


[؟] الدكتور عثمان أمين : شيلر » دار المعارف » القاهرة. 
[غ] حامد ربيع (د.) » الثقافة العربية بين الغزو الصهيون وإرادة التكامل القرمي » القاهرة , 215م8١1.‏ 
[] عبد الله العروي (د.) أزمة المثقفين العرب » الموسسة العربية للدراسات والنشر ؛ بوروت : 18104. 
[1] غالي شكري (د.) النهضة والسقوط في الفكر المصري الحديث دار الطليعة , بيروت ٠‏ ؟948١.‏ 
7] فاروق خورشيد » هموم كاتب العصر ؛ دار الشروق » بيروت »ء القاهرة » .1941١‏ 
[4] محمد برادة (د.) محمد مندور وتنظير النقد العربي ؛ دار الآداب , بيروت 19178. 
[1]14 2 محمد ضياء الدين الريس الدستور والاستقلال والثورة الوطنية 1818 القاهرة » 1178. 
]٠١[‏ حريدة العري , العدد 457 بتاريخ ا 
المراجع الأجنبية 
(لالقمصره© صةالتصعة!) .دععمعاع5 لوأعه5 عطاأه وألعهمماءرإعودط 
.(5008ماآ .مقزمء 4 هذا لتسعقم) رلإلأم0كه!ثتام ,1700 01 لوماواط هج ,رعدزل7ه110 10مة1] 
.(م010) عل لاع016) ,813325 01[) عن 0م 136 01 ذأولىك عط روع)08© .8.ل 
عأو لا بجع ل7 (ملعوعطء11آ يل اهمزع 1). .11320 معاذء؟ ]0 لإرز)وعل 16 رعع5)3 .[./1آ 
.(لإمقصطره© 2 5أة/1ا) ,لمو5قع2رلا ]0 أكقع) عط مم11 رماعء11 
.امه80 مقعنتاء) .0:10/لا المعاعمة ع8 )0 لزعمعءا عط رطوءن8 ع1 .11/0 
(لإمقعطئنآ ومععلصاطا) .؟12835]2 ذاه ذتلط مدلل بومكترعطها لأقطاطء2م 
.(عمق مقطاقه10) .غ5 مانا 2 ولأامقع84 ررععالد/ةا لاعموء1آ1 
,19 ,لإلتفمطمء علممط 1[ز1آ - ورعء14 ,وون)قء )502 أقاعم: ,اوعد رموط راعوعء8 
,2 70 دعق 


.8 .وععومع6. :زعو أةا8 ,أوعموم - (0) 
. 544-577 .2.2 :للملا امعاعمم عط كه بإعدوع .ا ع1 


'' - شيلر صفحة (44) 

(1) فلسفة العلم : ١‏ 15487 ء دار التنوير -- بيروت 2 ص ص 05 - 7 

''' نظرية القيم في الفكر المعاصر ء 7 ١484‏ » دار التنوية - بيروت » صلم ش 

راحع خخائمة الحاشية [ ؛ وانظر : موسوعة لالاند الفلسفية » تعريب د. خليل احمد خليل ؛ ط11 1١9557‏ 6. 
منشورات عويدات - بيروت . الجلد الثاني ص 55ه - الام 

- ارملا بناء[7 رو5ع]م 2866 عطا ,تناع نانا5 أقأع50 لقة لم12 أذزعن5 بأرعط10] ,لزمعرءع84 
.6 .2 ,1968 


492 


سا دا ليد ا لص الس لد 


د 


- السيد ياسين ء المنشف العربي ناقدا ومبررا و متفرحاء ابحاث الندوة الدولية ؛ المتقفون والتغيير الاحتماعي في العا لم العربي » 
مطبعة حامعة عين شمس ء القاهرة » ديسمير 1519 ءاص 7/6 . 

''' - ضما بمتتقمع ماع1ط! ممسعمل عأجرمعل3دء2 )01 صونغول م رعوعل عط بترعطمظ باأعطذ أل 
2.0 ,1971 

- 1972 عط مهة كع تا تامهم ركه أ لمع20ع3 ,لأانقل2 كناه لزعو رأعومأ! مه أأمق عع ,1200 


,1973 ,لماع متطكةه ,طاءعدعوعء بإعتامم علاطنام 105 عاناتاكمز عواءوعامظ موء معدم ,مملععاء 
6م 


- نصالا رعانا ممعاءعهق ملسا القتمعع!اعامز )مع , لمقطعنه ,مك0 5" 
9 .2 , 1963 بعاتملا بلعل ,5كأه500 ععم12مالا رعبجزر] ووء اع صم م[ دوذز ا أدساعف لاع ا5] 
الدع الدنا علهلا رقع اعاء50 هما ععمقك ص ععلعه أهع ل زامم ,.ط بعاناسد؟ , «ماعمعتولا 9 
9 و1968 ,لمعاو دعل ,817655 
- عبد الله العروي ( د.) أزمة المثقفين العرب » المؤسسة العربية للدراسات والنشر , بيروت ط1 19194 .ص ١6١‏ 

رع)01, هل “ أفقط 410016 عطا ها قأكامعع أ أاعنه! ع1 ؤو وزوز عل“ ,8 بز بزطوموط؟ 30 
2 .2 ,1963 , عأكولا بدعل! , كوع:م لمتتعطلى “ أكدظ 1410016 مرعلو14 6ط .ل لمق ته 
3 0 .08 ,ركقلة 7-81" 
عع 1اعبن عط مه[ عاتاع ع1 .خا مأمدظ مز "الاك عط زه عزمه عط> , مزه بوموعوط] 00 
1996 لقم بقاع ,وعدم ع26 عطا ,اط .تمقطعداظ8 بره طع)بط عط ددم 60غداكمقه1 ,51216 
66 2 
1123© ,00 ,135اه[ "2 

240 - حامد ريبع الثقافة العربية بين الغزو الصهيون وإرادة التكامل القرمي عدار المرفف العربي ء القاهرة , 48 , ص88١ ١١‏ 
008همآ ,رؤوعع2 تالومع ا أدنآ 01050 ,لاتنطصمع-1110 علخ أمووظ , وم امقط ,أسهود! 9ك 


.66 .م ,1965 
- عقق لاعت عط لقة 5اأقناعع |اعاض1 , عوط مهة ععله] روصل“ رسمهول؟ ,بوماوصم2© 0 


.0.189 01.م0 “ عأقاد عتوأاع 
2 16 ,08 .1966 بأكولا بلعل( رؤقعء2 566 126 ,كقع10 01 1/460 بلق ذتياها ,مودو 200 ١‏ 


.140 
. 1963 بكارملا بجعل8 ,كامو8 ممطمه001 ععميةة ,عومقط أه أوعلرو مطآ, علو ,ئع1017ز فى 


266 
4 .م ,لنط 9-1" 
- محمد ضياء الدين الريس (د.) الدستور والاستقلال والكورة الوطنية » ١556©‏ , دار الشعب ء القاهرة 1١91©‏ ا ص 47. 
- فاروق حورشيد ٠‏ م أ)ص.ذ اص ؟5١٠١.‏ 
0 - السيد ياسين ؛ م.س.ذ ء ص 81م 


'"' - عبد العزيز شرف (د.) ٠.‏ م. فوص ٠١‏ 


5-5 


لفق 


ىن 


6 بأأء.مه ,رلوعع8 , رين 
5.6 زط[ * 229 
2 - فاروق خحورشيد »م.س.ف اص 15 -م6ه 
('©2- حامد ريبع (د.) الثقافة العريية , م.س.ذ .. ض ١145‏ 
دتركق بحيب محمود ؛ المنطق الوضعي . ط4 : 7ج (القاهرة : مكتبة الانجلو المصرية , 1635) , ج 5 ص 40 
00 - زاكي أعيب محمود . موقف ف الميتافيزيقا » 8؟ (بيروت : دار الشروق . )١5845‏ ا ص ؟١٠,‏ 


40 


2 8 م6 

ل صلاح قنصوه , فلسفة العلم» ط5(بيروت : دلر التنوير للطباعة والنشر 2 547١):)ض‏ 
9" - المصدر تفسه ا ص .58٠0‏ 
9" - هائز ريشبناخ ء نشأة الفلسفة العلمية (القاهرة : دار الكتاب العرني )١454 ٠‏ ص8 . 

8 ح ّ َ 56. 
7" - فواد زكريا , آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة »الحيئة المصرية العامة للكتاب , 1918) 2 ص 
9" - صلاح قنصوة ء فلسفة العلم (القاهرة : دار الثقانة للطباعة والنشر + )١54١‏ 2 ص 58 . 
9 -المصدر تفسهوي ص .3٠١‏ 


4)-المصدر نفسه ص .5 .89١-‏ 


المصدر نفسهء ص0؟-١175.‏ 
27 المصدر نفسهء ص 58 . 
فيل 


- المصدر نفسهة ا ص9" . 


4004 


"حساسية فنان ما بعد الحداثة ازاء اوهام الحاضر" 
صلاح قنصوه 
يواجه الفنان اليوم عالما فسيفائيا مختلطا لا يسهل اخضاعه لتصنيف محدد 
يمكن ان تتخذ فيه الاحداث او الوقائع منازلها او مواقعها » بحيث يتيسر اختيار 
موقف معين ازائها . 
فالوضع العالمى اليوم يقدم بين ايدينا حادشات تشير الحيرة وتعصف بما 
استقرت عليه المذاهب والنظريات من تحليل وتفسير . لاشك انها لحظة متفردة 
ليس في وسعنا ان نسلكها في نسق تفسيري قانئم , أو نرجعها حادثا مطردا في 
مسار تاريخي معلوم.ومن هنا تنشأ الحاجة الى اعادة النظر في مسلماتنا جميعا دون 
استثناء . يعنى هذا ان يتخلل الشك في كل الحكايات النظرية السابقة ويتسرب منا 
اليقين ءن ويتهاوى الاساس المتين . 
يستجيب الفن » او الفنان بالأحرى للجديد ؛ او يستشرفه ء او يتلقاه على 
نحو اكثر رهافة ولكن دون الوضوح والالتزام بالمنطق المعتاد » الذى يتسلط على 
خطابات التداول والتواصل للتخصصات المعرفية والمؤسسات الاجتماعية على 
السواء . 
فهذا الوضوح وذاك الاستدلال يقومان على تعاقد او تواطؤ مسبق بين 
اطراف عمليات التداول والتواصل , وفقا لقواعد مفروضة سلفا » وتعريفات محددة. 
جاهزة . ظ 
اما الفنان فيستجيب للمثيرات الجديدة بندوع خاص من الحساسية المستقلة 
عن المواضعات المسبقة المهيمنة على الجميع . وبالتالي يكون اكثر حرية في 
استجابته للمثيرات الموضوعية ء بحيث لا يتوسط بين المثير والاستجابة ما يفرض 
عليه طريقته في الاستجابة او محتواها . 
ولاتعد حساسية الفنان ميزه او صفة "'لشخص" الفنان » بل هى قرينة او 
علامة قدرته على الابداع ٠‏ اى لفته . فشرط الابداع الفنى ومهاده الاصلى هو ادراك 
الفنان لقابلية العالم والواقع » والوجود للتحول والتشكل والتبدل بالنسبة للفنان . 


405 


وهذا الادراك او تلك الحساسية هى التّى تحول ما يبدو ضروريا وثابتا » وجامدا 
على ماهية يعينها » الى ممكنات يعيد الفنان صياغتها وتشكيلها ليجعل منها اشياء 
او وقائع جديدة هى اعماله الفنية. 

ولقد استطاع الفنان المعاصر ان يتلقى بحساسيته ما يموج في العالم اليوم ٠‏ 
وادرك هشاشة الدلالات الموروثة الوقورة التى تضفى على الاشياء » واحس بذوبان 
اليقين الراشسخ بان الاشياء معناها باطنى ٠‏ وبأن العلامات ومع51 تفرض من 
داخلها علاقة شفافة بين الدال"'والمدلول"اى بين مانسحه منهاء وبين ما نفهمه 
عنها . 

ومن ثم تطايرت الدلالات التى كانت توثقها النظريات والمذاهب والمواقف 
بالاشياء او المدركات الحسية . بعد ان اخفقت في تفسير ما يحدث » وانكشف 
بطلانها » واسفرت عن نفسها كمجرد حكايات او اساطير استعارت جدارتها من 
كثرة تكرارها . 

واحس الفنان برهافته المباشرة التى لا تبهظها اثقال النظريات والتفسيرات 
لما يحدث » واحس بان ما يوجد حياله هو عالم موهوم تغطيه شبكة كثيفة من 
الاكليشيهات النظرية اللامعه والرنانه وبان ما نواجهه هو نوع من الشبورة 
"النظرية المذهبية التى تخيم على الواقع وتحجبه . ووجداوا ان الوهم والتضليل 
هما اللذان يحلان مكان الإدراك المخلص للتعارض بين ما يزعم وبين ما يوجد فعلا . 
واصبحت الاجابات سابقه للاسئلة الحقيقية في ذلك الركام الهائل من البيانات 
والتقريرات التى كان بعضها ناجحا او ملائما في عمليات التداول والتواصل السابقة 


: وعندئذ قرر فنان ما بعد الحداثة الذى يواجه فوضى العولمة وسيولتها » ان 
يشتغل فقط على ما يتاح له ان يراه او يسمعه , او يلمسه او يدركه بحواسه ادراكا 
مباشرا . لذلك تثبت بالتفاصيل المادية الصغيرة دون ادعاء للعمق والمغزى - 
فحسبه السطح المادى ببعديه دون منظور او فكرة فالمرفا الآمن ء او المرساة 
الواثقة لااتكون الا بالعودة الى الاشياء نفسها دون مدلولات مضافة أو اغوار بعيدة 


04066 


ولهذا يمكن ان تكون الرواية الجديدة في فرنسا او الرواية المضادة "اف 
"الكتابة البيضاء ". او "درجة صفر الكتابة ' مكافنا " ادبيا للاتجاهات التشكيلية 
المعاصرة او ما بعد الحداثية . فالمهم لديها :" تفاصيل قليلة يسهل عدها .وهو ما 
يجعلها صورة واضحة: نقية ٠‏ تلقائية محددة . وهى مع ذلك سابقة في الفضاء في 
الوقت نفسه " او هى التعبير عن البرود » والانفصال . والعزلة » ورفض الاعتراف 
باى افضلية مسبقة بين المشاعر او الاشياء او الاحداث ... فالاشياء موجودة 
فحسب سطحها نظيف ومصقول . وهى قوية متينة . ولكن بغير بريق غامض أو 

والواقع يلا مستقبل ولا قيمة ولا معيار ... المهم هو تقديم التفاصيل دون 
اضافة اى معنى والانطباعات الحسية التى لا رابط بينهما . 

وهذا هو ما يشكل ما اسلفته عن فسيفساء التفاصيل واللمحات . لقد انهارت 
المركزية وانفرطت الصلات القديمة واعلنت المعقوليات الرصينة السابقة عن 
افلاسها . 

واصبح العمل الفنى تصويرا لمدرك حسبى , اى الدال ٠‏ دون اضفاء الاهمية 
او المعنى عليه . فيستمد العمل عناصره من الواقع الموضوعى المحسوس - وفي 
اوسع المشاهد ان يحيل التجربة الفنية الى عناصر فعاله في حياته اليومية المعتاده 
٠‏ لان الفن لا يفرض على المشاهد تمثل المدركات الحسية على النحو الذى يفضلها 
عن عالمة المباشر لكى تحلق بعيدا وتتحد في عالم اخر رمزى في اغلب الاحيان 
صفاء او دلالة او سموا بل ليغمر المشاهد نفسه في واقع الاشياء المباشر . 

فالجسد او موضوعية الاشياء هى اليقين الوحيد الباقى بعد غياب ذلك البعد 
الدلالى او الرمزى لان الجسد او الاشياء هى التى ترتدى قفازات الرموز العارضة 
والعابرة وبالتالى يمكن ان يخلعها ليظل هو نفسه دون اضافات من اوهام او دلالات 
متواطنئة . ١‏ 

ونجد مثل ذلك في الفنون التشكيلية عند "الفن الفقير" او"فن الحد الادنى" 
عند كارل اندريه وفى الفن الحركى »ء او فن الاوب . فثمة مساحات لونية تبدو 


عفوية ١‏ ولكنها تثير المشاهد وتدمجه في الخطوط والالوان بحيث يتتبع حركة يد 
الفنان وهى تبدع فتصبح مشاركة ايجابية بتحريك ذهنه وحواسه . 

فهو في كل الاتجاهات المعاصرة نوع من التجريب المستمر الذى تكون 
الحواس مقياسه وادواته . ويكون موضوعه الظاهر الخارجى » المتعدد والنسبى » 
والمفتت وغير المنطقى . وليس غير التخبط والاكتشاف واثارة الدهشة لافتقاد 
اليقين وغياب الاجابات السابقة . ويبدو هذا جليا في الفن اللاشكلى "١‏ والبقعية " 
والتصوير بالاداء ع18) 5ؤهم 22105 والايهامية التجريدية". والكيتش عغ2ك1 
والوحشية الجديدة " والبوب وعبر الطليعة والتصوير الردئ " في امريكا . 

ويعنى هذا في نهاية الامر ان فن ما بعد الحداثة ليس دعوة او رسالة » او 
التزاما بما ينبغى ان يكون مثلما صنع الفن الحداثي . بل هو استسلام لما كشفت عنه 
الحقبة الراهنة من سقوط الحكايات أو النظريات الكبرى وتسرب اليقين الذي كنا 
نركن إليه في تفسير الواقع الاجتماعي » أو تغييره . 


468 


عفوية » ولكنها تثير المشاهد وتدمجه في الخطوط والالوان بحيث يتتبع حركة يد 
الفنان وهى تبدع فتصبح مشاركة ايجابية بتحريك ذهنه وحواسه . 

فهو في كل الاتجاهات المعاصرة نوع من التجريب المستمر الذى تكون 
الحواس مقياسه وادواته . ويكون موضوعه الظاهر الخارجى » المتعدد والنسبى » 
والمفتت وغير المنطقى . وليس غير التخبط والاكتشاف واثارة الدهشة لافتقاد 
اليقين وغياب الاجابات السابقة . ويبدو هذا جليا في الفن اللاشكلى »"' والبقعية " 
والتصوير بالاداء ع15) 5ؤدم 22011052 والايهامية التجريدية", والكيتش )1+1 
والوحشية الجديدة " والبوب وعبر الطليعة والتصوير الردئ " في امريكا . 

ويعنى هذا في نهاية الامر ان فن ما بعد الحداثة ليس دعوة او رسالة » او 
التزاما بما ينبغى ان يكون مثلما صنع الفن الحداثي . بل هو استسلام لما كشفت عنه 
الحقبة الراهنة من سقوط الحكايات أو النظريات الكبرى وتسرب اليقين الذي كنا 
نركن إليه في تفسير الواقع الاجتماعي » أو تغييره . 








409 


الع طاعع:13 أقء*5 عصلء 1ل عل ععععن'[ عنتن 025020 )0ا0) طتذامعءء 
ععقئع تاعقطع142 تلج أ )012) عطآء0:م ندل 5إ2م 15 02235 0110006مع1 
عكاناة "0 أء ,132215 عناع2ة1 12 ع0 6022315531166 13 3 أتقم ع(تا'ل 
5 أمطاع<© 0116101165 7/6152 02 00121 220111102 06 120210<2) 30002 1011 
8 2 ععقصصعط دع غتاطنام اأعناعءءع أصعوغعم ع1 كمهل 211122015ع1د 

عل 1261015 


201117 0011116 ,06025101101 13[ 0116 ,31015 2ه , 307010612 أنا3؟1 11 
ع0 10112 13 عناا تأأقممء ,عأمقمدء06 عتاوتالى عمودعم عل ع00ط265 عمنا 
5 010165) 2/6 211565 21072 167011111011121 6256م 016ا0) عل 10110 
أل؟ دء , أوء 2116 .1م113 ناهاة أذ أأتقتةكناء065 008123115126 2آنا' ل 1011165 
ع 5621 عمداثل أء مع 1داء6 111162116 عبا 1ن عسصنثل عدمط 15 8 , 
قد 20ه؟ ع0 #عاع 'اناممة7 8 5ع[عممة 065ع20م ع0 أء “5عطء2ه دغل 

.01315 أع 731265التط 51622635 065 116م320م 13 16نا0) عأطدره0) 


ليل 


!قم ,ععطععء )0111‏ تعصمم1دمقتنا عل اه 211015م ع1 تالمع 
206 أ5ع ,(... 015561221221102 ,61321 1[ممناذك رع10218 ,556112 ,علطلا 
3512 أع» راع ]1ع لض .06501713215 5دلام 5ع1 5ع22200<2م 065 102 "الاك 
60 ل (« 20-2165610 » 52 0225 عبان ع2ا'0 221502 52 31015 أتاعص 
ب 066011511116111156 7262566 101016 20101 100113121 أ5ء 12226 16 51 
ذ د5عصنولله دعل علهامءل1ع00 ععددعم 195 ع0 د5عللاناعه 5علتتوعع 125 ععلج 
,00501112 ,عصتيظط1 ,ضمأماط ,عل أمعصصدط ,ع50221) 00155[ 105, 
قعل أء 66371-50181155[ 0131106) ,531055101 ,لقء1]1155 رأاععوء21 ,1اهء155ا0غ1 

0'3101565(. ْ 


7605 كعطء2ة مدعل دعد : عطمهدواتطم نال مصتعم باع92ة"1 غ12 

,5 ]2 065 1235865 065 013 عققآاط نال رعع2ة511 ندل عتناطعع1 13 01ت 

+ غقع22ءأمصناك ع1 كناد 1231211 ع1 نا [أأناء0 نبل ,عأاععع 12 ع0 ا 12 

ع .3525116م كال ع5ل1'02 ع0 06 عناء اع اناعم ع2 5 7اناة'ل تعلط 

ع1165,0م10مم0652 ع0 أده 02 1أعتماكدمء06 12 عل 00286 عتنجرمنج 

221011 ع0'0501 75نامه015 اناما تزع اناءعكقط 12156 ع0 ,اع اماع06 
ا 16010 ناه 510112( مداع 


-مع0-10ع15 ع1'6015 أنا0) #عنامع5 2 ألء تدم 10621098 
.11طماء76 2010116 عهنا 2 ناه ععل1'02 2 ع116 عغكمعم عمنكل عناو امع 
أء 25611111 5625 نال 1062165 15]1151201025از 165 1011165 ,50116 13 106 
5 10111-5617]1 أء عالاء51غ5 ؟ناع[ أطع20ءم عنالوأع 021010 عطأعأده عدنئل 
أء اناء )11561 1552 0ن ستكل تناف عل 


3 عأبقء5 73 عتلطاهعءة1 ع0 عع[عانامر 22‏ لملأمععطمك معااء 0 

0 ات عتتلاعة1 12 1ء1 12220107 3 الاعتطاء أناء5 202 1222102 
0 12 عل وءئءطغلمء كلام 5ع[ د5عنوتطمهدمالطم 5ع ءا دعل 
01 25216 نا ع/316 21108آلت01ئة عضنا 3 أذكنتة كتهط1 رءل[قأمعلاءع0 
5 عع128م و06 ع0 اء .المعصطء 5 1اطاءة0 عل 5غ60ع70م ع0 1201012 
5 أتقجناام 12 جعتكء ع15ضم22ع1 2ه'0ا0 كعناوتأللقك أ 11116521165 ذعاءاء) 
5ع ,رععطع ]011 158 ع0 5لطزتهولالعة وعل ‏ اع و5عطمه5م|[لطط 
. 310565 '0 62 1ط أء 8211265 70116 322ع2آ ,5دة5011 ,ع2ناء[10آ ,1011ه1“0106 


15لا 1511[ع06 أع11223 قنا ناء ع1[آء -)-ة عمد :ل ع0 غأغدومعم 2آ 
أوء 11 #عطهئة 20206 16 كضقل غأذتضيء2200 عع25عم 06 25ة1تامء 


لاع 1م 050[قط2 عل أاندة” رآ 
نل موع151-1 لع سسقطه711 


ا ع0 عثتغم ,1222103 دعنالوع13 ع0 «21102دم15ل 12 

ع6 06 « 5615 » 011 011651101 13 0561م 3 21626 120105 ,11011 :)5م1060 

0 5ع26مة 165 0225 عع32رط ل م128 121 2 نان 321ةتلا0ء 
151 1ع ماد نال 202162 12 غ216 الع تحط سناع ترم 


3 عل عذتررء: عدبا ملاع -اوء عمصعألتاسعل ومناءعتساكدمء06 هآ 

51 123215 ,ع1[ط0551م 1016 اوع") ‏ 9 علمعامععوععء10ع12 «1002 1 ءأصادء10]» 

012 18 و71 1156015 ع0 200-0612 51011161 1211ناه؟ ععوععل10ء1]1 

نازع ,11-)203:21ه - عع061011 ذاه ع6 1أطاناه ,(عأع2010ه1'0) عناط'1 عل 

83 ع0 عناوأطامه105تام « دمناعة "1 ,عأ ]وضمة'ل 150 دم15ل 15 

عاأأقالء] عقن لم رع[قأضعلامعه0 عفذمعم 18 ع0 عأمم1عء؟ عمنا تم أتقاءكم 
1٠‏ 06 701012116 عنانا 31م ع106نا8 


عصوء نل تسرء ل 15 مع تادع'1 صقل عأملا عل غ0111 أده 11 ,أكمتكى 
ماع00 عصنكل عطعنوطة "1 بده عتأءمع) عدنا 


001121 13نان 12165006 11126 225 1226116 أأاتنا10 2005 عم ع16[ء 
ا 065 ,أء1]1ء ص .5ع أماء15ل 5عء1[طهطم2م ع0 2 عل0اناع ع0 اعد 
,)3635 آ-عنامع2آ عممتاتط2 ناه لإعصدلط عنآ-صوع1 عتتصدمه 5ع20015م 
65 ]الام 26 ,11011 لتتأكصمء06 15 المعتاة6521 )1210م 1نا0 
.2215 لتققع بال ذ5عأمأءذلل 5عأمصل عل د5عم1اءعء عتقحدمء و5عععع510ممء 
لتقعع ع1 لالتلامء 25ص 2'0221 5ع طم 11050طم 5ع 1 دعل دع 51 206106 ,0ه 
لان 223226 ته 10622103 62101016 201101055 2 أنان0 12601210116 عع5213 
85 012216 025106865 ع6]5 العلاناعم . ع2 115 ,621006 ةم لء 
أء55ةلء 1 26ء310 072-اأد5ءع [أؤذللك .5آلاء]2لاللاممهء ‏ 5ع7611]2616٠‏ 
نام ععطمهده[نطم» ع0 أعة تنا عمتطمء عصصء تل أسعل عدتممعمامء "1 
.700 نال 7151012 011 573516116 رع12عاء00 12للامك 0116 


0 01165 أصطءة] 5ع تامع عل ع07طاعام 12 نالا رع وتاأولطمه50 306 اع 0 
ع ,1لا 1تة'0 رقع 1[[أص ل أنادس عل م6ؤوع» 2'"5 عطمه11050[طم 16 غ36 523172215 


بع أعلمقجء لذ ل دععتاع! وعل غأ1أناعة؟! 15[ 3 5328156 5311593 لتك عل رنعووع لمع ١١‏ 


برط 1974 مز لعنهو011؟ عمع8 ع5ع12. .كممزازووط لصة_ ورملأمستصسيعوولط 
.5525 01 61 اناك 8 3200 0135 


لعممععمهم لإامتهم ذز ورعمة2 لمعتطدهك0للطط 2ه عنادذا امعوععم ع1 
4 أطعنمطا عتطدعة ‏ 021612205351 01 مملاأعورعامز1 عط طااب 
لصة ععدعت0111 05 أععمدء هذ ل[القاععمىء ,دع مناه 2:5لمع2آ] 
عط 01 0155010106 قلط صذ ,لاتتقطكآ امم تدز الهم .لطأوء ال 
4 طورخ عط 2ه نإومواماعه5 كتط مذ مجه ععمعى زط غ0 بزطممهوه[تطط 
01 2و أكنااعءئت عطا مغ ك1اع5 عطا ده وم تاأماوععمم عط دعجلا تاكن 
أحث أنلطم وعظ8 صنذاحدذ أعلطم .لإزعمأ5أء50 ورعاوء/مآ مز ركاماء13 
20 إانادعل1') طدلزدكم صذلانصنا؟ لسع (لجأنمع10 لصد م365 نل122') 
لذ هذ ممنتاءتساكهمءء0 01 21055 متضقعء جم عناكسام ((ععرع م21[ 

1> 211515 01. 


ك6 د نعلتنه1 -لى نطاه لصة 'ععمع 01116 04 بواتادوء.ط1' ألى هآ 
4 0176151 01 كأمععطم ع8 ”101051 04 بإطمموه[ئطط عط دآ 
مه 35 ل0علتأسيدي معد ع111 [1112م0م 320 أوسيذآنته صذ ععرع 012 
معطم .قاطعم مقصسط 0صة لإعمعءمرصعل 10 ممناءنالمتماه1 
5+ 05 تتتناكاتثظ 0عتققطه1384 علناعمز كنمانط ماهم 
2 زوء 51 زطمقاعط لنة لصتم عنتصوأ؟آ1 10 لعزاممة ذمتء تساكدمءء0 
أأذث 220 00قأل تعاوء 177 01 066025101102 800 عناوتلايى عطا ده 52101 

ك1 عأطهمف 0111612210103 01 اواك اك 2ه طمد1][ 


01 تتهنره0 عط 10 0211260 ]20 356 5زرن 1 ناط تادصم 1062102:5آ 
لإتققع]11 [7112ع نكما عتزرم5 0عع2000م 8150 كقط ع11 .لإطهده1لطط 
عاقط 121615 01 22621 لقة 5ع أألتكء هعم 01 «ععطونام 3خ .ملتترزكل11[تء 

.701 قلط 01 أعع6م25 قلطا طااة مهلأ تسيع؟ ععلوعء طويمفقعط) ع1220 


5 ,536221ع27 عه كقط ,للاعل 201-155 مولعع لم -طعمعءظ 8 ,1062102 
لقة 5تعلصتط طوعة 01 كلصلطد عط مز - نوع 1[اد عنؤ15 5لطا 
لدأعني 3 20206 ومأتكقط ,50 00 10 علالتاممء [أزه لسة 5ع تدمء2620 
01 101010301005 عغطا 01 21102متسقي عط[ط) 0غ ره تأناطعاهامء 
مرعاوء/7آ 04 ععمعء20ء250ة) عطا 220 اطعتامطة أوعتطدهدملتطم 

لاك اننا 


سوط ,د رء :اهشر 


1011112 220 711102 )أقصمعءع12 :103تدء12 
انالا 01 ©1101011) 21210 135ل2عغ1 01 5غأع 51121 


رتل1 215 01 21111315615 3 :156اآنكء عأطهعجم 10 72ع512218 520 15 2103ء10 
98 ٌ5لط 01 16201025أمصرد 3520 10:2!15ا حلط 01 63251911085 
0 تقلط 12001128 01 غ351 ع1 ./إ12[م015 مه لالمطيد عق 5علع5)216 
لاع 5061010 320 لاكاع نالك 'حنقعا! ,لإطمهذه[اتطم عتطوعم 6ه كل1اءع5؟ عطا) 
4 1656356155 ,5كعلأصطلطا 2160ئطء[عهء لإط 72عل[ة م010 5هبم 
0ن عطا غأهط) '(53 كتلط نتمم ع/1لآ .0:10/زا طومةخ عط 01 تن 1ررء2220 
ع5 01 516هم لدععء121 مه 07م لإ 15 عتطومدمالطم 2[ ع0 كعع دلخ 1ه 
0 2656266 1012 51111 2 15 )1 .أطعنامط أدعتطمه105تطام أه عزل50 12دن1 
0 01-أطعلامطاصنا عط مره؟ لهة عع هطع )أن 10 ععمع زد دده ,ععمعوعيم 

105 01 511285 لتقم عط 


15م 18581 نأ تعطامصة لتنة 02150 صل اتنا زو0م لاد عع13:8 ذم 
01 50126 ع3 115656 :1061151512ناا 01 21511101165 ,11025 نتتأكتزامء06 31210 
20177 15 2656266 01 1675م 11050طم ع1 . م0012[ عط 01 ككاتقصلصدا عط 
5 111265 كناوأعة؟ 6ه لعطتووعءل كور عط عصرتاء؟! علط صذ تأمعوطة 
-1011* 2 320 *أنلطم0؟ للاع0؟ 3 ,"قعل تع [طن20) عتطمه05[لطم' 5أعع2ة1آ1 
ععقطا لفط عط ,تعلاننا مقطاهده1 160 عصالرمءعم ‏ .بوعل [زوإبوعل 
70 5اءاع) [122طم050[لطم 01 عع20ع: 3 2320 عتعطم11050طم 2 (1) :كاععم25 
01 ع1كن(طم1212 15 320 اكلاوعءعم0ع10 5ناوء177 عغطا 10 1102ضع20 دعل 
5 5أءا16] 01 16201285 7/1056 1216101161 320 162062 3 (11) ععمع5ع16م 
5 ا 6م50 27 3 320 32317565 ]102115 10 ع215 علااع 
01 قتتع[طمىم طللت 0عمتععممه معلصلطا )2115 ناأعنصاد-اومم 3 (11) 

.11 320 ع131181138 


515 05 (12200106002 هه آ7311) 211092[كضقءا حلط عسته11ه]آ1 
لقستدة؟ ععغطا أناه اطعناوءط م100 ,عتاعجرمعع 13 عل عمتأعتمه نآ 
أع عتلطاتعط [ .عمعدط | زولا عآ :1967 12 ك5كاهمط 
01 325121108 عأطقتة كقنة) عزع10م ف تتستدعع 12ع10 220 ععمعع0111ا 
01 33 تقلط لع تناعة5 70115 12656 .(/ا72 02062 15 12162 عطا 
عععط) 1972 ه[ .19605 عئغها عط صزع1! أقداءء1اعامذ طعمعط هذ ععدام 


12 _.عتطم1050تطم 12[ عل ععتقللل :0101م ع0روء 5عط10نا0[1؟ ع202] 


84015/ 0 


(75ع2207آ 27110507111201( 
5, 3م .7 1116 


2 771الهل النفط4 لمدطق : ك1 01) - 1ق - 101101١‏ 


1174 - رلا 140/127:160 : 101107 طلاى 
أعنع 401501 ش 
01 11707717 1071017 11055071 171401107 4771106 


. 822/17 4061 اده 7 دلق أطناه 1 57707051 1715/7017 
أكلا|ه- لك 11550771 50(264-اطا اتو اهم 1 70 1/017 


[8100 1نه1::[ 4411-12 7716 1012612 77/001 5011171 
«طهمكا - افطل ج616 
ظ 0 0 7 
41-7011 1 جل4ف0]ك كلك 
2100101011010011ظ2ظ2 1/24 وى سورالات ره 01 41 
111/1/ع 1/10 نا0 50015212 .1 1011-1 
اوم 1 امي 50056 1 0 تله وتزبلى «مطملة 


1/8 ل يلف :1115 


141/015 ع 1141108171 
و3 :2071 4/1710 0 4نرم3 10/:077164/ 


6 10 020 تعنددتملر © 101414[ى د5عأء0711 0710 257011067126 207) 4/1 
: 0007655 10110001118 


207 . 47177160 411 1211771 920 | 

0115| 0«أله©) [0 7م31 [0 كعطاررء//1 , 18 0 كتهاا كز عل810 
عاأطممء! طهجة4 , ه012 , 115111 ١زءعء[الاطه/1‏ - لك , 1215111 
65 :161/0 , اوناع 1 


102١ 110000031‏ 211 خخ كذ .1 01412114 : لنأه11 -8آ 
01خ 1 4 :ه511 أءع/71آ1